آل راشد



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

آل راشد

آل راشد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
آل راشد

ثقافى-اجتماعى

*** - اللَّهُمَّ اَنَكَ عَفْوٍ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعِفُو عَنَّا - *** - اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك . *** - اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا تَوْبَةً نَصُوحًا قَبْلَ الْمَوْتِ وَ ارْزُقْنَا حُسْنَ الْخَاتِمَةِ . *** -

إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا شَابَتْ عَبِيدَهُمْ.. .. فِي رِقِّهِمْ عَتَقُوهُمْ عِتْقَ أَبْرَارٍ .. .. وَأَنْتَ يَا خَالِقِيُّ أوْلَى بِذَا كَرَمًا.. .. قَدْ شُبْتُ فِي الرِّقِّ فَأَعْتَقَنِي مِنَ النَّارِ .

المواضيع الأخيرة

» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
(( 4 ))  مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .   Ooou110أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد

» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
(( 4 ))  مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .   Ooou110أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد

» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
(( 4 ))  مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .   Ooou110الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد

» العبادة وأركانها
(( 4 ))  مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .   Ooou110الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد

» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
(( 4 ))  مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .   Ooou110الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد

» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
(( 4 ))  مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .   Ooou110الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور

» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
(( 4 ))  مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .   Ooou110الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد

» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
(( 4 ))  مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .   Ooou110السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد

» هيئات السجود المسنونة
(( 4 ))  مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .   Ooou110الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد

» (( - 2 -)) خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
(( 4 ))  مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .   Ooou110الأربعاء نوفمبر 13, 2024 11:28 pm من طرف صادق النور

اهلا بكم

الثلاثاء نوفمبر 08, 2011 2:32 am من طرف mohamed yousef

(( 4 ))  مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .   Ooousu10

المتواجدون الآن ؟

ككل هناك 94 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 94 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحث

لا أحد


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الأربعاء سبتمبر 15, 2021 4:26 am

احصائيات

أعضاؤنا قدموا 10128 مساهمة في هذا المنتدى في 3405 موضوع

هذا المنتدى يتوفر على 311 عُضو.

آخر عُضو مُسجل هو Pathways فمرحباً به.

دخول

لقد نسيت كلمة السر

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع


    (( 4 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود (( 4 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

    مُساهمة من طرف صادق النور الثلاثاء أكتوبر 15, 2024 9:45 pm

    ا قبله : -

    موقفه صل الله عليه وسلم مع أم عبد الله بن عامر رضي الله عنه ..

    (( أما إنك لو لم تعطه شيئاً كُتبت عليك كذبة))



    عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه أنه قال: "دعتني أمي يوما ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاعدٌ فى بيتنا، فقالت: ها تعال أعطيك، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( وما أردت أن تعطيه؟ ) ،قالت: أعطيه تمرا!!، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( أما إنك لو لم تعطه شيئاً كُتبت عليك كذبة) رواه أبو داود .

    تفاصيل الموقف : -

    على الرغم من كثرة المشاغل وتعدّد المسؤوليّات التي أُلقيت على عاتق النبي –صلى الله عليه وسلم- في أواخر حياته بعد أن وضعت المعركة مع الباطل أوزارها وتحقّق النصر على قريش ومن تبعها، إلا أنّه لم تغب عن باله لحظةً كوكبة المؤمنين الذين هاجروا من مكّة، وشاركوه المصاعب التي أحاطت بالدعوة عند بداية ظهورها، وقاسوا معه الآلام العديدة والابتلاءات المتنوّعة التي حفرت في جبين الذاكرة أخاديد عميقة لا يمحوها الزمن، ومن بين الأسر الكريمة التي حظيت بالرعاية النبويّة أسرة عامر بن ربيعة رضي الله عنه.

    إنها أسرةٌ فاضلة "مهاجريّة" من الطراز الأوّل، فعامر بن ربيعة رضي الله عنه الذي أسلم قديماً بمكّة، كان قد هاجر مع امرأته إلى الحبشة ثم عاد منها بعد ذلك، وزوجه: ليلى بنت أبي حثمة رضي الله عنها تُعدّ أوّل من هاجر إلى المدينة من النساء على قول جمعٍ من المؤرّخين، ومع توالي الأيام وتلاحق الأحداث لم تزدد هذه الأسرة المباركة إلا اكتمالاً، ودفاعاً عن النبي –صلى الله عليه وسلم- ومساندةً له، حتى في أحلك الظروف.

    لهذه الأسباب حظيت هذه الأسرة الكريمة باهتمام رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، فكان يتعاهدهم بالزيارة بين الحين والآخر، ليقف على أخبارهم، ويُلبّي احتياجاتهم، ويتفقّد شؤونهم، ويشاطرهم الحديث.

    ونتناول اليوم موقفاً نبويّاً دارت أحداثه في إحدى تلك الزيارات التي كان النبي –صلى الله عليه وسلم- فيها عندهم، ويرويه لنا صغيرهم عبدالله بن عامر رضي الله عنه؛ فقد سجّل لنا ما دار ذلك اليوم وما شاهده بنفسه وما سمعه بأذنه بالرغم من أنه لم يتجاوز في ذلك الحين الخمس سنوات من العمر.

    يذكر عبدالله بن عامر رضي الله عنه، دخول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وجلوسه عندهم، وكعادة الأطفال لا يقرّون في موضع واحد، بل يذرعون البيت وينطلقون في أرجائه لعباً ولهواً.

    ولعلّ والدته رضي الله عنها أرادت تقديمه للنبي –صلى الله عليه وسلم- كي يُبارك عليه ويلاطفه، فأغْرتْه بالقدوم مقابل أن تعطيه هديّة صغيرة كانت عبارة عن شيءٍ من التمر، فنادته قائلة: " ها، تعال أعطيك"، أو أنها أرادت منه أن يتناول التمر ليتغذّى به.

    المهم هنا هو أن النبي –صلى الله عليه وسلم- استوقفه هذا الكلام من أم عبدالله ، وأراد الاستفصال أكثر فقال لها: ( وما أردت أن تعطيه؟ ) ، فأجابته قائلةً : أعطيه تمراً!.

    فألقى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من جواهر الحكمة عبارةً علقت في ذهن الغلام الصغير، فكانت من أعظم الدروس التي ظلّ يذكرها طيلة حياته: ( أما إنك لو لم تعطه شيئاً كُتبت عليك كذبة) .

    إضاءات حول الموقف : -


    من السهل على المرء أن يتكلّم كثيراً عن أصول التربية ومنهاجها وضروراتها، ومن الممكن جدّاً تحديد القيم الفاضلة والمباديء السامية التي ينبغي غرسها في نفوس الناشئة، لكن في المقابل يصعب جدّاً الارتقاء بالدور التربوي ليكون قدوةً قبل أن يكون إرشاداً، وعملاً قبل أن يكون قولاً، وواقعاً قبل أن يكون مُثُلاً نظريّة.

    هذا هو المعنى العميق الذي انطوى تحت مظلّة الموقف النبوي سالف الذكر؛ فإنّ المربّي -سواءٌ أكان والداً في البيت، أو معلّماً في المدرسة، أو ناشطاً في حقلٍ دعوي، أو شيخاً في الحلقة- تحت المجهر دائماً من قِبَل المتربّين خصوصاً عندما يكونون في المراحل العمريّة المبكّرة.

    وما دام الأمر كذلك، فإن أي فعلٍ يصدر من المربّين إنما هو بمثابة التوجيه الفعلي للمتلّقي، الذي لو تعارض عنده قول المربّي وفعله فلعلّه أن يُقدّم الفعل لاشعوريّاً، لذلك كان على المربّين استشعار خطورة الأمر والتنبّه  ..
    لقول الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} (الصف:2-3).

    ولربما ظنّ البعض أن المسألة أهون من ذلك، وأن الأمر ليس سوى كذبة صغيرة، لكنّ الطرف الآخر لا ينظر إليها كذلك، خصوصاً وأن الأطفال يحبون المحاكاه من تلقاء أنفسهم، فينشأون على هذا الخلق الذميم.

    ويظهر الأثر المدمّر للكذب على الأطفال في صورة فقدان الطفل للثقة بأبويه جرّاء عدم التزامهما بالوعد المقطوع، الأمر الذي يجعله يشكّك في أي وعدٍ مستقبلي صادرٍ منهما، وحبل الثقة بين الوالد والولد إذا انقطع فإنه يصعب وصله.

    ومن اللطائف التي ينبغي التوجيه إليها -غير ما تقدّم-، عدم استخدام المعاريض والتورية أثناء التعامل مع الأطفال إلا على أضيق نطاق؛ والتورية هي النطق بالكلمة أو الجملة يكون لها معنى قريب يرتسم في ذهن المتلقّي ومعنى بعيد يقصده القائل، والسبب في المنع هو أن الأطفال لا ينظرون إليها إلا كحيلة أو كذبة، ولا يفهمون حقيقتها.

    والمقصود من مثل هذه التوجيهات أن تُغرس فضيلة الصدق فى نفوس الأطفال وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدى إلى البر، وإن البر يهدى إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدى إلى الفجور، وإن الفجور يهدى إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ) متفق عليه واللفظ لمسلم .

    =====================================
    موقفه صل الله عليه وسلم من المرأة التي مات ولدها ..

    (( إنما الصبر عند أوّل صدمة  ))

    عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى على امرأة تبكي على صبي لها، فقال لها: ( اتقى الله واصبري )، فقالت: وما تبالى بمصيبتي؟، فلما ذهب قيل لها: إنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم
    فأخذها مثل الموت، فأتت بابه فلم تجد على بابه بوّابين، فقالت: يا رسول الله لم أعرفك، فقال لها: ( إنما الصبر عند أوّل صدمة ). أو قال - ( عند أول الصدمة ) متفق عليه واللفظ لمسلم .

    وفي رواية البخاري أنها قالت : "إليك عني فإنك خِلْو من مصيبتي"


    تفاصيل الموقف :

    "مات ولدي" عبارةٌ لا تتجاوز في رسمها حروفاً سبعة، لكن وقعها على الأم المكلومة كان بمثابة صاعقةٍ زلزلت كيانها، وهدّت أركانها، وأضرمت الأسى في أحشائها، لقد مات فلذة كبدها، وريحانة فؤادها، وسلوة أيّامها.

    ها هي تنظر إليه وقد توقّفت أنفاسه، وشخص بصره، وبرد جسمه، وانسلّت روحه صاعدةً إلى باريها، تنظر إليه وقد تحلّق من حوله أهله وذووه يبكونه ويذرفون الدموع عليه، تنظر إليه والماء المسكوب يتساقط على جسده الطاهر ليزيده نقاءً فوق نقاء، تنظر إليه والكفن الأبيض يغطّيه –وتودّ لو كانت ذلك الكفن-، تنظر إليه والصحابة الكرام يأخذونه على الأكتاف ويقدّمونه للصلاة عليه.

    والآن تقف على شفير القبر، وترى أكوام التراب تعلو جثّة حبيبها، لتُعلن ذرّاتها أن اللقاء ما عاد ممكناً، وأن الفراق قد صار حتماً، وتحتشد هذه المشاعر المأساويّة لتخرج دمعاتٍ تحمل أثر الحزن ومعناه وسرّه، وسرعان ما استحالت تلك القطرات إلى سيلٍ من الدموع والنشيج، والنواح والعويل.

    ويُقدّر الله أن يمرّ النبي – صلى الله عليه وسلم - على القبر فيرى امرأة قد أخذ منها الأسى كلّ مأخذ، حتى جاوزت بذلك الحدّ المقبول من الجزع والانزعاج، مع التقصير في مغالبة الحزن ومدافعته، فكان لابدّ من واجب النصيحة والتذكير حتى لا تجمع بين عظم المصيبة وتضييع الأجر، فقال لها: ( اتقى الله واصبري ).

    ويبدو أن المصاب كان قد شغل بصر المرأة وسمعها وقلبها جميعاً، فلم ترَ إلا صورة ولدها، ولم تسمع إلا صوته الدافيء، ولم تشعر إلا بالحنان إليه، فعاود النبي – صلى الله عليه وسلم - قوله إشفاقاً عليها أكثر من مرّة – كما ورد في إحدى الروايات - .

    فالتفتت المرأة غاضبةً وقالت: "إليك عنّي، فإنك خِلْو من مصيبتي" وهنا أدرك النبي – صلى الله عليه وسلم - أن غشاوةً سميكةً أحاطت بعقل المرأة حتى لم تعد تدرك ما تقول، وأن هول المصيبة أفقدها اتزانها، فتركها وانصرف.

    وعدما ذهبت السَّكْرة، وحلّت الفكرة، تذكّرت أن "شخصاً ما!" كان يُحادثها قبلُ ويُصبّرها، وتساءلت في نفسها عن شخصيّته، وإذا بالجواب يأتيها من ألسنة الناس: "إنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، وكأنما لُدغت المسكينة بعقرب فاكفهرّ وجهها وطاش عقلها، وانطلقت مسرعةً إلى بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام نادمةً على ما كان منها، ساعيةً إلى تصحيح خطئها.

    ولم يكن على باب بيت النبي – صلى الله عليه وسلم- حرسٌ يمنعون الناس من الدخول عليه، فدخلت عليه وهي محرجة لا تدري ماذا تقول وكيف تصنع، ثم قالت أخيراً: " يا رسول الله لم أعرفك!".

    وهنا تتجلّى عظمة النبي – صلى الله عليه وسلم - حيث تجاوز هذه النقطة سريعاً، ولم يحمل في قلبه أي ضغينة عليها، إنما ركّز اهتمامه على تأديب هذه المرأة وتنبيهها على ما فاتها من الثواب العظيم الذي ضاع من بين أيديها، نتيجةً للضعف الذي اعتراها في اللحظات الأولى من الحدث، فقال لها: ( إنما الصبر عند أوّل صدمة ).

    إضاءات حول الموقف :


    لا مفرّ في هذه الدنيا من مواجهة صنوف البلايا، فتلك سنّة الله في خلقه ما داموا في دار الامتحان،
    قال سبحانه وتعالى  - {ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون} (الأنبياء:35)، إنما الشأن كلّ الشأن في مواجهة عواصف البلاء وكوارثه بثبات جنانٍ ورباطة جأش.

    ودور الإيمان هنا هو سياسة الروح لتحتمل هول المصيبة وشدّتها، وإشاعة مشاعر الرضا بقضاء الله وقدره حتى تنزل السكينة في قلب صاحبها، ويتحوّل الجزع والسخط إلى ثقةٍ بالخالق سبحانه، وطمعٍ فيما أعدّه من الثواب الجزيل والخير العميم للصابرين،
    قال تعالى - {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}(الزمر:10).

    وقول النبي- صلى الله عليه وسلم -: ( إنما الصبر عند أوّل صدمة ) يشير إلى مرتبة الكمال في الصبر، فإن المصيبة بطبعها لها أثرٌ مروّع تزلزل النفس وتزعج القلب، فإذا ثبت المبتلى في لحظاته الأولى سَهُلَ عليه الأمر وهان عليه الخطب، فتراه مع الأيام يسلو ويستديم الصبر بعد الاعتياد على الواقع الجديد، من هنا جاء التفاوت في الأجر واستحقاق المدح بين الصابرين عند الصدمة الأولى والصابرين بعدها.

    وفي الموقف جملةٌ أخرى من الفوائد التربويّة، منها: بيان حسن خلق النبي – صلى الله عليه وسلم - حيث لم يغضب لنفسه، ولزوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاعتذار لأهل الفضل والاعتراف بالخطأ، وأن كثرة البكاء على القبر يُنافي الصبر، كما يدلّ الموقف على عذر الإنسان بالجهل سواء أكان جهلاً بالحكم الشرعي أم جهلاً بالحال.

    ==================================

    موقفه صل الله عليه وسلم مع  أنس بن مالك رضي الله عنه ..

    (( لا تخبرنّ بسر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحداً  ))


    عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "أتى عليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا ألعب مع الغلمان، فسلّم علينا فبعثني إلى حاجة فأبطأت على أمي، فلما جئتُ قالت: ما حبسك؟، قلت: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحاجة، قالت: ما حاجته؟، قلت: إنها سر!!، قالت: لا تخبرنّ بسر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحدا، قال أنس : والله لو حدثتُ به أحداً لحدثتك به يا ثابت " متفق عليه واللفظ لمسلم .

    وفي رواية البخاري : " أسرّ إليّ النبي -صلى الله عليه و سلم- سِرّاً، فما أخبرت به أحدا بعده، ولقد سألتني أم سليم رضي الله عنها -أمّه- فما أخبرتها به".

    تفاصيل الموقف : -

    ها هي ذي أيّام الغلام الصغير أنس بن مالك تنساب كالماء الرقراق في الأودية الخصيبة، وكالنسمة الباردة التي تهبّ تحت ظلال الأشجار، منذ أن تغيّرت حياته بقدوم النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، فقد عهدت به والدته الغميصاء بنت ملحان رضي الله عنها إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام قائلة: "يا رسول الله هذا أنيس ابني، أتيتك به يخدمك".

    ومنذ ذلك اليوم بدأت مسؤوليّة أنس رضي الله عنه في خدمة النبي –صلى الله عليه وسلم- ومرافقته في حلّه وترحاله، فكان رضي الله عنه لا يألو جُهداً في تلبية رغباته وتنفيذ أوامره، فنال ما لم ينلْهُ غيره من أقرانه في تلقّي الهدي النبوي والعيش في كنف رسول الله وتحت رعايته.

    ويروي لنا أنيس -كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يناديه تدليلاً- يوماً من أيّام سعده وهنائه، حيث فرغ من أداء واجباته ذلك اليوم، فانسلّ من بيت النبوّة ليلعب مع الغلمان في أزقّة المدينة ونواحيها، فهو وإن كان خادماً للنبي –صلى الله عليه وسلم- إلا أنه يظلّ في سنّ الصبا وريعانه، وما يعنيه ذلك من الحاجة إلى اللهو البرئ.

    وبينما هو منهمكٌ في اللعب إذ قدم عليه النبي –صلى الله عليه وسلم- فألقى عليهم التحيّة، ثم أشار إليه إشارةً خفيّةً ليتنحّى به جانباً، ويُسرّ إليه بمهمّةٍ خاصّة.

    ولا ريب أن النبي –صلى الله عليه وسلم- ما اصطفى أنساً لهذه المهمّة الخاصّة دون غيره من أقرانه، إلا لما رآه فيه من المؤهّلات والصفات التي تؤهّله لهذه المهمّة.

    ولم يكد الأمر النبوي يطرق سمع أنس رضي الله عنه حتى هبّ واقفاً وانطلق من فوره يستقصي حاجة النبي -صلى الله عليه وسلم- ويسعى في تنفيذها، فأخذت منه وقتاً ليس باليسير حتى أنجزها على أتمّ وجه.

    على أن أمّه رضي الله عنها أحسّت بتأخّر وليدها أنس إذ لم تعهد ذلك منه، وما إن رأته يدخل عليها حتى بادرته سائلةً: "ما حبسك؟"، فنظر إليها أنس وقال لها: "بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحاجة"، ولم يزد على ذلك حرفاً!.

    أرادت الأم أن تستفصل أكثر، فعاودت السؤال: "ما حاجته؟"، فردّ عليها أنس بأدبٍ خالجه شيءٌ من الاعتذار: "إنها سر!!"، كلماتٌ قليلةٌ تدلّ على نضج شخصيّة هذا الغلام النبيه، فلقد أدرك على صغر سنّه أنّه ما كان له أن يكشف عن سرّ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ولو كان لأقرب الناس إليه.

    أكبرتْ الأم هذا الموقف السامي من غلامها، فأرادت أن تعزّزه في نفسه وتوطّده في مسيرته، ليظلّ وفاؤه مبدأً راسخاً لا يمكن أن يتنازل عنه مهما كانت المغريات، فقالت مؤكّدة: "لا تخبرنّ بسر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحداً".

    وبهذا ينتهي الموقف، ويمضي الزمن، ويتنقّل أنس رضي الله عنه من مرحلة عمريّة إلى ما فوقها، حتى جاوز المائة عام، ولم يزلّ سرّ النبي –صلى الله عليه وسلم – محفوظاً، ولم يزل هذا الموقف أحد مفاخره رضي الله عنه التي عبّر عنها بقوله: "والله لو حدثتُ به أحداً لحدثتك به يا ثابت " .

    إضاءات حول الموقف : -

    لو وضعنا هذا الموقف تحت مجهر التأمّل والاعتبار، لخرجنا منه بفوائد عديدة تصلح كلّ واحدة منها لبحثٍ مستقلّ، وحسبنا أن نشير إليها إشارةً عابرة كي يستفيد منها القارئ، فنقول:

    من فوائد الموقف، التنبيه على حاجة الأطفال إلى اللعب والترفيه، لتحقيق التنشئة الاجتماعيّة المتوازنة، والقيام بارتقاء النفس واكتساب المهارات الشخصيّة والقدرة على التواصل مع الآخرين ، ولذلك نجد علماء النفس والاجتماع يؤكّدون على أهمّية اللعب للناشئة ودوره في التربية، بل قاموا بإدخاله في المخطّطات والبرامج التعليمية.

    ورسول الله –صلى الله عليه وسلّم قد سبقهم في ذلك كلّه فأقرّ لعب الأطفال في أكثر من موضع من سيرته.

    ومن فوائد الموقف:
    حرص النبي –صلى الله عليه وسلم- على معاملة الأطفال بمنطق المسؤوليّة والتوجيه ليصنع منهم رجالاً، ويجعلهم ذخيرةً للأمّة في مستقبلها، نلمح ذلك من خلال قيامه عليه الصلاة والسلام بإلقاء السلام على الصغار،
    وهذا السلام وإن كان الهدف منه نشر قيمة السلام في المجتمع، إلا أنّه يحمل في طيّاته الرغبة في تعويد الصغار على الاستماع إليه ليعتادوه، ثم يطبّقوه مع غيرهم، كما يهدف إلى إزالة الحواجز الخفيّة التي تمنعهم من التعامل الإيجابي مع الأكبر منهم سنّاً، ليكونوا أقوياء على الحق، وتنشأ لديهم القوة النفسية التي تحمل صاحبها على معالي الأمور والبعد عن سفاسفها، وهذا هو عين السبب الذي جعل النبي –صلى الله عليه وسلم- يستحفظ سرّه عند غلامه أنس رضي الله عنه وهو بمثل هذه السنّ.

    وفي سؤال الأم لابنها حول أسباب تأخّره، لفتةٌ مهمّة إلى دور الأسرة في تفقّد أولادها ومتابعتهم الدقيقة، بحيث يلحظون ما يطرأ عليهم من تغيّر في السلوك خصوصاً مع كثرة المؤثّرات خارج النطاق الأسري، ومثل هذه الرقابة الدقيقة وغير المباشرة تسهم في اجتثاث أي انحراف طارئ، ومن ثمّ تداركه قبل أن يستفحل خطره ويعظم أمره.

    ويعظم موقف الأمّ عندما لم تلحّ على ابنها في السؤال، في حين أن كثيراً من نساء المسلمين ُيكثرن من سؤال أولادهنّ في الأمور التي تتعلّق بالآخرين وخصوصيّاتهم، ما يعود بالأثر السيئ على الطفل وسلوكه، فينشأ فضوليّاً غير قادرٍ على كتمان الأسرار.

    ومما يستوقفنا من الحوار بين أنس رضي الله عنه وأمه، قوله عنها : " فأبطأت على أمي"، إنّه تأنيب الضمير على تأخّره وما يعكسه من اهتمامه بأمرها، بحيث كان قلقه نابعاً من داخله وبقناعة تامّة منه.

    ثم تبقى الإشارة إلى بيان أهمّية كتمان السرّ وحرمة إفشائه وتضييعه، وقد جاءت بذلك جملةٌ من النصوص الشرعيّة،
    كقول الله تعالى في محكم التنزيل - { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا } (الإسراء:34)، وقول النبي –صلى الله عليه وسلم – : ( إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها) رواه مسلم ،
    وقوله: (إذا حدث رجل رجلا بحديث ثم التفت فهو أمانة) رواه الترمذي ،
    وقوله: ( لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له) رواه أحمد .

    ===================================

    موقفه صلى الله عليه وسلم-  حين أتي حائطا للأنصار لبني النجار ..

    (يا أبا هريرة -وأعطاني نعليه-، اذهب بنعليّ هاتين، فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشّره بالجنة)


    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:" كنا قعودا حول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معنا أبو بكر وعمر في نفر، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بين أظهرنا فأبطأ علينا، وخشينا أن يُقْتَطَع دوننا، وفزعنا فقمنا، فكنت أول من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أتيت حائطا للأنصار لبني النجار، فدرت به هل أجد له بابا فلم أجد،
    فإذا ربيعٌ يدخل في جوف حائط من بئر خارجة - والربيع الجدول -، فاحتفزت كما يحتفز الثعلب، فدخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ( أبو هريرة ؟) ، فقلت: نعم يا رسول الله، قال: (ما شأنك؟) ، قلت: كنتَ بين أظهرنا، فقمت فأبطأت علينا، فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا فكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب، وهؤلاء الناس ورائي،
    فقال: (يا أبا هريرة -وأعطاني نعليه-، اذهب بنعليّ هاتين، فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشّره بالجنة) ، فكان أول من لقيتُ عمر ،
    فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة ؟، فقلت: هاتان نعلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثني بهما، من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشّرته بالجنة، فضرب عمر بيده بين ثدييّ فخررت لاستي، فقال: ارجع يا أبا هريرة ، فرجعت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأجهشت بكاءً، وركبني عمر فإذا هو على أثري، فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( ما لك يا أبا هريرة ؟) ،
    قلت: لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به، فضرب بين ثدييّ ضربةً خررتُ لاستي،
    وقال: ارجع، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا عمر!، ما حملك على ما فعلت؟) ، قال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه، بشّره بالجنة؟ قال: (نعم ) ، قال: فلا تفعل؛ فإني أخشى أن يتّكل الناس عليها فخلّهم يعملون، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فخلّهم ) رواه مسلم .

    تفاصيل الموقف : -

    تنافسٌ قويّ وسباقٌ على أشدّه ترى ملامحه واضحةً عند من يتتبّع حياة الصحابة رضوان الله عليهم، وقِوام هذه المسابقة هي ملازمة النبي –صلى الله عليه وسلم- ومرافقته، للأخذ من هديه، وحفظ كَلِمِه، والاقتباس من نوره، واستجلاء منهجه.

    ومن بين المتصدّرين في هذا المضمار ثلاثة من خيرة أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم-: أبو بكر وعمر وأبو هريرة رضي الله عنهم، ولقد كان النصيب الأكبر والحظ الأوفر من هذه الملازمة من نصيب أبي هريرة رضي الله عنه القادم من اليمن، والذي كان يعيش على لقيماتٍ يُقمن صلبه –كحال أهل الصفّة- ليجعل ما دون ذلك من الوقت خالصاً لمصاحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يشغله الصفق في الأسواق ولا السعي في الأرزاق كشأن صاحبيْه.

    وعلى هذا الأساس نجد أن ذكر هؤلاء الثلاثة في معرض الحديث عن مجالس النبي –صلى الله عليه وسلم- أمرٌ مألوف، كما هو الحال في الموقف الذي نتناوله، حيث تحلّقوا حول النبي –صلى الله عليه وسلم- مع غيرهم من الصحابة يستمعون إليه، وينهلون من معينه، ثم قام عنهم النبي عليه الصلاة والسلام لأمرٍ يعمله وحاجةٍ يقضيها.

    واستمرّت هذه الجلسة الإيمانيّة يصدح فيها عذب الأحاديث وشهد الأقوال ومسك العبارات، حتى استطاع هاجسٌ خفيّ أن يتسلّل إليها، وأن يُلقي بظلاله على الحاضرين، إنه شعورٌ مبهم يتعلّق باستبطائهم عودة النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو الذي كان قيامه يوحي بعودته سريعاً.

    ويعبّر أبو هريرة رضي الله عنه عن مشاعر الفزع التي طوّقت نفسه، والخواطر الموحشة التي استولت على تفكيره: لعلّ مكروهاً أصاب النبي –صلى الله عليه وسلم- ونحن لا نعلم شيئاً عن ذلك، أم لعلّها محاولة دنيئةٌ لاغتياله والقضاء عليه على حين غِرّة؟.

    وكان هذا الخاطر بمثابة السهم الذي اخترق قلب أبي هريرة رضي الله عنه لينزف مخاوفه، فانطلق هو ومن معه يحثّون الخطى بحثاً عن النبي –صلى الله عليه وسلم-، وكلّهم أملٌ أن يجدوا ما يبدّد هواجسهم ويقرّ عيونهم.

    وأثناء البحث المضني توقّف أبو هريرة رضي الله عنه أمام بستان من بساتين الأنصار، فأُلقي في روعه أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- داخل هذا البستان، فدار حوله يبحث عن بابه فلم يجده، ومن الواضح أن الحائط كان عالياً، فما العمل؟.

    وبينما هو يفكّر في السبيل إلى الدخول إذ أبصر نهراً صغيراً يعبر البستان من خلال تجويفٍ صغيرٍ في الحائط، فنظر أبو هريرة رضي الله عنه إلى الفجوة فوجدها ضيّقة نسبيّاً، لكن مع قليل من الجهد يمكنه أن يمرّ خلالها، وهكذا نجح رضي الله عنه في الدخول، وانطلق مسرعاً يجوب أنحاء البستان بحثاً عن نبيّ الأمة، حتى وجده في ناحيةٍ من نواحيها آمناً معافى، فهدأت نفسه وتنفّس الصعداء.

    فوجئ النبي – صلى الله عليه وسلم- بقدوم أبي هريرة رضي الله عنه عليه، فسأله قائلاً : (ما شأنك؟) ، فقصّ عليه القصّة،
    وأخبره بأن الناس قلقون عليه، ويقطعون شوارع المدينة وأزقتها بحثاً عنه، فُسرّ النبي عليه الصلاة والسلام بهذه العواطف النبيلة والمشاعر الصادقة، التي ما كانت لتبلغ هذا القدر لولا عظيم محبّتهم له، فأراد أن يُكافئهم على جميل موقفهم وعظيم اهتمامهم ببشرى يزفّها إليهم.

    لقد أمر أبا هريرة رضي الله عنه أن يخرج إلى أصحابه ويُعلم من يلقاه بأن من شهد أن لا إله إلا الله عن يقينٍ جازمٍ فمأواه الجنّة، وأمره كذلك أن يأخذ النعلين النبويّتين علامة صدقٍ على هذه البشارة.

    وكان أوّل من لقيه أبو هريرة رضي الله عنه بعد خروجه هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي استغرب وجود نعلي النبي –صلى الله عليه وسلم- بحوزته، فأخبره أبو هريرة بالمهمّة التي كُلّف بالقيام بها.

    لكن عمر رضي الله عنه خشي أن يُساء فهم البشارة النبويّة بحيث تؤدّي إلى التهاون في الفرائض، والرغبة عن النوافل، والاتّكال على رحمة الله، فدفع عمر أبا هريرة رضي الله عنهما بمجامع كفّه قاصداً أن يثنيه عن إخبار الناس، فإذا بالدفعة من يد عمر في القوّة والشدّة حتى آلت إلى سقوط أبي هريرة أرضاً، وتأذّيه.

    أبصر النبي – صلى الله عليه وسلم- أبا هريرة رضي الله عنه وقد احمرّت عيناه وكادت الدموع تنهمر من عينيه، و عمر رضي الله عنه يقفو أثره، وإذا بأبي هريرة يشتكي ما فعله به عمر ،
    فقال عليه الصلاة والسلام: ( يا عمر !، ما حملك على ما فعلت؟) ، فنقل إليه عمر مخاوفه وأشار عليه أن يدع الناس يعملوا ولا يتّكلوا، فاستحسن النبي –صلى الله عليه وسلّم- ذلك الكلام ووافقه.

    إضاءات حول الموقف : -

    ثمّة مواضع تستوقف المتأمّل وتفيض بدلالاتها على النفوس، فمن ذلك: فضل كلمة التوحيد،وعظمها. فهي أصل دعوة الرسل، وهي الشهادة التي شهد الله تعالى بها لنفسه، وهي كلمة التقوى، ومفتاح الجنّة،
    وسبيل النجاة، والعروة الوثقى، وقد استفاضت آيات القرآن وأحاديث النبي –صلى الله عليه وسلم- في تأصيلها وكيفيّة تحقيقها وبيان نواقضها، بما لا يسعه المقام هنا.

    ومما يستفاد منه في هذا الموقف: مسألتان:
    مراعاة حال المخاطبين، وضرورة تحقيق الموازنة ، أما الأولى: فتظهر من خلال بيان عمر رضي الله عنه لأصناف الناس، فمنهم من تزيده البشارة جدّاً في العمل، ونشاطاً على العبادة، وعزماً على الاستزادة، ومنهم من تقوده أحاديث الرحمة إلى التقاعس والتواكل، فتكون الحكمة إذاً بمخاطبةٍ كلٍّ بما يناسبه، ولذلك رأى العلماء في الحديث جواز الإمساك عن بعض العلوم للمصلحة أو خوف المفسدة، ولئن كان في تبشير الناس مصلحة ، ففي اتكالهم على ذلك وعدم فهمهم للحق مفسدة أكبر.

    ويوضّح ذلك الإمام ابن الصلاح بقوله: "مَنْعُه من التبشير العام خوفاً من أن يسمع ذلك من لا خبرة له ولا علم ، فيغترّ ويتكل ، وأخبر به – صلى الله عليه وسلم – على الخصوص مَنْ أَمِن عليه الاغترار والاتكال من أهل المعرفة ،فإنه أخبر به معاذاً ،فسلك معاذ هذا المسلك،فأخبر به الخاصة من رآه أهلا لذلك".

    وأما الثانية: فإن من الموازنة المطلوبة الجمع بين الترغيب والترهيب؛ ومن الملاحظ على بعض الدعاة الاقتصار على الترهيب أو إهمال ما يقابله من بثّ نصوص الرجاء الشرعيّة التي تبيّن سعة رحمة الله عزّ وجلّ وتوبته على عباده، ولفت النظر إلى نعيم الجنّة وما أعدّه الله للمؤمنين، وغير ذلك من الأمور التي تشحذ العزائم وتنهض بالهمم، فالمطلوب الموازنة بين الأمرين من غير إفراطٍ ولا تفريط.

    وفي الموقف تنبيه على فضيلة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكيف أجرى الله على لسانه الحقّ في كثير من الأحيان، كما قال النبي -صلى الله عليه و سلم-: ( إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم مُحَدَّثون –وهم الملهمون بالحق-، وإنه إنْ كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب ) رواه البخاري ومسلم .

    ويبقى التنبيه على الفرق بين الفضوليّة التي جعل النبي –صلى الله عليه وسلم- تركها علامةً على حُسن إسلام المرء بقوله : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) رواه الترمذي ، وبين الاستيضاح المطلوب في بعض المسائل والاستفصال فيها لمعرفة الأمر على وجهه وصورته،
    وذلك مستفادٌ من موقف عمر مع أبي هريرة رضي الله عنهما.

    ===================================
    التالي : -

    موقف الرسول صل الله عليه وسلم مع الأقرع بن حابس سيّد بني تميم ..

    (( إنه من لا يَرحم، لا يُرحم ))

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: (( 4 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

    مُساهمة من طرف صادق النور الأربعاء أكتوبر 16, 2024 5:29 pm

    ما قبله : -

    موقف الرسول صل الله عليه وسلم مع الأقرع بن حابس سيّد بني تميم ..

    (( إنه من لا يَرحم، لا يُرحم ))

    عن أبى هريرة رضي الله عنه أن الأقرع بن حابس رضي الله عنه أبصر النبى -صلى الله عليه وسلم- يقبّل الحسن ، فقال: "إن لي عشرةٌ من الولد ما قبّلت واحداً منهم"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( إنه من لا يَرحم، لا يُرحم) متفق عليه.

    وفي رواية المستدرك عن عائشة رضي الله عنها: (أرأيت إن كان الله نزع الرحمة من قلبك فما ذنبي؟) .

    تفاصيل الموقف : -

    نطالع في هذه السطور طبيعتين متغايرتين، وموقفين متناقضين، وشخصيّتين متباينتين، تمثّلت الأولى منهما في نبيّ كريم،
    وكنفٍ رحيم، تنضحُ مواقفه بالرعاية الحانية، واللمسة الرقيقة، والوجه البشوش، والجانب الليّن، والحفاوة البالغة.

    وأما الأخرى منهما، فجلافةٌ في الطبع، وقسوةٌ في التعامل، ورحمةٌ غاض ماؤها، وجفّت بساتينها، وذبلت أزهارها، لتحلّ محلّها قسوةٌ لا تلين، وشدّة لا مكان فيها لمعاني الرّقة والحنوّ، والعطف والرّفق.

    تلك هي شخصيّة الأقرع بن حابس سيّد بني تميم، من أعراب الباديّة الذين عركتهم حياة البادية –بقسوتها وشدّتها- ونهشتهم بأنيابها، فتطبّعوا بطباعها، وتخلّقوا بأخلاقها.

    ومن هذا المنطلق كان الأقرع بن حابس يُعامل أولاده العشرة منذ نعومة أظفارهم معاملة الكبار والرّجال، دون أن يسمح للمشاعر المرهفة والإحسان المطلوب لسنّ الطفولة أن تجد لها طريقاً إلى التعامل مع أبنائه.

    ثم تهيّأت الفرصة للأقرع أن يزور رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في بيته؛ ليتجاذب معه أطراف الحديث، فأكرمه النبي عليه الصلاة والسلام واستقبله أحسن استقبال، وأقبل إليه بوجهه البشوش وقلبه الكبير كعادته عليه الصلاة والسلام مع ضيوفه.

    وصادف في هذه الأثناء أن دخل الحسن رضي الله عنه إلى مجلس النبي –صلى الله عليه وسلم- والشوق واللهفة يدفعانه دفعاً إلى الحضن النبويّ الدافئ، والرّحمة الفيّاضة، وكيف لا يفعل الصغير ذلك وذاكرته ملأى بمواقف الحبّ والحفاوة التي يحظى بها مع أخيه الحسين رضي الله عنهما؟.

    وهكذا ألقى الصبيّ نفسه بين أحضان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ليضمّه عليه الصلاة والسلام ويقبّله مراراً، وعندما أبصر الأقرع هذا المشهد –وهو مشهدٌ غير مألوف بالنسبة له- انعقد حاجباه دهشةً واستغراباً، فلم يكن من المألوف لديه معاملة الصغار بمثل هذه الشفقة والرحمة، فلذلك علّق قائلاً: "إن لي عشرةٌ من الولد ما قبّلت واحداً منهم".

    ما هذا الطبع الذي اتّصف به الأقرع ليحرمه من بركة الله وفضله، ورحمته الموعودة للرحماء في الأرض كما هو منصوصٌ عليه في الشرع، فما كان من النبي –صلى الله عليه وسلم- إلا أن أجابه معلماً: : ( إنه من لا يَرحم، لا يُرحم) ،
    وفي رواية: (أرأيت إن كان الله نزع الرحمة من قلبك فما ذنبي؟) .

    إضاءات حول الموقف : _

    يُرشد الموقف النبويّ الكريم إلى ضرورة معاملة الصغار من منطلق الرحمة والرأفة والشفقة، وهذا يقتضي في المقابل ترك الغلظة والجفاء معهم بكافّة أشكاله وصوره؛ وهذا الإرشاد مستفادٌ من فعل النبي –صلى الله عليه وسلم- مع الحسن رضي الله عنه من الملاطفة والتقبيل،
    ومن قوله عليه الصلاة والسلام: : ( إنه من لا يَرحم، لا يُرحم) .

    فالله سبحانه وتعالى يرحم من عباده الرّحماء، وأولى الناس بمظاهر الرّحمة والرأفة هم صغار السنّ والذين يعيشون مرحلة الطفولة، وهذا يستدعي مودّة تسعهم، وحلماً لا يضيق بجهلهم، وملاعبةً تًنمّي الأواصر وتقوّي الصلات الروحيّة بين الصغير والكبير.

    وهذه الرعاية الخاصّة التي جاء التوجيه النبوي بها لها أثرٌ كبير على نفسيّة الأطفال واستقرارهم العاطفيّ، وهي عاملٌ أصيلٌ من عوامل النموّ السلوكيّ،
    فصدق رسول الله –صلى الله عليه وسلم- القائل: ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا) رواه أحمد .

    ===================================

    موقفه صل الله عليه وسلم مع عبد الله بن سعد بن أبي سرح ..

    (( إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين ))


    عن سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه قال : " لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي سرح عند عثمان بن عفان ، فجاء به حتى أوقفه على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، بايع عبد الله ،
    فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثاً كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال: (أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟) فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك؟، قال: (إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين) " رواه أبو داود و البيهقي .

    تفاصيل الموقف : -

    وجاء يوم الفتح، وأقبلت جيوش المسلمين المظفّرة رافعة لواء التوحيد عالية خفّاقة، لتعلن عودة الذين أُخرجوا من ديارهم جوراً وظلما،ً وطردوا من أرضهم إجباراً وقهراً، ليدخلوا مكّة في عزّة لا كبر فيها، وفخرٍ لا غرور فيه، وتمكّن لا عدوان يمازجه،
    وبذلك الحدث العظيم طويت صفحة الماضي بكل عذاباته وأحزانه ومآسيه، وبدأ تاريخ جديد مشرق الجنبات بأنوار العدل والحق.

    وعلى النحو الذي توقّعته قريش من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم يكن دخوله كدخول الجبابرة من ملوك الأرض عادةً، بطشاً وإحراقاً، وتنكيلاً ونكاية، بل كان قدومه عليه الصلاة والسلام قدوم خير وبركة، وأمن وسلام، ليأمن من كان في بيته على نفسه وماله، ويسلم من لاذ بحمى الكعبة أو ظلّله سقف بيت أبي سفيان رضي الله عنه، ثم تتمّ النعمة عليهم بصدور العفو العام من قِبَل النبي عليه الصلاة والسلام . اذهبوا فأنتم الطلقاء) .

    ويتنفّس القوم الصعداء، شاعرين بعظيم الامتنان لتلك المبادرة السامية، ولا يمرّ وقت طويل حتى يتبيّن أن ذلك العفو على عمومه مخصوص،
    فثمّة رجال أربعة وامرأتان لم يشملهم العفو، جمعوا إلى كفرهم وضلالهم، وغيّهم وفسادهم، جرائم خاصّة في حقّ النبي – صلى الله عليه وسلم – وفي حق الدعوة، وحقوق الأبرياء الذين قُتلوا على أيديهم وبأسبابهم، وكانت أسماؤهم كالتالي : " ابن خطل، وعكرمة بن أبي جهل، ومقيس بن صبابة، وعبدالله بن سعد بن أبي سرح "، وجاريتين كانتا تحت رجل من قريش تغنّيان بهجاء النبي – صلى الله عليه وسلم - .

    وما إن لامس الخبر آذان أولئك حتى بادروا بالفرار شرقاً وغرباً، رغبةً في الخلاص من شبح الموت الذي يلاحقهم، فمنهم من استجار بالكعبة – وهو ابن خطل – وتعلّق بأستارها ظنّاً منه أن ذلك يُنجيه من قرار القتل ، لكن أوامر النبي – صلى الله عليه وسلم – كانت واضحة منذ اللحظة الأولى : ( اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة ) فسارع إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر رضي الله عنهما فسبق سعيد إليه فقتله.

    وبالمثل فقد كان لكل واحد من هؤلاء الذين وردت أسماؤهم قصّة، تحمل في طيّاتها جذور ماضٍ مظلم وتاريخاً غير مشرّف،
    ويبرز من بينهم عبدالله بن سعد بن أبي سرح، ذلك الرجل الذي أسلم قديماً وهاجر فيمن هاجر، وترقّى في منازل الشرف حتى صار من كتّاب الوحي، ليهوي من القمّة إلى القاع، ويُعلن ردّته ثم يلحق بقريش، بل ويدّعي بأقبح الافتراء وأشنعه أنّه كان يُملي الوحي على رسول الله – صلى الله عليه وسلم
    وهذا النوع من الكذب الرخيص يطعن في أصل نبوّته عليه الصلاة والسلام ويقدح في صدقه، فلا عتب إذاً حين لم يشمله العفو العام.

    وكان لعبدالله بن أبي السرح قرابة مع عثمان بن عفان رضي الله عنه، والصلة بينهما جاءت بسبب الرضاعة، فكان من الطبيعي أن يُسارع إلى بيت أخيه رضاعةً، وقد أعلن أمامه ندمه على ما كان منه من كذبٍ وافتراء، وعداوةٍ واجتراء، وذكر له رغبته في العودة إلى ظلال الإسلام،
    ورجاه أن يشفع له عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم.

    أخذ عثمان رضي الله عنه بيد أخيه، وجاء به إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – قبل أن ينفذ إليه أحد من المسلمين، وكلّمه في شأنه ثم قال له : " يا رسول الله، بايع عبد الله ".

    نظر النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى ابن أبي السرح طويلاُ دون أن ينطق بشيء، ووقف الصحابة من حوله يرقبون الموقف، وطال الصمت، فعاود عثمان رضي الله عنه قوله دون أن يحظى بجواب النبي عليه الصلاة والسلام، فكرّر طلبه للمرّة الثالثة، وهنا مدّ النبي عليه الصلاة والسلام يده موافقا على المبايعة.

    وانصرف عبدالله مسروراً بقبول توبته والموافقة على بيعته، وما إن توارى عن الأنظار حتى التفت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى أصحابه معاتباً، وقال : ( أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟) .

    نظر القوم إلى بعضهم والحيرة تملأ وجوههم، إذ لم يدُر بخَلَد أحدهم أن إحجام النبي – صلى الله عليه وسلم – كان مقصوداً، وأنه عليه الصلاة والسلام كان راغباً في قتله، فقالوا تأكيداً لحيرتهم : " ما ندري يا رسول الله ما في نفسك" وسألوه : "ألا أومأت إلينا بعينك؟".

    ولكن لا، لم يكن النبي – صلى الله عليه وسلم – ليومئ بطرف عينه خلاف ما يُظهر، حتى لا يتلبّس بشيء من أفعال أهل الغدر، والغدر –دقيقه وجليله، حقيره وعظيمه – لا ينبغي لمن اصطفاه الله لمقام النبوّة والرسالة.

    إضاءات حول الموقف : -

    يدل الحديث على قبح خلق الخيانة الذي أجمعت على استنكاره وبغضه آراء الناس على اختلاف مللهم ونحلهم، وكفى به قبحاً أن صاحبها مذموم عند الله ، كما جاء في القرآن الكريم - { إن الله لا يحب الخائنين } ( الأنفال : 58 ).

    وها هنا صورة دقيقة من صور الخيانة قد لا يتنبّه لها كثيرٌ من الناس، والفضل يعود إلى هذا الحديث ليبيّن هذه الصورة ويوضّحها، ألا وهي الخيانة بالعين.

    والحال أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يريد أن يقتل الرّجل لكذبه وافترائه عليه،
    ولا يليق بالنبي – صلى الله عليه وسلم – أن يوهمه بأنّه سيتركه ثم يغمز بطرف عينه إلى أصحابه ليقتلوه، وشأن الأنبياء صلوات الله عليهم أن يوافق ظاهرهم باطنهم، وسرّهم علانيّتهم، بكل وضوح وشفافيّة لا مواربة فيها، فإما أن يعفو، وإما أن يجدّد الأمر بقتله.

    وعلى أية حال فقد كان العفو من مصلحة هذا الصحابي الكريم، فقد حسن إسلامه بعد ذلك، وولاه عمر بعض أعماله ثم ولاه عثمان رضي الله عنه مصر كلها، وشارك رضي الله عنه في ثلاث معارك كبرى : معركة أفريقية، وذات الصواري، والأساود، وأبلى فيهنّ بلاء حسناً ،
    بل وينقل الحافظ ابن كثير رضي الله عنه في البداية والنهاية ما يدلّ على حسن خاتمته فيقول : " ..ومات وهو ساجد في صلاة الصبح أو بعد انقضاء صلاتها.." فرضي الله عنه وأرضاه.
    ======================================

    موقفه صل الله عليه وسلم مع عائشة رضي الله عنها في طول قبامه في الصلاة ..

    (( أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا؟ ))


    عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : " قام النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى تورمت قدماه فقيل له: غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: (أفلا أكون عبدا شكوراً؟ ) " متفق عليه واللفظ للبخاري .

    وفي رواية أخرى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال : (أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا؟ ) فلما كثُرَ لحمه صلّى جالسا".

    تفاصيل الموقف : -

    النبي – صلى الله عليه وسلم –كما نعرفه: خاتم الأنبياء، وصفوة الأولياء، وخير البريّة، وهادي البشريّة، شفيع الخلق يوم القيامة، وأوّل من يفتح له باب الجنّة، الموعود بالمقام المحمود الذي لا يبلغه أحد، والمغفور له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر.

    أفمن كان بتلك المنازل العالية، والمقامات السامية، والوعود الإلهيّة في دنياه وآخرته، أليس الحريّ به أن يركن إلى ذلك كلّه؟
    بدلاً من إجهاد النفس بالعبادة وإدخال المشقّة عليها بالقيام؟ وحرمانها من نصيبٍ أكبر من الدنيا، والإكثار عليها بألوان الذكر والصلوات، على نحوٍ يفوق تحمّل الصحابة رضوان الله عليهم – وهم من هم – فضلاً عن غيرهم؟.

    ولكنّه الدرس العظيم، والحكمة الرائعة، والرؤية الثاقبة، والمنطق الرزين، لحقيقة العبوديّة وأسرارها، ومقتضيات النعمة ومتطلّباتها، في لوحة نبويّة مشرقة الجنبات، متلألئة الأنوار،تسرّ الناظرين، وتهدي الحائرين.

    ولباب القصّة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ومنذ أن نزل عليه قول الحقّ جلّ وعلا - { إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا } ( المزمّل : 5 )
    صار ديدنه إذا ادلهمّ الليل واشتدّت ظلمته، أن يُلقي بالدنيا وراء ظهره، ويغلق بابها خلفه، بكلّ أحداثها ومواقفها، وشخصيّاتها وعلاقاتها، قاصداً ركن بيته، مُقبلاً على ربّه وخالقه، وسيّده ومولاه، بكل جارحة من جوارحه، يُعمل فكره في آلاء الله عليه،
    ويتدبّر آياتٍ أُنزلت عليه، متبتّلاً في محرابه ساجداً وقائماً، ويظلّ على حاله ذلك حتى يتصرّم الليل ولا يبقى منه إلا شطره الأخير،
    ثم يدعو بما فتح الله عليه.

    وتلحظ عائشة رضي الله عنها طول قيام النبي – صلى الله عليه وسلم -، وتُبصر آثار ذلك واضحةً جليّة، فالشقوق وجدت طريقها في القدمين الشريفتين، علاوةً على الانتفاخ الحاصل فيهما جرّاء الوقوف الطويل.

    وهنا تُشفق عائشة رضي الله عنها على زوجها، ويُؤلم قلبها ما تراه من إجهاد النبي – صلى الله عليه وسلم – لنفسه في سبل العبادة وطرائقها، لتخاطبه خطاب المحبّ العطوف : " لِمَ تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ " وكأنها رضي الله عنها تترجّاه أن يخفّف على نفسه ويعطيها مساحة أكبر من الراحة، ما دامت البُشرى الإلهيّة بغفران الذنوب متحقّقة.

    ويأتي جواب النبي – صلى الله عليه وسلم – ناطقاً بالحكمة، في كلماتٍ معدودة، تُخاطب في المرء أوّل ما تُخاطب وجدانه، وتُرشده إلى أُفُقٍ أرحب، وتصوّر أشمل: ( أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا؟ ) فعبادة الله سبحانه وتعالى لا تكون خوفاً من عواقب الذنوب فحسب، ولا طلباً للرحمة وكفى، بل تكون كذلك صورةً من صور الشكر للمنعم على إنعامه، والاعتراف له على توفيقه وامتنانه، والأنبياء هم أولى الناس طرْقاً لهذا الباب، حيث اصطفاهم الله بالرسالة، وزيّنهم بالعصمة والجلالة، وأعظِم بها من نعمة.

    إضاءات حول الموقف : -

    الشكر من شعب الإيمان الجامعة، يملأ النفس رضاً بالخالق، والقلبَ سلامةً من الغلّ، ويورث الأخلاق شعوراً بالقناعة، لينعم صاحبها بالراحة والسعادة.

    ولعظم فضل هذه العبادة وعلوّ منزلتها، تضافرت النصوص الشرعيّة في ذكرها وامتداح أهلها، وفي الثناء عليها والدعوة إليها، والآيات والأحاديث في ذلك ليست بالقليلة، وحسبنا أن نقرأ دليلاً لما سبق قوله تعالى - { وسنجزي الشاكرين } (آل عمران : 145 )،
    وقوله تعالى : -{ ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله } ( لقمان : 12 )،
    وقوله - { بل الله فاعبد وكن من الشاكرين } ( الزمر : 66 )، وغيرها من الآيات.

    وكم حملت السنّة في جنباتها من الأذكار والمحامد التي تنطق بالاعتراف بما أحدثه الله للناس من الفضائل، وما كاثره عليهم من الخيرات، وما أسبغه عليهم من النعم، تربيةً للمؤمن كي يكون شكره لربّه وخالقه ديدينه وعادته في أحواله كلّها، وأوقاته جميعها، من مبدأ يومه إلى منتهاه.

    ومن خلال تتبع ما ورد بخصوص الشكر في القرآن والسنّة يتبيّن أنّه يكون بالقول كحال الأذكار المشروعة، ويدخل في هذا الباب نسبة النعمة إلى المنعم سبحانه،
    قال تعالى - { وما بكم من نعمة فمن الله } ( النحل : 53 )، ويكون كذلك بالفعل، ويُستدلّ لهذا المعنى
    بقوله تعالى - { اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور } ( سبأ : 13 )،
    ومن هذا الشكر ما كان يصنعه النبي – صلى الله عليه وسلم – من إطالة الصلاة والقيام على النحو الذي ورد في الحديث السابق.

    ومهما أنفق العبد من الأوقات اجتهاداً منه لأداء شكر نعمة واحدة فلن يؤدّي حقّها، بل لو قضى عمره كلّه في إحصائها وتتبّعها فلن يطيق ذلك، فالحمد لله الذي رضي من عباده اليسير من العمل، وعاملنا بإحسانه وفضله.

    =====================================

    موقفه صل الله عليه وسلم مع خادمة المسجد النبوي الشريف ..

    (( إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم ))


    عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شاباً،
    ففقدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل عنها أو عنه، فقالوا : مات، قال : ( أفلا كنتم آذنتموني؟ ) ، قال : فكأنهم صغروا أمرها أو أمره، فقال : (دلّوني على قبرها) ، فدلّوه فصلى عليها ثم قال : (إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم ) رواه مسلم .

    وفي رواية للإمام أحمد : "قال : (فهلا آذنتموني به ؟) ، فقالوا : إنه كان ليلاً" .


    تفاصيل الموقف : -

    العَلَم من الناس يعرفه الجميع، يتابعون أخباره، ويحفظون كلماته، ويستشهدون بمواقفه، في حين أن ذلك المشهور لا يعرف إلا القلّة القليلة ممّن يحيطون به، ويتعاملون معه مباشرة، فكيف الأمر إذا تعلّق بأعظم الرّجال وأشرف الأنام، وقائد الدولة ورسول الثقلين، بكلّ ما تحمله هذه الأوصاف من مسؤوليّات وتبعات، وتكاليف ومشاقّ، ثم هو يتابع شأن أدنى الناس منزلةً وأقلّهم حظّاً، ويسألُ عنه، ويلحظ غيابه، ويعاتبُ لأجله أصحابَه؟ ألا يزيده ذلك رفعةً وعلوّاً؟ وعظمةً وبهاء؟ ويجعله متربّعاً على عرش الكمال الذي لم يبلغه أحد؟

    بلى، فذاك هو رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، معلّم الإنسانيّة وقدوتها، يضرب لنا المثل الحي من خلال مواقفه وتصرّفاته، وأقواله وأفعاله، كيف تكون الرحمة المهداة للعالمين.

    فلننظر إليه وهو في المدينة، يسوس الناس، ويسيّر الجيوش، ويربّي الأفراد، ويعقد المجالس، ويلتقي بالوفود، ويدعو القبائل، ثم هو يلحظ أثناء ذلك امرأة من عامّة الناس، تلتقط الأذى من المسجد النبوي ثم ترميه بالخارج، وتتعاهد المكان، وتزيل الأقذار، حتى يبقى بيت الله نظيفاً.

    ثم تغيب المرأة عن ناظري النبي – صلى الله عليه وسلم – قدراً يسيراً من الزمن فيفتقدها، ويتوجّه بالسؤال إلى من حوله، عسى أن يقف منهم على خبر، فإذا بهم يعلمونه بموتها، بعبارة مقتضبة لا تفصيل فيها، ولِمَ يفعلون؟! وهي لم تكن – في نظرهم – سوى امرأة لا يُؤبه لحالها، ومجرّد رقم بين آلاف الأرقام التي تموج بها المدينة.

    لكن تلك اللامبالاة وعدم الاهتمام الذي أبداه الصحابة، استحال إلى دهشةٍ عارمة عندما سمعوا كلمات العتاب من النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( أفلا كنتم آذنتموني؟ ) وحارت عقولهم تبحث عن جواب يبيّن سرّ اهتمامه عليه الصلاة والسلام بامرأة لم يكن لها شأنٌ يُذكر، وأمام ذلك العتاب اعتذروا بأن موتها كان ليلاً، وما كان لهم أن يزعجوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في مثل هذا الوقت .

    ولم تقف القضيّة عند حدود السؤال، بل ما كان من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلا أن ذهاب إلى قبر تلك المرأة، وصلّى عليها مع ثلّة من أصحابه، مع استغفاره لها ودعائه بالتثبيت، لتحظى في قبرها بالنور الذي يزيل عنها ظلمة القبر، ووحشة المكان.

    إضاءات حول الموقف : -

    دررٌ كثيرة احتواها هذا الموقف النبوي الكريم، يأتي في مقدّمها :

    القيمة الاعتبارية التي جعلها النبي – صلى الله عليه وسلم – للضعفة والبسطاء، ليكون الدرس الذي نتعلّمه، أن كلّ إنسان له دورٌ وقيمة، وتلك قضيّة ينبغي الوقوف عندها، إذ لا قيام للمجتمعات ولا نهوض للأمم إلا بعمل الجميع وإنتاجهم، ولولا أصحاب الأدوار الهامشيّة في الحياة لما استقامت المعيشة أو صلُحت الأرض للسكنى، ولنا العبرة في الآلات الكبيرة، والتي تعمل من خلال المئات من التروس مختلفة الأحجام، ولو تعطّل واحد منها لتوقّفت الآلة كلّها عن العمل، ما يعني أن على المؤمن ألاّ يحقر من الأعمال الصالحة شيئاً ولو كان في نظر الناس صغيراً، والصغير عند الله كبير.

    وفي الحديث إشارة إلى فضل تنظيف المسجد وتعاهده، وقد تضافرت الأدلّة التي تحثّ على ذلك،
    منها حديث أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى نُخامة في قبلة المسجد، فغضب حتى احمر وجهه ، فجاءته امرأة من الأنصار فحكّتها وجعلت مكانها خَلوقاً – نوع من أنواع الطيب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما أحسن هذا ) رواه النسائي ،
    وطبّق ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم – بنفسه فأزال نُخامةً رآها في المسجد كما جاء في الصحيحين وغيرهما.

    ومما يدلّ عليه الحديث، أن الدعاء لصاحب المعروف مكافأة له، فقد دعا النبي – صلى الله عليه وسلم – للمرأة بعد موتها.

    كما استدلّ العلماء على الترغيب في شهود الجنائز ،وعلى استحباب الصلاة على الميت الحاضر عند قبره لمن لم يصلِ عليه، وعلى مشروعيّة الدفن ليلاً، والإخبار بالموت.

    ========================================
    التالي : -

    موقفه صل الله عليه وسام في المقياس الحقيقي في القرب والبعد من الله عزّ وجل ..

    (( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ))

    ----------------------------------------------------
    لا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود موقفه صل الله عليه وسام في المقياس الحقيقي في القرب والبعد من الله عزّ وجل .. (( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ))

    مُساهمة من طرف صادق النور الجمعة أكتوبر 18, 2024 10:13 pm

    ما قبله : -

    موقفه صل الله عليه وسام في المقياس الحقيقي في القرب والبعد من الله عزّ وجل ..

    (( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ))


    عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أنه قال : " مرّ رجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لرجل عنده جالس : ( ما رأيك في هذا ؟) ، فقال: رجلٌ من أشراف الناس، هذا والله حريٌّ إن خطب أن يُنكح، وإن شفع أن يُشفّع، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم مرّ رجل فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ما رأيك في هذا ؟) ، فقال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حريُّ إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفّع، وإن قال أن لا يسمع لقوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( هذا خير من ملء الأرض مثل هذا) "، رواه البخاري .

    تفاصيل الموقف : -


    لأغلب لناس مقاييسهم الخاصّة في تقييم الآخرين وتصنيفهم، مبناها :
    الوقوف عند ظاهر القالب الاجتماعيّ، والأخذ بعين الاعتبار لأصول الشخص وجذوره، وحسبه ونسبه، وأمواله ومدّخراته، وأملاكه وأراضيه، وسطوته وقوّته.

    فمن كان يملك من هذه الصفات حظّاً كبيرا، ونصيباً موفوراً، حاز على رضا من حوله واحترامهم، فتراهم يصدّرونه مجالسهم، ويولونه اهتمامهم، حتى تراه يقول المقولة التي لا عمق في مبناها، ولا جديد في معناها، فإذا بعبارات المدح تنطلق من حوله تمدح في عمق تفكيره، وفصاحة لسانه، ورجاحة عقله.

    ولكن هل الأمور تؤخذ بهذا الشكل؟ وهل هذه المقاييس التي يتعامل بها الناس صحيحة؟ الجواب نقتبسه من مشكاة النبوّة وأنوار الرسالة، فهي التي تضيء لنا حقيقة الموازنة وضوابط التقييم.

    فبينما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يحادث أحد أصحابه في شأنٍ من شؤونه، إذ مرّ عليهم رجلٌ شريف النسب، عظيم المقام، تبدو عليه آثار النعمة وبوادر القوّة، فنظر إليه النبي عليه الصلاة والسلام، ثم نظر إلى سهل رضي الله عنه، ليستشفّ عن ميزانه الذي يُفاضل فيه بين الأنام، إن كان صحيحاً فيعزّزه، أو خاطئاً فيقوّمه، فقال له : ( رأيك في هذا ؟) .

    نظر الصحابي إلى ذلك الرجل ، فوجده من أشراف الناس وأعيانهم، ومن خلال هذا الانطباع الشخصيّ الأوّلي، أصدر حكمه عليه، فذكر للنبي – صلى الله عليه وسلم – من مكانته وكونه محطّ أنظار الناس، ما يجعله جديراً بقبول شافعته، والحرص على مصاهرته.

    سكت النبي – صلى الله عليه وسلم – سكوت مربٍّ يرى أن وقت التوجيه لم يحن بعد،
    وأن الدرس الذي يريد أن يرسم ملامحه يستدعي اكتمال الصورة بمثلٍ آخر مغاير لحال الرّجل الأوّل، وجاءت الفرصة سريعاً عندما مرّ رجلٌ آخر من فقراء المسلمين، رثّ الثياب، مهضوم الجانب، معدوم الحيلة، تلمح في قسمات وجهه آثار الإجهاد والمشقّة،
    وفي تصرّفاته البساطة والتواضع، فيعيد النبي – صلى الله عليه وسلم – سؤاله للصحابي عن رأيه، فيجيب بأنه لا مكانة له عند الخلق، وأنه لن يجد لقوله آذاناً تسمع، ولا لشفاعته نفساً تقبل، ولا مطمع في مناسبته ومصاهرته.

    وهنا يقف النبي – صلى الله عليه وسلم – موقفاً يعيد الأمور إلى نصابها، ويهدف به أن يوسّع المدارك، حتى تتجاوز النظر إلى قشور المظهر أو المكانة لتنفذ إلى لبّ الرجال ومعادنهم : ( هذا خير من ملء الأرض مثل هذا) .

    إضاءات حول الموقف : -


    يؤصّل النبي – صلى الله عليه وسلم – من خلال هذا الموقف المشرق، المقياس الحقيقي في القرب والبعد من الله عزّ وجل، ألا وهو التقوى والالتزام بحدود الشرع أمراً ونهياً، مستمدّاً ذلك من قوله تعالى  -
    { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } ( الحجرات : 13)، وهذا هو الميزان الحق الذي يتفاضل به الناس، والميزان السماوي الذي يُسقط كلّ المقوّمات الأرضيّة ولا يجعل لها اعتباراً، ومحلّ النظر الإلهيّ يكون للجوهر لا للصوره ، قال عليه الصلاة والسلام : ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) رواه مسلم ، فلا قيمة للنسب ولا قيمة للجاه ولا للقوّة أو الصحّة ولا لغيرها، إذا تعرّى الإنسان من إيمانه وأخلاقه، وفضائله ومبادئه.

    وباستيعابنا لهذا الميزان الدقيق، نُدرك حقيقة التقييم الوارد في نصوص الشرع، لنماذج بشريّة : سقط اعتبارها في الميزان السماوي، كمثل ذلك الرجل الذي أخبر عنه النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله : ( إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة، اقرؤوا إن شئتم { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا } ( الكهف : 105 ) متفق عليه،
    وقريبٌ منه : النموذج النفاقي، الذي جاء وصفه في القرآن الكريم  -  { وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم } ( المنافقون : 4) فهم من القوّة والفصاحة ما يُعجب الناظرين، ويُبهر السامعين، ومع ذلك فمآلهم الدرك الأسفل من النار.

    ونستلهم مما سبق :
    أن الأكرم عند الله تعالى والأقرب إليه والأتقى له، هو الذي يستحقّ منّا الرعاية والاهتمام، والإعجاب والحفاوة، وإن قلّ نصيبه من الدنيا، ولرُبّ رجلٍ أشعث أغبر، لا يُعدل به ألف رجل، لو أقسم على الله أبرّه :

    ترى الرجل الخفيف فتزدريه وفي أثوابه أسد هصور

    ويعجبك الطرير فتبتليه فيخلف ظنك الرجل الطرير

    لقد عظم البعير بغير لب فلم يستغن بالعظم البعير

    ====================================

     
    موقف الرسول صل الله عليه وسلم مع عائشة رضي الله عنها وأستغفاره لأهل البقيع ..


    (( إن ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم  ))



    عن عائشة رضي الله عنها قالت : " لما كانت ليلتي التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها عندي، انقلب فوضع رداءه وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع، فلم يلبث إلا ريثما ظنّ أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا وانتعل رويدا وفتح الباب فخرج، ثم أجافه رويدا،
    فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري ثم انطلقت على إثره، حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفت، فأسرع فأسرعتُ، فهرول فهرولتُ، فأحضر فأحضرتُ، فسبقته فدخلت، فليس إلا أن اضطجعت فدخل،
    فقال مالك: (يا عائش حشيا رابية) ؟، قلت: لا شيء، قال: (لتخبريني أو ليخبرنّي اللطيف الخبير) ، قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، فأخبرتُهُ
    فقال: (فأنت السواد الذي رأيت أمامي) ؟ قلت: نعم، فلهدني في صدري لهدة أوجعتني،
    ثم قال: (أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله) ؟ قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله؟
    قال: (نعم) ، قال: (فإن جبريل أتاني حين رأيتِ، فناداني فأخفاه منك، فأجبته فأخفيته منك، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعتِ ثيابك، وظننتُ أن قد رقدتِ، فكرهتُ أن أوقظكِ، وخشيت أن تستوحشي، فقال: إن ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم) ،
    قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: (قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون) " رواه مسلم .

    وفي رواية الإمام أحمد : " فلهزني في ظهري لهزة فأوجعتني".

    معاني المفردات : -  انقلب : أي تحوّل عنها. :: - فلم يلبث إلا ريثما ظنّ أن قد رقدت: انتظر الوقت الكافي لنومها. :: - رويدا : ببطئ. :: - أجافه : أغلقه. :: - اختمرت : لبست خمارها. :: - تقنعت إزاري : لبست إزاري. :: - البقيع : مقبرة بالقرب من مسجد النبي عليه الصلاة والسلام. :: - فأحضر : الحضر هو العدْو السريع. :: -
    حشيا رابية : هو مرض يسبّب ارتفاع صوت النفس مع تسارعه. :: - لهدني : اللهد :الدفع بجميع الكف في الصدر ، وهو ما جاء في الرواية الأخرى (لهزني). :: - يحيف الله عليك : الحيف هو الظلم. :: - تستوحشي: الوحشة : الخوف من الوحدة.

    تفاصيل القصّة :: -

    ضربةٌ قويّةٌ تلقّاها صدر عائشة رضي الله عنها من يد النبي – صلى الله عليه وسلم -فآلمتها وأوجعتها، لكن حرارة تلك الضربة لم تتعدّ الجسد، بل – وياللعجب – كانت أحبّ إليها من أي شئ آخر،
    ويبرز السؤال:
    ما الذي جعل النبي عليه الصلاة والسلام يقدم على هذا الفعل؟، ولماذا هان الألم على زوجته وأحبّ الناس إليه؟،
    وفوق ذلك: كيف استطاعت أم المؤمنين بفطنتها وحنكتها أن تستثمر الموقف وتدير دفّته لينتهي الموقف بتقرير أحكامٍ عظيمة وفوائد جليلة، تعود نفعها على الأمّة إلى قيام الساعة؟

    لإدراك أبعاد الموقف علينا العودة إلى البداية، حين أرخى الليل سدوله والنبي – صلى الله عليه وسلم – مستلقٍ على فراشه بجوار عائشة رضي الله عنها، يظنها مستغرقةً في نومها، فانسلّ من بين يديها، ثم انتعل حذاءه وأغلق الباب وراءه وهو حريصٌ على ألاّ يصدر صوتاً يوقظها.

    والذي لم يكن النبي – صلى الله عليه وسلم – يعلمه، أن زوجته كانت تتصنّع النوم وتتظاهر به، وتبصره من طرف لحافها وهو يخرج من البيت، وحدّثتها نفسها عن سرّ خروجه عليه الصلاة والسلام في مثل هذه الليلة الليلاء، أحاجةٌ ماسّة؟ أم لقضاء حاجةٍ في نفسه؟

    وما إن مسّ هذا الخاطر فكرها، حتى نهضت فزعةً إلى ردائها، مدفوعةً بحرارة الغيرة لتقفو أثره وتقف على خبره، وظلّت تسير خلفه حتى رأته يدخل البقيع ويقصد قبور أصحابه، ثم يقف بين ساكنيها، ومكث فيها طويلاً يرفع يديه حيناً ويخفضها أخرى.

    وبينما عائشة رضي الله عنها ترمق النبي – صلى الله عليه وسلم – من بعيد وهي غارقة في تأمّلاتها، إذ بالنبي عليه الصلاة والسلام يستدير متّجهاً صوب بيته، فأجْفلت رضي الله عنها وسارعت بالعودة كي لا يراها، لكنها بدأت تلحظ أن خطواته عليه الصلاة والسلام آخذةٌ بالتسارع، حتى تحوّل مشيه إلى عدو سريع،
    لكنّها رضي الله عنها كانت أسرع منه، فاستطاعت أن تسبقه إلى البيت فتخفّفت من ثيابها واستلقت على فراشها تتظاهر بالنوم، وأنّى لمن كان يركض قبيل لحظات أن يعود إلى فراشه هادئاً منتظم الأنفاس!

    ذلك ما جعل النبي – صلى الله عليه وسلم – يكتشف أمرها بسهولة، وحاصرها بالأسئلة حتى اعترفت أنها كانت تتبعه من بعيد، وهنا لهزها النبي عليه الصلاة والسلام بيده الشريفة في صدرها معاتباً لها على فعلها، ثم قال : (أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟) ، ثم أخبرها بأن جبريل عليه السلام أبلغه بأن يذهب إلى أهل البقيع كي يستغفر لهم، وأنّه خشي أن يوقظها فتشعر بالوحدة والوحشة.

    ويُختتم الموقف بمحاولة ذكيّة في إخراج الحوار من قضيّة العتاب إلى قضيّة السؤال والتعلّم، فبادرت بالاستفسار عن السنّة القولية عند زيارة القبور، فكان الجواب : (قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون) ".

    إضاءات حول الموقف : -

    لا شكّ أن الموقف الذي بين أيدينا مليء بالعبر والدروس التي تحتاج إلى تأمّل، من ذلك:
    الدرس العمليّ الذي قدّمه النبي –صلى الله عليه وسلم – لأمته في حسن العشرة ومراعاة المشاعر، من خلال خشيته في إيقاظ زوجته وحرصه على الخروج بهدوء، نلحظ ذلك من خلال عددٍ من الألفاظ التي تكرّرت في الحديث، كقولها : ( فلم يلبث إلا ريثما ظنّ أن قد رقدت) و (فأخذ رداءه رويدا وانتعل رويدا) و (أجافه رويدا) ،
    وبالرغم من هذه الرّقة المتناهية والحنان البالغ، نجده لا يتردّد في معاتبة عائشة رضي الله عنها بالقول والفعل، وليس هناك تناقضٌ بين الموقفين، بل هو تعامل مع كلِّ منهما بما يُناسب، والحكمة أن تضع الشيء في موضعه كما هو معروف، وهذا التأديب في إطاره المقبول، الذي لا يكسر سنّاً، أو ينكأ جرحاً، أو غير ذلك مما جاء تحريمه.

    ومن الأمور التي أشار إليها الحديث ضرورة العدل بين الزوجات في الأوقات، فيُعطي الواحدة نصيبها، ولا يذهب في ليلة الأولى إلى غيرها، اللهم إلا أن تكون ثمّة ضرورة أو حاجة تدعو إلى ذلك، فلا بأس من الذهاب إذا أذنت صاحبة الحق، والحاجة تُقدّر بقدرها.

    وفي شأن الدعاء احتوى الحديث على عددٍ من الآداب : ففيه استحباب إطالته، وفيه رفع اليدين أثناء ذلك،
    كذلك فإنه يُرشد إلى ما يُقال عندها، وهو قول : ( السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون ) ، وجاءت في السنّة ألفاظٌ أخرى معروفة في مواطنها.

    وفي زيارة النبي – صلى الله عليه وسلم - المقابر ليلاً دليل على مشروعيّتها، إذ المقصود الاتعاظ والذكرى، والدعاء للميّت بالمغفرة والرحمة، مع ضرورة التقيّد بالأحكام الشرعيّة الواردة في الزيارة،وتجنّب الممارسات الممنوعة من النياحة ولطم الخدود، أو قول الباطل وفعله.

    ==================================

    موقفه صل الله عليه وسلم مع أبنه أبراهيم والحسن والحسين رضي الله عنهم ومع أطفال المسلمين  ..

    (( إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ))


    شاء الله تبارك وتعالى بحكمته وفضله أن يختار نبيه محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ من بين البشر، ويصطفيه ويخصه بما لم يخص به أحداً من العالمين، حتى كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدوةً للناس في كل شيء، قال الله تعالى -  { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }(الأحزاب:21) ..

    فإن نظرت إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نبياً ورسولاً، وجدته أفضلهم وخاتمهم،
    وإن نظرت إليه معلماً وجدته أحسن الناس تعليماً وأفصحهم بيانا، وإذا نظرت إليه زوجاً وجدته خير الأزواج لأهله، وأحسنهم معاشرة ومعاملة ..
    وإن نظرت إليه مقاتلاً، وجدته المقاتل الشجاع ، الذي لا يقوم له شيء، ويتقي به أصحابه في الحروب ..
    وإن نظرت إليه في مواقفه مع الأطفال، وجدته أحسن الناس تربية، وأكثرهم عطفاً وحناناً ..

    وهذه عدة مواقف من سيرته العطرة - صلى الله عليه وسلم - مع الأطفال، تبين مدى حبه ورحمته بالأطفال :

    مع ابنه إبراهيم :

    عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: ( دخلنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، على أبي سيف القَيْن، وكان ظِئْراً لإبراهيم ـ عليه السلام ـ، فأخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إبراهيم فقبله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ : وأنت يا رسول الله ؟!، فقال : يا ابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون )( البخاري ) ..
    القيْن : الحداد، والظئر: المرضعة، وكانت زوجته ـ أم سيف ـ ترضع إبراهيم ..
    وفي رواية مسلم يقول أنس : ( والله ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ) ..

    مع ـ حفيديه ـ الحسن والحسين :

    عن عبد الله بن شداد عن أبيه قال : ( خرج علينا رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ في إحدى صلاتي العشي، الظهر أو العصر، وهو حامل الحسن أو الحسين ، فتقدم النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ فوضعه ثم كبر للصلاة، فصلى فسجد بين ظهري صلاته سجدة أطالها،
    قال: إني رفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ وهو ساجد فرجعت في سجودي، فلما قضى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصلاة،
    قال الناس يا رسول الله: إنك سجدت بين ظهري الصلاة سجدة أطلتها، حتى ظننا انه قد حدث أمر أوانه يوحى إليك، قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني (ركب على ظهري) فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته )( أحمد ) ..
    وعن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن الأقرع بن حابس أبصر النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبل الحسن ، فقال : ( إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنه من لا يَرحم لا يُرْحم )( مسلم )..

    وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : ( خرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في طائفة النهار لا يكلمني ولا أكلمه، حتى أتى سوق بني قينقاع، فجلس بفناء بيت فاطمة ، فقال : أثم لكع أثم لكع (أين الحسن )؟! .. فحبسته شيئا(أخرته) فظننت أنها تلبسه سخابا(قلادة) أو تغسله، فجاء يشتد حتى عانقه وقبله، وقال : اللهم أحبه وأحب من يحبه )( البخاري ) ..
    وهكذا كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأخذ من وقته لحفيده، يذهب إليه ويتعهده ويقبله، ويضعه في حجره ويدعو له ..

    موقفه مع ابن أبي موسى الأشعري :

    عن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ قال : ( وُلِد لي غلام فأتيت به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فسماه إبراهيم ، فحنكه بتمرة ودعا له بالبركة ودفعه إليَّ .. )( البخاري )..
    وكان هذا الولد أكبر أولاد أبي موسى الأشعري ، فكان من عادة أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا وُلِد لأحد منهم ولد أن يأتي به إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيأخذه النبي ويقبله، ويضمه إليه، ويدعو له بالبركة ..

    مع أبي عمير :

    عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كان لي أخ يقال له أبو عمير ، كان إذا جاءنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: يا أبا عمير ، ما فعل النُغير(طائر صغير) )( البخاري )
    ومع اشتغال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأمور الجهاد والدعوة والعبادة وأمور الناس إلا أنه كان يلاطف أطفال الصحابة، ويدخل السرور عليهم ـ ، ويسأل الطفل عن طائره ..
    وهو مَنْ هو ـ صلى الله عليه وسلم ـ في علو منزلته وعِظم مسؤولياته ..

    تقديم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للطفل في حقه:


    عن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ : ( .. أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أُتِيَ بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟، فقال الغلام: لا، والله لا أوثر بنصيبي منك أحدا، قال: فتلَّه (وضعه في يده) رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ )( البخاري )..
    وفي ذلك إشارة من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالاهتمام بالطفل، والتأكيد على إعطائه حقه، وإشعاره بقيمته، وتعويده الشجاعة وإبداء رأيه في أدب، وتأهيله لمعرفة حقه والمطالبة به ..

    موقفه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الغلام اليهودي:

    عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان غلام يهودي يخدم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمرض، فأتاه يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له : أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال : أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يقول الحمد لله الذي أنقذه من النار )( البخاري )..
    وفي ذلك دلالة على حرص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الطفل، ورحمته وشفقته به ولو كان كافرا ..

    مع حفيدته أمامة بنت أبي العاص :

    لما ماتت أمها زينب أشفق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليها وحنَّ لها، فكان يخرج بها أحياناً إلى المسجد فيحملها وهو في الصلاة، فإذا سجد وضعها على الأرض، وإذا قام حملها على كتفه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..
    عن أبي قتادة الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، و لأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس ، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها )( البخاري )..

    موقفه مع أم خالد :

    عن أم خالد بنت خالد ـ رضي الله عنها ـ قالت : ( أُتِيَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة، فقال : من ترون أن نكسو هذه ؟، فسكت القوم، فقال: ائتوني بأم خالد ، فأتي بها تُحْمل، فأخذ الخميصة بيده فألبسها، وقال : أبلي وأخلقي .. وكان فيها علم أخضر أو أصفر، فقال : يا أم خالد هذا سناه(حسن) )( البخاري ) ..

    وكان العرب في الجاهلية يترقبون الأولاد، للوقوف إلى جانبهم ومساندتهم، أما البنت فكان التخوف من عارها يحملهم على كراهتها، حتى بعث الله نبينا ـ صلى الله عليه وسلم - ، فحفظ للبنت حقوقها وأكرمها، ووعد من يرعاها ويحسن إليها بالأجر الجزيل، وجعل حسن تربيتها ورعايتها والنفقة عليها سبب من الأسباب الموصلة إلى رضوان الله وجنته،
    حتى قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم -: ( من عال جارتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه )( مسلم ) ..
    وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من عال ابنتين أو ثلاث بنات، أو أختين أو ثلاث أخوات، حتى يمتن أو يموت عنهن، كنت أنا وهو كهاتين، وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى )( أحمد ) ..

    إن الناظر في سيرة وأحاديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجد أنه أعطى الطفل نصيبا من وقته، وجانبا كبيرا من اهتمامه، فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الأطفال أباً حنونا، ومربياً حكيما، يداعب ويلاعب، وينصح ويربي ..
    فمرحلة الطفولة هي أخصب وأهم فترة يمكن للمربي أن يغرس فيها المبادئ والقيم .. وفي حياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم- مواقف كثيرة ـ تعليمية وتربوية ـ، تحتاج إلى وقفات من المعنيين بشأن التربية والإصلاح، لاستخراج فوائدها، وقطف ثمارها، والاقتداء بها، والتعامل من خلالها مع أطفال اليوم ورجال الغد والمستقبل ..

    ===================================
    التالي : -

    ذكر سيرة الصحابه رضوان عليهم الذين وردت أسمائهم في ذكر المواقف مع رسول الله صل الله عليه وسلم ..



    (( - 1 - ))- عبد الله بن عامر رضي الله عنه ..

    ---------------------------------
    لا تنسونا من صالح دعائكم --- جزاكم الله خيرا


    عدل سابقا من قبل صادق النور في الثلاثاء أكتوبر 22, 2024 6:55 pm عدل 2 مرات

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود ذكر اسماء الصحابه رضوان عليهم والشخصيات الذين وردت أسمائهم في صلب المواقف

    مُساهمة من طرف صادق النور السبت أكتوبر 19, 2024 12:20 pm


    ذكر سيرة الصحابه رضوان عليهم الذين وردت أسمائهم في ذكر المواقف مع رسول الله صل الله عليه وسلم ..


    (( - 1 - ))- عبد الله بن عامر رضي الله عنه ..
     

    هو ::-
    ابن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ، الأمير ، أبو عبد الرحمن القرشي العبشمي الذي افتتح إقليم خراسان .
    رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى عنه حديثا في :  ( من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد).  رواه عنه حنظلة بن قيس .
    وهو ابن خال عثمان رضي الله عنه ، وأبوه عامر هو ابن عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيضاء بنت عبد المطلب . ولي البصرة لعثمان ،
    ثم وفد على معاوية ، فزوجه بابنته هند ، وداره بدمشق بالحويرة هي دار ابن الحرستاني .
    قال الزبير بن بكار : استعمل عثمان على البصرة ابن عامر ، وعزل أبا موسى ، فقال أبو موسى : قد أتاكم فتى من قريش ، كريم الأمهات والعمات والخالات ،
    يقول بالمال فيكم هكذا وهكذا . وهو الذي دعا طلحة والزبير إلى البصرة
    وقال : إن لي فيها صنائع . وهو الذي افتتح خراسان ، وقتل كسرى في ولايته ، وأحرم من نيسابور شكرا لله ،
    وعمل السقايات بعرفة . وكان سخيا كريما .
    قال ابن سعد أسلم أبوه عامر يوم الفتح وبقي إلى زمن عثمان ، وعقبه بالبصرة والشام كثير . قدم على ولده عبد الله وهو والي البصرة .
    وقيل : ولد عبد الله بعد الهجرة ،
    فلما قدم رسول الله معتمرا عمرة القضاء ، حمل إليه ابن عامر وهو ابن ثلاث سنين ، فحنكه ، وولد له عبد الرحمن وهو ابن ثلاث عشرة سنة .
    وأما ابن منده فقال : توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولابن عامر ثلاث عشرة سنة .
    قال مصعب الزبيري : يقال : إنه كان لا يعالج أرضا إلا ظهر له الماء .
    وقال الأصمعي : أرتج عليه يوم أضحى بالبصرة ، فمكث ساعة ، ثم قال : والله لا أجمع عليكم عيا ولؤما ، من أخذ شاة من السوق ، فثمنها علي .

    أبو داود الطيالسي : حدثنا حميد بن مهران ، عن سعد بن أوس ، عن  زياد بن كسيب
    قال : كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر وهو يخطب وعليه ثياب رقاق ، فقال أبو بلال : انظروا إلى أميركم يلبس ثياب الفساق ،
    فقال أبو بكرة : اسكت ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله .

    أبو بلال : هو مرداس بن أدية من الخوارج . قال خليفة وفي سنة تسع وعشرين عزل عثمان أبا موسى عن البصرة ، وعثمان بن أبي العاص عن فارس ، وجمعهما لابن عامر .
    وعن الحسن قال : غزا ابن عامر وعلى مقدمته ابن بديل ، فأتى أصبهان ، فصالحوه ، وتوجه إلى خراسان على مقدمته الأحنف ، فافتتحها ، يعني بعضها عنوة وبعضها صلحا .

    وقال الزهري :
    خرج يزدجرد في مائة ألف ، فنزل مرو واستعمل على إصطخر رجلا ، فأتاها ابن عامر ، فافتتحها . قال : وقتل يزدجرد ومن كان معه بمرو ، ونزل ابن عامر بأبرشهر وبها بنتا كسرى ، فحاصرها ، فصالحوه . وبعث الأحنف ، فصالحه أهل هراة . وبعث حاتم بن النعمان الباهلي إلى مرو ، فصالحوه . ثم سار معتمرا من نيسابور إلى مكة شكرا لله . وقد افتتح كرمان وسجستان .

    وكان من كبار ملوك العرب ، وشجعانهم ، وأجوادهم . وكان فيه رفق وحلم . ولاه معاوية البصرة . توفي قبل معاوية في سنة تسع وخمسين فقال معاوية : بمن نفاخر وبمن نباهي بعده ؟ !

    ===================================
    ========================


    ((- 2 -  )) أنس بن مالك رضي الله عنه --  


    هو :- أنس بن مالك رضي الله عنه  بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار .
    الإمام ، المفتي ، المقرئ ، المحدث ، راوية الإسلام ، أبو حمزة الأنصاري الخزرجي النجاري المدني ، خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقرابته من النساء ، وتلميذه ، وتبعه ، وآخر أصحابه موتا .

    روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - علما جما ، وعن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، ومعاذ ، وأسيد بن الحضير ، وأبي طلحة ،
    وأمه أم سليم بنت ملحان ، وخالته أم حرام ، وزوجها عبادة بن الصامت ، وأبي ذر ، ومالك بن صعصعة ، وأبي هريرة ، وفاطمة النبوية ، وعدة .

    وعنه خلق عظيم ، منهم ؛ الحسن ، وابن سيرين ، والشعبي ، وأبو قلابة ، ومكحول ، وعمر بن عبد العزيز ، وثابت البناني ، وبكر بن عبد الله المزني ، والزهري ، وقتادة ، وابن المنكدر ، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، وعبد العزيز بن صهيب ، وشعيب بن الحبحاب ، وعمرو بن عامر الكوفي ، وسليمان التيمي ، وحميد الطويل ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وكثير بن سليم ، وعيسى بن طهمان ، وعمر بن شاكر .

    وبقي أصحابه الثقات إلى بعد الخمسين ومائة ، وبقي ضعفاء أصحابه إلى بعد التسعين ومائة ، وبقي بعدهم ناس لا يوثق بهم ،
    بل اطرح حديثهم جملة ؛ كإبراهيم بن هدبة . ودينار أبو مكيس ، وخراش بن عبد الله ، وموسى الطويل ، عاشوا مديدة بعد المائتين ، فلا اعتبار بهم . [ ص: 397 ]

    وإنما كان بعد المائتين بقايا من سمع من ثقات أصحابه كيزيد بن هارون ، وعبد الله بن بكر السهمي ، ومحمد بن عبد الله الأنصاري ، وأبي عاصم النبيل ، وأبي نعيم . وقد سرد صاحب " التهذيب " نحو مائتي نفس من الرواة عن أنس .
    وكان أنس يقول : قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وأنا ابن عشر ، ومات وأنا ابن عشرين . وكن أمهاتي يحثثنني على خدمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

    فصحب أنس نبيه - صلى الله عليه وسلم - أتم الصحبة ، ولازمه أكمل الملازمة منذ هاجر ، وإلى أن مات ، وغزا معه غير مرة ، وبايع تحت الشجرة .

    وقد روى محمد بن سعد في " طبقاته " : حدثنا الأنصاري ، عن أبيه ، عن مولى لأنس ؛ أنه قال لأنس : أشهدت بدرا ؟ فقال : لا أم لك ، وأين أغيب عن بدر . ثم قال الأنصاري : خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر ، وهو غلام يخدمه .

    قلت : لم يعده أصحاب المغازي في البدريين لكونه حضرها صبيا ما قاتل ، بل بقي في رحال الجيش . فهذا وجه الجمع .

    وعن أنس ، قال : كناني النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا حمزة ببقلة اجتنيتها .

    وروى علي بن زيد - وفيه لين - عن ابن المسيب ، عن أنس ، قال : قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وأنا ابن ثمان سنين ، فأخذت أمي بيدي ، فانطلقت بي إليه ، فقالت : يا رسول الله ! لم يبق رجل ولا امرأة من الأنصار إلا وقد أتحفك بتحفة ، وإني لا أقدر على ما أتحفك به إلا ابني هذا ، فخذه ، فليخدمك ما بدا لك . قال : فخدمته عشر سنين ، فما ضربني ، ولا سبني ، ولا عبس في وجهي رواه الترمذي .

    عكرمة بن عمار : حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، حدثنا أنس قال : جاءت بي أم سليم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أزرتني بنصف خمارها ، وردتني ببعضه ، فقالت : يا رسول الله ! هذا أنيس ابني أتيتك به يخدمك ، فادع الله له .
    فقال : اللهم أكثر ماله وولده . فوالله إن مالي لكثير ، وإن ولدي وولد ولدي يتعادون على نحو من مائة اليوم .

    وروى شعبة : عن قتادة ، عن أنس ؛ أن أم سليم قالت : يا رسول الله ! خادمك أنس ، ادع الله له . فقال : اللهم أكثر ماله ، وولده . فأخبرني بعض أهلي أنه دفن من صلبي أكثر من مائة .

    ، حدثنا الأنصاري ، حدثني حميد ، عن أنس ؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على أم سليم ، فأتته بتمر وسمن ،
    فقال : أعيدوا تمركم في وعائكم ، وسمنكم في سقائكم ، فإني صائم . ثم قام في ناحية البيت ، فصلى بنا صلاة غير مكتوبة ، فدعا لأم سليم وأهل بيتها .
    فقالت : يا رسول الله ! إن لي خويصة . قال : وما هي ؟ قالت : خادمك أنس . فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به ، ثم قال : اللهم ارزقه مالا وولدا ، وبارك له فيه .
    قال : فإني لمن أكثر الأنصار مالا ، وحدثتني أمينة ابنتي : أنه دفن من صلبي إلى مقدم الحجاج البصرة تسعة وعشرون ومائة .

    الطيالسي : عن أبي خلدة قلت لأبي العالية : سمع أنس من النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : خدمه عشر سنين ، ودعا له ، وكان له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين ، و
    كان فيها ريحان يجيء منه ريح المسك .

    عن موسى بن أنس : أن أنسا غزا ثمان غزوات .

    وقال ثابت البناني : قال أبو هريرة : ما رأيت أحدا أشبه بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ابن أم سليم - يعني أنسا .

    وقال أنس بن سيرين : كان أنس بن مالك أحسن الناس صلاة في الحضر والسفر .

    وروى الأنصاري عن أبيه ، عن ثمامة ، قال : كان أنس يصلي حتى تفطر قدماه دما ، مما يطيل القيام - رضي الله عنه .

    ثابت البناني قال : جاء قيم أرض أنس ، فقال : عطشت أرضوك ، فتردى أنس ، ثم خرج إلى البرية ، ثم صلى ، ودعا ، فثارت سحابة ، وغشيت أرضه ومطرت ، حتى ملأت صهريجه وذلك في الصيف ، فأرسل بعض أهله ، فقال : انظر أين بلغت ؟ فإذا هي لم تعد أرضه إلا يسيرا . . قلت : هذه كرامة بينة ثبتت بإسنادين .

    قال همام بن يحيى : حدثني من صحب أنس بن مالك قال : لما أحرم أنس ، لم أقدر أن أكلمه حتى حل من شدة إبقائه على إحرامه .

    ابن عون : عن موسى بن أنس أن أبا بكر الصديق بعث إلى أنس ليوجهه على البحرين ساعيا ، فدخل عليه عمر ، فقال : إني أردت أن أبعث هذا على البحرين وهو فتى شاب . قال : ابعثه فإنه لبيب كاتب ، فبعثه . فلما قبض أبو بكر ، قدم أنس على عمر ، فقال : هات ما جئت به . قال : يا أمير المؤمنين ، البيعة أولا ، فبسط يده .

    حماد بن سلمة : أخبرنا عبيد الله بن أبي بكر ، عن أنس ، قال : استعملني أبو بكر على الصدقة ، فقدمت ، وقد مات ،
    فقال عمر : يا أنس أجئتنا بظهر ؟ قلت : نعم . قال : جئنا به ، والمال لك . قلت : هو أكثر من ذلك . قال : وإن كان ، فهو لك . وكان أربعة آلاف .

    روى ثابت ، عن أنس ، قال : صحبت جرير بن عبد الله ، فكان يخدمني ، وقال : إني رأيت الأنصار يصنعون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ، لا أرى أحدا منهم إلا خدمته .

    وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لأنس : يا ذا الأذنين .

    وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخصه ببعض العلم . فنقل أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه طاف على تسع نسوة في ضحوة بغسل واحد .

    قال خليفة بن خياط : كتب ابن الزبير بعد موت يزيد إلى أنس بن مالك ؛ فصلى بالناس بالبصرة أربعين يوما . وقد شهد أنس فتح تستر . فقدم على عمر بصاحبها الهرمزان فأسلم ، وحسن إسلامه - رحمه الله .

    قال الأعمش : كتب أنس إلى عبد الملك بن مروان - يعني لما آذاه الحجاج - : إني خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسع سنين ، والله لو أن النصارى أدركوا رجلا خدم نبيهم ، لأكرموه .

    قال جعفر بن سليمان : حدثنا علي بن زيد قال : كنت بالقصر ، والحجاج يعرض الناس ليالي ابن الأشعث ،
    فجاء أنس ، فقال الحجاج : يا خبيث ، جوال في الفتن ، مرة مع علي ، ومرة مع ابن الزبير ، ومرة مع ابن الأشعث ، أما والذي نفسي بيده ، لأستأصلنك كما تستأصل الصمغة ، ولأجردنك كما يجرد الضب .
    قال : يقول أنس : من يعني الأمير ؟ قال : إياك أعني ، أصم الله سمعك . قال : فاسترجع أنس ، وشغل الحجاج . فخرج أنس ، فتبعناه إلى الرحبة ، فقال : لولا أني ذكرت ولدي وخشيت  عليهم بعدي ، لكلمته بكلام لا يستحييني بعده أبدا .

    قال سلمة بن وردان : رأيت على أنس عمامة سوداء قد أرخاها من خلفه .

    وقال أبو طالوت عبد السلام : رأيت على أنس عمامة .

    حماد بن سلمة : عن حميد ، عن أنس : نهى عمر أن نكتب في الخواتيم عربيا . وكان في خاتم أنس ذئب أو ثعلب .

    وقال ابن سيرين : كان نقش خاتم أنس ، أسد رابض .

    قال ثمامة بن عبد الله : كان كرم أنس يحمل في السنة مرتين .

    قال سليمان التيمي : سمعت أنسا يقول : ما بقي أحد صلى القبلتين غيري .

    قال المثنى بن سعيد : سمعت أنسا يقول : ما من ليلة إلا وأنا أرى فيها حبيبي . ثم يبكي .

    حماد بن سلمة : عن ثابت ، عن أنس - وقيل له : ألا تحدثنا ؟ - قال : يا بني إنه من يكثر يهجر .

    عن الزهري ، عن أنس أنه نقش في خاتمه : " محمد رسول الله " فكان إذا دخل الخلاء ، نزعه .

    قال ابن عون : رأيت على أنس مطرف خز ، وعمامة خز ، وجبة خز .

    روى عبد الله بن سالم الأشعري ، عن أزهر بن عبد الله ، قال : كنت في الخيل الذين بيتوا أنس بن مالك ، وكان فيمن يؤلب على الحجاج ، وكان مع ابن الأشعث ، فأتوا به الحجاج ، فوسم في يده : عتيق الحجاج .

    قال الأعمش : كتب أنس إلى عبد الملك : قد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين ، وإن الحجاج يعرض بي حوكة البصرة ، فقال : يا غلام ، اكتب إلى الحجاج : ويلك قد خشيت أن لا يصلح على يدي أحد ، فإذا جاءك كتابي ، فقم إلى أنس حتى تعتذر إليه ، فلما أتاه الكتاب ، قال للرسول : أمير المؤمنين كتب بما هنا ؟ قال : إي والله ؛ وما كان في وجهه أشد من هذا .
    قال : سمعا وطاعة ، وأراد أن ينهض إليه ، فقلت : إن شئت ، أعلمته . فأتيت أنس بن مالك ، فقلت : ألا ترى قد خافك ، وأراد أن يجيء إليك ، فقم إليه . فأقبل أنس يمشي حتى دنا منه ، فقال : يا أبا حمزة غضبت ؟ قال : نعم . تعرضني بحوكة البصرة ؟ قال : إنما مثلي ومثلك كقول الذي قال : " إياك أعني واسمعي يا جارة " أردت أن لا يكون لأحد علي منطق .

    وروى عمرو بن دينار ، عن أبي جعفر قال : كان أنس بن مالك أبرص وبه وضح شديد ، ورأيته يأكل ، فيلقم لقما كبارا .

    قال حميد عن أنس : يقولون : لا يجتمع حب علي وعثمان في قلب ، وقد جمع الله حبهما في قلوبنا .

    وقال يحيى بن سعيد الأنصاري : عن أمه : أنها رأت أنسا متخلقا بخلوق ، وكان به برص ، فسمعني وأنا أقول لأهله : لهذا أجلد من سهل بن سعد ، وهو أسن من سهل ، فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا لي .

    قال أبو اليقظان : مات لأنس في طاعون الجارف ثمانون ابنا . وقيل : سبعون .

    وروى معاذ بن معاذ ، حدثنا عمران ، عن أيوب ، قال : ضعف أنس عن الصوم ، فصنع جفنة من ثريد ، ودعا ثلاثين مسكينا ، فأطعمهم .

    قلت : ثبت مولد أنس قبل عام الهجرة بعشر سنين

    وأما موته فاختلفوا فيه ، فروى معمر ، عن حميد أنه مات سنة إحدى وتسعين وكذا أرخه قتادة ، والهيثم بن عدي ، وسعيد بن عفير ، وأبو عبيد .

    وروى معن بن عيسى ، عن ابن لأنس بن مالك : سنة اثنتين وتسعين وتابعه الواقدي .

    وقال عدة - وهو الأصح - : مات سنة ثلاث وتسعين قاله ابن علية ، وسعيد بن عامر ، والمدائني ، وأبو نعيم ، وخليفة ، والفلاس ، وقعنب ،

    فيكون عمره على هذا مائة وثلاث سنين .

    قال الأنصاري : اختلف علينا في سن أنس ، فقال بعضهم : بلغ مائة وثلاث سنين . وقال بعضهم : بلغ مائة وسبع سنين .

    مسنده ألفان ومائتان وستة وثمانون ، اتفق له البخاري ومسلم على مائة وثمانين حديثا ، وانفرد البخاري بثمانين حديثا ، ومسلم بتسعين .

    ===================================
    ============================


    - -  (( - - 3 - [/colo - )) أبي هريرة رضي الله عنه - -



    الإمام الفقيه المجتهد الحافظ ، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أبو هريرة الدوسي اليماني . سيد الحفاظ الأثبات .

    اختلف في اسمه على أقوال جمة ، أرجحها : عبد الرحمن بن صخر . وقيل : ابن غنم . وقيل : كان اسمه : عبد شمس ، وعبد الله . وقيل : سكين . وقيل : عامر . وقيل : برير . وقيل : عبد بن غنم . وقيل : عمرو . وقيل : سعيد .

    وكذا في اسم أبيه أقوال .

    قال هشام بن الكلبي : هو عمير بن عامر بن ذي الشرى بن طريف بن عيان بن أبي صعب بن هنية بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد

    وهذا بعينه قاله خليفة بن خياط في نسبه ; لكنه قال : " عتاب " في " عيان " ، وقال : " منبه " في " هنية " .

    ويقال : كان في الجاهلية اسمه : عبد شمس ، أبو الأسود ، فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عبد الله ، وكناه : أبا هريرة .

    والمشهور عنه أنه كني بأولاد هرة برية . قال : وجدتها ، فأخذتها في كمي ; فكنيت بذلك .

    قال الطبراني : وأمه - رضي الله عنها- هي : ميمونة بنت صبيح .

    حمل عن النبي - صلى الله عليه وسلم- علما كثيرا طيبا مباركا فيه - لم يلحق في كثرته- وعن أبي ، وأبي بكر ، وعمر ، وأسامة ، وعائشة ، والفضل ، وبصرة بن أبي بصرة ، وكعب الحبر .

    فأبو هريرة هو: الصحابي الجليل عبد الرحمن بن صخر الدوسي اليماني، أول من أسلم من قبيلة دوس، قدم إلى المدينة مهاجراً سنة ست للهجرة، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم غازياً خيبر فالتحق به هنالك، كانت له هرة وكان يلاعبها فكني بها رضي الله عنه، وكان من حفاظ الصحابة، بل هو أحفظهم على الإطلاق، حتى أتهم بالإكثار من الحديث،
    فقال مدافعاً عن نفسه مبيناً سبب كثرة حفظه: إنكم تقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبي هريرة؟ وأني إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإخواني من الأنصار يشغلهم عمل أموالهم، وكنت أمرأً مسكيناً من مساكين الصفة، ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، فأحضر حين يغيبون، وأعي حين ينسون.

    وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يحدثه يوماً: إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي جميع مقالتي، ثم يجمع إليه ثوبه إلا وعى ما أقول، فبسطت نمرة علي، حتى إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته جمعتها إلى صدري فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من شيء" متفق عليه.

    هكذا كان حاله رضي الله عنه مع العلم، حريصاً مثابراً في طلبه حتى حصل من العلم ما لم يحصله غيره، توفي النبي صلى الله عليه وسلم، وفتحت على المسلمين الدنيا، وحصل لأبي هريرة خير كثير، ولاه عمر رضي الله عنه البحرين، ثم قدم إلى المدينة، ورفض الولاية، وفي خلافة معاوية كان ينوب في حكم المدينة عن مروان بن الحكم.

    دعا رضي الله عنه قائلاً: اللهم لا تدركني سنة ستين ولا إمارة الغلمان. رواه ابن أبي شيبة، قال الذهبي فتوفي فيها أو قبلها بسنة رضي الله عنه، فقد كانت حياته مليئة بالعلم.

    أبو هُرَيْرَة عَبدُ الرَّحْمنِ بْنُ صَخْرٍ الدَّوْسِيّ (21 ق هـ - 59 هـ / 602 - 679 م) صحابي محدِّث وفقيه وحافظ أسلم سنة 7 هـ،
    ولزم النبي محمداً صل الله عليه وسلم ، وحفظ الحديث عنه، حتى أصبح أكثر الصحابة روايةً وحفظًا للحديث النبوي. لسعة حفظ أبي هريرة، التفّ حوله العديد من الصحابة والتابعين من طلبة الحديث النبوي الذين قدّر البخاري عددهم بأنهم جاوزوا الثمانمئة ممَّن رووا عن أبي هريرة.
    كما يعد أبو هريرة واحدًا من أعلام قُرّاء الحجاز، حيث تلقّى القرآن عن النبي محمد صل الله عليه وسلم ، وعرضه على أبي بن كعب، وأخذ عنه عبد الرحمن بن هرمز

    حدث عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين ، فقيل : بلغ عدد أصحابه ثمان مائة ، فاقتصر صاحب " التهذيب " ، فذكر من له رواية عنه في كتب الأئمة الستة ، وهم : إبراهيم بن إسماعيل ، وإبراهيم بن عبد الله بن حنين ، وإبراهيم بن عبد الله بن قارظ الزهري - ويقال : عبد الله بن إبراهيم - وإسحاق مولى زائدة ، وأسود بن هلال ، وأغر بن سليك ، والأغر أبو مسلم ، وأنس بن حكيم ، وأنس بن مالك ، وأوس بن خالد  وكثير من التابعين رضوان الله عليهم .

    فإن أبا هريرة رضي الله عنه كان من المكثرين في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نعلم حديثا خاصا يحوي جملة خاصة من الوصايا في الدنيا والآخرة، إلا أنه ثبتت عدة أحاديث متفرقة تحوي جملة من الوصايا،

    فمنها ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام.

    وروى ابن ماجه عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو يغرس غرسا  .
    فقال: يا أبا هريرة: ما الذي تغرس؟ قلت: غراسا لي، قال: ألا أدلك على غراس خير لك من هذا؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، يغرس لك بكل واحدة شجرة في الجنة. قال الشيخ الألباني: صحيح.

    وروى ابن ماجه وأبو يعلى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة: كن ورعا تكن أعبد الناس، وكن قنعا تكن أشكر الناس، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلما، وأقل الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب. قال الشيخ الألباني: صحيح.

    وروى عبد الرزاق وأحمد عنه أنه قال: كنت أمشي مع رسول صلى الله عليه وسلم في نخل لبعض أهل المدينة فقال: يا أبا هريرة: هلك المكثرون إلا من قال كذا وكذا وهكذا وهكذا، وقليل ما هم، ثم مشى ساعة ثم قال: يا أبا هريرة: ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ فقلت: بلى يا رسول الله، قال: تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ولا ملجأ من الله إلا إليه. قال: ثم مشى ساعة فقال: يا أبا هريرة: هل تدري ما حق الله على الناس وما حق الناس على الله؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على الناس أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، فإذا فعلوا ذلك فحق على الله أن لا يعذبهم. قال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير كميل بن زياد.

    وروى الطبراني عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة: إذا توضأت فقل: بسم الله والحمد لله، فإن حفظت لا تبرح تكتب لك الحسنات حتى تحدث من ذلك الوضوء. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير وإسناده حسن.

    صحبه أبو هريرة مع رسول الله صل الله عليه وسلم .

    من ادّعى أنّ صحبته أربع سنين؛ قال ابن حجر: ((لأنّه قدم في خيبر سنة سبع، وكانت خيبر في صفر، ومات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في ربيع الأوّل سنة إحدى عشرة، فتكون المدّة أربع سنين وزيادة، وبذلك جزم حميد بن عبد الرحمن الحميري)).

    والمشهور أنّ صحبته ثلاث سنين، استناداً لقوله: ((صحبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّمثلاث سنين لم أكن في سنّي أحرص على أن أعي الحديث منّي فيهنّ)).

    والصحيح أنّها كانت سنة وتسعة أشهر، قال محمود أبو رية:

    ((لبث أبو هريرة في الصفة يعاني فيها ما يعاني، كما وصف ذلك بلسانه، زمناً يبتدئ من شهر صفر سنة ۷ه‍، وهو الشهر الذي وقعت فيه غزوة خيبر، وينتهي إلى شهر ذي القعدة سنة ۸ه‍، ثمّ انتقل بعد ذلك إلى البحرين، وبذلك يكون قد قضى بالمدينة: سنة واحدة وتسعة أشهر، لا كما اشتهر بين الجمهور من أنّه قضى بالمدينة حياة النبيّ ثلاث سنين! وبعضهم أوصلها إلى أربع سنين!)).

    ثمّ قال: ((بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله) منصرفه من الجعرانة، بعد أن قسّم غنائم حنين، العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي، عامل الفرس على البحرين... وكان فيمن بعثهم النبيّ مع العلاء بن الحضرمي إلى البحرين أبو هريرة)).

    إلى أن قال: ((يتبيّن ممّا ذكرنا آنفاً: أنّ أبا هريرة قدم من بلاده على النبيّ وهو بخيبر سنة ۷ه‍، وأنّ النبيّ بعثه مع العلاء بن الحضرمي إلى البحرين بعد منصرفه من الجعرانة، بعد أن قسّم مغانم حنين، وكان ذلك في شهر ذي القعدة سنة ۸ه‍،
    وبذلك تكون مدّة إقامته بجوار النبيّ عريفاً لأهل الصفة، تبتدئ من شهر صفر سنة ۷ه‍، وتنتهي في شهر ذي القعدة سنة ۸ه‍، وإذا حسبناها وجدنا أنّها لا تزيد على سنة واحدة وتسعة أشهر فقط)).

    ولكن هناك من شكّك في صحبة أبو هريرة مع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأنكر كونه من الصحابة!

    ففي كتاب: (أكثر أبو هريرة) للدكتور مصطفى بو هندي, جاء ما يلي:

    ((درج الدارسون على اعتبار أبي هريرة صحابياً بناء على مجموعة من الروايات التي يرويها أبو هريرة عن نفسه, وهي بدل أن تؤكّد صحبته لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم  أثارت حولها مجموعة من الشبهات, وهو ما يدعونا إلى التحقيق في هذه المسألة.

    روى الذهبي عن الوليد بن رباح: سمعت أبا هريرة يقول لمروان: والله ما أنت والٍ، وإنّ الوالي لَغيرُك، فدعه - يعني: حين أرادوا دفن الحسن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - ولكنّك تدخل في ما لا يعنيك; إنّما تريد بها إرضاء من هو غائب عنك - يعني: معاوية ــ.

    فأقبل عليه مروان مغضباً، وقال: يا أبا هريرة! إنّ الناس قد قالوا: أكثر الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وإنّما قدم قبل وفاته بيسير!

    فقال: قدمت - والله - ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم  بخيبر، وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين سنة سنوات، وأقمت معه حتّى توفّي، أدور معه في بيوت نسائه, وأخدمه، وأغزو وأحجّ معه، وأصلّي خلفه ; فكنت والله أعلم الناس بحديثه.

    وروى الذهبي عن عمير بن هانئ العنسي عن أبي هريرة، قال: (اللّهمّ لا تدركني سنة ستّين)، فتوفّي فيها، أو قبلها بسنة.

    قال الواقدي: كان ينزل ذا الحليفة. وله بالمدينة دار، تصدّق بها على مواليه، ومات سنة تسع وخمسين وله ثمان وسبعون سنة، وهو صلّى على عائشة في رمضان سنة ثمان وخمسين، قال: وهو صلّى على أمّ سلمة في شوال سنة تسع وخمسين.



    =============================
    =================


    (( - 4 - ))  -- سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه  --

    هو:
    سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الساعدي.
    أبيه:

    سعد بن مالك بن خالد: صحابي، توفي سنة 2 هـ،
    وفي ذلك قال الواقدي: «تجهز سعد بن مالك ليخرج إلى بدر فمرض، فمات فموضع قبره عند دار بني قارظ، فضرب له رسول الله  صل الله عليه وسلم بسهمه وأجره».
    أخيه: ثعلبة بن سعد: صحابي، قتل في يوم أحد سنة 3 هـ.

    زوجته:

    عائشة بنت خزيمة بن وحوح بن الأجثم بن عبد الله بن وهب بن عبد الله بن قنفذ بن مالك بن عوف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور بن قيس عيلان.

    ابنه:
    عباس بن سهل: تابعي، ومحدث. ولد سنة 20 هـ في خلافة عمر،
    ولما قتل عثمان بن عفان كان ابن خمسة عشر سنة. ولاه أبن الزّبير المدينة المنورة،
    وهو الذي قتل حبيش بن دلجة في رواية ابن الكلبي.وهو معمر كأبيه، حيث توفي سنة 120 هـ عن عمر ناهز المائة عاماً.

    حفيده:
    أبي بن عباس بن سهل بن سعد: محدث ضعيف، أدركه الواقدي، وحدث عنه.

    حياته

    عاش سهل وطال عمره، حتى أدرك الحجاج بن يوسف، وامتحن معه. أرسل الحجاج سنة 74 هـ إلى سهل بن سعدرضي الله عنه، وقال له: "ما منعك من نصر أمير المؤمنين عثمان؟ قال: "قد فعلته"، قال: "كذبت" ثم أمر به فختم في عنقه، وختم أيضاً في عنق أنس بن مالك، حتى ورد عليه كتاب عبد الملك بن مروان فيه، وختم في يد جابر بن عبد الله، يريد إذلالهم بذلك، وأن يجتنبهم الناس، ولا يسمعوا منهم.

    عن عبد المهيمن بن العباس بن سهل، عن أبيه، عن جده، قال: كان اسم سهل بن سعد حزناً، فغيره النبي صل الله عليه وسلم لسهل

    شهد سهل غزوة تبوك وهو فتى يافع بعمر الثامنة عشر تقريباً،
    وفي ذلك يقول: «كنت أصغر أصحابي وكنت مقريهم في تبوك». وقبل ذلك، حضر سعد بن سهل المتلاعنين عند النبي  صل الله عليه وسلم ،
    وفي ذلك قال ابن شهاب الزهري:«قلت لسهل بن سعد، ابنُ كم كنْتَ يومئذ - يعني يوم المتلاعنين؟ - قال: ابن خمس عشرة سنة».

    شهد سهل مع علي بن أبي طالب يوم الجمل، ولم يحضر معركة صفين

    وقال عبيد الله بن عمر: تزوج سهل بن سعد خمس عشرة امرأة. ويروى أنه حضر مرة وليمة، فكان فيها تسع من مطلقاته، فلما خرج، وقفن له، وقلن: كيف أنت يا أبا العباس؟
    ، عن الزهري، عن سهل بن سعد سمعه يقول: اطلع رجل من جحر في حجرة النبي صل الله عليه وسلم ومع النبي مدرى يحك به رأسه فقال: لو أعلم أنك تنظرني، لطعنت به في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل النظر، متفق عليه.

    وفاته :

    عاش سهل بن سعد طويلاً، حتى بلغ المائة عاماً، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة، وفي ذلك قال الواقدي:«مات سهل بن سعد بالمدينة سنة إحدى وتسعين وهو ابن مائة سنة، وهو آخر من مات من أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم ، ليس بيننا في ذلك اختلافٌ».

    له في كتب الحديث 188 حديثا، وروى عن النبي صل الله عليه وسلم  عدة أحاديث.
    وحدث عنه: أبو هريرة، وسعيد بن المسيب، والزهري، وأبو حازم، وابنه عباس بن سهل، وابن شهاب الزهري، ويحيى بن ميمون الحضرمي وطائفة من المحدثين.

    ذكر عدد كبير وفاته في سنة إحدى وتسعين. وقال أبو نعيم وتلميذه البخاري: سنة ثمان وثمانين.


    ================================


    التالي : -

    (( - 5 - )) - الأقرع بن حابس سيّد بني تميم رضي الله عنه ..


    لا تنسونا من صالح دعائكم
    [/right]


    عدل سابقا من قبل صادق النور في الثلاثاء أكتوبر 22, 2024 7:01 pm عدل 2 مرات

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود الأقرع بن حابس سيّد بني تميم

    مُساهمة من طرف صادق النور السبت أكتوبر 19, 2024 5:10 pm

     
    (( - 5 - )) -الأقرع بن حابس سيّد بني تميم رضي الله عنه ..

    {



    { الأقرع بن حابس }

    هو أبو بحر فراس بن حابس بن عقال بن محمّد بن سفيان بن مجاشع بن دارم، المجاشعيّ، الدارميّ، التميميّ، الملقب بالأقرع؛
    لقرع كان في رأسه، فغلب لقبه على اسمه، و عرف بالأقرع.

    صحابيّ معروف، و من سادات و حكّام و قضاة بني تميم في الجاهلية، و كان شاعرا محاربا شجاعا.

    كان مجوسيّا، أسلم و أصبح من المؤلّفة قلوبهم.

    وأحد حكام وقضاة العرب المشهورين قبل الإسلام، كان يحكم بين العرب في كل موسم حتى جاء الإسلام،
    وهو أول من حرم القمار، ويُعد أحد فرسان العرب المشهورين، وفد إلى النبي صل الله عليه وسلم وأسلم، وحسن إسلامه، وشهد معه فتح مكة، وغزوة حنين، والطائف، وقاتل تحت لواءه، .
    وأعطاه النبي صل الله عليه وسلم  من أنفال غزوة حنين، ثم قاتل مع خالد بن الوليد في اليمامة ضد المرتدين، كما كان على مقدمة الجيوش الإسلامية في فتوحات العراق وأبلى فيها بلاءً حسنًا، وشهد فتوحات بلاد فارس وخراسان، واستُشَهد في أحد المعارك في الجوزجان من بلدان خراسان في زمن الخليفة عثمان بن عفان عام 31 هـ.


    هو الأقرع بن حابس بن عقال بن مُحَمد بن سُفَيان بن مُجَاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة تميم بن مر المُجَاشعي الدارمي الحنظلي التميمي.
    أمه هي فطيمة بنت حوي بن سُفَيان بن مُجَاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مر المُجَاشعية الدارمية الحنظلية التميمية.

    كان من سادات العرب وفرسانهم وأئمتهم وحكمائهم في الجاهلية، وكان ملكاً يحكم بين الناس في منافراتهم و قاد الخيل من أرض نجد حتى دخل نجران فأغار على بني الحارث بني كعب ،
    قال الزبير بن بكار: «كان الأقرع بن حابس ملكاً في الجاهلية».
    وذكر عنه المدائني: «أنه أول من حرم القمار في الجاهلية».
    وقال القلقشندي: «أول من حرم القمار في الجاهلية الأقرع بن حابس التميمي، ثم جاء الإسلام بتقريره».

    وإلى جانب حكمته ورئاسته، كان فارساً، شجاعاً، بطلاً، في ميدان الحروب، يقود الفرسان،
    وذكر ابن حبيب: أنه أحد قادة العرب الذي يقودون ألف فارسٍ وأكثر.
    ومن أخبار غزواته وغارته قبل الإسلام ما رواه أبو عبيدة قال: «لما أنصرف الأقرع من يوم الكلاب الثاني جمع ألفي مقاتل من بني تميم وأغار بهم على نجران وفيها أخلاط من أهل اليمن من حمير وخثعم والأشعثان من سادة قبيلة كندة وهما الأشعث بن قيس بن معد يكرب بن جبلة الكندي وأخوه، فهزم جمعهم الأقرع بن حابس، وغنم منهم وسبى».
    وفي غارةٍ أخرى له هزم فيها أهل نجران وأهل الجوف من مذحج وسباهم، ثم قام بمهاجمة قبائل كندة وهمدان وأوقع بهم، وأصاب فيهم ، وفي ذلك قال الفرزدق مفتخراً بالأقرع لان جدته لأبيه هي ليلى بنت حابس أخت الأقرع، ويكون الأقرع خال والده غالب بن صعصعة:

    قصة إسلامه :: -
    قال ابن سعد في طبقاته "وكان في وفد بني تميم الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وكان ينزل أرض بني تميم ببادية البصرة"،

    شهد الأقرع بن حابس مع خالد بن الوليد حرب أهل العراق وشهد معه فتح الأنبار وكان على مقدمة خالد بن الوليد واستعمله عبد الله بن عامر على جيش سيره إلى خراسان فأصيب بالجوزجان هو والجيش وذلك في زمن عثمان رضي الله عنه

    عن عبيدة بن عمرو السلماني أن عيينة والأقرع استقطعا أبا بكر أرضا فقال لهما عمر إنما كان النبي يتألفكما على الإسلام فأما الآن فاجهدا جهدكما وقطع الكتاب...

    سار الأقرع بن حابس إلى الجوزجان بعثه الأحنف في جريدة خيل إلى بقية كانت بقيت من الزحوف الذين هزمهم الأحنف فقاتلهم فجال المسلمون جولة فقتل فرسان من فرسانهم ثم أظفر الله المسلمين بهم فهزموهم وقتلوهم

    فتح الأنبار وعين التمر وتسمى هذه الغزوة ذات العيون:

    ثم سار خالد على تعبيته إلى الأنبار وعلى مقدمته الأقرع بن حابس وكان بالأنبار شيرزاد صاحب ساباط فحاصرهم ورشقوهم بالنبال حتى فقؤوا منهم ألف عين ثم نحر ضعاف الإبل وألقاها في الخندق حتى ردمه بها وجاز هو وأصحابه فوقها فاجتمع المسلمون والكفار في الخندق وصالح شيرزاد على أن يلحقوه بمأمنه ويخلي لهم عن البلد وما فيها ببهمن حاذويه.

    وقد صحب خالد بن الوليد في أكثر معاركه باليمامة أيام الردة وشارك كذلك في حروب العراق وأبلى فيها بلاء حسنا...

    وفاته : -
    توفي بجوزجان من مدن خراسان وذلك في زمن الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه عام 31 هـ،
    وذكر الرضي الشاطبي أنه إستشهد في معركة اليرموك مع عشرة من أبنائه في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

    ================================
    =====================


    (( - 6 - )) -عبد الله بن سعد ابن أبي سرح بن الحارث ،
    الأمير ، قائد الجيوش ، أبو يحيى القرشي العامري ، من عامر بن لؤي بن غالب . هو أخو عثمان من الرضاعة ، له صحبة ورواية حديث . روى عنه الهيثم بن شفي . ولي مصر لعثمان . وقيل : شهد صفين . والظاهر أنه اعتزل الفتنة ، وانزوى إلى الرملة .

    ما رواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ ،
    اخْتَبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، فَجَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ . فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا ، كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى . فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ ،
    فَقَالَ : ( أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ ، فَيَقْتُلُهُ ؟ فَقَالُوا : مَا نَدْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ ، أَلا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ ؟ قَالَ : إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ )


    أنه كان يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويفتري عليه الكذب بقوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبدل في القرآن بحسب ما يملي عليه ابن أبي سرح .

    كما روى ذلك ابن إسحاق في " السير والمغازي " عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر ، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم : إنما أمر بابن أبي سرح لأنه كان قد أسلم ، فكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي ، فرجع مشركا ، ولحق بمكة ،
    فكان يقول لهم : إني لأصرفه كيف شئت ، إنه ليأمرني أن أكتب له الشيء فأقول له : أو كذا أو كذا . فيقول : نعم . وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( عليم حليم ) فيقول له : أو أكتب : ( عزيز حكيم ) فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلاهما سواء "

    وقال ابن إسحاق أيضا :
    " حدثني بعض علمائنا أن ابن أبي سرح رجع إلى قريش ، فقال : والله لو أشاء لقلت كما يقول محمد ، وجئت بمثل ما يأتي به ،
    إنه ليقول الشيء وأصرفه إلى شيء ، فيقول : أصبت
    . ففيه أنزل الله تعالى  - ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ ) فلذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله .
    وعن ابن أبي نجيح قال : إنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه كان أسلم ،
    وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي ، فارتد مشركا راجعا إلى قريش ،
    فقال : والله إني لأصرفه حيث أريد ، إنه ليملي علي فأقول : أو كذا أو كذا . فيقول : نعم

    وقال النووي رحمه الله :
    " ثم أسلم ذلك اليوم عبد الله بن سعد بن أبى سرح ، وحَسن إسلامه ، ولم يظهر منه بعده ما يُنكر ، وهو أحد العقلاء والكرماء من قريش ، ثم ولاه عثمان مصر سنة خمس وعشرين ، ففتح الله على يديه إفريقية ، وكان فتحًا عظيمًا بلغ سهم الفارس ثلاثة آلاف مثقالٍ ذهبًا ، وشهد معه هذا الفتح عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن الزبير ، وكان عبد الله بن سعد هذا فارس بني عامر بن لؤى ، وغزا بعدَ إفريقية الأساودَ من أرض النوبة ، سنة إحدى وثلاثين ، وغزا غزوة الصواري في البحر إلى الروم .

    قال ابن يونس : كان صاحب ميمنة عمرو بن العاص ، وكان فارس بني عامر المعدود فيهم . غزا إفريقية . نزل بأخرة عسقلان ، فلم يبايع عليا ولا معاوية .


    أبو صالح ، عن الليث قال : كان عبد الله بن سعد واليا لعمر على الصعيد ، ثم ولاه عثمان مصر كلها ، وكان محمودا . غزا إفريقية ، فقتل جرجير صاحبها . وبلغ السهم للفارس ثلاثة آلاف دينار ، وللراجل ألف دينار . ثم غزا ذات الصواري ، فلقوا ألف مركب للروم ، فقتلت الروم مقتلة لم يقتلوا مثلها قط . ثم غزوة الأساود .

    الواقدي : حدثنا أسامة بن زيد ، عن يزيد بن أبي حبيب قال : كان عمرو بن العاص على مصر لعثمان ، فعزله عن الخراج وأقره على الصلاة والجند . واستعمل عبد الله بن أبي سرح على الخراج ، فتداعيا .
    فكتب  ابن أبي سرح إلى عثمان : إن عمرا كسر الخراج علي . وكتب عمرو : إن ابن سعد كسر علي مكيدة الحرب .
    فعزل عمرا ، وأضاف الخراج إلى ابن أبي سرح . وروى ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، قال : أقام عبد الله بن سعد بعسقلان ، بعد قتل عثمان ، وكره أن يكون مع معاوية ، وقال : لم أكن لأجامع رجلا قد عرفته ، إن كان ليهوى قتل عثمان . قال : فكان بها حتى مات .

    سعيد بن أبي أيوب : حدثني يزيد بن أبي حبيب ، قال : لما احتضر ابن أبي سرح وهو بالرملة ، وكان خرج إليها فارا من الفتنة ، فجعل يقول من الليل : آصبحتم ؟ فيقولون : لا . فلما كان عند الصبح ، قال : يا هشام ! إني لأجد برد الصبح فانظر .
    ثم قال : اللهم اجعل خاتمة عملي الصبح ، فتوضأ ، ثم صلى ، فقرأ في الأولى بأم القرآن والعاديات ، وفي الأخرى بأم القرآن وسورة وسلم عن يمينه ،
    وذهب يسلم عن يساره فقبض - رضي الله عنه . ومر أنه توفي سنة تسع وخمسين والأصح وفاته في خلافة علي رضي الله عنه .

    =============================
    ===============

    (( - 7 - )) - عكرمة بن أبي جهل :.



    عكرمة بن عمرو أو عكرمة بن أبي جهل هو عكرمة بن عمرو المخزومي القرشي المكنى بأبي عثمان. صحابي وفارس من فرسان قريش وأحد فرسان مكة.

    هو: عكرمة بن عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
    أمه: أم مجالد بنت يربوع من بني هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر.
    زوجته: أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومية بنت أخ عمرو بن هشام وأمها فاطمة بنت الوليد وخالها هو سيف الله المسلول خالد بن الوليد.
    أولاده : منهم عمر بن عكرمة ، قتل باليرموك، ويقال بأجنادين

    أوصافه وصفاته :
    كان عكرمة طويل القامة، مفتول العضلات، عريض المنكبين، حاد الملامح، حنطي البشرة، غزير الشعر، جهوري الصوت، شديد الشبه بأبيه عمرو بن هشام بن المغيرة (أبو جهل)، وكان لين العريكة، حليماً، حكيماً

    عداوته للإسلام : -

    نشأ عكرمة في مكة في جو مترف محفوف بالنعيم، في قصر المغيرة، وتعلم القراءة والكتابة والأنساب على يد أفضل المعلمين في تهامة، وكغيره من أبناء العرب، تعلم الفروسية وأبدى نبوغًا ومهارة في المبارزة وفنون القتال، وبرز بين أقرانه ببراعته في رمي الرمح وتصويب السهام، كما عُرف بالشجاعة وخفة الحركة في الكرّ والفرّ.

    غزوة بدر : -

    شارك عكرمة في معركة بدر تحت قيادة والده أبي الحكم (المشهور بـ «أبي جهل») عمرو بن هشام، مع كفار قريش، ورأى عكرمة في المعركة عبد الله بن مسعود يرتقي على صدر أبيه ويقتله، فانسحب عكرمة من المعركة مع غيره من فرسان قريش،
    وعاد عكرمة إلى مكة بعد أن خلف جثة سيد قريش في بدر فقد أعجزته الهزيمة عن أن يظفر بها ليدفنها في مكة وأرغمه الفرار على تركها للمسلمين فألقوها في القليب (بئر ألقيت فيها جثث المشركين من قتلى بدر) مع العشرات من قتلى المشركين وأهالوا عليها الرمال.

    يوم أحد : -
    خرج عكرمة بن عمرو إلى معركة أحد وأخرج معه زوجه أم حكيم لتقف مع النسوة وراء الصفوف وتضرب معهن على الدفوف تحريضاً لكفار قريش على القتال وتثبيتاً لفرسانها إذا حدثتهم أنفسهم بالفرار فكان على ميمنة فرسان قريش خالد بن الوليد وعلى ميسرتهم عكرمة بن عمرو.

    يوم الخندق : -

    في يوم الخندق حاصر المشركون المدينة أياماً طوالاً فنفد صبر عكرمة بن عمرو وضاق ذرعاً بالحصار فنظر إلى مكان ضيق من الخندق وأقحم جواده فيه فاجتازه ثم اجتازه وراءه بضعة فرسان، وتهور غير محسوب، قتل على أثرها عمرو بن ود.

    فتح مكة : -

    وحسب رؤية المسلمين فقد وعد الله الذي وعده رسوله في القرآن الكريم(( لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ )) ۖ، سورة الفتح: 27، فكان يوم الفتح فرأت قريش ألا قبل لها بقتال محمد وأصحابه، فأذعنت أي قررت على أن تخلي له السبيل إلى مكة لكن عكرمة ونفر معه خرجوا على الإجماع القرشي وهاجم الجيش الإسلامي بتهور فهزمهم المسلمون،
    ففر عكرمة إلى اليمن.

    إسلامه : -

    أسلم عكرمة بن أبي الحكم المخزومي القرشي، حيث جاءت أم حكيم امرأة عكرمة بن أبي جهل إلى الرسولِ محمدٍ صل الله عليه وسلم
    فقالت: «يا رسول الله، قد هرب عكرمة منك إلى اليمن، وخاف أن تقتله فأمِّنه»،
    فقال الرسول صل الله عليه وسلم : «هو آمن»،
    فخرجت أم حكيم في طلبه ومعها غلام لها رومي، فراودها عن نفسها، فجعلت تمنيه حتى قدمت على حيّ من عكٍّ فاستغاثتهم عليه فأوثقوه رباطًا، وأدركت عكرمة، وقد انتهى إلى ساحل من سواحل تهامة فركب البحر،
    فجعل نُوتيَّ السفينة يقول له: «أخلص»، فقال: «أي شيء أقول؟»، قال: «قل لا إله إلا الله»،
    قال عكرمة: «ما هربت إلا من هذا»، فجاءت أم حكيم على هذا الكلام، فجعلت تلح عليه وتقول: «يا ابن عم، جئتك من عند أوصل الناس، وأبرّ الناس، وخير الناس، لا تهلك نفسك»،
    فوقف لها حتى أدركته فقالت: «إني قد استأمنت لك محمدًا رسول الله صل الله عليه وسلم »، قال: «أنت فعلت؟»، قالت: «نعم، أنا كلمته فأمنك»، فرجع معها وقال: «ما لقيتِ من غلامك الرومي؟»، فخبرته خبره فقتله عكرمة، وهو يومئذ لم يسلم، فلما دنا من مكة وجعل عكرمة يطلب امرأته يجامعها، فتأبى عليه، وتقول: «إنك كافر وأنا مسلمة»، فيقول: «إن أمرًا منعك مني لأمر كبير»،
    فلما رأى الرسولُ صل الله عليه وسلم عكرمةَ وثب إليه -وما على النبي  صل الله عليه وسلم  رداء- فرحاً بعكرمة،
    ثم جلس الرسولُ صل الله عليه وسلم  فوقف بين يديه، وزوجته متنقبة،
    فقال: «يا محمد، إن هذه أخبرتني أنك أمنتني»، فقال الرسول محمد صل الله عليه وسلم : «صدقت، فأنت آمن»،
    فقال عكرمة: «فإلامَ تدعو يا محمد؟»، قال: «أدعوك إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتفعل وتفعل» حتى عد خصال الإسلام،
    فقال عكرمة: «والله ما دعوت إلا إلى الحق وأمر حسن جميل، قد كنت والله فينا قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه وأنت أصدقنا حديثاً وأبرنا براً»،
    ثم قال عكرمة: «فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله»،
    فسُرَّ بذلك الرسولُ صل الله عليه وسلم ، ثم قال: «يا رسول الله، علمني خير شيء أقوله»، قال: «تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله»، قال عكرمة: «ثم ماذا؟»، قال رسول الله صل الله عليه وسلم:
    «تقول: أشهد الله وأُشهد من حضر أني مسلم مهاجر ومجاهد»، فقال عكرمة ذلك،
    فقالل الله رسول الله صل الله عليه وسلم : «لا تسألني اليوم شيئاً أعطيه أحدًا إلا أعيتكه»،
    فقال عكرمة: «فإني أسألك أن تستغفر لي كل عداوة عاديتكها، أو مسير وضعت فيه،
    أو مقام لقيتك فيه، أو كلام قلته في وجهك أو وأنت غائب عنه»،
    فقال الرسول صل الله عليه وسلم : «اللهم اغفر له كل عداوة عادانيها، وكل مسير سار فيه إلى موضع يريد بذلك المسير إطفاء نورك، فاغفر له ما نال مني من عرض، في وجهي أو وأنا غائب عنه»،
    فقال عكرمة: «رضيت يا رسول الله، لا أدع نفقة كنت أنفقها في صدّ عن سبيل الإسلام إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله، ولا قتالاً كنت أقاتل في صدّ عن سبيل الله إلا أبليت ضعفه في سبيل الله»،
    ثم اجتهد في القتال حتى قُتل في سبيل الله. وبعد أن أسلم ردَّ الرسولُ امرأته له بذلك النكاح الأول.

    جهاده : -
    في عهد أبي بكر

    يروي المؤرخون المسلمون أنه بعد وفاة رسول الله صل الله عليه وسلم قاتل عكرمة المرتدين واستعمله أبو بكر على جيش وسيره إلى أهل عمان وكانوا قد امتنعوا عن دفع الزكاة وظهر عليهم عكرمة، ثم وجهه أبو بكر أيضاً إلى اليمن فلما فرغ من قتال أهل الردة سار إلى الشام مجاهداً أيام أبي بكر مع جيوش المسلمين، فلما عسكروا بالجرف على ميلين من المدينة واستقبله أبو بكر وسلم عليه وعرض عليه المعونة فقال لاحاجة لي فيها فدعا له بخير وسار إلى الشام.

    معركة اليرموك :

    في يوم اليرموك أقبل عكرمة على القتال إقبال الظامئ على الماء البارد في اليوم القائظ شديد الحر، ولما اشتد الكرب على المسلمين في أحد المواقف نزل من على جواده وكسر غمد سيفه وأوغل في صفوف الروم فبادر إليه خالد بن الوليد فقال له “لاتفعل يا بن العم فإن قتلك سيكون على المسلمين شديد”،
    فما كان من عكرمة إلا ان قال “تنحى عنى يا خالد جاهدت بنفسى ضد رسول الله! أفأستبقيها الآن عن الله ورسوله!” ثم نادى في المسلمين من يبايع على الموت؟
    فبايعه عمه الحارث بن هشام بن المغيرة وضرار بن الأزور في أربعمائة من المسلمين، فقاتلوا دون فسطاط خالد (أي مكان قيادة الجيش) أشد القتال وذادوا عنه أكرم الذود حتى أثخنوا جميعاً جراحاً، واستشهدوا.

    وفاته : -

    «عن حبيب بن أبي ثابت أن الحارث بن هشام وعكرمة بن أبي جهل وعياش بن أبي ربيعة أثبتوا يوم اليرموك فدعا الحارث بشراب فنظر إليه عكرمة فقال: ادفعوه إلى عكرمة فدفع إليه فنظر إليه عياش بن أبي ربيعة فقال عكرمة: ادفعوه إلى عياش فما وصل إلى أحد منهم حتى ماتوا جميعا وما ذاقوه.»

    ولقد وجدوا فيه بضعاً وسبعين، من بين ضربة وطعنة ورمية. وقد برّ عكرمة بما قطعه للرسول من عهد، فما خاض المسلمون معركة بعد إسلامه، إلا وخاضها معهم، ولا خرجوا في بعث إلا كان في طليعتهم.

    ---------------------------------
    لا تنسونا من صالح دعائكم ...

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 1:08 pm