آل راشد



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

آل راشد

آل راشد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
آل راشد

ثقافى-اجتماعى

*** - اللَّهُمَّ اَنَكَ عَفْوٍ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعِفُو عَنَّا - *** - اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك . *** - اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا تَوْبَةً نَصُوحًا قَبْلَ الْمَوْتِ وَ ارْزُقْنَا حُسْنَ الْخَاتِمَةِ . *** -

إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا شَابَتْ عَبِيدَهُمْ.. .. فِي رِقِّهِمْ عَتَقُوهُمْ عِتْقَ أَبْرَارٍ .. .. وَأَنْتَ يَا خَالِقِيُّ أوْلَى بِذَا كَرَمًا.. .. قَدْ شُبْتُ فِي الرِّقِّ فَأَعْتَقَنِي مِنَ النَّارِ .

المواضيع الأخيرة

» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
(( 1 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .  Ooou110أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد

» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
(( 1 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .  Ooou110أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد

» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
(( 1 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .  Ooou110الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد

» العبادة وأركانها
(( 1 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .  Ooou110الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد

» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
(( 1 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .  Ooou110الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد

» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
(( 1 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .  Ooou110الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور

» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
(( 1 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .  Ooou110الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد

» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
(( 1 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .  Ooou110السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد

» هيئات السجود المسنونة
(( 1 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .  Ooou110الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد

» (( - 2 -)) خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
(( 1 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .  Ooou110الأربعاء نوفمبر 13, 2024 11:28 pm من طرف صادق النور

اهلا بكم

الثلاثاء نوفمبر 08, 2011 2:32 am من طرف mohamed yousef

(( 1 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .  Ooousu10

المتواجدون الآن ؟

ككل هناك 50 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 50 زائر :: 3 عناكب الفهرسة في محركات البحث

لا أحد


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الأربعاء سبتمبر 15, 2021 4:26 am

احصائيات

أعضاؤنا قدموا 10128 مساهمة في هذا المنتدى في 3405 موضوع

هذا المنتدى يتوفر على 311 عُضو.

آخر عُضو مُسجل هو Pathways فمرحباً به.

دخول

لقد نسيت كلمة السر

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع


    (( 1 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود (( 1 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين سبتمبر 16, 2024 8:45 pm


    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
    (( 1 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .  15710410

    مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .


    السيرة النبوية زاخرة بالمواقف التربوية والفوائد الجليلة التي يستفيد المسلم منها في واقع حياته, ويحصل له التأسي والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم.
    ومن هذه المواقف موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين ردَّ أبو بكر على رجل وقع فيه بالسبِّ والشتم، فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحلم والصبر وعدم الانتصار للنفس.

    عن سعيد بن الْمُسَيِّب رضي الله عنه قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه، وقع رجل بأبي بكر فآذاه (ذمه وسبَّه)، فصمَتَ عنه أبو بكر، ثم آذاه الثانية، فصمتَ عنه أبو بكر،
    ثم آذاه الثّالثة، فانتصر منه أبو بكر (ردَّ عليه)، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتصر أبو بكر، فقال أبو بكر: أوَجدْتَ عليَّ (أغضِبْتَ عليَّ) يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:نزل ملَكٌ من السماء يكذبه بما قال لك، فلما انتصرتَ وقع الشيطان (حضر حين ذهب المَلَكفلم أكن لأجلس إذْ وقع الشّيطان) رواه أبو داود وحسنه الألباني.

    وفي رواية أخرى: (أن رجلا شتم أبا بكر والنبى صلى الله عليه وسلم جالس يعجب ويتبسم (من شتم الرجل وقلة حيائه)، فلما أكثر ردّ (أبو بكر) عليه بعض قوله، فغضب النبى صلى الله عليه وسلم وقام،
    فلحقه أبو بكر فقال: يا رسول الله، كان يشتمنى وأنت جالس، فلما رَدَدْتُ عليه بعض قوله غَضِبْتَ وَقُمْتَ!!
    فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان معك مَلَكٌ يَرُدُّ عَنْك، فلما رددْتَ عليه وقع الشيطان (أى حضر فلمْ أَكُنْ لِأَقْعُدَ مع الشّيطان.
    ثم قال: يا أبا بكر ثلاث كلهن حق: مَا مِنْ عَبْدٍ ظُلِمَ بِمَظْلَمَةٍ فَيُغْضي (أى يعفو) عنها لله عز وجل إلا أعزَّ الله بها نصره، وما فتح رجل باب عطيّة (أى باب صدقة يعطيها لغيره) يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة، وما فتح رجل باب مسألة (أى يسأل الناس المال) يريد بها كثرة إلا زاده الله بها قلّة) رواه أحمد والبيهقي وحسنه الألباني.

    لقد انتصر أبو بكر رضي الله عنه لنفسه من الرجل الذي وقع فيه وسبه ـ بعد المرة الثالثة ـ، ولكن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أراد لأبي بكر الفضيلة وحصول الأجر والثواب،
    فالسبب الأول لقيام النبي صلى الله عليه وسلم وانصرافه بعد رد أبي بكر على الرجل الذي سبه وشتمه:
    أنه صلى الله عليه وسلم أراد لأبي بكر ألا ينتصر لنفسه ويرد على الرجل، وأن يأخذ بالأفضل، وبالكمال المناسب لمنزلته وفضله،
    والسبب الثاني في قيامه صلى الله عليه وسلم: أنه لا يحضر مجلسا حضر فيه الشيطان،
    وقد قال لأبي بكر: (فلما انتصرتَ (رددتَ) وقع الشيطان، فلم أكن لأجلس إذْ وقع الشيطان).

    قال الهروي في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح": "(يتعجب) أي: من شتم الرجل وقلة حيائه، أو مِنْ صبر أبي بكر وكثرة وفائه،
    (ويتبسم): لما يرى من الفرق بين الشخصين وما يترتب على فعلهما من العقوبة الكاملة والرحمة النازلة ..
    (فلما أكثر) أي: الرجل في مقاله (رد) أي: أجاب أبو بكر (عليه) أي: على الرجل (بعض قوله): عملا بالرخصة المُجَوِّزة للعوام وتركاً للعزيمة المناسبة لمرتبة الخواص،

    قال الله تعالى- {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ}(الشُّورى:40:39)،
    وقال عز وجل - {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}(النحل:126).
    وهو (أبو بكر) رضي الله عنه وإن كان جمع بين الانتقام عن بعض حقه وبين الصبر عن بعضه، لكن لمَّا كان المطلوب منه الكمال المناسب لمرتبته من الصديقية ما استحسنه صلى الله عليه وسلم، وهذا معنى قوله: (فغضب النبي صلى الله عليه وسلم) أي: تغير منه تغيُّر الغضبان، (وقام) أي: من ذلك المجلس وخلاهما عملا بقول الله تعالى - {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ}(القصص:55)،
    (فلحقه أبو بكر) أي: معتذراً ومستفهماً، وقال: (يا رسول الله! كان ..) أي: الرجل (يشتمني): بضم التاء والكسر، (وأنت جالس، فلما ردَدْتُ عليه بعض قوله) أي: من الشتم بعينه أو بما يناسبه (غضبتَ وقُمْتَ):
    يعني فما الحكمة في ذلك؟ (قال: كان معك مَلَك يرد عليه) أي: ويدلك على الصبر (فلما رددت عليه) أي: بذاتك ودخل فيه حظ النفس (وقع الشيطان) أي: وطلع الملك، والشيطان إنما يأمر بالفحشاء والمنكر، فخفتُ عليك أن تتعدَّى على خصمك وترجع ظالماً بعد أن كنتَ مظلوماً".

    الانتصار للنفس جائز مع عدم التجاوز، والحلم وعدم الانتصار للنفس والعفو أفضل :

    ـ قال ابن رسلان في "شرح سنن أبي داود" في شرحه لحديث أبي بكر رضي الله عنه: "فانتصر منه أبو بكر بعد ظلمه له ثلاث مرات، وأخذ بحقه، وجاوبه بمثل ما قال، ولم يجاوز مثل ما قال له، فالمنتصر (لنفسه) مطيع لله بما أباحه له، وقد ذكر الله حدَّ الانتصار فقال= {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}(الشورى:40)..
    فمن وقع في عِرْضه إنسان فله حالتان: حالة جواز وإباحة، وهو الانتصار ممن وقع فيه دون عدوان،
    وحالة فضيلة وحصول ثواب على صبره، فأبو بكر استعمل فضيلة الجواز بعد ثالثة، فانتصر،
    والنبي صلى الله عليه وسلم أراد له حالة الفضيلة وحصول الثواب".
    وقال الصنعاني: "وكأنه صلى الله عليه وسلم أحبّ للصديق الصبر والمغفرة  .
    لقوله تعالى= {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}(الشُّورى:43)".

    ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسُتْبَّان ما قالا، فعلى البادئ ما لم يعْتَدِ المظلوم) رواه مسلم.
    قال النووي: "معناه أن إثم السِباب الواقع من اثنين مختص بالبادئ منهما كله، إلا أن يتجاوز الثاني قدْر الانتصار، فيقول للبادئ أكثر مما قال له.
    وفي هذا جواز الانتصار، ولا خلاف في جوازه، وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة، قال الله تعالى = {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}(الشُّورى:41)، وقال تعالى = {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}(الشُّورى:39)، ومع هذا فالصبر والعفو أفضل،
    قال الله تعالى = {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}(الشُّورى:43)، ولحديث: (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عِزَّا)".

    ـ وقال السعدي في تفسيره لقول الله تعالى = {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}(الشورى:40): "ذكر الله في هذه الآية، مراتب العقوبات،
    وأنها على ثلاث مراتب: عدل وفضل وظلم.
    فمرتبة العدل: جزاء السيئة بسيئة مثلها، لا زيادة ولا نقص، فالنفس بالنفس، وكل جارحة بالجارحة المماثلة لها، والمال يضمن بمثله.  
    ومرتبة الفضل: العفو والإصلاح عن المسيء، ولهذا قال= {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} يجزيه أجراً عظيماً، وثواباً كثيراً، وشرَط اللهُ في العفو الإصلاح فيه، ليدل ذلك على أنه إذا كان الجاني لا يليق العفو عنه، وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته، فإنه في هذه الحال لا يكون مأموراً به،
    وفي جعل أجر العافي على الله ما يهيج (يبعث ويشجع) على العفو، وأن يعامل العبد الخلق بما يحب أن يعامله الله به، فكما يحب أن يعفو الله عنه، فَلْيَعْفُ عنهم، وكما يحب أن يسامحه الله، فليسامحهم، فإن الجزاء من جنس العمل.
    وأما مرتبة الظلم: فقد ذكرها بقوله= {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} الذين يجنون على غيرهم ابتداء، أو يقابلون الجاني بأكثر من جنايته، فالزيادة ظلم".
    الحلم والعفو وعدم الانتصار للنفس أفضل، وهو دليل قوة لا ضعف، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَيْسَ الشَّدِيد بِالصُّرَعة، إِنَّمَا الشَّدِيد الذي يَمْلِكُ نفسه عند الغَضَب) رواه البخاري.
    يقول ابن القيم في "مدارج السالكين": "إن العبد يشتد فرحه يوم القيامة بما له قِبَل الناس من الحقوق في المال والنفس والعِرْض، فالعاقل يعد هذا ذخراً ليوم الفقر والفاقة، ولا يبطله بالانتقام الذي لا يجدي عليه شيئا".

    وعن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ». فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ»

    وروى ابن أبي حاتم بسنده قال: إن محمد بن واسع قال: قدمت مكة فإذا على الخندق مَنْظَرَة، فأُخِذْتُ فانطلق بي إلى مروان بن المهلب، وهو أمير على البصرة، فقال: "حاجتك يا أبا عبد الله".
    قلت حاجتي إن استطعت أن تكون كما قال أخو بني عدي. قال: ومن أخو بني عدي؟ قال: العلاء بن زياد، استعمل صديقًا له مرة على عمل، فكتب إليه: أما بعد فإن استطعت ألا تبيت إلا وظهرك خفيف، وبطنك خميص، وكفك نقية من دماء المسلمين وأموالهم، فإنك إذا فعلت ذلك لم يكن عليك سبيل،
    (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[الشورى:42]؛ فقال: صدق والله ونصح، ثم قال: ما حاجتك يا أبا عبد الله؟ قلت: حاجتي أن تلحقني بأهلي. قال: نعم.


    من عظيم أخلاق وجميل شمائل نبينا صلى الله عليه وسلم حلمه على من جهل عليه، وعفوه عمن ظلمه، وعدم الانتصار لنفسه أبداً،
    وما من حليم إلا عُرِفَت منه زلة، وحُفِظت عنه هفوة، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما زاد مع كثرة الإيذاء إلا صبراً وحلماً،
    وقد اتسع حلمه حتى جاوز العدل إلى الفضل والعفو مع من أساء إليه وجهل عليه، ومن المعلوم والمشهور عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه كان لا يغضب ولا ينتصر لنفسه أبداً مهما أوذي،
    فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيءٍ قطُّ (أبداً) إلا أن تُنْتَهَكَ حُرْمةُ الله، فينتقم بها لله) رواه البخاري.
    ========================

    ذهب أهلُ الدُّثورِ بالدرجات العُلى

    والسيرة النبوية فيها الكثير من المواقف والأمثلة الدالة على مسارعة الصحابة رضوان الله عليهم إلى الطاعات وتنافسهم في والخيرات..
    ومن هذه المواقف ذلك الموقف الذي دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين بعض فقراء الصحابة.
    عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهلُ الدُّثورِ (أصحاب الأموال الكثيرة) بالدرجات العُلى والنعيم المقيم، فقال: وما ذاك؟ قالوا: يُصلُّون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم، وتسبقون به مَنْ بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم، إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: تسبحون وتكبرون وتحمدون دُبُرَ (عَقِبَ) كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة. قال أبو صالح:
    فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) رواه مسلم.
    قال ابن الجوزي: "وهذا الحديث يتضمن شكوى الفقراء وغِبْطَتُهُم للأغنياء، كيف ينالون الأجر بالصدقة، وهم لا يقدرون، فأخبرهم أنهم يثابون على تسبيحهم وتحميدهم وأفعالهم الخير كما يثاب أولئك على الصدقة".

    وفي رواية أخرى لمسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه: (أنَّ ناسًا من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالوا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! ذهب أهلُ الدُّثورِ بالأجور، يُصلُّون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضولِ أموالهم،
    قال: أو ليس قد جعل اللهُ لكم ما تصدَّقون؟ إنَّ بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرةٍ صدقة، وكل تحميدةٍ صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمرٌ بالمعروفِ صدقة، ونهيٌ عن منكر صدقة، وفي بُضْعِ أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! أياتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتُم لو وضعها في حرامٍ أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر).
    قال النووي: "قوله صلى الله عليه وسلم: (وفي بُضع أحدكم صدقة): هو بضم الباء، ويطلق على الجماع.. وفي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات".
    وقال القرطبي: "ومقصود هذا الحديث: أن أعمال الخير إذا حسُنت النيات فيها تنزلت منزلة الصدقات في الأجور، ولا سيما في حق من لا يقدر على الصدقة. ويُفْهَم منه: أن الصدقة في حق القادر عليها أفضل له من سائر الأعمال القاصرة على فاعلها".

    لم يكن قول فقراء الصحابة رضي الله عنهم: (ذهب أهلُ الدُّثورِ بالدرجات العُلى والنعيم المقيم) انطلاقاً من حسدٍ لإخوانهم الأغنياء، أو لرغبة في المال وتطلع إلى الغِنى، ولكن كلامهم خرج مخرج الغِبطة والحرص على فعل الخيرات والطاعات، ليحوزوا المرتبة التي امتاز بها الأغنياء بنفقاتهم وصدقاتهم،
    ومثل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق، ورجلٌ آتاه اللهُ الحكمة فهو يَقضي بها ويُعلمُها) رواه البخاري. والحسد هنا يعني الغبطة، وليست من الحسد المذموم، وإنما أطلق عليها الحسد مجازاً،
    قال ابن حجر في فتح الباري: "وأما الحسد المذكور في الحديث فهو الغبطة، وأطلق الحسد عليها مجازا، وهي أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن يزول عنه، والحرص على هذا يسمى منافسة، فكأنه قال في الحديث: لا غبطة أعظم أو أفضل من الغبطة في هذين الأمرين".
    وقال ابن عثيمين: "قوله: (أن أناساً) هؤلاء هم الفقراء قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: (ذهب أهل الدثور) أي الأموال الكثيرة (بالأجور) أي الثواب عليها، وليس قصدهم بذلك الحسد، ولا الاعتراض على قدر الله، لكن قصدهم لعلهم يجدون أعمالا يستطيعونها يقومون بها تقابل ما يفعله أهل الدثور".
    وقال ابن هبيرة: "قولهم: (ذهب أهل الدثور) يعني أهل الأموال الكثيرة، ثم عللوا ذهاب القوم بالأجور،
    فقالوا: يتصدقون بفضول أموالهم. وهذا القول لم يصدر من أولئك السادة الذين وصفهم الله عز وجل بقوله= {الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ}(التوبة:91)
    خارجاً مخرج الحسد للأغنياء على ما في أيديهم من الدنيا بل منافسة في الفضيلة، لذلك وصفهم الله عز وجل فقال= {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ}(التوبة:92) فنافسوا فيما يتنافس فيه المتنافسون".

    وذكر ابن عثيمين الكثير من فوائد هذا الموقف والحديث النبوي، فقال: "من فوائد هذا الحديث: مسارعة الصحابة رضي الله عنهم وتسابقهم إلى العمل الصالح.
    أن الصحابة رضي الله عنهم يستعملون أموالهم فيما فيه الخير في الدنيا والآخرة، وهو أنهم يتصدقون. أن الاعمال البدنية يشترك فيها الغني والفقير، لقولهم: (يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم) وهو كذلك، وقد يكون أداء الفقير أفضل وأكمل من أداء الغني.
    أن النبي صلى الله عليه وسلم فتح للفقراء أبوابا من الخير، لقوله: (أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به) وذكر الأبواب.

    تقرير المخاطب بما لا يمكنه إنكاره، لقوله: (أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به) لأن هذا أبلغ في إقامة الحجة عليه.
    أن ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من الأعمال كله صدقة، لكن هذه الصدقة منها واجب، ومنها غير واجب، ومنها متعد (للغير)، ومنها قاصر..
    حُسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم حيث ضرب المثل الذي يقتنع به المخاطَب، وهذا من حسن التعليم أن تقرب الأمور الحسية بالأمور العقلية،
    وذلك في قوله: (أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)".

    لقد فتح النبي صلى الله عليه وسلم للفقراء أبواباً كثيرة من الخير والصدقة، ووسَّع وعمَّم مفهوم الصدقة حتى شملت العادات التي يخلص أصحابها في نياتهم، فالصدقة ليست مقصورة على المال فحسب، بل تشمل كل أنواع المعروف والخير..
    ومن المعلوم من أحاديث وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم أن أبواب الصدقة غير مقصورة على ما ورد هنا في حديث الفقراء، بل وردت أعمال أخرى في أحاديث نبوية كثيرة أخذت وصف الصدقة،
    منها: التبسم في وجوه الآخرين، وإماطة الأذى والشوك عن طريق الناس، وسقي الماء، وإرشاد الأعمى، وإغاثة الملهوف، والسعي في حاجة الناس، والقرض الحسن، والتفريج عن المسلمين، ونفقة الرجل على أهله، بل إن كل ما هو داخل في لفظة "المعروف" يعتبر صدقة من الصدقات..
    =============================================

    موقف الرسول صل الله عليه وسلم مع خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين..


    خُزَيْمة بن ثابت الأنصاري الأوسي .

    صحابي جليل، شهد بدراً وأحداً، يُكَنَّى أبا عمارة، له ثمانية وثلاثون حديثا، تفرد له مسلم بحديث، وروى له الجماعة إلا البخاري، وهو المُلقب في السيرة النبوية بذي الشهادتين، فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادته بمثابة شهادة رجلين..
    وكان زيد بن ثابت رضي الله عنه يقول: "وكان خزيمة يُدْعَى ذا الشهادتين". ولأبي يعلى عن أنس رضي الله عنه: "أنه افتخر الأوس والخزرج، فقالت الأوس مِنَّا منْ جعل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين، وهو خُزَيْمة بن ثابت الأنصاري"..

    عن عمارة بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه: (أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ابتاع (اشترى) فرسًا من أعرابيٍّ، واستتبعه ليقبض ثمنَ فرَسه،
    فأسرع النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأبطأَ الأعرابيُّ، وطفِق الرجالُ يتعرضون للأعرابي، فيسومونه بالفرس (يريدون أن يشتروه منه)، وهم لا يشعرون أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ابتاعه (اشتراه)، حتى زاد بعضُهم في السومِ على ما ابتاعه به منه،
    فنادى الأعرابيُّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: إن كنتُ مبتاعًا هذا الفرسَ وإلا بعتُه، فقام النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع نداءَه، فقال: أليس قد ابتعتُه (اشتريتُه) منك؟ قال: لا واللهِ، ما بعتُكَه، فقال النبيُّ: قد ابتعتُه منك.
    فطفِق الناسُ يلوذون بالنبيِّ وبالأعرابيِّ، وهما يتراجعان وطفِق الأعرابي يقول: هلمَّ شاهدًا يشهد أني قد بعتُكَه،
    قال خزيمةُ بنُ ثابتٍ: أنا أشهد أنك قد بعتَه.
    قال: فأقبل النبيُّ صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال: بم تشهد؟ قال: بتصديقِك يا رسول الله،
    قال: فجعل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم شهادةَ خزَيمة شهادةَ رجلينِ) رواه النسائي.

    وفي رواية الحاكم: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ابتاع من سواء بن الحارث المحاربي فرسا فجحده، فشهد له خزيمة بن ثابت، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما حملك على الشهادة ولم تكن معه؟ قال: صدقت يا رسول اللَّه، ولكن صدّقتك بما قلت، وعرفتُ أنك لا تقول إلا حقاً، فقال: مَنْ شهد له خزيمة أو شهد عليه فحسبه) .

    وفي رواية لأبي داود: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى فرساً من أعرابي، ولم يكن هناك أحد فأنكر الأعرابي بيع الفرس، فشهد خزيمة بأنه باعه،
    فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تشهد ولم تكن حاضراً؟! قال: يا رسول الله، أُصَدِّقُكَ في كل ما جئت به من الله، أفلا أصدّقك في شراء الفرس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَْن شهد له خُزَيمة فحسبه).

    هذا الموقف النبوي مع خزيمة بن ثابت رضي الله عنه كغيره مِنْ مواقفه صلوات الله وسلامه عليه، فيه مِنَ الفوائد الكثير التي ذكرها العلماء، ومنها:

    قال ابن القيم: "وفي هذا الحديث عدة فوائد:
    منها: جواز شراء الإمام الشيء من رجل من رعيته..
    ومنها: مباشرته الشراء بنفسه.. ذا تيقن من غريمه اليمين الكاذبة لم يكن له تعزيره، إذ هو غريمه..
    ومنها: الاكتفاء بالشاهد الواحد إذا علم صدقه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال لخزيمة: أحتاج معك إلى شاهد آخر، وجعل شهادته بشهادتين، لأنها تضمنت شهادته لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدق العام فيما يخبر به عن الله، والمؤمنون مثله في هذه الشهادة".

    وقال الخطابي: "هذا حديث يضعه كثير مِنَ الناس غير موضعه، وقد تذرَّع به قوم مِنْ أهل البدع إلى استحلال الشهادة لمن عُرِف عنده بالصدق على كل شيء ادَّعاه،
    وإنما وجه الحديث ومعناه أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما حكم على الأعرابي بعلمه،
    إذْ كان النبي صلى الله عليه وسلم صادقاً باراً في قوله،
    وجرت شهادة خزيمة في ذلك مجرى التوكيد لقوله، والاستظهار بها على خصمه، فصارت في التقدير شهادته له وتصديقه إياه على قوله كشهادة رجلين في سائر القضايا".

    وفي "عون المعبود شرح سنن أبي داود": "شهادة خزيمة قد جعلها النبي صلى الله عليه وسلم بشهادتين دون غيره، وهذا المخَصِّص اقتضاه وهو مبادرته دون من حضر من الصحابة إلى الشهادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قَبِل الخلفاء الراشدون شهادته وهي له خاصة".

    وقال ابن تيمية: "قال القاضي أبو الطَّيِّب: وإن خص الشارع شخصاً بحكم يبقى الحكم خاصاً به ولا يتعداه إلى غيره بالقياس، كقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ شهد له خزيمة أو شهد عليه فحسبه)، وهذه مَكْرُمَةٌ خاصة بخزيمة بعد شهادته بشهادتين، فلا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُه لأنه كرامة مختصة به، فلا يقاس عليه غيره".
    وقال المنذري: " وهذا الأعرابي: هو سواء بن الحارث، وقيل: سواء بن قيس المحاربي، ذكره غير واحد من الصحابة، وقيل: إنه جحد البيع بأمر بعض المنافقين..".

    وفي "الروض الأنف في شرح السيرة النبوية"، و"شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية":
    "أنه عليه الصلاة والسلام ردَّ الفرس على الأعرابيّ، وقال: لا بارك الله لك فيها، فأصبحت من الغد شائلة برجلها، أي: قد ماتت".

    وقال الحافظ السندي في "شرح سنن النسائي": "والمشهور أنه صلى اللَّه عليه وسلم ردّ الفرس بعد ذلك على الأعرابي، فمات من ليلته عنده، واللَّه تعالى أعلم".

    وأما السبب في تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم خزيمة بن ثابت رضي الله عنه بقبول شهادته وحده، وجعلها كشهادة رجلين،
    فيقول ابن القيم: "وهذا التخصيص إنما كان لِمُخَصَص اقتضاه، وهو مبادرته دون مَنْ حضر مِنَ الصحابة إلى الشهادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بايع الأعرابي،
    وكان فرْض على كل مَنْ سمع هذه القصة أن يشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بايع الأعرابي، وذلك من لوازم الإيمان والشهادة بتصديقه صلى الله عليه وسلم،
    وهذا مستقر عند كل مسلم، ولكن خزيمة تفطَّن لدخول هذه القضية المعينة تحت عموم الشهادة لصدقه في كل ما يخبر به، فلا فرق بين ما يخبر به عن الله وبين ما يخبر به عن غيره في صدقه في هذا وهذا،
    ولا يتم الإيمان إلا بتصديقه في هذا وهذا، فلما تَفَطَّن خزيمة دون مَن حضر لذلك استحق أن تجعل شهادته بشهادتين".

    وقال ابن حجر:" وَفِيهِ فَضِيلَةُ الْفِطْنَة في الأمور وأَنَّهَا تَرْفع مَنْزِلة صاحبِها، لِأَنَّ السَّبَب الذي أَبْدَاه خُزَيْمة حَاصِلٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، يَعْرِفُه غَيْرُه مِنَ الصَّحابة، وَإِنَّمَا هو لَمَّا اخْتَصَّ بِتَفَطُّنِه لِمَا غَفَلَ عَنْه غَيْرُه مَع وُضُوحِه، جُوزِيَ على ذلك بِأَنْ خُصَّ بِفَضِيلة: (مَنْ شَهِدَ لَهُ خُزَيْمَةُ أَوْ عَلَيْهِ فحسبه)".

    وقال ابن القيم: "وأجاز النبي صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بن ثابت وحده بمبايعته للأعرابي، وجعل شهادته بشهادتين لما استندت إلى تصديقه صلى الله عليه وسلم بالرسالة المتضمنة تصديقه في كل ما يخبر به،
    فإذا شهد المسلمون بأنه صادق في خبره عن الله، فبطريق الأَوْلَى يشهدون أنه صادق عن رجل من أمته"..

    ومعنى كون شهادة خزيمة رضي الله عنه بشهادتين، يعني أن شهادته وحده في الأمور التي لا تثبت إلا إذا شهد عليها رجلان كافية ومقبولة، وقد ظهرت قيمة هذه الخصوصية عندما أراد أبو بكر رضي الله عنه جمْع القرآن الكريم، وأمر زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يتتبعه ويجمعه.
    عن خارجة بن زيد أنّ زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (نُسِخَتِ الصحفُ في المصاحف، ففقدتُ آيةً مِن سورة الأحزاب كنتُ أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فلم أجدها إلّا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الّذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين،
    وهو قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}(الأحزاب:23)) رواه البخاري.
    ===========================
    التالي : -
    موقف النبوي مع أسامة بن زيد رضي الله عنه
    .
    ----------------------
    لا تنسونا من صالح دعائكم


    عدل سابقا من قبل صادق النور في الأربعاء أكتوبر 02, 2024 6:43 pm عدل 2 مرات

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود موقف النبوي مع أسامة بن زيد رضي الله عنه

    مُساهمة من طرف صادق النور الأربعاء سبتمبر 18, 2024 7:35 pm

    ما قيله :-

    موقف النبوي مع أسامة بن زيد رضي الله عنه .

    جاء الإسلام ليَحفظَ على النَّاس أنفُسَهم ودِماءهم، وأموالهم وأعراضهم، ويَمنعهم من الاعتداء على بعضِهم البَعض..
    وشهادة الإنسان بالتَّوحيد "لا إله إلا الله" تَعني دُخوله في الإسلام، وتَحفَظ دمَه ومالَه وعِرضَه..
    ومِنْ هَدْي وخُلُق نبينا صلى الله عليه وسلم في معاملته مع الناس: معاملتهم على حسب ظواهرهم، دون البحث في نياتهم ومقاصدهم، وترك سرائرهم إلى الله تعالى..

    قال الشاطبي: "إن أصل الحُكم بالظاهر مقطوع به في الأحكام خصوصاً، وبالنسبة إلى الاعتقاد في الغير عموما، فإن سيد البشر مع إعلامه بالوحْي يُجري الأمور على ظواهرها في المنافقين وغيرهم، وإن علم بواطن أحوالهم"..

    والسيرة النبوية مليئة بالمواقف الدالة على معاملة النبي صلى الله عليه وسلم الناس على حسب ظواهرهم، وترك سرائرهم لله عز وجل..

    ومِنْ هذه المواقف:

    موقفه صلى الله عليه وسلم مع أسامة بن زيد رضي الله عنه حين أرسله في غَزْوَةٍ إلى الحُرَقَة، وهم قَومٌ مِن قَبِيلة جُهَيْنَة، وكان ذلك في رمضان سنة سَبعٍ أو ثمانٍ مِنَ الهِجرة النبوية، فهجموا عليهم صباحًا قبْل أنْ يَشعروا وهَزَموهم، ولحق أسامةُ بن زَيدٍ ورجُلٌ مِن الأنصار رجُلًا منهمْ، فلما اقتربا منه وكادا يقتلانه، قال الحُرَقِيُّ: "لا إلهَ إلَّا الله" فكَفَّ عنه الأَنْصَارِيُّ ولم يقتُلْه، وطَعَنَه أُسامةُ رضي الله عنه برُمْحِه حتَّى قَتَله،
    فلمَّا رجعوا إلى المدينة المنورة، بلَغ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ما فعله أُسامةُ رضي الله عنه، فأنكر عليه النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلم قَتْلَه للرَّجُلِ إنكارا شديدا بعد أن شَهِد بالتوحيد قائلا: "لا إله إلا الله"..

    عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: (بَعَثَنَا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى الحُرَقَة، فَصَبَّحْنَا القَوْم (هجمنا عليهم صباحًا قبل أن يشعروا بنا) فَهَزَمْنَاهُمْ،
    ولَحِقْتُ أنا ورَجُلٌ مِنَ الأنْصار رَجُلًا منهم، فَلَمَّا غَشِينَاه، قال: لا إله إلَّا اللَّه فَكَفَّ الأنْصَارِيُّ، فَطَعَنْتُهُ برُمْحِي حتَّى قَتَلْتُه، فَلَمَّا قَدِمْنا بَلَغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أسَامة، أقَتَلْتَهُ بَعْدَ ما قال لا إلَه إلَّا اللَّه؟! قُلتُ: كانَ مُتَعَوِّذًا (أي: لم يكُنْ قاصِدًا بذلك الإيمان، بل كان غَرَضُه التَّحصُّن وحماية نفسه مِن القتْل)، فَما زال النبي صلى الله عليه وسلم يُكَرِّرُهَا، حتَّى تَمَنَّيْتُ أنِّي لَمْ أكُنْ أسْلَمْتُ قَبْل ذلك اليوم) رواه البخاري.

    تَمَنِّي أسامة رضي الله عنه أنَّه لم يَكُنْ أسْلَم قبْل ذلك اليوم، ليس مقصوده أنه تمنَّى لو كان كافراً، لا، وإنما مقصوده أنه تمنى لو أنَّ ذلك وقع منه قبل دخوله في الإسلام، لأن الإسلام يجُبّ (يمحو) ما قبله، بحيث لا تكون هذه المعصية والذنب العظيم قد وقع منه بعد إسلامه، فقتل النفس في الإسلام أمر عظيم،
    والله عز وجل يقول - {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ}(النساء:93)،
    فهذا ليس بالشيء السهل، ولكن أسامة بن زيد رضي الله عنه كان مُتأوِلاً، يعني: أنه فعل ذلك لا قصداً لقتل أحد من المسلمين، وإنما فعله لأنه اعتقد أن هذا الرجل إنما قالها خوفاً مِنَ السيف، وليس صادقاً في دعوى الإيمان..

    وفي روايتين لمسلم ـ الأولى ـ: قال أسامة رضي الله عنه: (فقال رَسول الله صلى اللَّه عليه وسلم: أقال لا إلَه إلَّا اللَّهُ وقَتَلْتَه؟ قال: قُلتُ: يا رَسول الله، إنَّما قالَها خَوْفًا مِنَ السِّلاح، قال: أفَلا شَقَقْتَ عن قَلْبِهِ حتَّى تَعْلَمَ أقالها أمْ لا؟ فما زالَ يُكَرِّرها عَلَيَّ حتَّى تَمَنَّيْتُ أنِّي أسْلَمْتُ يَومَئذٍ)،

    والرواية الثانية: (لِمَ قَتَلْتَه؟ قال: يا رسول الله، أوْجَعَ في المُسْلِمِين، وقَتَل فُلانًا وفُلانًا، وسَمَّى له نَفَرًا، وإنِّي حَمَلْتُ عليه، فَلَمَّا رَأى السَّيْف قال: لا إلَهَ إلَّا اللَّه، قال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم: أقَتَلْتَه؟ قال: نَعَمْ، قال: فَكيفَ تَصْنَعُ بلا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إذا جاءَتْ يَومَ القِيامَة؟
    قال: يا رَسول الله، اسْتَغْفِرْ لِي، قال: وكيف تَصْنع بلا إلَه إلَّا اللَّه إذا جاءَت يَوم القِيامة؟ قال: فجعل لا يَزِيده على أنْ يقول: كيفَ تَصْنع بلا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إذا جاءَتْ يَوم القيامة). وقد روى مسلم هذين الحديثين في صحيحه في كتاب الإيمان ـ باب: "تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلا الله".

    وفي عدَم استغفارِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد رضي الله عنه رغم طلبه ذلك منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإلحاحه عليه،
    نوع مِنَ التأنيب والزجر له، والتخويف والتحذير لغَيرِه مِن المسلمين، مع أنه مِنَ المعلوم ـ مِن السيرة النبوية ـ أن أسامة رضي الله عنه كان مشهوراً ومعروفاً بأنه حِبُّ النبي صلى الله عليه وسلم وابن حِبِّه، حتى أنه كان يُدْعى أسامة بن زيد بن محمد قبل أن يُنسخ التبني، ومع حُبَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الشديد لأسامة ولأبيه مِنْ قبله رضي الله عنهما، لم يشفع له ذلك عندما أخطأ هذا الخطأ،
    فكان اللوم والمحاسبة الشديدة، حتى تمنى أنه لم يكن أسلم إلا هذا اليوم، حتى يهدم ويمحو إسلامُه ما كان قبله، وبقي هذا الأثر في نفسه بقية عمره، حتى عُرِف بذلك واشتهر به..

    هذا الحديث والموقف النبوي
    مع أسامة بن زيد رضي الله عنه فيه: دلالة واضحة على وجوب الحكم بالظاهر، والتحذير الشديد مِنْ تجاوز الظاهر إلى السرائر، والحُكم على ما في القلوب دون بينة ودليل،
    وفيه: عِظَمُ حقِّ كلمةِ التَّوْحِيدِ وأهلِها، وفيه: أنَّ المسلم يجِب أن يحذَر كل الحذر أنْ يقع في كفر أو في سفك دَم إنسان..

    قال الخطابي: "فيه من الفقه أنَّ الكافر إذا تكلَّم بالشهادة وإن لم يصف الإيمان وَجَبَ الكَفُّ عنه والوقوف عن قتله سواء أكان بعد القدرة أم قبلها".

    وقال ابن حجر: "دليل على ترتُّب الأحكام على الأسباب الظاهرة دون الباطنة".

    وقال النووي: "وقوله: (أفلا شققتَ عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟) الفاعل في قوله أقالها: هو القلب، ومعناه أنك إنما كُلِّفْتَ بالعمل بالظاهر وما ينطق به اللسان،
    وأما القلب فليس لك طريق إلى معرفة ما فيه، فأنكر عليه امتناعه من العمل بما ظهر باللسان، وقال: (أفلا شققتَ عن قلبه) لتنظر هل قالها القلب واعتقدها وكانت فيه أم لم تكن فيه بل جرت على اللسان فحسب، يعني وأنتَ لست بقادرٍ على هذا فاقتصر على اللسان فحسب، يعني ولا تطلب غيره.

    وقوله صلى الله عليه وسلم: (أفلا شققت عن قلبه) فيه دليل للقاعدة المعروفة في الفقه والأصول أن الأحكام يُعمل فيها بالظواهر، والله يتولى السرائر،
    وقول أسامة: (حتى تمنيتُ أني أسلمتُ يومئذ) معناه: لم يكن تقدم إسلامي، بل ابتدأت الآن الإسلام ليمحو عني ما تقدم، وقال هذا الكلام من عِظم ما وقع فيه"..

    وقال ابن التين في شرحه لقول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأسامة: (أقتلتَه بَعْدَ ما قال لا إلَه إلَّا اللَّه؟!) في هذا اللوم تعليم وإبلاغ في الموعظة حتى لا يقدم أحَد على قتلِ مَنْ تلفَّظ بالتوحيد".

    لقد قتل أسامة رضي الله عنه ذلك الرجل في ميدان معركة كان فيها في صفوف المشركين مقاتلاً معهم، وهو لم ينطق الشهادة حتى استمكن أسامة رضي الله عنه منه، وهو على حال تدل إلا على أنه قالها مُتعوذاً مِنَ القتل، ولم يقلها مستيقناً مِنْ قلبه،
    ومع ذلك كله أغلق النبي صلى الله عليه وسلم هذه التأويلات، وأبان أن ما في القلب لا يحكم عليه إلا علام الغيوب ـ سبحانه وتعالى ـ قائلا: (أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها من قلبه أم لا؟!)، وهذا كله يبين خطورة العَجَلة في الأمور والأحكام، وعِظم حُرْمة الدماء في هَدْي وحياة وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم..

    موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع أسامة بن زيد رضي الله عنه، وغيره من مواقف وأمثلة مشابهة له في السيرة النبوية، تبين بجلاء خطورة التكفير، وشدة وعِظم حُرمة الدماء في الإسلام، وأنه ينبغي على المسلم أن يعامل الناس بما يظهر مِنْ أقوالهم وأفعالهم، ويترك سرائرهم إلى الله تعالى،
    وأن المعاملات والأحكام الفقهية والقضائية في هذه الدنيا تجري على مُقتضى شرائع الإسلام الموضوعة للعباد، وعلى ما يظهر منهم مِنْ أفعالهم وأقوالهم، دون إيغال في النيات، أو تحسس في المقاصد،

    وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة رضي الله عنه مُنكرا عليه إنكارا شديدا: (أفلا شققتَ عن قلبه حتى تعلم أقالها أمْ لا؟!).. وأما في الآخرة فالآثار والنتائج للأفعال تتجاوز الظواهر إلى السرائر، والضمائر والنيات، لأن الله عز وجل هو الذي يتولاها بنفسه، فهو سبحانه يعلم السر وأخفى، قال الله تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}(الطارق:9)،
    وقال سبحانه: {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ}(العاديات:11:9)..

    مِنْ أسباب ومقاصد اهتمام علماء المسلمين بالسيرة النبوية ودراستها هو استنباط الأحكام الشرعية بأدلتها الصحيحة، واستخراج الدروس والعِبر للاستفادة منها في واقعنا وحياتنا..
    والسيرة النبوية مع هذا، هي سيرة وحياة نبينا صلى الله عليه وسلم الذي عصمه وحفظه ربُّه سبحانه، وهي تجسيد عملي للوحي ـ القرآن والسُنة ـ الذي يُقتدى به، وهي منهج واضح يُهتدى بهداه، وصراط مستقيم يُسلك ويُتبع، وميزان توزن به الأعمال والمواقف..

    كما أنها ـ دراسة السيرة النبوية ـ تساعد وتُعين على الفهم الصحيح للنصوص، وعدم الانحراف والخطأ في الفهم والتطبيق،
    وقد أمرنا الله عز وجل في كتابه الكريم بالاقتداء والتأسي بنبينا مُحمد صلى الله عليه وسلم، وطاعته واتباعه، قال الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}(النساء80)، وقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(آل عمران:31)،
    وقال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}(الأحزاب:21).

    قال الطبري: "أن تتأسوا به وتكونوا معه حيث كان، ولا تتخلَّفوا عنه".

    وقال ابن كثير: "هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله".
    =============================
    التالي :-
    موقفه صلى الله عليه وسلم مع أم العلاء رضي الله عنها
    -----------------------------------------
    لا تنسونا من صالح دعائكم
    ========================================
    ما قبله :

    موقفه صلى الله عليه وسلم مع أم العلاء رضي الله عنها :


    ربَّى النَّبي صلى الله عليه وسلم أصحابَه على البُعْد التام عَنِ الدُّخول في الحُكم لأحد بالجنَّة مهما كانت طاعته وعبادته وصلاحه، أو الحُكم على أحدٍ بالنَّار مهما كانت معاصيه وذنوبه وخطاياه، فالإنسان له الظَّاهر مِن أخيه، أمَّا السَّرائر فلا يَعلَمُهما إلَّا الله سبحانه..
    ومِنَ الآفات الخطيرة أن يتوهم الإنسان أنه أصبح وصِيَّاً على الناس، فيحكم لهذا بالجنة، ولهذا بالنار، وهذا يتناقض مع هَدْي النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته المُشَرَّفَة..
    ومِن المعلوم أن السيرة النبوية بأحداثها ومواقفها وتفاصيلها مدرسة نبويّة متكاملة، لِما تحمله بين ثناياها مِنَ المواقف التربوية، والفوائد الجليلة، التي تضع للدعاة والمعلمين والمُربين منهج التربية وحُسْن التعامل مع مواقف الحياة ومجرياتها..

    ومِنْ هذه المواقف مِنَ السيرة النبوية  .
    موقفه صلى الله عليه وسلم مع أم العلاء رضي الله عنها
    حين قالت عن عثمان بن مظعون رضي الله عنه لما تُوِّفِّيَ: (فَشَهادتي عَلَيْك لقَدْ أكْرَمَك اللَّه)، وقوله صلى الله عليه وسلم لها: (واللَّهِ ما أدْرِي - وأنا رسول اللَّه - ما يُفْعَلُ بي ولا بكُم)..

    قال ابن حجر في "الإصابة في تمييز الصحابة" عن عثمان بن مظعون رضي الله عنه: "توفي بعد شهوده بدراً في السنة الثانية من الهجرة، وهو أول مَنْ مات بالمدينة من المهاجرين، وأول مَنْ دُفِن بالبقيع منهم"..

    عن أم العلاء رضي الله عنها قالت: (طَار لنا عثمان بن مَظْعون في السُّكْنَى، حِين اقْتَرَعَت الأنْصَارُ على سُكْنَى المهاجرين، فَاشْتكى فَمَرَّضْنَاه حتَّى تُوُفِّي، ثُمَّ جَعَلْناه في أثْوابه، فَدَخل علينا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فقلتُ: رَحْمة اللَّه عَلَيْك أبَا السَّائِب (كُنية عثمان بن مظعون)، فَشهادتي عَلَيْك لقَدْ أكْرَمَك اللَّه،
    قال صلى الله عليه وسلم: وما يُدْرِيكِ؟! قُلتُ: لا أدْرِي واللَّه، قال: أمَّا هو فقَدْ جَاءَهُ اليَقِين (الموت)، إنِّي لأرْجو له الخَيْر مِنَ اللَّه، واللَّه ما أدْرِي - وأَنَا رسول اللَّه - ما يُفْعَل بي ولا بكُم.
    قالَت أُمُّ العَلاء: فَوَاللَّه لا أُزَكِّي أحَدًا بَعْدَه. قالتْ: ورَأَيْتُ لِعُثْمَان في النَّوْمِ (رؤيا في النوم) عَيْنًا تَجْرِي، فَجِئْتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذلك له، فقال: ذلك عَمَلُه يَجْرِي له) رواه البخاري.

    وفي رواية قالت: (هنيئا لك الجنة يا أبا السائب).
    تَحكي أمُّ العَلاء رضي الله عنها ـ وهي امرأةٌ مِن الأنصار ـ وتقول: (طَارَ لَنَا عُثْمَان بن مَظْعون في السُّكْنَى) أي: وقع له سَهْمُه في السُّكْنى حين اقترَعَت الأنصارُ على سُكنى المهاجِرين بيْنهم لَمَّا دَخَلوا المدينة عند الهجرة، ولم يكُنْ لهم مساكن.
    قالتْ أمُّ العَلاء: فسَكَن عندَنا عُثمان بن مَظعون رضي الله عنه، فاشتَكى ومَرِض، فقُمْنا بأمْرِه ومُراعاتِه، فمات رضي الله عنه مِن مَرَضه هذا، فغَسَّلوه وكَفَّنُوه،
    فدخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (رَحمة اللهِ عليك يا أبا السَّائب، فشَهادتي لك: أنَّه قدْ أكْرمك الله)، وفي رِواية أحمد قالت: (هَنيئًا لكَ الجنَّة)، فجَزَمَت له في الآخرة بالنَّعيم والجنة، لِما عَرَفَتْه عنه مِن العبادة والخير والصلاح وأنه شهد بدرا،
    فقال لها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: (وما يُدريكِ؟!) أي: ومِن أينَ عَلِمتِ أنَّ الله أكْرمه وأدخله الجنة؟ فأجابتْه: لا أدْري بأَبي أنت وأُمِّي يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: (أمَّا عثمان فقدْ جاءه والله اليقين) وهو الموت، وإنِّي لَأرْجو له الخير، ثمَّ أقسَم صلى الله عليه وسلم بالله قائلا: (واللَّه ما أدْرِي ـ وأَنا رَسول اللَّه - ما يُفْعَل بي ولَا بكُمْ).

    قال ابن حجر: "قول النبي صلى الله عليه وسلم: (والله إني رسول الله، وما أدري ما يُفعل بي): إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك موافقة لقوله تعالى في سورة الأحقاف: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ}(الأحقاف:9)،
    وكان ذلك قبل نزول قوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}(الفتح:2)، لأن الأحقاف مكية وسورة الفتح مدنية بلا خلاف،
    وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أنا أول مَنْ يدخل الجنة) وغير ذلك مِنَ الأخبار الصريحة في معناه، فَيَحْتَمل أن يُحْمَل الإثبات في ذلك على العلم الْمُجْمَل، والنَّفْي على الإحاطة منْ حيث التَّفْصِيل".

    وقال الكرماني في "الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري": "فإن قلتَ: معلوم أنه صلى الله عليه وسلم مغفور له ما تقدم وما تأخر، وله مِنَ المقامات المحمودة ما ليس لغيره، قلتُ: هو نفي للدراية التفصيلية، والمعلوم هو الإجمال".

    وفي شرح الطيبي على مشكاة المصابيح: "قوله: (لا أدري، وأنا رسول الله)
    فيه وجوه: أحدها: أن هذا القول منه حين قالت امرأة لعثمان بن مظعون - لما تُوفي -: هنيئا لك الجنة، زجراً لها على سوء الأدب بالحكم على الغيب،
    ونظيره قوله لعائشة رضي الله عنها حين سمعها تقول: (طوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة: أو غير ذلك يا عائِشة!).
    وثانيها: أن يكون هذا منسوخاً بقوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ ومَا تَأَخَّرَ}(الفتح:2) كما ذكره ابن عباس في قوله تعالى: {ومَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ}(الأحقاف:9).
    وثالثها: أن يكون نفياً للدراية المُفَصَّلَة دون المُجْمَلة.
    ورابعها: أن يكون مخصوصا بالأمور الدنيوية من غير النظر إلى سبب ورود الحديث..
    ولا يجوز حمل هذا الحديث وما ورد في معناه على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متردداً في عاقبة أمره، غير متيقن بماله عند الله من الحسنى، لما ورد عنه من الأحاديث الصحاح التي ينقطع العذر دونها بخلاف ذلك،
    وأنَّى يُحْمَل على ذلك؟ وهو المُخْبَر عن الله تعالى أنه يبلغه المقام المحمود، وأنه أكرم الخلائق على الله تعالى، وأنه أول شافع وأول مشفع".
    وفي "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة": "قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا أدري وأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يفعل بي ولا بكم): يريد به نفي علم الغيب عن نفسه، وأنه غير واقف وغير مُطلع على المُقّدَّر له ولغيره، والمكنون من أمره وأمر غيره، لا أنه متردد في أمره، غير متيقن بنجاته، لما صح من الأحاديث الدالة على خلاف ذلك"..

    فائدة:
    وَرَدَ عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يُرغِّب في الشَّهادة للميِّت بالخير، وذِكْرِ مَحاسنِه، غيرَ أنَّه لا يُجزَم له بجنَّةٍ أو نار،
    ففي البخاري مِن حَديث عمَر بن الخطَّاب رضي الله عنه، قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أيُّما مُسلِمٌ شَهِدَ له أربعة بخَير، أدْخَلَه اللهُ الجنَّة، فقُلْنا: وثَلاثة؟ قال: وثَلاثة، فقُلْنا: واثنان؟ قال: واثنان) رواه البخاري.

    وحسْبُ المسلم أنْ يَقول لِمْن يراه على خير وصلاح وتقوى ـ كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم ـ: (أحْسِبُ فُلَانًا، واللَّهُ حَسِيبُهُ، ولَا أُزَكِّي علَى اللَّهِ أحَدًا، أحْسِبُه كَذا وكَذا) رواه البخاري.

    ومِنْ منهج وعقيدة أهل السُنة: عدم الحُكم والشهادة لأحدٍ مِنْ أهل الإسلام بعينه بجنة ولا نار، إلا ما ورد نص صحيح فيه، لأن دخول أحد الجنة أو النار أمْر غيبي، لا يعلمه إلا الله عز وجل، والله سبحانه يغفرُ لمن يشاء، ويعذب من يشاء، فمَنْ حكم وشهد لأحدٍ أنه مِنْ أهل الجنة أو مِنْ أهل النار ـ
    ممن لم يدل الدليل من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة على ذلك ـ فقد تجرأ وقال على الله عز وجل بلا علم،
    هذا مِنْ حيث التعيين، أما مِنْ حيث العموم: فيشهدون ـ أهل السُنة ـ على الظالم بالنار دون تنزيله على إنسان مُعيَنَّ،
    ويشهدون للمطيع بالجنة دون تنزيله على إنسان مُعيَنَّ، ويرجون للمحسنين لإحسانهم وطاعتهم، ويخافون على المسيئين لذنوبهم وإساءتهم..
    قال الشيخ ابن عثيمين: "كل إنسان يشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه في الجنة فهو في الجنة، وكل إنسان يشهد أنه في النار فهو في النار، وأما مَنْ لم يشهد له الرسول فنشهد له بالعموم، نقول: كل مؤمن في الجنة، وكل كافر في النار، ولا نشهد لشخص معين بأنه مِنْ أهل النار، أو مِنْ أهل الجنة، إلا بما شهد له الله ورسوله"..

    السيرة النبوية بأحداثها ومواقفها المختلفة تمثل حياة النبي صلى الله عليه وسلم الذي جعله الله عز وجل قدوة وأسوة لنا، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}(الأحزاب:21). قال ابن كثير: "هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله".. وإن المتأمل في حياة وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم لَيَعْجَب مِنْ فقهه في معاملة النفوس، وحكمته في تربيتها وإصلاح أخطائها، وعلاج ما بها مِنْ خلل،
    يظهر ذلك في مواقفه الكثيرة والجديرة بالوقوف معها لتأملها والاستفادة منها في واقعنا ومناهجنا التربوية..
    ==================================
    التالي :-
    موقفه صل الله عليه وسلم  أن الإسلام يهدم ويمحو ما كان قبله من كفر ..

    ما قبله :-

    موقفه صل الله عليه وسلم أن الإسلام يهدم ويمحو ما كان قبله من كفر ..

    مِنْ فضل الله تعالى ورحمته أن جعل الإسلام هادماً لِمَا كان قبله من الكفر والذنوب والمعاصي،
    فإذا أسلم الكافر غفر الله عز وجل له كل ما تقدَّم مِنْ فعله أيام كفره، وصار نقياً من الذنوب كلها،
    قال الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ}(الأنفال:38).
    قال ابن كثير: "يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا} أي: عما هم فيه من الكفر والمشاقة والعناد ويدخلوا في الإسلام والطاعة والإنابة، يُغْفَر لهم ما قد سلف، أي: من كفرهم، وذنوبهم وخطاياهم".

    والسيرة النبوية فيها الكثير من المواقف والأحداث الدالة على أن الإسلام يهدم ويمحو ما كان قبله من كفر، ومن ذلك:

    ـ عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه: (أنَّ قوماً كانوا قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، وانتهكوا، فأتَوا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا محمَّد! إنَّ الَّذي تقول وتدعو إليه لَحَسَن! لو تُخبِرنا أنَّ لِمَا عمِلنا كفَّارة؟ فأنزل الله عزَّ وجّل: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ} إلى: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ}(الفرقان: 70:68)، قال: يُبدِّل اللهُ شِركَهم إيماناً، وزناهم إحصاناً،
    ونزلت: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ}(الزُّمر:53)) رواه النسائي وصححه الألباني.

    ـ عن عبد الرحمن بن شِمَاسَة المهْري قال: (حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت (في حال حضور الموت) فبكى طويلا، وحوّل وجهه إلى الجدار،
    فجعل ابنه يقول: يا أبتاه، أما بشّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا،
    أما بشّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، قال: فأقبل بوجهه، فقال: إنّ أفضل ما نعدّ: شهادة ألا إله إلّا الله وأنَّ محمّدا رسول الله، إنّي كنت على أطباق ثلاث (أحوال ثلاث): لقد رأيتُني وما أحد أشدّ بغضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم منّي، ولا أحبّ إليَّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته، فلو متّ على تلك الحال، لكنتُ من أهل النّار، فلمّا جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه قال: فقبضت يدي، قال: ما لك يا عمرو؟ قال: قلت: أردْتُ أن أشترط، قال: تشترط بماذا؟ قلت: أن يُغْفَر لي، قال: أما علمت أنّ الإسلام يهدم ما كان قبله، وأنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأنّ الحجّ يهدم ما كان قبله؟!) رواه مسلم.

    وفي رواية لأحمد صححها الألباني، قال عمرو بن العاص: (فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمرو أما علمتَ أن الهجرة تجبُّ (تمحو وتهدم) ما قبلها من الذنوب، يا عمرو: أما علمتَ أن الإسلام يجب ما كان قبله من الذنوب).
    قال النووي: "قوله صلى الله عليه وسلم (الإسلام يهدم ما كان قبله) أي يسقطه ويمحو أثره .. أما أحكامه (هذا الحديث) ففيه عِظَم موقع الإسلام والهجرة والحج، وأن كل واحدٍ منها يهدم ما كان قبله من المعاصي".

    وقال الطيبي: "الإسلام يهدم ما كان قبله مطلقا، مظلمة كانت أو غير مظلمة، كبيرة كانت أو صغيرة، فأما الهجرة والحج فإنهما لا يكفران المظالم، ولا يقطع فيهما أيضا بغفران الكبائر التي بين الله وبين العباد،  
    فيُحْمَل الحديث على أن الحج والهجرة يهدمان ما كان قبلهما من الصغائر، ويحتمل أنهما يهدمان الكبائر أيضا فيما لا يتعلق به حقوق العباد بشرط التوبة، عرفنا ذلك من أصول الدين، فرددنا المُجْمَل إلى المُفصَّل، وعليه اتفاق الشارحين".

    وقال المناوي: "وإنما ذكر الهجرة والحج مع الإسلام تأكيدا في بشارته وترغيبا في متابعته، وفيه عظم موقع كل من الثلاثة، وأن كل واحد بمفرده يكفر ما قبله ذكره شارحون".

    وقال القاضي عياض: "قوله صلى الله عليه وسلم: (الإسلام يجبُّ ما قبله، والهجرة تهدم ما قبلها)، وذكر فى الحج مثله أى من أعمال الشرك،
    إذ عنها طلب عمرو الغفران، ثم من مقتضى عموم اللفظ يأتى على الذنوب، لا سيّما مع ذكره الحج،
    فقد يكون ذكره الهجرة كناية عن الإسلام فيَجُّب ما قبله من الكفر وأعماله، وهى مسألة عمرو، وذكَرَ الحجَّ ليُعلمه أيضًا أن: {الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات}(هود: 115)".
    وقال ابن عثيمين: ".. ثلاثة أشياء: أما الإسلام فإنه يهدم ما كان قبله بنص الكتاب العزيز قال الله عز وجل: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأوَّلِينَ}(الأنفال:38)،
    والهجرة: إذا هاجر الإنسان من بلده التي يعيش فيها وهي بلد كفر هدمت ما قبلها،
    والحج يهدم ما قبله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)".

    ـ وفي قصة ثمامة بن أثال الحنفي لما أسلم: (فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه البخاري،
    قال النووي: "أي بما حصل له من الخير العظيم بالإسلام، وأن الاسلام يهدم ما كان قبله".

    ـ وفي قول أسامة بن زيد رضي الله عنه لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم ـ بعد أن قتل رجلا من المشركين قال: "لا إله إلا الله" ـ: (أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ قال أسامة: فمازال يُكرِّرها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم) رواه البخاري،

    قال النووي: "وقول أسامة: (حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ) معناه: لم يكن تقدم إسلامي بل ابتدأت الآن الإسلام ليمحو عني ما تقدم، وقال هذا الكلام من عِظم ما وقع فيه".

    ـ وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (قال أُنَاسٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أنؤاخذ بما عملنا فى الجاهلية؟ قال: أما مَنْ أحسن منكم فى الإسلام فلا يؤاخَذ بها، ومن أساء أُخِذَ بعمله فى الجاهلية والإسلام) رواه مسلم.

    قال القرطبي: "الإساءة هنا بمعنى الكفر، إذ لا يصح أن يراد بها هنا ارتكاب سيئة، فإنه يلزم عليه ألا يهدم الإسلام ما سبق قبله إلا لمن يُعصم من جميع السيئات إلا حين موته، وذلك باطل بالإجماع".

    وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم: "وأما معنى الحديث فالصحيح فيه ما قاله جماعة من المحققين: أن المراد بالإحسان هنا الدخول في الإسلام بالظاهر والباطن جميعاً، وأن يكون مسلما حقيقيا، فهذا يُغْفَر له ما سلف في الكفر بنص القرآن العزيز، والحديث الصحيح: (الإسلام يهدم ما قبله)، وبإجماع المسلمين. والمراد بالإساءة: عدم الدخول في الإسلام بقلبه، بل يكون منقاداً فى الظاهر، مظهراً للشهادتين غير معتقد للإسلام بقلبه، فهذا منافق باق على كفره بإجماع المسلمين، فيؤاخذ بما عمل في الجاهلية قبل إظهار صورة الإسلام، وبما عمل بعد إظهارها لأنه مستمر على كفره".

    السيرة النبوية فيها الكثير من المواقف والأحاديث الدالة على أن الإسلام يهدم ويمحو ما كان قبله من الكفر والكبائر والصغائر من الذنوب،
    لأن من معاني الدخول في الإسلام: التوبة من عبادة الأوثان والمعاصي، والدخول في عبادة الله عز وجل وطاعته والتزام شرعه، وهذه الحسنة العظيمة ـ وهي الإسلام ـ تجُبُّ وتهدم سيئة الشرك، وما كان دونه من الجُرْمِ والإثم من باب أوْلى. فمن تطهر من كفره، وأسلم وتاب إلى ربه، فلا نظر إلى ماضيه، بل ينضمّ إلى الأمة المسلمة عضواً كريماً فيها، وتُغفر سيئاته الماضية، ليستقبل ـ بصالح عمله ـ حياته الجديدة..
    فليبشر كل من دخل الإسلام بالثواب العظيم والمغفرة التامة عن كل ما صدر منه في كفره إذا صدق مع الله عز وجل في إسلامه وإيمانه،
    قال الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}(الأنفال:38)،
    وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص رضي الله عنه: (أما علمت أنّ الإسلام يهدم ما كان قبله، وأنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأنّ الحجّ يهدم ما كان قبله) رواه مسلم.
    ==============================
    التالي :-
    موقفه صل الله عليه وسلم مع زيد بن سهل بن الأسود ((  أبو طلحة  ))رضي الله عنه ..




    عدل سابقا من قبل صادق النور في الثلاثاء أكتوبر 01, 2024 12:16 pm عدل 3 مرات

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود موقفه صل الله عليه وسلم مع زيد بن سهل بن الأسود (( أبو طلحة ))رضي الله عنه ..

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين سبتمبر 30, 2024 8:50 pm

    ما قبله :-

    موقفه صل الله عليه وسلم مع زيد بن سهل بن الأسود (( أبو طلحة ))رضي الله عنه ..


    لَصَوْتُ أبي طلحة في الجيش خيْرٌ مِنْ ألفِ رَجُل .

    الناس ألفٌ منهم كواحد، وواحدٌ كالْأَلْف،
    فمَنْ هو ذلكم الصحابي الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (صوته في الجيش أفضل من ألف رجل)، وكان إسلامه مهراً لزوجته، وبعد موته لم يتغير جسده، ودافع عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم غزوة أحُد دفاعاً شديداً،
    وهو القائل: "نحري دون نحرك يا رسول الله"؟..

    إنه الصحابي الجليل: أبو طلحة الأنصاري ـ زيد بن سهل بن الْأسود ـ من بني مالك بن النجار من الْخَزْرَج رضي الله عنه.
    قال ابن الأثير: "أبو طلحة، وهو زيد بن سهل بن الأسود، لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون إلى المدينة،
    آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    مِن الرماة المذكورين من الصحابة، وهو من الشجعان المذكورين، وله يوم أحد مقام مشهود، كان يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، ويرمي بين يديه، ويتطاول بصدره ليقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: نحري دون نحرك، ونفسي دون نفسك.
    وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (صوت أبي طلحة في الجيش خير من مائة رجل). وقتل يوم حُنين عشرين رجلا، وأخذ أسلابهم".

    وقال القاضي عياض: "وأبو طلحة هذا هو عم أنس بن مالك، زوج أم سليم، أنصاري نجاري خزرجي بدْري، أحد الفقهاء،
    قال صلى الله تعالى عليه وسلم عنه: (صوت أبي طلحة في الجيش خير من مائة رجل)".
    وقال عنه الذهبي في كتابه "سير أعلام النبلاء": "روى عن النبي صلى الله عليه وسلم نيفاً (النيف من واحد إِلى ثلاثة) وعشرين حديثاً، منها: في الصحيحين حديثان. وتفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديث".

    إسلامه مَهْر زوجته:

    عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (جاء أبو طلحة فخطب أم سليم، فكلمها في ذلك، فقالت: يا أبا طلحة! ما مثلك يرد، ولكنك امرؤ كافر، وأنا امرأة مسلمة لا يصلح لي أن أتزوجك،
    فقال: ما ذاك مهرك؟ قالت: وما مهري؟ قال: الصفراء والبيضاء (الذهب والفضة)، قالت: فإني لا أريد صفراء ولا بيضاء..
    أريد منك الإِسلام، فإن تسلم فذاك مهري، ولا أسألك غيره، قال: فمَن لي بذلك؟ قالت: لك بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانطلق أبو طلحة يريد النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه فلمّا رآه قال: جاءكم أبو طلحة غُرَّةُ (نور) الإِسلام بين عينيه، فأخبر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بما قالت أم سليم، فتزوجها على ذلك، قال ثابتٌ وهو الْبُنَانِيُّ أَحَدُ رواة القصة عن أنس: فما بلغنا أنّ مَهْراً كان أعظم منه، أنها رَضِيَتِ الإسلام مَهْراً) رواه البخاري.

    بذله وإنفاقه:

    قال ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}(آل عمران:92):
    "روى وكيع في تفسيره عن شريك، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ} قال: البر الجنة.
    وقال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة،
    سمع أنس بن مالك يقول: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه بيرُحاء (حَدِيقة) ـ وكانت مستقبلة المسجد،
    وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب ـ، قال أنس: فلما نزلت: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قال أبو طلحة: يا رسول الله، إن الله يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وإن أحبَّ أموالي إليَّ بيْرُحاء، وإنها صدقة لله، أرجو برها وذخرها عند الله تعالى، فضعْها يا رسول الله حيث أراك الله تعالى،
    فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بخ، ذاك مال رابح، ذاك مال رابح، وقد سمعت، وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه) أخرجاه البخاري ومسلم".

    موقفه في غزوة أحد:

    شهِد أبو طلحة رضي الله مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهد والغزوات كلها، ويوم بدر أبلى بلاء حسنا، وفي غزوة أحد كان له موقف عظيم في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم وحمايته.
    عن أنس رضي الله عنه قال: (لما كان يوم أحد انهزم نَاسٌ من الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة بين يدي النبي مجوّب عليه بجحفة له (الترس الذي يتقي به المقاتل)،
    وكان أبو طلحة رجلا رامياً شديدَ النزع (الرمي بالقوس)، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة،
    وكان الرجل يمر معه جعبته (وعاء السهام) فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: انثرها (أعطها) لأبي طلحة، ويشرف (يَطلع مِن فوْق) النبي ينظر إلى القوم فيقول أبو طلحة: بأبي أنت وأمي لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم، نحري (صدري) دون نحرك) رواه البخاري. "نحري دون نحرك": جعل الله نحري أقرب إلى السهام من نحرك لِأُصاب بها دونك.

    صوته في الجيش:

    عبَّر النبي صلى الله عليه وسلم عن إعجابه بشجاعة أبي طلحة رضي الله عنه فقال: (لَصَوْتُ أبي طلحة في الجيش أشد على المشركين من فئة) رواه أحمد.

    وفي رواية للطبراني وصححها الألباني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صَوْتُ أبي طلحةَ في الجَيْشِ خيرٌ من أَلْفِ رجل).

    قال الصنعاني: "(صوت أبي طلحة) المراد صوته الجهوري، (في الجيش) قيده به لأن الصوت الجهوري في غير الجيش مذموم،
    أو لأن هذه الفضيلة تختص به فيه. (خير من ألف رجل) لما فيه من إنزال الرعب بالعدو".

    حرصه على الجهاد ووفاته:

    تُوفي أبو طلحة رضي الله عنه عام 34 للهجرة الموافق 667 م، وقد عاش 77 عاماً، ومع كِبَر سِنِّه رضي الله عنه كان حريصاً على الجهاد في سبيل الله،

    قال ابن كثير في تفسيره لقول الله عز وجل: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(التوبة:41):
    "قال علي بن زيد، عن أنس، عن أبي طلحة: كُهولا وشباناً..
    ثم خرج إلى الشام فقاتل حتى قُتِل. وفي رواية: قرأ أبو طلحة سورة براءة (التوبة)،
    فأتى على هذه الآية: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}
    فقال: أرى ربَّنَا يستنْفِرُنا شيوخاً وشباباً، جهزوني يا بَنِيَّ، فقال بنوه: يرحمك الله، قد غزوتَ مع رسول الله حتى مات، ومع أبي بكر حتى مات، ومع عمر حتى مات، فنحن نغزو عنك، فأبَىَ، فركب البحر فمات، فلم يجدوا له جزيرة يدفنوه فيها إلا بعد تسعة أيام، فلم يتغير، فدفنوه بها"،
    وروى ذلك السيوطي في "الدر المنثور في التأويل بالمأثور"، والبيهقي في سننه، وذكره ابن سعد في "الطبقات" وغيرهم.

    أصحابُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أفضَلُ البَشرِ بعدَ الأنبياءِ والمُرسَلين، لِمَا لهم مِن صِفاتٍ ليستْ لغَيرِهم،
    ومن هذه الصِّفات: الشَّجاعَة والإقْدام، والبذل والعطاء، وحب الجهاد في سبيل الله.. إلى غير ذلك من الصفات التي تَرَبَّوْا عليها في الإسلامِ على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم..
    وقد ترجم هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم حب النبي صلى الله عليه وسلم وما رباهم عليه ترجمة عملية، فبذلوا أرواحهم وأموالهم في سبيل الله،
    وكان لسان حالهم ومقالهم عن حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم:هو المُقَّدم في نفسي على نفسي وأهل بيتي وأحبابي وخِلاني
    وأبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه أحد هؤلاء الرجال الذين كانوا حول النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لهم في السيرة النبوية والتاريخ مواقف جليلة،

    ومنها موقفه يوم أحد، وشدة دفاعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: "بأبي أنت وأمي (فداك أبي وأمي).. نحْري (صدري) دون نحرك (صدرك) يا رسول الله"..

    وهو الذي خصه النبي صلى الله عليه وسلم بنصف شعره حين حلق في الحج.

    عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حَلق شَعْره بمِنَى فرَّق شقه الأيمن على أصحابه الشعرة والشعرتين، وأعطى أبا طلحة الشق الأيسر كله) رواه مسلم.

    وهو الذي حفر قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحَّد له بعد موته..

    وقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (لصوتُ أبي طلحة في الجيش خيرٌ مِنْ ألفِ رَجُل).
    ===============================
    التالي :-
    موقفه صلى الله عليه وسلم ونَهيه لأصحابه عن طاعةِ المَخْلوقٍ في مَعْصيةِ الخالق سبحانه

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود موقفه صلى الله عليه وسلم ونَهيه لأصحابه عن طاعةِ المَخْلوقٍ في مَعْصيةِ الخالق سبحانه

    مُساهمة من طرف صادق النور الثلاثاء أكتوبر 01, 2024 7:24 am

    التالي :-

    موقفه صلى الله عليه وسلم ونَهيه لأصحابه عن طاعةِ المَخْلوقٍ في مَعْصيةِ الخالق سبحانه.


    جمعت السيرة النبوية حياة النبي صلى الله عليه وسلم وغزواته ومواقفه، والتي مِنْ خلال تأملها ودراستها يستنبط العلماء الأحكام الشرعية التي ينتفع بها المسلمون على مر التاريخ والعصور، ويتحول الحَدَثُ والموقف إلى دروس وعِبر، وحِكم وأحكام، ومِنْ ذلك موقفه صلى الله عليه وسلم ونَهيه لأصحابه عن طاعةِ المَخْلوقٍ في مَعْصيةِ الخالق سبحانه،
    وقوله لهم: (لا طاعةَ في معصية الله).

    عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (بَعَثَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّة (قطعة من الجيش لا تزيد على أربع مائة)، فَاسْتَعْمَل (عيَّن وأمَّر) رَجُلًا مِنَ الأنْصَارِ وأَمَرَهُمْ أنْ يُطِيعُوه، فَغَضِب (حدَث أثْناء سَفَرِهم أنْ غضِبَ هذا الأمير، أو أغْضَبوه في شَيء)،
    فقال: أليسَ أمَرَكُمُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ تُطِيعوني؟ قالوا: بَلَى، قال: فاجْمَعوا لي حَطَبًا، فجمعوا، فقال: أوْقِدُوا نَارًا، فأوْقَدوها، فقال: ادْخُلوها، فَهَمُّوا (قَصَدوا أنْ يَدخُلوها تَنفيذًا لأمرِ النَّبيِّ لهم بطاعةِ أميرِهم) وجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِك بَعْضًا، ويَقولون: فَرَرْنَا إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ النَّار (أي: إنَّهم أسْلَموا ليَفِرُّوا مِنْ نارِ الآخِرة، فكيف يُؤمَرون بدُخولِها في الدُّنْيا؟!)، فما زالوا حتَّى خَمَدَتِ (انطفأت) النَّار، فَسَكَن (هدأ وانتهى) غَضَبُه. فَبَلَغ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: لو دَخَلُوها ما خَرَجُوا منها إلى يومِ القيامة، الطَّاعَة في المعروف) رواه البخاري.

    وفي رواية مسلم: (فقال صلى الله عليه وسلم للذين أرادوا أن يدخلوها: لو دخلتُموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة، وقال للآخرين قولًا حسناً، وقال: لا طاعةَ في معصية الله، إنما الطاعةُ في المعروف).

    قال ابن هبيرة في "الإفصاح عن معاني الصحاح": "في هذا الحديث مِنَ الفقه أنه تجوز طاعة الأمير إلى الحد الذي لا ينتهي إلى معصية الله عز وجل، فإذا انتهى إليها فحينئذ لا طاعة له ولا لغيره".

    وقال النووي في "شرح مسلم": "قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا وأمَّر عليهم رجلا فأوقد نارا، وقال: ادخلوها) إلى قوله: (لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف) هذا موافق للأحاديث الباقية أنه لا طاعة في معصية، إنما هي في المعروف،
    وهذا الذي فعله هذا الأمير، قيل: أراد امتحانهم، وقيل: كان مازحا، قيل إن هذا الرجل عبد الله بن حذافة السهمي وهذا ضعيف لأنه قال في رواية: رجل من الأنصار، فدل على أنه غيره،
    قوله صلى الله عليه وسلم (لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة) هذا مما علمه صلى الله عليه وسلم بالوحي، وهذا التقييد بيوم القيامة مُبين للرواية المطلقة بأنهم لا يخرجون منها لو دخلوها".
    وقال ابن حجر في "فتح الباري": "وفيه أن الأمر المطلق لا يعمّ جميع الأحوال، لأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يطيعوا الأمير، فحملوا ذلك على عموم الأحوال حتى في حال الغضب وفي حالة الأمر بالمعصية فبين لهم صلى الله عليه وسلم أن الأمر بطاعته مقصور على ما كان منه في غير معصية".
    وقال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري": "قال محمد بن جرير: في حديث عليّ (الطَّاعَة في المعروف)

    وحديث ابن عمر (السَّمْعُ والطَّاعَة علَى المَرْءِ المُسْلِم فيما أحَبَّ وكَرِه، ما لَمْ يُؤْمَرْ بمَعْصِيَة، فإذا أُمِرَ بمَعْصِيَةٍ فلا سَمْعَ ولا طاعةَ) البيان الواضح عَنْ نهي الله على لسان رسوله عباده عن طاعة مخلوق في معصية خالقه، سلطانًا كان الآمر بذلك، أو سُوقَة (عامة الناس)، أو والدًا، أو كائنًا مَنْ كان. فغير جائز لأحد أن يطيع أحدًا مِنَ الناس في أمر قد صح عنده نهى الله عنه".

    وقال الصنعاني في "التَّنوير شَرْح الجَامِع الصَّغِير": "(إنما الطاعة) يشتمل أن اللام للعهد أي المأمور بها في الآية لقوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}(النساء:59)، فالمراد طاعة الأمراء، لأن طاعة الله ورسوله لا تكون إلا (في المعروف)، ويدل له سبب الحديث وهو أنه أمر صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه على سرية وأمرهم بطاعته، فأمرهم (أميرهم) أن يوقدوا نارًا ويدخلوها، فأبوا، فذُكِرَ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لو دخلوها ما خرجوا منها).. ويحتمل أنه عام لطاعة كل مَنْ أمر بطاعته من الأمراء أو الزوج والوالدين وغيرهم".

    وقال السعدي: "هذا الحديث: (إنما الطاعة في المعروف) قيْد في كل مَنْ تجب طاعته من الولاة والوالدين والزوج وغيرهم، فإن الشارع أمر بطاعة هؤلاء، وكل منهم طاعته فيما يناسب حاله، وكلها بالمعروف".

    طاعة النبي صلى الله عليه وسلم طاعة مطلقة:

    طاعة النبي صلى الله عليه وسلم طاعة مطلقة لما فيها من طاعة لله تعالى،
    قال الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}(النساء:80).
    وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا مَنْ أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومَنْ عصاني فقد أبى).

    قال الآجري: "فرض الله تعالى على الخَلق طاعته صلى الله عليه وسلم في نيف (من واحد إلى ثلاثة) وثلاثين موضعاً من كتابه عز وجل".

    وقال ابن تيمية: "وقد أمر الله بطاعة رسوله في أكثر من ثلاثين موضعاً من القرآن، وقرن طاعته بطاعته"..
    وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين" عند كلامه على وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}(النساء:59).
    هذه الآية: "أمَرَ الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله، وأعاد الفعل إعلاما بأن طاعة الرسول تجب استقلالا مِنْ غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقا، سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه، فإنه أوتي الكتاب ومثله معه،
    ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالا، بل حذف الفعل وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول، إيذانا بأنهم إنما يُطاعون تبعاً لطاعة الرسول، فمَنْ أمر منهم بطاعة الرسول وجبت طاعته،
    ومَنْ أمر منهم بخلاف ما جاء به الرسول فلا سمع له ولا طاعة، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف)، وقال: (إنما الطاعة في المعروف)
    وقال: (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية فإن أُمِرَ بمعصية فلا سمع ولا طاعة
    وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن الذين أرادوا دخول النار لما أمرهم أميرهم بدخولها: (إنهم لو دخلوها لما خرجوا منها)، مع أنهم إنما كانوا يدخلونها طاعة لأميرهم، وظنا أن ذلك واجب عليهم، ولكن لما قصروا في الاجتهاد وبادروا إلى طاعة مَنْ أمر بمعصية الله وحملوا عموم الأمر بالطاعة بما لم يُرِدْه صلى الله عليه وسلم وما قد عُلِم مِنْ دينه إرادة خلافه، فقصروا في الاجتهاد وأقدموا على تعذيب أنفسهم وإهلاكها من غير تثبيت وتبين،هل ذلك طاعة لله ورسوله أم لا؟،
    فما الظن بِمَنْ أطاع غيره في صريح مخالفة ما بعث الله به رسوله".

    طاعة النبي صلى الله عليه وسلم طاعة مطلقة، لأنه لا يأمر بمعصية، ولا ينهى عن خير،
    فهو معصوم بعصمة الله عز وجل له، وطاعته صلى الله عليه وسلم طاعة لله عز وجل،
    قال الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ}(النساء:80).
    أما طاعة غيره مِنَ البشر ـ وإنْ كان مِنْ أصحاب الحقوق علينا ـ فتتوقف على طاعته لله عز وجل، وطاعته للنبي صلى الله عليه وسلم، وعلى ما يأمر به مِنْ خيرٍ أو شر، أو طاعةٍ أو معصية،
    لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق
    وقوله صلوات الله وسلامه عليه لأصحابه الذين هموا أن يلقوا أنفسهم في النار التي أوقدها لهم أميرهم: (لو دخلوها لم يَزالوا فيها إلى يومِ القيامة
    وقال للآخرين: (لا طاعةَ في المعصية، إنما الطاعة في المعروف)..
    =========================================

    موقفه صل الله عليه وسلم مع الطفيل بن عمرو الدوسي ومع الوليد بن المغيرة ..


    دراسة السيرة النبوية تساعد المسلم على فهم القرآن الكريم،
    إذْ أن كثيراً من الآيات القرآنية إنما تفسرها وتجليها الأحداث التي مرت بالنبي صلى الله عليه وسلم في سيرته وحياته وغزواته.
    ومن المعلوم أن القرآن الكريم لم ينزل مُجْملاً دفعة واحدة على النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما نزل منجَّما (مُفَرَّقا) على مدى ثلاثة وعشرين عاماً، منذ بدء نزول الوحي إلى انقطاعه بانتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى،
    قال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}(الفرقان:32)،

    قال السيوطي: "يَعنون كما أنزل على من قبله من الرسل. فأجابهم الله بقوله: {كَذَلِكَ} أي أنزلناه كذلك مفرقاً {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} أي لنقوي به قلبك، فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى بالقلب، وأشد عناية بالمرْسَل إليه".

    وقد ألف ابن حجر كتابا خاصاً في أسباب النزول سمّاه: "العجاب في بيان الأسباب"،
    وذكر فيه أمثلة كثيرة في أسباب نزول كثير من الآيات القرآنية من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك ما ذكرته كثير من كتب السيرة والسنة النبوية والتفسير .
    أن قول الله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا}(المدثر:11) نزل في الوليد بن المغيرة وكلامه على القرآن الكريم وإعجازه وبلاغته، ومع ذلك أعرض عنه ولم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم.
    عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه: (أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليه القرآن، فكأنه رقَّ له،
    فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: يا عم إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالًا، قال الوليد: لِمَ؟ قال أبو جهل: ليعطوكه، فإنك أتيتَ محمدًا لتعرض لما قبله، قال الوليد: قد علِمَت قريش أني من أكثرها مالًا، قال أبو جهل: فقل فيه قولًا، يبلِّغ قومك أنك منكِر له،

    قال الوليد: وماذا أقول، فوالله ما فيكم أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجز ولا بقصيدة مني،
    ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئًا من هذا، ووالله إن لقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته،
    قال أبو جهل: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه، قال: فدعني أفكر فيه. فلما فكر،
    قال الوليد: هذا سحر يؤثر، يأثره عن غيره. فنزلت: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ}(المدثر: 30:11)) رواه الحاكم ـ وصححه ووافقه الذهبي ـ، والبيهقي في الدلائل، وابن هشام في السيرة النبوية، والطبري وابن كثير والقرطبي والبغوي والشوكاني في تفسيرهم، والواحدي في أسباب النزول، والسيوطي في الخصائص الكبرى.
    قال ابن عاشور: "وقع الاتفاق على أن هذا القول صدر عن الوليد بن المغيرة وأنه المعني بقوله تعالى {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا}".

    وقال ابن كثير: "يقول تعالى متوعدا لهذا الخبيث الذي أنعم الله عليه بنعم الدنيا، فكفر بأنعم الله، وبدلها كفرا، وقابلها بالجحود بآيات الله والافتراء عليها، وجعلها من قول البشر".

    وقال الواحدي في "أسباب النزول": "عن ابن عباس: أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن وكأنه رقَّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فقال له: يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوكه، فإنك أتيت محمدا تتعرض لما قبله.
    فقال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالا. قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكِر له وكاره.
    قال: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزها وبقصيدها مني، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، والله إن لقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى.
    قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه، قال: فدعني حتى أفكر فيه، فقال: هذا سحر يؤثر، يأثره عن غيره،
    فنزلت: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} الآيات كلها".

    لقد كان القرآن الكريم أحد العوامل الهامة في إيمان الكثير ممن آمن ودخل الإسلام،
    ومما يدل على ذلك ما شهد به أنيس بن جنادة الغفاري قبل إسلامه، حيث سأله أخوه أبو ذرّ عما يقول الناس في النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر ـ وكان أنيس أحد الشعراء -، قال أنيس: (لقد سمعتُ قول الكهنة فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء (طرائق وأنواع) الشعر فما يلتئم على لسان أحد أنه شعر، والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون) رواه مسلم.

    وروى البخاري أن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: (سَمِعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقرأُ في المغربِ بالطُّورِ، وذلك أول ما وَقر الإيمان في قلبي).

    وذكر ابن هشام وغيره في السيرة النبوية أن الطفيل بن عمرو الدوسي ـ زعيم قبيلة دوْس وكان شاعراً لبيباً ـ لما جاء إلى مكة لم يزل به كفار قريش يحذرونه من سماع النبي صلى الله عليه وسلم، حتى وضع في أذنيه قطناً خشية أن يسمع شيئاً من القرآن، وأبَى الله سبحانه إلا أن يُسْمِعَه شيئاً من القرآن، وشرح صدره للإسلام فأسلم وقال: "فلا والله ما سمعت قولاً قط أحسن منه".

    وكذلك كان القرآن الكريم سببا في إسلام أُسَيد بن حُضَير وسعد بن معاذ رضي الله عنهما، وذلك حينما قرأ عليهما مصعب بن عمير رضي الله عنه آيات من القرآن ..
    فهؤلاء من قريش والعرب أهل الفصاحة والبلاغة، شهدوا ببلاغة القرآن وإعجازه من خلال تأثرهم به ودخولهم في الإسلام..

    ومن أشهر الذين لم يدخلوا في الإسلام رغم إقرارهم بإعجاز القرآن الكريم وبلاغته وأنه ليس ممَّا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله: الوليد بن المغيرة والذي نزل فيه قول الله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا}(المدثر:11)..
    فهذه نماذج تكشف عن إعجاز القرآن الكريم الذي يستوي في الإقرار به المؤمن والكافر.

    قال القاضي عياض: "فالقرآن في نفسه وجميع ما تضمنه من معجز معلوم ضرورة،
    وكما شهدت به الأعداء كالوليد بن المغيرة، إذ قال حين تلي عليه منه: إنّ له لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة، وإنّ أسفله مغدق، وإن أعلاه لمثمر، وما هو من كلام البشر. ووجه إعجازه معلوم ضرورة بجزالة لفظه، وفخامة تأليفه، وبلوغه أقصى درجات مراتب البلاغة والفصاحة وحسن التئام كلماته، ونظم آياته، وبراعة إيجازه، وغرابة فنونه، وفصاحة وجوه فواتحه وخواتمه، فلا يحتاج العلم به إلى دليل".

    السيرة النبوية هي التطبيق العملي للقرآن الكريم والسُنة، ودراستها تساعد على الفهم الصحيح والدقيق لكتاب الله عز وجل وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أن كثيراً من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية تفسرها وتُجَلِّيها الأحداث والمواقف التي مرت بالنبي صلى الله عليه وسلم خلال حياته كلها

    . قال الواحدي: "لا يمكن تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها".
    ====================================
    التالي :-
    موقفه صل الله عليه وسلم مع سعد بن معاذ رضي الله عنه:


    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود موقفه صل الله عليه وسلم مع سعد بن معاذ رضي الله عنه

    مُساهمة من طرف صادق النور الثلاثاء أكتوبر 01, 2024 8:10 am

    ما قبله :-

    موقفه صل الله عليه وسلم مع سعد بن معاذ رضي الله عنه..


    من مقاصد دراسة سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، استخراج الدروس والفوائد من أحداثها ومواقفها، لنستفيد منها في واقع حياتنا، فيستقيم سلوكنا، وتحسن أخلاقنا، وتعلو همتنا في طلب الجنة،
    ومن هذه المواقف موقفه وحديثه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه لما تعجبوا مِن حُلَّة (ثوبان أو ثوب له بطانة) حرير أُهْدِيَت له، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لمَنَادِيلُ سَعْدِ بن مُعَاذٍ في الجَنَّة خَيْرٌ مِن هذا).

    عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة حرير، فجعل أصحابه يمسونها ويعجبون من لينها، فقال صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من هذا؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قال: مَنَادِيلُ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ في الجَنَّةِ خَيْرٌ مِن هذا) رواه البخاري.

    وفي رواية أخرى عن أنس رضي الله عنه قال: (أُهْدِيَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم جُبَّةُ سُنْدُسٍ، وكان ينْهى عَنِ الحرير، فَعَجِبَ النَّاسُ منها، فقال: والذي نَفْس مُحَمَّدٍ بيَدِه، لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ في الجَنَّة أحْسَنُ مِنْ هذا،
    وقالَ سَعِيدٌ، عن قَتَادَةَ، عن أنسٍ: إنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةَ أهْدَى إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم) رواه البخاري.
    وفي رواية: (أنَّ أُكَيْدِرَ دُومةَ أَهْدى إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جُبَّةَ حريرٍ، وذلك قبْل أنْ يَنْهى نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم عنِ الحريرِ، فلَبِسها، فعَجِبَ الناسُ منها، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: والذي نفْسُ محمَّدٍ بيَدِه، لَمَناديلُ سعدٍ في الجَنَّةِ أحسَنُ مِن هذه) رواه أحمد.
    قال العيني: "قوله: (أُهْدِيَت) كان الذي أهْدَها أكيدر دومة، كما بينه في حديث أنس في كتاب الهداية في باب قبول الهدية من المشركين".
    وأُكَيْدِرِ هو: أُكَيْدِرِ بن عبد الملك رجل من كِنْدة كان ملكًا عليها، وكان نصرانيا، ودُومة: هي دومة الجندل، مدينة بقرب تبوك".

    هذا الحديث والموقف النبوي مع أصحابه رضوان الله عليهم لما تعجبوا من هدية أكيدر، فيه الكثير من الفوائد والعبر، ومنها:

    فضل ومنزلة سعد بن معاذ رضي الله عنه:

    ـ قال ابن القيم كما نقل عنه المناوي في "فيض القدير": "كان سعد في الأنصار بمنزلة الصدّيق في المهاجرين، لا تأخذه في اللّه لومة لائم، وخُتِم له بالشهادة، وآثر رضا اللّه ورسوله على رضا قومه وحلفائه، ووافق حُكْمَه (في يهود بني قريظة) حكم اللّه من فوق سبع سماوات، ونعاه جبريل عليه السلام يوم موته، فحُقَّ له أن يهتز العرش له".
    ـ قوله صلى الله عليه وسلم: (لمناديل سعد فى الجنة خير منها
    قال النووي: "المناديل جمع منديل بكسر الميم في المفرد، وهو هذا الذي يحمل في اليد.. وقال العلماء: هذه إشارة إلى عظيم منزلة سعد في الجنة، وأن أدنى ثيابه فيها خير من هذه، لأن المنديل أدنى الثياب، لأنه معد للوسخ والامتهان، فغيره أفضل. وفيه إثبات الجنة لسعد".
    وقال العيني: " وفيه منقبة عظيمة لسعد.. وأما تخصيص المناديل بالذِكْر فلكونها تُمتهن فيكون ما فوقها أعلى منها بطريق الأولى".

    وفي شرح سنن ابن ماجه: "وقال القرطبي: هذه إشارة إلى أدنى ثياب سعد، لأن المناديل إنّما هي مُمتهنة مُتخذةٌ لمسح الأيدي بها من الدنس والوسخ، وإذا كان هذا حال المنديل، فما ظنك بالعمامة والحلّة؟ ولا يُظنّ أن طعام الجنّة وشَرابها فيهما ما يُدنّس يدَ المتناول حتّى يُحتاج إلى منديل، فإن هذا ظنّ من لا يعرف الجنّة، ولا طعامها، ولا شرابها، إذ قد نزّه الله الجنّة عن ذلك كلّه، وإنما ذلك إخبار بأن الله أعدّ في الجنّة كلّ ما كان يُحتاج إليه في الدنيا، لكن هي على حالة هي أعلى وأشرف، فأَعدَّ فيها أمشاطًا، ومَجَامرَ، وأُلُوّةً، ومناديل، وأسواقًا، وغير ذلك ممّا تعارفناه في الدنيا، وإن لم نحتج له في الجنّة إتمامًا للنعمة، وإكمالًا للمنّة".

    ـ وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنَادِيلُ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ في الجَنَّةِ خَيْرٌ من هذا) فيه: الحث والترغيب في السعي والمسارعة إلى الجنة، لأنه إذا كانت مناديل سعد في الجنة أحسن وأجمل وألين من حرير الدنيا، فما بالنا بما أعده الله عز وجل لعباده في الجنة من نعيم لم يَخطُرْ على قَلْبِ بَشَر؟!

    قال صلى الله عليه وسلم: (يقول الله: أَعْدَدْتُ لعباديَ الصالحين ما لا عينٌ رأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ على قلبِ بشرٍ.
    فاقرُأُوا إن شِئْتُم: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(السجدة:17)) رواه البخاري.
    ـ قال ابن حجر في "فتح الباري": "قال ابن بطال النهي عن لبس الحرير ليس من أجل نجاسة عينه، بل من أجل أنه ليس من لباس المتقين، وعينه مع ذلك طاهرة، فيجوز مسه وبيعه والانتفاع بثمنه".

    قَبولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الهدية مِن المشرِكين:

    من المفاهيم الخاطئة عند البعض أن علاقة المسلم بالكافر هي علاقة عنف وغلظة بإطلاق، وهو خلاف هَدْي النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الكفار، فقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم آداباً وضوابط تقوم عليها العلاقة مع الكفار، وهي آداب وضوابط مبنية على البر والعدل وعدم الظلم،
    كما قال الله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}(الممتحنة -).
    وقد قبِل النبي صلى الله عليه وسلم الهدايا من أكيدر دومة والمقوقس وملكُ أَيْلَةَ وغيرهم، وثبت ذلك بأحاديث صحيحة.
    قال النووي: "قال القاضي:
    و إنما قبِل النبي صلى الله عليه وسلم هدايا كفار أهل الكتاب ممن كان على النصرانية، كالمقوقس وملوك الشام، فلا معارضة بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبلُ زبْد (هدايا) المشركين)، وقد أبيح لنا ذبائح أهل الكتاب، ومناكحتهم (الزواج من عفيفات أهل الكتاب)، بخلاف المشركين عبدة الأوثان"

    . وقال: ".. فقبِل النبيُّ صلى الله عليه وسلم ممن طمع في إسلامه وتأليفه لمصلحةٍ يرجوها للمسلمين، وكافأ بعضهم، وردَّ هديةَ من لم يطمعْ في إسلامه ولم يكن في قَبولها مصلحة، لأن الهدية توجب المحبة والمودة".
    فالأصل في هَدْيه صلى الله عليه وسلم هو جواز قبول الهدية من الكافر، تأليفاً لقلبه، وترغيباً له في الإسلام، وقد بوَّب البخاري في صحيحه: "باب قبول الهدية من المشركين".

    موقف وحديث النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه لمَّا رأوا هدية أُكَيْدِرَ دُومة،
    وقوله لهم: (مَنَادِيلُ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ في الجَنَّةِ خَيْرٌ مِن هذا)
    فيه: بيان فَضلِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ رضِي الله عنه، وتَبشيرُه بأنَّه من أهل الجَنَّة. وفيه: الحث والترغيب في السعي والمسارعة إلى الجنة،
    وفيه: تحريم لبس الحرير على الرجال، وفيه كذلك: قَبولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الهدية مِن المشركين.
    ===================================

    موقفه صل الله عليه وسلم  مع أبي ذر رضي الله عنه ..


    في زمنٍ انتشر فيه الظلم والاستعباد للخدم، أكرم الله عز وجل الدنيا ببعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فواجه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فيما واجه من فساد الجاهلية وظلمها:
    سوء معاملة الخدم وإهدار حقوقهم وإنسانيتهم، فوضع للخدم من الحقوق، وشرع لهم من الآداب ما يتناسب مع إنسانيتهم والرحمة بهم. ولا شك أنه كلما سعى المخدوم في تحقيق هذه الآداب النبوية في معاملة الخادم نال مراده وطلبه منه على أكمل وجه، فراحة الخادم والمخدوم، وهداية البشرية جمعاء في اتباع أوامر وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}(النور:54).

    ومن المواقف النبوية التي أظهرت بوضوح اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بحقوق الخدم ورحمته بهم:
    موقفه مع أبي ذر رضي الله عنه الذي رواه البخاري في صحيحه عن المعرور بن سويد قال: (لقيتُ أبا ذر بالربذة (موضع قرب المدينة)، وعليه حُلَّة (ثوب) وعلى غلامه حُلة، فسألته عن ذلك فقال: إني ساببْتُ رجلاً، فعيرتُه بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر أعيَّرْتَه بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خَوَلُكُم (خدمكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم) رواه البخاري.

    قال ابن حجر في "فتح الباري": " الخَوَل ـ بفتح المعجمة والواو ـ هم الخدم، سُمُّوا بذلك لأنهم يتخولون الأمور أي يصلحونها، ومنه الخولي لمن يقوم بإصلاح البستان.. وفي تقديم لفظ إخوانكم على خولكم إشارة إلى الاهتمام بالأخوة، وقوله: (تحت أيديكم) مجاز عن القدرة أو الملك".

    ومن مظاهر الرحمة والشفقة بالخدم في هذا التوجيه النبوي الكريم لأبي ذر رضي الله عنه أمره بإطعامهم وإلباسهم من جنس ما يأكل ويلبس المخدوم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس).

    وعن الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أطعمتَ نفسك فهو لك صدقة، وما أطعمتَ ولدك فهو لك صدقة، وما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة) رواه أحمد.

    ومن جميل شفقته صلى الله عليه وسلم بالخدم في وصيته لأبي ذر رضي الله عنه تحريمه تكليفهم ما يشق عليهم فعله، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تكلفوهم ما يغلبهم)، والأصل في النهي التحريم إن لم يصرفه صارف للكراهية،
    فإن حدث وكلفتموهم ما لا يستطيعون ويطيقون من العمل فقد وجبت عليكم إعانتهم بما يزيل عنهم المشقة (فإن كلفتموهم فأعينوهم) إما بالنفس أو بتوفير آلة لهم تيسر عليهم العمل، أو ندب أحد يساعدهم حتى ينتهي العمل الشاق، ودليل ذلك أن الأمر النبوي لم يحدد كيفية الإعانة، ومن ثم يدخل فيها كل وسيلة من شأنها رفع المشقة عنهم.
    وإذا كانت هناك أمور في العلاقة بين الخادم والمخدوم لم يحددها أو يتطرق إليها أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه فتلك الأمور يجب معالجتها في نطاق قوله صلى الله عليه وسلم له: (إخوانكم خولكم).

    وفي موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي ذر ظهر حرصه صلوات الله وسلامه عليه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة لأبي ذر رضي الله عنه، رغم أن أبا ذر من أصحابه، وهو من الناحية الاجتماعية أرفع قدراً من خادمه، ومع ذلك لامه النبي صلى الله عليه وسلم لوماً شديداً، وأمره بالإحسان إلى خادمه، ونهاه عن إيذائه، بل وأخبره محذراً أن فيه صفة من صفات الجاهلية: (أعيرتَه بأمه)، وهذا ليس بالأمر اليسير عند صحابي جليل مثل أبي ذرر ضي الله عنه.
    ومع ذلك كان صلى الله عليه وسلم رفيقا في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر،
    ويتمثل ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر)، فناداه بأحب الأسماء إليه وهي كُنْيَتُه، ولم يصفه صلى الله عليه وسلم بالجاهلية المطلقة لوقوعه في أمر من أمور الجاهلية، ولكنه أثبت له فقط أن فيه جاهلية، أي خصلة من خصال الجاهلية، وهي التعيير بالأُم،
    كما أنه صلى الله عليه وسلم لم يزد في نهيه لأبي ذر على كلمات معدودات، وهذا من الفقه والرفق النبوي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    كذلك ظهرت أمانة أبي ذر رضي الله عنه في نقل العلم وأحاديث رسول الله  صل الله عليه وسلم، ولو كان في ذكره شيء يبين خطأً مِن أخطائه، من حيث الفعل الذي فعله،
    واللوم الذي وُجّه إليه من النبي صلى الله عليه وسلم على خطئه، فلم يكتم شيئاً من ذلك،
    وهذا يدل على عِظم أمانته وصدقه..وكذلك ظهرت علو همة أبي ذر رضي الله عنه في اتباع أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأخذه بالأتم والأكمل منه، فلم يُلْبِس الخادم شيئاً مشابهاً لما يلبسه، بل ألبسه من جنس ما يلبس، واستمرار معاملته للخادم على نفس النهج الطيب منذ أن نصحه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن سأله التابعي المعرور بن سويد، وهذا يدل على حُسْن طاعته للنبي صلى الله عليه وسلم ليس في حياته فقط ولكن بعد موته أيضاً، وإذا كان هذا سلوك أبي ذر رضي الله عنه مع خادمه في الملبس، الذي يفضّل البعض أن يتميز به عن خادمه، فكيف كان مسلكه رضي الله عنه في مأكله ومشربه ومعاملته مع الخادم؟!.

    إذا تتبعنا التوجيهات والتوصيات التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم بالخدم، سنعرف مقدار الاهتمام الذي حازته هذه الفئة الضعيفة من المجتمع في وصاياه..
    ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أوصى بالعفو عن خطئهم.
    عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كم نعفو عن الخادم؟ فصمت، ثم أعاد عليه الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال: اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة) رواه أبو داود .

    كما نهى صلى الله عليه وسلم عن الدعاء على الخادم.
    عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعةَ نيل فيها عطاء فَيستجيب لكم) رواه أبو داود .

    وألزم النبي صلى الله عليه وسلم المخدوم أن يُوَفِّيَ الخادم أجره المكافئ لجُهده دون ظلم أو مماطلة.
    عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عَرَقُه) رواه ابن ماجه .
    ولا شك أن الخادم أجير عند من يخدمه.

    ولم يؤْثَر عنه صلى الله عليه وسلم أنه ضرب خادماً أبداً. عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ خادما ولا امرأة قَط) رواه مسلم.

    وقد شهد أنس رضي الله عنه الذي خدم النبيَّ صلى الله عليه وسلم سنوات عديدة بأنه لم يتعرض لأي أذى مادي أو معنوي خلال تلك الفترة.
    عن أنس رضي الله عنه قال: (خدمتُ رسول اللهَ صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما سبَّني سبة قط، ولا قال لي أُف قط، ولا قال لي لشيء فعلتُه: لم فعلتَه، ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلتَه) رواه مسلم.

    ومع أمره صلى الله عليه وسلم للمخدوم بإطعام الخادم مما يأكل، ولبسه مما يلبس، وعدم تكلفيه بما لا يطيق، والتخفيف عنه، والعفو عن خطئه إذا أخطأ، والمسارعة في إعطائه أجره وعدم الإنقاص منه..

    حث النبي صلى الله عليه وسلم على شكره لما يقوم به من عمل، فالإنسان بطبعه ـ خادماً كان أو مخدوماً ـ يحب من يشكره عل عمله، ثم إنْ شُكْرنَا لِمَنْ أسْدى إلينا معروفاً أو صنيعاً من شكرنا لله عز وجل.
    عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَشْكرُ اللهَ مَنْ لا يشكرُ الناس) رواه أبو داود .

    وامتدت رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالخدم لتشمل غير المؤمنين به، كما فعل مع الغلام اليهودي الذي كان يعمل عنده خادماً، فقد مرض الغلام مرضاً شديداً، فزاره النبي صلى الله عليه وسلم ودعاه إلى الإسلام فأسلم.
    عن أنس رضي الله عنه قال: (كان غلام يهودي يخدم النبيَّ صلى الله عليه وسلم فمرض، فأتاه يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: أسْلِم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال: أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار) رواه البخاري.

    لقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم للخدم من الحقوق وشرع لهم من الآداب ما يتناسب مع إنسانيتهم والرحمة بهم،
    وقد سبق صلى الله عليه وسلم كل الأنظمة والقوانين والمواثيق الدولية المعاصرة في الرحمة بالخدم والشفقة عليهم، بغض النظر عن ديانتهم وجنسياتهم،
    وصدق الله تعالى الذي قال عن نبيه صلى الله عليه وسلم : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(الأنبياء:107).
    ======================================
    التالي :-
    تعظيم الصحابة رضوان الله عليهم لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم
    -----
    لا تنسونا من صالح دعائكم


    عدل سابقا من قبل صادق النور في السبت أكتوبر 26, 2024 8:15 pm عدل 1 مرات

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود تعظيم الصحابة رضوان الله عليهم لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم

    مُساهمة من طرف صادق النور الأربعاء أكتوبر 02, 2024 12:29 pm

    ما قبله : -

    موقف الرسول صلى الله عليه وسلم في تعظيم الصحابه لأمر الله وأمر رسوله ..

    السيرة النبوية زاخرة بالكثير من الصور والأمثلة الدالة على شدة تعظيم الصحابة رضوان الله عليهم لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ومسارعتهم إلى السمع والطاعة، فكان لسان حالهم ومقالهم ـ في العُسْر واليُسْر، والمنشط والمكره ـ : (سمعنا وأطعنا)..

    ومن الأمثلة الدالة على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لمَّا نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(البقرة:284)،
    قال: فاشتدَّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بَرَكوا على الرُكب، فقالوا: أي رسول الله، كُلِّفنا من الأعمال ما نطيق، الصلاة والجهاد والصدقة، وقد أُنْزِلَت عليك هذه الآية ولا نطيقها،
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابَيْن (اليهود والنصارى) من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير.
    فلمَّا اقتَرأَها القومُ، ذلَّت (لانت) بِها ألسنتُهُم، فأنزل اللَّهُ في إثرِها: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}(البقرة:285)،
    فَلمَّا فعَلوا ذلِكَ نسخَها اللَّهُ تعالى، وأنزل اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}
    قال: نعَم، {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا
    قال: نعَم، {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}
    قال: نعم، {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(البقرة: 286) قال: نعَم) رواه مسلم.

    قال النووي: "قال أبو إسحاق الزجاج: هذا الدعاء الذي في قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}(البقرة:286) إلى آخر السورة أخبر الله تعالى به عن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وجعله في كتابه ليكون دعاء مَنْ يأتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم، فهو من الدعاء الذين ينبغي أن يُحْفَظ ويُدْعَى به كثيراً..
    ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه)، قيل: كفتاه من قيام تلك الليلة، وقيل: كفتاه المكروه فيها، والله أعلم".
    وقال ابن هبيرة: "في هذا الحديث من الفقه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمهم الأدب بأن يقولوا عند تكليف الرب سبحانه: (سمعنا وأطعنا)، ونهاهم صلى الله عليه وسلم عن غير ذلك"،

    وقال ابن عثيمين: "أهل الكتابين هم اليهود والنصارى. فاليهود كتابهم التوراة، وهي أشرف الكتب المنزلة بعد القرآن. والنصارى كتابهم الإنجيل وهو متم للتوراة. واليهود والنصارى عصوا أنبياءهم وقالوا: "سمعنا وعصينا"، فهل تريدون أن تكونوا مثلهم؟ (ولكن قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير). هكذا يجب على المسلم إذا سمع أمر الله ورسوله أن يقول: (سمعنا وأطعنا) ويمتثل بقدر ما يستطيع، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها".

    وقال السعدي في تفسيره: "لما نزل قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}(البقرة:284)، شقَّ ذلك على المسلمين لما توهموا أن ما يقع في القلب من الأمور اللازمة والعارضة المستقرة وغيرها مؤاخذون به، فأخبرهم بهذه الآية أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها أي: أمرا تسعه طاقتها، ولا يكلفها ويشق عليها، كما قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(الحج:78)، فأصل الأوامر والنواهي ليست من الأمور التي تشق على النفوس، بل هي غذاء للأرواح ودواء للأبدان، وحمية عن الضرر، فالله تعالى أمر العباد بما أمرهم به رحمة وإحسانا، ومع هذا إذا حصل بعض الأعذار التي هي مظنة المشقة حصل التخفيف والتسهيل، إما بإسقاطه عن المكلف، أو إسقاط بعضه كما في التخفيف عن المريض والمسافر وغيرهم".

    وذكر الطبري في تفسيره عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أنه لما قرأ قول الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} قال: "هم المؤمنون، وسَّعَ الله عليهم أمر دينهم فقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(الحج:78)،
    وقال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}(البقرة:185)،
    وقال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}(التغابن:16)".
    وقال القرطبي: "قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ}(البقرة:285)، روي عن الحسن ومجاهد والضحاك: أن هذه الآية كانت في قصة المعراج".

    إن موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ حين أنزل الله تعالى قوله: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}(البقرة:284)،
    وأمره لهم أن يقولوا: (سمعنا وأطعنا)، وسرعة استجابة الصحابة لأمره صلى الله عليه وسلم لهم بالسمع والطاعة، وقولهم: (سمعنا وأطعنا
    ثم نزول قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَت}(البقرة: 286): فيه بيان لما أكرم الله تعالى به هذه الأمة، وخففه عنها، مما كان على غيرهم من أهل الكتاب السابقين من المشاق والأغلال، وبيان ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم من اليقين الثابت والإيمان الراسخ الذي كان يدفعهم دائماً إلى الانقياد لأحكام الشرع، والمسارعة لاستجابتهم لأمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم والتسليم له، ولو كان في ظاهره مشقة، أو كان مخالفا لعقولهم.
    ==================================
    التالي : -
    موقف النبي صل الله عليه وسلم مع  ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه ..


    مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة لا تُنال بالتمني فقط، بلْ لابد من العمل لنيلها، والأسباب والأعمال التي توصل إلى مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم وصُحْبته في الجنة كثيرة،
    منها: حبه وطاعته، والصلاة عليه، وحُسن الخُلُق، والاهتمام بتربية البنات وألأخوات،
    وكفالة اليتيم، وكثرة الصلاة.. وإذا كان لكل إنسان أمنية في حياته يسعى من أجلها، ويحرص على بلوغها، ويضحي بكل ما لديه ليصل إليها، فقد كانت أمنية الصحابي الشاب ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه هي مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة.

    وربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه من فقراء الصحابة رضوان الله عليهم الذين لم تكن لهم بيوت يسكنونها، والذين عُرِفوا في السيرة النبوية بأهل الصُفَّة وأضياف الإسلام،
    فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "وأهل الصُفَّة أضياف الإسلام، لا يأوون على أهلٍ ولا مال ولا على أحد" رواه البخاري.
    قال القاضي عياض: "الصُفَّة ظلة في مؤخر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يأوي إليها المساكين، وإليها يُنسب أهل الصُفة"،
    وقال ابن حجر: "الصُفَّة مكان في مؤخر المسجد النبوي مظلل، أُعِدَّ لنزول الغرباء فيه مِمَّن لا مأوى له ولا أهل".
    وربيعة رضي الله عنه كان يلازم النبي صلى الله عليه وسلم ويقوم على خدمته، ويأتيه بوضوئه وكل ما يحتاج إليه، وله مع النبي صلى الله عليه وسلم موقف أفصح فيه عن أمنيته التي يتمناها،
    وهي أن يعتقه الله عز وجل من النار من النار، ويكون رفيقاً للنبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، وشتان بين أمنية وأمنية،
    قال ابن القيم: "وإذا أردت أن تعرف مراتب الهِمم فانظر إلى هِمَّة ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه، وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سَلْنِي)، فقال: أسألك مرافقتك في الجنة، وكان غيره يسأله ما يملأ بطنه، أو يواري جلده".

    يقول ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه: (كنت أبيتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيتُه بوَضوئِه وحاجته:
    فقال لي: سلْ، فقلتُ: أسألُك مرافقتَك في الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فأعنِّي على نفسِك بكثرة السجود) رواه مسلم.
    وفي رواية لأحمد والنسائي وحسنها الألباني قال ربيعة: (كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوم له في حوائجه نهاري أجمع، حتى يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، فأجلس ببابه إذا دخل بيته أقول لعلها أن تحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة، فما أزال أسمعه يقول: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله وبحمده، حتى أملَّ فأرجع، أو تغلبني عيني فأرقد، قال: فقال لي يوماً ـ لما يرى من خفتي وخدمتي إياه ـ: سَلْنِي يا ربيعة أُعْطِك، قال: فقلت: أنظر في أمري يا رسول الله ثم أُعْلِمَك ذلك، قال: ففكرت في نفسي، فعرفت أن الدنيا منقطعة زائلة، وأن لي فيها رزقا سيكفيني ويأتيني، قال: فقلت: أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لآخرتي، فإنه مِن الله عز وجل بالمنزل الذي هو به، قال: فجئت فقال: ما فعلتَ يا ربيعة؟! قال: فقلت: نعم يا رسول الله، أسألك أن تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النار، قال: فقال: من أمرك بهذا يا ربيعة؟ قال: فقلت: لا والله الذي بعثك بالحق، ما أمرني به أحد، ولكنك لما قلت: سلني أعطك، وكنتَ من الله بالمنزل الذي أنت به، نظرت في أمري وعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة، وأن لي فيها رزقا سيأتيني، فقلت: أسال رسول الله صلى الله عليه وسلم لآخرتي، قال: فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً ثم قال لي: إني فاعل، فأعني على نفسك بكثرة السجود).

    قال النووي: "(فأعني على نفسك بكثرة السجود):فيه الحث على كثرة السجود والترغيب، والمراد به السجود في الصلاة"،
    وقال السيوطي: "(فأعني على نفسك بكثرة السجود): هو كِنَايَة عَن كثْرَة الصلاة".
    وفي شرح سنن النسائي: "أي كُنْ عوْناً لي على تحصيل مراد نفسك التي هي المرافقة لي في الجنة بكثرة الصلاة، وخصَّ السجود بالذِكْر لأنه مُذلٌّ للنفس، وقاهر لها، لما فيه من وضع أشرف الأعضاء، وأعلاها على الأرض، وأيّ نفس خضعت لله تعالى استحقت رحمته وإحسانه، ولأن الساجد أقرب إلى الله تعالى،
    لقول الله عز وجلّ: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}(العلق: 19)"
    وقال الصنعاني: "وفيه دلالة على كمال إيمان المذكور، وسمو همته إلى أشرف المطالب وأعلى المراتب، وعزف نفسه عن الدنيا وشهواتها، ودلالة على أن الصلاة أفضل الأعمال في حق من كان مثله، فإنه لم يرشده ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى نيل ما طلبه إلا بكثرة الصلاة مع أن مطلوبه أشرف المطالب".

    وقال ابن عثيمين: "(سَلْنِي)، يعني: اسأل، من أجل أن يكافئه النبي عليه الصلاة والسلام على خدمته إياه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق، وكان يقول: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه)، فأراد أن يكافئه، فقال له: (سَلْنِي) يعني اسأل ما بدا لك، وقد يتوقع الإنسان أن هذا الرجل سيسأل مالاً، ولكن همته كانت عالية، قال: أسألك مرافقتك في الجنة، يعني كأنه يقول: كما كنت مرافقاً لك في الدنيا، أسألك مرافقتك في الجنة، قال: (أو غير ذلك؟) يعني: أو تسأل غير ذلك مما يمكن أن أقوم به؟ قال: هو ذاك، يعني: لا أسال إلا ذاك.
    وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (فأعني على نفسك بكثرة السجود) قال: "يعني بكثرة الصلاة، فدل هذا على أن كثرة الصلاة من أسباب مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم، والصلاة خير موضوع أكْثِر منها ما استطعت".

    مع علو قدْرِ ومنزلة النبي صلى الله عليه وسلم وكثرة مسئولياته لم يكُنْ يعيش بعيداً عن أصحابه، بل كان يتفقدهم ويسأل عنهم، يفرح لفرحهم، ويحزن لحزنهم، ويشاركهم مشكلاتهم ويعينهم على حلها، ويعلمهم ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، وفي هذا ضرب بديع من الرحمة والحب والتواضع،
    وصدق الله تعالى القائل عنه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}(التوبة: 128)،

    قال السعدي: "{حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} فيحب لكم الخير، ويسعى جهده في إيصاله إليكم، ويحرص على هدايتكم إلى الإيمان، ويكره لكم الشر، ويسعى جهده في تنفيركم عنه.
    {بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} أي: شديد الرأفة والرحمة بهم، أرحم بهم من والديهم".
    وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: "لقد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر، وكان يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير".. ومواقفه صلوات الله وسلامه عليه مع أصحابه في ذلك كثيرة، ومنها موقفه مع ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه والذي قال له فيه: (سَلْنِي يا ربيعة أُعْطِك).

    ======================================

    مواقفه صل الله عليه وسلم مع الصحابه حديثي العهد بالإسلام ..

    المتأمل في هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته، يرى كثرة الوسائل والأساليب التربوية التي انتهجها نبينا صلى الله عليه وسلم في تعليمه للأمة وإصلاحه لها، وذلك من خلال تعليمه وتربيته لأصحابه. ومِن هذه الأساليب التربوية: التعليق على بعض الأقوال والمواقف والأحداث التي تقع أمامه وهو مع أصحابه، والتي من خلالها يصحح أمراً وفهما خاطئاً، أو يعطي ويكسب قيمة خلقية أو سلوكية. والسيرة النبوية زاخرة بالأمثلة الدالة على ذلك، ومنها:

    أجعلتني لله ندا :

    عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: (جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فراجعه في بعضِ الكلام، فقال: ما شاء اللهُ وشئتَ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أجعَلْتني مع الله عِدلًا ـ وفي لفظ: ندَّاً ـ، لا، بل ما شاءَ اللهُ وحده) رواه أحمد وحسنه الألباني.

    وفي رواية: (ما شاءَ اللَّهُ ثمَّ شئتَ). (عدلا ـ وفي لفظ: ندا) يعني: أجعلتني شبيهاً لله، ومثيلاً لله، وشريكاً له في المشيئة، ثم أمره أن يستبدل هذه اللفظة بلفظة التّوحيد فيقول: ما شاء الله وحده،
    وهذا إرشاد إلى الأكمل بأن يقول: ما شاء الله وحده، وإذا قال: ما شاء الله، ثُمَّ شئت، فهذا بيانٌ للجائز،
    قال الهروي: "لِمَا فيه من التسوية بين الله وبين عباده، لأن الواو للجمع والاشتراك (ولكن قولوا: ما شاء الله) أي: كان، (ثم شاء فلان) أي: ثم بعد مشيئة الله شاء فلان، لأن ثم للتراخي".
    وقال ابن عثيمين: "قال المؤلف (النووي) رحمه الله في كتابه رياض الصالحين: باب كراهة قول الإنسان ما شاء الله وشاء فلان، والكراهة هنا يراد بها التحريم، يعني أنك إذا تقول: ما شاء الله وشاء فلان، أو: ما شاء الله وشئت، أو ما أشبه ذلك.. وذلك أن الواو تقتضي التسوية، إذا قلتَ ما شاء الله وشاء فلان كأنك جعلت فلاناً مساوياً لله عز وجل في المشيئة، والله تعالى وحده له المشيئة التامة، يفعل ما يشاء .. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا نهى عن ذلك أرشد إلى قول مباح فقال: ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان، لأن ثم تقتضي الترتيب بمهلة، يعني أن مشيئة الله فوق مشيئة فلان".

    وفي غزوة حنين خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم بعض حديثي العهد بالجاهلية الذين أسلموا متأخرين بعد فتح مكة، وكانت لبعض القبائل ـ قبل الإسلام ـ شجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط يأتونها كل سنة، فيعلقون أسلحتهم عليها للتبرك بها، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها.
    يقول أبو واقد الليثي رضي الله عنه: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى حنين مَرَّ بشجرة للمشركين يقال لها: ذات أنواط، يعلقون عليها أسلحتهم
    فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط،
    فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، والذي نفسي بيده لتركبن سنة (طريقة) من كان قبلكم) رواه الترمذي وصححه الألباني.
    على الرغم أن من قال هذا ممن أسلم حديثا، ولم يمض على إسلامهم وقت كاف لتعلم تعاليم الإسلام، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك موقفهم وكلامهم دون تصحيح وتحذير، فوضح لهم ما في طلبهم من معاني الشرك، وحذرهم من ذلك، ولم يعاقبهم أو يعنفهم، لعلمه بحداثة عهدهم بالإسلام، وجهلهم بما يقولون.

    آداب المسجد :

    عن أنس رضي الله عنه قال: (بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَهْ مَهْ (ما هذا)،
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُزْرِموه (تقطعوا بوله) دعوه، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن، فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه (فصبه) عليه) رواه البخاري. قال النووي: "وفيه الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف ولا إيذاء إذا لم يأت بالمخالفة استخفافاً أو عناداً". ومع رفق النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأعرابي، فقد استغل هذا الموقف في بيان بعض آداب المساجد والحكمة من بنائها، حيث ذكر أولا وجوب تنزيه المساجد عن النجاسات والقاذورات،
    ثم ذكر الحكمة من بنائها قائلا له وللصحابة ولنا كذلك من بعدهم: (إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن).

    لله أرحم بعباده من هذه بولدها :

    فتح النبي صلى الله عليه وسلم نوافذ مضيئة، وبث نسمات أمل في النفوس، مُبَيِّناً لأصحابه ـ ولنا من بعدهم ـ، مدى سعة رحمة الله تعالى بعباده، حتى لا يتسرب إليهم اليأس أو القنوط مهما بلغت ذنوبهم،
    وقد استغل النبي صلى الله عليه وسلم بعض المواقف ـ التي وقعت أمامه هو وأصحابه ـ في إظهار وإبراز هذا المعنى.
    فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (قدِمَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم سَبيٌ، فإذا امرأةٌ من السبيِ (ما يؤخذ من الكفار من ذراريهم ونسائهم في الحرب) قد تحلُبُ ثَديَها تَسقي، إذا وجدَتْ صبيًّا في السبيِ أخذَتْه، فألصقَتْه ببَطنِها وأرضعَتْه، فقال لنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أترَون هذه طارحَةً ولدها في النار؟ قُلنا: لا، وهي تقدِرُ على أن لا تطرَحه، فقال صلى الله عليه وسلم: لَلّهُ أرحَمُ بعباده من هذه بولدها) رواه البخاري.

    وعن أنس رضي الله عنه قال: (مرَّ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم في نَفرٍ مِن أصحابه وصَبيٌّ في الطَّريق، فلمَّا رأت أُمُّهُ القوم خَشيَتْ على ولدها أن يُوطَأَ (خشيت أن يدوسه الناس بأقدامهم لصغره) فأقبلَت تسعَى وتقول: ابني ابني، وسَعَت فأخذَتْه، فقال القوم: يا رسول الله ما كانت هذه لتُلْقِي ابنها في النَّار،
    قال: فخَفَّضَهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (تلطف بهم) وقال: لا، واللهُ لا يُلْقِي حَبيبَه في النَّارِ) رواه أحمد.
    وعن عبد الرحمن بن جبير رضي الله عنه قال: (أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم شيخ كبير هرم، سقط حاجباه على عينيه، وهو مدعم على عصا - أي: متكئًا على عصا -
    حتى قام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها، لم يترك داجة ولا حاجة إلا أتاها، لو قُسِّمَت خطيئته على أهل الأرض لأوبقَتْهم - لأهلكَتْهم - أَلَهُ من توبة؟
    فقال صلى الله عليه وسلم: هل أسلمت؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، قال: تفعل الخيرات، وتترك السيئات، فيجعلهن الله لك كلهن خيرات، قال: وغدراتي وفجراتي يا رسول الله؟ قال: نعم، وغدراتك وفجراتك، فقال: الله أكبر، الله أكبر، ثم ادعم على عصاه، فلم يزل يردِّد: الله أكبر، حتى توارى عن الأنظار) رواه الطبراني وصحَّحه الألباني.

    قال ابن قتيبة: "أراد أنه لم يدع شيئًا دعته نفسه إليه من المعاصي إلا ركبه، وذلك مصداقاً لقوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}(الفرقان:70)".

    استغلال بعض المواقف والأحداث في التوجيه والإصلاح من الوسائل التربوية النبوية، فقد كان صلى الله عليه وسلم يستغل الحدث والموقف فيحوله إلى درس تربوي بسيط الأسلوب، قليل الكلام، عظيم الأثر،
    ومن ثم فالمعلم والمربي والداعية الحكيم يستثمر بعض المواقف في التربية والتعليم، والتوجيه والإصلاح، كحال وهدي نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، والله تعالى يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}(الأحزاب:21).
    ========================================
    التالي : -
    موقفه صل الله عليه وسلم من سؤال الناس وفي  في ذم المسألة ..

    ربَّى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على العِفَّة عما بأيدي الناس، والحرص على أن لا يسألوا أحداً شيئا،
    فعن سمُرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسائلَ كُدُوح (جروح وخدوش)، يَكْدحُ بِها الرَّجلُ وجهَه، فمن شاءَ كدحَ وجهَه، ومَن شاءَ ترَك) رواه أبو داود.
    قال الطيبي: "أي يهريق بالسؤال ماء وجهه، فكأنه جرحه".
    وعن عائذ بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو تعلمون ما في السؤال ما مَشَى أحدٌ إلى أحدٍ يسأله شيئا) رواه النسائي.
    وقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأِن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره، خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه).

    والسيرة النبوية فيها الكثير من المواقف والأحاديث في ذم المسألة، وبيان الأجر العظيم ـ وهو الجنة ـ لمن ترك سؤال الناس شيئا، ومن ذلك:

    ـ عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال صلى الله عليه وسلم: ألا تبايعون رسولَ الله؟ وكُنَّا حديث عهد ببيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وسلم: ألا تبايعون رسول الله؟ قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله! فعلام نبايعك؟ قال صلى الله عليه وسلم: على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، والصلوات الخمس، وتطيعوا، وأسر كلمة خفية، ولا تسألوا الناس شيئا.
    قال عوف: فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحداً يناوله إياه) رواه مسلم.
    قال النووي: "فيه التمسك بالعموم، لأنهم نُهوا عن السؤال فحملوه على عمومه، وفيه الحث على التنزيه عن جميع ما يُسَمَّى سؤالاً وإنْ كان حقيراً، والله أعلم".

    ـ عن ثَوْبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسم قال: (مَن يَكْفُلُ لي أن لا يسأل النَّاسَ شيئاً، وأتَكَفَّلُ لَه بالجنَّة؟ فقال ثوبان: أنا، فكان لا يسألُ أحداً شيئًا) رواه أبو داود وصححه الألباني،
    وفي رواية: (فكان ثوْبان يقع سَوْطُه وهو راكب، فلا يقول لأحدٍ نَاوِلْنِيهِ حتى ينزل فَيَتناوَله).
    قال الآبادي في "عون المعبود": "(وأتكفل له بالجنة): (أتكفل) أتضمن.. وفيه إشارة إلى بشارة حسن الخاتمة. (فكان) ثوبان بعد ذلك (لا يسأل أحدا شيئا) أي ولو كان به خصاصة، واستُثْنِيَ منه إذا خاف على نفسه الموت، فإن الضرورات تبيح المحظورات، بل قيل إنه لو لم يسأل حتى يموت، يموت عاصياً".

    ـ عن أبي ذَرّ رضي الله عنه قال: (أَمَرَنِي خَلِيلي صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ: أَمَرَنِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ، وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ، وَأَمَرَنِي أَنْ أنظر إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي، وَلَا أَنْظُر إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي، وَأَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَسْأَلَ أَحَدًا شَيْئًا..) رواه أحمد وصححه الألباني.
    وفي رواية أخرى قَال أبو ذرّ: (فدعَاني رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلْ لك إِلَى بَيْعَةٍ، وَلَكَ الْجَنَّة؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَبَسَطْتُ يَدِي، فقال رسول الله وهو يَشْتَرِط عَلَيَّ: أَنْ لا تَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئاً، قُلْتُ: نَعَمْ، قال: ولا سَوْطَك إِنْ يَسْقُطْ مِنْك، حَتَّى تَنْزِل إِلَيْهِ فَتَأْخُذه).
    وفي مجموع الفتاوى لابن تيمية: "وفي المسند: أن أبا بكر كان يسقط السوط من يده فلا يقول لأحد ناولني إياه، ويقول: إن خليلي أمرني أن لا أسأل الناس شيئا".

    ـ عن حكيم بن حِزام رضي الله عنه قال: (سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألتُه فأعطاني، ثم قال لي: يا حكيم، إنَّ هذا المال خَضِرٌ حُلْو، فمن أخذه بسخاوةِ نفسٍ بُورِك له فيه، ومن أخذه بإشرافِ نفسٍ لم يُبَارَكْ له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليدُ العليا خيرٌ من اليد السفلى. قال حكيم: فقلتُ: يا رسول الله، والذي بعثك بالحقِّ لا أرزأُ (لا أسأل) أحداً بعدك شيئاً حتى أُفَارِقَ الدنيا.

    فكان أبو بكرٍ رضي الله عنه يدعو حكيماً لِيُعطِيَه العطاءَ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَل منه شيْئا،
    ثُمَّ إِنَّ عُمر رضي الله عنه دعاه لِيُعْطِيَه فَأَبَى أَنْ يَقْبَل مِنه،
    فقال عُمر رضي الله عنه: إِنِّي أُشْهِدُكم يا معْشَرَ المسلمين، أَنِّي أَعْرِض عليه حقَّه مِنْ هذا الْفَيْءِ (ما حصل المسلمون عليه من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد)، فَيَأْبَى أَنْ يأخُذه، فلم يَرْزَأْ (يسأل) حَكِيمٌ أَحَداً منَ الناس شيئاً بَعْد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تُوُفِّي) رواه البخاري.
    لقد تأثر حكيم بن حزام رضي الله عنه بقول النبي صلى الله عليه وسلم تأثرا كبيرا، فلم يَرْزَأْ (يسأل) أَحَداً منَ الناس شيئاً بَعْد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أنه كان لا يسأل خادمه أن يسقيه ماء، ولا يناوله ما يتوضأ به ـ كما ذكر ذلك ابن أبي الدنيا ـ، وظل على ذلك حتى توفاه الله عز وجل.

    هذه بعض المواقف والأحاديث النبوية في النهي عن سؤال الناس، وبيان الأجر الكبير في ذلك، فمن أراد تحصيل ما فيها من الأجر العظيم ـ وهو تكفل النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ـ، فليترك سؤال الناس في القليل والكثير، والجليل والحقير، وليس كل الناس يستطيع فعل ذلك، فما لم يضطر الإنسان إلى سؤاله: لم يسأله، وما دفعته الضرورة إليه، فلا حرج عليه في سؤاله. ولذلك لم يبايع النبي صلى الله عليه وسلم جميع الصحابة عليه، ولم يأمرهم به، وقد استنبط بعض العلماء ذلك من إسراره صلى الله عليه وسلم بعدم سؤال الناس في
    حديث عوف بن مالك رضي الله عنه الكلمة: (وأسر كلمة خفية، ولا تسألوا الناس شيئا
    قال العيني: "قوله: (وأسر كلمة خفية) يشبه أن يكون صلى الله عليه وسلم أسرَّ النهي عن السؤال، ليخص به بعضهم دون بعضهم ولا يعمهم بذلك، لأنه لا يمكن العموم، إذ لا بد من السؤال، ولا بد من التعفف، ولا بد من الغنى، ولا بد من الفقر،
    وقد قضى الله تبارك وتعالى بذلك كله، فلا بد أن ينقسم الخلق إلى الوجهين".
    وقال ابن تيمية: "مَسْأَلَةُ الْمَخْلُوق مُحَرَّمَة في الأَصْل، وإِنَّما أُبِيحَتْ لِلضَّرُورة، وفي النَّهْي عنْها أحادِيثُ كثيرة".

    لقد ربَّى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على القناعة والعِفَّة، وعدم سؤال الناس شيئ
    قال القرطبي: "وأخْذه صلى الله عليه وسلم على أصحابه في البيعة أن لا يسألوا أحداً شيئاً، حمْلٌ لهم على مكارم الأخلاق، والترفع عن تحمل مِنَن الخَلْق، وتعليم الصبر على مضض الحاجات، والاستغناء عن الناس، وعِزة النفوس، ولمَّا أخذهم بذلك التزموه في جميع الأشياء، وفي كل الأحوال حتى فيما لا تلحق فيه مِنَّة، طرداً للباب، وحسْماً للذرائع".
    ولما تربَّى الصحابة على ذلك، قطع بعضهم عهداً على أنفسهم ألا يسألوا الناس شيئاً، وظلوا على ذلك حتى توفاهم الله عز وجل، كأبي بكر الصديق، وأبي ذر، وعوف بن مالك الأشجعي، وثَوْبان، وحكيم بن حزام وغيرهم، رضي الله عنهم أجمعين.
    =======================================
    التالي ك -
    مَوْقِفُ الرَّسُول صَلّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَصِيَّةِ الْمُوَرِّثِ لِلْوَارِثِ ..
    ------------------------------------------
    لا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: (( 1 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

    مُساهمة من طرف صادق النور السبت أكتوبر 26, 2024 12:44 pm


    نيذه من سيرة بعض الصحابه الذين وردت أسمائهم في المواقف التربويه لرسول الله صل الله عليه وسلم ..


    (( - أبو ذر الغفاري رضي الله عنه - ))


    أبو ذر جُنْدَب بن جنادة الغفاري
    وقيل : جندب بن سكن . وقيل : برير بن جنادة . وقيل : برير بن عبد الله . أنه جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار - أخي ثعلبة - ابني مليل بن ضمرة ، أخي ليث والديل ، أولاد بكر ، أخي مرة ، والد مدلج بن مرة ، ابني عبد مناة بن كنانة
    صحابي من السابقين إلى الإسلام. قيل إنَّه رابع أو خامس من دخل في الإسلام، وأحد الذين جهروا بالإسلام في مكة قبل الهجرة النبوية.
    كان أبو ذر الغفاري في الجاهلية يتكسَّب من قطع الطريق، كما كان موحدًا، ولا يعبد الأصنام. وحين بلغته الأخبار بأن هناك من يدعو للتوحيد في مكة، سارع إلى الإسلام، فكان من السابقين إلى الإسلام.
    هاجر إلى المدينة المنورة بعد غزوتي بدر وأحد، ولزم النبي، وشارك في غزواته.

    شهد أبو ذر فتح بيت المقدس مع عمر بن الخطاب، وأقام في الشام. تسببت حدَّته في فساد العلاقة مع والي الشامِ معاوية بن أبي سفيان، فكتب معاوية يشكوه إلى عثمان بن عفان بأنه أفسد عليه الشام، فطلبه عثمان؛ فخرج أبو ذر إلى المدينة. وفي المدينة حدثت خلافات، فخرج إلى الرَّبْذَة، وتوفي فيها سنة 31 هـ أو 32 هـ، وصلى عليه عبد الله بن مسعود، وألحده بنفسه.

    كان أبو ذر زاهدًا عالمًا، قال عنه الذهبي في ترجمته في كتابه «سير أعلام النبلاء»: «وَكَانَ رَأْسًا فِي الزُّهْدِ، وَالصِّدْقِ، وَالعِلْمِ، وَالعَمَلِ، قَوَّالًا بِالحَقِّ، لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، عَلَى حِدَّةٍ فِيْهِ».

    نشأ أبو ذر الغفاري في مضارب قبيلته غِفار أحد بطون بني بكر بن عبد مناة بن كنانة، وكانت مضاربها على طريق القوافل بين مكة والشام، واشتهرت بالسطو على القوافل.

    كان أبو ذر الغفاري رجلًا آدمًا ضخمًا جسيمًا، كث اللحية، طويلًا، أبيض الشعر واللحية،
    لكن صاحب الإصابة يذكر أنه كان نحيفًا (لا جسيمًا). وكان أبو ذر آية في الزهد وحب الفقراء، عطاؤه من بيت المال أربعة آلاف، فكان إذا أخذ عطاءه، يدعو خادمه، فيسأله شراء ما يكفيهم للسنة، ثم يستبدل بباقي المال نقودًا يفرقها على الفقراء، ويقول: «إنه ليس من وعاء ذهب ولا فضة يوكى عليه إلا وهو يتلظى على صاحبه».

    كان أبو ذر الغفاري في الجاهلية يتكسب من قطع الطريق، وعُرف عنه شجاعته في ذلك، فكان يُغير بمفرده في وضح النهار على ظهر فرسه، فيجتاز الحي، ويأخذ ما يأخذ. ورغم مهنته تلك، كان موحّدًا، ولا يعبد الأصنام، وذكره محمد بن حبيب البغدادي فيمن «حرم في الجاهلية الخمر والسكر والازلام».

    إسلامه وصحبته للنبي : -

    حين بلغته الأخبار بأن هناك من يدعو للتوحيد في مكة، سارع إلى الإسلام، فكان من السابقين إلى الإسلام على خلاف أكان رابع أربعة أم خامس خمسة انضمامًا إلى الإسلام.

    ووردت روايتان حول قصة إسلامه، الأولى
    أنه بلغه مبعثُ النبيّ صل الله عليه وسلم ، فقال لأخيه أُنَيْس: «اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله ثم ائتني»،
    فانطلق أنيس وسمع قوله، ثم رجع إلى أبي ذر، فقال له: «رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، ويقول كلامًا ما هو بالشعر»،
    فقال أبو ذر: «ما شفيتني مما أردت»، فتزوّد أبو ذر، وقدم مكة، والتمس النبي وهو لا يعرفه، وكره أن يسأل عنه حتى أدركه بعض الليل،
    فاضطجع فرآه علي بن أبي طالب فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه، واستضافه ثلاثة أيام،
    ثم سأله عن سبب قدومه، قال أبو ذر: «إن أعطيتني عهدًا وميثاقًا أن ترشدني فعلت»، ففعل علي فأخبره، فقال: «إنه حقّ، وإنه رسول الله صل الله عليه وسلم ، فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئًا أخافه عليك قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي»، ففعل، وانطلق يلحق به حتى دخل على النبي صل الله عليه وسلم وسمع من قوله، فأسلم لوقته، ثم أمره النبي صل الله عليه وسلم
    قائلاً: «ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري»، فقال أبو ذر: «والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم»، فخرج حتى أتى المسجدَ فنادى بأعلى صوته: «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله»، فقام القوم إليه فأوسعوه ضربًا حتى أضجعوه، وأتى العباس بن عبد المطلب، فأكبَّ عليه ليمنع عنه،
    وقال: «ويلكم، ألستم تعلمون أنه من غِفار! وأنه من طريق تجارتكم إلى الشام؟»، فأنقذه منهم.
    أمّا الرواية الثانية فقد رواها مسلم في «صحيحه» عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر.

    انطلق أبو ذر بعدها إلى قومه امتثالًا لأمر النبي لدعوتهم إلى الإسلام، فلبّى نصف قومه دعوته، وأقام فيهم يقيم معهم شعائر الإسلام، يؤمهم كبيرهم إيماء بن رحضة الغفاري، وبقي نصفهم الآخر على شرْكه حتى هاجر النبي صل الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، فأسلم بقية قومه، وتبعتهم قبيلة أسلم، ثم وفدوا على النبي صل الله عليه وسلم ، وفيهم أبو ذر، فدعا لهم النبي صل الله عليه وسلم
    فقال: «غِفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله». وكان مَقدم أبي ذر على النبي صل الله عليه وسلم في المدينة المنورة بعد غزوة أحد،
    وقال ابن قتيبة الدَّيْنَوَري: «لم يشهد «بدرًا» ولا «أحدًا» ولا «الخندق»، لأنه حين أسلم رجع إلى بلاد قومه، فأقام فيها، حتى مضت هذه المشاهد، ثم قدم «المدينة» على رسول الله صل الله عليه وسلم-».

    ما إن هاجر أبو ذر حتى لازم النبي صل الله عليه وسلم وشاركه في غزواته. قيل إن النبي صل الله عليه وسلم آخى بينه وبين المنذر بن عمرو،
    قال ابن إسحاق: «آخَى رَسُولُ اللَّهِ صل الله عليه وسلم - بَيْنَ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ وَالْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو أَحَدِ بَنِي سَاعِدَةَ وَهُوَ الْمُعْنِقُ لِيَمُوتَ»، وأنكر محمد بن عمر هذه المؤاخاة، وقال: «لَمْ تَكُنِ الْمُؤَاخَاةُ إِلا قَبْلَ بَدْرٍ فَلَمَّا نَزَلَتْ أَيَّةُ الْمَوَارِيثِ انْقَطَعَتِ الْمُؤَاخَاةُ».

    يُذكر أن النبيّ صل الله عليه وسلم استعمل على المدينة أبا ذر لما خرج إلى غزوة ذات الرقاع، ويقال إنه استعمل عليها عثمان بن عفان، ولما خرج النبي صل الله عليه وسلم إلى غزوة بني المصطلق استعمله على المدينة؛
    وقيل إنه استعمل نميلة بن عبد الله الليثي، كما حمل أبو ذر راية قبيلته غفار يوم حنين، ولما انطلق النفير ليجمع الرجال للمسير إلى قتال الروم في غزوة تبوك، تحسس المسلمون المتخلفين عن الغزوة، وأعلموا النبي صل الله عليه وسلم فقالوا: «يا رسول الله، تخلّف فلان»، فقال النبي صل الله عليه وسلم : «دعوه، إن يكن فيه خير فسيلحقكم، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه»،
    حتى قيل: «يا رسول الله، تخلف أبو ذر»، وكان بعير أبي ذر قد أبطأ به، فأخذ متاعه، فجعله على ظهره، وخرج يغذُّ السير يتبع الجيش ماشيًا، ونظر ناظر،
    فقال: «إن هذا لرجل يمشي على الطريق»، فقال النبي صل الله عليه وسلم : «كن أبا ذر»، فلما تأمله القوم، قالوا: «هو والله أبو ذر»، فقال النبي صل الله عليه وسلم : «رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويُبعث وحده».

    كان أبو ذر أثناء إقامته بالمدينة يقوم على خدمة النبي صل الله عليه وسلم ، حتى إذا فرغ من خدمته، أوى إلى المسجد لينام. وجده النبي صل الله عليه وسلم يومًا نائمًا في المسجد، فنكته برجله، فاستوى أبو ذر جالسًا،
    فقال النبي صل الله عليه وسلم : «ألا أراك نائمًا؟»، قال أبو ذر: «فأين أنام، هل لي من بيت غيره؟»، فجلس النبي صل الله عليه وسلم إليه، ثم قال: «كيف أنت إذا أخرجوك منه؟»،
    قال أبو ذر: «ألحق بالشام؛ فإن الشام أرض الهجرة، وأرض المحشر، وأرض الأنبياء، فأكون رجلاً من أهلها»،
    فقال النبي صل الله عليه وسلم : «كيف أنت إذا أخرجوك من الشام؟»،
    قال: «أرجع إليه؛ فيكون بيتي ومنزلي»، قال النبي صل الله عليه وسلم : «فكيف أنت إذا أخرجوك منه الثانية؟»،
    قال أبو ذر: «آخذ إذًا سيفي فأقاتل حتى أموت»، فكشّر النبي صل الله عليه وسلم ، وقال: «أدلك على خير من ذلك؟»، قال: «بلى، بأبي وأمي يا رسول الله»،
    فقال النبي صل الله عليه وسلم : «تنقاد لهم حيث قادوك، حتى تلقاني وأنت على ذلك».
    ولما اتسعت رقعة دولة الإسلام في آخر حياة النبي صل الله عليه وسلم سأل أبو ذر النبيَّ صل الله عليه وسلم الإمارةَ، فأبى النبيُّ صل الله عليه وسلم وقال: «إنك ضعيف، وإنها خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها».

    كان أبو ذر حريصًا على التعلم من النبي صل الله عليه وسلم ، فكان يُكثر سؤاله، حتى أصبح أبو ذر علمًا مُقدّمًا للفتوى على عهد أبي بكر وعمر وعثمان، بل كان يُعد موازيًا لابن مسعود في علمه، مما دعا الخليفة عُمر لأن يفرض له فرضه كأهل بدر رغم أنه لم يشهدها.
    وكان علي بن أبي طالب يرى أن أبا ذر كان على قدر كبير من العلم، إلا أنه لم يُخرجه إلى طُلابه، فقال: «أبو ذر وعاء مُلئ علمًا، أوْكى عليه، فلم يَخرج منه شيء حتى قُبض».

    وقد حظي أبو ذر بمكانة خاصة عند النبي صل الله عليه وسلم ،
    عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قال رسول الله صل الله عليه وسلم : «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِحُبِّ أَرْبَعَةٍ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ سَمِّهِمْ لَنَا، قَالَ: عَلِيٌّ مِنْهُمْ، يَقُولُ ذَلِكَ ثَلاَثًا وَأَبُو ذَرٍّ، وَالمِقْدَادُ، وَسَلْمَانُ أَمَرَنِي بِحُبِّهِمْ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ».
    ويروي أبو الدرداء أن النبي كان يبتدئ أبا ذر إذا حضر، ويتفقده إذا غاب، كما أردفه النبي خلفه يومًا على حماره،
    وقد سمع عبدُ اللهِ بنُ عمرو بن العاص النبيَّ صل الله عليه وسلم يقول: «ما أقلت الغبراء، ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر»،
    ويروي أبو هريرة عن النبي صل الله عليه وسلم قوله: «من سرّهُ أن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم، فلينظر إلى أبي ذر».
    وقال عنه علي بن أبي طالب: «لم يبق أحد لا يبالي في الله لومة لائم، غير أبي ذر»، ثم ضرب بيده على صدره وقال: ولا نفسي.


    وكان رأسا في الزهد ، والصدق ، والعلم والعمل ، قوالا بالحق ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، على حدة فيه .
    عن أبي ذر الغفاري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن جبريل ، عن الله - تبارك وتعالى - أنه قال : يا عبادي ، إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما ، فلا تظالموا . يا عبادي ، إنكم الذين تخطئون بالليل والنهار ، وأنا الذي أغفر الذنوب ولا أبالي ، فاستغفروني أغفر لكم . يا عبادي ، كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أطعمكم . يا عبادي ، كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم . يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم ، وجنكم ، كانوا على أفجر قلب رجل منكم ، لم ينقص ذلك من ملكي شيئا . يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم ، وجنكم ، كانوا على أتقى قلب رجل منكم ، لم يزد ذلك في ملكي شيئا . يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم ، وجنكم ، كانوا في صعيد واحد ، فسألوني ، فأعطيت كل واحد منهم ما سأل ، لم ينقص ذلك من ملكي شيئا ، إلا كما ينقص البحر أن يغمس المخيط غمسة واحدة . يا عبادي ، إنما هي أعمالكم أحفظها عليكم ، فمن وجد خيرا ، فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك ، فلا يلومن إلا نفسه .

    شارك أبو ذر في الفتح الإسلامي للشام بعد وفاة النبي صل الله عليه وسلم
    ،
    وشهد فتح بيت المقدس مع عمر بن الخطاب، وبعد الفتح أقام في الشام،، وكان يُفتي الناس ويُعلّمهم أمور دينهم، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ولكن في حِدّة.
    تسببت حدته تلك في فساد العلاقة مع معاوية بن أبي سفيان والي الشام حين اختلفوا في آية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [التوبة:34]
    فيمن نزلت، إذ قال معاوية: «نزلت في أهل الكتاب»، بينما قال أبو ذر: «نزلت فينا وفيهم»، فكتب معاوية يشكوه إلى الخليفة عثمان بن عفان بأنه أفسد عليه الشام، فطلبه عثمان؛ فخرج أبو ذر إلى المدينة.

    أقام أبو ذر في المدينة يدعو الناس بنفس المنهج الحاد، مما دعا الخليفة عثمان لمعاملته معاملة خاصة يغالبها الحذر. حتى إذا كان يوم كان فيه أبو ذر عند باب عثمان ليؤذن له، إذ مر به رجل من قريش، فقال: «يا أبا ذر، ما يجلسك هاهنا؟»، قال أبو ذر: «يأبى هؤلاء أن يأذنوا لنا»، فدخل الرجل فقال: «يا أمير المؤمنين، ما بال أبي ذر على الباب؟». فأذن له، فجاء حتى جلس، فإذا عثمان يسأل كعب الأحبار في ميراث يُقسّم: «أرأيت المال إذا أدي زكاته، هل يخشى على صاحبه فيه تبعة؟»، فقال كعب: «لا»، فقام أبو ذر فضربه بعصا، ثم قال: «يا ابن اليهودية، تزعم أن ليس عليه حق في ماله، إذا آتى زكاته، والله يقول - ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر:9].
    ويقول - ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ [الإنسان:8]»،
    وجعل يذكر نحو ذلك من القرآن، فقال عثمان للقرشي: «إنما نكره أن نأذن لأبي ذر من أجل ما ترى».
    لم يستطع أبو ذر أن يتأقلم مع ذلك، وروى البخاري في صحيحه أنه ذكر ذلك لعثمان فقال عثمان: «إن شئت تنحَّيتَ، فكنتَ قريبًا»، فخرج أبو ذر للإقامة في الربذة. بينما ذكر ابن هشام أن عثمان نفاه إلى الربذة.

    وفاته : -
    توفي أبو ذر الغفاري في ذي الحجة سنة 31 هـ أو 32 هـ في الربذة، قال ابن الأثير: «وتوفي أَبُو ذر بالربذة سنة إحدى وثلاثين، أو اثنتين وثلاثين، وصلى عَلَيْهِ عبد الله بن مسعود، ثُمَّ مات بعده فِي ذَلِكَ العام».

    وكان أبو ذر لما حضرته الوفاة، قد أوصى امرأته وغلامه، فقال: «إذا مت فاغسلاني وكفناني، وضعاني على الطريق، فأول ركب يمرون بكم فقولا: هذا أبو ذر».
    فلما مات فعلا به ذلك، فإذا بركب من أهل الكوفة فيهم عبد الله بن مسعود، فسأل: «ما هذا؟»، قيل جنازة أبي ذر، فبكى ابن مسعود، وتذكر قول النبي صل الله عليه وسلم : «يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده». فصلى عليه، وألحده بنفسه.

    وجاء في إحدى الروايات أن أبا ذر لما حضرته الوفاة قال لابنته: «يَا بُنَيَّةُ فَانْظُرِي هَلْ تَرِينَ أَحَدًا!»، قالت: «لا»، وأمرها بذبح شاة، وطبخها، ففعلت،
    وقال لها: «إذا جاءك الذين يدفنون فَقُولِي لَهُمْ: إِنَّ أَبَا ذَرٍّ يُقْسِمُ عَلَيْكُمْ أَلا تَرْكَبُوا حَتَّى تَأْكُلُوا»، ولما نضجتْ قدرها قال لها: «انْظُرِي هَلْ تَرَيْنَ أَحَدًا؟»، فقالت له: «نَعَمْ، هَؤُلاءِ رَكْبٌ مُقْبِلُونَ». فقال لها أن تستقبل به الكعبة، ففعلت، وقال: «بِسْمِ اللَّهِ، وَبِاللَّهِ، وَعَلَى ملة رسول الله»، ثم خرجت ابنته فتلقتهم، وقالت: «رَحِمَكُمُ اللَّهُ! اشْهَدُوا أَبَا ذَرٍّ»، فسألوها عن مكانه، فأشارت لهم إليه وقد مات، فقالوا: «نَعَمْ وَنِعْمَةُ عَيْنٍ! لَقَدْ أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِذَلِكَ»،
    وإذا بركب جاء من الكوفة، وفيه عبد الله بن مسعود، فجعل يبكي، ويقول: «صَدَقَ رسول الله صل الله عليه وسلم: يَمُوتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ
    »، فغسلوه وكفنوه ودفنوه، فلما أرادوا الرحيل، قالت لهم ابنة أبي ذر: «إِنَّ أَبَا ذَرٍّ يَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلامَ، وَأَقْسَمَ عَلَيْكُمْ أَلا تَرْكَبُوا حَتَّى تَأْكُلُوا»، فَفَعَلُوا.

    وقد ترك من الذرية بنتًا واحدة ضمها عثمان بن عفان إلى عياله بعد وفاة أبي ذر، وكان لأبي ذر
    ابنٌ اسمه «ذر».

    رضي الله عن سيدنا أيو ذر وصحلبه الحبيب المصطفي صل الله عليه وسلم


    ====================================
    ====================================

    (( - خُزَيْمة بن ثابت الأنصاري الأوسي - ))


    خُزَيمة بِنُ ثابِت الأَنصارِي الأَوسِي، الملقَّب بـ«ذي الشهادتين»،

    وهو من صحابة رسول الإسلام محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء صل الله عليه وسلم . يُكنَّى بأبي عمارة. جعل رسول الله شهادته بشهادة رجلين، وكان هو وعمير بن عدي بن خرشة يكسران أصنام بني خطمة.

    هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة بن عامر بن غيان بن عامر بن خطمة بن جشم بن مالك بن الأوس (غيان) قيل بفتح الغين المعجمة وتشديد المثناة التحتية وآخره نون وقيل بفتح العين المهملة وبالنونين وقيل بكسر العين المهملة وبالنونين والله اعلم وفي الإصابة (الفاكه) بالفاء وكسر الكاف (وغياث) بالمعجمة والتحتانية وقيل بالمهملة والنون (وخطمة) بفتح المعجمة وسكون المهملة واسمه عبد الله (وجشم) بضم الجيم وفتح المعجمة. أمه كبشة بنت أوس من بني ساعدة.
    السبب في تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم خزيمة بن ثابت رضي الله عنه بقبول شهادته وحده، وجعلها كشهادة رجلين،
    فيقول ابن القيم: "وهذا التخصيص إنما كان لِمُخَصَص اقتضاه، وهو مبادرته دون مَنْ حضر مِنَ الصحابة إلى الشهادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بايع الأعرابي،
    وكان فرْض على كل مَنْ سمع هذه القصة أن يشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بايع الأعرابي، وذلك من لوازم الإيمان والشهادة بتصديقه صلى الله عليه وسلم، وهذا مستقر عند كل مسلم، ولكن خزيمة تفطَّن لدخول هذه القضية المعينة تحت عموم الشهادة لصدقه في كل ما يخبر به، فلا فرق بين ما يخبر به عن الله وبين ما يخبر به عن غيره في صدقه في هذا وهذا، ولا يتم الإيمان إلا بتصديقه في هذا وهذا، فلما تَفَطَّن خزيمة دون مَن حضر لذلك استحق أن تجعل شهادته بشهادتين".

    وقال ابن حجر:" وَفِيهِ فَضِيلَةُ الْفِطْنَة في الأمور وأَنَّهَا تَرْفع مَنْزِلة صاحبِها، لِأَنَّ السَّبَب الذي أَبْدَاه خُزَيْمة حَاصِلٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، يَعْرِفُه غَيْرُه مِنَ الصَّحابة، وَإِنَّمَا هو لَمَّا اخْتَصَّ بِتَفَطُّنِه لِمَا غَفَلَ عَنْه غَيْرُه مَع وُضُوحِه، جُوزِيَ على ذلك بِأَنْ خُصَّ بِفَضِيلة: (مَنْ شَهِدَ لَهُ خُزَيْمَةُ أَوْ عَلَيْهِ فحسبه)"
    وقال ابن القيم: "وأجاز النبي صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بن ثابت وحده بمبايعته للأعرابي، وجعل شهادته بشهادتين لما استندت إلى تصديقه صلى الله عليه وسلم بالرسالة المتضمنة تصديقه في كل ما يخبر به، فإذا شهد المسلمون بأنه صادق في خبره عن الله، فبطريق الأَوْلَى يشهدون أنه صادق عن رجل من أمته"

    شهد غزوة بدر وما بعدهما من المشاهد كلها، وكانت راية بني خطمة بيده يوم الفتح، وشهد مع علي الجمل وصفين ولم يقتل فيهما، فلما قتل عمار بن ياسر بصفين قال خزيمة: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: «تقتل عماراً الفئة الباغية». ثم سل سيفه وقاتل حتى قتل، .

    روى عنه ابنه عمارة أن النبي صل الله عليه وسلم اشترى فرساً من سواء بن قيس المحاربي فجحده سواء، فشهد خزيمة بن ثابت للنبي صل الله عليه وسلم فقال له رسول الله صل الله عليه وسلم : «ما حملك على الشهادة ولم تكن معنا حاضراً»? قال: صدقتك بما جئت به، وعلمت أنك لا تقول إلا حقاً، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : «من شهد له خزيمة أو عليه فحسبه».

    وكان زيد بن ثابت رضي الله عنه يقول: "وكان خزيمة يُدْعَى ذا الشهادتين". ولأبي يعلى عن أنس رضي الله عنه: "أنه افتخر الأوس والخزرج، فقالت الأوس مِنَّا منْ جعل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين، وهو خُزَيْمة بن ثابت الأنصاري"..

    حدثتني عمرة بنت خزيمة، عن عمارة بن خزيمة، عن أبيه خزيمة بن ثابت: أن رسول الله سئل عن الاستطابة، فقال: «ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع».

    وروى الزهري، عن ابن خزيمة، عن أبيه: أنه رأى فيما يرى النائم أنه سجد على جبهة النبي، فاضطجع له النبي وقال: «صدق رؤياك»، فسجد على جبهة النبي. أخرجه الثلاثة.

    يُخبِرُ زيدُ بنُ ثابتٍ نَسَخْتُ الصُّحُفَ في المَصَاحِفِ، فَفقَدْتُ آيَةً مِن سُورَةِ الأحْزَابِ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقْرَأُ بهَا، فَلَمْ أَجِدْهَا إلَّا مع خُزَيْمَةَ بنِ ثَابِتٍ الأنْصَارِيِّ الذي جَعَلَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَهَادَتَهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ، وهو قَوْلُهُ - {مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا ما عَاهَدُوا اللَّهَ عليه} [الأحزاب: 23].


    قتل بصفين سنة 37 هـ وهو يقاتل في صف رابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب.
    قال نصر انه قتل في وقعة الخميس وقال ابن اسحاق بعد قتل عمار بن ياسر.

    =============================
    لا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود أسامة بن زيد رضي الله عنه

    مُساهمة من طرف صادق النور السبت أكتوبر 26, 2024 6:00 pm

    (( - أسامة بن زيد رضي الله عنه - ))


    أسامة بن زيد بن حارثة : -
    هو أحد صحابة الرسول صل الله عليه وسلم أسلم مع والده زيد بن حارثة. كنيته أبو محمد، ويقال: أبو زيد،
    وأمه أم أيمن حاضنة النبي صل الله عليه وسلم ، ومولاه، وابن مولاه،
    قال ابن سعد: ولد أسامة في الإسلام ومات الرسول صل الله عليه وسلم وله عشرون سنة. وكان قد سكن المزة، من أعمال دمشق، ثم رجع فسكن وادي القرى ثم نزل إلى المدينة فمات بها بالجرف.
    هو:
    حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن عوف بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة بن معد بن عدنان
    لذا كان لقبه بين الصحابة (الحب بن الحب). أبوه زيد بن حارثة خادم رسول الله صل الله عليه وسلم الذي آثر رسول الله صل الله عليه وسلم على أبيه وأمه وأهله، والذي يقف به النبي صل الله عليه وسلم على جموع أصحابه يقول: « أشهدكم أن زيدا هذا ابني، يرثني وأرثه». وظل اسمه بين المسلمين زيد بن محمد حتى أبطل القرآن الكريم عادة التبني. وأمه هي أم أيمن مولاة رسول الله صل الله عليه وسلم وحاضنتة.

    ثبت عن أسامة قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم- يأخذني والحسن ، فيقول : اللهم ، إني أحبهما ، فأحبهما .
    وكان شديد السواد ، خفيف الروح ، شاطرا ، شجاعا . رباه النبي - صلى الله عليه وسلم- وأحبه كثيرا .
    عن عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه : أخبرني أسامة بن زيد : أن عليا قال : يا رسول الله ، أي أهلك أحب إليك ؟ قال : فاطمة . قال : إنما أسألك عن الرجال ؟ قال : من أنعم الله عليه ، وأنعمت عليه : أسامة بن زيد . قال : ثم من ؟ قال : ثم أنت .
    أن عائشة قالت : ما ينبغي لأحد أن يبغض أسامة ، بعدما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول : من كان يحب الله ورسوله ، فليحب أسامة .

    مكانته : -
    جلس الخليفة الثاني عمر بن الخطاب يقسم أموال بيت المال على المسلمين،
    وجاء دور عبد الله بن عمر بن الخطاب فأعطاه عمر نصيبه؛ ثم جاء دور أسامة بن زيد فأعطاه عمر ضعف ما أعطى ولده عبد الله فسأله قائلا: « لقد فضلت علي أسامة، وقد شهدت مع رسول الله ما لم يشهد». فأجابه عمر: « إن أسامة كان احب إلى رسول الله منك، وأبوه كان أحب إلى رسول الله من أبيك».

    يصفه الرواة والمؤرخون بأنه أسود اللون أفطس الأنف؛ ولكن دين الإسلام لا يعبأ بالأشكال الظاهرية للناس؛ فلقد بلغ من ذلك كله المدى الذي هيأه لهذا الفيض من حب رسول الله صل الله عليه وسلم وتقديره، فقال عنه الرسول صل الله عليه وسلم : « إن أسامة بن زيد لمن أحب الناس إلي، وإني لأرجو أن يكون من صالحيكم، فاستوصوا به خيرا

    كان أسامة بن زيد مالكا لكل الصفات العظيمة التي تجعله قريبا من قلب رسول الله صل الله عليه وسلم وكبيرا في عينيه؛ فهو ابن مسلمين كريمين من أوائل المسلمين سبقا إلى الإسلام، ومن أكثرهم ولاء للرسول صل الله عليه وسلم وقربا منه.
    وهو من أبناء الإسلام الحنفاء الذين ولدوا فيه، وتلقوا رضعاتهم الأولى من فطرته دون أن يدركهم من غبار الجاهلية المظلمة شيء. فهذا الأسود الأفطس يأخذ في قلب النبي صل الله عليه وسلم وفي صفوف المسلمين مكانا عليا؛ لأن الدين الذي ارتضاه الله لعباده قد صحح معايير الآدمية والأفضلية بين الناس فقال - (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ). فرسول الله صل الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح العظيم ورديفه هذا الأسود الأفطس (أسامة بن زيد). ثم دخل الكعبة في أكثر ساعات الإسلام روعة وعن يمينه ويساره بلال بن رباح وأسامة بن زيد رجلان تكسوهما البشرة السوداء الداكنة.

    ذات يوم تلقى أسامة من رسول الله صل الله عليه وسلم درس حياته؛ فقبل وفاة رسول الله صل الله عليه وسلم بعامين بعث أسامة أميرا على سرية خرجت للقاء بعض المشركين الذين يناوئون الإسلام والمسلمين.
    وكانت تلك أول إمارة يتولاها أسامة، ولقد أحرز في مهمته النجاح والفوز، وسبقته أنباء فوزه إلى رسول الله صل الله عليه وسلم ففرح وسر بها.
    وعن هذا قال أسامة بن زيد: « فأتيت النبي صل الله عليه وسلم وقد أتاه البشير بالفتح، فإذا هو متهلل وجهه، فأدناني منه ثم قال: حدثني. فجعلت أحدثه وذكرت له أنه لما انهزم القوم أدركت رجلا وأهويت إليه بالرمح، فقال لا إله إلا الله؛ فطعنته فقتلته. فتغير وجه رسول الله صل الله عليه وسلم
    وقال: ويحك يا أسامة! فكيف لك بلا إله إلا الله؟. فلم يزل يرددها علي حتى لو وددت أني انسلخت من كل عمل عملته، واستقبلت الإسلام يومئذ من جديد. فلا والله لا أقاتل أحدا قال لا إله إلا الله بعد ما سمعت رسول الله.» فهذا الرجل الذي أسف النبي صل الله عليه وسلم لمقتله، وأنكر على أسامة بن زيد قتله، كان مشركا ومحاربا؛ وهو حين قال لا إله إلا الله قالها والسيف في يمينه تتعلق به مزع اللحم التي نهشها من أجساد المسلمين؛ قالها لينجو بها من ضربة قاتلة أو ليهيء لنفسه فرصة يغير فيها اتجاهه ثم يعاود القتال من جديد. ومع هذا فلأنه قال الشهادة، وتحرك بها لسانه يصير دمه حراما وحياته آمنة في نفس اللحظة ولنفس السبب.

    وفي سن مبكرة لم تجاوز العشرين أمر رسول الله صل الله عليه وسلم أسامة بن زيد على جيش من بين أفراده وجنوده أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب. وسرت همهمة بين نفر من المسلمين تعاظمهم الأمر، واستكثروا على الفتى الشاب (أسامة بن زيد) إمارة جيش فيه شيوخ الأنصار وكبار المهاجرين، وبلغ همسهم رسول الله صل الله عليه وسلم ، فصعد المنبر، وحمد الله وأثنى عليه،
    ثم قال: « إن بعض الناس يطعنون في إمارة أسامة بن زيد، ولقد طعنوا في إمارة أبيه من قبل، وإن كان أبوه لخليقا للإمارة، وإن أسامة لخليق لها، وإنه لمن أحب الناس إلي بعد أبيه، وإني لأرجو أن يكون من صالحيكم، فاستوصوا به خيرا

    وتوفي رسول الله صل الله عليه وسلم قبل أن يتحرك الجيش إلى غايته ولكنه كان قد ترك وصيته الحكيمة لأصحابه: (أنفذوا بعث أسامة).
    وقد عمل الخليفة أبو بكر هذه الوصية، وعلى الرغم من الظروف الجديدة التي خلفتها وفاة الرسول صل الله عليه وسلم، فإن أبو بكر أصر على إنجاز الوصية وأمره، فتحرك جيش أسامة إلى غايته، بعد أن استأذنه الخليفة في أن يدع له عمر بن الخطاب ليبقى إلى جواره بالمدينة المنورة.

    وبينما كان إمبراطور الروم (هرقل) يتلقى خبر وفاة رسول الله صل الله عليه وسلم ، تلقى في نفس الوقت خبر الجيش الإسلامي الذي يغير على تخوم الشام بقيادة الشاب أسامة بن زيد، فتحسر هرقل أن يكون المسلمون من القوة بحيث لا يؤثر موت رسولهم في خططهم ومقدرتهم الحربية. وهكذا انكمش الروم ولم يعودوا يتخذون من حدود الشام نقط وثوب على مهد الإسلام في الجزيرة العربية؛ وعاد الجيش منتصرا بلا ضحايا، وقال عنه المسلمون يومئذ: «ما رأينا جيشا أسلم من جيش أسامة».

    قال أسامة: " كان النبي صل الله عليه وسلم يأخذني فيُقعدني على فخذه، ويقعد الحسن والحسين على فخذه اليسرى، ثم يضمنا، ثم يقول: " اللهم إنّي أرحمهما فارحمهما "
    وفي رواية: " اللهم أنّي أحبهما فأحبهما ". وقد حمله أبوه زيد من مكة إلى المدينة مع أمه أم أيمن بعد الهجرة النبوية إليها، إذ بعثه الرسول صل الله عليه وسلم مع مولاه أبي رافع لإحضار من خلّف في مكة من أهله.
    قالت عائشه : أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم- أن يمسح مخاط أسامة ، فقلت : دعني حتى أكون أنا التي أفعل . فقال : يا عائشة ، أحبيه ، فإني أحبه .

    عن عائشة : أمرني رسول الله صل الله عليه وسلم أن أغسل وجه أسامة وهو صبي . قالت : وما ولدت ، ولا أعرف كيف يغسل الصبيان ، فآخذه ، فأغسله غسلا ليس بذاك .
    قالت : فأخذه فجعل يغسل وجهه ، ويقول : لقد أحسن بنا أسامة إذ لم يكن جارية ، ولو كنت جارية ، لحليتك وأعطيتك .


    ولّاه النبي صل الله عليه وسلم قيادة جيش المسلمين المتوجه لغزو الروم في الشام الذي كان في صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة، وقد تأخر أسامة بالجيش لما بلغه نبأ مرض الرسول صل الله عليه وسلم ، وانتظر حتى وصل الخبر بوفاة الرسول صل الله عليه وسلم ،
    فلما استُخلف أبو بكر، سار إلى الجرف، فأمر أسامةَ أن يسير بالجيش إلى الوجهة التي وجهه إليها الرسول صل الله عليه وسلم ومشى معه أبو بكر يودعه، وأسامة راكبٌ فرسه،
    فقال: يا خليفة رسول الله، إما أن تركب، وإما أن أنزل. فقال أبو بكر: والله لا تنزل ولا أركب. وما عليَّ أن أغبر قدميَّ ساعةً في سبيل الله.
    ثم ودع أسامةَ وأوصاه بوصية جامعة تصلح أن تكون أساساً لقوانين الحرب والجهاد،
    حيث قال له: سيروا على بركة الله، واغزوا باسم الله، وقاتلوا من كفر بالله، ولا تغدروا ولا تغلُّوا، ولا تقتلوا شيخاً كبيراً ولا امرأةً ولا طفلاً، ولا تقطعوا شجرةً، ولا تذبحوا شاةً إلا للأكل. وقد رجع أسامة من تلك الغزوة ظافراً منتصراً، وشارك بعد ذلك في حروب الردة، والفتوحات التي تلت

    عندما نشبت الفتنة الكبرى بين الإمام علي وأنصاره من جانب، ومعاوية بن أبي سفيان وأنصاره من جانب آخر، التزم أسامة بن زيد موقف الحياد المطلق.
    كان يحب عليا أكثر الحب، وكان يبصر الحق في جانبه؛ ولكن كيف يقتل بسيفه مسلما يؤمن بالله ورسله وهو الذي لامه الرسول صل الله عليه وسلم لقتله مشركا محاربا قال في لحظة انكساره وهروبه «لا إله إلا الله». هنالك أرسل إلى الخليفة علي رسالة قال فيها:

    «إنك لو كنت في شدق الأسد ، لأحببت أن أدخل معك فيه. ولكن هذه المرة لم أره».

    لزم أسامة بن زيد داره طوال هذا النزاع وتلك الحروب؛ وحين جاءه بعض أصحابه يناقشونه في موقفه قال لهم: «لا أقاتل أحد يقول لا إله إلا الله أبدا».
    فقال له أحدهم: «ألم يقل الله (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)».
    فأجابهم أسامة قائلا: « أولئك هم المشركون ، ولقد قاتلناهم حتى لم تكن فتنة وكان الدين كله لله».

    وفاته : -
    اعتزل أسامة بن زيد الفتن بعد مقتل عثمان بن عفان، وعِندما قتل الخليفة علي بن أبي طالب تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب عن الخلافة لِمعاوية بن أبي سفيان عندئذٍ بايع أُسامة معاوية مع عدد كبير من الصحابة مثل سعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة.
    وكان قد سكن المزة غرب دمشق ثم رجع فسكن وادي القرى ثم نزل إلى المدينة المنورة فمات بِها بالجرف ودفن بالبقيع.
    وصحح ابن عبد البر أنه مات سنة 54 هـ، وقيل ظل حياً حتى أواخر خلافة معاوية وقيل انه مات سنة 61 هجرية.

    قال الزهري : مات أسامة بالجرف .
    وعن المقبري ، قال : شهدت جنازة أسامة ، فقال ابن عمر : عجلوا بحب رسول الله قبل أن تطلع الشمس .
    قال ابن سعد : مات في آخر خلافة معاوية .

    ===================================
    ===================================

    (( - أم العلاء الأنصاريَّة - ))


    هى : -
    الصحابية الجليلة بنت الحارث بن ثابت بن خارجة بن ثعلبة بن الجلاس بن أمية ابن حدارة بن عوف
    أم العلاء الأنصارية. أسلمت وبايعت رسول الله صل الله عليه وسلم وروت عنه.
    وهي التي قالت: إن الأنصار تنافسوا في المهاجرين حتى اقترعوا عليهم فطار لنا في القرعة عثمان بن مظعون. وشهدت أم العلاء مع رسول الله صل الله عليه وسلم خيبر.

    عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أُمِّ الْعَلَاءِ، قَالَتْ: تُوُفِّيَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: رَحِمَكَ اللهُ أَبَا السَّائِبِ، شَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللهُ، فَقَالَ - النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللهَ أَكْرَمَهُ؟» قُلْتُ: لَا أَدْرِي، قَالَ: «أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ مِنْ رَبِّهِ، وَاللهِ إِنِّي رَسُولُ اللهِ، وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ»
    فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا أُزَكِّي بَعْدَهُ أَحَدًا، قَالَتْ: ثُمَّ رَأَيْتُ عَيْنًا لِعُثْمَانَ تَجْرِي فِي الْمَنَامِ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «ذَاكَ عَمَلُهُ الصَّالِحُ»

    أم العلاء عمة حزام بن حكيم روى عنها عبد الملك بن عمير، أنها قالت: عادني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا أم العلاء، أبشري فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه، كما تذهب النار خبث الحديد ".

    قَالَ أَبُو عِيسَى : أم الْعَلَاء الْأَنْصَارِيَّة وَهِي وَالِدَة خَارِجَة بن يزِيد بن ثَابت

    =================================
    =================================

    (( - زيد بن سهل بن الأسود (( أبو طلحة ))رضي الله عنه - ))


    أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري : -
    (المتوفى سنة 34 هـ) صحابي من الأنصار من بني عدي بن عمرو بن مالك بن النجار أسلم وشهد بيعة العقبة الثانية، وشهد مع النبي محمد ﷺ المشاهد كلها.

    أسلم أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار قبل بيعة العقبة الثانية، حين ذهب لخطبة أم سليم بنت ملحان بعد وفاة زوجها أبو أنس بن مالك، فقالت: «يا أبا طلحة، ما مثلك يُردّ، ولكنك امرؤ كافر، وأنا مسلمة لا تحلّ لي، فإن تسلم فذلك مهري»، فأسلم، فكان ذلك مهرها. شهد أبو طلحة بعد ذلك بيعة العقبة الثانية.
    قال ثابت : فما سمعنا بمهر كان قط أكرم من مهر أم سليم : الإسلام .
    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن بني أخواله ، وأحد أعيان البدريين ، وأحد النقباء الاثني عشر ليلة العقبة .

    بعد هجرة النبي صل الله عليه وسلم، آخى النبي صل الله عليه وسلم بينه وبين الأرقم بن أبي الأرقم، وقيل بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح.
    شهد أبو طلحة مع النبي صل الله عليه وسلم المشاهد كلها، وثَبُتَ معه يوم أحد وكان من الرماة المعدودين، ويوم حنين لما انكشف الناس عن النبي صل الله عليه وسلم ،
    فقال النبي صل الله عليه وسلم : «من قتل قتيلاً، فله سلبه»، فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلاً، وأخذ أسلابهم.
    وقال أنس بن مالك أن النبي صل الله عليه وسلم كان يقول: «لصوت أبي طلحة أشد على المشركين من فئة».

    ، عن أنس : أن أبا طلحة كان يرمي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، وكان رجلا راميا .
    وكان رسول الله صل الله عليه وسلم إذا رمى أبو طلحة ، رفع بصره ينظر أين يقع سهمه . وكان يدفع صدر رسول الله بيده ، ويقول : يا رسول الله ، هكذا ، لا يصيبك سهم .
    كان أبو طلحة يكثر الصوم على عهد النبي صل الله عليه وسلم ، فما أفطر بعده إلا في مرض أو في سفر حتى توفي.

    توفي أبو طلحة الأنصاري في المدينة المنورة سنة 34 هـ، وصلى عليه عثمان بن عفان، وهو ابن سبعين سنة، وقيل مات غازيًا في البحر، وكان رجلاً جلدًا، صيّتًا، آدمًا، مربوعًا، لا يُغيّر شيبه. وكان لأبي طلحة من الولد عبد الله وأبو عمير أمهما أم سليم بنت ملحان.

    روى عنه: ربيبه أنس بن مالك وزيد بن خالد الجهني وعبد الله بن عباس وابنه أبو إسحاق عبد الله بن أبي طلحة وإسماعيل بن بشير مولى بني مغالة وأبو الحباب سعيد بن يسار وعبد الله بن عمرو بن عبد القاري وعبد الرحمن بن عبد القاري وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة.
    منزلته عند أهل الحديث: روى أبو طلحة عن النبي صل الله عليه وسلم أكثر من عشرين حديثًا، منها في الصحيحين حديثان، وتفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديث، كما روى له باقي الجماعة.

    ======================================
    لا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود تبديل عرض جدول المحتويات الطفيل بن عمرو الدوسي

    مُساهمة من طرف صادق النور السبت أكتوبر 26, 2024 8:16 pm

    (( - الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه  - ))


    الطفيل بن عمرو الدوسي : - صحابي جليل من أوائل السابقين إلى الإسلام، أسلم قبل الهجرة النبوية بمكة في السنة السابعة من البعثة النبوية (617 م - 6 ق.هـ). ثم لحق بالرسول صلّى اللهُ عليهِ وسلم- بالمدينة بعد معركة أحد وأقام فيها، استشهد في حروب الردة بمعركة اليمامة.
    وهو أول من طلب هجرة الرسول صل الله عليه وسلم   إلى دياره ونصرته.
    كان سيدا مطاعا من أشراف العرب ، ودوس بطن من الأزد ، وكان الطفيل يلقب ذا النور ، أسلم قبل الهجرة بمكة .

    قال هشام بن الكلبي : سمي الطفيل بن عمرو بن طريف ذا النور لأنه قال : يا رسول الله ، إن دوسا قد غلب عليهم الزنا ، فادع الله عليهم . قال : اللهم اهد دوسا . ثم قال : يا رسول الله ، ابعث بي إليهم ، واجعل لي آية . فقال : "اللهم اجعل له آية تعينه على ما ينوي من الخير"  

    كان سيدًا من سادة العرب وسيد قبيلة دوس في الجاهلية وشريف من أشراف العرب المرموقين وواحدًا من أصحاب المروءات المعدودين، يطعم الجائع ويؤمن الخائف ويُجير المستجير، وهو إلى ذلك أديب أريب لبيب وشاعر مرهف الحس رقيق الشعور، بصير بحلو البيان ومره حيث تفعل فيه الكلمة فعل الساحر.

    وقد قدم إلى مكة للحج قبل الهجرة فاستقبلته قريش ولقي الرسول صل الله عليه وسلم  فأسلم على يده ثم رجع لدوس ولبث عندهم يدعوهم إلى الإسلام والتحق بعدها بالرسول صل الله عليه وسلم بالمدينة بعد معركة أحد ومعه 80 بيتا من دوس فشهد مع الرسول صل الله عليه وسلم معركة الخندق وفتح مكة.

    كان سيدًا من سادة العرب وسيد قبيلة دوس في الجاهلية وشريف من أشراف العرب المرموقين وواحدًا من أصحاب المروءات المعدودين، يطعم الجائع ويؤمن الخائف ويُجير المستجير، وهو إلى ذلك أديب أريب لبيب وشاعر مرهف الحس رقيق الشعور، بصير بحلو البيان ومره حيث تفعل فيه الكلمة فعل الساحر.

    عن الطفيل بن عمرو قال : كنت رجلا شاعرا سيدا في قومي ، فقدمت مكة ، فمشيت إلى رجالات قريش ، فقالوا : إنك امرؤ شاعر سيد ، وإنا قد خشينا أن يلقاك هذا الرجل ، فيصيبك ببعض حديثه ; فإنما حديثه كالسحر ، فاحذره أن يدخل عليك وعلى قومك ما أدخل علينا ، فإنه فرق بين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجته ، وبين المرء وابنه .
    فوالله ما زالوا يحدثوني شأنه ، وينهوني أن أسمع منه حتى قلت : والله لا أدخل المسجد إلا وأنا ساد أذني ، قال : فعمدت إلى أذني ، فحشوتها كرسفا ثم غدوت إلى المسجد ، فإذا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائما في المسجد ، فقمت قريبا منه ، وأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله ، فقلت في نفسي : والله إن هذا للعجز ، وإني امرؤ ثبت ، ما تخفى علي الأمور حسنها وقبيحها ، والله لأتسمعن منه ، فإن كان أمره رشدا أخذت منه ، وإلا اجتنبته . فنزعت الكرسفة ، فلم أسمع قط كلاما أحسن من كلام يتكلم به ، فقلت : يا سبحان الله ! ما سمعت كاليوم لفظا أحسن ولا أجمل منه .

    فلما انصرف تبعته ، فدخلت معه بيته ، فقلت : يا محمد ، إن قومك جاءوني فقالوا لي كذا وكذا ، فأخبرته بما قالوا ، وقد أبى الله إلا أن أسمعني منك ما تقول ، وقد وقع في نفسي أنه حق ، فاعرض علي دينك ، فعرض علي الإسلام فأسلمت ، ثم قلت : إني أرجع إلى دوس ، وأنا فيهم مطاع ، وأدعوهم إلى الإسلام لعل الله أن يهديهم ، فادع الله أن يجعل لي آية قال : اللهم اجعل له آية تعينه .

    فخرجت حتى أشرفت على ثنية قومي ، وأبي هناك شيخ كبير ، وامرأتي وولدي ، فلما علوت الثنية وضع الله بين عيني نورا كالشهاب يتراءاه الحاضر في ظلمة الليل ، وأنا منهبط من الثنية ، فقلت : اللهم في غير وجهي ،  فإني أخشى أن يظنوا أنها مثلة لفراق دينهم ، فتحول فوقع في رأس سوطي ، فلقد رأيتني أسير على بعيري إليهم ، وإنه على رأس سوطي كأنه قنديل معلق ،
    قال : فأتاني أبي فقلت : إليك عني ، فلست منك ولست مني . قال : وما ذاك ؟ قلت : إني أسلمت واتبعت دين محمد . فقال : أي بني ، ديني دينك ، وكذلك أمي ، فأسلما ، ثم دعوت دوسا إلى الإسلام ، فأبت علي وتعاصت ، ثم قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : غلب على دوس الزنا والربا فادع عليهم .
    فقال : اللهم اهد دوسا .

    ثم رجعت إليهم ، وهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقمت بين ظهرانيهم أدعوهم إلى الإسلام ، حتى استجاب منهم من استجاب ، وسبقتني بدر وأحد والخندق ، ثم قدمت بثمانين أو تسعين أهل بيت من دوس ، فكنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى فتح مكة . فقلت : يا رسول الله ، ابعثني إلى ذي الكفين ، صنم عمرو بن حممة ، حتى أحرقه . قال : أجل ، فاخرج إليه . فأتيت ، فجعلت أوقد عليه النار ، ثم قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقمت معه حتى قبض .

    من مواقفه : -
    روى الإمام مسلم بسنده عن جابر أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صل الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هل لك في حصن حصين ومنعة قال حصن كان لدوس في الجاهلية فأبى ذلك النبي للذي ذخر الله للأنصار فلما هاجر النبي إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات فرآه الطفيل بن عمرو في منامه فرآه وهيئته حسنة ورآه مغطيا يديه فقال له ما صنع بك ربك فقال غفر لي بهجرتي إلى نبيه فقال ما لي أراك مغطيا يديك قال قيل لي لن نصلح منك ما أفسدت فقصها الطفيل على رسول الله صل الله عليه وسلم فقال رسول الله صل الله عليه وسلم اللهم وليديه فاغفر.

    سرية الطفيل بن عمرو الدوسي إلى ذي الكفين : -

    في شوال سنة ثمان قال ابن سعد قالوا: لما أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسير إلى الطائف بعث الطفيل ابن عمرو إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة الدوسي يهدمه وأمره أن يستمد قومه ويوافيه بالطائف فخرج سريعاً إلى قومه فهدم ذا الكفين وجعل يحش النار في وجهه ويحرقه ويقول:
    يا ذا الكفين لست من عبادكا ميلادنا أقدم من ميلادكا أنا حششت النار في فؤادكا قال وانحدر معه من قومه أربعمائة سراعاً فوافوا النبي صلّى الله عليه وسلّم بالطائف بعد مقدمه بأربعة أيام وقدم بدابة ومنجنيق وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يا معشر الأزد من يحمل رايتكم» فقال الطفيل: من كان يحملها في الجاهلية قالوا النعمان بن الرزاية اللهيي قال «أصبتم».

    وفاته
    عاد الطفيل مع النبي صل الله عليه وسلم من غزوة الطائف إلى المدينة المنورة فكان مع النبي بالمدينة حتى قبض عليه الصلاة والسلام...

    فلما ارتدت العرب خرج المسلمون لقتالهم، فجاهد حتى فرغوا من طليحة الأسدي وأرض نجد كلها.

    ثم بعثه أبو بكر الصديق إلى مسيلمة الكذاب، يقول: خرجت ومعي ابني مع المسلمين - عمرو بن الطفيل - حتى إذا كنا ببعض الطريق رأيت رؤيا فقلت لأصحابي إني رأيت رؤيا عبروها قالوا: وما رأيت قلت: رأيت رأسي حلق وأنه خرج من فمي طائر وأن امرأة لقيتني وأدخلتني في فرجها وكان ابني يطلبني طلبا حثيثا فحيل بيني وبينه. قالوا: خيرا فقال: أما أنا والله فقد أولتها. أما حلق رأسي فقطعه وأما الطائر فروحي وأما المرأة التي أدخلتني في فرجها فالأرض تحفر لي وأدفن فيها فقد رجوت أن أقتل شهيدا وأما طلب ابني إياي فلا أراه إلا سيغدو في طلب الشهادة ولا أراه يلحق بسفرنا هذا. فقتل الطفيل شهيدا يوم اليمامة وجرح ابنه ثم قتل باليرموك بعد ذلك في زمن عمر بن الخطاب شهيدا.

    رحم الله الطفيل بن عمرو ورضي عنه
    ===================================
    ===================================
    (( - سعد بن معاذ رضي الله عنه - ))


    سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل .
    السيد الكبير الشهيد أبو عمرو الأنصاري الأوسي الأشهلي ، البدري الذي اهتز العرش لموته

    أسلم سعد بن معاذ على يد مصعب بن عمير .
    فقال ابن إسحاق : لما أسلم وقف على قومه ، فقال : يا بني عبد الأشهل ، كيف تعلمون أمري فيكم ؟ قالوا : سيدنا فضلا ، وأيمننا نقيبة . قال : فإن كلامكم علي حرام ، رجالكم ونساؤكم ، حتى تؤمنوا بالله ورسوله . قال : فوالله ما بقي في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا وأسلموا .
    وبعد هجرة النبي  صل الله عليه وسلم ، آخى النبي صل الله عليه وسلم  بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، وقيل بينه وبين سعد بن أبي وقاص

    انطلق سعد بن معاذ معتمرا ، فنزل على أمية بن خلف - وكان أمية إذا انطلق إلى الشام يمر بالمدينة فينزل عليه - فقال أمية له : انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس طفت . فبينا سعد يطوف إذ أتاه أبو جهل ، فقال : من الذي يطوف آمنا ؟ قال : أنا سعد . فقال : أتطوف آمنا وقد آويتم محمدا وأصحابه ؟ قال : نعم . فتلاحيا .
    فقال أمية : لا ترفع صوتك على أبي الحكم ; فإنه سيد أهل الوادي . فقال سعد : والله لو منعتني ، لقطعت عليك متجرك بالشام .
    قال : فجعل أمية يقول : لا ترفع صوتك . فغضب وقال : دعنا منك ، فإني سمعت محمدا - صلى الله عليه وسلم - يقول : يزعم أنه قاتلك . قال : إياي ؟ قال : نعم .
    قال : والله ما يكذب محمد .
    فكاد يحدث فرجع إلى امرأته ، فقال : أما تعلمين ما قال لي أخي اليثربي ؟ زعم أنه سمع محمدا يزعم أنه قاتلي .
    قالت : والله ما يكذب محمد . فلما خرجوا لبدر قالت امرأته : ما ذكرت ما قال لك أخوك اليثربي ؟ فأراد أن لا يخرج .
    فقال له أبو جهل : إنك من أشراف أهل الوادي ، فسر معنا يوما أو يومين . فسار معهم ، فقتله الله .

    وقد شهد سعد مع النبي صل الله عليه وسلم  غزوة بدر، وحين استشار النبي صل الله عليه وسلم  أصحابه قبل المعركة، قالسعد: «قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به الحق، وأعطيناك مواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله يريك فينا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله»،
    وهو الذي حمل راية الأوس يوم بدر. شهد سعد أيضًا مع النبي صل الله عليه وسلم غزوة أحد، وثَبَتَ مع النبي صل الله عليه وسلم  في القتال لما ولّى المسلمون عنه.
    وفي غزوة الخندق، رُمي سعد بسهم قطع منه الأكحل، وكان الذي رماه رجل من قريش اسمه «حيان بن قيس بن العرفة»،
    فقال سعد: «اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئًا، فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب إلي من أن أجاهدهم فيك من قوم آذوا نبيك وكذبوه وأخرجوه. اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم، فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة».

    عن عبد الله بن سهل أن عائشة كانت في حصن بني حارثة يوم الخندق وأم سعد معها ، فعبر سعد عليه درع مقلصة قد خرجت منه ذراعه كلها وفي يده حربة يرفل بها ويقول :
    لبث قليلا يشهد الهيجا حمل     لا بأس بالموت إذا حان الأجل
    يعني : حمل بن بدر . فقالت له أمه : أي بني ، قد أخرت . فقلت لها : يا أم سعد ، لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هي . فرمي سعد بسهم قطع منه الأكحل ، رماه ابن العرقة ، فلما أصابه قال : خذها مني وأنا ابن العرقة . فقال : عرق الله وجهك في النار . اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني  لها ، فإنه لا قوم أحب إلي من أن أجاهدهم فيك من قوم آذوا نبيك وكذبوه وأخرجوه ، اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم ، فاجعلها لي شهادة ، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة .

    بعد غزوة الخندق، دعا النبي صل الله عليه وسلم أصحابه إلى قتال بني قريظة لنقضهم عهدهم مع المسلمين، وتحالفهم مع قريش في غزوة الخندق.
    حاصر المسلمون حصون بني قريظة 25 يومًا حتى أرسلوا يطلبون السلم، ويرتضون حكم سعد بن معاذ فيهم، وكان حليفهم في الجاهلية، فأرسل النبي صل الله عليه وسلم إلى سعد، فجيء به محمولاً على حمار، وهو مُتعَب من جرحه،
    فقال له: «أشر علي في هؤلاء»، فقال سعد: «لو وليت أمرهم، لقتلت مقاتلتهم، وسبيت ذراريهم»، فقال النبي صل الله عليه وسلم : «والذي نفسي بيده، لقد أشرت عليّ فيهم بالذي أمرني الله به».

    أُعيد سعد إلى المدينة إلى القبة التي ضربها عليه النبي صل الله عليه وسلم في المسجد النبوي ليعوده من قريب، وكوى النبي صل الله عليه وسلم  له ذراعه.
    عاد النبي صل الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وقت وفاة سعد . فوجد النبي صل الله عليه وسلم يد سعد انفجرت بالدم، فقام إليه وعانقه، حتى مات.
    فبكى أبو بكر وعمر، وحزن النبي صل الله عليه وسلم  وأخذ بلحْيته، وكان النبي صل الله عليه وسلم  لا تدمع عينه على أحد، ولكنه كان إذا حزن، أخذ بلحيته. صلى النبي صل الله عليه وسلم على سعد، وحُمل فدُفن بالبقيع، وشهد النبي دفنه،
    عن رجل من الأنصار ، قال : لما قضى سعد في بني قريظة ، ثم رجع ، انفجر جرحه ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأتاه فوضع رأسه في حجره ، وسجي بثوب أبيض ، وكان رجلا أبيض جسيما . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اللهم إن سعدا قد جاهد في سبيلك ، وصدق رسولك ، وقضى الذي عليه ، فتقبل روحه بخير ما تقبلت به روحا " .
    فلما سمع سعد كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتح عينيه ، ثم قال : السلام عليك يا رسول الله ، إني أشهد أنك رسول الله . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل البيت : " استأذن الله من ملائكته عددكم في البيت ليشهدوا وفاة سعد " .

    وكان الذين أنزلوه في قبره ابن أخيه الحارث بن أوس بن معاذ وأسيد بن حضير وأبو نائلة سلكان بن سلامة بن وقش وسلمة بن سلامة بن وقش .
    عن جابر ، قال : جلس النبي  صلى الله عليه وسلم - على قبر سعد وهو يدفن ، فقال : سبحان الله ، مرتين . فسبح القوم . ثم قال : الله أكبر ، الله أكبر . فكبروا ، فقال : عجبت لهذا العبد الصالح ، شدد عليه في قبره ، حتى كان هذا حين فرج له .
    عن الحسن البصري ، قال : كان سعد بادنا ، فلما حملوه ، وجدوا له خفة . فقال رجال من المنافقين : والله إن كان  لبادنا ، وما حملنا أخف منه . فبلغ ذلك رسول الله  صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " إن له حملة غيركم . والذي نفسي بيده لقد استبشرت الملائكة بروح سعد ، واهتز له العرش " .
    قال صل الله عليه وسلم : " لقد اهتز العرش لوفاة سعد بن معاذ "
    حدثنا أبو المتوكل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الحمى ، فقال : من كانت به ، فهو حظه من النار . فسألها سعد بن معاذ ربه ، فلزمته ، فلم تفارقه حتى مات .
    عن محمود بن لبيد ، قال : لما أصيب أكحل سعد ، فثقل ، حولوه عند امرأة يقال لها رفيدة تداوي الجرحى . فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا مر به يقول : " كيف أمسيت ، وكيف أصبحت ؟ " فيخبره ، حتى كانت الليلة التي نقله قومه فيها وثقل ، فاحتملوه إلى بني عبد الأشهل إلى منازلهم ، وجاء رسول الله صل الله عليه وسلم ، فقيل : انطلقوا به . فخرح وخرجنا معه ، وأسرع حتى تقطعت شسوع نعالنا ، وسقطت أرديتنا ، فشكا ذلك إليه أصحابه ، فقال : " إني أخاف أن تسبقنا إليه الملائكة فتغسله كما غسلت حنظلة "

    عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد ، عن أبيه ، عن جده ، قال : كنت ممن حفر لسعد قبره بالبقيع ، فكان يفوح علينا المسك كلما حفرنا ، حتى انتهينا إلى اللحد .
    عن محمد بن شرحبيل بن حسنة ، قال : أخذ إنسان قبضة من تراب قبر سعد ، فذهب بها ، ثم نظر فإذا هي مسك .

    لما انتهوا إلى قبر سعد ، نزل فيه أربعة : الحارث بن أوس ، وأسيد بن الحضير ، وأبو نائلة سلكان ، وسلمة بن سلامة بن وقش ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقف .
    فلما وضع في قبره ، تغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وسبح ثلاثا ، فسبح المسلمون حتى ارتج البقيع ، ثم كبر ثلاثا ، وكبر المسلمون ، فسئل عن ذلك ، فقال : " تضايق على صاحبكم القبر ، وضم ضمة لو نجا منها أحد لنجا هو ، ثم فرج الله عنه " .
    قلت : هذه الضمة ليست من عذاب القبر في شيء ; بل هو أمر يجده المؤمن كما يجد ألم فقد ولده وحميمه في الدنيا ، وكما يجد من ألم مرضه ، وألم خروج نفسه ، وألم سؤاله في قبره وامتحانه ، وألم تأثره ببكاء أهله عليه ، وألم قيامه من قبره ، وألم الموقف وهوله ، وألم الورود على النار ، ونحو ذلك .

    فهذه الأراجيف كلها قد تنال العبد وما هي من عذاب القبر ، ولا من عذاب جهنم قط ، ولكن العبد التقي يرفق الله به في بعض ذلك أو كله ، ولا راحة للمؤمن دون لقاء ربه .

    قال الله تعالى ((وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ  (39)مريم -
     وقال ((  وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ ۚ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ  )) (18) غافر -

    فنسأل الله - تعالى - العفو واللطف الخفي . ومع هذه الهزات ، فسعد ممن نعلم أنه من أهل الجنة ، وأنه من أرفع الشهداء - رضي الله عنه - . كأنك يا هذا تظن أن الفائز لا يناله هول في الدارين ، ولا روع ولا ألم ولا خوف ، سل ربك العافية ، وأن يحشرنا في زمرة سعد .
    ------------------------------------------
    لا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 12:16 pm