آل راشد



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

آل راشد

آل راشد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
آل راشد

ثقافى-اجتماعى

*** - اللَّهُمَّ اَنَكَ عَفْوٍ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعِفُو عَنَّا - *** - اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك . *** - اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا تَوْبَةً نَصُوحًا قَبْلَ الْمَوْتِ وَ ارْزُقْنَا حُسْنَ الْخَاتِمَةِ . *** -

إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا شَابَتْ عَبِيدَهُمْ.. .. فِي رِقِّهِمْ عَتَقُوهُمْ عِتْقَ أَبْرَارٍ .. .. وَأَنْتَ يَا خَالِقِيُّ أوْلَى بِذَا كَرَمًا.. .. قَدْ شُبْتُ فِي الرِّقِّ فَأَعْتَقَنِي مِنَ النَّارِ .

المواضيع الأخيرة

» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
(( - 2 -))  خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم Ooou110أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد

» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
(( - 2 -))  خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم Ooou110أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد

» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
(( - 2 -))  خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم Ooou110الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد

» العبادة وأركانها
(( - 2 -))  خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم Ooou110الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد

» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
(( - 2 -))  خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم Ooou110الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد

» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
(( - 2 -))  خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم Ooou110الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور

» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
(( - 2 -))  خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم Ooou110الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد

» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
(( - 2 -))  خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم Ooou110السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد

» هيئات السجود المسنونة
(( - 2 -))  خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم Ooou110الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد

» (( - 2 -)) خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
(( - 2 -))  خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم Ooou110الأربعاء نوفمبر 13, 2024 11:28 pm من طرف صادق النور

اهلا بكم

الثلاثاء نوفمبر 08, 2011 2:32 am من طرف mohamed yousef

(( - 2 -))  خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم Ooousu10

المتواجدون الآن ؟

ككل هناك 23 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 23 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحث

لا أحد


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الأربعاء سبتمبر 15, 2021 4:26 am

احصائيات

أعضاؤنا قدموا 10128 مساهمة في هذا المنتدى في 3405 موضوع

هذا المنتدى يتوفر على 311 عُضو.

آخر عُضو مُسجل هو Pathways فمرحباً به.

دخول

لقد نسيت كلمة السر

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع


    (( - 2 -)) خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود (( - 2 -)) خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم

    مُساهمة من طرف صادق النور الجمعة نوفمبر 08, 2024 7:47 pm

    -(( - خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم _ ))

    (()) : - وسطية أهل السنة في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم  - : (())


    لا يَخْفى على مسلم المنزلة العالية الرفيعة التي حباها ربنا عز وجل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد اصطفاه على جميع البشر، وفضَّله على جميع الأنبياء والرسل،
    قال الله تعالى -  {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ}(البقرة: 253).
    قال السعدي: "فكل الأنبياء لو أدركوا محمداً صلى الله عليه وسلم لوجب عليهم الإيمان به واتباعه ونصرته، وكان هو إمامهم ومقدمهم ومتبوعهم"..
    إنه نبينا صلى الله عليه وسلم الذي سمَّاه الله عز وجل في القرآن الكريم بـ : "محمد"، و"أحمد"، وهما يشتملان على الحمد والثناء،
    قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
    وشقَّ له من اسمه ليُجِلّه فذو العرش محمود وهذا مُحَمّد

    وكان صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه عن سب وشتم أم جميل وغيرها من المشركين له: (ألا تعجبون كيف يصرف الله عنّي شتم قريش ولعنهم! يشتِمُون مُذَمَّماً، ويلعنون مُذَمَّماً، وأنا محمّد) رواه البخاري.
    قال القاضي عياض: "وقد سماه الله تعالى في كتابه محمداً وأحمد،
    فمن خصائص الله تعالى له أن ضمَّن أسماءه ثناءه .. فأما اسمه أحمد فأفعل مبالغة من صفة الحمد، ومحمد مفعل مبالغة من كثرة الحمد وتكرره".
    وقال ابن هبيرة: "في هذا الحديث من الفقه: أن الله سبحانه صرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرَّ قريش، وعن اسمه صلى الله عليه وسلم، فكانوا يقصدون بشتمهم مُذمماً، واسم رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد".
    وقال ابن تيمية: "فهُم وانْ قصدوا عينه لكن لما وصفوه بأنه مذمم كان سبهم واقعاً على من هو مذمم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم".
    هُم يَشتُمُونَ مُذَمَّماً وَمُحَمَّدٌ عَن شَتمِهِم فِي مَعزِلٍ وَصِيَانِ
    صَانَ الإِلَهُ مُحَمَّداً عَن شَتْمِهِم فِي اللَّفظِ وَالمعنَى همَا صِنْوَانِ

    وقال ابن القيم في كتابه "جلاء الأفهام" واصفاً شيئاً من أخلاق وصفات النبي صلى الله عليه وسلم: "
    ومما يُحمد عليه صلى الله عليه وسلم ما جبله الله عليه من مكارم الأخلاق وكرائم الشيم، فإن من نظر في أخلاقه وشيمه صلى الله عليه وسلم علم أنها خير أخلاق الخَلق، وأكرم شمائل الخلق،
    فإنه صلى الله عليه وسلم كان أعظم الخلق، وأعظمهم أمانة، وأصدقهم حديثاً، وأجودهم وأسخاهم، وأشدهم احتمالا، وأعظمهم عفواً ومغفرة، وكان لا يزيد شدة الجهل عليه إلا حلما.. وأرحم الخلق وأرأفهم بهم، وأعظم الخلق نفعا لهم في دينهم ودنياهم، وأفصح خلق الله وأحسنهم تعبدا عن المعاني الكثيرة بالألفاظ الوجيزة الدالة على المراد، وأصبرهم في مواطن الصبر، وأصدقهم في مواطن اللقاء، وأوفاهم بالعهد والذمة، وأعظمهم مكافأة على الجميل بأضعافه، وأشدهم تواضعاً، وأعظمهم إيثاراً على نفسه، وأشد الخلق ذبَّاً (دفاعا) عن أصحابه، وحماية لهم، ودفاعا عنهم، وأقوم الخلق بما يأمر به، وأتركهم لما ينهى عنه، وأوصل الخَلْق لرَحِمِه".

    أفضل الأنبياء والرسل :

    إن أفضلية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على جميع الخلق بما فيهم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، هي أفضلية قطعية وليست ظنية، وقد أجمع أهل السنة على ذلك،
    فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: "ما خلق الله عز وجل ولا ذرأ من نفس أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما سمعتُ الله أقسم بحياة أحدٍ إلا بحياته،
    فقال تبارك وتعالى - {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}(الحجر:72).
    قال الشنقيطي: "قوله تعالى: {لَعَمْرُكَ} معناه: أقسم بحياتك، والله جل وعلا له أن يُقْسِمَ بما شاء من خلقه، ولم يقسم في القرآن بحياة أحدٍ إلا نبينا صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك من التشريف له صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى. ولا يجوز لمخلوق أن يحلف بغير الله، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت)".
    وقال عبد الله بن مسعود: "إن الله اتخذ إبراهيم خليلا، وإن صاحبكم خليل الله، وإن محمداً أكرم الخلق على الله، ثم قرأ - {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}(الإسراء: 79).
    وقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: "إن أكرم خليقة على الله أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، فقيل له: رحمك الله فأين الملائكة؟ فقال للسائل: يا ابن أخي وهل تدري ما الملائكة؟ إنما الملائكة خَلْق كخلق الأرض، وخلق السماء، وخلق السحاب، وخلق الجبال، وخلق الرياح، وسائر الخلائق، وإن أكرم الخلائق على الله تعالى أبو القاسم صلى الله عليه وسلم".
    وذكر ابن تيمية أثر عبد الله بن سلام رضي الله عنه ثم قال: "وما علمتُ عن أحدٍ من الصحابة ما يخالف ذلك، وهذا هو المشهور عند المنتسبين إلى السنة من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم"،
    وقـال: "وقد اتفق المسلمون على أنه صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق جاهاً عند الله، لا جاه لمخلوق أعظم من جاهه، ولا شفاعة أعظم من شفاعته".
    وقال القاضي عياض: "تقرر من دليل القرآن وصحيح الأثر وإجماع الأمة كونه صلى الله عليه وسلم أكرم البشر وأفضل الأنبياء".
    وقال ابن كثير: "فهو صلوات الله وسلامه عليه خاتم الأنبياء، وسيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، قَطْعاً جَزْماً لا يحتمل النَّقِيض".
    وقال البجيرمي في حاشيته على الخطيب: "أفضل الخلق على الإطلاق نبينا إجماعاً،
    ثم الخليل، ثم الكليم (موسى)، ثم عيسى، ثم نوح، ثم باقي المرسلين، ثم الأنبياء، ثم الرسل من الملائكة، ثم باقيهم، ثم صلحاء المؤمنين".
    وقال ابن عليش المالكي: "أجمع المسلمون على أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل من باقي المخلوقين من الإنس والملائكة والجن، وشاعت أفضليته وذاعت وصارت كالمعلومات الضرورية حتى عند العوام".
    مَحَاسِنُ أَصْنَافِ النَّبِيِّينِ جَمَّةُ وَمَا قَصَبَاتُ السَّبْقِ إِلا لأَحْمَد

    وسطية أهل السنة في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم :

    الوسطية التي لا غلو فيها ولا جفاء، هو منهج أهل السنة في محبة وتعظيم نبينا صلى الله عليه .. فلا غلو فيه حتى يُرْفع إلى منزلة الخالق عز وجل، أو يُعتقد فيه ما هو من خصائص الرب سبحانه،
    كما وقع لبعض المبتدعة الذين عبدوه مع الله، ورفعوه فوق منزلته التي أنزله الله إياها،
    وقد قال له ربه سبحانه -  {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا}(الجن: 21)،
    {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ}(يونس: 49).
    وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تُطْرُوِني (تبالغوا في مدحي) كما أطرتِ النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله) رواه البخاري.
    وعن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم غداة بني علي، فجلس على فراشي كمجلسك مني وجويريات يضربن بالدف يندبن من قُتِل من آبائهن يوم بدر، حتى قالت جارية: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقولي هكذا، وقولي ما كنت تقولين (من الشِعر الذي لا مغالاة فيه)) رواه البخاري.
    قال ابن حجر: "وإنما أنكر عليها ما ذكر من الإطراء حين أطلق علم الغيب له، وهو صفة تختص بالله تعالى".
    وعن يحيى بن سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أيُّها الناسُ! لا تَرْفَعُونِي فَوْقَ قدْري، فإنَّ الله اتَّخذني عبداً قبل أنْ يَتَّخِذَني نبيّاً) رواه الطبراني وصححه الألباني.
    وإذا كان الغلو في حبه وتعظيمه مذموماً ومنهيا عنه, وليس من منهج أهل السُنَّة، فإن هذا لا يعني أن يتصف المسلم بنقيض ذلك حتى يصل إلى الجفاء معه, فلا يعرف عِظم وعلو قدره ومنزلته، وأنه صلى الله عليه وسلم أفضل خلق الله ورسله، فقد فضّله الله عز وجل على الخَلق والرسل جميعا، بما أعطاه من صفات الكمال وعظيم وكثير المعجزات، وما جمع له من الشمائل والفضائل التي لم تجتمع في أحدٍ إلا فيه،
    ومن ذلك ما رواه ابن ماجه وصححه الألباني عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر، ولواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر)..
    ومن ثم فمنهج أهل السنة في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم: لا غلو فيه، فلا يُرْفع إلى منزلة الخالق عز وجل، أو يُعتقد فيه ما هو من خصائص الرب سبحانه، وكذلك لا جفاء معه، فلا يُعرف فضله وقدره، ولا يُقام بحقوقه عليه، ولا يُتأدب معه بما أوجبه الله علينا نحوه صلوات الله وسلامه عليه .

    ()=============()============()

    (((- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم -)))
    (((((- محبة النبي صلى الله عليه وسلم أصل من أصول الإسلام، وشرط من شروط الإيمان - )))))



    محبة النبي صلى الله عليه وسلم أصل من أصول الإسلام، وشرط من شروط الإيمان،
    فلا يكون المؤمن كامل الإيمان حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم أحبَّ إليه من نفسه،
    فقد أخرجنا الله تعالى به من الكفر إلى الإيمان، ومن الشرك إلى التوحيد، ومن الظلمات إلى النور، وكان صلوات الله وسلامه عليه رحيماً بنا، وأحرص علينا من أنفسنا،
    قال الله تعالى -  {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور}(الحديد:9)،
    وقال -  {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}(الجمعة:2)،
    وقال -  {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}(التوبة: 128).
    وقال تعالى -  {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}(الأحزاب:6)،
    قال ابن كثير: "قد علم شفقة رسوله صلى الله عليه وسلم على أمته، ونصحه لهم، فجعله أولى بهم من أنفسهم، وحكمه فيهم مُقدَّماً على اختيارهم".

    إن حبنا للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من حبنا لأنفسنا وأهلينا عقيدة وإيمان،
    فلا يتم إيمان المسلم حتى يحبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، بل حتى يكون أحبَّ إليه من والده وولده ونفسه والناس أجمعين،
    فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) رواه البخاري.
    قال ابن تيمية: "وأما السبب في وجوب محبته صلى الله عليه وسلم وتعظيمه أكثر من أي شخص فلأن أعظم الخير في الدنيا والآخرة لا يحصل لنا إلا على يد النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان به واتباعه، وذلك أنه لا نجاة لأحد من عذاب الله، ولا وصول له إلى رحمة الله إلا بواسطة الرسول، بالإيمان به ومحبته وموالاته واتباعه، وهو الذى ينجيه الله به من عذاب الدنيا والآخرة، وهو الذى يوصله إلى خير الدنيا والآخرة".
    وعن عبد الله بن هشام رضي الله عنه قال: (كُنَّا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلى من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال له عمر: فإنه الآن، والله لأنتَ أحب إليَّ من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر) رواه البخاري.
    قال ابن حجر: "فجواب عمر أولاً كان بحسب الطبع، ثم تأمل فعرف بالاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه لكونه السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والأخرى، فأخبر بما اقتضاه الاختيار، ولذلك حصل الجواب بقوله: (الآن يا عمر) أي الآن عرفت فنطقتَ بما يجب".

    وقد توَّعَّد الله عز وجل في كتابه العزيز الذين يحبون الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة والأموال والتجارة والمساكن أكثر من حبهم لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم،
    قال الله تعالى -  {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}(التوبة: 24).
    قال ابن كثير: "أي: إن كانت هذه الأشياء {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ} أي: فانتظروا ماذا يحل بكم من عقابه ونكاله بكم"،
    وقال السعدي: "وهذه الآية الكريمة أعظم دليل على وجوب محبة الله ورسوله، وعلى تقديمها على محبة كل شيء، وعلى الوعيد الشديد والمقت الأكيد، على من كان شيء من هذه المذكورات أحب إليه من الله ورسوله، وجهاد في سبيله".
    وقال القاضي عياض: "فكفى بهذا حضاً وتنبيهاً ودلالة وحجة على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم، إذ قرَّع سبحانه مَنْ كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله، وأوعدهم بقوله تعالى -  {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}، ثم فسَّقهم بتمام الآية، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله".

    ومحبتنا لنبينا صلى الله عليه وسلم الحقيقية الصادقة لا يكفي فيها الادعاء باللسان فحسب،
    بل لا بد أن تكون محبته منهجاً يُتبع، وحياة تعاش، وأخلاقاً يُقْتدَى بها، ولذا جعل الله تعالى اتباع النبي صلى الله عليه وسلم علامة محبة العباد له سبحانه،
    فقال تعالى -  {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }(آل عمران:31)،
    قال ابن كثير: "هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادَّعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله".
    وقال السعدي: "وهذه الآية فيها وجوب محبة الله، وعلاماتها، ونتيجتها، وثمراتها، فقال -  {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ} أي: ادَّعيتم هذه المرتبة العالية، والرتبة التي ليس فوقها رتبة فلا يكفي فيها مجرد الدعوى، بل لا بد من الصدق فيها، وعلامة الصدق اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله، في أقواله وأفعاله، في أصول الدين وفروعه،
    في الظاهر والباطن، فمن اتبع الرسول دلَّ على صدق دعواه محبة الله تعالى، وأحبه الله وغفر له ذنبه، ورحمه وسدده في جميع حركاته وسكناته،
    ومن لم يتبع الرسول فليس محباً لله تعالى، لأن محبته لله توجب له اتباع رسوله، فما لم يوجد ذلك دلَّ على عدمها وأنه كاذب إنِ ادعاها، مع أنها على تقدير وجودها غير نافعة بدون شرطها، وبهذه الآية يوزن جميع الخلق، فعلى حسب حظهم من اتباع الرسول يكون إيمانهم وحبهم لله، وما نقص من ذلك نقص".

    وفي محبتنا واتباعنا لنبينا صلى الله عليه وسلم السبيل إلى الحياة السعيدة الحقيقية، ومن حُرِمها فهو الشقي المحروم،
    يقول ابن القَيّم: "والمقصود أنه بحسب متابعة الرسول تكون العزة والكفاية والنُصْرة، كما أنه بحسب متابعته تكون الهداية والفلاح والنجاة، فالله سبحانه علَّق سعادة الدارين بمتابعته، وجعل شقاوة الدارين في مخالفته، فلأتْباعه الهدى والأمن والفلاح، والعزة والكفاية واللذة، والولاية والتأييد، وطيب العيش في الدنيا والآخرة، ولمخالفيه الذلة والصغار، والخوف والضلال، والخذلان والشقاء في الدنيا والآخرة".
    وقال ابن حجر في فتح الباري: "قال القرطبى: كل من آمن بالنبى صلى الله عليه وسلم إيماناً صحيحاً لا يخلو عن وجدان شىء من تلك المحبة الراجحة، غير أنهم متفاوتون، فمنهم من أخذ من تلك المرتبة بالحظ الأوفى، ومنهم من يأخذ بالحظ الأدنى، كمن كان مستغرقاً فى الشهوات محجوبا فى الغفلات فى أكثر الأوقات، لكن الكثير منهم إذا ذكر النبى صلى الله عليه وسلم اشتاق إلى رؤيته، بحيث يؤثرها على أهله وماله وولده ويبذل نفسه فى الأمور الخطيرة، ويجد رجحان ذلك من نفسه وجداناً لا تردد فيه.
    وقد شوهد من هذا الجنس من يؤثر زيارة قبره ورؤية مواضع آثاره على جميع ما ذكر، لما وقر فى قلوبهم من محبته، غير أن ذلك سريع الزوال لتوالى الغفلات، والله المستعان".

    ومن أعظم الفضل لحبنا لنبينا صلى الله عليه وسلم:

    صحبته ومرافقته في الجنة، وكفى بذلك فضلاً وشرفا، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! كيف تقول في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم؟ فقال: المرء مع من أحب) رواه البخاري.
    وعن أنس رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (متى الساعة؟ قال: ما أعددتَ لها؟ قال: ما أعددتُ لها من كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكنّي أحبّ الله ورسوله، فقال: أنت مع من أحببت) رواه البخاري،
    وفي رواية لمسلم: قال أنس: "فما فرِحنا بعد الإسلام فرحاً أشدَّ من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك مع من أحبَبْتَ
    قال أنس: فأنا أُحبُّ الله ورسوله، وأبا بكرٍ وعمر، فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعملْ بأعمالهم".
    ونحن نقول: ونحن نحبك يا رسول الله أكثر من حبنا لأنفسنا وأهلينا، ونحب أبا بكر وعمر، وجميع الصحابة رضوان الله عليهم، ونسأل الله تعالى أن يجمعنا بهم في الجنة، وإن لم نعمل بأعمالهم.
    ****************************************
    خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم


    (-) - خصوصية الأمة المحمدية بيوم الجمعة - (- )


    اختص الله عز وجل الأمة المحمدية بخصائص ـ في الدنيا والآخرة ـ

    لم تكن للأمم السابقة قبلها، وهي وإن كانت آخر الأمم زماناً في الدنيا، فهي أعظم الأمم منزلة، فهي شاهدة على جميع الأمم، وشريعتهااختص الله عز وجل الأمة المحمدية بخصائص ـ في الدنيا والآخرة ـ
    لم تكن للأمم السابقة قبلها، وهي وإن كانت آخر الأمم زماناً في الدنيا، فهي أعظم الأمم منزلة، فهي شاهدة على جميع الأمم، وشريعتها وكتابها لا يُنسخان إلى يوم القيامة، وكل الأمم مأمورة أن تدخل في دينها، وغير ذلك كثير،
    فعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نُكْملُ يوم القيامة سبعين أمة، نحن آخرها وخيرها) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني،
    وقال صلى الله عليه وسلم: (جُعِلَت أمتي خير الأمم) رواه أحمد وحسنه الألباني،
    وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنكم وَفَّيتُم سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها عند الله تعالى) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني..

    الأمة المحمدية وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية، فهي سابقة لها في الفضل والمنزلة، وفي ذلك تشريف وتكريم لنبيها صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين،
    قال الله تعالى - {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}(آل عمران:110).
    قال ابن كثير: "وإنما حازت هذه الأمة قصب السبق إلى الخيرات بنبيها محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه أشرف خلق الله أكرم الرسل على الله، وبعثه الله بشرع كامل عظيم لم يعطه نبيا قبله ولا رسولا من الرسل، فالعمل على منهاجه وسبيله، يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه".
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، والناس لنا فيه تبع، اليهود غداً، والنصارى بعد غد) رواه مسلم،

    قال ابن حجر: "والمراد أن هذه الأمة وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية فهي سابقة لهم في الآخرة بأنهم أول من يُحشر، وأول من يُحاسَب، وأول من يقضى بينهم، وأول من يدخل الجنة".
    وقال القاضي عياض: "قوله: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة) قيل: الآخرون فى الزمان السابقون بالفضل، وأول من يقضى بينهم يوم القيامة، ويدخل الجنة قبل سائر الأمم"، وقال ابن الجوزي: "نحن الآخرون في الزمان، السابقون في دخول الجنة.
    وقيل: إنه لما تخيرت اليهود السبت والنصارى الأحد، وهدانا الله ليوم الجمعة وهي سابقة لليومين، سبقناهم في الدنيا ونسبقهم في الآخرة"،
    وقال ابن رجب: " قوله: (نحن الآخرون) يعني: في الزمان، فإنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وأمته آخر الأمم.
    وقوله: (السابقون) يعني: في الفضل والكرامة على الله،
    قال الله تعالى -  {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}(آل عمران: 110)".

    خصوصية الأمة المحمدية بيوم الجمعة:

    يوم الجمعة، سيدُ الأيام، وخيرُ يوم طلعت عليه الشمس، وهو عيد المسلمين الذي يتكرر أسبوعياً،
    فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا يومُ عيدٍ جعله الله للمسلمين، فمن جاء إلى الجمعة فليغتسل، وإن كانَ طيبٌ فليمسَّ منه، وعليكم بالسِّواك) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
    وقد اختصَّ الله عز وجل الأمة المحمدية بيوم الجمعة، وأضلَّ عنه اليهودَ والنصارى فلم يوافقوه، وفضلوا عنه يوم السبت والأحد،
    فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة، بيد أنّهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم فاختلفوا، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه هدانا الله له، قال يوم الجمعة، فاليوم لنا، وغدا لليهود، وبعد غد للنصارى) رواه مسلم.
    قال النووي: "قوله صلى الله عليه وسلم: (فهذا يومهم أي الذي اختلفوا فيه هدانا الله له)
    قال القاضي: الظاهر أنه فُرِض عليهم تعظيم يوم الجمعة بغير تعيين، ووكل إلى اجتهادهم لإقامة شرائعهم فيه، فاختلف اجتهادهم في تعيينه، ولم يهدهم الله له، وفرضه على هذه الأمة مبيناً، ولم يكِلْه إلى اجتهادهم ففازوا بتفضيله".
    وقال ابن حجر: "وفيه بيان واضح لمزيد فضل هذه الأمة على الأمم السابقة زادها الله تعالى".
    ويقول ابن القيم في معرض حديثه عن يوم الجمعة: ".. وله على سائر الأيام مزيةٌ بأنواع من العبادات واجبة ومستحبة.. وهو في الأيام كشهر رمضان في الشهور، وساعةُ الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان، ولهذا مَن صحَّ له يومُ جمعتِه وسلِم، سلمتْ له سائرُ جمعتِه، ومن صح له رمضان وسَلِم، سَلِمت له سائر سَنَتِه، ومن صحَّت له حَجَّتُه وسَلِمَت له، صح له سائر عُمرِه، فيوم الجمعة ميزان الأسبوع، ورمضانُ ميزان العام، والحجُّ ميزان العمر".

    وقد ورد في فضائل وخصائص يوم الجمعة أحاديث كثيرة، منها:

    ـ عن أوس بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خُلِق آدم، وفيه قُبِض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليَّ، قال: قالوا يا رسول الله وَكَيفَ تُعرَضُ صلاتُنا عليك وقد أرِمتَ - يقولون بليتَ ـ فقالَ: إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ حرَّم علَى الأرض أجساد الأنبياء) رواه أبو داود وصححه الألباني.
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير يوم طلعت عليه الشّمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنّة، وفيه أخرج منها) رواه مسلم.
    قال صاحب كتاب "رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام": "الظاهر: أن هذه القضايا المعدودة فيه ليست لذكر فضيلتها، لأن ما وقع فيه من إخراج آدمَ من الجنة، وقيام الساعة، لا يُعد في الفضائل، وإنما هو على تعداد القضايا، وتعظيمِ ما وقع وحدثَ فيه من الأمور العظام، فيجب على ذلك أن يكون العبدُ مستعدًا متهيئًا بعمل صالحٍ لرحمةٍ من اللَّه تعالى تناله، أو بطشة تُدفع عنه".

    - مغفرة الذنوب والآثام ما بين الجمعة والجمعة، لمن حضر صلاة الجمعة .

    لما رواه البخاري عن سلمان الفارسيّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهّر ما استطاع من طهر ويدّهن من دهنه أو يمسّ من طيب بيته ثمّ يخرج، فلا يفرّق بين اثنين، ثمّ يصلّي ما كتب له، ثمّ ينصت إذا تكلّم الإمام: إلّا غُفِر له ما بينه وبين الجمعة الآخرى).
    وفي رواية لمسلم قال صلى الله عليه وسلم:
    (من توضّأ فأحسن الوضوء ثمّ أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيّام، ومن مسّ الحصى فقد لغا).

    - وجود ساعة يستجاب فيها دعاء المسلم،.
    فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنّ في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم قائم يصلّي يسأل الله خيرا إلّا أعطاه إيّاه) رواه مسلم.

    - ترتيب الأجر العظيم لمن ذهب إلى الجمعة في الساعة الأولى،
    وذلك لما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة (كغسل الجنابة) ثمّ راح فكأنّما قرّب بدنة (ناقة أو بقرة)، ومن راح في السّاعة الثّانية فكأنّما قرّب بقرة، ومن راح في السّاعة الثّالثة فكأنّما قرّب كبشا أقرن، ومن راح في السّاعة الرّابعة فكأنّما قرّب دجاجة، ومن راح في السّاعة الخامسة فكأنّما قرّب بيضة. فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذّكر).

    ولما اختص الله تعالى الأمة المحمدية بيوم الجمعة،
    كان من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم تعظيمه وتخصيصه لهذا اليوم بعبادات وأعمال لم يختص بها غيره،
    ومن ذلك: الإكثارَ من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
    فعن أوس بن أوس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أفضل أيامكم يومَ الجمعة، فأكثِروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ) رواه أبو داود وصححه الألباني،
    وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أكثروا من الصلاة عليَّ يوم الجمعة، فإنّه يوم مشهود تشهده الملائكة) رواه ابن ماجه والطبراني وحسنه الألباني.
    قال ابن القيم: "رسول الله صلى الله عليه وسلم سيِّد الأنام، ويوم الجمعة سيد الأيام، فللصَّلاةِ عليه في هذا اليوم مزيةٌ ليست لغيره، مع حكمةٍ أخرى، وهي أن كل خير نالتْه أمَّتُه في الدنيا والآخرة، فإنما نالته على يده، فجمع الله لأمته بين خيرَيِ الدنيا والآخرةِ، فأعظمُ كرامة تحصل لهم فإنما تحصل يوم الجمعة، فإن فيه بعْثَهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة، وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة، وهو يوم عيد لهم في الدنيا، ويوم فيه يسعفهم الله تعالى بطلباتهم وحوائجهم، ولا يَردُّ سائلَهم، وهذا كله إنما عرَفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده، فمِن شُكْرِه وحمده وأداء قليلٍ من حقه صلى الله عليه وسلم أنْ نكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته،
    وقد قال الله عز وجل -  {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(الأحزاب: 56)".

    لقد فضل الله تعالى يوم الجمعة بفضائل كثيرة ـ
    وقد أحسن وأفاد ابن القيم في ذكرها وتعدادها في كتابه زاد المعاد ـ، وقد اختص الله عز وجل الأمة المحمدية بهذا اليوم المبارك،
    ومن المعلوم أن الله سبحانه فضل بعض الأيام على بعض، وفضل بعض الشهور على بعض، وفضل بعض الأماكن على بعض، كما فضل بعض النبيين والرسل على بعض،
    قال الله تعالى -  {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}(البقرة:253)، وله في ذلك الحكمة البالغة سبحانه،
    فهو القائل عز وجل عن نفسه - {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}(الأنبياء:23). وكتابها لا يُنسخان إلى يوم القيامة، وكل الأمم مأمورة أن تدخل في دينها، وغير ذلك كثير،
    فعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نُكْملُ يوم القيامة سبعين أمة، نحن آخرها وخيرها) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني
    ، وقال صلى الله عليه وسلم: (جُعِلَت أمتي خير الأمم) رواه أحمد وحسنه الألباني،
    وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنكم وَفَّيتُم سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها عند الله تعالى) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني..

    الأمة المحمدية وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية، فهي سابقة لها في الفضل والمنزلة،
    وفي ذلك تشريف وتكريم لنبيها صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين،
    قال الله تعالى -  {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}(آل عمران:110).
    قال ابن كثير: "وإنما حازت هذه الأمة قصب السبق إلى الخيرات بنبيها محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه أشرف خلق الله أكرم الرسل على الله، وبعثه الله بشرع كامل عظيم لم يعطه نبيا قبله ولا رسولا من الرسل، فالعمل على منهاجه وسبيله، يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه".

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، والناس لنا فيه تبع، اليهود غداً، والنصارى بعد غد) رواه مسلم،
    قال ابن حجر: "والمراد أن هذه الأمة وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية فهي سابقة لهم في الآخرة بأنهم أول من يُحشر، وأول من يُحاسَب، وأول من يقضى بينهم، وأول من يدخل الجنة".
    وقال القاضي عياض: "قوله: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)
    قيل: الآخرون فى الزمان السابقون بالفضل، وأول من يقضى بينهم يوم القيامة، ويدخل الجنة قبل سائر الأمم"،
    وقال ابن الجوزي: "نحن الآخرون في الزمان، السابقون في دخول الجنة.
    وقيل: إنه لما تخيرت اليهود السبت والنصارى الأحد، وهدانا الله ليوم الجمعة وهي سابقة لليومين، سبقناهم في الدنيا ونسبقهم في الآخرة"،
    وقال ابن رجب: " قوله: (نحن الآخرون) يعني: في الزمان، فإنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وأمته آخر الأمم.
    وقوله: (السابقون) يعني: في الفضل والكرامة على الله، قال الله تعالى: - {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}(آل عمران: 110)".


    ===============================
    لا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود -(( - خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم _ ))

    مُساهمة من طرف صادق النور السبت نوفمبر 09, 2024 5:14 pm

    -(( - خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم - )) -

    -َ -َ ( ميراث النبي صلى الله عليه وسلم ) -َ -َ


    الميراث هو ما يتركه الإنسان لأهله بعد مماته،
    وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يورثون، وإنما ما يتركونه صدقة، ولهذا لم يُوَرِّثُوا ديناراً ولا درهماً،
    فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر) رواه الترمذي وصححه الألباني.

    ونبينا صلى الله عليه وسلم لم يترك لأهله وورثته من بعده ـ في تَرِكَتِهِ وميراثه ـ ديناراً ولا درهماً، ولا عبدا ولا أمة، ولا شاة ولا بعيراً، ولا شيئاً يورث عنه، بل أرضاً جعلها كلها صدقة لله عز وجل،
    فعن عمرو بن الحارث رضي الله عنه قال: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته: دِرْهماً، ولا ديناراً، ولا عبداً، ولا أمَةً، ولا شيئًا، إلا بغلته البيضاء (التي كان يركبها) وسلاحه، وأرضاً (بخيبر) جعلها (لابن السبيل) صدقة) رواه البخاري.
    وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناراً، ولا درهماً، ولا شاة، ولا بعيراً، ولا أوصى بشيء) رواه مسلم،
    قال النووي: "أي لم يوص بثلث ماله ولا غيره إذْ لم يكن له مال", أما أمور الدين فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أوصى في أحاديث كثيرة: بكتاب الله وسنه نبيه, وأهل بيته, وإخراج المشركين من جزيرة العرب, وبإجازة الوفد, والصلاة، والجار، واليتيم، والنساء وغير ذلك، فلا مناقضة بين هذه الأحاديث وقول عائشة رضي الله عنها: (ولا أوْصَى بشيء).

    شبهة مطالبة فاطمة رضي الله عنها بميراثها من النبي صلى الله عليه وسلم:

    عن عائشة رضي الله عنها: (أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خُمُس خيبر،
    فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم في هذا المال
    وإني والله لا أغير شيئاً من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأعملنَّ فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    فأبَىَ (امتنع) أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئاً، فوجَدَت (حزنت) فاطمة على أبي بكر في ذلك،
    قال: فهجرته، فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي بن أبي طالب ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلَّى عليها عليّ، وكان لعلي من الناس وِجْهة حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس،
    فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن بايع تلك الأشهر فأرسل إلى أبي بكر: أن ائتنا، ولا يأتنا معك أحد، فقال عمر لأبي بكر: والله! لا تدخل عليهم وحدك (لئلا يتركوا من تعظيمك ما يجب لك)،
    فقال أبو بكر: وما عساهم أن يفعلوا بي، إني والله لآتينهم، فدخل عليهم أبو بكر، فتشهد علي بن أبي طالب
    ثم قال: إنا قد عرفنا يا أبا بكر! فضيلتك وما أعطاك الله، ولم ننفس (نحسد) عليك خيراً ساقه الله إليك، ولكنك استبددت علينا بالأمر، وكنا نحن نرى لنا حقّاً لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلم يزل يكلم أبا بكر حتى فاضت عينا أبي بكر،
    فلما تكلم أبو بكر قال: والذي نفسي بيده! لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي، وأما الذي شجر (وقع من الاختلاف) بيني وبينك من هذه الأموال (التي تركها النبي صلى الله عليه وسلم من أرض خيبر وغيرها)، فإني لم آل (لم أقصر) فيها عن الحق، ولم أترك أمراً رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيها إلا صنعته،
    فقال علي لأبي بكر: موعدك العشية للبيعة، وعذره بالذي اعتذر إليه، ثم استغفر، وتشهد عليّ بن أبي طالب فعظَّم حق أبي بكر، وأنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة (حسدا) على أبي بكر، ولا إنكاراً للذي فضله الله به، ولكنا كنا نرى لنا في الأمر نصيباً، فاستبد علينا به، فوجدنا في أنفسنا، فسُرَّ المسلمون،
    وقالوا: أصبتَ، فكان المسلمون إلى علي قريباً (كان ودهم له قريباً) حين راجع الأمر المعروف (أي من الدخول فيما دخل فيه الناس)) رواه البخاري.
    قال ابن بطال: "وإنما كان هجرها له انقباضاً عن لقائه وترك مواصلته، وليس هذا من الهجران المحرم، وإنما المحرم من ذلك أن يلتقيا فلا يسلم أحدهما على صاحبه، ولم يرو أحد أنهما التقيا وامتنعا من التسليم، ولو فعلا ذلك لم يكونا بذلك متهاجرين إلا أن تكون النفوس مظهرة للعداوة والهجران، لكنها وجدت عليه أن حرمها ما لم يحرم أحد، ولسنا نظن بهم إضمار الشحناء والعداوة، وإنما هم كما وصفهم الله: رحماء بينهم".

    ما حدث من خلافٍ بين فاطمة رضي الله عنها وبين أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه في مسألة ميراثها من النبي صلى الله عليه وسلم،
    فإن الصواب فيه كان مع أبي بكر رضي الله عنه، فقد كانت فاطمة رضي الله عنها تريد أن ترث من أبيها، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرها أبو بكر رضي الله عنه أن الأنبياء لا يورثون، كما سمع ذلك هو من النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لأبي بكر رضي الله عنه حظ نفس في هذا، فقد أغناه الله تعالى بالمال، وقد منع فاطمة رضي الله عنها أن ترث، كما منع ابنته عائشة رضي الله عنها وهي زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن ترث هي كذلك، فلم يكن له هوى في ذلك، وقد وقف عليّ رضي الله عنه بجانب زوجه فاطمة رضي الله عنها ليخفف عنها بوفاة والدها.
    قال ابن حجر في فتح الباري: "وكأنهم (الصحابة) كانوا يعذرونه في التخلف عن أبي بكر في مدة حياة فاطمة لشغله بها، وتمريضها، وتسليتها عما هي فيه من الحزن على أبيها صلى الله عليه وسلم، ولأنها لما غضبت من رد أبي بكر عليها فيما سألته من الميراث: رأى علىّ أن يوافقها في الانقطاع عنه".
    وقال ابن كثير في البداية والنهاية: "لما حصل من فاطمة رضي الله عنها عتب على الصِدِّيق بسبب ما كانت متوهمة من أنها تستحق ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم،
    ولم تعلم بما أخبرها به الصديق رضي الله عنه أنه قال: لا نورث من تركنا فهو صدقة، فحجبها وغيرها من أزواجه وعمَّه عن الميراث بهذا النص الصريح ..
    لأنه رأى أن حقًّا عليه أن يقوم في جميع ما كان يتولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق البار الراشد التابع للحق رضي الله عنه، فحصل لها - وهي امرأة من البشر ليست بواجبة العصمة - عتب وتغضب، ولم تكلم الصِدَّيق حتى ماتت، واحتاج علي أن يراعي خاطرها بعض الشيء، فلما ماتت بعد ستة أشهر من وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم رأى علي أن يجدد البيعة مع أبي بكر رضي الله عنه مع ما تقدم له من البيعة قبل دفن رسول الله صلى الله عليه و سلم".
    وقال ابن حجر: "قال القرطبي: مَن تأمل ما دار بين أبي بكر وعلي من المعاتبة، ومن الاعتذار، وما تضمن ذلك من الإنصاف: عَرف أن بعضهم كان يعترف بفضل الآخر، وأن قلوبهم كانت متفقة على الاحترام والمحبة، وإن كان الطبع البشري قد يغلب أحياناً، لكن الديانة ترد ذلك".

    ميراث النبوة والأنبياء:

    لم يُبْعَث نبينا صلى الله عليه وسلم جامعاً للأموال وخازناً لها لنفسه أو لأحدٍ من ورثته،
    وإنما أرسله الله تعالى وبعثه للبشرية هادياً ومبشراً ونذيرا، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا،
    قال الله تعالى - {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}(الأحزاب: 46:45)، فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يورثون، وإنما ما يتركونه صدقة،
    قال الزرقاني: "وأما قوله تعالى - {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}(النمل: 16)،
    وقوله عن زكريا - {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا}(مريم: 6:5)، فالمراد بذلك وراثة العلم والنبوة"،
    وقال ابن قتيبة: "وأما قوله{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}(النمل: 16)، فإنه أراد ورثه الملك والنبوة والعلم، وكلاهما كان نبياً وملكا، والملك: السلطان والحكم والسياسة لا المال".
    ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يُوَرِّثوا ديناراً ولا درهماً، إنما وَرَّثُوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر) رواه الترمذي وصححه الألباني.

    وقد فَهِمَ الصحابة رضوان الله عليهم أن ميراث النبي صلى الله عليه وسلم هو الكتاب والسنة، والعلم، والاهتداء بهديه صلوات الله وسلامه عليه،
    فقد أخرج الخطيب البغدادي بسنده في شرف أصحاب الحديث عن سليمان بن مهران
    قال: "بينما ابن مسعود رضي الله عنه يوماً معه نفر من أصحابه إذ مرَّ أعرابي فقال: على ما اجتمع هؤلاء؟ قال ابن مسعود رضي الله عنه: على ميراثمحمد صلى الله عليه وسلم يقسِّمونه".
    وفي معجم الطبراني: "عن أبي هريرة أنه مرَّ بسوق المدينة فوقف عليها فقال: يا أهل السوق ما أعجزكم، قالوا: وما ذاك يا أبا هريرة؟ قال: ذاك ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَسَّم وأنتم هاهنا لا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه؟! قالوا: وأين هو؟ قال: في المسجد، فخرجوا سراعاً إلى المسجد، ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا، فقال لهم: ما لكم؟ قالوا: يا أبا هريرة فقد أتينا المسجد فدخلنا، فلم نر فيه شيئا يُقَسَّم، فقال لهم أبو هريرة: أما رأيتم في المسجد أحدا؟ قالوا: بلى، رأينا قوما يصلون، وقوما يقرءون القرآن، وقوما يتذاكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة: ويحكم، فذاك ميراث محمد صلى الله عليه وسلم".

    لقد عاش نبينا صلى الله عليه وسلم زاهداً في الدنيا وملذَّاتها، ولو شاء لأجرى الله عز وجل له الجبال ذهباً وفضة، فقد خيَّره ربه بين أن يكون ملِكا رسولا أو عبداً رسولا، فاختار أن يكون عبداً رسولا،
    وتوفي صلوات الله وسلامه عليه وسلم ولم يترك درهماً، ولا ديناراً،
    قال ابن كثير في البداية والنهاية: "باب ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم"، بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك ديناراً ولا درهماً،
    ولا عبدا ولا أمة، ولا شاة ولا بعيراً، ولا شيئاً يورث عنه، بل أرضاً جعلها كلها صدقة لله عز وجل. فإن الدنيا بحذافيرها كانت أحقر عنده كما هي عند الله من أن يسعى لها أو يتركها بعده ميراثا صلوات الله وسلامه عليه، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وسلم تسليماً كثيراً دائماً إلى يوم الدين".

    =====================================


    (( = خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم = ))

    TT - توقير النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه - TT-


    تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره شعبة عظيمة من شعب الإيمان،
    ومن حقه صلى الله عليه وسلم على أمته أن يُعظم ويُوَقر،
    قال الله تعالى - {لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}(الفتح: 9)،
    قال ابن كثير: "قال ابن عباس وغير واحد: يعظموه، {وَتُوَقِّرُوهُ} من التوقير وهو الاحترام والإجلال والإعظام"،
    وقال السعدي:"{وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} أي: تعزروا الرسول صلى الله عليه وسلم وتوقروه أي: تعظموه وتُجِّلوه، وتقوموا بحقوقه، كما كانت له المنة العظيمة برقابكم".
    وقال ابن تيمية: "ومن ذلك: أن الله أمر بتعزيره وتوقيره فقال: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}(الفتح: 9)،
    والتعزير: اسم جامع لنصره و تأييده و منعه من كل ما يؤذيه، والتوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار".

    ومظاهر وصور توقيرنا للنبي صلى الله عليه وسلم كثيرة جدا، منها: طاعته وعدم معصيته، واتباعه والاقتداء به، والأدب معه، والصلاة عليه، وإنزاله مكانته صلى الله عليه وسلم بلا غلو ولا تقصير، وعدم ذكر اسمه مُجَرداً، أو رفع الصوت فوق صوته، أوترك سنته أو الاستخفاف بها، أوْ رد بعض أحاديثه الصحيحة بحجة مخالفتها للعقل، وعدم تمشيها مع الواقع، أو بالدعوى الباطلة بالعمل بالقرآن وحده وترك ما سوى ذلك..
    ومن مظاهر وصور توقيرنا للنبي صلى الله عليه وسلم: توقيره في أصحابه رضوان الله عليهم، وذلك بحبهم وتوقيرهم والأدب معهم،
    قال القاضي عياض :"واعلم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم كما كان حال حياته، وذلك عند ذكره صلى الله عليه وسلم، وذكر حديثه وسنته وسماع اسمه وسيرته، وتعظيم أهل بيته وصحابته".

    توقير النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه:

    الصحابي هو مَن لقيَ النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك، والصحابة رضوان الله عليهم هم خير الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، وقد أجمع المسلمون ـ سلفاً وخلفاً ـ على أنّهم صفوة الأتقياء والأولياء، شرّفهم الله بصحبة خاتَم وأفضل أنبيائه، وقد أثنى ربهم عليهم أحسن الثناء ورفع ذكرهم في التوراة والإنجيل والقرآن، ووعدههم المغفرة والأجر العظيم
    فقال تعالى - {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}(الفتح:29)، وأخبر في آية أخرى برضاه عنهم، ورضاهم عنه >
    فقال - {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}(التوبة:100)،
    وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عنهم: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) رواه البخاري.
    المُد: هو ملء كفي الرجل، والنصيف يعني النصف، والمعنى كما قال الطيبي: "أنه لا ينال أحدكم بإنفاق مثل أُحُدٍ ذهباً من الفضيلة والأجر ما ينال أحدهم بإنفاق مُدَّ طعام أو نصفه لما يقارنه من مزيد الإخلاص وصدق النية وكمال النفس".
    وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أي النَّاسِ خير؟ قال: أقراني ثم الذين يلونَهم ثم الذين يلونهم) رواه مسلم،
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خَيْر أُمَّتي القرن الذي بُعثتُ فيه، ثم الذين يلونهم) رواه أبو داود،
    وعن أبي بردة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) رواه مسلم.

    ومن الجفاء مع النبي صلى الله عليه وسلم المنافي لحبه وتوقيره:
    الانتقاص من قَدْرِ أحدٍ من أصحابه رضوان الله عليهم، فضلاً عن سبه وشتمه والانتقاص منه، فهم أصحابه الذين صاحبوه، وأحبهم وأحبوه، وكان لهم شرف صحبته، وللعلماء أقوال كثيرة في تحذيرهم من سب أحدٍ من الصحابة رضوان الله عليهم أو الانتقاص منه، ومن ذلك:

    قال القاضي عياض في كتابه "الشفا بتعريف حقوق المصطفى": "ومن توقيره وبره صلى الله عليه وسلم توقير أصحابه، وبرهم، ومعرفة حقهم، والاقتداء بهم، وحسن الثناء عليهم، والاستغفار لهم، والإمساك عما شجر بينهم، ومعاداة من عاداهم .. وأن يلتمس لهم فيما نُقِل عنهم من مثل ذلك فيما كان بينهم من الفتن أحسن التأويلات، ويخرج لهم أصوب المخارج، إذ هم أهل ذلك ولا يذكر أحد منهم بسوء، ولا يغمص (لا يعاب) عليه أمر، بل نذكر حسناتهم وفضائلهم وحميد سيرهم، ويسكت عما وراء ذلك،
    كما قال صلى الله عليه وسلم (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا)، قال الله تعالى {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}(الفتح:29) إلى آخر السورة،
    وقال {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ}(التوبة:100)،
    وقال تعالى - {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}(الفتح:18)،
    وقال: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ}(الأحزاب:23)".
    وقال النووي: "الصحابة كلهم عدول، من لابس الفتن وغيرهم بإجماع من يُعْتدَّ به".
    وقال ابن حجر: "اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة". وقال ابن تيمية: "الطعن فيهم طعن في الدين".
    وقال الإمام أحمد: "إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام".
    وقال أبو زرعة: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وإنما أدّى إلينا هذا القرآن والسنة أصحاب رسول الله، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا، ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة".
    وقال ابن الصلاح: "للصحابة بأسرهم خصيصة وهي أنه لا يُسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه، لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة، وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة ..
    إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، ومن لابس الفتن منهم فكذلك، بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع، إحساناً للظن بهم، ونظراً إلى ما تمهد لهم من المآثر، فكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة، والله أعلم"..
    وقال ابن عثيمين: " إنَّ سبَّ الصحابة ليس جرحاً في الصحابة رضي الله عنهم فقط، بل هو قَدْح فيالصحابة وفي النبي صلى الله عليه وسلم وفي شريعة الله، وفي ذات الله عز وجل.
    أما كونه قدْحاً في الصحابة فواضح. وأما كونه قدحاً في رسول الله صلى الله عليه وسلم فحيث كان أصحابه وأُمَناؤه وخلفاؤه على أمته بل ورفيقي قبره (أبو بكر وعمر) من شرار الخلق ..!!
    وفيه قدْح في رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجه آخر، وهو تكذيبه فيما أخبر به من فضائلهم ومناقبهم، كما فيه اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يعرف كيف يربي أصحابه.
    وأما كونه قدحاً في شريعة الله، فلأن الواسطة بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في نقل الشريعة هم الصحابة، فإذا سقطت عدالتهم لم يبقَ ثقة فيما نقلوه من الشريعة،
    وأما كونه قدحاً في الله سبحانه وتعالى، فحيث بعث الله نبيه في شرار الخلق، واختارهم لصحبته وحمل شريعته ونقلها لأمته،
    وكذا أنه سبحانه وتعالى مدحهم وأثنى عليهم في كتابه، فكيف يكون ذلك وهو يعلم أنهم يرتدون وينحرفون..؟! فانظر ماذا يترتب من الطوام الكبرى على سب الصحابة!!".

    الصحابة رضوان الله عليهم اختارهم الله وشرفهم بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم،
    ومذهب أهل السنة والجماعة فيهم وسط بين الإفراط والتفريط، فليسوا من المفرطين الغالين الذين يرفعونهم إلى مالا يليق إلا بالله أو برسله، وليسوا من المفرطين الجافين الذين ينتقصون من أحدٍ منهم أو يسبونه،
    قال النووي: "ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم، والإمساك عما شجر بينهم، وتأويل قتالهم، وأنهم مجتهدون متأولون، لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا، بل اعتقد كل فريق أنه المحق،
    ومخالفه باغٍ فوجب عليه قتاله ليرجع إلى أمر الله، وكان بعضهم مصيباً وبعضهم مخطئاً معذورا في الخطأ لأنه اجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه".

    لقد عميت بصائر أقوام فتنقصوا من بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وطعنوا فيهم وسبّوهم، ومن ثمَّ كان واجباً على من أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذبَّ عن عرض أصحابه الكرام باللسان والبيان، فحبهم رضوان الله عليهم والدفاع عنهم دينٌ يُدانُ به،
    وقُرْبَى يتقرب بها إلى الله تعالى، وتوقيرهم والأدب معهم ومعرفة فضلهم من صور ومظاهر حبنا وتوقيرنا لنبينا صلى الله عليه وسلم، فهم أصحابه الذين تشرفوا بصحبته، وتعلموا وتربوا على يديه، وهو القائل صلى الله عليه وسلم عنهم: (لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) رواه البخاري،
    ومن ثم كان الرعيل الأول من السلف في القرون الخيرية كابن المبارك ومالك وغيرهما يقولون: "علموا أولادكم حب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم".
    =================================
    لا تنسوما من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم

    مُساهمة من طرف صادق النور السبت نوفمبر 09, 2024 7:13 pm


    -(( - خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم _ ))

    ((* مَدْح النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم *))


    مدَح القرآن الكريم وأثنى على الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إلا أن أكثر الأنبياء نصيباً في المدح في القرآن الكريم هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك لِمَا له من شأن عظيم ومكانة عالية عند الله عز وجل، فقد اصطفاه الله سبحانه على جميع البشر، وفضَّله على جميع الأنبياء والرسل، وشرح له صدره، ورفع له ذكرَه، ووضع عنه وِزْرَه، وأعلى له قدْرَه..
    والمتأمل في القرآن الكريم يجد الكثير من الآيات القرآنية التي تبين عِظم قدره صلى الله عليه وسلم عند ربه سبحانه، وتزكيته ومدحه له، وثنائه عليه، ومن ذلك :

    ـ {وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ}(الشرح:4): رَفْع الله عز وجل ذِكْرِ نبيه صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة،
    قال تعالى -  {وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ
    قال ابن كثير: "قال مجاهد: لا أُذكر إلا ذكِرْتَ معي، أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله
    وقال القرطبي: "وروي عن الضحاك عن ابن عباس قال: "يقول له: ما ذُكِرْتُ إلا ذُكِرْتَ معي في الأذان، والإقامة والتشهد، ويوم الجمعة على المنابر، ويوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق، ويوم عرفة وعند الجمار، وعلى الصفا والمروة، وفي خطبة النكاح، وفي مشارق الأرض ومغاربها
    وقال قتادة: " رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة فليس خطيب ولا متشهّد ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله".

    ـ {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}(النجم:2): زكَّى الله عز وجل نبيه في عقله وأثنى عليه فقال -  {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى
    قال ابن كثير: "الغي ضد الرشد أي ما صار غاويا.
    وقيل: أي ما تكلم بالباطل"، وقال: "معلوم لكل ذي لُب (عقل سليم) أن محمداً صلى الله تعالى عليه وسلم من أعقل خلق الله تعالي، بل أعقلهم وأكملهم على الإطلاق في نفس الأمر". وقال القاضي عياض: "ومن تأمل تدبيره صلى الله عليه وسلم أمْر بواطن الخلق وظواهرهم، وسياسة الخاصة والعامة، مع عجيب شمائله، وبديع سيره، فضلا عما أفاضه من العلم، وقرره من الشرع، دون تعلّم سبق، ولا ممارسة تقدمت، ولا مطالعة للكتب، لم يمتر في رجحان عقله، وثقوب فهمه لأول وهلة، ومما يتفرع عن العقل ثقوب الرّأي وجودة الفطنة والإصابة، وصدق الظن، والنظر للعواقب، ومصالح النفس، ومجاهدة الشهوة، وحسن السياسة والتدبير، واقتفاء الفضائل، واجتناب الرذائل، وقد بلغ صلى الله عليه وسلم من ذلك الغاية التي لم يبلغها بَشر سواه صلى الله عليه وسلم".

    ـ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}(النجم: 4:3)،
    قال السعدي: "أي: ليس نطقه صادراً عن هوى نفسه، {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} أي: لا يتبع إلا ما أوحى الله إليه من الهدى والتقوى، في نفسه وفي غيره، ودل هذا على أن السُنة وحي من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم"..
    وكما زكَّى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم في نطقه وكلامه،
    زكاه وأثنى عليه في بصره وفؤاده وصدره، فقال سبحانه -  {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}(النجم: 17)،
    وقال-  {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}(النجم:11)،
    وقال -  {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}(الشرح:1).

    ـ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}(التوبة:128):
    أثنى الله عز وجل ومدح النبي صلى الله عليه وسلم في علاقته بأصحابه، ورحمته بهم وشفقته عليهم، وجمع له اسمين من أسمائه،
    فقال سبحانه عنه صلى الله عليه وسلم
    {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ
    قال القرطبي: "قال الحسين بن الفضل: لم يجمع الله لأحد من أنبيائه اسمين من أسمائه إلا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم،
    فإنه قال عنه - {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}، وقال -  {إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}(الحج:65)". وقد ذكر ابن الجوزي في "زاد المسير" في قوله تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}: "قال ابن عباس: سمَّاه باسمين من أسمائه". أما تسميته بذلك صلى الله عليه وسلم معرفًا بالألف واللام، فإنه لم يرد تسميته به،
    قال المناوي في شرح الشفا: "وأما بصيغة التعريف (الرؤوف الرحيم)، فالظاهر أنه لا يجوز إطلاقهما على غيره سبحانه".
    وفي حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: (..وقد سمَّاه اللهُ رؤوفاً رحيماً) رواه ابن حبان.

    ـ {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى}(النجم:5): زكَّى الله عز وجل معلم النبي صلى الله عليه وسلم ـ جبريل ـ وأثنى عليه بقوله: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى
    قال ابن كثير: "وهو جبريل، عليه السلام".

    ـ {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم: 4): أثنى الله عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في صفاته وأخلاقه وشمائله، وجعله الأسوة والقدوة الذي يتبع ويقتدى به في حياتنا كلها،
    فقال تعالى -  {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم: 4)،
    وقال سبحانه-  {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}(الأحزاب:21)،
    قال القاضي عياض: "وأما الأخلاق المكتسبة من الأخلاق الحميدة، والآداب الشريفة التي اتفق جميع العقلاء على تفضيل صاحبها، وتعظيم المتصف بالخُلق الواحد منها فضلا عما فوقه، وأثنى الشرع على جميعها،
    وأمر بها، ووعد السعادة الدائمة للمتخلق بها، ووصف بعضها بأنه جزء من أجزاء النبوة، وهي المسماة بحسن الخُلق، فجميعها قد كانت خلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم".

    ـ {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(الأنبياء: 107):
    قال ابن كثير: "يخبر تعالى أن الله جَعَل محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين،
    أي: أرسله رحمة لهم كلَّهم، فمن قَبِل هذه الرحمةَ وشكَر هذه النعمةَ سَعد في الدنيا والآخرة، ومن رَدَّها وجَحَدَها خَسِر في الدنيا والآخرة".
    وقال الشنقيطي: "ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه ما أرسل هذا النَّبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه إلى الخلائق إلا رحمة لهم، لأنه جاءهم بما يُسعدهم، وينالون به كل خير من خير الدنيا والآخرة إنِ اتبعوه، ومن خالف ولم يتبع فهو الذي ضيع على نفسه نصيبه من تلك الرحمة العظمى".

    محبة النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة حقه وقدره، ومدحه والثناء عليه، حق من حقوقه على أمته،
    ولهذا فقد مدحه كثير من صحابته الكرام والسلف الصالح رضوان الله عليهم كما هو معلوم ومستفيض في كتب السيرة والسنة ودواوين الشعراء, وذلك اقتداءً بما جاء في مدحه والثناء عليه في كتاب الله عز وجل،
    وقد قال الله تعالى {لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}(الفتح: 9)،
    قال ابن كثير: "قال ابن عباس وغير واحد: يعظموه، {وَتُوَقِّرُوهُ} من التوقير وهو الاحترام والإجلال والإعظام"،
    وقال السعدي:" {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} أي: تعزروا الرسول صلى الله عليه وسلم وتوقروه أي: تعظموه وتُجِّلوه، وتقوموا بحقوقه، كما كانت له المنة العظيمة برقابكم".
    وقال ابن تيمية: "والتعزير: اسم جامع لنصره و تأييده ومنعه من كل ما يؤذيه،
    والتوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يعامل من التشريف والتكريم و التعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار".

    كل مَنْ مدح النبي صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه في الماضي والحاضر، يستدل على استحسان مدحه له بما جاء في الثناء عليه في القرآن الكريم،
    فقد مدحه الله عز وجل وأثنى عليه في كثير من الآيات القرآنية، وأخبرنا سبحانه أنه هو وملائكته يصلون عليه .
    فقال تعالى -  {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(الأحزاب: 56)، ومن ثم جاء الخَلْقُ بعد ذلك مقصرين في حقه صلى الله عليه وسلم مهما اجتهدوا ومدحوا وأثنوا عليه..
    وفي شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية في: ما ورد في آي التنزيل من عظيم قدره ورِفْعةِ ذِكْرِهِ صلى الله عليه وسلم: "لا سبيل لنا أن نستوعب الآيات الدالة على ذلك، وما فيها من التصريح والإشارة إلى علو محله الرفيع ومرتبته، ووجوب المبالغة في حفظ الأدب معه، وكذلك الآيات التي فيها ثناؤه تعالى عليه وإظهاره عظيم شأنه لديه، وقسمه تعالى بحياته،
    ونداؤه بـ"الرسول" و"النبي"، ولم يناد باسمه بخلاف غيره من الأنبياء، فناداهم بأسمائهم إلى غير ذلك مما يشير إلى أنافة قدره العلي عنده..
    ومن تأمل القرآن العظيم وجده طافحاً (ممتلأً) بتعظيم الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم،
    ويرحم الله ابن الخطيب الأندلسي حيث قال:

    مدحتْك آيات الكتاب فما عسى يثني على عَلْياك نظْم مديحي
    وإذا كتاب الله أثنى مُفْصِحاً كان القصور قصار كل فصيح

    وقال آخر:

    أرى كلّ مدح للنبيّ مقصرا وإن سطرت كلّ البرية أسطرا
    فما أحدٌ يحصي فضائل أحمدٍ وإن بالغ المُثْني عليه وأكثرا
    إذا الله أثنى بالذي هو أهله كفاه بذا فضلاً من الله أكبرا
    وفي سورة الأحزاب صلى بنفسه عليه فما مقدار ما تمدح الورَى (الخَلْق)


    (V) - ==================== ====- (V)
    BB _  خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم - BB

    DD - فلا ورَبِّك لا يؤمنون حتَّى يُحَكِّمُوك فيما شجر بيْنهُم - DD


    أمر الله تعالى عباده المؤمنين بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة من القرآن الكريم،
    وكذا على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا الأمر معلوم مِنَ الدين بالضرورة،
    وجعل الله عز وجل طاعته صلى الله عليه وسلم من طاعته سبحانه فقال -  {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}(النساء:80)، كما أمرنا سبحانه بفعل ما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم، واجتناب ما نهانا عنه،
    فقال عز وجل: - {وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(الحشر: 7).
    قال ابن كثير: "أي مهما أمركم به فافعلوه ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه، فإنه إنما يأمركم بخير وإنما ينهى عن شر"،
    وقال ابن تيمية: "أمر الله بطاعة رسوله صل الله عليه وسلم في أكثر من ثلاثين موضعاً من القرآن، وقَرَنَ طاعته بطاعته، وقرن بين مخالفته ومخالفته". وإذا كانت طاعة النبي صل الله عليه وسلم طاعةً لله تعالى،
    فالأدب معه صلى الله عليه وسلم أدب مع الله عز وجل، إذِ الأدب مع الرسول هو أدب مع المُرْسِل، ومن الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم التسليم لأمره والانقياد لحُكْمِه،
    قال ابن القيم :"فرأس الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم :كمال التسليم له والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق، دون أن يحمله معارضة بخيال باطل، يسميه معقولاً، أو يُحّمله شبهة أو شكاً، أو يقدم عليه آراء الرجال وزبالات أذهانهم، فيوحد بالتحكيم والتسليم، والانقياد والإذعان، كما وحّد المرسِل سبحانه وتعالى بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل".

    وقد حكم الله عز وجل بعدم الإيمان على منْ لا يرضى ويُسَلِّم بحكم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ونفْي الإيمان عن أحد أمر عظيم يدلّ على خطورة وعِظَم السبب في ذلك،
    فعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: (أن رجلا خاصم الزبير في شِرَاجِ (مسيل الماء من الوادي) الحَرَّةِ (موضع بأقصى المدينة) التي يسقون بها النخلَ،
    فقال الأنصاري: سَرِّحِ الماءَ يَمُرُّ، فأبى عليه، فاختصما عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير: اسقِ يا زُبَيْر، ثم أرسِل الماء إلى جارك، فغضب الأنصاري فقال: يا رسول الله أن كان ابن عمتك؟ فتلوَّنَ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم
    ثم قال: يا زبير اسق ثم احبس الماء حتى يرجعَ إلى الْجَدْرِ (أصل الأشجار والبستان)،
    قال: فقال الزبير: والله إني لأحسِبُ هذه الآية نزلت في ذلك -  {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(النساء:65)) رواه البخاري.
    وفي رواية أخرى عن الزبير بن العوام رضي الله عنه: أنه خاصم رجلًا من الأنصار قد شهد بدرا، وفيها قال الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم: {آن كان ابنَ عَمَّتِكَ؟).
    وقد ذكر ابن كثير والواحدي وغيرهما هذا الحديث في سبب نزول هذه الآية، وذكر غيرهما غير ذلك،
    وقال ابن عاشور: "وتفريع قوله: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} على ما قبله يقتضي أن سبب نزول هذه الآية هو قضية الخصومة بين اليهودي والمنافق، وتحاكم المنافق فيها للكاهن، وهذا هو الذي يقتضيه نظم الكلام، وعليه جمهور المفسرين،
    وقاله مجاهد، وعطاء، والشعبي. وفي البخاري عن الزبير: أحسب هذه الآية نزلت في خصومة بيني وبين أحد الأنصار في شراج من الحرة .. والظاهر عندي أن الحادثتين وقعتا في زمن متقارب ونزلت الآية في شأن حادثة بِشْر المنافق فظنها الزبير نزلت في حادثته مع الأنصاري".
    وقد حاول الطبري أن يجمع بين الأسباب التي ذكرها المفسرون في نزول هذه الآية بأنه لا مانع أن تكون قصة الزبير وخصمه وقعت في أثناء أسباب غيرها فيتناولها عموم الآية.

    قال القرطبي: "سلك النبي صلى الله عليه وسلم مع الزبير وخصمه مسلك الصلح فقال: اسق يا زبير، لقربه من الماء، ثم أرسل الماء إلى جارك، أي: تساهل في حقك ولا تستوفه وعجّل في إرسال الماء إلى جارك، فحضه على المسامحة والتيسير، فلما سمع الأنصاري هذا لم يرض بذلك وغضب، لأنه كان يريد ألا يمسك الماء أصلا، وعند ذلك نطق بالكلمة الجائرة المهلكة الفاقرة فقال: آن كان ابن عمتك؟! على جهة الإنكار، أي: أتحكم له عليّ لأجل أنه من قرابتك؟
    فعند ذلك تلوَّن وجه النبي صلى الله عليه وسلم غضباً عليه، وحكم للزبير باستيفاء حقه من غير مسامحة له".
    وقال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: "يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة، أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حَكَمَ به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً،
    ولهذا قال - {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} أي: إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجاً مما حكمتَ به، وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليماَ كُليَاً مِن غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة، كما ورد في الحديث: (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به)".

    وقال الطيبي: "قوله صلى الله عليه وسلم أولا: (اسق يا زبير ثم أرسل إلي جارك) كان أمراً للزبير بالمعروف، وأخذاً بالمسامحة وحسن الجوار بترك بعض حقه، دون أن يكون حُكْماً منه، فلما رأي الأنصاري يجهل موضع حقه أمر صلى الله عليه وسلم الزبير باستيفاء تمام حقه.
    وفيه دليل علي أنه يجوز العفو عن التعزير، حيث لم يُعَزِّر الأنصاريَّ الذي تكلم بما أغضب النبي صلى الله عليه وسلم،
    وقيل: كان قوله الآخر عقوبة في ماله، وكانت العقوبة إذ ذاك يقع بعضها في الأموال، والأول أصح. وفيه أنه صلى الله عليه وسلم حكم علي الأنصاري في حال غضبه مع نهيه الحاكم أن يحكم وهو غضبان. وذلك لأنه كان معصوماً من أن يقول في السخط والرضا إلا حقا".
    وقال ابن هبيرة: "فلما جهل الأنصاري ذلك وظن الأمر بخلاف ما كان عليه استوفى حق الزبير، ليعلم الأنصاري سِرَّ الأمر ويتأدب عن أن يسيء ظنه برسول الله صلى الله عليه وسلم".
    وفي شرح سنن أبي داود للخطابي: " وقد اختلف الناس في تأويل هذا الحديث فذهب بعضهم إلى أن القول الأول إنما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه المشورة للزبير وعلى سبيل المسألة في أن يطيب نفساً لجاره الأنصاري دون أن يكون ذلك منه حكما عليه، فلما خالفه الأنصاري حكم عليه بالواجب من حكم الدِين".

    حُرْمَة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ونصرته وتَوْقِيرُه، وامتثال أمره والرضى بحكمه بَعْدَ مَوْته واجب كَوُجُوبه حال حياته،
    ومن أهم أسباب هداية العبد وسعادته أن يرزقه الله طاعة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم،
    قال تعالى -  {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}(النور:54). وقد حذرنا الله عز وجل من مخالفته وعصيانه .
    فقال سبحانه -  {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}(النساء:14)،
    وأوجب علينا تصديق خبره، والرضى بحكمه والتسليم له، فقال عز وجل -  {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(النساء:65).

    وقال حافظ بن أحمد الحكميّ :

    حَكِّمْ نَبِيَّكَ وانْقَدْ وارْضَ سُنَّتَهُ مَعَ اليَقينِ وحَوْلَ الشَّكِّ لا تَحُمِ
    فمَا لِذِي ريبَةٍ في نفسِهِ حَرَجٌ مِمَّا قَضَى قطُّ في الأَيْمانِ مِنْ قَسَمِ
    {فَلا وَرَبِّكَ} أقْوَى زاجِرًا لأُوْلِي الْألْبابِ والْمُلْحِدُ الزِّنْدِيقُ في صَمَمِ


    [color=#993300]========()========()======== ()========[/color


    ( q - خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم -q )

    ((( - النبي صلى الله عليه وسلم خليل الله - )))

    [color=#333300]

    الخُلَّة لله - سبحانه - هي أعظم مقامات العبد، وهي أرفع من مقام المحبة،

    حيث ثبتت محبة الله لعباده المؤمنين ومحبتهم له، ولكن الخلة لم تثبت إلا لاثنين، محمد وإبراهيم ـ عليهما الصلاة والسلام ـ، وقد ثبتت خلة إبراهيم ـ عليه السلام ـ بقول الله تعالى - { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا }(النساء: 125) .
    وعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ألا إني أبرأ إلى كل خل من خله، ولو كنت متخذاً خليلاً، لاتخذت أبا بكر خليلا، إن صاحبكم خليل الله ) رواه مسلم .
    وعن جندب بن عبد الله ـ ر ضي الله عنه ـ قال: ( سمعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموتَ بخمس وهو يقول: إني أَبْرَأُ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، وإن الله قد اتخذني خليلاً، كما اتَّخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنتُ متخذاً من أُمَّتي خليلاً لاتَّخذتُ أبا بكر خليلا ) رواه مسلم .
    قال ابن حجر: " قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( لو كنت متخذا خليلا ) قال الداودي: لا ينافي هذا قول أبي هريرة وأبي ذر وغيرهما: " أخبرني خليلي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "، لأن ذلك جائز لهم، ولا يجوز للواحد منهم أن يقول: أنا خليل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ،
    ولهذا يقال: إبراهيم خليل الله، ولا يقال الله خليل إبراهيم، قلت: ولا يخفى ما فيه " .
    وقال ابن تيمية: " وقول بعض الناس إن محمدا حبيب الله وإبراهيم خليل الله، وظنه أن المحبة فوق الخلة، قول ضعيف، فإن محمدا أيضا خليل الله، كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة المستفيضة " .
    وقال ابن القيم: " " وأما ما يظنه بعض الغالطين أن المحبة أكمل من الخلة وأن إبراهيم خليل الله ومحمد حبيب الله فمن جهله، فإن المحبة عامة والخلة خاصة،
    والخلة نهاية المحبة وقد أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الله اتخذه خليلًا، ونفى أن يكون له خليل غير ربه، مع إخباره بمحبته لعائشة ولأبيها ولعمر بن الخطاب وغيرهم " ، وقال: " وقد ظن بعض من لا علم عنده أن الحبيب أفضل من الخليل،
    وقال: محمد حبيب الله وإبراهيم خليل الله!، وهذا باطل من وجوه كثيرة:
    منها: أن الخلة خاصة والمحبة عامة ، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ، وقال في عباده المؤمنين - { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ }(المائدة الآية:54 )،
    ومنها: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نفى أن يكون له من أهل الأرض خليل، وأخبر أن أحب النساء إليه عائشة، ومن الرجال أبوها،
    ومنها: أنه قال: ( إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا
    ومنها: أنه قال: ( لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا، لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام ومودته ) " .

    وقال الشيخ ابن عثيمين: " الخليل هو الذي بلغ غاية المحبة،
    قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إن الله اتخذني خَليلاً كما اتخذ إِبْرَاهِيْمَ خليلا، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذَاً مِنْ أُمَّتِيْ خليلا لاَتَّخّذْتُ أبا بكر خليلا ) رواه مسلم .
    وهناك كلمة شائعة عند الناس: يقولون: إبراهيم خليل الله، ومحمد حبيب الله، وموسى كليم الله، ولاشك أن محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ حبيب الله ولكن هناك وصف أعلى من ذلك وهو خليل الله، فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ خليل الله، والذين يقولون محمد حبيب الله قد هضموا حق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ،
    لأن المحبة أقل من الخلة، ولذلك نقول لا نعلم من البشر خليلاً لله إلا اثنان: إبراهيم ومحمد ـ عليهما الصلاة والسلام ـ،
    لكن المحبة كثير كما قال الله تعالى - { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }(البقرة: الآية195)
    و - { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً }(الصف: الآية4) وغير ذلك من الآيات " .
    وقال الشيخ الألباني في شرح الطحاوية معلقاً على كلام الطحاوي " وحبيب رب العالمين ": " بل هو خليل رب العالمين، فإن الخلة أعلى مرتبة من المحبة وأكمل،
    ولذلك قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً )، ولذلك لم يثبت في حديث أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ حبيب الله " .

    فائدة :

    وورد حديث ظاهره يخالف ما تقدم من أن الخلة أعلى من المحبة، رواه الترمذي عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ
    قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إِنَّ إِبْرَاهِيم خَلِيلُ اللَّهِ ، وَمُوسَى نَجِيُّ اللَّهِ ، وَعِيسَى رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ ، وَآدَمُ اصْطَفَاهُ اللَّهُ ، أَلا وَأَنَا حَبِيبُ اللَّهِ وَلا فَخْرَ ) وهذا الحديث ضعيف، ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي .
    وقد سئل الشيخ ابن عثيمين: هل يصح القول للنبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حبيب الله؟، فقال: " النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حبيب الله لا شك، فهو حاب لله ومحبوب لله، ولكن هناك وصف أعلى من ذلك وهو خليل لله، فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ خليل الله كما قال ـ صلى الله عليه وسلم : ( إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ) رواه مسلم،

    والخلة هي كمال المحبة، ولهذا من وصفه بالمحبة فقط فإنه نزله عن مرتبته، فالخلة أعظم من المحبة وأعلى، فكل المؤمنين أحباء الله، ولكن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مقام أعلى من ذلك وهو الخلة، فقد اتخذه الله خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً،
    لذلك نقول: إن محمداً رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خليل الله، وهذا أعلى من قولنا: حبيب الله لأنه متضمن للمحبة وزيادة لأنه غاية المحبة " .
    وقد ثبت عن الإمام التابعي مسروق ـ رحمه الله ـ أنه كان يحدث عن عائشة ـ رضي الله عنها فيقول: " حدثتني الصديقة بنت الصديق حبية حبيب الله "، فاللفظان متقاربان، إلا أن الخلة أفضل وهي أخص من المحبة، فهي تدل على نهاية المحبة كما قال ابن القيم وغيره .

    وفي خلته ـ صلى الله عليه وسلم ـ لربه ـ عز وجل ـ بيان لفضله وعلو منزلته، وتمام حفظ الله وتكريمه له، ومن ثم ينبغي الحذر من تنقص مقامه وقدْره، أو الترفع عن طاعته واتباعه، أو الطعن في سنته، لأننا إذا فعلنا ذلك فقد عادينا عبدا اتخذه الله خليلا، فبموجب هذه الخلة يبغض الله باغضه، ويعادي عدوه، وينتقم ممن أساء إليه،
    وفي المقابل يثبت الخير من الله لكل من أحبه وعظمه، واتبع سنته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ .
    ()=====()=====()=====()=====()=====()
    لا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم

    مُساهمة من طرف صادق النور الأحد نوفمبر 10, 2024 5:55 pm

    <><>- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم - <><>

    (HH) - وفور عقله وحكمته صلى الله عليه وسلم - (HH)


    الحكمة وكمال العقل من أبرز صفات الرسل الذاتية التي منحهم الله تعالى إياها،
    وهى من لوازم الرسالة الإلهية، والاصطفاء الربانى، كما أنها سبب من الأسباب الهامة لتبليغ دين الله إلى أقوامهم، ودعوتهم وقيادتهم بالحكمة، قال الله تعالى - { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ }(النحل: من الآية125) .

    وقد اصطفى الله سبحانه نبيَّه محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وفضَّله على العالمين، وفطره على صفات عظيمة، حتى أبهرت سيرته القريب والبعيد،
    ومن ذلك أنه ـ صلى الله عليه وسلم - كان أرجح الناس عقلا، وأعظمهم خلقا، ومعلوم لكل ذي لُبٍّ أنه لم يتوافر العقل في إنسان كما توافر فيه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ .
    قال ابن كثير: " معلوم لكل ذي لُب (عقل سليم) أن محمدا ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ من أعقل خلق الله تعالي، بل أعقلهم وأكملهم على الإطلاق في نفس الأمر " .
    وقال الماوردي في أعلام النبوة: " وأما الوجه الثاني: في كمال أخلاقه
    فيكون بست خصال: إحداهن: رجاحة عقله، وصدق فراسته، وقد دل على وفور ذلك فيه: صحة رأيه، وصواب تدبيره، وحسن تألفه " .
    وقال وهب بن منبه: " قرأت في أحد وسبعين كتابا، فوجدت في جميعها أن النبي ـ صلى الله تعالى عليه ـ وسلم أرجح الناس عقلا، وأفضلهم رأيا " ،
    وفى رواية أخرى: " فوجدت في جميعها أن الله لم يُعْطِ جميع الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ إلا كحبة رمل من بين رمال الدنيا " .

    قبل البعثة :

    عُرِفَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مِنْ صِغره ومنذ نشأته بسمو عقله على أقرانه ومَنْ في سِنِّه، فمنذ كان غلاما، والعقل يزينه، ولقد بدا ذلك لجده عبد المطلب الذي أخذه صغيرا ليعوده أخلاق الرجال المكتملين .
    وبعد وفاة جده ذهب إلى بيت عمه أبى طالب، فكان غلاما وسط أولاده، لا يسبق إلى الطعام، بل يتريث غير نهم ولا طامع،
    وقد يكتفي بالقليل أو ما دونه حتى يتنبه إليه عمه الشفيق فيقرب الطعام إليه، حتى إذا بلغ قدرا يستطيع فيه الاكتساب عمل برعى الأغنام ليأكل من عمل يده، ثم طلب من عمه أبى طالب أن يأخذه معه إلى الشام في قافلة تجارة قريش، وهو في الثانية عشرة من عمره .

    ولكمال عقله كان يحضر مجتمعات قريش، فهو يحضر ندوتها فاحصا ما يقال فيها من حق يرضاه، وباطل يجفوه ولا يقره، ويحضر حلف الفضول، ويرى ـ لعقله الكامل المدرك ـ أنه لا يسره به حمر النعم، ولا يرى نصرة للحق أقوى منه، ويخبر ـ بعد ذلك ـ أنه لو دُعِي به في الإسلام لأجاب تكريما له وإعلاء لقدره .
    ومن مظاهر وفور عقله منذ صغره وقبل بعثته نفوره من عادات الجاهلية التي كانت تحرم وتحلل من غير بينة ولا علم، فلم يُرَ ساجدا لصنم قط، لأن العقل السليم والفطرة النقية تأبى ذلك، فيستحلفه الراهب باللات والعزى >
    فيقول وهو غلام: ( ما كرهت شيئا كما كرهتهما )، ويختلف مع تاجر، فيستحلفه التاجر باللات والعزى، فيمتنع، فيسلم له التاجر بحقه من غير حلف لأمانته .

    ولكمال عقله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يخض مع الخائضين في الجاهلية، وكان لا يحب الحرب، ولذلك لم يشارك في حرب الفجار، إلا بتجهيز السهام لأعمامه حماية لهم ورحمة بهم، بموجب الرحم الواصلة، لا بموجب الحرب التي أحلت فيها الحرمات والأشهر الحرم .

    ومن مظاهر وفور عقله وكمال حكمته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ طريقة حله للنزاع والخلاف، فحقن ـ بحكمته ـ دماء كثيرة، وأوقف حروباً طاحنة،
    وقصة الحجر الأسود شاهدة على ذلك، فقبل بعثته ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخمس سنوات ـ اجتمعت قريش لتجديد بناء الكعبة لِما أصابها من تصدع جدرانها، وكانت لا تزال كما بناها إبراهيم ـ عليه السلام ـ رضما (حجارة ) فوق القامة، وقد تم تقسيم العمل في بناء الكعبة بين القبائل، وتولت كل واحدة منها ناحية من نواحي الكعبة، فجعلوا يبنونها بحجارة الوادي،
    ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود دبَ الشقاق بين قبائل قريش، فكل يريد أن ينال شرف رفع الحجر الأسود إلى موضعه، وكادوا أن يقتتلوا فيما بينهم، حتى جاء أبو أمية بن المغيرة المخزومي فاقترح عليهم أن يحكّموا فيما اختلفوا فيه أول من يدخل عليهم من باب المسجد الحرام، فوافقوا على اقتراحه وانتظروا أول قادم، فإذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما إن رأوه حتى هتفوا: هذا الأمين، رضينا، هذا محمد، وما إن انتهى إليهم حتى أخبروه الخبر، فقال : ( هلمّ إليَّ ثوبا )، فأتوه به فوضع الحجر في وسطه ثم قال : ( لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا ) ففعلوا، فلما بلغوا به موضعه أخذه بيده الشريفة ووضعه في مكانه .
    لقد كانت قريش على علم بكمال عقله، وقوة إدراكه، فرضيت به حكما، ساعة أن احتدم الجدل، وكادت المعارك أن تشتعل بينهم، ومن ثم قالوا: هذا الأمين، رضينا، هذا محمد .

    #003300]]بعد البعثة :[/size]

    أما بعد بعثته فقد تجلت حكمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكمال عقله في معاشرته وتربيته لأصحابه، وأهله وأولاده، وسياسته مع رعيته، وحسن ترتيبه وتدبيره في هجرته وغزواته، وموقفه في القضاء على الفتنة التي كادت تقع بين الأوس والخزرج - بسبب تأليب اليهود في المدينة- وبين المهاجرين والأنصار أثناء غزوة بني المصطلق،
    وفي عقد المعاهدات والصلح، وفي معاملة الأصدقاء والأعداء، إلى غير ذلك مما لا يحصيه العد في سيرته العطرة ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ .
    قال القاضي عياض: " ومن تأمل تدبيره ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمْر بواطن الخلق وظواهرهم، وسياسة الخاصة والعامة، مع عجيب شمائله، وبديع سيره، فضلا عما أفاضه من العلم، وقرره من الشرع، دون تعلّم سبق، ولا ممارسة تقدمت، ولا مطالعة للكتب، لم يمتر في رجحان عقله، وثقوب فهمه لأول وهلة،
    ومما يتفرع عن العقل ثقوب الرّأي وجودة الفطنة والإصابة، وصدق الظن، والنظر للعواقب، ومصالح النفس، ومجاهدة الشهوة، وحسن السياسة والتدبير، واقتفاء الفضائل، واجتناب الرذائل، وقد بلغ ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ذلك الغاية التي لم يبلغها بشر سواه ـ صلى الله عليه وسلّم ـ ..
    ومن تأمل حسن تدبيره للعرب الذين كالوحش الشارد، والطبع المتنافر المتباعد، كيف ساسهم، واحتمل جفاهم، وصبر على أذاهم، إلى أن انقادوا إليه، واجتمعوا عليه، وقاتلوا دونه أهليهم: آباءهم وأبناءهم، واختاروه على أنفسهم، وهجروا في رضاه أوطانهم وأحبابهم، من غير ممارسة سبقت له، ولا مطالعة كتب يتعلّم منها سنن الماضين،
    فتحقّق أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعقل الناس، ولما كان عقله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ أوسع العقول لا جرم اتسعت أخلاق نفسه الكريمة اتساعا لا يضيق عن شيء " .

    لقد اختص الله ـ تبارك وتعالى ـ عبده ورسوله محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخصائص كثيرة، تشريفا وتكريما له، مما يدل على جليل قدره وشرف منزلته عند ربه، ومنها حكمته
    ووفور عقله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

    (_)_(_ (__(_(_(_(_(_(_(_(_(_(_(_(_(_(_(_(_(_)


    (*) - خصائص الرسول صل الله عليه وسلم -(*)
    =(=) - وأسمع ما لا تسمعون -=(=)


    اختص الله ـ تبارك وتعالى ـ عبده ورسوله محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ
    دون غيره من الأنبياء بخصائص كثيرة، تشريفا وتكريما له، مما يدل على جليل قدره وشرف منزلته عند ربه،
    قال الله تعالى - { اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }(الحج:75).. كما أعدّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ نبيّه المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ إعدادًا خاصًّا يُتيح له تلقّي الوحي من جبريل ـ عليه السّلام ـ، ورؤيته والسّماع منه، وما يتّبعه من رؤية وسماع ما سواه من الغيبيّات، كالملائكة والجنّ والشّياطين، أو سماعه لعذاب القبر ونحوه، فكان من الطبيعي أن يسمَع النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ما لا يسمعه غيره، أو يبصر ما لا يبصره سواه، وقد دلّت الأحاديث الصّحيحة على ذلك .

    عن زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ قال: ( بينما النّبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حائط لبني النّجّار على بغلة له ونحن معه إذ حادت به فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة، فقال: من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟، فقال رجل: أنا، قال: فمتى مات هؤلاء؟، قال: ماتوا في الإشراك، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إنّ هذه الأمّة تبتلى في قبورها، فلولا ألا تدافنوا لدعوتُ الله أن يسمعكم من عذاب القبر الّذي أسمع ) رواه مسلم .

    وعن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إنّي أرَى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطّت السّماء وحُقّ لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلاّ ومَلَكٌ واضع جبهته ساجدًا لله، والله لو تعلمون ما أعْلَمُ لضَحِكْتُم قليلاً، ولبكيتُم كثيرًا، وما تلَذَذْتُم بالنّساء على الفُرش، ولخرجتُم إلى الصّعدات تجأرون إلى الله ) رواه أحمد .

    وحديث القبرين اللذين أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن عذاب صاحبيهما حديث أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ،
    قال: ( مرَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بحائط من حيطان المدينة ـ أو مكة ـ فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: يعذبان وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى، كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة، ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين فوضع على كل قبر منهما كسرة، فقيل له: يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال: لعله أن يخفف عنهما ما لم تيبسا ) .
    فهذه الأحاديث تفيد سماع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعذاب القبر، وأن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كانوا يمشون معه وقد مروا على تلك القبور التي تُعَّذَّب، ومع ذلك لم يسمعوا ما سمعه النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وهذا دليل واضح على أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يسمع ما لا يسمعه غيره .

    فائدة :

    يقول الشيخ الألباني: " النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسمع ما لا يسمع الناس, وهذا من خصوصياته ـ عليه الصلاة والسلام ـ , كما أنه كان يرى جبريل ويكلمه، والناس لا يرونه ولا يسمعون كلامه,
    فقد ثبت في البخاري وغيره أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال يوماً لعائشة ـ رضي الله عنها ـ: ( هذا جبريل يقرئك السلام, فقالت: وعليه السلام يا رسول الله، ترى ما لا نرى ) .
    ولكن خصوصياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما تثبت بالنص الصحيح, فلا تثبت بالنص الضعيف ولا بالقياس والأهواء, والناس في هذه المسألة على طرفي نقيض, فمنهم من ينكر كثيراً من خصوصياته الثابتة بالأسانيد الصحيحة, إما لأنها غير متواترة بزعمه, وإما لأنها غير معقولة لديه ..
    ومنهم من يثبت له ـ عليه الصلاة و السلام ـ ما لم يثبت, مثل قولهم : إنه أول المخلوقات, وإنه كان لا ظل له في الأرض، وأنه إذا سار في الرمل لا تؤثر قدمه فيه, بينما إذا داس على الصخر علم عليه، وغير ذلك من الأباطيل .

    والقول الوسط في ذلك أن يقال : إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بَشَر بنص القرآن والسنة وإجماع الأمة, فلا يجوز أن يُعطى له من الصفات والخصوصيات إلا ما صَحَّ به النص في الكتاب والسنة, فإذا ثبت ذلك, وجب التسليم له, ولم يجز رده بفلسفة خاصة علمية أو عقلية زعموا ..
    ومن المؤسف أنه قد انتشر في العصر الحاضر انتشاراً مخيفاً رد الأحاديث الصحيحة لأدنى شبهة ترِد من بعض الناس, حتى ليكاد يقوم في النفس أنهم يعاملون أحاديثه عليه السلام معاملة أحاديث غيره من البشر الذين ليسوا معصومين, فهم يأخذون منها ما شاؤوا , ويدعون ما شاؤوا " .

    إن من دلائل النبوة ما يؤتيه الله أنبياءه من خوارق العادات التي يعجز عن فعلها سائر البشر، وفي ذلك تكريم لهم من الله، ودليل على صدق دعواهم أنهم رسل الله،
    قال الله تعالى - { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ }(الحديد: الآية25) . ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكثر الرسل معجزة، وأبهرهم آية، فله من المعجزات والخصوصيات ما لا يُحَدُّ ولا يُعَدُّ، ومنها رؤيته وسماعه ما لا يراه ويسمعه غيره من الناس، وقد أُلِّفت في معجزاته وخصوصياته المؤلفات الكثيرة، وتناولها العلماء بالشرح والبيان ..

    (^)(^)(^)(^(^)(^)(^(^)(^)(^)(^)(^)(^)(^)(^)
    ^^^^ - خصائص الرسول صل الله عليه وسلم - ^^^

    VVVV - من أطاعني دخل الجنة
    - VVVV


    فرض الله على جميع الخلق الإيمان بنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ واتباعه وطاعته .
    ، وإيجاب ما أوجبه، وتحريم ما حرمه، وجعل طاعته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وامتثال أوامره واجتناب نواهيه من أعظم ما تقرب به المسلم إلى الله ـ عز وجل ـ،
    وذلك لأن طاعته من طاعة الله، قال الله تعالى - { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ }(النساء: من الآية80)،
    وقال - { وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ}(الحشر: 7) .
    قال ابن كثير: " أي مهما أمركم به فافعلوه ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه، فإنه إنما يأمركم بخير وإنما ينهى عن شر " .
    وقال السعدي: " وهذا شامل لأصول الدين وفروعه، ظاهره وباطنه، وأن ما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتعين على العباد الأخذ به واتباعه، ولا تحل مخالفته،
    وأن نص الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على حكم الشيء كنص الله ـ تعالى ـ، لا رخصة لأحد ولا عذر له في تركه، ولا يجوز تقديم قول أحد على قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " .

    وقد أمر الله ـ عز وجل ـ عباده المؤمنين بطاعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وألزمهم بها في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، وكذا على لسان نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وهذا الأمر معلوم من الدين بالضرورة، ولا يسع أحد إنكاره .
    قال أحمد بن حنبل: " نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ثلاثة وثلاثين موضعًا" .
    وقال ابن تيمية: ": أمر الله بطاعة رسوله صل الله عليه وسلم في أكثر من ثلاثين موضعاً من القرآن، وقَرَنَ طاعته بطاعته، وقرن بين مخالفته ومخالفته، كما قرن بين اسمه واسمه، فلا يُذكر الله إلا ذُكِر معه " .

    والقرآن الكريم أمرنا بطاعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ طاعة مطلقة في كل ما أمر به أو نهى عنه،
    قال الله تعالى - { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }(النساء: 59).
    يقول ابن القيم في هذه الآية: " أمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله، وأعاد الفعل إعلاماً بأن طاعة الرسول تجب استقلالاً من غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقاً، سواء كان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه، فإنه أُتِىَ الكتاب ومثله معه " .
    وقال الشافعي: " على أهل العلم طلب الدلالة من كتاب الله، فما لم يجدوه نصّا في كتاب الله، طلبوه في سنة رسول الله صل الله عليه وسلم فإن وجدوه فما قبلوا عن رسول الله صل الله عليه وسلم فعنِ الله قبلوه، بما افترض من طاعته " .

    والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حذر من يحاول رد أمره وسنته بدعوى الاكتفاء بالقرآن الكريم،
    فعن أبي رافع ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: ( لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ) رواه أبو داود .
    وعن المقدام بن معد يكرب ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: ( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، وإنَّ ما حرَّمَ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما حرم الله ) رواه الترمذي .
    يقول الخطابي: " يحذر بذلك من مخالفة السُنَّة التي سنها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مما ليس له ذكر في القرآن .."
    وقال:" في الحديث دليل على أن لا حاجة بالحديث أن يُعْرَضَ على الكتاب، وأنه مهما ثبت عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان حجة بنفسه، فأما ما رواه بعضهم أنه .
    قال: " إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافقَه فخُذوه، وإن خالفه فدعوه " فإنه حديث باطل لا أصل له،
    وقد حكى زكريا الساجي عن يحيى بن معين أنه قال: هذا حديث وضعته الزنادقة " .هذا الحديث من أعلام نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ
    ، إذ ظهر في الأمة أناس ينكرون بعض السُنَّة أو كلها بدعوى الاستغناء عنها بالقرآن الكريم، ولو أننا استغنينا عن السنة لانهدم الدين من أساسه، وانفتح باب الزندقة على مصراعيه .

    وقد جاءت السُنة بمثل ما جاء به القرآن الكريم مِنْ وجوب طاعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، والأحاديث في ذلك كثيرة، منها :

    عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبَىَ، قيل: ومن يأبى؟!، قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبَىَ ) رواه البخاري .
    وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله ) رواه البخاري .
    وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والذى نفسي بيده ، لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى ، و شرد على الله كشرود البعير ، قالوا : و من يأبى أن يدخل الجنة ؟ فقال : من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني ومن عصاني دخل النار ) رواه الطبراني .

    إن من سعادة العبد أن يرزقه الله طاعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهي أصل من أصول الدين، وشرط من شروط الإيمان،
    وقد حذرنا الله من مخالفته وعصيانه،

    فقال تعالى - { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ }(النساء:14)،
    وأوجب علينا تصديق خبره، واتباع أمره، وجعل طاعته فرضا لازما، فهي مفتاح الجنة، وسبيل الهداية،
    فقال تعالى { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا }(النور: من الآية54) ..

    =======================================

    لا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين نوفمبر 11, 2024 9:10 pm

    JJ - خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم - JJ

    () - إنا كفيناك المستهزئين - ()


    { قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ }(آل عمران: من الآية118) ..
    ما زالت الإساءات للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مستمرة، ولن تنتهي طالما كان هناك من يبغض الإسلام ويحقد على الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ،
    فإن عداوة الكافرين للنبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولدينه عداوة قديمة منذ بعثته ـ
    صلوات الله وسلامه عليه ـ، وقد بين الله تعالى أن هؤلاء الحاقدين لن يرضوا حتى نتبع ملتهم  - { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ }(البقرة : 120) .

    وأحداث التاريخ منذ بعثة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيها الكثير من المواقف والأحداث التي تبين عاقبة من استهزأ بالحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ،
    وتؤكد أن الله تعالى تكفل بالانتقام لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وكفاه ممن استهزأ به، وهذا ماض إلى قيام الساعة دائماً وأبداً ،
    مصداقاً لقوله تعالى  -  { إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ }(الحجر:95).
    قال العلامة السعدي في تفسيره لهذه الآية : " وهذا وعْدٌ من الله لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنْ لا يضره المستهزئون، وأنْ يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة، وقد فعل الله تعالى، فإنَّه ما تظاهر أحدٌ بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة " .
    وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كان رجل نصرانياً فأسلم ، وقرأ البقرة وآل عمران، فكان يكتب للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فعاد نصرانياً، فكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله، فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم، نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له، فأعمقوا، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم، فألقوه، فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا، فأصبح قد لفظته الأرض، فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه ) رواه البخاري .

    يقول ابن تيمية: " وهذا أمر خارج عن العادة، يدل كل أحد على أن هذه عقوبة لما قاله، وأنه كان كاذباً، إذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هذا، وأن هذا الجُرم أعظم من مجرد الارتداد، إذ كان عامة المرتدين لا يصيبهم مثل هذا، وأن الله منتقم لرسوله صل الله عليه وسلم ممن طعن عليه وسبَّه، ومُظْهِرٌ لدينه، وكذب الكاذب... ".

    ثم إن المجرم الذي يسيء للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا لم تدركه عقوبة في الدنيا ـ فيما يظهر للناس ـ فإن وراءه يوم عبوس قمطرير شره في الخلق منتشر عظيم الشان
    إن مقام النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ أسمى وأرفع من أن تصل هذه السخرية وأمثالها للنيل منه ومن قدره ومقامه ، ومثل هذا الفيلم المسيء لا يمثل إلا حلقة من حلقات الإهانة التي لا تتوقف ضد نبي الإسلام ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتي لا تزيد المسلمين إلا تمسكاً بدينهم ونصرة لنبيهم ،
    كما تزيد عدد الباحثين عن حقيقة الإسلام، ومعرفة شخصية الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ومن ثم زيادة عدد الداخلين في الإسلام، كما أثبتت ذلك الإحصائيات التي تلت أزمة الرسوم الدانمركية المسيئة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتي حدثت منذ سبع سنوات ..

    نصرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
    قال الله عز وجل : - { إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا }(التوبة: من الآية40) .. على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يهبوا لنصرة نبيهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ والدفاع عنه، ووسائل نصرته كثيرة ،
    منها :

    ـ تعظيم النبي ـ صلى الله وعليه وسلم ـ وتوقيره ،
    وتوقير سنته والتمسك بها ، وإظهارها والإعتزاز بها ، ودعوة الناس إلى التمسك بها والعض عليها بالنواجذ،
    قال الله تعالى  -  { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } (الفتح:8، 9)،
    وقال تعالى  -  { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا }(الحشر: من الآية7) .

    ـ على العلماء والدعاة والمربين تعريف المسلمين وغيرهم بسيرة وحياة وأخلاق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والحديث عن مزايا شريعته وهديه ، من خلال وسائل الدعوة والإعلام وبكافة اللغات المختلفة ، لعل الله أن يهدي من شاء منهم إلى الصراط المستقيم ، ولتكون حجة على المعاندين والمكابرين ..

    ـ المقاطعة الفكرية والاقتصادية والثقافية لأعداء النبي ـ صلى الله وعليه وسلم ـ ، وهي أقل درجات الإنكار ولا يعذر فيها أي مسلم مهما كان موقعه ، ومهما كانت قدراته ، فإذا كانت نصرة المؤمن للمؤمن واجبة ـ قولاً وفعلاً ـ وأدناها بالقلب ، ثم باللسان ، ثم باليد ، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
    ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) ، فنصرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوجب وأعظم ..
    ==================================

    }{ - خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم - }{

    }{{} - صحبة الحبيب صلى الله عليه وسلم في الجنة - }{{}


    من دلائل محبة المسلم للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
    أن يتمنى صحبته، ليجاهد معه، ويذب عنه، وينصره، قال القاضي عياض: " ومن محبته صلى ـ الله عليه وسلم ـ نصرة سنته، والذب عن شريعته، وتمني حضور حياته فيبذل ماله ونفسه دونه " .
    وقال ابن حجر: " وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل، لمشاهدة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، أما من اتفق له الذب عنه، والسبق إليه بالهجرة،
    أو النصرة، أو ضبط الشرع المتلقى عنه وتبليغه لمن بعده، فإنه لا يعدله أحد ممن يأتي بعده، لأنه ما مِن خصلة إلا وللذي سبق بها مثل أجر من عمل بها من بعده، فظهر فضلهم " .
    وقال النووي: " وفضيلة الصحبة - ولو لحظة - لا يوازيها عمل، ولا تنال درجتها بشيء، والفضائل لا تؤخذ بالقياس، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " .
    فإذا كانت صحبته ـ صلى الله عيه وسلم ـ في الدنيا بهذا الشرف وهذه المنزلة، فكيف برفقته وصحبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في جنات النعيم ؟! .
    والأسباب التي توصل إلى مرافقة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحبته في الجنة كثيرة، منها:

    حبه وطاعته ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

    حُبُّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أعظم الأسباب التي تضعك على طريق مرافقته ـ
    صلى الله عليه وسلم ـ في الجنة،
    فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: قال: ( جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، كيف ترى في رجل أحب قوما ولمَّا يلحق بهم؟، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : المرء مع من أحب ) رواه مسلم .
    وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ: ( أن رجلا سأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الساعة، فقال: متى الساعة؟، فقال: وما أعددت لها؟، قال: لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أنت مع من أحببت، قال أنس: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت ) رواه البخاري،
    قال أنس: " فأنا أحب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأبا بكر، وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل أعمالهم " .

    ومحبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
    الحقيقية التي توصل إلى صحبته في الجنة ليست مجرد كلمات يرددها اللسان، بل لا بد أن تكون محبته ـ عليه الصلاة والسلام ـ حياة تُعاش، ومنهجاً يتبع، وصدق الله إذ يقول - { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }(آل عمران:31) .
    أما طاعته - صلى الله عليه وسلم ـ
    والتي هي أيضا سبيل عظيم لرفقته في الجنة، فهي مقتضى الشهادة بأن محمداً رسول الله، ولازم من لوازمها، إذ معنى الشهادة له بأنه رسول الله حقاً ـ
    كما يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب : " طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يُعْبد الله إلا بما شرع " .
    وقال البغوي في تفسير قول الله تعالى - { وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا }(النساء: 69) :
    " نزلت في ثوبان مولى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وكان شديد الحب لرسول الله ـصلى الله عليه وسلم ـ، قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغيَّر لونه يعرف الحزن في وجهه، فقال له الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ما غيَّر لونك؟!، فقال: يا رسول الله، ما بي مرض ولا وجع، غير أنّي إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة فأخاف أني لا أراك، لأنك تُرفَع مع النبيين، وإني إن دخلت الجنة في منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبدًا، فنزلت هذه الآية ".

    كثرة الصلاة :


    مرافقة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الجنة لا تُنال بالتمني، فلابد من العمل لنيلها، وإذا كان لكل إنسان أمنية في حياته يسعى من أجلها، ويحرص على بلوغها، ويضحي بكل ما لديه ليصل إليها،
    فقد كانت أمنية الصحابي الشاب ربيعة بن كعب الأسلمي ـ رضي الله عنه ـ مرافقة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الجنة، وشتان بين أمنية وأمنية .
    عن ربيعة بن كعب الأسلمي ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كنت أبيت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: سلني؟، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك ؟، قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود ) رواه مسلم .
    ومعنى " أسألك مرافقتك في الجنة " : سل لي ذلك وادع لي به، فمن المعلوم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يملك لأحد أن يُدخله الجنة .
    قال ابن القيم: " وإذا أردت أن تعرف مراتب الهمم فانظر إلى همَّة ربيعة بن كعب الأسلمي ـ رضي الله عنه ـ وقد قال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( سلني )، فقال: أسألك مرافقتك في الجنة، وكان غيره يسأله ما يملأ بطنه، أو يواري جلده " .
    " فيه الحث على كثرة السجود والترغيب، والمراد به السجود في الصلاة، وفيه دليل لمن يقول تكثير السجود أفضل من إطالة القيام " .
    وقال السيوطي: " (فأعني على نَفسك بِكَثْرَة السجود ): هو كِنَايَة عَن كَثْرَة الصَّلاة " .

    حسن الخلق :

    أساس هذا الدين العظيم هو مكارم الأخلاق ومحاسنها >
    ، فقد روى البيهقي أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) . وقد وصف الله ـ عز وجل ـ نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأثنى عليه بحسن الخلق، فقال - { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } (القلم:4).
    قال القاضي عياض: " وأما الأخلاق المكتسبة من الأخلاق الحميدة، والآداب الشريفة التي اتفق جميع العقلاء على تفضيل صاحبها، وتعظيم المتصف بالخلق الواحد منها فضلا عما فوقه، وأثنى الشرع على جميعها،
    وأمر بها، ووعد السعادة الدائمة للمتخلق بها، ووصف بعضها بأنه جزء من أجزاء النبوة، وهي المسماة بحسن الخُلق،
    فجميعها قد كانت خلق نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ " .
    ومن الأحاديث الواردة في حسن الخلق وبيان فضله ومنزلته، وأنه أحد أسباب رفقة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الجنة ـ ما رواه الترمذي عن جابر ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ) .

    الصلاة على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

    عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: أَن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة ) رواه أبو داود .
    قال المناوي: " (إن أولى الناس بي يوم القيامة) : أقربهم مني يوم القيامة، وأولاهم بشفاعتي، وأحقهم بالإفاضة من أنواع الخيرات ودفع المكروهات ".
    وقال أبو حاتم: " في هذا الخبر دليل على أن أولى الناس برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في القيامة يكون أصحاب الحديث، إذ ليس من هذه الأمة قوم أكثر صلاة عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ منهم " .
    وقد ذكر ابن القيم في الباب الرابع من كتابه القيم جلاء الأفهام عددا من الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ
    منها :
    الفائدة الأولى: امتثال أمر الله تعالى .
    الثانية: موافقته سبحانه في الصلاة عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وإن اختلفت الصلاتان، فصلاتنا عليه دعاء وسؤال، وصلاة الله تعالى عليه ثناء وتشريف.
    الثالثة: موافقة ملائكته فيها.
    الرابعة: حصول عشر صلوات من الله على المصلي مرة.
    الخامسة: أنه يرفع عشر درجات .
    السادسة: أنه يكتب له عشر حسنات .
    السابعة: أنه يمحي عنه عشر سيئات .
    الثامنة: أنه يرجى إجابة دعائه إذا قدمها أمامه، فهي تصاعد الدعاء إلى عند رب العالمين.
    التاسعة: أنها سبب لشفاعته ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا قرنها بسؤال الوسيلة له.
    العاشرة: أنها سبب لغفران الذنوب.
    الحادية عشرة: أنها سبب لكفاية الله العبد ما أهمه.
    الثانية عشرة: أنها سبب لقرب العبد منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم القيامة .

    تربية البنات :

    ورد في فضل البنات وتربيتهن أحاديث كثيرة، تبين أن تربيتهن سِتر من النار، وطريق يؤدي لرفقة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الجنة والقرب منه، وكفى بذلك فضلا وشرفا .
    عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: ( من ابتلي من هذه البنات بشيء كن له ستراً من النار ) رواه البخاري .
    وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو - وضم أصابعه - ) رواه مسلم .
    وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( من كن له ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات ، فاتقى الله و أقام عليهن كان معي في الجنة هكذا، و أومأ بالسبابة و الوسطى ) أخرجه أبو يعلى وصححه الألباني .

    كفالة اليتيم :

    لقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أوائل الذين لمسوا آلام اليتيم وأحزانه، ومن ثم اهتم به اهتماماً بالغاً من حيث تربيته ورعايته ومعاملته، حتى ينشأ عضواً نافعاً، ولا يشعر بالنقص عن غيره من أفراد المجتمع، فيتحطم ويصبح عضواً هادماً في الحياة، وقد بلغ من عنايته ـ صلى الله عليه وسلم ـ باليتيم أن بشَّرَ كافليه بأنهم رفقاؤه في الجنة،
    فعن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً ) رواه البخاري .
    قال النووي: " كَافلُ اليَتيم: القَ‍ائِمُ بِأمُوره " .
    وقال ابن حجر: " قال شيخنا في شرح الترمذي: لعل الحكمة في كون كافل اليتيم يشبه في دخول الجنة، أو شُبِّهت منزلته في الجنة بالقرب من النبي، أو منزلة النبي، لكون النبي شأنه أن يبعث إلى قوم لا يعقلون أمر دينهم، فيكون كافلا لهم ومعلما ومرشدا، وكذلك كافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل أمر دينه بل ولا دنياه، ويرشده ويعلمه، ويحسن أدبه فظهرت مناسبة ذلك .." .
    وقال ابن بطال : " حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الجنة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك " .
    وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (كافل اليتيم له أو لغيره وأنا وهو كهاتين في الجنة) رواه مسلم .
    قال النووي: " ( اليَتِيمُ لَهُ أَوْ لِغَيرِهِ ) مَعْنَاهُ: قَريبُه، أَو الأجْنَبيُّ مِنْهُ، فالقَريبُ مِثل أنْ تَكْفَلهُ أمُّهُ أَوْ جَدُّهُ، أَوْ أخُوهُ، أَوْ غَيرُهُمْ مِنْ قَرابته، والله أعلم " .

    لقد اشتاق وحنَّ جذع الشجرة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ شوقا إليه، فكيف لا تشتاق نفوس المؤمنين لصحبته ورفقته ؟!!،
    ولذلك سيظل اشتياق المسلم لصحبة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الجنة، وعمله من أجل ذلك هو مطمحه العظيم، وأمنيته الكبرى التي يسعى لتحقيقها في حياته .

    فاللهم إنا نسألك مرافقة نبينا وحبيبنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الجنة ..

    ===================================
    -{{ خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم }}

    [size=24]{{{ - النبي الأمي صلى الله عليه وسلم - }}}


    أرسل الله نَبِيَّه محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى العالمين بشيرًا ونذيرًا، وأَيَّده بالمعجزات الكثيرة الدالة على صدقه،

    ومن هذه المعجزات أُمِّيَّته، فكونه - صلى الله عليه وسلم - أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، من أعظم الدلائل على نبوَّته، فهو الذي لم يقرأ كتابًا، ولم يكتب سطرًا، ولم يقل شعرًا، ولم يرتجل نثرًا، يأتي بأعظم دين، وبالقرآن الكريم معجزته الخالدة، الذي تحدَّى به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ العرب، وهم أرباب الفصاحة والبلاغة والبيان، فعجزوا أن يأتوا بمثله،
    قال الله تعالى - { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (البقرة:23)،
    وقال تعالى - { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (يونس:38)،
    ومن ثم فأميته ـ صلى الله عليه وسلم ـ كمالٌ في حَقِه، ومعجزة من معجزاته الشريفة، مع أنها في غيره وصف نقصان .

    ولقد اعترف كفار قريش أن القرآن الكريم لا يمكن أن يتأتى لرجل أُمِّيٍّ لا يعرف القراءة ولا الكتابة، فَادَّعَوْا أن ذلك - { سِحْرٌ يُؤْثَرُ } (المدثر: 24) ..
    وفي السيرة النبوية لابن هشام : أن عتبة بن ربيعة لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ عليه قول الله تعالى - { حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } (فصلت: 1-3)، إلى أن بلغ >
    قوله تعالى - { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } (فصلت:13)،
    قال عتبة: حسبك، ما عندك غير هذا؟ قال: لا، فرجع إلى قريش فقالوا: ما وراءك؟
    قال: ما تركت شيئًا أرى أنكم تكلمونه إلا كلمته، قالوا: فهل أجابك؟ فقال: نعم ".

    وفي رواية ابن إسحاق: " فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني قد سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوا، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فاصنعوا ما بدا لكم".

    لقد اقتضت حكمة الله ـ تعالى ـ أن يكون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمّيّا ً، ولعل الحكمة من ذلك أنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لو كان يحسن القراءة والكتابة، لوجد الكفار في ذلك منفذاً للطعن في نبوته، أو الريبة برسالته، وقد جاء تصوير هذا المعنى >
    في قوله تعالى - { وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ }(العنكبوت:48) .

    قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: " قد لبثت في قومك يا محمد من قبل أن تأتي بهذا القرآن عمرا لا تقرأ كتابا ولا تحسن الكتابة، بل كل أحد من قومك وغيرهم يعرف أنك رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب، وهكذا صفته في الكتب المتقدمة .
    كما قال تعالى - { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ } (الأعراف: 157)،
    وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائما إلى يوم الدين، لا يحسن الكتابة، ولا يخط سطرا ولا حرفا بيده، بل كان له كُتّاب يكتبون بين يده الوحي والرسائل إلى الأقاليم"،
    وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : " كان نبيكم ـ صلى الله عليه وسلم ـ أميا لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب " .

    ويقول ابن تيمية: " وقال تعالى - { وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ }(العنكبوت:48)، بين سبحانه من حاله ما يعلمه العامة والخاصة، وهو معلوم لجميع قومه الذين شاهدوه، متواتر عند من غاب عنه، وبلغته أخباره من جميع الناس: أنه كان أميا لا يقرأ كتابا، ولا يحفظ كتابا من الكتب، لا المنزلة ولا غيرها، ولا يقرأ شيئا مكتوبا، لا كتابا منزلا ولا غيره، ولا يكتب بيمينه كتابا، ولا ينسخ شيئا من كتب الناس المنزلة ولا غيرها، ومعلوم أن من يعلم من غيره إما أن يأخذ تلقينا وحفظا، وإما أن يأخذ من كتابه، وهو لم يكن يقرأ شيئا من الكتب من حفظه، ولا يقرأ مكتوبا، والذي يأخذ من كتاب غيره إما أن يقرأه وإما أن ينسخه، وهو لم يكن يقرأ ولا ينسخ " .

    لقد تَعَددت الآيات القرآنية التي تُثْبِتُ أُمِّيَّة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وتَرُدُّ على الذين يَدَّعُونَ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
    قد تَعَلَّم هذا القرآن من قراءته في كتب الأولين، ومن هذه الآيات.
    قوله تعالى - { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ}(الجمعة: 2)،
    وقوله تعالى - { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(الأعراف: 158).

    أعطيت جوامع الكلم :

    من مظاهر عظمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودلائل نبوته -
    ـ رغم أميته وعدم معرفته للقراءة والكتابة ـ أنه صاحب الحكمة البالغة، واللسان المبين، فقد فضله الله ـ عز وجل ـ على غيره من الأنبياء ـ عليهم السلام ـ بأن أعطاه جوامع الكلم،
    فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتكلم بالكلام الموجز، القليل اللفظ الكثير المعاني، وهو ما يسره الله له من البلاغة والفصاحة، وبدائع الحكم ومحاسن العبارات، التي لم تجتمع لأحد قبله ولا بعده، فكان أفصح الناس، وأعذبهم كلاماً، وأحلاهم منطقا، حتى إن كلامه ليأخذ بمجامع القلوب ويأسر الأرواح، شهد له بذلك كل من سمعه..

    عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون ) رواه مسلم،
    وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( ما كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسرد سردكم هذا، ولكن كان يتكلم بكلام بيِّن فصل، يحفظه من جلس إليه ) رواه الترمذي .

    قال العز بن عبد السلام: "ومن خصائصه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه بعث بجوامع الكلم، واختصر له الحديث اختصاراً، وفاق العرب في فصاحته وبلاغته".
    وقال ابن شهاب: "بلغني في جوامع الكلم أن الله يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله".
    وقال سليمان النوفلي: "كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتكلم بالكلام القليل يجمع به المعاني الكثيرة"..

    وعن فصاحته وبلاغته ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول القاضي عياض: " وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول ، فقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ذلك بالمحل الأفضل، والموضع الذي لا يجهل، سلاسة طبع، وبراعة منزع، وإيجاز مقطع، ونصاعة لفظ ، وجزالة قول، وصحة معان، وقلة تكلف .. أوتى جوامع الكلم، وخُصَّ ببدائع الحكم، وعلم ألسنة العرب، فكان يخاطب كل أمة منها بلسانها، ويحاورها بلغتها، ويباريها في منزع بلاغتها، حتى كان كثير من أصحابه يسألونه في غير موطن عن شرح كلامه وتفسير قوله ".

    لا يحتاج العلم بفصاحته وبلاغته صلى الله عليه وسلم إلى شاهد ـ رغم أميته ـ،
    وقد زكَّى الله تعالى قوله ونطقه فقال - { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى } (النجم: 4-3)،
    ومن ثم فقد كانت أُمِّيَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم من دلائل صدقه ونبوته ..

    }}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}
    لا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود {{ خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم }}

    مُساهمة من طرف صادق النور الثلاثاء نوفمبر 12, 2024 8:50 pm

     
    {{ خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم }}

    == صور من حب الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم ==


    من سعادة العبد أن يرزقه الله محبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ،

    فإن محبته ـ صلوات الله وسلامه عليه - أصل من أصول الدين، ولا إيمان لمن لم يكن النبي  صلى الله عليه وسلم ـ أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين،
    قال الله تعالى- { قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }(التوبة:24)،
    وعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ) رواه البخاري .
    قال ابن تيمية: " إن قيام المدحة والثناء عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتعظيم والتوقير له قيام الدين كله وسقوط ذلك سقوط الدين كله ".
    ومحبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
    الحقيقية ليست مجرد كلمات يرددها اللسان، أو دروس وخطب يتلوها الوعاظ والخطباء، ولا يكفي فيها الادعاء فحسب، بل لا بد أن تكون محبته ـ عليه الصلاة والسلام ـ حياة تُعاش، ومنهجاً يتبع، وصدق الله إذ يقول: ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (آل عمران:31).

    وقد تغير مفهوم محبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وانحرف عند البعض, فبعد أن كانت هذه المحبة ـ عند الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ تعني إيثار الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على كل شيء, وطاعته واتباعه في كل أمر, صار مفهومها عندهم تأليف الصلوات المبتدعة, وعمل الموالد, وإنشاد القصائد والمدائح, وبعد أن كان تعظيم وحب الرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتوقيره والأدب معه, صار التعظيم عندهم هو الغلو فيه بإخراجه عن حد البشرية, ورفعه إلى مرتبة الألوهية، وكل ذلك من الوهم والانحراف الذي طرأ على معنى المحبة ومفهومها .

    وقد ترجم الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ حب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ترجمة عملية، فبذلوا أرواحهم وأموالهم رخيصة في سبيل الله، وطاعة وحبا لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ،
    وعبر عن ذلك سعد بن معاذ ـ رضي الله عنه ـ حين قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما ذكر ابن هشام وغيره في السيرة النبوية: " يا رسول الله، هذه أموالنا بين يديك، خذ منها ما شئت ودع منها ما شئت، وما أخذته منها كان أحب إلينا مما تركته، لو استعرضت بنا البحر لخضناه معك ما تخلف منا أحد، إنا والله لَصبرٌ في الحرب صدق عند اللقاء، فامض بنا يا رسول الله حيث أمرك الله
    فكان لسان حالهم ومقالهم عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

    هو المُقَّدم في نفسي على نفسي وأهل بيتـي وأحبابـي وخِلانـي

    وقد سُئِل علي ـ رضي الله عنه ـ كيف كان حبكم لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟،
    قال: " كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا، وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ ".
    وهذه بعض صور من حُبِّ الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
    في غزوة أحد :

    ظهرت صور كثيرة من حب الصحابة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بصورة عملية،
    وذلك حينما حاصر المشركون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه، وخلال هذا الموقف العصيب سارع المسلمون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقاموا حوله سياجاً بأجسادهم وسلاحهم، وبالغوا في الدفاع عنه،
    فقام أبو طلحة يسور نفسه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويرفع صدره ليقيه من سهام العدو، ويقول: " نحري دون نحرك يا رسول الله ".
    وأبو دجانة يحمي ظهر رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - والسهام تقع عليه ولا يتحرك، ومالك بن سنان يمتص الدم من وجنته ـ صلى الله عليه وسلـ  حتى أنقاه، وعرضت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -- صخرة من الجبل فنهض إليها ليعلوها فلم يستطع، فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض عليه، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أوجب طلحة ) أي الجنة.

    وفي صلح الحديبية :

    لمّا قدِم عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ مفاوضا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من طرف قريش وحلفائها،
    قال واصفا ما رآه من حب الصحابة وتعظيمهم للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إنْ رأيت ملكا قَطْ يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له " رواه البخاري .

    أبو بكر :

    استأذن أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الهجرة، فقال له: ( لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً
    فلما أذن الله ـ عز وجل ـ لنبيه بالهجرة قدم على أبي بكر يخبره بالأمر فقال له أبو بكر: " الصحبة يا رسول الله ". فقال له: ( الصحبة )، تقول عائشة ـ رضي الله عنها ـ: ( فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ ) رواه البخاري .

    وفي طريق الهجرة كما ذكر ابن القيم في زاد الميعاد، والبيهقي في الدلائل: " أن أبا بكر ليلة انطلق مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الغار، كان يمشي بين يديه ساعة، ومن خلفه ساعة، فسأله،
    فقال: أذكر الطلب (ما يأتي من الخلف) فأمشي خلفك، وأذكر الرصد (المترصد في الطريق) فأمشي أمامك،
    فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( لو كان شيء أحْبَبْتَ أن تُقتل دوني؟ )، قال: أي والذي بعثك بالحق، فلما انتهيا إلى الغار قال: مكانك يا رسول الله حتى أستبرئ لك الغار، فاستبرأه " .

    وعن البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ قال: (ابتاع أبو بكر من عازب رحلا فحملته معه، قال: فسأله عازب عن مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أخذ علينا بالرصد فخرجنا ليلا فأحيينا ليلتنا ويومنا حتى قام قائم الظهيرة ثم رفعت لنا صخرة فأتيناها ولها شيء من ظل،
    قال: ففرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروة معي ثم اضطجع عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فانطلقت أنفض ما حوله، فإذا أنا براع قد أقبل في غنيمة يريد من الصخرة مثل الذي أردنا، فسألته: لمن أنت يا غلام؟، فقال: أنا لفلان، فقلت له: هل في غنمك من لبن؟، قال: نعم، قلت: له: هل أنت حالب؟، قال: نعم، فأخذ شاة من غنمه، فقلت له: انفض الضرع، قال: فحلب كثبة من لبن ومعي إداوة من ماء عليها خرقة قد روأتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فصببت على اللبن حتى برد أسفله، ثم أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: اشرب يا رسول الله، فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رضيت، ثم ارتحلنا والطلب في إثرنا) رواه البخاري .
    ثوبان :

    قال الله تعالى: { وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا } (النساء: 69)، قال البغوي في تفسيره: "نزلت في ثوبان مولى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وكان شديد الحب لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغيَّر لونه يعرف الحزن في وجهه، فقال له الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ما غيَّر لونك؟ )، فقال: يا رسول الله، ما بي مرض ولا وجع، غير أنّي إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة فأخاف أني لا أراك، لأنك تُرفَع مع النبيين، وإني إن دخلت الجنة في منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبدًا، فنزلت هذه الآية ".
    النساء:

    امرأة من بني دينار في غزوة أحد، أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, فلما نعوهم لها قالت: " ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ، قالوا: خيراً يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه، فأشير لها إليه، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل ـ أي صغيرة ـ " .

    الشباب :

    قال عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ : ( بينما أنا واقف في الصف يوم بدر، نظرت عن يميني وشمالي، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، تمنيت لو كنت بين أضلع منهما،
    فغمزني أحدهما فقال: يا عم هل تعرف أبا جهل؟، قال: قلت: نعم، وما حاجتك إليه يا ابن أخي؟، قال:أُخبِرْت أنه يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده، حتى يموت الأعجل منا،
    قال: فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر فقال مثلها. قال: فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت: ألا تريان؟
    هذا صاحبكما الذي تسألان عنه، قال: فابتدراه بسيفيهما حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبراه، فقال: أيكما قتله؟، فقال كل واحد منهما: أنا قتلته،
    فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: كلاكما قتله، وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح . والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء ) رواه البخاري .

    لقد كان الدافع من حرص الأنصاريين الشابين على قتل أبي جهل هو حبهما لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونصرتهما له، وذلك لما علماه من أن أبا جهل كان يؤذي ويسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم
    وهكذا بلغت محبة شباب الأنصار لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بذل النفس في سبيل الانتقام ممن تعرض للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالأذى .

    هكذا ترجم الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ كبارا وصغارا، رجالا ونساء، محبة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، حباً قدموه فيه على أنفسهم وأهليهم وأموالهم والناس أجمعين، فأين نحن من ذلك؟!

    قُولُوا مَعِي فَخْرَاً لأَعْظَمِ مُرْسَلٍ بِالشَّرِّ نَدَّدْ
    إِنَّا نُحِبُّكَ يَا رَسُولَ الله حُبَّاً لا يُبَدَّدْ
    فَلْتَشْهَدِي يَا أَرْضُ هَذَا وَالسَّمَا وَالكَوْنُ يَشْهَدْ

    إن محبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصادقة حياة من حُرمها، فهو من جملة الأموات،
    يقول ابن القَيّم: " والمقصود أنه بحسب متابعة الرسول صل الله عليه وسلم تكون العزة والكفاية والنصرة، كما أنه بحسب متابعته تكون الهداية والفلاح والنجاة،
    فالله ـ سبحانه - علَّق سعادة الدارين بمتابعته، وجعل شقاوة الدارين في مخالفته، فلأتباعه الهدى والأمن والفلاح، والعزة والكفاية واللذة، والولاية والتأييد، وطيب العيش في الدنيا والآخرة، ولمخالفيه الذلة والصغار، والخوف والضلال، والخذلان والشقاء في الدنيا والآخرة ".

    }}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}}

    {{ خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم }}

    {{ - إنا كفيناك المستهزئين - }}


    يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:

    إنا كفيناك المستهزئين يا محمد، الذين يستهزئون بك ويسخرون منك، فاصدع بأمر الله،
    ولا تخف شيئا سوى الله، فإن الله كافيك من ناصبك وآذاك كما كفاك المستهزئين. وكان رؤساء المستهزئين قوما من قريش معروفين.
    * قال: ثني محمد، قال: كان عظماء المستهزئين كما حدثني يزيد بن رومان عن عُروة بن الزُّبير خمسة نَفَر من قومِه، وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم ، من بني أسد بن عبد العُزَّى بن قصيّ: الأسود بن المطلب أبو زَمْعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه، فقال: اللهمّ أعم بصره، وأثكله ولده ، ومن بني زهرة: الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زُهرة ، ومن بني مخزوم: الوليدُ بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم ، ومن بني سهم بن عمرو بن هُصَيص بن كعب بن لؤيّ: العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سعد بن سَهْم ، ومن خُزاعة: الحارث بن الطُّلاطلة بن عمرو بن الحارث بن عمرو بن مَلْكان ،
    فلما تمادوْا في الشرّ وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء، أنـزل اللَّه تعالى ذكره فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ... إلى قوله ( فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ )
    عن عُروة بن الزبير أو غيره من العلماء ، أن جبرئيل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يطوفون بالبيت فقام ، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه،
    فمرّ به الأسود بن المطلب، فرَمى في وجهه بورقة خضراء، فعَمِي ،
    ومرّ به الأسود بن عبد يغوث، فأشار إلى بطنه فاسْتَسْقَى بطنه ، فمات منه حبنا ،
    ومرّ به الوليد بن المُغيرة، فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله كان أصابه قبل ذلك بسنتين، وهو يجرّ سِبله، يعني إزاره ، وذلك أنه مرّ برجل من خزاعة يَريش نبلا له، فتعلق سهم من نبله بإزاره فخدش رجله ذلك الخدش وليس بشيء، فانتقَض به فقتله ،
    ومرّ به العاص بن وائل السَّهميّ، فأشار إلى أخمص رجله، فخرج على حمار له يريد الطائف ، فوقِصَ على شِبْرِقة، فدخل في أخمص رجله منها شوكة، فقتلته .
    قال أبو جعفر : الشِّبرقة: المعروف بالحَسَك، منه حَبَنا  والحَبَن: الماء الأصفر ،
    ومرّ به الحارث بن الطُّلاطلة، فأشار إلى رأسه، فامتخط قيحا فقتله.
    عن ابن عباس، قال : كان رأسهم الوليد بن المُغيرة، وهو الذي جمعهم.
    عن سعيد بن جبير، في قوله (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)
    قال: كان المستهزئين: الوليدُ بن المغيرة، والعاص بن وائل، وأبو زمعة والأسود بن عبد يغوث، والحارث بن عيطلة.
    فأتاه جبرئيل، فأومأ بأصبعه إلى رأس الوليد، فقال: ما صنعت شيئا، قال: كُفِيت ، وأومأ بيده إلى أخمص العاص، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: ما صَنَعْتَ شَيْئا ، فقال: كُفيت ،
    وأومأ بيده إلى عين أبي زمعة، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: ما صَنَعْتَ شَيْئا، قال: كُفيت.
    وأومأ بأصبعه إلى رأس الأسود، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: دَعْ لي خالي . فقال: كُفِيت ،
    وأومأ بأصبعه إلى بطن الحارث، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: ما صَنَعْتَ شَيْئا ، فقال كُفِيت.
    قال: فمرّ الوليد على قين لخزاعة وهو يجر ثيابه، فتعلقت بثوبه بروة أو شررة  وبين يديه نساء، فجعل يستحي أن يطأ من ينتزعها، وجعلت تضرب ساقه فخدشته، فلم يزل مريضا حتى مات ،
    وركب العاص بن وائل بغلة له بيضاء إلى حاجة له بأسفل مكة، فذهب ينـزل، فوضع أخمص قدمه على شبرقة ، فحكت رجله، فلم يزل يحكها حتى مات ،
    وعمي أبو زمعة ، وأخذت الأكلة في رأس الأسود ، وأخذ الحارث الماء في بطنه.
    عن سعيد بن جبير، في قوله (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) قال: هم خمسة رهط من قريش: الوليدُ بن المغيرة، والعاصُ بن وائل، وأبو زمعة، والحارث بن عيطلة، والأسود بن قيس.
    عن سعيد بن جبير، في قوله (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) قال: الوليد بن المغيرة، والعاصُ بن وائل السَّهْمِيّ، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب، والحارث بن عيطلة.
    عن عكرمة، في قوله (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) قال: هم خمسة كلهم هلك قبل بَدْر: العاص بن وائل، والوليد بن المغيرة، وأبو زمعة بن عبد الأسود، والحارث بن قيس، والأسود بن عبد يغوث.
    عن عكرمة: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) قال: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد يغوث، والحارث بن عيطلة.
    إن سعيد بن جبير وعكرمة اختلفا في رجل من المستهزئين، فقال سعيد: هو الحارث بن عيطلة، وقال عكرمة: هو الحارث بن قيس؟ فقال: صدقا، كانت أمه تسمى عيطلة وأبوه قيس.
    عن الشعبيّ، قال: المستهزئين سبعة ، وسَمَّى منهم أربعة.
    عن جابر، عن عامر: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) قال: كانوا من قريش خمسة نفر: العاصُ بن وائل السهمي، كُفِي بصداع أخذه في رأسه، فسال دماغه حتى كان يتكلم من أنفه ، والوليد بن المغيرة المخزومي، كفي برجل من خزاعة أصلح سهما له، فندرت منه شظية، فوطئ عليها فمات ، وهبار بن الأسود، وعبد يغوث بن وهب، والحارث بن عيطلة.، عن قتادة، وعن مِقْسم ( إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) قال: هم الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وعديّ بن قيس، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب، مرّوا رجلا رجلا على النبيّ صلى الله عليه وسلم ومعه جبرئيل، فإذا مرّ به رجل منهم قال جبرئيل: كيف تجد هذا؟ فيقول: بئس عدوّ الله ، فيقول جبرئيل: كفاكه ، فأما الوليد بن المغيرة ، فتردّى، فتعلق سهم بردائه، فذهب يجلس فقطع أكحله فنـزف فمات ، وأما الأسود بن عبد يغوث، فأُتِي بغصن فيه شوك، فضرب به وجهه، فسالت حدقتاه على وجهه، فكان يقول: دعوت على محمد دعوة، ودعا عليّ دعوة، فاستجيب لي، واستجيب له ، دعا عليّ أن أَعمَى فعميت : ودعوت عليه أن يكون وحيدا فريدا في أهل يثرب فكان كذلك ، وأما العاص بن وائل، فوطئ على شوكة فتساقط لحمه عن عظامه حتى هلك ، وأما الأسود بن المطلب وعديّ بن قيس، فإن أحدهما قام من الليل وهو ظمآن، فشرب ماء من جَرّة، فلم يزل يشرب حتى انفتق بطنه فمات ، وأما الآخر فلدغته حية فمات.

    ، عن قتادة: كَمَا أَنْـزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ * الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ هم رهط خمسة من قريش عضهوا القرآن، زعم بعضهم أنه سحر وزعم بعضهم أنه شعر وزعم بعضهم أنه أساطير الأوّلين:
    أما أحدهم: فالأسود بن عبد يغوث، أتى على نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وهو عند البيت، فقال له الملَك: كيف تجد هذا؟ قال: بِئْسَ عَبْدُ اللَّهِ على أنَّهُ خالي ، قال: كفيناك ،
    ثم أتى عليه الوليد بن المغيرة، فقال له الملَك: كيف تجد هذا؟ قال: بِئْسَ عَبْدُ اللَّهِ ،
    قال: كَفيناك ،
    ثم أتى عليه عدي بن قيس أخو بني سهم، فقال الملك: كيف تجد هذا؟ قال: بِئْسَ عَبْدُ اللَّهِ ، قال: كفيناك ،
    ثم أتى عليه الأسود بن المطلب، فقال له الملك: كيف تجد هذا؟ قال: بِئْسَ عَبْدُ اللَّهِ ، قال: كفيناك ،
    ثم أتى عليه العاص بن وائل، فقال له الملك: كيف تجد هذا؟ قال: بِئْسَ عَبْدُ اللَّهِ ، قال: كفيناك ، فأما الأسود بن عبد يغوث، فأُتي بغصن من شوك فضرب به وجهه حتى سالت حدقتاه على وجهه، فكان بعد ذلك يقول: دعا عليّ محمد بدعوة ودعوت عليه بأخرى، فاستجاب الله له في واستجاب الله لي فيه ، دعا عليّ أن أثكل وأن أعمى، فكان كذلك ، ودعوت عليه أن يصير شريدا طريدا، فطردناه مع يهود يثرب وسرّاق الحجيج، وكان كذلك ،
    وأما الوليد بن المغيرة، فذهب يرتدي، فتعلق بردائه سهم غرب  فأصاب أكحله أو أبجله، فأتي في كلّ ذلك، فمات ،
    وأما العاص بن وائل، فوطئ على شوكة، فأتي في ذلك، جعل يتساقط لحمه عضوا عضوا فمات وهو كذلك ،
    وأما الأسود بن المطلب وعديّ بن قيس، فلا أدري ما أصابهما.
    ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، نهى أصحابه عن قتل أبي البختري،
    وقال: خذوه أخذا، فإنه قد كان له بلاء ، فقال له أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم: يا أبا البختري إنا قد نهينا عن قتلك فهلمّ إلى الأمنة والأمان ،
    فقال أبو البختري: وابن أخي معي؟ فقالوا: لم نؤمر إلا بك ، فراودوه ثلاث مرّات، فأبى إلا وابن أخيه معه،
    قال: فأغلظ للنبيّ صلى الله عليه وسلم الكلام، فحمل عليه رجل من القوم فطعنه فقتله، فجاء قاتله وكأنما على ظهره جبل أوثقه مخافة أن يلومه النبيّ صلى الله عليه وسلم ،
    فلما أخبر بقوله: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: أبْعَدَهُ اللَّهُ وأسْحَقَهُ ، وهم المستهزِئُونَ الذين قال الله (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) وهم الخمسة الذين قيل فيهم (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) استهزءوا بكتابالله، ونبيه صلى الله عليه وسلم.
    عن مجاهد (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) هم من قريش.
    قال: ثنا شبل، وزعم ابن أبي بَزَّة أنهم العاص بن وائل السهمي والوليد بن المغيرة الوحيد، والحارث بن عديّ بن سهم بن العيطلة، والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العُزَّى بن قُصيّ، وهو أبو زمعة، والأسود بن عبد يغوث وهو ابن خال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    ( من تفسير القرطبي للأيه )

    { قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ }(آل عمران: من الآية118) ..
    ما زالت الإساءات للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مستمرة، ولن تنتهي طالما كان هناك من يبغض الإسلام ويحقد على الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ،
    فإن عداوة الكافرين للنبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولدينه عداوة قديمة منذ بعثته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ، وقد بين الله تعالى أن هؤلاء الحاقدين لن يرضوا حتى نتبع ملتهم  -
    { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ }(البقرة : 120) .

    وأحداث التاريخ منذ بعثة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيها الكثير من المواقف والأحداث التي تبين عاقبة من استهزأ بالحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ،
    وتؤكد أن الله تعالى تكفل بالانتقام لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وكفاه ممن استهزأ به، وهذا ماض إلى قيام الساعة دائماً وأبداً ، مصداقاً لقوله تعالى : { إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ }(الحجر:95).
    قال العلامة السعدي في تفسيره لهذه الآية : " وهذا وعْدٌ من الله لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنْ لا يضره المستهزئون، وأنْ يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة، وقد فعل الله تعالى، فإنَّه ما تظاهر أحدٌ بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة " .

    وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كان رجل نصرانياً فأسلم ، وقرأ البقرة وآل عمران، فكان يكتب للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فعاد نصرانياً، فكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله، فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم، نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له، فأعمقوا، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم، فألقوه، فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا، فأصبح قد لفظته الأرض، فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه ) رواه البخاري .

    يقول ابن تيمية: " وهذا أمر خارج عن العادة، يدل كل أحد على أن هذه عقوبة لما قاله، وأنه كان كاذباً، إذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هذا، وأن هذا الجُرم أعظم من مجرد الارتداد، إذ كان عامة المرتدين لا يصيبهم مثل هذا، وأن الله منتقم لرسوله ممن طعن عليه وسبَّه، ومُظْهِرٌ لدينه، وكذب الكاذب... ".

    وينبغي أن يُعْلم أن كفاية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ممن استهزأ به أو آذاه ليست مقصورة على إهلاك هذا المعتدي بقارعة أو نازلة، بل صور هذه الكفاية والحماية متنوعة متعددة،
    قال الله تعالى - {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} (المدثر:31)، ولعل تتبع هذا الأمر يطول،
    غير أننا نكتفي بعرض عدة نماذج، كفى الله فيها رسوله صلى الله عليه وسلم ممن آذاه أو استهزأ به في حياته، وهذه بعض أسمائهم مع بيان حالهم ونهاية حياتهم:

    أبو لهب
    هو عبد العزى بن عبد المطلب: عم النبي صلى الله عليه وسلم، كان من أشد الناس تكذيبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثرهم أذى له، وهو القائل للنبي صلى الله عليه وسلم: "تبا لك! ألهذا جمعتنا؟!".

    وكذلك كانت امرأته من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت تضع الشوك في طريقه، والقذر على بابه، فلا عجب أن نزل فيهم قول الله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ } (سورة المسد:1-5)، وقد أخذ الله أبا لهب بمكة، إذ أصابه بمرض خبيث يقال له: مرض العدسة، وكان ذلك يوم هزيمة المشركين ببدر، فجمع الله عليه البلاء والعذاب النفسي والبدني، فمات شر ميتة.

    ذكر الطبري في "تاريخه": "أن العدسة قرحة كانت العرب تتشاءم بها، ويرون أنها تعدي أشد العدوى، فلما أصابت أبا لهب تباعد عنه بنوه، وبقي بعد موته ثلاثاً، لا تقرب جنازته، ولا يحاول دفنه، فلما خافوا السُّبَّةَ في تركه، حفروا له، ثم دفعوه بعود في حفرته، وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه".

    أبو جهل عمرو بن هشام
    وكنيته أبو الحكم، وكناه المسلمون بأبي جهل؛ لخبثه وسوء أفعاله، كان من أشد قريش عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكم لاقى النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون من إيذائه واستهزائه، هلك ببدر، قتله ابنا عفراء ـ شابان صغيران ـ واجتز رأسه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أحد المستضعفين من المسلمين، وذلك زيادة في إذلاله.

    عقبة بن أبي معيط
    من أشد الناس أذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعداوة له وللمسلمين، وهو الذي وضع سلا الجزور-جلد بعير مذبوح- بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي عند الكعبة، وضحك لذلك كفار قريش، حتى جاءت فاطمة رضي الله عنها، فأبعدته عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: (اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، ثم تسمّي: اللهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد. قال ابن مسعود: فوالله لقد رأيتهم صرعى (قتلى)يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب (البئر) - قليب بدر- ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأتبع أصحاب القليب لعنة) رواه البخاري. وقد هلك هذا الخبيث ـ عقبة بن أبي معيط ـ ببدر، حيث أُسِر بها وقُتِل.

    الأسود بن عبد يغوث :
    من المستهزئين بالرسول صلى الله عليه وسلم، وكان إذا رأى فقراء المسلمين قال لأصحابه مستهزئاً: هؤلاء ملوك الأرض الذين يرثون ملك كسرى. وكان يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: أما كُلِمتَ اليوم من السماء يا محمد؟! وقد أصاب الله هذا الخبيث بقروح في رأسه فمات منها شر ميتة.

    الحارث بن قيس السهمي :
    أحد المسيئين للنبي صلى الله عليه وسلم، الذين ظلوا يؤذونه طول حياتهم، وكان لشدة كفره وجهله يقول: غرَّ محمد أصحابه، ووعدهم أن يحيوا بعد الموت.
    وهلك هذا الكافر بالذبحة؛ إذ أكل حوتاً مملوحاً، فلم يزل يشرب حتى مات، وقد امتلأ رأسه قيحاً، فكانت موتته شر ميتة وأنكرها.

    العاص بن وائل السهمي :
    والد عمرو بن العاص رضي الله عنه، وكان من المستهزئين بالحبيب صلى الله عليه وسلم، وهو القائل لما مات القاسم بن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن محمداً أبتر (مقطوع)، لا يعيش له ولد
    فأنزل الله تعالى فيه سورة الكوثر - {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} (الكوثر:1-3).
    هلك العاص ـ اسم ومسمى ـ بمكة، بسبب شوكة في رجله، انتفخت بسببها، حتى صارت كعنق البعير، فمات بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.

    الأسود بن المطلب أبو زمعة:
    ذكر ابن هشام في سيرته أنه كان يقول لأصحابه مستهزئا بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته: "قد جاءكم ملوك الأرض، ومن يغلب على كنوز كسرى وقيصر، ويصفرون ويصفقون ضحكا وسخرية"، فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يعمى ويثكل (يفقد) ولده،
    فمات أعمي أثكل إلى جهنم وبئس المصير.

    مالك بن الطلاطلة :
    كان سفيهاً من المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فمات بمكة بعد أن امتلأ رأسه قيحاً.
    هؤلاء من صناديد الكفر بمكة، اعتدوا على مقام النبي صلى الله عليه وسلم بالإيذاء والاستهزاء، فأهلكهم الله بأساليب شديدة شتى وفي مدة وجيزة، نكالاً لهم في الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى، وفي ذلك عبرة لمن يعتبر.

    وقصة كسرى وقيصر المشهورة مع النبي صلى الله عليه وسلم جديرة بالتأمل، فقد كتب إليهما النبي صلى الله عليه وسلم، فامتنع كلاهما عن الإسلام، لكن قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأكرم رسوله، فثبَّت الله ملكه، وكسرى مزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستهزأ به، فقتله الله بعد قليل، ومزق ملكه كل ممزق، ولم يبق للأكاسرة مُلك، فكل من أبغض النبي صلى الله عليه وسلم وعاداه، فإن الله يقطع دابره، ويمحق عينه وأثره، وهذا تحقيق وتصديق لقول الله تعالى - {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ} (الكوثر:3) .

    ثم إن المجرم الذي يسيء للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا لم تدركه عقوبة في الدنيا ـ فيما يظهر للناس ـ فإن وراءه يوم عبوس قمطرير شره في الخلق منتشر عظيم الشان
    إن مقام النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ أسمى وأرفع من أن تصل هذه السخرية وأمثالها للنيل منه ومن قدره ومقامه ، ومثل هذا الفيلم المسيء لا يمثل إلا حلقة من حلقات الإهانة التي لا تتوقف ضد نبي الإسلام ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتي لا تزيد المسلمين إلا تمسكاً بدينهم ونصرة لنبيهم ، كما تزيد عدد الباحثين عن حقيقة الإسلام، ومعرفة شخصية الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ومن ثم زيادة عدد الداخلين في الإسلام، كما أثبتت ذلك الإحصائيات التي تلت أزمة الرسوم الدانمركية المسيئة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتي حدثت منذ سبع سنوات ..

    نصرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

    قال الله عز وجل  - { إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا }(التوبة: من الآية40) .. على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يهبوا لنصرة نبيهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ والدفاع عنه، ووسائل نصرته كثيرة ،
    منها :

    ـ تعظيم النبي ـ صلى الله وعليه وسلم ـ وتوقيره ، وتوقير سنته والتمسك بها ، وإظهارها والإعتزاز بها ، ودعوة الناس إلى التمسك بها والعض عليها بالنواجذ،
    قال الله تعالى  -  { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } (الفتح:8، 9)،
    وقال تعالى  -  { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا }(الحشر: من الآية7) .

    ـ على العلماء والدعاة والمربين تعريف المسلمين وغيرهم بسيرة وحياة وأخلاق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والحديث عن مزايا شريعته وهديه ، من خلال وسائل الدعوة والإعلام وبكافة اللغات المختلفة ، لعل الله أن يهدي من شاء منهم إلى الصراط المستقيم ، ولتكون حجة على المعاندين والمكابرين ..

    ـ المقاطعة الفكرية والاقتصادية والثقافية لأعداء النبي ـ صلى الله وعليه وسلم ـ ، وهي أقل درجات الإنكار ولا يعذر فيها أي مسلم مهما كان موقعه ، ومهما كانت قدراته ،
    فإذا كانت نصرة المؤمن للمؤمن واجبة ـ قولاً وفعلاً ـ وأدناها بالقلب ، ثم باللسان ، ثم باليد ، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) ، فنصرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوجب وأعظم ..

    ============================
    لا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود {{ خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم }}

    مُساهمة من طرف صادق النور الأربعاء نوفمبر 13, 2024 5:35 pm

    {{ خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم }}

    (*) - من صور الجفاء مع الحبيب صلى الله عليه وسلم - (*)


    اصطفى الله تعالى الأنبياء وخصهم بإبلاغ وحيه إلى خلقه، وجعلهم خير الناس، وفاضل بينهم ،
    فقال سبحانه: -{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} (البقرة:253)،
    وكان أفضلهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع) رواه البخاري.

    وقد أوجب الله على المسلمين حب نبيهم صلى الله عليه وسلم، إذ أن محبته من الإيمان، بل لا يتم الإيمان إلا إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلى الإنسان من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين، فعن أنس رضي الله عنه قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) رواه البخاري.

    ومن مقتضيات محبتنا للنبي صلى الله عليه وسلم  :
    أن نتبعه في أخلاقه وهديه وسنته، ولكن ـ وللأسف ـ تباعد بنا الزمن، وكثرت بيننا الفتن، وشُغِلنا بالحطام من الدنيا، وغاب عنا الحب الحقيقي لنبينا صلى الله عليه وسلم وإنِ ادَّعيناه، بل نرى في واقع بعضنا مظاهر من الجفاء والتقصير في حب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ثم ينبغي الحذر والبعد عنها.

    ويأتي في أول هذه المظاهر ترك متابعته وتعظيمه، ونسيان سننه أو الاستخفاف بها، وعدم تعلمها والعمل بها، فلا يستقيم حب المسلم للنبي صلى الله عليه وسلم حتى يعظم سنته، ويعمل بها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (فمن رغب عن سنتي فليس مني) رواه البخاري.

    ويدخل في هذه الصورة من الجفاء مع النبي صلى الله عليه وسلم رد بعض الأحاديث الصحيحة الثابتة بحجة مخالفتها للعقل، أو عدم تمشيها مع الواقع، أو المكابرة في قبولها لمخالفتها لهوى النفس، أو الدعوى الباطلة للعمل بالقرآن وحده وترك ما سوى ذلك،
    وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من أمري، مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه) رواه الترمذي.

    قال الحميدي: "كنا عند الشافعي فأتاه رجل، فسأله في مسألة، فقال الشافعي: "قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، فقال الرجل: ما تقول أنت؟ فقال: سبحان الله تراني في كنيسة؟! تراني في بيعة؟! ترى على وسطي زناراً؟! أقول لك: قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت تقول: ما تقول أنت؟!".

    وقال مالك: "أكلما جاءنا رجل أجدل من رجل، تركنا ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم لِجَدله".

    وقال ابن القيم: "ومن الأدب معه صلى الله عليه وسلم ألا يُستشكَل قوله، بل تُستشكَل الآراء لقوله، ولا يُعارَض نصه بقياس، بل تُهدَر الأقيسة وتلقى لنصوصه، ولا يُحرف كلامه عن حقيقته لخيال يسميه أصحابه معقولاً".

    ومن مظاهر الجفاء كذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم :
    ما نراه من عدم الوقار والهيبة، وعدم الاهتمام وعلو الصوت حين الحديث أو الاستماع لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته، وكأنه حديث عابر، أو سيرة رجل عادي،
    مع أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميت كحرمته وهو حي، وقد قال الله تعالى -  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} (الحجرات:2)، ومن ثم حرص عمر بن الخطاب رضي الله عنه على تعليم الناس أن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ميتاً كتعظيمه حيًّا، وذلك من تمام الحب والأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم.

    روى السائب بن يزيد قال: (كنت نائماً في المسجد فحصبني رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب، فقال: اذهب فائتني بهذين فجئته بهما، قال: من أنتما؟ -أو: من أين أنتما؟ـ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه البخاري.

    وكان مالك إذا أراد أن يخرج يحدِّث, توضأ وضوءه للصلاة, ولبس أحسن ثيابه, ومشَّط لحيته, فقيل له في ذلك, فقال: أوقّر به حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وكان عبد الرحمن بن مهدي إذا قرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الحاضرين بالسكوت، فلا يتحدث أحد، ولا يُبرى قلم، ولا يبتسم أحد، ولا يقوم أحد قائماً، كأن على رؤوسهم الطير، أو كأنهم في صلاة.

    ومن صور الجفاء مع النبي صلى الله عليه وسلم، :
    عداء مَنْ يعلمون الناس سنته صلى الله عليه وسلم، ويتمسكون بها، ويدعون إليها، ويتمثل ذلك في اغتيابهم ولمزهم والاستهزاء بهم، وانتقادهم وعيبهم على التزامهم بالسنن ظاهراً وباطناً.

    ويلحق بالجفاء مع النبي صلى الله عليه وسلم عدم معرفة خصائصه ومعجزاته التي خصه الله بها لعلو قدره ومنزلته؛ إذ معرفة خصائصه ومعجزاته وسيرته تزيد المسلم حباً وتوقيراً، وأدباً واتباعاً له صلى الله عليه وسلم.

    ومن الجفاء معه صلى الله عليه وسلم -
    وإن أخذ صورة الحب ـ الغلو فيه، ورفعه فوق منزلة النبوة، وإشراكه في علم الغيب، أو سؤاله من دون الله، أو الحلف به، إذ في ذلك مخالفة لهديه ودعوته، بل يخالف الأصل الذي أرسله الله به وهو التوحيد، فهو صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله، والحق وسط بين الغالي والجافي، ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم: (لا تُطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله) رواه البخاري.

    ومن صور الجفاء التي يُحْرم المسلم بسببها الخير الكثير:
    ترك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم؛ إذ تفوته الصلاة المضاعفة من الله عليه، إذ لم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من صلى عليّ صلاة، صلى الله عليه بها عشراً) رواه البخاري.

    وتلحق بصاحب هذه الصورة من الجفاء صفة البخل التي أطلقها النبي صلى الله عليه وسلم عليه حين قال: (البخيل: من ذُكِرْتُ عنده، فلم يصلِّ عليَّ) رواه الترمذي.

    وكذلك من الجفاء عدم معرفة قدر أصحابه وفضائلهم،
    أو الانتقاص من أحدهم، فقد كان لهم شرف الصحبة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) رواه البخاري.

    فالحب والتوقير للنبي صلى الله عليه وسلم يقتضي موالاة وحب من كان يوالي ويحب، والرضا بما كان يرضى به، والغضب لما كان يغضب له؛ ولذا تمتلئ كتب السنة والسيرة ببيان فضل الصحابة رضوان الله عليهم، وحب النبي صلى الله عليه وسلم لهم، والتحذير من بغض أحد منهم، أو الانتقاص منه، فهم أصحابه الذين صاحبوه، وأحبهم وأحبوه رضوان الله عليهم.

    هذه بعض مظاهر الجفاء التي يتصف بها البعض مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكرناها للحذر منها والبعد عنها، لعل الله أن يزيد المهتدي هدى، والمغالي قصداً واعتدالاً، وأن يبدل الجافي حباً وأدباً، والبعيد قرباً واتباعاً للنبي الحبيب صلى الله عليه وسلم.
    ================================
    {{ خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم }}

    (‘) - من دلائل النبوة شفاء المرضى - (‘‘)


    أجرى الله ـ تبارك وتعالى ـ على يد أنبيائه ورسله من المعجزات الباهرات والدلائل القاطعات ما يدل على صدق دعواهم أنهم رسل الله ،
    قال الله تعالى - { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ }(الحديد: من الآية25) ..
    ولما أرسل الله نبيه عيسى ـ عليه السلام ـ آتاه من الآيات والمعجزات ما يقيم به الحجة على بني إسرائيل ، ومن ذلك إبراء الله الأكمه والأبرص على يديه .
    كما قال تعالى - { وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي }(المائدة: من الآية110) ..

    وكذلك أيد الله خاتم أنبيائه وأفضل رسله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمثل هذا الدليل وهذه المعجزة ، حين شفى على يديه وبِرِيقهِ ونفثه (نفخ بلا ريق) بعضا من أصحابه ..
    فالله ـ عز وجل ـ الشافي ، وهو الذي جعل ريقه ونفثه ـ صلى الله عليه وسلم ـ سببا في الشفاء ، ليكون برهانا على ما أكرم الله به رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الكرامات والدلائل العظيمة ، بيانا لعلو منزلته ، وتأييداً لدعوته ، وتصديقا لنبوته ..

    والأمثلة في ذلك كثيرة ، منها :

    عن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم خيبر : ( لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ،
    قال : فبات الناس يدوكون (يتحدثون) ليلتهم أيهم يُعْطاها ، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلهم يرجوا أن يعطاها ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أين علي بن أبي طالب ؟ ، فقيل : هو يا رسول الله يشتكي عينيه ، قال : فأرسلوا إليه ، فأُتِيَ به فبصق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية )(البخاري)..
    وفي رواية لابن ماجه أن عليا ـ رضي الله عنه ـ قال : ( إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعث إليَّ وأنا أرمد العين يوم خيبر ، قلت : يا رسول الله إني أرمد العين ، فتفل في عيني ثم قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : اللهم أذهب عنه الحر والبرد ، قال : فما وجدت حرا ولا بردا بعد يومئذ )
    وعند بريدة في الدلائل للبيهقي : " فما وجعها علي حتى مضى لسبيله أي مات " ..
    وعند الطبراني من حديث علي : " فما رمدت ولا صدعت مذ دفع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليَّ الراية يوم خيبر .." ..
    قال الشوكاني : " فيه معجزة ظاهرة للنبي " ..

    وعن يزيد بن أبي عبيد ـ رضي الله عنه ـ قال : ( رأيت أثر ضربة في ساق سلمة ، فقلت : يا أبا مسلم ما هذه الضربة ؟ ، فقال هذه ضربة أصابتني يوم خيبر ، فقال الناس : أصيب سلمة ، فأتيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنفث فيه ثلاث نفثات فما اشتكيتها حتى الساعة )(البخاري).

    ويرسل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبدَ الله بن عتيك ورجالاً من الأنصار لاغتيال سلام بن أبي الحُقَيق الذي آذى الله ورسوله ، وبينما عبد الله بن عتيك في طريق العودة وقع فانكسرت ساقه ، فعصبها بعمامة ، ثم يقول ابن عتيك : فانتهيت إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقال : ( ابسط رجلك ، فبسطت رجلي ، فمسحها ، فكأنها لم أشتكِها قط )(البخاري) .
    وذكرالبيهقي في دلائل النبوة : عن حبيب بن يساف ـ رضي الله عنه ـ قال : " شهدت مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مشهدا فأصابتني ضربة على عاتقي فتعلقت يدي ، فأتيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتفل فيها وألزقها فالتأمت وبرأت ، وقتلت الذي ضربني " ..
    وروى ابن حبان : عن عبد الله بن بريدة ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت أبي يقول : إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تفل في رجل عمرو بن معاذ حين قطعت رجله فبرأ ..

    ومن ذلك ماحصل مع تلك المرأة التي كانت تصرع، ففي الحديث أن امرأة سوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إني أصرع وإني أتكشف، فادع الله لي، قال: ( إن شئتِ صبرت ولك الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيك، قالت: أصبر، قالت: فإني أتكشف، فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها ) متفق عليه.

    والدعاء له أثره العظيم والفعّال، فكيف إذا كان من الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا شك أن أثره سيكون أقوى، ومما يُنقل عن الإمام ابن القيم رحمه الله في أثر الدعاء قوله: "وأن علاج الأرواح بالدعوات والتوجه إلى الله يفعل ما لا يناله علاج الأطباء، وأن تأثيره وفعله وتأثر الطبيعة عنه وانفعالها أعظم من تأثير الأدوية البدنية وانفعال الطبيعة عنها، وقد جربنا هذا مراراً نحن وغيرنا، وعقلاء الأطباء معترفون بأن لفعل القوى النفسية وانفعالاتها في شفاء الأمراض عجائب".

    إن جموع الصحابة التي شاهدت سلمة ـ رضي الله عنه ـ يشتكي ساقه ثم رأوه لا يشتكي منها ألما ولا وجعا ، ورأت عليا ـ رضي الله عنه ـ يشتكي عينيه ثم يبرأ منها ، وشاهدت عبد الله بن عتيك ـ رضي الله عنه ـ تنكسر ساقه ثم يبرأ ولا يشعر بألم ـ
    وكل ذلك بريقه ونفثه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، لا يسعهم ـ ومن يأتي بعدهم ـ إلا أن يشهدوا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعلو المنزلة والمكانة ، وبالنبوة والرسالة ..

    ==============================

    {{{ خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم }}}

    )%( أُعْطِيتُ جوامع الكلم )*(


    من مظاهر عظمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودلائل نبوته أنه صاحب الحكمة البالغة ، والكلمة الصادقة ، واللسان المبين ،
    وقد فضله الله ـ عز وجل ـ على غيره من الأنبياء ـ عليهم السلام ـ بأن أعطاه جوامع الكلم، فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتكلم بالكلام الموجز ، القليل اللفظ الكثير المعاني ، وهو ما يسره الله له من البلاغة والفصاحة ، وبدائع الحكم ومحاسن العبارات ..
    عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( فُضِّلتُ على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً ، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون )( مسلم ) .

    وإذا كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ اتصف بصفات لم تجتمع لأحد قبله ولا بعده ،
    فقد كان أفصح الناس ، وأعذبهم كلاماً ، وأحلاهم منطقا ، حتى إن كلامه ليأخذ بمجامع القلوب ويأسر الأرواح ، يعده العاد ،
    ليس بسريع لا يُحفظ ، ولا بكلام منقطع لا يُدركُه السامع ، بل هديه فيه أكمل الهدي ، شهد له بذلك كل من سمعه ،
    ووصفته أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ بقولها : ( ما كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسرد سردكم هذا، ولكن كان يتكلم بكلام بيِّن فصل، يحفظه من جلس إليه ) ( الترمذي ).
    وهذه الخاصية للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، جعلت الكثير من فقهاء الإسلام يختارون من أحاديثه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعض الأحاديث القليلة التي لو أضيفت بعضها إلى بعض فإنها تعبر عن الإسلام بكامله .

    ومن أمثلة ذلك ما فعله الإمام أحمد بن حنبل حين قال : "
    أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث : حديث عمر ـ رضي الله عنه ـ : ( إنما الأعمال بالنيات )( البخاري ) ،
    وحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( من أحْدَثَ في أمرنا هذا ما ليس فيه، فَهُوَ رَد )( البخاري )،
    وحديث النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ : ( الحلال بَيِّنٌ والحرام بين )( البخاري ) " .
    قال العز بن عبد السلام : " ومن خصائصه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه بعث بجوامع الكلم، واختصر له الحديث اختصاراً، وفاق العرب في فصاحته وبلاغته " ..
    وقال ابن شهاب فيما نقله البخاري في صحيحه : " بلغني في جوامع الكلم أن الله يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله .." .
    وقال سليمان النوفلي : " كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتكلم بالكلام القليل يجمع به المعاني الكثيرة " ..

    وجوامع الكلم التي خُص بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على نوعين كما ذكر ذلك ابن رجب الحنبلي .
    فقال:" أحدهما : ما هو في القرآن كقوله تعالى - { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }(النحل:90)،
    قال الحسن البصري : " لم تترك هذه الآية خيراً إلا أمرت به ، ولا شراً إلا نهت عنه " .. الثاني : ما هو في كلامه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو منتشر موجود في السنن المأثورة عنه ، ومن ذلك قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرء ما نوى )(البخاري) ،
    قال الشافعي : " هذا الحديث ثلث العلم ، ويدخل في سبعين بابا من الفقه " .

    وعن فصاحته وبلاغته ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول القاضي عياض :
    " وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول ، فقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ذلك بالمحل الأفضل ، والموضع الذي لا يجهل ، سلاسة طبع ، وبراعة منزع ، وإيجاز مقطع ، ونصاعة لفظ ، وجزالة قول ، وصحة معان ،
    وقلة تكلف ... أوتى جوامع الكلم، وخُصَّ ببدائع الحكم ، وعلم ألسنة العرب ، فكان يخاطب كل أمة منها بلسانها ، ويحاورها بلغتها ، ويباريها في منزع بلاغتها ، حتى كان كثير من أصحابه يسألونه في غير موطن عن شرح كلامه وتفسير قوله .." .
    وعن كلامه المعتاد يقول : " وأما كلامه المعتاد، وفصاحته المعلومة ، وجامع كلمه وحكمه المأثورة ، فقد ألف الناس فيها الدواوين ، وجمعت في ألفاظها ومعانيها الكتب ، ومنها ما لا يوازى فصاحة ، ولا يبارى بلاغة "..

    ثم ذكر رحمه الله أمثلة كثيرة من أقواله ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي تؤيد ذلك، منها :
    قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن )( الترمذي ) ،
    وقوله صل الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ، قلنا : لمن يا رسول الله ؟ ، قال : لله عز وجل ، ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم )( البخاري ) ،
    وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك )( أحمد ) ،
    ( المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد واحدة على من سواهم )( أبو داود ) ،
    ( الناس معادن )( البخاري ) ، ( المستشار مؤتمن )( أبو داود ) ،
    ( ورحم الله عبدا قال خيرا فغنم ، أو سكت عن شر فسلم )( أبو داود ) ،
    ( أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين )( البخاري ) ، ( الظلم ظلمات )( مسلم ) ..
    إلى غير ذلك مما روته الكافة عن الكافة ، من مقاماته ومحاضراته ، وخطبه وأدعيته ، ومخاطباته وعهوده ، مما لا خلاف أنه نزل من ذلك مرتبة لا يقاس بها غيره ، وحاز فيها سبقا لا يُقدر قدره .." ..

    ومن بلاغته وفصاحته وجوامع كلمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ

    ما قاله من الكلم الذي لم يُسْبق إليه ، ولا قاله أحد قبله ، كقوله صل الله عليه وسلم : ( لا يلدغ المؤمن من جُحْر مرتين )( البخاري ) ، ( حمي الوطيس ) ( أحمد ) ..
    قال جابر ـ رضي الله عنه ـ: " والله إنها كلمة ما سمعتها من أحد من العرب قبله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " . وحمي الوطيس أي اشتدت الحرب ..

    إن بلاغة وفصاحة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجوامع كلامه ،
    لا عجب فيها ولا غرابة إذ خصه الله ـ عز وجل ـ بالعناية ، وفضله على سائر خلقه ، وهيأه للوحي ، وحمله البلاغ والبيان ، ففصاحة لسانه ـ صلى الله عليه وسلم ـ غاية لا يُدْرك مداها ، ومنزلة لا يدانى منتهاها ، فهو أفصح خلق الله إذا تكلم ، كلامه كله يثمر علما ،
    ويمتثل شرعا وحكما ، ولا يتكلم بَشَر بكلام أحكم منه في مقالته ، وحري بمن عبر عن مراد الله بلسانه ، وأقام الحجة على عباده ببيانه ، وبين مواضع فروضه ، وأوامره ونواهيه ، أن يكون أحكم الخلق بيانا ، وأفصحهم لسانا .. ومن ثم كانت أحاديثه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ذاتها قواعد كلية جاهزة أو قابلة لأن تصاغ منها القواعد والأصول الفقهيّة ..

    وبالجملة فلا يحتاج العلم بفصاحته وبلاغته ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى شاهد ، ولا ينكرها موافق ولا معاند ، وكيف لا يكون كذلك وهو خاتم النبيين ، وسيد المرسلين، وعلى قلبه نزل القرآن العظيم ،
    وقد زكَّى الله تعالى قوله ونطقه فقال : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى }(النجم 4:3)
    وقال سبحانه - { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } (الشعراء 193: 195) ..
    فأوتي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصارا ،
    وجمع الله له المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة يسيرة ، ليسهل حفظها وتبليغها ،
    وجعل ذلك من أدلة نبوته ، وأعلام رسالته ، وكل هذا من الحفظ الذي تكفل الله به لهذا الدين ...
    =====================================
    لا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم

    مُساهمة من طرف صادق النور الأربعاء نوفمبر 13, 2024 11:28 pm


    (‘) - خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم - (‘)

    {{ - الطب النبوي   - }}3300]الصحة من نعم الله - عز وجل ـ العظيمة على الناس ـ أفرادا ومجتمعات ـ،
    فعن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ) (البخاري).
    والأخذ بمبادئ وتعاليم الصحة وسيلة للتقوي على القيام بأركان الإسلام، وإعزاز ذروة سنامه الجهاد، وهو أيضاً وسيلة الاكتساب والسعي على الرزق.
    وقد احتوت كتب السنة على أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي تتعلق بالأمراض وعلاجها، وكتب بعض العلماء كتباً خاصة في ذلك، مثل: النووي في كتابه الطب النبوي، وابن القيم في كتابه زاد المعاد، وابن حجر في شرحه لصحيح الإمام البخاري، والذهبي في كتابه الطب النبوي وغيرهم.

    والطب النبوي هو مجموع ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما له علاقة بالعلاج والشفاء من الأمراض والأوجاع.
    والطب النبوي ينقسم إلى قسمين:

    الأول: الطب النبوي الوقائي :
    تناولت السنة النبوية جوانب طبية وقائية عديدة في الصحة العامة منها: الأخذ بوسائل صحة البدن، وأسباب وقاية الإنسان من الأمراض قبل وقوعها، وهو ما يسمى بالحَجْر الصحي، وذلك بمنع المصابين بالأمراض الوبائية من مخالطة وملامسة غيرهم، ومنع غير المصابين بالاختلاط بمن هو مصاب بمرض وبائي، والتحذير من عدوى الأمراض كالجذام والطاعون.
    فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع وأنتم بأرض فلا تخرجوا منها فرارا منه) رواه البخاري،
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا توردوا الممرض على المصح) رواه البخاري.

    وهذه الأحاديث وغيرها يؤخذ منها إثبات العدوى والحجر الصحي، والأخذ بأسباب الوقاية من الأمراض. ومن المعلوم أنه قد ثبتت أحاديث في نفي العدوى مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة) رواه البخاري، وهذه من الإشكالات التي تُسمَّى في علم الحديث بالمتعارض، وقد أزال العلماء هذا التعارض وجمعوا بين النصوص.

    قال الإمام النووي بعد أن نقل وجوب الجمع بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض:
    "ثم المختلف قسمان: أحدهما يمكن الجمع بينهما، فيتعين ويجب العمل بالحديثين جميعاً، ومهما أمكن حمل كلام الشارع على وجه يكون أعم للفائدة تعين المصير إليه، ولا يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع؛ لأن في النسخ إخراج أحد الحديثين عن كونه مما يعمل به.
    ومثال الجمع حديث (لا عدوى) مع حديث (لا يورد ممرض على مصح) ووجه الجمع أن الأمراض لا تعدى بطبعها، ولكن جعل الله - سبحانه وتعالى - مخالطتها سببا للإعداء، فنفى في الحديث الأول ما يعتقده الجاهلية من العدوى بطبعها، وأرشد في الثاني إلى مجانبة ما يحصل عنده الضرر عادة بقضاء الله وقدره وفعله ..".
    وقال الشيخ الألباني: "واعلم أنه لا تعارض بين الحديث وبين أحاديث العدوى؛ لأن المقصود منها إثبات العدوى، وأنها تنتقل بإذن الله تعالى من المريض إلى السليم".
    فعلى المسلم أن يعلم الارتباط بين الأسباب والتوكل على الله، وأن الأخذ بالأسباب الشرعية لا ينافي التوكل على الله، وكذلك لا يعتقد في الأسباب فيقع في شرك الأسباب، ولا يترك الأسباب الشرعية فيقع في التواكل والتفريط ..

    الثاني: الطب النبوي العلاجي :
    وهو الأخذ بوسائل الاستشفاء والعلاج من الأمراض التي قد وقعت، وذلك بالتداوي بالرقى الشرعية والأدعية، وبالأدوية المباحة، والأمثلة في ذلك كثيرة منها:
    العلاج بالرقى الشرعية والدعاء

    الفاتحة

    فاتحة الكتاب هي السبع المثاني وأم القرآن، والرقية والدواء النافع، التي من أسمائها الشافية من الهم والغم، والخوف والحزن، وأما تضمنها لعلاج وشفاء الأبدان فقد دلت عليه السنة الصحيحة،
    فعن أبي سعيد رضي الله عنه: (أن رهطا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلقوا في سفرة سافروها، حتى نزلوا بحي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم،
    فلُدِغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم : لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين قد نزلوا بكم لعله أن يكون عند بعضهم شيء،
    فأتوهم فقالوا : يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ فسعينا له بكل شيء لا ينفعه شيء فهل عند أحد منكم شيء ؟،
    فقال بعضهم : نعم والله إني لراق، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جُعْلاً (أجرا) ، فصالحوهم على قطيع من الغنم .. فانطلق فجعل يَتْفُل (النفخ مع قليل من الريق) ويقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الفاتحة:2)
    فكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي ما به قَلَبَة(عِلة). قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له فقال: (وما يدريك أنها رقية؟ أصبتم اقسموا واضربوا لي معكم بسهم) رواه البخاري.

    فدل ذلك على مشروعية الرقية بفاتحة الكتاب، بل مشروعية الرقية عامة وبفاتحة الكتاب خاصة، وعلى أن أخذ الجُعل عليها لا بأس به مطلقاً.
    وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم في الرقية أشياء كثيرة، منها:

    عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يدخل على مريض، لم يحضر أجله فيقول: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك سبع مرات إلا عافاه الله) رواه أحمد.

    وعن عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً يجده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثاً، وقل: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر سبع مرات) رواه ابن حبان.
    وعن أبى نضرة عن أبى سعيد أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا محمد اشتكيت؟ فقال: نعم، قال: باسم الله أرقيك من كل شىء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، باسم الله أرقيك) رواه مسلم.

    وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مريضاً، أو أُتِيَ به قال: (أذهب الباس، رب الناس، اشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً)رواه البخاري.
    وغير ذلك من الرُقَى التي هي من أسباب الشفاء ورفع البلاء بإذن الله، وفي ذلك دلالة على أنَّ الرقية مشروعة، وهي من وسائل الطب النبوي.
    قال ابن القيم: "ومن أعظم علاجات المرض فعل الخير والإحسان، والذكر والدعاء، والتضرع إلى الله والتوبة، والتداوي بالقرآن الكريم، وتأثيره أعظم من الأدوية، لكن بحسب استعداد النفس وقبولها".

    الدعاء
    الدعاء من أنفع الأدوية، خاصة حينما يوقن الداعي بإجابة الله لدعائه، وان يلح في الدعاء، ويترصد لدعائه الأوقات والأحوال الشريفة، كيوم عرفة ورمضان ويوم الجمعة ووقت السحر، ونزول المطر، والسجود، والتحام القتال في سبيل الله، وافتتاح الدعاء بحمد الله والثناء عليه، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
    وهذه نبذة مختصرة من الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مشتملة على الشفاء من أمراض القلوب والأبدان:

    (اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام، ومن سيء الأسقام) رواه أحمد.
    (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم والقسوة، والغفلة والعيلة والذلة، والمسكنة،
    وأعوذ بك من الصمم والبكم والجنون والجذام والبرص وسيء الأسقام) رواه الحاكم.
    (اللهم إني أسألك العفو والعافية) رواه أبو داود،
    (اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء)رواه الترمذي.

    من أدوية العلاج النبوي
    العسل
    عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ـ فقال: إن أخي استطلق بطنه (أصابه إسهال)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسقه عسلاً، فسقاه ثم جاءه فقال : إني سقيته عسلاً، فلم يزده إلا استطلاقاً، فقال له ثلاث مرات، ثم جاء الرابعة، فقال: اسقه عسلاً، فقال: لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق الله وكذب بطن أخيك، فسقاه فبرأ) رواه مسلم.

    وقد أثبت العلماء أن للعسل خاصية عالية في علاج كثير من الأمراض، وله من الفوائد الكثيرة العظيمة ما يجعله موصوفا بما قاله الله عز وجل - {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} (النحل:69).

    ماء زمزم
    أشرف المياه وأعظمها قدراً، وأحبها إلى النفوس وأغلاها، وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لأبي ذر رضي الله عنه ـ وقد أقام بين الكعبة وأستارها أربعين ما بين يوم وليلة ليس له طعام إلا ماء زمزم: (إنها مباركة، إنها طعام طعم)
    وزاد غير مسلم: (وشفاء سِقم). وعن جابر رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (ماء زمزم لما شُرِب له) رواه ابن ماجه.
    وكان صلى الله عليه وسلم يحمل ماء زمزم في الآنية، فكان يصب على المرضى ويسقيهم. وعن مجاهد قال: "ماء زمزم لما شُرِبَ له، إن شربته تريد شفاء شفاك الله، وإن شربته لظمأ أرواك الله".

    قال ابن القيم في كتابه زاد المعاد: "وقد جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أموراً عجيبة، واستشفيت به من عدة أمراض، فبرأت بإذن الله، وشاهدت من يتغذى به الأيام ذوات العدد قريباً من نصف الشهر أو أكثر، ولا يجد جوعاً، ويطوف مع الناس كأحدهم، وأخبرني أنه ربما بقى عليه أربعين يوماً".

    الحجامة
    الحجامة: لغة المص، وهي تشريط موضع الألم لإخراج الدم الفاسد منه، وهي علاج ودواء تعرفه العرب قديما، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يزال يستعمل حتى يومنا هذا،
    وقد احتجم النبي صلى الله عليه وسلم.
    فعن حميد قال: سئل أنس بن مالك عن كسب الحجام فقال: (احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة، فأمر له بصاعين من طعام، وكلم أهله فوضعوا عنه من خراجه، وقال: (إن أفضل ما تداويتم به الحجامة، أو هو من أمثل دوائكم) رواه مسلم.

    وفي حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم، قال: (الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية بنار، وأنا أنهى أمتي عن الكي) رواه البخاري.

    والحجامة نافعة بإذن الله من أوجاع كثيرة خاصة من وجع الرأس،
    فعن سلمى رضي الله عنها ـ خادمة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قالت: (ما كان أحد يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وجعا في رأسه إلا قال: احتجم) رواه أبو داود.

    الحبة السوداء
    الحبة السوداء وتسمى بحبة البركة أو الكمون الأسود أو الشونيز، وقد عُنِيَت بالاهتمام من قبل الطب الحديث لما احتوته من مستخلصات نافعة للصحة، وعلاج لكثير من الأمراض، وتقوية لجهاز المناعة للإنسان ..

    عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء ، إلا من السَّام، قلت: وما السام ؟ قال: الموت ) (البخاري).

    يقول ابن القيم: "وقد تقدم في هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يسأل المريض عن شكواه، وكيف يجده ويسأله عما يشتهيه، ويضع يده على جبهته، وربما وضعها بين ثدييه، ويدعو له، ويصف له ما ينفعه في علته، وربما توضأ وصب على المريض من وضوئه،
    وربما كان يقول للمريض: (لا بأس، طهور إن شاء الله) وهذا من كمال اللطف، وحسن العلاج والتدبير".

    لقد تناول الرسول صلى الله عليه وسلم في طِبه أدواء كثيرة، وبين خصائص كثير من الأدوية. والطب النبوي هو مجموع ما ثبت وروده عنه صلى الله عليه وسلم مما له علاقة بالطب، سواء كان آية قرآنية كريمة، أو أحاديث نبوية صحيحة.

    قال ابن القيم: "وليس طِبُّه صلى الله عليه وسلم كطِبِّ الأطباء، فإن طبَّ النبي صلى الله عليه وسلم متيقَّنٌ قطعي إلهيٌ، صادرٌ عن الوحي ومِشْكاةِ النبوة وكمالِ العقل، وطبُّ غيرِه أكثرُه حَدْسٌ وظنون، وتجارِب، ولا يُنْكَرُ عدمُ انتفاع كثير من المرضى بطبِّ النبوة، فإنه إنما ينتفعُ به مَن تلقَّاه بالقبول، واعتقاد الشفاء به، وكمال التلقي له بالإيمان والإذعان".

    فلنحرص على صحتنا البدنية والروحية بتطبيق هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حياتنا ، فهديه أكمل الهدي ، فصلوات الله وسلامه عليه.

    [center]==============================

    {{{ خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم }}}

    (") الأدب مع الحبيب صلى الله عليه وسلم (")

    والأدب هو استعمال ما يُحمد من الأقوال والأفعال، والأخذ بمكارم الأخلاق،:
    قال ابن حجر:"الأدب: استعمال ما يُحمد قولاً وفعلاً"،
    وقال ابن القيم:"الأدب اجتماع خصال الخير في العبد"، ومن المعلوم أن نبينا صلى الله عليه سلم أفضل الناس خُلُقاً، وأجملهم أدباً، وأحسنهم عفة وحياء، وأشدهم تواضعاً، وأصدقهم لهجة، وأعظمهم أمانة، وأبعدهم عن سوء الأخلاق والأدب، فلم يكن فاحشاً ولا متفحشاً، ولا لعاناً ولا صخاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، اعترف له بذلك أصحابه وأعداؤه، وكان يُسمَّى قبل نبوته الأمين،
    وقد سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (كان خلقه القرآن) رواه أحمد،
    وقالت رضي الله عنها: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحّشاً، ولا صخّاباً فى الأسواق ولا يجزى بالسّيّئة، ولكن يعفو ويصفح) رواه ابن حبان والترمذي وصححه الألباني.
    قال المباركفوري: "(لم يكن فاحشا) أي: ذا فحش في أقواله وأفعاله، (ولا متفحشا) أي: متكلفا فيه ومتعمدا كذا في النهاية،
    قال القاضي: نفت عنه تولي الفحش والتفوه به طبعا وتكلفا، (ولا صخابا) أي: صيّاحاً، ولا يجزي بالسيئة السيئة، بل بالحسنة، (ولكن يعفو) أي: في الباطن، (ويصفح) أي: يعرض في الظاهر عن صاحب السيئة لقوله تعالى - {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ} (المائدة:13)".

    أنقذ الله تبارك وتعالى البشرية المتخبطة في ظلمات الجهل والشرك بخاتم رسله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكشف به الظلمة، وهدى به من الضلالة، وعلم به بعد الجهالة، وجعله إمام الهدى إلى قيام الساعة ..
    وقد حبا الله تعالى رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأخلاق وصفات عظيمة، وأوجب على كل مسلم حبه وتوقيره، فقال تعالى - { لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ }(الفتح: من الآية9) .
    قال السعدي: أي: تعظموه وتُجِّلوه، وتقوموا بحقوقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
    ومن حبه وتعظيمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأدب معه،
    فالأدب معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أدب مع الله، إذ الأدب مع الرسول هو أدب مع المُرْسِل ـ سبحانه ـ، كما أن طاعة الرسول طاعة لله تعالى،
    كما قال الله - { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً }(النساء:80)، فلا يُتصور محبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع سوء أدب معه،
    ومن هنا قال ابن تيمية : " إن قيام المدحة والثناء عليه والتوقير له ـ صلى الله عليه وسلم ـ قيام الدين كله، وسقوط ذلك سقوط الدين كله .." .
    ويقول ابن القيم : " وأما الأدب مع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فالقرآن مملوء به ،
    فرأس الأدب معه كمال التسليم له والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق، دون أن يحمله معارضة خيال باطل يسميه معقولاً، أو يحمله شبهة أو شكا، أو يقدم عليه آراء الرجال وزبالات أذهانهم، فيوحده بالتحكيم والتسليم، والانقياد والإذعان، كما وحد المُرْسِل بالعبادة والخضوع، والذل والإنابة والتوكل،
    فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما :
    توحيد المُرْسِل، وتوحيد متابعة الرسول فلا يُحاكم إلى غيره .." ..
    ولما كان الأدب سلوكا يتعلق بأعمال الإنسان، والأعمال إما قلبية أو قولية أو فعلية، كان الأدب مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لابد وأن يكون أنواعا ثلاثة :
    أدب قلبي، وأدب قولي، وأدب فعلي ..

    الأدب القلبي:
    وهو رأس جميع الآداب، وأصله الإيمان به ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتصديقه، وحبه وتعظيمه وتوقيره، مع اعتقاد تفضيله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على كل أحد من الخَلق، فهو كما وصف نفسه ـ صلى الله عليه وسلم ـ متحدثا بنعمة ربه عليه، قائلا: ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع وأول مشفع ) (مسلم) ..
    ومما ينتج من اعتقاد تفضيله ـ صلى الله عليه وسلم ـ استشعار هيبته وجلالة قدره، واستحضار مكانته ومنزلته، وأخلاقه وشمائله، وكل ما من شأنه أن يجعل القلب ذاكراً لحقه من التوقير والتعظيم، والقلب ملك الأعضاء فمتى كان تعظيم الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ مستقراً في القلب، فإن آثار ذلك ستظهر على جميع الجوارح ..

    أما النوع الثاني للأدب مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
    الأدب القولي :
    وهو ما يتعلق باللسان، واللسان دليل القلب ، والمؤمن كما يتأدب مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقلبه ، فإنه يتأدب معه بقوله ، لأن هذا أمر الله تعالى للمؤمنين، وعلامة من علامات محبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
    يقول ابن القيم : " من الأدب مع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن لا يُتقدم بين يديه بأمر ولا نهي، ولا إذن ولا تصرف حتى يأمر هو ويأذن،
    كما قال تعالى - { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }(الحجرات:1)، وهذا باق إلى يوم القيامة ولم يُنسخ، فالتقدم بين يدي سنته بعد وفاته كالتقدم بين يديه في حياته، ولا فرق بينهما عند كل ذي عقل سليم .." .
    ومن الأدب القولي معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ
    أن لا تُرفع الأصوات فوق صوته فإنه سبب لحبوط الأعمال، فما الظن برفع الآراء والأفكار على سنته وما جاء به؟!،
    قال تعالى - { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ }(الحجرات:2) .

    ومن هذا الأدب ـ مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
    ألا نذكره باسمه فقط، بل لابد من زيادة ذكر النبوة والرسالة لقول الله تعالى - { لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً }(النور: من الآية63).
    ومن الأدب القولي مع الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ
    الصلاة عليه، كما أمر الله تعالى بقوله - { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }(الأحزاب:56)، فالصلاة والسلام على الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أفضل القربات، وأجَّل الأعمال، ومن مظاهر حبه والأدب معه ..
    أما كيفية الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -
    فقد بينها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه حين سألوه عن ذلك، وقد وردت هذه الكيفية من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم
    فعن كعب بن عجرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( قيل يا رسول الله، أمّا السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟، قال: قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد )(البخاري) .

    أما النوع الثالث للأدب مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
    الأدب العملي :
    وهو ما يتعلق بعمل بالجوارح، ويكون بالعمل بشريعته، والتأسي بسنته ظاهراً وباطنا، والتمسك بها والحرص عليها، والدعوة إليها، وتحكيم ما جاء به ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الأمور كلها، والسعي في إظهار دينه، ونصر ما جاء به، وطاعته فيما أمر به، واجتناب ما نهى عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

    قال القاضي عياض : " اعلم أن من أحب شيئاً آثره وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقا في حبه وكان مدعياً، فالصادق في حب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من تظهر علامة ذلك عليه، وأولها الاقتداء به واستعمال سنته، واتباع أقواله وأفعاله، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والتأدب بآدابه في عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه،
    وشاهد هذا قوله تعالى - { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }(آل عمران:31) ".

    ويقول ابن القيم : " ومن الأدب معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن لا يُسْتشكل قوله، بل تستشكل الآراء لقوله، ولا يُعارَض نصه بقياس، بل تهدر الأقيسة وتلقى لنصوصه، ولا يوقف قبول ما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على موافقة أحد " ..

    لقد بيّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله ما ينبغي أن يكون عليه أدب المسلم في طعامه وشرابه، وسلامه واستئذانه، ومجالسته وكلامه، وفي جِدّه ومزاحه، وتهنئته وتعزيته، وفي عطاسه وتثاؤبه، وقيامه وجلوسه، ونومه وقيامه، ومعاملته للصغير والكبير، ومعاشرته لزوجته وأصدقائه، وأمرنا بإفشاء السلام على من نعرف ومن لا نعرف،
    وحثنا على البشاشة والتبسم في وجوه الآخرين، ومناداة الناس بأحب الأسماء إليهم، وزيارة المريض، والإحسان إلى الجار،
    ومساعدة المحتاجين، أوصانا بالنصيحة بآدابها، ورعاية الأيتام والأرامل والمساكين، وإعطاء الطريق حقه من غضٍ للبصر،
    وكفٍ للأذى، وإلقاء السلام والرد عليه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإماطة الأذى، ونهانا عن إيذاء الآخرين، والمناجاة بين اثنين دون ثالثهم..
    إلى غير ذلك من الآداب التي لا حصر لها، والتي ينبغي على المسلم أن يقتدي فيها بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته،
    قال الله تعالى - {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب:21)،
    وقال - {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر:7).

    الأدب وحسن الخُلق من الطرق الموصلة للجنة، ومع ذلك فقد غفل عنهما بعض الناس، فحُرِموا من الكثير من خيْرَي الدنيا والآخرة، يقول ابن القيم: "فما استجلب خير الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استجلب حرمانها بمثل قلة الأدب".
    والأدب أمر لازم وضروري للمسلم مع ربّه سبحانه، ومع نبيه صلى الله عليه وسلم، ومع الخلق عامّة.

    ومن ثم لا يُتصور ممن يدعي حب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والأدب معه إلا أن تنطلق جوارحه بطاعته واتباعه، واتخاذه قدوة وأسوة، فليس الأدب معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ
    مجرد كلمات مدائح خالية من الاتباع والعمل، بل الأدب معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يكون إلا بمحبة صادقة تستوجب اتباعه فيما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، واتخاذه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدوة في الظاهر والباطن، والعبادات والمعاملات والأخلاق،
    قال الله تعالى - { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ }(الأحزاب: من الآية21)

    ================================

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 7:30 am