ما يَحْرُمُ على المُحْرِم، وما يُباحُ له
المبحث الأوَّل: ما يجِبُ على المُحْرِم تَوَقِّيه
يجب على المُحْرِمِ أن يتَوَقَّى ما يلي:
أوَّلًا: الفُحْشُ مِنَ القَوْلِ والفعْلِ
، وذلك منهيٌّ عنه في الإحرامِ وغيرِ الإحرامِ، إلَّا أنَّ الحَظْرَ في الإحرامِ أشَدُّ؛ لحُرمةِ العبادةِ.
ثانيًا: الفُسُوقُ: وهو جميعُ المعاصي، ومنها محظوراتُ الإحرامِ
ثالثًا: الجِدالُ في الحَجِّ: وهو المخاصَمةُ في الباطِلِ، لاسيما مع الرُّفقاءِ والخَدَمِ، أو الجدلُ فيما لا فائدةَ فيه؛ لأنَّ ذلك يُثيرُ الشَّرَّ ويوقِعُ العداوةَ، ويَشْغَلُ عن ذكْرِ اللهِ، أمَّا الجدالُ بالتي هي أحسَنُ لإظهارِ الحَقِّ ورَدِّ الباطِلِ؛ فلا بأسَ
به
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
1- قولُه تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ هذا نهيٌ بصيغةِ النَّفيِ، وهو آكَدُ ما يكون مِنَ النَّهيِ، كأنه قيل: فلا يكونَنَّ رفَثٌ ولا فُسوقٌ ولا جِدالٌ في الحَجِّ
2- قولُه تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج: 25]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((مَن حَجَّ للهِ فلم يَرْفُثْ، ولم يفْسُقْ، رَجَعَ كيومَ وَلَدَتْه أمُّه ))
2- عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((العُمْرةُ إلى العُمْرةِ كفَّارةٌ لِمَا بينهما، والحجُّ المبرورُ ليس له جَزَاءٌ إلَّا الجنَّةُ ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ مِن جُملةِ ما فُسِّرَ به الحجُّ المبرورُ: أنَّه الحجُّ الذي لم يخالِطْه شَيءٌ مِنَ المَأثَمِ
المبحث الثاني: ما يباح للمحرم
المطلب الأول: التِّجارةُ والصِّناعةُ
للمُحْرِمِ أن يتَّجِرَ ويَصْنَعَ في الحَجِّ
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
1- قولُه تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة: 198]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّها نزلتْ في التِّجارةِ في الحجِّ، فعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: (كانت عُكاظٌ، ومَجَنَّةُ، وذو المَجازِ أسواقًا في الجاهليَّة، فتأَثَّموا أن يتَّجِروا في المواسِمِ، فنزلت: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة: 198] في مواسِمِ الحجِّ)
1- قولُه تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِر... لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ [الحج: 27-28]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنه لم يُخَصِّصْ شيئًا مِنَ المنافِعِ دون غيرِها؛ فهو عامٌّ في جميعِها مِنْ منافِعِ الدُّنيا والآخِرةِ
2- قولُه تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا [البقرة: 275]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنه لم يُخَصِّصْ منه حالَ الحَجِّ، فيبقى البيعُ على أصلِ الإباحةِ
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن أبى أُمامَةَ التَّيمِيِّ قال: ((كنتُ رجلًا أَكْرِي في هذا الوَجهِ، وإنَّ ناسًا يقولون: ليس لك حَجٌّ، فقال ابنُ عُمَرَ: أليسَ يُحْرِمُ ويُلَبِّي ويطوفُ بالبيتِ، ويُفْضي من عرفاتٍ، ويرمي الجِمارَ؟ قلتُ: بلى، قال: فإنَّ لك حجًّا،
جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسأَلَه عمَّا سألْتَني عنه، فسَكَت رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فلم يُجِبْه حتى نزلت هذه الآيةُ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة: 198] ، فأرسل إليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقرأ عليه هذه الآيةَ، وقال: لك حَجٌّ ))
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نقل الإجماعَ على جوازِ ذلك ابنُ قُدامة، والنوويُّ، والشنقيطيُّ، والجصَّاصُ، ووَصَفَ القولَ بِسِواه بالشُّذُوذِ
المطلب الثاني: الحِجامةُ
تجوزُ الحِجامةُ للمُحرِم إذا كان له عُذرٌ في ذلك، ولا شيءَ عليه إذا لم يَحلِقْ شَعرًا.
الدليل من الإجماع:
نقلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبدِ البَر، والبَغَويُّ، والقُرْطُبيُّ، والنَّوويُّ، والصَّنعانيُّ
المطلب الثالث: التَّداوي بما ليس بطِيب
يَجوزُ للمُحرِمِ مُباشرةُ ما ليسَ بطِيبٍ والتَّداوي به.
الدليل من الإجماع:
نقلَ الإجماعَ على ذلك: ابن عبد البر
المطلب الرابع: السِّواكُ
يَجوزُ السِّواكُ للمُحرِمِ.
الدليل من الإجماع:
نقلَ الإجماعَ على ذلك: ابن المنذر، والحطاب
المطلب الخامس:
ذَبحُ بَهيمةِ الأنعامِ ونَحْوِها
يجوزُ للمُحْرِم ذَبحُ بهيمةِ الأنعامِ والدَّجاجِ ونَحْوِها.
الدليل من الإجماع:
نقلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزمٍ، وابنُ قُدامة
المبحث الثَّالث:
آدابُ دُخولِ مكَّةَ والمسجِدِ الحَرامِ
المطلب الأوَّل: دخولُ مكَّةَ مِن أعلاها والخُروجُ مِن أسفَلِها
يُستحَبُّ للمُحْرمِ أن يدخُلَ مكَّةَ مِن أعلاها، ويخرُجَ مِن أسفَلِها، إن تيسَّرَ له ذلك وإلَّا فله أن يدخُلَ من أيِّ طريقٍ شاء وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:
عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدخُلُ مِنَ الثَّنِيَّةِ العُلْيا، ويخرُجُ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلى ))
المطلب الثَّاني: الغُسْلُ قبلَ دُخولِ مَكَّة
يُستحَبُّ للمُحْرمِ أن يغتَسِلَ قبل دُخولِه إلى مكَّةَ، وذلك عند ذي طُوًى، أو غيرِه من مداخِلِ مكَّةَ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:
عن نافعٍ قال: ((كان ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما إذا دخل أدنى الحَرَمِ أمسَكَ عن التَّلبيةِ، ثُمَّ يبيتُ بذي طُوًى، ثم يصلِّي به الصُّبحَ، ويغتَسِل ويُحَدِّثُ أنَّ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يفعَلُ ذلك ))
المطلب الثَّالث: دخولُ مكَّةَ نهارًا
يُستحَبُّ للمُحْرمِ أن يدخُلَ مكَّةَ نهارًا، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ: المالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة، وقولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ
الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ:
عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((بات النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بذي طُوًى حتى أصبَحَ، ثم دخلَ مكَّةَ، وكان ابنُ عُمَرَ رَضِيَ
اللهُ عنهما يفعَلُه
))
المطلب الرابع: أن يكون أوَّلَ ما يشتَغِلُ به عند دُخولِه الطَّوافُ بالبَيتِ
يُستحَبُّ للمُحْرمِ عند دخولِه إلى مكَّة أن يبدأ بالطَّواف وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عائشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((أوَّلُ شيءٍ بدأَ به حين قَدِمَ مكَّةَ أنَّه توضَّأَ، ثم طاف بالبيتِ ))
ثانيًا: مِنَ الآثار
عن عُروةَ بنِ الزُّبَيرِ قال: ((حَجَّ أبو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، فكان أوَّلَ شيءٍ بدأ به الطَّوافُ بالبيت، ثم لم تكُنْ عُمْرةً،
ثمَّ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه مثل ذلك، ثم حَجَّ عُثمانُ رَضِيَ اللهُ عنه، فرأيتُه أوَّلُ شيءٍ بدأَ به الطَّوافُ بالبيتِ، ثم لم تكنْ عُمْرةً،
ثمَّ معاويةُ، وعبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، ثم حجَجْتُ مع أبي الزُّبيرِ بنِ العوَّامِ، فكان أولَّ شيءٍ بدأ به الطَّوافُ بالبيتِ، ثم لم تكن عُمْرةً،
ثم رأيتُ المهاجرينَ والأنصارَ يفعلون ذلك، ثمَّ لم تكن عُمْرةً، ثم آخِرُ مَن رأيتُ فَعَلَ ذلك ابنُ عُمَرَ، ثم لم يَنْقُضْها عُمْرةً،
وهذا ابنُ عُمَرَ عندهم فلا يسألونَه، ولا أحَدَ مِمَّن مضى، ما كانوا يبدَؤونَ بشيءٍ حتى يضعوا أقدامَهم مِنَ الطَّوافِ بالبيتِ،
ثم لا يَحِلُّون، وقد رأيتُ أمِّي وخالتي حين تَقْدَمان، لا تَبْتَدِئان بشيءٍ أوَّلَ مِنَ البيت؛ تطوفانِ به، ثمَّ إنَّهما لا تَحِلَّان ))
المطلب الخامس: ما يُقالُ عند دخولِ المسجِدِ الحرامِ
يُسَنُّ أن يدعوَ عندَ دُخولِ المسجدِ الحرامِ، كغيرِه مِنَ المساجِدِ، فيقول: أعوذُ باللهِ العظيمِ، وبوجْهِه الكريمِ، وبِسلطانِه القديمِ، مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيم، اللهُمَّ افتَحْ لي أبوابَ رَحْمَتِك، وعند الخروجِ يقول: اللهمَّ إني أسألُكَ مِن فَضْلِك.
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أبي حُمَيد أو أبي أُسَيدٍ السَّاعديِّ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا دخل أحدُكم المسجِدَ فلْيَقُل: اللهمَّ افتَحْ لي أبوابَ رَحْمَتِك، وإذا خرج فلْيَقُل: اللهُمَّ إنِّي أسألُك مِن فَضْلِك ))
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقول إذا دخل المسجد: ((أعوذُ باللهِ العظيمِ، وبوَجْهِه الكريمِ، وسُلطانِه القديمِ، مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ ))
المطلب السادس: تقديمُ الرِّجْلِ اليُمْنى
يُسَنُّ أن يُقَدِّمَ رِجْلَه اليُمْنى عند دُخولِ المسجِدِ الحرامِ؛ كغيرِه مِنَ المساجد.
الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ:
عمومُ ما جاء عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها؛ حيث قالت: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُحِبُّ التيمُّنَ ما استطاعَ، في شأنِه كُلِّه:
في طُهُورِه، وتَرَجُّلِه، وتَنَعُّلِه ))
--------------
تعريفُ الطَّوافِ ومَشْرُوعِيِّتُه وفضائِلُه
: تعريفُ الطَّوافِ
الطَّوافُ لغةً: دورانُ الشَّيءِ على الشَّيءِ
الطَّوافُ اصطلاحًا: هو التعبُّدُ لله عزَّ وجلَّ، بالدَّوَرانِ حولَ الكعبةِ على صفةٍ مخصوصةٍ
: مشروعيَّة الطَّوافِ
الطَّوافُ بالبيتِ عبادةٌ مَشْروعةٌ.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
1- قولُه تعالى: وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [البقرة: 125]
2- قولُه تعالى: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [الحج: 26]
3- قولُه تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- حديثُ جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، الطَّويلُ، في صِفَةِ حَجِّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((حتَّى إذا أتَيْنا البيتَ معه استلَمَ الرُّكْنَ، فرَمَلَ ثلاثًا، ومشى أربعًا... )) الحديث
2- عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا طاف في الحَجِّ أو العُمْرةِ أوَّلَ ما يَقْدَمُ سعى ثلاثةَ أطوافٍ، ومشى أربعةً، ثم سجَدَ سجدتينِ، ثم يطوفُ بين الصَّفا والمروةِ ))
3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((أوَّلُ شيءٍ بدأ به حين قَدِمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه توضَّأَ، ثم طاف ))
: فَضْلُ الطَّوافِ
عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن طاف بهذا البيتِ أُسْبوعًا فأحصاه، كان كعِتْقِ رقبةٍ؛ لا يضَعُ قَدَمًا، ولا يرفَعُ أخرى، إلَّا حَطَّ اللهُ عنه بها خطيئةً، وكَتَبَ له بها حسنةً ))
: مِن حِكَمِ مَشروعيَّة الطَّوافِ
مِن حِكَم التقرُّبِ إلى اللهِ بعبادةِ الطَّوافِ؛ إقامةُ ذِكرِ الله تبارك وتعالى؛ فما يقومُ بقَلْبِ الطَّائف مِن تعظيمِ الله تعالى يجعَلُه ذاكرًا لله تعالى، وتكون حرَكاتُه ومَشْيُه واستلامُه للحَجَرِ والرُّكنِ اليمانيِّ، والإشارةُ إلى الحَجَر- يكونُ كلُّ ذلك ذِكرًا لله تعالى؛
لأنَّها عباداتٌ، وكلُّ العبادات ذِكرٌ لله تعالى بالمعنى العامِّ، فضلًا عمَّا ينطِقُ به بلسانه مِنَ التكبيرِ والذِّكرِ والدُّعاءِ؛ فهو ذِكرٌ للهِ تعالى
صِفَةُ الطَّوافِ
صِفةُ الطَّوافِ بالبيت هي: أن يبتدِئَ طوافَه مِنَ الرُّكْنِ الذي فيه الحَجَرُ الأَسْوَدُ، فيستقْبِلَه، ويستَلِمَه، ويُقَبِّلَه إن لم يؤذِ النَّاس بالمزاحمةِ، فيحاذيَ بجميعِ بَدَنِه جميعَ الحَجَرِ، ثم يبتدئَ طوافَه جاعلًا يسارَه إلى جهةِ البَيتِ،
ثم يمشِيَ طائفًا بالبيتِ، ثمَّ يمُرَّ وراءَ الحِجْر، ويدورَ بالبيتِ، فيمُرَّ على الرُّكْنِ اليمانيِّ، ثم ينتهي إلى ركُنِ الحَجَرِ الأسودِ،
وهو المحلُّ الذي بدأ منه طوافَه، فتَتِمُّ له بهذا طوفةٌ واحدةٌ، ثم يفعَل كذلك، حتى يُتَمِّمَ سبعًا
... شروطُ الطَّوافِ ...
المطلب الأوَّل: النِّيَّة
يُشْتَرَطُ نيَّةُ أصْلِ الطَّوافِ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ
: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والحَنابِلة
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عُمَرَ بنِ الخطابِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ ))
2- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((الطَّوافُ حَولَ البيتِ مِثلُ الصَّلاةِ، إلَّا أنَّكم تتكلَّمونَ فيه، فمن تكلَّمَ فيه فلا يتكَلَّمنَّ إلَّا بخيرٍ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَمَّى الطَّوافَ صلاةً، والصَّلاةُ لا تَصِحُّ إلا بالنيَّة اتفاقًا
ثانيًا: الطَّوافُ عبادةٌ مقصودةٌ؛ ولهذا يُتَنَفَّل به، فلا بدَّ مِنِ اشتراطِ النيَّةِ فيه
مسألةٌ: هل يُشتَرَطُ تعيينُ نوعِ الطَّوافِ إذا كان في نُسُكٍ مِن حَجٍّ أو عُمْرة؟
لا يُشتَرَط تعيينُ نوعِ الطَّواف إذا كان في نُسُكٍ مِنْ حجٍّ أو عُمْرة, فلو طاف ناسيًا أو ساهيًا عن نوعِ الطَّواف أجزأه عن الطَّوافِ المشروعِ في وَقْتِه، ما دام أنَّه قد نوى النُّسُكَ الذي هو فيه: العُمْرةَ أو الحَجَّ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ مِنَ الحَنَفيَّة, والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة
في الأصَحِّ
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- أنَّه ثبت عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه أمر أصحابَه في حجَّةِ الوداعِ بعدما دخلوا معه وطافوا وسَعَوْا أن يَفْسَخُوا حَجَّهم ويَجْعَلوه عُمْرةً، وكان منهم القارِنُ والمُفْرِدُ، وإنَّما كان طوافُهم عند قُدومِهم طوافَ القُدومِ، وليس بفَرْضٍ، وقد أمَرَهم أن يَجْعَلوه
طوافَ عُمْرةٍ، وهو فَرْضٌ
2- أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يكُنْ يُعْلِنُ لأصحابِه، أو يأمُرُهم بإعلامِ الطَّائفينَ بأنَّ هذا طوافٌ للقُدوم، وذلك طوافٌ للإفاضةِ، بل كان يؤدِّي المناسِكَ، ويقول: ((لِتَأْخُذوا مناسِكَكم ))، ولا شَكَّ أن كثيرًا ممن حَجَّ معه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يكن مستحْضِرًا أنَّ الطَّوافَ بعد الوقوفِ بعَرَفةَ، هو طوافُ الزِّيارة، وهو الطَّوافُ الرُّكْن، وإنَّما كانوا يُتابِعون
النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مناسكِه
ثانيًا: أنَّ نِيَّةَ النُّسُك تَشْمَلُ أعمالَ المناسِك كُلَّها بما فيها الطَّوافُ بأنواعِه، فلا يُحتاجُ إلى نيَّةٍ، كما أنَّ الصَّلاةَ تشمَلُ جميعَ أفعالِها،
ولا يُحتاجُ إلى النيَّةِ في ركوعٍ ولا غيرِه
ثالثًا: أنَّ أركانَ الحجِّ والعُمْرةِ لا تحتاجُ إلى تعيينِ النيَّةِ، كالوقوفِ بعَرَفةَ، والإحرامِ، والسَّعْيِ، والطَّوافُ رُكْنٌ في النُّسُكِ بالإجماع،
فلا يَفْتَقِر إلى تعيينِ النيَّة
رابعًا: أنَّ نِيَّةَ الطَّواف في وقته يقعُ بها عن المشروعِ في ذلك الوقتِ دون الحاجةِ إلى تعيينِ النيَّةِ، فإنَّ خُصوصَ ذلك الوقتِ إنَّما يستحِقُّ خصوصَ ذلك الطَّوافِ بسبب أنَّه في إحرامِ عبادةٍ اقتضت وقوعَه في ذلك الوقتِ، فلا يُشرَع غيرُه
خامسًا: أنَّ القولَ باشتراطِ تعيينِ النيَّة فيه حرجٌ كبيرٌ؛ إذ إنَّ أكثرَ الحُجَّاجِ على جهلٍ كبيرٍ بمناسِكِ الحجِّ، ومعَرَفةِ الواجِبِ فيه
المطلب الثَّاني: سَتْرُ العورةِ
سَتْرُ العورةِ شرطٌ لا يصِحُّ الطَّوافُ بدونه، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: المالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة، وحُكِيَ الإجماعُ على وجوبِه
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قَولُه تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف: 31]
وَجْهُ الدَّلالةِ
أنَّ سببَ نُزولِ الآيةِ أنَّهم كانوا يطوفونَ بالبيتِ عُراةً، وكانت المرأةُ تطوفُ بالبيتِ وهي عُريانةٌ، فنزلت هذه الآيةُ، وقد ثبت هذا التفسيرُ عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، وعلى ذلك جماهيرُ عُلَماءِ التَّفسيرِ، وصورةُ سبَبِ النُّزولِ قطعيَّة الدخولِ عند أكثَرِ
الأصوليِّينَ
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((بعثني أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ في الحجَّةِ التي أمَّره عليها رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قبل حَجَّةِ الوداعِ في رَهْطٍ، يؤذِّنونَ في النَّاسِ يومَ النَّحْر: لا يحُجُّ بعد العامِ مُشْرِكٌ، ولا يطوفُ بالبيتِ عُريانٌ ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الحديثَ يدلُّ على أنَّ عِلَّةَ المنعِ مِنَ الطَّوافِ كونُه عُريانًا، وهو دليلٌ على اشتراطِ سَتْرِ العورةِ للطَّوافِ
ثالثًا: من الآثار
2- عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((الطَّوافُ بالبيتِ صلاةٌ))
وَجْهُ الدَّلالة
أنَّ قَوْلَه: ((الطَّوافُ صلاةٌ)) يدلُّ على أنَّه يُشتَرَط في الطَّوافِ ما يُشتَرَط في الصَّلاة،
إلا ما أخرجه دليلٌ خاصٌّ كالمشيِ فيه، والانحرافِ عن القبلةِ، والكلامِ، ونحوِ ذلك، ولَمَّا كان من شروطِ الصَّلاةِ المُجْمَعِ عليها عند أهل العِلمِ سَتْرُ العَورةِ، كان شرطًا أيضًا لصِحَّةِ الطَّواف
المطلب الثَّالث:.. الطَّهارةُ مِنَ الحدثِ الأصغرِ والأكبرِ في الطَّوافِ ..
الفرع الأوَّل:.. طوافُ الحائِضِ لغيرِ عُذْرٍ ..
يَحْرُمُ طوافُ الحائِضِ لغيرِ عُذرٍ
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لها حينَ حاضت وهي مُحْرِمةٌ: ((افعلي ما يفعَلُ الحاجُّ، غيرَ أن لا تطوفِي بالبيتِ حتى تطهُري))، وفي روايةٍ: ((حتى تغتَسلي ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أن تطوفَ بالبيتِ وهي حائِضٌ، والنهيُ في العباداتِ يقتضي الفسادَ،
وذلك يقتضي بُطلانَ الطَّوافِ لو فعَلَتْه
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ صفيَّةَ حاضت، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وإنَّها لحابِسَتُنا، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، قد زارت يومَ النَّحْرِ، قال: فلْتَنْفِرْ معكم ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أن هذا الحديثَ يدلُّ على أنَّ الحائِضَ تنتظرُ حتى تطهُرَ ثم تطوف، وهذا يدلُّ على اشتراطِ الطَّهارةِ
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
أجمع العُلَماءُ على تحريمِ طوافِ الحائِضِ؛ نقله النوويُّ، وأقرَّه الصَّنعانيُّ
الفرع الثَّاني: طوافُ الحائِضِ عند الضَّرورةِ
يجوزُ للحائِضِ الطَّواف، إذا كانت مضطرةً لذلك، كأن تكونَ مع رُفقةٍ لا ينتظِرونَها ولا يُمْكِنُها البقاءُ، لكن تتوقَّى ما يُخْشَى منه تنجيسُ المسجِدِ بأن تستثْفِرَ، وهذا اختيارُ ابنِ تيميَّة، وابنِ القَيِّمِ وابنِ عُثيمين وبه أفتت اللجنةُ الدائمةُ
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قَولُه تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((وإذا أمَرْتُكم بأمرٍ فَأْتُوا منه ما استَطَعْتُم ))
ثالثًا: أنَّ الصَّلاةَ أعظَمُ مِنَ الطَّواف، ولو عجز المصلِّي عن شرائِطِها مِنَ الطَّهارة أو سَتْرِ العورةِ أو استقبالِ القبلةِ؛ فإنَّه يُصَلِّي
على حسَبِ حالِه، فالطَّوافُ أَوْلى بذلك؛ فإنَّ أصولَ الشريعةِ مبنيَّةٌ على أنَّ ما عجز عنه العبدُ مِن شُروطِ العباداتِ يَسْقُطُ عنه،
وكما لو عجز الطَّائِفُ أن يطوف بنَفْسِه راكبًا وراجِلًا، فإنَّه يُحْمَلُ ويُطافُ به
رابعًا: تستَثْفِرُ لئلَّا يسيلَ الدَّمُ، فيُلَوِّثَ المسجِدَ
الفرع الثالث: طَوافُ المُستحاضَةِ ونَحوِها
تطوفُ المستحاضةُ ومَن به سَلَسُ البَولِ ونحوُهما بالبيتِ، ولا شيءَ عليهما.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابن تيميَّة، وابن القيِّم
الفرع الثَّالث: اشتراطُ الطَّهارة مِنَ الحَدَثِ في الطَّوافِ
أجمَعَ أهلُ العلمِ على مشروعيَّةِ الطَّهارة في الطَّوافِ، ثم اختلفوا في اشتراطِها على أقوالٍ، أقواها قولانِ:
القول الأوّل: أنَّ الطَّهارةَ مِنَ الحَدَثِ شَرْطٌ في صِحَّةِ الطَّوافِ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ مِنَ المالِكيَّة, والشَّافعيَّة, والحَنابِلة
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها ((أوَّلُ شيءٍ بدأ به حين قَدِمَ مكَّة أنه توضَّأَ ثم طاف بالبيتِ
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ فِعْلَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا كان لبيانِ نصٍّ مِن كتابِ الله، فهو على اللُّزومِ والتحتُّم، فدلَّ ذلك على اشتراطِ الطَّهارةِ للطَّوافِ؛ ولأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَيَّنَه بفِعْلِه، وقال: خُذوا عنِّي مناسِكَكم، ولم يَرِدْ دليلٌ يخالِفُ ذلك؛ فثبت أنَّ الطَّهارةَ
للطَّوافِ شَرْطٌ
2- قولُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها حين حاضت، وهي مُحْرِمةٌ: ((افعلي ما يفعَلُ الحاجُّ، غيرَ أن لا تطوفي بالبيتِ، حتَّى تطْهُرِي)) وفي روايةٍ ((حتى تغتَسِلي ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الرسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رخَّصَ لعائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أن تفعلَ وهي حائضٌ كلَّ ما يفعَلُه الحاجُّ غيرَ الطَّوافِ،
فإنَّه جَعَلَه مقيَّدًا باغتسالِها وطهارَتِها مِنَ الحيضِ، فدَلَّ على اشتراطِ الطَّهارةِ للطَّوافِ، وفي معنى الحائِضِ: الجُنُبُ والمُحْدِثُ
3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم أراد مِن صفيَّةَ بعضَ ما يريدُ الرَّجُلُ مِن أهلِه. فقالوا: إنها حائِضٌ يا رسولَ اللهِ. قال: وإنَّها لحابِسَتُنا، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، قد زارت يومَ النَّحْرِ، قال: فلْتَنْفِرْ معكم ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أن هذا الحديثَ يدلُّ على أنَّ الحائِضَ تنتظِرُ حتى تطْهُرَ ثم تطوف، وهذا يدلُّ على اشتراطِ الطَّهارةِ
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((الطَّوافُ بالبيتِ صلاةٌ...))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّه شَبَّه الطَّوافَ بالصَّلاةِ, فدَلَّ ذلك على أنَّ للطَّوافِ جميعَ أحكامِ الصَّلاة إلَّا ما دلَّ الدَّليلُ على استثنائِه؛ كالمَشْيِ، والكلامِ، وغَيْرِه, ومن ذلك الطَّهارةُ؛ لِقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تقبَلُ صلاة بغَير طُهورٍ ))
القول الثاني: أنَّ الطَّهارةَ سُنَّةٌ في الطَّوافِ، وهذا قولٌ عند الحَنَفيَّة، وروايةٌ عن أحمَدَ، وهو قولُ ابْنِ حَزْمٍ، وابنِ تيميَّة، وابنِ القَيِّم،
وابنِ عُثيمين
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنه لم يَنقُلْ أحدٌ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه أمَرَ الطَّائفينَ بالوضوء، ولا باجتنابِ النَّجاسة، لا في عُمَرِهِ ولا في حَجَّتِه مع كثرةِ مَن حَجَّ معه واعتمَرَ، ويمتَنِعُ أن يكون ذلك واجبًا ولا يُبَيِّنه للأمَّة، وتأخيرُ البيانِ عن وَقْتِه ممتنِعٌ
ثانيًا: قياسًا على أركانِ الحَجِّ وواجباتِه؛ فإنَّه لا يُشتَرَط لهما الطَّهارة، فكذلك الطَّوافُ، لا يُشتَرَط له الطَّهارةُ
المطلب الرابع:... ابتداءُ الطَّوافِ مِنَ الحَجَرِ الأسودِ ...
ابتداءُ الطَّوافِ مِنَ الحَجَرِ الأسودِ شَرْطٌ لصحَّةِ الطَّواف، فلا يُعتَدُّ بالشَّوط الذي بدأه بعد الحَجَرِ الأسود، وهو مذهَبُ الشَّافعيَّة,
والحَنابِلة, وروايةٌ عند الحَنَفيَّة، وقولٌ عند المالِكيَّة
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((رأيتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حين يَقْدَمُ مكَّةَ، إذا استلَمَ الرُّكْنَ الأسودَ أوَّلَ ما يطوف؛ يَخُبُّ ثلاثةَ أطوافٍ مِنَ السَّبْعِ ))
2- عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((رَمَلَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الحَجَرِ إلى الحَجَرِ ثلاثًا ومشى أربعًا ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
3- أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واظب على ابتداءِ الطَّوافِ مِنَ الحجَرِ الأسودِ, ومواظَبَتُه دليلٌ على فرضيَّةِ الابتداءِ به؛ لأنَّها بيانٌ لإجمالِ القرآنِ في قَولِه تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ، وقد قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لِتَأْخُذوا مناسِكَكم ))
المطلب الخامس:... أن يجعَلَ البيتَ عن يَسارِه ...
يُشتَرَط أن يجعَلَ البيتَ عن يسارِه، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ مِنَ المالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة
الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ:
عن جابِرِ بنِ عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا قَدِمَ مكَّة أتى الحَجَرَ فاستلَمَه ثم مشى على يمينِه فرَمَلَ ثلاثًا ومشى أربعًا ))، وقد قال: ((لِتَأْخُذوا مناسِكَكم ))
المطلب السادس: ... دخولُ الحِجْرِ ضمِنَ الطَّوافِ ...
الطَّوافُ مِنْ وراءِ الحِجْرِ فَرْضٌ، مَن تَرَكَه لم يُعْتَدَّ بطوافِه، حتى لو مشى على جدارِه لم يُجْزِئْه، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: المالِكيَّة,
والشَّافعيَّة, والحَنابِلة
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لها: ((ألَمْ تَرَيْ أنَّ قَوْمَكِ لَمَّا بَنَوُا الكعبةَ اقتَصَروا عن قواعِدِ إبراهيمَ؟ فقلْتُ: يا رسولَ اللهِ، ألا تَرُدُّها على قواعِدِ إبراهيمَ؟ قال: لولا حِدْثانُ قَوْمِك بالكُفْرِ لفَعَلْتُ، فقال عبدُ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه: لئِنْ كانت عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها سَمِعَتْ هذا من رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما أُرى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَرَكَ استلامَ الرُّكْنينِ اللَّذينِ يَلِيانِ الحِجْرَ إلَّا أنَّ البيتَ لم يُتَمَّمْ على قواعِدِ إبراهيمَ، وعنها قالت: سألتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الجَدْرِ؛ أمِنَ البيتِ هو؟ قال: نَعَمْ ))
1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لولا أنَّ قَوْمَك حديثو عهدٍ بجاهليةٍ- أو قال بكُفْرٍ- لأنفقْتُ كَنْزَ الكعبةِ في سبيلِ اللهِ؛ ولجعَلْتُ بابَها بالأرضِ؛ ولأدخَلْتُ فيها مِنَ الحِجْرِ ))
وَجْهُ الدَّلالةِ مِنَ الحديثينِ:
أنَّ الحِجْر أكثَرُه مِنَ الكعبة؛ فيجب أن يكونَ الطَّوافُ مِن ورائه، فإنْ لم يَطُفْ من ورائِه لم يتحَقَّقِ الطَّوافُ حول الكعبة
2- مواظبةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الطَّوافِ مِن وراءِ الحِجْرِ، وفِعْلُه بيانٌ للقرآنِ الكريم، فيلتَحِق به؛ فيكون فَرضًا
المطلب السابع:... أن يقَعَ الطَّوافُ في المكانِ الخاصِّ (داخِلَ المسجِدِ الحرام) ...
يُشْتَرَط أن يكونَ مكانَ الطَّوافِ حول الكعبةِ المُشَرَّفة داخِلَ المسجِدِ الحرام، قريبًا مِنَ البيتِ أو بعيدًا عنه، وهذا شَرْطٌ متَّفَقٌ عليه بين المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّة, والمالِكيَّة, والشَّافعيَّة, والحَنابِلة، وحُكِيَ الإجماعُ على عَدَمِ صحَّةِ الطَّوافِ خارِجَ المسجِدِ الحرام
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قَولُه تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ، أمر بالطَّوافِ بالبيت، فمن طاف خارجَ البيت لم يكُنْ طائفًا به
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
فِعْلُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم, فقد طاف عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ داخِلَ المسجِدِ الحرامِ، وقال: ((لِتَأْخُذوا مناسِكَكم ))
ثالثًا: أنَّه إذا طاف خارِجَ المسجِدِ لم يكن طائفًا بالبيتِ، وإنَّما طاف حول المسجِدِ
المطلب الثامن:... الطَّوافُ بالبيتِ سَبْعًا ...
يُشتَرَط أن يطوف بالبيتِ سبعًا، ولا يُجْزِئُ أقَلُّ منها، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ مِنَ المالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة،
وهو قول الكمال ابن الهُمامِ مِنَ الحَنَفيَّة، وبه قال بعضُ السَّلَف
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((قَدِمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فطاف بالبيت سبعًا ))، وقد قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لِتَأْخُذوا مناسِكَكم ))
2- عن جابرِ بنِ عبد الله رَضِيَ اللهُ عنهما أنه قال في حديثِه الطَّويلِ في صِفَةِ حجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((حتى إذا أتينا البيتَ معه، استلم الرُّكْنَ فرَمَلَ ثلاثًا، ومشى أربعًا ))
فرعٌ: الشَّكُّ في عَدَدِ الأشواطِ
لو شكَّ في أثناءِ الطَّوافِ في عددِ الأشواطِ التي طافها؛ فإنَّه يبني على اليقينِ، وهو الأقلُّ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: المالِكيَّة، والشَّافعيَّة
والحَنابِلة، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ:
عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا شكَّ أحدُكم في صلاتِه، فلم يَدْرِ كم صلَّى: ثلاثًا أم أربعًا، فلْيَطْرَحِ الشَّكَّ ولْيَبْنِ على ما استيقَنَ، ثم يسجُدْ سجدتينِ قبل أن يُسَلِّمَ؛ فإن كان صلَّى خمسًا شفعْنَ له صلاتَه، وإن كان صلَّى إتمامًا لأربعٍ كانتا ترغيمًا للشيطانِ ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّه أَمَر باطِّراحِ الشَّكِّ والبناءِ على اليقين، وهو الأقلُّ، وفي حُكْمِ الصَّلاةِ: الطَّوافُ
المطلب التاسع: ...الموالاةُ بينَ الأشواطِ ...
تجِبُ الموالاةُ بين الأشواطِ، وهذا مذهب المالِكيَّة، والحَنابِلة، واختاره ابنُ عُثيمين
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والى بين أشواطِ طَوافِه، وقد قال: ((لِتَأْخُذوا مناسِكَكم ))
ثانيًا: أنَّ الطَّواف كالصَّلاةِ؛ فيُشتَرَط له الموالاةُ كسائِرِ الصَّلواتِ، أو أنَّه عبادةٌ متعلِّقةٌ بالبيت؛ فاشتُرِطَتْ لها الموالاةُ كالصَّلاةِ
فرعٌ: - حكمُ قَطْعِ الطَّوافِ إذا أقيمَتِ الصَّلاةُ-
إذا أُقِيمَتْ صلاةُ الفريضةِ، فإنَّه يقطَعُ الطَّوافَ بنيَّةِ الرُّجوعِ إليه بعد الصَّلاة، فإذا قُضِيَتِ الصَّلاة يبدأ من حيث وَقَف، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، وبه قال أكثَرُ أهلِ العِلمِ، وهو قَولُ ابْنِ حَزْمٍ
الأدِلَّة:
دليلُ قَطْعِ الصَّلاة:
عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا أقيمَتِ الصَّلاةُ فلا صلاةَ إلَّا المكتوبةُ ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الطَّوافَ صلاةٌ، فيدخُلُ في عمومِ الخبرِ، بوجوبِ المبادرةِ إلى الصَّلاةِ، وقَطْعِ طوافِه
دليلُ البناءِ على ما سبق:
أنَّ ما سبق بُنِيَ على أساسٍ صحيحٍ، وبمقتضى إذنٍ شرعيٍّ؛ فلا يُمكِنُ أن يكون باطلًا إلَّا بدليلٍ شرعيٍّ
المطلب العاشر: ... المَشيُ للقادِرِ عليه ...
إذا كان قادرًا على المشي، فيجب عليه أن يطوف ماشيًا، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والحَنابِلة
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أمِّ سَلَمةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((شكوتُ إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنِّي أشتكي، قال: طوفي مِن وراءِ النَّاسِ وأنت راكبةٌ، فطفتُ ورسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصَلِّي إلى جَنْبِ البيتِ، يقرأُ بالطُّورِ وكتابٍ مَسطورٍ ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الترخيصَ لها بالطَّوافِ راكبةً بسبب العُذْرِ يدلُّ على أنَّ العزيمةَ بخلاف ذلك، وأنَّ الأصلَ أن يطوفَ ماشِيًا
2- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((طاف رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالبيت في حجَّةِ الوداعِ على راحِلَتِه، يستلِمُ الحَجَرَ بمِحْجَنِه؛ لِأنْ يراه النَّاسُ وَلْيُشْرِفَ وليسألوه؛ فإنَّ النَّاس غَشُوه ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما طاف راكبًا إلا لعُذرٍ، وهو أن يراه النَّاس ليتأسَّوْا به
الفرعٌ الأول: حكمُ الطوافِ راكبًا أو محمولًا للعاجزِ عن المَشي
إذا كان عاجزًا عن المشيِ، وطاف راكبًا أو محمولًا، فلا فداءَ ولا إثمَ عليه.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أمِّ سَلَمةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((شكوتُ إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنِّي أشتكي، قال: طوفي مِن وراءِ النَّاسِ وأنت راكبةٌ، فطفتُ ورسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصَلِّي إلى جَنْبِ البيتِ، يقرأُ بالطُّورِ وكتابٍ مَسطورٍ ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّه رخَّصَ لها في الطَّوافِ راكبةً للعُذْرِ
2- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((طاف رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالبيت في حَجَّةِ الوداع على راحِلَتِه، يستلِمُ الحَجَر بمِحْجَنِه؛ لأن يراه النَّاسُ ولْيُشْرِفَ وليسألوه؛ فإنَّ النَّاس غَشُوه ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طاف راكبًا للعذر، وهو أن يراه النَّاس ليتأسَّوْا به
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابْنُ عَبْدِ البَرِّ، والباجي وابنُ قُدامة وابنُ تيميَّة وابنُ القَيِّم
الفرعٌ الثاني: طوافُ الصَّبيِّ
الصَّبيُّ الصَّغيرُ يُطافُ به.
الدليل من الإجماع:
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابن المنذر
-----------------------------------------------------------------------------------
وما زلنا أحبابنا نستمتع برحله الحج جعلنا و إإياكم من حجاج بيت الله الحرام وزورار سيد ولد عدنان سيدنا محمد صل الله عليه وسلم ... وجزاكم الله خيرا
ولا تنسونا من صالح دعائكم
المبحث الأوَّل: ما يجِبُ على المُحْرِم تَوَقِّيه
يجب على المُحْرِمِ أن يتَوَقَّى ما يلي:
أوَّلًا: الفُحْشُ مِنَ القَوْلِ والفعْلِ
، وذلك منهيٌّ عنه في الإحرامِ وغيرِ الإحرامِ، إلَّا أنَّ الحَظْرَ في الإحرامِ أشَدُّ؛ لحُرمةِ العبادةِ.
ثانيًا: الفُسُوقُ: وهو جميعُ المعاصي، ومنها محظوراتُ الإحرامِ
ثالثًا: الجِدالُ في الحَجِّ: وهو المخاصَمةُ في الباطِلِ، لاسيما مع الرُّفقاءِ والخَدَمِ، أو الجدلُ فيما لا فائدةَ فيه؛ لأنَّ ذلك يُثيرُ الشَّرَّ ويوقِعُ العداوةَ، ويَشْغَلُ عن ذكْرِ اللهِ، أمَّا الجدالُ بالتي هي أحسَنُ لإظهارِ الحَقِّ ورَدِّ الباطِلِ؛ فلا بأسَ
به
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
1- قولُه تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ هذا نهيٌ بصيغةِ النَّفيِ، وهو آكَدُ ما يكون مِنَ النَّهيِ، كأنه قيل: فلا يكونَنَّ رفَثٌ ولا فُسوقٌ ولا جِدالٌ في الحَجِّ
2- قولُه تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج: 25]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((مَن حَجَّ للهِ فلم يَرْفُثْ، ولم يفْسُقْ، رَجَعَ كيومَ وَلَدَتْه أمُّه ))
2- عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((العُمْرةُ إلى العُمْرةِ كفَّارةٌ لِمَا بينهما، والحجُّ المبرورُ ليس له جَزَاءٌ إلَّا الجنَّةُ ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ مِن جُملةِ ما فُسِّرَ به الحجُّ المبرورُ: أنَّه الحجُّ الذي لم يخالِطْه شَيءٌ مِنَ المَأثَمِ
المبحث الثاني: ما يباح للمحرم
المطلب الأول: التِّجارةُ والصِّناعةُ
للمُحْرِمِ أن يتَّجِرَ ويَصْنَعَ في الحَجِّ
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
1- قولُه تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة: 198]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّها نزلتْ في التِّجارةِ في الحجِّ، فعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: (كانت عُكاظٌ، ومَجَنَّةُ، وذو المَجازِ أسواقًا في الجاهليَّة، فتأَثَّموا أن يتَّجِروا في المواسِمِ، فنزلت: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة: 198] في مواسِمِ الحجِّ)
1- قولُه تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِر... لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ [الحج: 27-28]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنه لم يُخَصِّصْ شيئًا مِنَ المنافِعِ دون غيرِها؛ فهو عامٌّ في جميعِها مِنْ منافِعِ الدُّنيا والآخِرةِ
2- قولُه تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا [البقرة: 275]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنه لم يُخَصِّصْ منه حالَ الحَجِّ، فيبقى البيعُ على أصلِ الإباحةِ
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن أبى أُمامَةَ التَّيمِيِّ قال: ((كنتُ رجلًا أَكْرِي في هذا الوَجهِ، وإنَّ ناسًا يقولون: ليس لك حَجٌّ، فقال ابنُ عُمَرَ: أليسَ يُحْرِمُ ويُلَبِّي ويطوفُ بالبيتِ، ويُفْضي من عرفاتٍ، ويرمي الجِمارَ؟ قلتُ: بلى، قال: فإنَّ لك حجًّا،
جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسأَلَه عمَّا سألْتَني عنه، فسَكَت رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فلم يُجِبْه حتى نزلت هذه الآيةُ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة: 198] ، فأرسل إليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقرأ عليه هذه الآيةَ، وقال: لك حَجٌّ ))
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نقل الإجماعَ على جوازِ ذلك ابنُ قُدامة، والنوويُّ، والشنقيطيُّ، والجصَّاصُ، ووَصَفَ القولَ بِسِواه بالشُّذُوذِ
المطلب الثاني: الحِجامةُ
تجوزُ الحِجامةُ للمُحرِم إذا كان له عُذرٌ في ذلك، ولا شيءَ عليه إذا لم يَحلِقْ شَعرًا.
الدليل من الإجماع:
نقلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبدِ البَر، والبَغَويُّ، والقُرْطُبيُّ، والنَّوويُّ، والصَّنعانيُّ
المطلب الثالث: التَّداوي بما ليس بطِيب
يَجوزُ للمُحرِمِ مُباشرةُ ما ليسَ بطِيبٍ والتَّداوي به.
الدليل من الإجماع:
نقلَ الإجماعَ على ذلك: ابن عبد البر
المطلب الرابع: السِّواكُ
يَجوزُ السِّواكُ للمُحرِمِ.
الدليل من الإجماع:
نقلَ الإجماعَ على ذلك: ابن المنذر، والحطاب
المطلب الخامس:
ذَبحُ بَهيمةِ الأنعامِ ونَحْوِها
يجوزُ للمُحْرِم ذَبحُ بهيمةِ الأنعامِ والدَّجاجِ ونَحْوِها.
الدليل من الإجماع:
نقلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزمٍ، وابنُ قُدامة
المبحث الثَّالث:
آدابُ دُخولِ مكَّةَ والمسجِدِ الحَرامِ
المطلب الأوَّل: دخولُ مكَّةَ مِن أعلاها والخُروجُ مِن أسفَلِها
يُستحَبُّ للمُحْرمِ أن يدخُلَ مكَّةَ مِن أعلاها، ويخرُجَ مِن أسفَلِها، إن تيسَّرَ له ذلك وإلَّا فله أن يدخُلَ من أيِّ طريقٍ شاء وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:
عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدخُلُ مِنَ الثَّنِيَّةِ العُلْيا، ويخرُجُ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلى ))
المطلب الثَّاني: الغُسْلُ قبلَ دُخولِ مَكَّة
يُستحَبُّ للمُحْرمِ أن يغتَسِلَ قبل دُخولِه إلى مكَّةَ، وذلك عند ذي طُوًى، أو غيرِه من مداخِلِ مكَّةَ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:
عن نافعٍ قال: ((كان ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما إذا دخل أدنى الحَرَمِ أمسَكَ عن التَّلبيةِ، ثُمَّ يبيتُ بذي طُوًى، ثم يصلِّي به الصُّبحَ، ويغتَسِل ويُحَدِّثُ أنَّ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يفعَلُ ذلك ))
المطلب الثَّالث: دخولُ مكَّةَ نهارًا
يُستحَبُّ للمُحْرمِ أن يدخُلَ مكَّةَ نهارًا، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ: المالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة، وقولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ
الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ:
عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((بات النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بذي طُوًى حتى أصبَحَ، ثم دخلَ مكَّةَ، وكان ابنُ عُمَرَ رَضِيَ
اللهُ عنهما يفعَلُه
))
المطلب الرابع: أن يكون أوَّلَ ما يشتَغِلُ به عند دُخولِه الطَّوافُ بالبَيتِ
يُستحَبُّ للمُحْرمِ عند دخولِه إلى مكَّة أن يبدأ بالطَّواف وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عائشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((أوَّلُ شيءٍ بدأَ به حين قَدِمَ مكَّةَ أنَّه توضَّأَ، ثم طاف بالبيتِ ))
ثانيًا: مِنَ الآثار
عن عُروةَ بنِ الزُّبَيرِ قال: ((حَجَّ أبو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، فكان أوَّلَ شيءٍ بدأ به الطَّوافُ بالبيت، ثم لم تكُنْ عُمْرةً،
ثمَّ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه مثل ذلك، ثم حَجَّ عُثمانُ رَضِيَ اللهُ عنه، فرأيتُه أوَّلُ شيءٍ بدأَ به الطَّوافُ بالبيتِ، ثم لم تكنْ عُمْرةً،
ثمَّ معاويةُ، وعبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، ثم حجَجْتُ مع أبي الزُّبيرِ بنِ العوَّامِ، فكان أولَّ شيءٍ بدأ به الطَّوافُ بالبيتِ، ثم لم تكن عُمْرةً،
ثم رأيتُ المهاجرينَ والأنصارَ يفعلون ذلك، ثمَّ لم تكن عُمْرةً، ثم آخِرُ مَن رأيتُ فَعَلَ ذلك ابنُ عُمَرَ، ثم لم يَنْقُضْها عُمْرةً،
وهذا ابنُ عُمَرَ عندهم فلا يسألونَه، ولا أحَدَ مِمَّن مضى، ما كانوا يبدَؤونَ بشيءٍ حتى يضعوا أقدامَهم مِنَ الطَّوافِ بالبيتِ،
ثم لا يَحِلُّون، وقد رأيتُ أمِّي وخالتي حين تَقْدَمان، لا تَبْتَدِئان بشيءٍ أوَّلَ مِنَ البيت؛ تطوفانِ به، ثمَّ إنَّهما لا تَحِلَّان ))
المطلب الخامس: ما يُقالُ عند دخولِ المسجِدِ الحرامِ
يُسَنُّ أن يدعوَ عندَ دُخولِ المسجدِ الحرامِ، كغيرِه مِنَ المساجِدِ، فيقول: أعوذُ باللهِ العظيمِ، وبوجْهِه الكريمِ، وبِسلطانِه القديمِ، مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيم، اللهُمَّ افتَحْ لي أبوابَ رَحْمَتِك، وعند الخروجِ يقول: اللهمَّ إني أسألُكَ مِن فَضْلِك.
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أبي حُمَيد أو أبي أُسَيدٍ السَّاعديِّ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا دخل أحدُكم المسجِدَ فلْيَقُل: اللهمَّ افتَحْ لي أبوابَ رَحْمَتِك، وإذا خرج فلْيَقُل: اللهُمَّ إنِّي أسألُك مِن فَضْلِك ))
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقول إذا دخل المسجد: ((أعوذُ باللهِ العظيمِ، وبوَجْهِه الكريمِ، وسُلطانِه القديمِ، مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ ))
المطلب السادس: تقديمُ الرِّجْلِ اليُمْنى
يُسَنُّ أن يُقَدِّمَ رِجْلَه اليُمْنى عند دُخولِ المسجِدِ الحرامِ؛ كغيرِه مِنَ المساجد.
الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ:
عمومُ ما جاء عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها؛ حيث قالت: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُحِبُّ التيمُّنَ ما استطاعَ، في شأنِه كُلِّه:
في طُهُورِه، وتَرَجُّلِه، وتَنَعُّلِه ))
--------------
تعريفُ الطَّوافِ ومَشْرُوعِيِّتُه وفضائِلُه
: تعريفُ الطَّوافِ
الطَّوافُ لغةً: دورانُ الشَّيءِ على الشَّيءِ
الطَّوافُ اصطلاحًا: هو التعبُّدُ لله عزَّ وجلَّ، بالدَّوَرانِ حولَ الكعبةِ على صفةٍ مخصوصةٍ
: مشروعيَّة الطَّوافِ
الطَّوافُ بالبيتِ عبادةٌ مَشْروعةٌ.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
1- قولُه تعالى: وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [البقرة: 125]
2- قولُه تعالى: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [الحج: 26]
3- قولُه تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- حديثُ جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، الطَّويلُ، في صِفَةِ حَجِّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((حتَّى إذا أتَيْنا البيتَ معه استلَمَ الرُّكْنَ، فرَمَلَ ثلاثًا، ومشى أربعًا... )) الحديث
2- عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا طاف في الحَجِّ أو العُمْرةِ أوَّلَ ما يَقْدَمُ سعى ثلاثةَ أطوافٍ، ومشى أربعةً، ثم سجَدَ سجدتينِ، ثم يطوفُ بين الصَّفا والمروةِ ))
3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((أوَّلُ شيءٍ بدأ به حين قَدِمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه توضَّأَ، ثم طاف ))
: فَضْلُ الطَّوافِ
عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن طاف بهذا البيتِ أُسْبوعًا فأحصاه، كان كعِتْقِ رقبةٍ؛ لا يضَعُ قَدَمًا، ولا يرفَعُ أخرى، إلَّا حَطَّ اللهُ عنه بها خطيئةً، وكَتَبَ له بها حسنةً ))
: مِن حِكَمِ مَشروعيَّة الطَّوافِ
مِن حِكَم التقرُّبِ إلى اللهِ بعبادةِ الطَّوافِ؛ إقامةُ ذِكرِ الله تبارك وتعالى؛ فما يقومُ بقَلْبِ الطَّائف مِن تعظيمِ الله تعالى يجعَلُه ذاكرًا لله تعالى، وتكون حرَكاتُه ومَشْيُه واستلامُه للحَجَرِ والرُّكنِ اليمانيِّ، والإشارةُ إلى الحَجَر- يكونُ كلُّ ذلك ذِكرًا لله تعالى؛
لأنَّها عباداتٌ، وكلُّ العبادات ذِكرٌ لله تعالى بالمعنى العامِّ، فضلًا عمَّا ينطِقُ به بلسانه مِنَ التكبيرِ والذِّكرِ والدُّعاءِ؛ فهو ذِكرٌ للهِ تعالى
صِفَةُ الطَّوافِ
صِفةُ الطَّوافِ بالبيت هي: أن يبتدِئَ طوافَه مِنَ الرُّكْنِ الذي فيه الحَجَرُ الأَسْوَدُ، فيستقْبِلَه، ويستَلِمَه، ويُقَبِّلَه إن لم يؤذِ النَّاس بالمزاحمةِ، فيحاذيَ بجميعِ بَدَنِه جميعَ الحَجَرِ، ثم يبتدئَ طوافَه جاعلًا يسارَه إلى جهةِ البَيتِ،
ثم يمشِيَ طائفًا بالبيتِ، ثمَّ يمُرَّ وراءَ الحِجْر، ويدورَ بالبيتِ، فيمُرَّ على الرُّكْنِ اليمانيِّ، ثم ينتهي إلى ركُنِ الحَجَرِ الأسودِ،
وهو المحلُّ الذي بدأ منه طوافَه، فتَتِمُّ له بهذا طوفةٌ واحدةٌ، ثم يفعَل كذلك، حتى يُتَمِّمَ سبعًا
... شروطُ الطَّوافِ ...
المطلب الأوَّل: النِّيَّة
يُشْتَرَطُ نيَّةُ أصْلِ الطَّوافِ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ
: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والحَنابِلة
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عُمَرَ بنِ الخطابِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ ))
2- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((الطَّوافُ حَولَ البيتِ مِثلُ الصَّلاةِ، إلَّا أنَّكم تتكلَّمونَ فيه، فمن تكلَّمَ فيه فلا يتكَلَّمنَّ إلَّا بخيرٍ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَمَّى الطَّوافَ صلاةً، والصَّلاةُ لا تَصِحُّ إلا بالنيَّة اتفاقًا
ثانيًا: الطَّوافُ عبادةٌ مقصودةٌ؛ ولهذا يُتَنَفَّل به، فلا بدَّ مِنِ اشتراطِ النيَّةِ فيه
مسألةٌ: هل يُشتَرَطُ تعيينُ نوعِ الطَّوافِ إذا كان في نُسُكٍ مِن حَجٍّ أو عُمْرة؟
لا يُشتَرَط تعيينُ نوعِ الطَّواف إذا كان في نُسُكٍ مِنْ حجٍّ أو عُمْرة, فلو طاف ناسيًا أو ساهيًا عن نوعِ الطَّواف أجزأه عن الطَّوافِ المشروعِ في وَقْتِه، ما دام أنَّه قد نوى النُّسُكَ الذي هو فيه: العُمْرةَ أو الحَجَّ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ مِنَ الحَنَفيَّة, والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة
في الأصَحِّ
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- أنَّه ثبت عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه أمر أصحابَه في حجَّةِ الوداعِ بعدما دخلوا معه وطافوا وسَعَوْا أن يَفْسَخُوا حَجَّهم ويَجْعَلوه عُمْرةً، وكان منهم القارِنُ والمُفْرِدُ، وإنَّما كان طوافُهم عند قُدومِهم طوافَ القُدومِ، وليس بفَرْضٍ، وقد أمَرَهم أن يَجْعَلوه
طوافَ عُمْرةٍ، وهو فَرْضٌ
2- أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يكُنْ يُعْلِنُ لأصحابِه، أو يأمُرُهم بإعلامِ الطَّائفينَ بأنَّ هذا طوافٌ للقُدوم، وذلك طوافٌ للإفاضةِ، بل كان يؤدِّي المناسِكَ، ويقول: ((لِتَأْخُذوا مناسِكَكم ))، ولا شَكَّ أن كثيرًا ممن حَجَّ معه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يكن مستحْضِرًا أنَّ الطَّوافَ بعد الوقوفِ بعَرَفةَ، هو طوافُ الزِّيارة، وهو الطَّوافُ الرُّكْن، وإنَّما كانوا يُتابِعون
النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مناسكِه
ثانيًا: أنَّ نِيَّةَ النُّسُك تَشْمَلُ أعمالَ المناسِك كُلَّها بما فيها الطَّوافُ بأنواعِه، فلا يُحتاجُ إلى نيَّةٍ، كما أنَّ الصَّلاةَ تشمَلُ جميعَ أفعالِها،
ولا يُحتاجُ إلى النيَّةِ في ركوعٍ ولا غيرِه
ثالثًا: أنَّ أركانَ الحجِّ والعُمْرةِ لا تحتاجُ إلى تعيينِ النيَّةِ، كالوقوفِ بعَرَفةَ، والإحرامِ، والسَّعْيِ، والطَّوافُ رُكْنٌ في النُّسُكِ بالإجماع،
فلا يَفْتَقِر إلى تعيينِ النيَّة
رابعًا: أنَّ نِيَّةَ الطَّواف في وقته يقعُ بها عن المشروعِ في ذلك الوقتِ دون الحاجةِ إلى تعيينِ النيَّةِ، فإنَّ خُصوصَ ذلك الوقتِ إنَّما يستحِقُّ خصوصَ ذلك الطَّوافِ بسبب أنَّه في إحرامِ عبادةٍ اقتضت وقوعَه في ذلك الوقتِ، فلا يُشرَع غيرُه
خامسًا: أنَّ القولَ باشتراطِ تعيينِ النيَّة فيه حرجٌ كبيرٌ؛ إذ إنَّ أكثرَ الحُجَّاجِ على جهلٍ كبيرٍ بمناسِكِ الحجِّ، ومعَرَفةِ الواجِبِ فيه
المطلب الثَّاني: سَتْرُ العورةِ
سَتْرُ العورةِ شرطٌ لا يصِحُّ الطَّوافُ بدونه، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: المالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة، وحُكِيَ الإجماعُ على وجوبِه
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قَولُه تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف: 31]
وَجْهُ الدَّلالةِ
أنَّ سببَ نُزولِ الآيةِ أنَّهم كانوا يطوفونَ بالبيتِ عُراةً، وكانت المرأةُ تطوفُ بالبيتِ وهي عُريانةٌ، فنزلت هذه الآيةُ، وقد ثبت هذا التفسيرُ عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، وعلى ذلك جماهيرُ عُلَماءِ التَّفسيرِ، وصورةُ سبَبِ النُّزولِ قطعيَّة الدخولِ عند أكثَرِ
الأصوليِّينَ
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((بعثني أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ في الحجَّةِ التي أمَّره عليها رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قبل حَجَّةِ الوداعِ في رَهْطٍ، يؤذِّنونَ في النَّاسِ يومَ النَّحْر: لا يحُجُّ بعد العامِ مُشْرِكٌ، ولا يطوفُ بالبيتِ عُريانٌ ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الحديثَ يدلُّ على أنَّ عِلَّةَ المنعِ مِنَ الطَّوافِ كونُه عُريانًا، وهو دليلٌ على اشتراطِ سَتْرِ العورةِ للطَّوافِ
ثالثًا: من الآثار
2- عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((الطَّوافُ بالبيتِ صلاةٌ))
وَجْهُ الدَّلالة
أنَّ قَوْلَه: ((الطَّوافُ صلاةٌ)) يدلُّ على أنَّه يُشتَرَط في الطَّوافِ ما يُشتَرَط في الصَّلاة،
إلا ما أخرجه دليلٌ خاصٌّ كالمشيِ فيه، والانحرافِ عن القبلةِ، والكلامِ، ونحوِ ذلك، ولَمَّا كان من شروطِ الصَّلاةِ المُجْمَعِ عليها عند أهل العِلمِ سَتْرُ العَورةِ، كان شرطًا أيضًا لصِحَّةِ الطَّواف
المطلب الثَّالث:.. الطَّهارةُ مِنَ الحدثِ الأصغرِ والأكبرِ في الطَّوافِ ..
الفرع الأوَّل:.. طوافُ الحائِضِ لغيرِ عُذْرٍ ..
يَحْرُمُ طوافُ الحائِضِ لغيرِ عُذرٍ
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لها حينَ حاضت وهي مُحْرِمةٌ: ((افعلي ما يفعَلُ الحاجُّ، غيرَ أن لا تطوفِي بالبيتِ حتى تطهُري))، وفي روايةٍ: ((حتى تغتَسلي ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أن تطوفَ بالبيتِ وهي حائِضٌ، والنهيُ في العباداتِ يقتضي الفسادَ،
وذلك يقتضي بُطلانَ الطَّوافِ لو فعَلَتْه
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ صفيَّةَ حاضت، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وإنَّها لحابِسَتُنا، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، قد زارت يومَ النَّحْرِ، قال: فلْتَنْفِرْ معكم ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أن هذا الحديثَ يدلُّ على أنَّ الحائِضَ تنتظرُ حتى تطهُرَ ثم تطوف، وهذا يدلُّ على اشتراطِ الطَّهارةِ
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
أجمع العُلَماءُ على تحريمِ طوافِ الحائِضِ؛ نقله النوويُّ، وأقرَّه الصَّنعانيُّ
الفرع الثَّاني: طوافُ الحائِضِ عند الضَّرورةِ
يجوزُ للحائِضِ الطَّواف، إذا كانت مضطرةً لذلك، كأن تكونَ مع رُفقةٍ لا ينتظِرونَها ولا يُمْكِنُها البقاءُ، لكن تتوقَّى ما يُخْشَى منه تنجيسُ المسجِدِ بأن تستثْفِرَ، وهذا اختيارُ ابنِ تيميَّة، وابنِ القَيِّمِ وابنِ عُثيمين وبه أفتت اللجنةُ الدائمةُ
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قَولُه تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((وإذا أمَرْتُكم بأمرٍ فَأْتُوا منه ما استَطَعْتُم ))
ثالثًا: أنَّ الصَّلاةَ أعظَمُ مِنَ الطَّواف، ولو عجز المصلِّي عن شرائِطِها مِنَ الطَّهارة أو سَتْرِ العورةِ أو استقبالِ القبلةِ؛ فإنَّه يُصَلِّي
على حسَبِ حالِه، فالطَّوافُ أَوْلى بذلك؛ فإنَّ أصولَ الشريعةِ مبنيَّةٌ على أنَّ ما عجز عنه العبدُ مِن شُروطِ العباداتِ يَسْقُطُ عنه،
وكما لو عجز الطَّائِفُ أن يطوف بنَفْسِه راكبًا وراجِلًا، فإنَّه يُحْمَلُ ويُطافُ به
رابعًا: تستَثْفِرُ لئلَّا يسيلَ الدَّمُ، فيُلَوِّثَ المسجِدَ
الفرع الثالث: طَوافُ المُستحاضَةِ ونَحوِها
تطوفُ المستحاضةُ ومَن به سَلَسُ البَولِ ونحوُهما بالبيتِ، ولا شيءَ عليهما.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابن تيميَّة، وابن القيِّم
الفرع الثَّالث: اشتراطُ الطَّهارة مِنَ الحَدَثِ في الطَّوافِ
أجمَعَ أهلُ العلمِ على مشروعيَّةِ الطَّهارة في الطَّوافِ، ثم اختلفوا في اشتراطِها على أقوالٍ، أقواها قولانِ:
القول الأوّل: أنَّ الطَّهارةَ مِنَ الحَدَثِ شَرْطٌ في صِحَّةِ الطَّوافِ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ مِنَ المالِكيَّة, والشَّافعيَّة, والحَنابِلة
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها ((أوَّلُ شيءٍ بدأ به حين قَدِمَ مكَّة أنه توضَّأَ ثم طاف بالبيتِ
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ فِعْلَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا كان لبيانِ نصٍّ مِن كتابِ الله، فهو على اللُّزومِ والتحتُّم، فدلَّ ذلك على اشتراطِ الطَّهارةِ للطَّوافِ؛ ولأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَيَّنَه بفِعْلِه، وقال: خُذوا عنِّي مناسِكَكم، ولم يَرِدْ دليلٌ يخالِفُ ذلك؛ فثبت أنَّ الطَّهارةَ
للطَّوافِ شَرْطٌ
2- قولُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها حين حاضت، وهي مُحْرِمةٌ: ((افعلي ما يفعَلُ الحاجُّ، غيرَ أن لا تطوفي بالبيتِ، حتَّى تطْهُرِي)) وفي روايةٍ ((حتى تغتَسِلي ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الرسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رخَّصَ لعائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أن تفعلَ وهي حائضٌ كلَّ ما يفعَلُه الحاجُّ غيرَ الطَّوافِ،
فإنَّه جَعَلَه مقيَّدًا باغتسالِها وطهارَتِها مِنَ الحيضِ، فدَلَّ على اشتراطِ الطَّهارةِ للطَّوافِ، وفي معنى الحائِضِ: الجُنُبُ والمُحْدِثُ
3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم أراد مِن صفيَّةَ بعضَ ما يريدُ الرَّجُلُ مِن أهلِه. فقالوا: إنها حائِضٌ يا رسولَ اللهِ. قال: وإنَّها لحابِسَتُنا، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، قد زارت يومَ النَّحْرِ، قال: فلْتَنْفِرْ معكم ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أن هذا الحديثَ يدلُّ على أنَّ الحائِضَ تنتظِرُ حتى تطْهُرَ ثم تطوف، وهذا يدلُّ على اشتراطِ الطَّهارةِ
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((الطَّوافُ بالبيتِ صلاةٌ...))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّه شَبَّه الطَّوافَ بالصَّلاةِ, فدَلَّ ذلك على أنَّ للطَّوافِ جميعَ أحكامِ الصَّلاة إلَّا ما دلَّ الدَّليلُ على استثنائِه؛ كالمَشْيِ، والكلامِ، وغَيْرِه, ومن ذلك الطَّهارةُ؛ لِقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تقبَلُ صلاة بغَير طُهورٍ ))
القول الثاني: أنَّ الطَّهارةَ سُنَّةٌ في الطَّوافِ، وهذا قولٌ عند الحَنَفيَّة، وروايةٌ عن أحمَدَ، وهو قولُ ابْنِ حَزْمٍ، وابنِ تيميَّة، وابنِ القَيِّم،
وابنِ عُثيمين
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنه لم يَنقُلْ أحدٌ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه أمَرَ الطَّائفينَ بالوضوء، ولا باجتنابِ النَّجاسة، لا في عُمَرِهِ ولا في حَجَّتِه مع كثرةِ مَن حَجَّ معه واعتمَرَ، ويمتَنِعُ أن يكون ذلك واجبًا ولا يُبَيِّنه للأمَّة، وتأخيرُ البيانِ عن وَقْتِه ممتنِعٌ
ثانيًا: قياسًا على أركانِ الحَجِّ وواجباتِه؛ فإنَّه لا يُشتَرَط لهما الطَّهارة، فكذلك الطَّوافُ، لا يُشتَرَط له الطَّهارةُ
المطلب الرابع:... ابتداءُ الطَّوافِ مِنَ الحَجَرِ الأسودِ ...
ابتداءُ الطَّوافِ مِنَ الحَجَرِ الأسودِ شَرْطٌ لصحَّةِ الطَّواف، فلا يُعتَدُّ بالشَّوط الذي بدأه بعد الحَجَرِ الأسود، وهو مذهَبُ الشَّافعيَّة,
والحَنابِلة, وروايةٌ عند الحَنَفيَّة، وقولٌ عند المالِكيَّة
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((رأيتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حين يَقْدَمُ مكَّةَ، إذا استلَمَ الرُّكْنَ الأسودَ أوَّلَ ما يطوف؛ يَخُبُّ ثلاثةَ أطوافٍ مِنَ السَّبْعِ ))
2- عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((رَمَلَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الحَجَرِ إلى الحَجَرِ ثلاثًا ومشى أربعًا ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
3- أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واظب على ابتداءِ الطَّوافِ مِنَ الحجَرِ الأسودِ, ومواظَبَتُه دليلٌ على فرضيَّةِ الابتداءِ به؛ لأنَّها بيانٌ لإجمالِ القرآنِ في قَولِه تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ، وقد قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لِتَأْخُذوا مناسِكَكم ))
المطلب الخامس:... أن يجعَلَ البيتَ عن يَسارِه ...
يُشتَرَط أن يجعَلَ البيتَ عن يسارِه، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ مِنَ المالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة
الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ:
عن جابِرِ بنِ عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا قَدِمَ مكَّة أتى الحَجَرَ فاستلَمَه ثم مشى على يمينِه فرَمَلَ ثلاثًا ومشى أربعًا ))، وقد قال: ((لِتَأْخُذوا مناسِكَكم ))
المطلب السادس: ... دخولُ الحِجْرِ ضمِنَ الطَّوافِ ...
الطَّوافُ مِنْ وراءِ الحِجْرِ فَرْضٌ، مَن تَرَكَه لم يُعْتَدَّ بطوافِه، حتى لو مشى على جدارِه لم يُجْزِئْه، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: المالِكيَّة,
والشَّافعيَّة, والحَنابِلة
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لها: ((ألَمْ تَرَيْ أنَّ قَوْمَكِ لَمَّا بَنَوُا الكعبةَ اقتَصَروا عن قواعِدِ إبراهيمَ؟ فقلْتُ: يا رسولَ اللهِ، ألا تَرُدُّها على قواعِدِ إبراهيمَ؟ قال: لولا حِدْثانُ قَوْمِك بالكُفْرِ لفَعَلْتُ، فقال عبدُ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه: لئِنْ كانت عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها سَمِعَتْ هذا من رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما أُرى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَرَكَ استلامَ الرُّكْنينِ اللَّذينِ يَلِيانِ الحِجْرَ إلَّا أنَّ البيتَ لم يُتَمَّمْ على قواعِدِ إبراهيمَ، وعنها قالت: سألتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الجَدْرِ؛ أمِنَ البيتِ هو؟ قال: نَعَمْ ))
1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لولا أنَّ قَوْمَك حديثو عهدٍ بجاهليةٍ- أو قال بكُفْرٍ- لأنفقْتُ كَنْزَ الكعبةِ في سبيلِ اللهِ؛ ولجعَلْتُ بابَها بالأرضِ؛ ولأدخَلْتُ فيها مِنَ الحِجْرِ ))
وَجْهُ الدَّلالةِ مِنَ الحديثينِ:
أنَّ الحِجْر أكثَرُه مِنَ الكعبة؛ فيجب أن يكونَ الطَّوافُ مِن ورائه، فإنْ لم يَطُفْ من ورائِه لم يتحَقَّقِ الطَّوافُ حول الكعبة
2- مواظبةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الطَّوافِ مِن وراءِ الحِجْرِ، وفِعْلُه بيانٌ للقرآنِ الكريم، فيلتَحِق به؛ فيكون فَرضًا
المطلب السابع:... أن يقَعَ الطَّوافُ في المكانِ الخاصِّ (داخِلَ المسجِدِ الحرام) ...
يُشْتَرَط أن يكونَ مكانَ الطَّوافِ حول الكعبةِ المُشَرَّفة داخِلَ المسجِدِ الحرام، قريبًا مِنَ البيتِ أو بعيدًا عنه، وهذا شَرْطٌ متَّفَقٌ عليه بين المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّة, والمالِكيَّة, والشَّافعيَّة, والحَنابِلة، وحُكِيَ الإجماعُ على عَدَمِ صحَّةِ الطَّوافِ خارِجَ المسجِدِ الحرام
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قَولُه تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ، أمر بالطَّوافِ بالبيت، فمن طاف خارجَ البيت لم يكُنْ طائفًا به
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
فِعْلُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم, فقد طاف عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ داخِلَ المسجِدِ الحرامِ، وقال: ((لِتَأْخُذوا مناسِكَكم ))
ثالثًا: أنَّه إذا طاف خارِجَ المسجِدِ لم يكن طائفًا بالبيتِ، وإنَّما طاف حول المسجِدِ
المطلب الثامن:... الطَّوافُ بالبيتِ سَبْعًا ...
يُشتَرَط أن يطوف بالبيتِ سبعًا، ولا يُجْزِئُ أقَلُّ منها، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ مِنَ المالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة،
وهو قول الكمال ابن الهُمامِ مِنَ الحَنَفيَّة، وبه قال بعضُ السَّلَف
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((قَدِمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فطاف بالبيت سبعًا ))، وقد قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لِتَأْخُذوا مناسِكَكم ))
2- عن جابرِ بنِ عبد الله رَضِيَ اللهُ عنهما أنه قال في حديثِه الطَّويلِ في صِفَةِ حجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((حتى إذا أتينا البيتَ معه، استلم الرُّكْنَ فرَمَلَ ثلاثًا، ومشى أربعًا ))
فرعٌ: الشَّكُّ في عَدَدِ الأشواطِ
لو شكَّ في أثناءِ الطَّوافِ في عددِ الأشواطِ التي طافها؛ فإنَّه يبني على اليقينِ، وهو الأقلُّ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: المالِكيَّة، والشَّافعيَّة
والحَنابِلة، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ:
عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا شكَّ أحدُكم في صلاتِه، فلم يَدْرِ كم صلَّى: ثلاثًا أم أربعًا، فلْيَطْرَحِ الشَّكَّ ولْيَبْنِ على ما استيقَنَ، ثم يسجُدْ سجدتينِ قبل أن يُسَلِّمَ؛ فإن كان صلَّى خمسًا شفعْنَ له صلاتَه، وإن كان صلَّى إتمامًا لأربعٍ كانتا ترغيمًا للشيطانِ ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّه أَمَر باطِّراحِ الشَّكِّ والبناءِ على اليقين، وهو الأقلُّ، وفي حُكْمِ الصَّلاةِ: الطَّوافُ
المطلب التاسع: ...الموالاةُ بينَ الأشواطِ ...
تجِبُ الموالاةُ بين الأشواطِ، وهذا مذهب المالِكيَّة، والحَنابِلة، واختاره ابنُ عُثيمين
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والى بين أشواطِ طَوافِه، وقد قال: ((لِتَأْخُذوا مناسِكَكم ))
ثانيًا: أنَّ الطَّواف كالصَّلاةِ؛ فيُشتَرَط له الموالاةُ كسائِرِ الصَّلواتِ، أو أنَّه عبادةٌ متعلِّقةٌ بالبيت؛ فاشتُرِطَتْ لها الموالاةُ كالصَّلاةِ
فرعٌ: - حكمُ قَطْعِ الطَّوافِ إذا أقيمَتِ الصَّلاةُ-
إذا أُقِيمَتْ صلاةُ الفريضةِ، فإنَّه يقطَعُ الطَّوافَ بنيَّةِ الرُّجوعِ إليه بعد الصَّلاة، فإذا قُضِيَتِ الصَّلاة يبدأ من حيث وَقَف، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، وبه قال أكثَرُ أهلِ العِلمِ، وهو قَولُ ابْنِ حَزْمٍ
الأدِلَّة:
دليلُ قَطْعِ الصَّلاة:
عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا أقيمَتِ الصَّلاةُ فلا صلاةَ إلَّا المكتوبةُ ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الطَّوافَ صلاةٌ، فيدخُلُ في عمومِ الخبرِ، بوجوبِ المبادرةِ إلى الصَّلاةِ، وقَطْعِ طوافِه
دليلُ البناءِ على ما سبق:
أنَّ ما سبق بُنِيَ على أساسٍ صحيحٍ، وبمقتضى إذنٍ شرعيٍّ؛ فلا يُمكِنُ أن يكون باطلًا إلَّا بدليلٍ شرعيٍّ
المطلب العاشر: ... المَشيُ للقادِرِ عليه ...
إذا كان قادرًا على المشي، فيجب عليه أن يطوف ماشيًا، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والحَنابِلة
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أمِّ سَلَمةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((شكوتُ إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنِّي أشتكي، قال: طوفي مِن وراءِ النَّاسِ وأنت راكبةٌ، فطفتُ ورسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصَلِّي إلى جَنْبِ البيتِ، يقرأُ بالطُّورِ وكتابٍ مَسطورٍ ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الترخيصَ لها بالطَّوافِ راكبةً بسبب العُذْرِ يدلُّ على أنَّ العزيمةَ بخلاف ذلك، وأنَّ الأصلَ أن يطوفَ ماشِيًا
2- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((طاف رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالبيت في حجَّةِ الوداعِ على راحِلَتِه، يستلِمُ الحَجَرَ بمِحْجَنِه؛ لِأنْ يراه النَّاسُ وَلْيُشْرِفَ وليسألوه؛ فإنَّ النَّاس غَشُوه ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما طاف راكبًا إلا لعُذرٍ، وهو أن يراه النَّاس ليتأسَّوْا به
الفرعٌ الأول: حكمُ الطوافِ راكبًا أو محمولًا للعاجزِ عن المَشي
إذا كان عاجزًا عن المشيِ، وطاف راكبًا أو محمولًا، فلا فداءَ ولا إثمَ عليه.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أمِّ سَلَمةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((شكوتُ إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنِّي أشتكي، قال: طوفي مِن وراءِ النَّاسِ وأنت راكبةٌ، فطفتُ ورسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصَلِّي إلى جَنْبِ البيتِ، يقرأُ بالطُّورِ وكتابٍ مَسطورٍ ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّه رخَّصَ لها في الطَّوافِ راكبةً للعُذْرِ
2- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((طاف رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالبيت في حَجَّةِ الوداع على راحِلَتِه، يستلِمُ الحَجَر بمِحْجَنِه؛ لأن يراه النَّاسُ ولْيُشْرِفَ وليسألوه؛ فإنَّ النَّاس غَشُوه ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طاف راكبًا للعذر، وهو أن يراه النَّاس ليتأسَّوْا به
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابْنُ عَبْدِ البَرِّ، والباجي وابنُ قُدامة وابنُ تيميَّة وابنُ القَيِّم
الفرعٌ الثاني: طوافُ الصَّبيِّ
الصَّبيُّ الصَّغيرُ يُطافُ به.
الدليل من الإجماع:
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابن المنذر
-----------------------------------------------------------------------------------
وما زلنا أحبابنا نستمتع برحله الحج جعلنا و إإياكم من حجاج بيت الله الحرام وزورار سيد ولد عدنان سيدنا محمد صل الله عليه وسلم ... وجزاكم الله خيرا
ولا تنسونا من صالح دعائكم
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» (( - 2 -)) خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأربعاء نوفمبر 13, 2024 11:28 pm من طرف صادق النور