السابع عشر :: الجَنائزِ
الفَصلُ الأوَّلُ: أحكامُ المرضِ والاحتضارِ
المبحَثُ الأوَّلُ: أحكامُ المرضِ
المطلب الأوَّلُ: حُكمُ التَّداوي
اختلف أهلُ العِلْمِ في حكمِ التَّداوي على قولينِ:
القَوْلُ الأوَّلُ: يُباحُ التَّداوي، وهو مذهَبُ الجُمهورِ : الحَنفيَّة والمالِكيَّة، والحَنابِلَة
الأدلَّة من السُّنَّة:
1- عن أبي هريرةَ رَضِيَ الله عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: ((ما أنزلَ اللهُ داءً إلَّا أنزلَ له شِفاءً ))
2- عن جابرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أنَّه قال: ((لكُلِّ داءٍ دواءٌ، فإذا أصيبَ دواءُ الدَّاءِ، بَرِئَ بإذن ِاللهِ عزَّ وجلَّ ))
3- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّه سَمِعَ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((في الحَبَّةِ السوداءِ شِفاءٌ من كُلِّ داءٍ إلَّا السَّامَ )) قال ابنُ شهابٍ: والسَّامُ: المَوتُ، والحَبَّةُ السَّوْداءُ: الشُّونِيزُ
4- عن ابنِ بُحَينةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((احتجَمَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو مُحْرِمٌ بِلَحْيِ جَمَلٍ في وَسَطِ رَأْسِه ))
5- عن سعيدِ بن زيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: ((الكَمأَةُ مِنَ المَنِّ، وماؤُها شفاءٌ للْعَيْنِ ))
6- عن عائشةَ رضِيَ الله عنها، سَمِعْتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ: ((التَّلْبينةُ مَجَمَّةٌ لفؤادِ المريضِ، تُذْهِبُ بعضَ الحُزْنِ
وَجهُ الدَّلالةِ مِن هذه الأحاديثِ:
أنَّ فيها إثباتَ الطِّبِّ والعلاجِ، وإباحةَ التَّداوي
7- عن عَوفِ بن مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((كنَّا نَرْقي في الجاهليَّة، فقلنا: يا رسولَ الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعْرِضوا عليَّ رُقاكم، لا بَأسَ بالرُّقى ما لم يكُنْ فيه شِركٌ ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ قَولَه: ((لا بَأْسَ)) يقتضي الإباحةَ
القول الثاني: يُستَحَبُّ التَّداوي، وهو مذهَبُ الشَّافعيَّة وجمهورِ السَّلَفِ، وعامَّة الخَلَفِ، وهو قولُ ابنِ بازٍ
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن أُسامةَ بنِ شَريكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((قالَتِ الأعرابُ: يا رسولَ الله، ألَا نتداوَى؟ قال: نَعمْ، يا عبادَ اللهِ تداوَوْا؛ فإنَّ اللهَ لم يَضَعْ داءً إلَّا وضَعَ له شفاءً، أو قال: دواءً إلَّا داءً واحدًا، قالوا: يا رسول اللهِ، وما هو؟ قال: الهَرَمُ ))
2- عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((كانَ لي خالٌ يَرْقِي من العَقْربِ، فنهى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن الرُّقَى، قال: فأتاه، فقال: يا رسولَ الله، إنَّكَ نهيْتَ عن الرُّقى، وأنا أَرْقي مِنَ العَقربِ، فقال: مَنِ استطاعَ منكم أن ينفَعَ أخاه فلْيَفْعلْ ))
3- عن أبي سعيدٍ الخُدْرِي رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: إنَّ أخي اسْتُطْلِقَ بَطنُه، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: اسْقِه عَسَلًا. فسقاه، ثم جاءه، فقال: إنِّي سَقَيتُه عسَلًا، فلم يَزِدْه إلَّا استِطلاقًا، فقال له ثلاثَ مرَّاتٍ، ثم جاء الرابعةَ، فقال: اسْقِهِ عَسَلًا. فقال: لقد سقيْتُه فلم يَزِدْه إلَّا استطلاقًا، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: صدَقَ اللهُ، وكَذَب بَطْنُ أخيك. فسَقاه فبَرَأ ))
4- عن ابنِ شهابٍ، قال: أخبَرَني أبو سَلَمةَ، وسعيدُ بن المُسَيِّب أنَّ أبا هريرةَ رَضِيَ الله عنه أخبَرَهما أنَّه سَمِعَ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ: ((في الحبَّةِ السَّوْداءِ شفاءٌ من كُلِّ داءٍ إلَّا السَّامَ )) قال ابنُ شهابٍ: والسَّامُ: المَوْتُ، والحبَّة السَّوداءُ: الشُّونِيزُ
5- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، يقول: ((احتجمَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو مُحْرِمٌ ))
وَجهُ الدَّلالةِ من هذه الأحاديث:
أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمَرَ بذلك وأرَشَدَ إليه وفَعَلَه، كما في النُّصوصِ السابِقَة؛ مِمَّا دلَّ على استحبابِه
ثانيًا: أنَّ المريضَ يكون ضَيِّقَ النَّفْسِ، لا يقومُ بما ينبغي أن يقومَ به من الطَّاعاتِ، وإذا عافاه اللهُ انشرَحَ صَدْرُه وانبسَطَت نفْسُه،
وقام بما ينبغي أن يقومَ به مِنَ العباداتِ، فيكونُ الدَّواءُ إذًا مُرادًا لغَيرِه، فَيُسَنُّ
ثالثًا: أنَّ في التداوي استمساكًا لِما خَلَقه اللهُ مِنَ الأسبابِ النَّافِعَة، وجَعَلَه من سُنَّتِه في عبادِه
القَوْلُ الأوَّلُ: يُباحُ التَّداوي، وهو مذهَبُ الجُمهورِ : الحَنفيَّة والمالِكيَّة، والحَنابِلَة
الأدلَّة من السُّنَّة:
1- عن أبي هريرةَ رَضِيَ الله عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: ((ما أنزلَ اللهُ داءً إلَّا أنزلَ له شِفاءً ))
2- عن جابرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أنَّه قال: ((لكُلِّ داءٍ دواءٌ، فإذا أصيبَ دواءُ الدَّاءِ، بَرِئَ بإذن ِاللهِ عزَّ وجلَّ ))
3- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّه سَمِعَ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((في الحَبَّةِ السوداءِ شِفاءٌ من كُلِّ داءٍ إلَّا السَّامَ )) قال ابنُ شهابٍ: والسَّامُ: المَوتُ، والحَبَّةُ السَّوْداءُ: الشُّونِيزُ
4- عن ابنِ بُحَينةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((احتجَمَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو مُحْرِمٌ بِلَحْيِ جَمَلٍ في وَسَطِ رَأْسِه ))
5- عن سعيدِ بن زيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: ((الكَمأَةُ مِنَ المَنِّ، وماؤُها شفاءٌ للْعَيْنِ ))
6- عن عائشةَ رضِيَ الله عنها، سَمِعْتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ: ((التَّلْبينةُ مَجَمَّةٌ لفؤادِ المريضِ، تُذْهِبُ بعضَ الحُزْنِ
وَجهُ الدَّلالةِ مِن هذه الأحاديثِ:
أنَّ فيها إثباتَ الطِّبِّ والعلاجِ، وإباحةَ التَّداوي
7- عن عَوفِ بن مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((كنَّا نَرْقي في الجاهليَّة، فقلنا: يا رسولَ الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعْرِضوا عليَّ رُقاكم، لا بَأسَ بالرُّقى ما لم يكُنْ فيه شِركٌ ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ قَولَه: ((لا بَأْسَ)) يقتضي الإباحةَ
القول الثاني: يُستَحَبُّ التَّداوي، وهو مذهَبُ الشَّافعيَّة وجمهورِ السَّلَفِ، وعامَّة الخَلَفِ، وهو قولُ ابنِ بازٍ
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن أُسامةَ بنِ شَريكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((قالَتِ الأعرابُ: يا رسولَ الله، ألَا نتداوَى؟ قال: نَعمْ، يا عبادَ اللهِ تداوَوْا؛ فإنَّ اللهَ لم يَضَعْ داءً إلَّا وضَعَ له شفاءً، أو قال: دواءً إلَّا داءً واحدًا، قالوا: يا رسول اللهِ، وما هو؟ قال: الهَرَمُ ))
2- عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((كانَ لي خالٌ يَرْقِي من العَقْربِ، فنهى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن الرُّقَى، قال: فأتاه، فقال: يا رسولَ الله، إنَّكَ نهيْتَ عن الرُّقى، وأنا أَرْقي مِنَ العَقربِ، فقال: مَنِ استطاعَ منكم أن ينفَعَ أخاه فلْيَفْعلْ ))
3- عن أبي سعيدٍ الخُدْرِي رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: إنَّ أخي اسْتُطْلِقَ بَطنُه، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: اسْقِه عَسَلًا. فسقاه، ثم جاءه، فقال: إنِّي سَقَيتُه عسَلًا، فلم يَزِدْه إلَّا استِطلاقًا، فقال له ثلاثَ مرَّاتٍ، ثم جاء الرابعةَ، فقال: اسْقِهِ عَسَلًا. فقال: لقد سقيْتُه فلم يَزِدْه إلَّا استطلاقًا، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: صدَقَ اللهُ، وكَذَب بَطْنُ أخيك. فسَقاه فبَرَأ ))
4- عن ابنِ شهابٍ، قال: أخبَرَني أبو سَلَمةَ، وسعيدُ بن المُسَيِّب أنَّ أبا هريرةَ رَضِيَ الله عنه أخبَرَهما أنَّه سَمِعَ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ: ((في الحبَّةِ السَّوْداءِ شفاءٌ من كُلِّ داءٍ إلَّا السَّامَ )) قال ابنُ شهابٍ: والسَّامُ: المَوْتُ، والحبَّة السَّوداءُ: الشُّونِيزُ
5- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، يقول: ((احتجمَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو مُحْرِمٌ ))
وَجهُ الدَّلالةِ من هذه الأحاديث:
أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمَرَ بذلك وأرَشَدَ إليه وفَعَلَه، كما في النُّصوصِ السابِقَة؛ مِمَّا دلَّ على استحبابِه
ثانيًا: أنَّ المريضَ يكون ضَيِّقَ النَّفْسِ، لا يقومُ بما ينبغي أن يقومَ به من الطَّاعاتِ، وإذا عافاه اللهُ انشرَحَ صَدْرُه وانبسَطَت نفْسُه،
وقام بما ينبغي أن يقومَ به مِنَ العباداتِ، فيكونُ الدَّواءُ إذًا مُرادًا لغَيرِه، فَيُسَنُّ
ثالثًا: أنَّ في التداوي استمساكًا لِما خَلَقه اللهُ مِنَ الأسبابِ النَّافِعَة، وجَعَلَه من سُنَّتِه في عبادِه
المطلب الثَّاني: حُكمُ الرُّقْيَةِ والاسترقاءِ
الرُّقيَةُ جائزةٌ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعة: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
الأدلَّة من السُّنَّة:
1- عن أنسِ بن مالكٍ رَضِيَ الله عنه، في الرُّقَى قال: ((رُخِّصَ في الحُمَةِ، والنَّمْلة، والعَيْن ))
2- عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ الله عنه، قال: ((كانَ لي خالٌ يَرْقِي من العَقْربِ، فنهى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن الرُّقَى، قال: فأتاه، فقال: يا رسولَ الله، إنَّكَ نهيْتَ عن الرُّقى، وأنا أَرْقي من العقربِ، فقال: مَنِ استطاعَ منكم أن ينفَعَ أخاه فلْيَفْعلْ ))
3- عن جابرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أيضًا قال: ((نهى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن الرُّقَى، فجاء آلُ عمرِو بنِ حَزْمٍ إلى رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقالوا: يا رسولَ الله، إنَّه كانت عندنا رُقيةٌ يُرقَى بها من العَقْربِ، وإنَّك نهيْتَ عن الرُّقَى. قال: فعَرَضُوها عليه، فقال: ما أرى بأسًا؛ منِ استطاعَ مِنْكم أن ينفَعَ أخاه فلْيَنْفَعْه ))
4- عن عَوفِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((كنَّا نرقِي في الجاهليَّةِ، فقُلنا: يا رسولَ الله، ما تقولُ في ذلك؟ فقال: اعْرِضوا عليَّ رُقاكم، لا بأسَ بالرُّقى ما لم يكنْ فيه شِرْكٌ ))
5- عن عبد العزيزِ، قال: ((دخلْتُ أنا وثابتٌ على أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ الله عنه، فقال ثابتٌ: يا أبا حمزةَ، اشتَكَيْتُ، فقال أنسٌ: ألَا أَرْقيكَ بِرُقيةِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قال: بلى، قال: اللَّهُمَّ، رَبَّ النَّاسِ، مُذْهِبَ الباسِ، اشْفِ أنتَ الشَّافي، لا شافِيَ إلَّا أنت، شفاءً لا يُغادِرُ سَقَمًا ))
المطلب الثَّالث: حُكمُ الأنينِ وتمنِّي الموت
الفرع الأول: حُكمُ الأنينِ
لا يُكْرَه الأنينُ للمريضِ؛ نصَّ عليه الشَّافعيَّة وهو روايةٌ عن أحمَدَ، واختاره ابنُ باز
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة
عن القاسِمِ بنِ محمَّدٍ، قال: قالت عائشةُ رَضِيَ اللَّهُ عنه:
((رأساواهُ! فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ذاكِ لو كان وأنا حَيٌّ؛ فأستغْفِرَ لكِ وأدْعُوَ لَكِ. فقالت عائشةُ رَضِيَ اللَّهُ عنه: واثُكْلِيَاه ! واللهِ إنِّي لأظُنُّكَ تُحِبُّ موتي، ولو كان ذاكَ لَظَلِلْتَ آخِرَ يَومِكَ مُعَرِّسًا ببعضِ أزواجِك، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: بلْ أنا وا رَأساهُ! لقَدْ هَمَمْتُ- أو أردْتُ- أن أُرْسِلَ إلى أبي بكْرٍ وابنِهِ، وأعهَدَ؛ أن يقولَ القائِلونَ- أو يتمنَّى المُتَمَنُّون- ثم قُلْتُ: يأبى اللهُ ويدفَعُ المؤمنونَ، أو يدفَعُ اللهُ ويأبى المؤمنونَ ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم شكا وَجَعَه وأَلَمَه
ثانيًا: لأنَّه لم يَثْبُت فيه نهيٌ مقصودٌ
ثالثًا: أنَّ الأنينَ مِن ألَم العِلَّةِ والتأوُّه قد يَغْلبانِ الإنسانَ، ولا يُطيقُ كَفَّهُما عنه، واللهُ تعالى لا يكلِّفُ نفسًا إلَّا وُسْعَها، وليس فى وُسْعِ ابنِ آدَمَ تَرْكُ الاستراحةِ إلى الأنينِ عند الوَجَعِ يشتدُّ به، والألمِ يَنْزِلُ به
الفرع الثَّاني: حُكمُ تمنِّي الموت
يُكرَه تمنِّي الموتِ لِضُرٍّ نَزَلَ به، أمَّا إذا كان لِخَوْفِ فتنةٍ في الدِّينِ فلا يُكْرَه، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعة: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة
الأدلَّة:أولًا: من الكتابِ
قولُ مريم: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا [مريم: 23]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ مريمَ عليها السلامُ تمنَّتِ الموتَ من جهةِ الدِّينِ؛ لوجهين:
الأوَّل: أنَّها خافَتْ أن يُظَنَّ بها الشرُّ في دِينِها وتُعيَّرَ؛ فيفتِنَها ذلك.
الثَّاني: لئلَّا يَقَعَ قَوْمٌ بِسَبَبِها في البُهتانِ، والنِّسبَةِ إلى الزِّنَا
ثانيًا: من السُّنَّة
1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا يتمَنَّيَنَّ أحدُكم الموتَ مِنْ ضُرٍّ أصابَه، فإن كان لا بُدَّ فاعِلًا، فليقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي ما كانَتِ الحياةُ خيرًا لي، وتوفَّنِي إذا كانت الوَفاةُ خيرًا لي ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ قولَه: ((لا يتمَنَّيَنَّ أحدُكم الموتَ مِنْ ضُرٍّ أصابَه)) فيه النهيُ عن تمنِّي الموتِ للضَّرَرِ النَّازِل.
وقوله: ((وتوفَّني إذا كانت الوفاةُ خيرًا لي)) فيه إباحةُ تمنِّي الموتِ؛ خوفًا من أن يُفْتَنَ في دِينِه
2- عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((لن يُدخِلَ أحدًا عَمَلُه الجَنَّةَ، قالوا: ولا أنت يا رسولَ اللهِ؟ قال: لا، ولا أنا، إلَّا أن يتغَمَّدَنيَ اللهُ بفضلٍ ورحمةٍ، فسَدِّدوا وقارِبُوا، ولا يتمنَيَنَّ أحدُكم الموتَ: إمَّا مُحسِنًا؛ فلعلَّه أن يزدادَ خيرًا، وإمَّا مُسيئًا؛ فلعَلَّه أن يَسْتَعْتِبَ ))
3- عنِ معاذِ بن جبل رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أتاني الليلةَ رَبِّي تبارك وتعالى في أحسَنِ صورةٍ.... وقال: يا محمَّدُ إذا صَلَّيْتَ فَقُل: اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ فِعْلَ الخيراتِ، وتَرْكَ المُنْكَراتِ، وحُبَّ المساكينِ، وأن تَغْفِرَ لي وترحَمَني، وإذا أردْتَ فتنةً في قومٍ فتَوَفَّني غيرَ مَفتونٍ ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ قولَه: ((وإذا أردْتَ فتنةً في قومٍ فتَوَفَّني غيرَ مَفتونٍ)) فيه أنَّه إذا خَشِيَ أن يُصابَ فى دِينِه فله أن يدعوَ بالمَوْتِ قبل أن يُصابَ بذلِكَ
ثالثًا: من الآثار
عن سعيدِ بنِ المُسَيِّب، قال: (لَمَّا صَدَرَ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه مِن مِنًى، أناخَ بالأَبْطَحِ، ثم كوَّمَ كَوْمَةً بَطحاءَ، ثم طَرَحَ عليها رداءَه واستلقى، ثم مدَّ يَدَه إلى السَّماءِ، فقال: اللَّهُمَّ كَبِرَت سِنِّي، وضَعُفَتْ قُوَّتِي، وانتشَرَتْ رَعِيَّتي، فاقبِضْني إليك غيرَ مُضيِّعٍ ولا مُفرِّطٍ... قال مالِكٌ: قال يحيى بنُ سعيدٍ: قال سعيدُ بنُ المسيِّب: فما انسَلَخَ ذو الحِجَّةِ حتى قُتِلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنه)
المطلب الرابع: حُكمُ عيادةِ المريضِ
الفرع الأوَّل: عيادةُ المريضِ المُسْلِم
تُستَحَبُّ عيادةُ المريضِ المُسْلِمِ
، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة، وحُكِيَ فيه الإجماعُ
الأدلَّة من السُّنَّة:
1- عن البراءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((أمَرَنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بسَبْعٍ، ونهانا عن سبعٍ: أَمَرَنا باتِّباعِ الجنائِزِ، وعيادَةِ المريضِ... ))
2- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: سَمِعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ: ((حَقُّ المُسلمِ على المُسْلمِ خَمْسٌ: ردُّ السلامِ، وعيادةُ المريضِ... ))
3- عن أبي مُوسى الأشعريِّ، رَضِيَ اللَّهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((أطْعِموا الجائِعَ، وعُودُوا المريضَ، وفُكُّوا العانيَ ))
4- عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ الله عنهما، قال: ((مَرِضْتُ مرَضًا، فأتاني النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعودُني... ))
5- عن عُرْوةَ؛ أنَّ أسامةَ بنَ زيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أخبَرَه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم رَكِبَ على حمارٍ، على إكافٍ على قطيفةٍ فَدَكِيَّةٍ، وأردَفَ أسامةَ وراءَه، يعود سَعْدَ بنَ عبادَةَ قبلَ وَقْعةِ بَدْرٍ.. ))
6- عن ثَوبانَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، مولى رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: ((من عادَ مريضًا لم يَزَلْ في خُرْفَةِ الجنَّةِ، قيل: يا رسولَ اللهِ، وما خُرْفَةُ الجنَّة؟ قال: جَناها )
7- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ يومَ القِيامةِ: يا ابنَ آدمَ، مَرِضْتُ فلم تَعُدْني، قال: يا رَبِّ، كيف أعودُك وأنت ربُّ العالمينَ؟! قال: أمَا عَلِمْتَ أنَّ عبدي فُلانًا مَرِض فلم تَعُدْه، أمَا عَلِمْتَ أنَّك لو عُدْتَه لوَجَدْتَني عِندَه؟... ))
الفرع الثَّاني: عيادةُ المريضِ الذِّمِّي
تجوزُ عيادةُ المريضِ الذمِّيِّ، خاصَّةً إذا كان يُرجَى إسلامُه، وهو مذهَبُ الحَنفيَّة، والشَّافعيَّة، وروايةٌ عن أحمَدَ، وهو قَوْلُ ابنِ حَزْمٍ، وابنِ عبدِ البَرِّ وابنِ تَيْميةَ والشَّوكانيِّ، وابنِ عُثَيمينَ، وبه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائِمةُ
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أنسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((كان غلامٌ يهوديٌّ يخْدُمُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فمَرِض، فأتاه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعودُه، فقعد عند رأْسِه، فقال له: أَسْلِمْ، فنظَرَ إلى أبيه وهو عِندَه، فقال له: أطِعْ أبا القاسِمِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأسْلَمَ، فخرج النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يقول: الحَمْدُ للهِ الذي أنقَذَه مِنَ النَّارِ ))
ثانيًا: لأنَّ هذا من المعامَلَةِ الحَسَنةِ التي يُقْصَدُ بها تأليفُهم، ودَعْوتُهم إلى الإسلامِ، وترغيبُهم فيه
المطلب الخامس: آدابُ زيارةِ المَريضِ
الفرع الأَوَّلُ: الدُّعاءُ للمَريضِ
يُستحبُّ لِمَن عاد مريضًا أن يدعُوَ له؛ نصَّ على ذلك المالِكيَّةُ، والشَّافعيَّةُ، والحَنابِلَةُ
الأدلَّة من السُّنَّة:
1- عن ابنِ عباسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: ((كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا دخل على مَن يعودُه قال: لا بأسَ؛ طَهُورٌ إنْ شاءَ اللهُ ))
2- عن أنسٍ رَضِيَ الله عنه، ((أنَّه قال لثابتٍ: ألَا أرقِيكَ برُقْيةِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قال: بلى، قال: اللهُمَّ، ربَّ النَّاسِ، مُذْهِبَ الباسِ، اشْفِ أنت الشَّافي، لا شافِيَ إلَّا أنت، شفاءً لا يُغادِر سَقَمًا ))
3- عن سعد بن أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، ((أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم دخلَ على سعدٍ يَعودُه بمكَّةَ، فبكى، قال: ما يُبكِيكَ؟ فقال: قد خَشيتُ أن أموتَ بالأرضِ التي هاجَرتُ منها، كما مات سعدُ بنُ خَوْلةَ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اللهُمَّ اشْفِ سَعْدًا، اللهُمَّ اشْفِ سَعْدًا، ثَلَاثَ مِرَارٍ ))
4- عن أبي سَعيدٍ الخُدْرِي رَضِيَ اللهُ عنه، ((أنَّ جبريلَ أتى النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقالَ: يا مُحَمَّدُ أَشْتَكَيْتَ؟ قال: نَعَم. قال: باسْمِ اللهِ أَرْقيكَ، مِنْ كُلِّ شَيءٍ يُؤذيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفسٍ أو عينِ حاسِدٍ اللهُ يَشْفيكَ، باسْمِ اللهِ أَرْقيكَ ))
الفرع الثَّاني: تخفيفُ المُكْثِ عِندَه
يُخَفِّفُ العائدُ المُكْثَ عند المريضِ، ولا يُطيلُ الجُلوسَ عنده ؛ نصَّ عليه المالِكيَّةُ، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك ؛ وذلك لِمَا في الإطالَةِ من إضْجارِه والتَّضييقِ عليه، ومَنْعِه من بعضِ تَصَرُّفاتِه
الفرع الثَّالِثُ: ترغيبُه في التَّوبَةِ
يُسْتَحَبُّ ترغيبُ المريضِ في التَّوبَةِ؛ نصَّ عليه الحَنفيَّة والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة ؛ وذلك لأنَّ التَّوبةَ واجبةٌ على كلِّ حالٍ، وهو أحْوَجُ إليها من غيرِه
الفرع الرابع: ترغيبُه في الوصيَّةِ
يُستَحَبُّ ترغيبُ المريضِ في الوصِيَّةِ؛ نصَّ عليه الحَنفيَّةُ، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ما حقُّ امرئٍ مُسلمٍ له شيءٌ يُوصِي فيه، يَبيتُ ليلَتَينِ إلَّا ووصِيَّتُه مكتوبةٌ عندَه ))
الفرع الخامِسُ: حثُّه على تحسينِ الظَّنِّ باللهِ
يُستحَبُّ للعائِدِ أن يَحُثَّ المريضَ على تحسينِ ظنِّه بربِّه سبحانه وتعالى؛ نصَّ عليه الحَنفيَّة، والشَّافعيَّة
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاريِّ رَضِيَ الله عنهما، قال: سمعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، قبلَ موتِه بثلاثَةِ أيَّامٍ، يقولُ: ((لا يَموتَنَّ أحدُكم إلَّا وهو يُحْسِنُ الظَّنَّ باللهِ عزَّ وجلَّ ))
الفرع السَّادِسُ: عدمُ مُواصلةِ العيادةِ كلَّ يومٍ
ينبغي ألَّا يُواصِلَ العيادةَ كلَّ يومٍ ؛ نصَّ على ذلك الشَّافعيَّةُ، والحَنابِلَة ؛ وذلك حتَّى لا يُثْقِلَ عليه
تابعونا جزاكم الله خيرا
::
التالي : أحكامُ المرضِ والاحتضارِ
::::::::::::::::::::::::::
لا تنسونا من صالح دعائكم
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» (( - 2 -)) خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأربعاء نوفمبر 13, 2024 11:28 pm من طرف صادق النور