غُسْلُ الميِّت وتكفينُه
المبحَثُ الأوَّلُ: غُسْلُ المَيِّت
المطلب الأوَّل: حُكمُ غُسْلِ الميِّت،وبعضُ الأحكامِ المتعلِّقة به
الفرع الأوَّل: حُكمُ غُسْلِ المَيِّتِ
غُسْلُ الميِّتِ المسلمِ فَرْضُ كفايةٍ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة
، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
1- عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: بينما رجلٌ واقِفٌ بعرَفَةَ، إذْ وَقَعَ عن راحِلَتِه، فوقَصَتْه - أو قال: فأَوْقَصَتْه- قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((اغسِلوه بماءٍ وسِدْرٍ، وكَفِّنوه في ثوبينِ.. ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
2- أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمَرَ بغُسْلِ الميِّتِ، فدَلَّ على وجوبِه، فإذا قام به بعضُ المُسلمين سَقَطَ عن الباقينَ؛ لحصولِ المقصود
الفرع الثاني: حُكمُ أخْذِ الأُجرةِ على غُسْلِ المَيِّت
يجوز أخْذُ الأجرةِ على غُسلِ المَيِّت، وهو مذهَبُ الجمهور: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة والشَّافعيَّة، وروايةٌ عن أحمَدَ، وهو قولُ ابنِ بازٍ
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ هذه الأجرةَ تكون في مقابِلِ العَمَلِ المتعَدِّي للغَيْرِ، والعملُ المتعدِّي للغَيرِ يجوزُ أَخْذُ الأُجرَةِ عليه
ثانيًا: لأنَّ وجوبَ مُؤَنِ ذلك في مالِ المَيِّتِ بالأصالةِ، ثمَّ في مالِ مُمَوِّنِه، ثمَّ المياسير، فلم يُقصَد الأجيرُ لِنَفسِه حتى يقَعَ عنه،
ولا يضرُّ عروض تعيُّنِه عليه كالمضطرِّ؛ فإنَّه يَتَعَيَّنُ إطعامُه مع تَغْريمِه البَدلَ
الفرع الثالث: سَتْرُ الغاسِلِ القبيحَ الذي يراه
يجب على الغاسِلِ سَتْرُ قبيحٍ رآه من الميِّتِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة
عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((... ومن سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَه اللهُ يومَ القيامة ))
ثانيًا: لأنَّه غِيبَةٌ، والغِيبةُ محرَّمةٌ
الفرع الرابع: حُكمُ حضورِ من لا يُحتاجُ إليه في الغُسْلِ
يُكْرَه أن يَحْضُرَ الميِّتَ من لا يُعينُ في غُسْلِه، ولا حاجَة تدعو إلى حُضورهِ، وهو مذهبُ الجمهورِ: المالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة ؛ وذلك لأنَّه يُكرَه النَّظَرُ إلى المَيِّتِ إلَّا لحاجةٍ
الفرع الأول: حُكمُ غُسْلِ الكافِرِ
يَحْرُم على المُسْلِمِ تغسيلُ الكافِرِ، وهو مذهَبُ المالِكيَّة، والحَنابِلَة، واختيارُ الشَّوكانيِّ، وابنِ بازٍ، وابنِ عُثيمين
الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتاب
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [الممتحنة: 13]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ غُسْلَ الكفَّارِ ونحوَه؛ تَوَلٍّ لهم
قوله تعالى: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبرِهِ [التوبة: 84]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه إذا نُهِيَ عن الصَّلاةِ على الكافِرِ، وهي أعظمُ ما يُفعَل بالميِّتِ، وأنفَعُ ما يكون للمَيِّتِ، فما دونَها من بابِ أَوْلى
ثانيًا: لأنَّه تعظيمٌ له وتطهيرٌ؛ فأشْبَهَ الصَّلاةَ عليه
ثالثًا: لأنَّ الكافِرَ نَجِسٌ، وتطهيرُه لا يرفَعُ نجاسَتَه؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة: 28]
الفرع الثاني: حُكمُ غُسلِ الباغي وقاطِعِ الطَّريقِ
الباغي وقاطِعُ الطَّريقِ يُغَسَّلانِ ويُصَلَّى عليهما، وهو مذهَبُ الجمهور: المالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّهما لا يَخرُجانِ عن الإسلام ببَغْيِهما
ثانيًا: أنَّهما داخلانِ في عموماتِ الأدلَّةِ الدالَّةِ على وجوبِ الغُسْلِ، وهذه العموماتُ لا يُمكِنُ أن يَخْرُجَ منها شيءٌ إلَّا ما دلَّ الدليلُ عليه
المسألة الأولى: شهيدُ المعركَةِ
لا يُغَسَّلُ الشَّهيدُ الذي مات مِنَ المسلمينَ في جهادِ الكُفَّارِ بسببٍ من أسبابِ قتالِهم قبل انقضاءِ الحَرْبِ، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن جابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم أَمَرَ في قتلى أُحُدٍ بِدَفْنِهم بدمائِهم، ولم يُصَلَّ عليهم ولم يُغَسَّلُوا )
2- عن أبي بَرْزَةَ رَضِيَ الله عنه، ((أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، كان في مغزًى له، فأفاءَ اللهُ عليه، فقال لأصحابه: هل تفقِدونَ مِن أَحَدٍ؟ قالوا: نعم، فلانًا، وفلانًا، وفلانًا، ثم قال: هل تفقِدونَ مِنْ أَحَدٍ؟ قالوا: نعم، فلانًا، وفلانًا، وفلانًا، ثم قال: هل تفقِدونَ مِن أَحَدٍ؟ قالوا: لا، قال: لكنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا، فاطلُبوه. فطُلِبَ في القتلى، فوجدوه إلى جَنْبِ سبعةٍ قد قَتَلَهم، ثمَّ قَتَلوه، فأتى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فوَقَفَ عليه، فقال: قَتَلَ سبعةً، ثمَّ قَتَلوه، هذا منِّي وأنا منه، هذا منِّي وأنا منه. قال: فوَضَعَه على ساعِدَيْهِ، ليس له إلَّا ساعِدَا النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: فحُفِرَ له ووُضِعَ في قَبرِه، ولم يذكُرْ غُسلًا ))
ثانيًا: لئلَّا يزولَ أَثَرُ العبادَةِ المطلوبِ بقاؤُها
المسألة الثانية: الشهداءُ بغير حَرْبِ الكفَّارِ
1- المقتولُ ظُلْمًا
المقتولُ ظُلْمًا يُغَسَّل، وهو مذهَبُ المالِكيَّة، والشَّافعيَّة، وروايةٌ عن أحمَدَ، واختاره ابن بازٍ، وابن عثيمين، وبه أفتَتِ اللجنةُ الدَّائِمَةُ
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة
عن أنسٍ رَضِيَ الله عنه، ((أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم صعِدَ أُحُدًا، وأبو بكرٍ وعُمَرُ وعُثمانُ، فَرَجَفَ بهم، فقال: اثبُتْ أُحُدُ؛ فإنَّما عليكَ نبيٌّ، وصِدِّيقٌ، وشَهيدانِ ))
ثانيًا: أنَّ عُمرَ وعثمانَ وعليًّا رَضِيَ اللَّهُ عنهم غُسِّلوا وصُلِّي عليهم بالاتِّفاقِ، مع كونِهم شهداءَ بالاتِّفاقِ
ثالثًا: أنَّ المقتولَ ظُلمًا داخِلٌ في عموماتِ الأدلَّة الدالَّةِ على وجوبِ الغُسْلِ، وهذه العموماتُ لا يُمكِنُ أن يخرُجَ منها شيءٌ إلَّا ما دلَّ الدليلُ عليه، وهو شهيدُ المعركةِ
رابعًا: أنَّ رُتبَتَه دون رتبةِ الشَّهيدِ في المعتَرَكِ؛ فأشبَهَ المبطونَ
خامسًا: أنَّ هذا لا يَكْثُر القتلُ فيه، فلم يَجُزْ إلحاقُه بشهيدِ المُعْتَرَك
2- الشَّهيدُ بغيرِ قَتْلٍ
يُغسَّلُ الشَّهيدُ بغيرِ قَتْل؛ كالمبطونِ والمطعونِ، والغريقِ والحريقِ، وصاحبِ الهَدْمِ، ونحوِ ذلك
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة
عن سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: ((صلَّيْتُ وراءَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على امرأةٍ ماتَتَ في نِفاسِها، فقامَ عليها وَسَطَها ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النُّفَساءَ وإن كانت معدودةً من جملَةِ الشُّهداءِ؛ فإنَّ الصَّلاةَ عليها مشروعةٌ، ومِن ثَمَّ تَغْسيلُها، بخلافِ شهيدِ المعركةِ
ثانيًا: من الإجماعِ
نَقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ قدامة، والنوويُّ، والشَّوكاني
المسألة الأولى: حُكمُ غُسلِ السِّقْطِ إذا استهَلَّ
يجب غُسلُ السِّقْطِ إذا استهَلَّ . (( استهلالُ الصبيِّ: تصويتُه، وصياحُه عند ولادَتِه. ))
الأدلَّةُ:أولًا: من الإجماعِ
نقل الإجماعَ على ذلك: الماوَرديُّ، والكاسانيُّ، وابنُ قُدامةَ
ثانيًا: لأنَّه قد ثبَتَ له حُكمُ الدُّنيا في الإسلامِ والميراثِ والدِّيةِ؛ فيُغَسَّل كغيرِه
ثالثًا: لأنَّ الاستهلالَ دلالةُ الحياةِ، فتحقَّقَ في حَقِّه سُنَّة الموتى
المسألة الثانية: حُكمُ غُسلِ السِّقط إذا لم يستَهِلَّ
1- حُكمُ غُسلِ السِّقْط إذا لم يستهِلَّ وكان دون أربعةِ أشْهُرٍ
لا يُغَسَّلُ السِّقْطُ إذا لم يستهِلَّ، وكان دونَ أربعة أشْهُرٍ، وهو مذهَبُ المالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة، وهو ظاهِرُ الرِّوايةِ عند الحَنفيَّة وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك ؛ وذلك لأنَّه قبل الأربعةِ أشْهُرٍ لا يكون نَسَمَةً، فهو كالجماداتِ والدَّمِ، فلا يُغَسَّلُ
2- السِّقْطُ إذا لم يستهِلَّ وبلغ أربعةَ أَشْهُرٍ
يُغَسَّلُ السِّقطُ إذا وُلِدَ مَيِّتًا ولم يستهِلَّ، إذا كان له أربعةُ أشهرٍ فأَكْثَر، وهو الصَّحيحُ عند الشَّافعيَّة، ومذهَبُ الحَنابِلَة، وهو اختيارُ ابنِ بازٍ، وابنِ عثيمين ؛ وذلك لأنَّه نَسَمةٌ نُفِخَ فيها الرُّوحُ؛ فيُغَسَّل
المطلب الثالثُ: من يتولَّى الغُسْل
الفرع الأول: أولى النَّاسِ بغُسْلِ المَيِّت
المسألة الأولى: إذا كان الميِّتُ رَجلًا
أَوْلى النَّاسِ بغُسْلِ الميِّتِ وَصِيُّه الذي أوصى أن يُغَسِّلَه، ثم أبوه، ثمَّ جَدُّه، ثم ابنُه، ثم الأقرَبُ فالأقربُ مِن عَصَباتِه نَسَبًا، ثم ولاءً، ثم ذوو أرحامِه، وهو مذهَبُ الحَنابِلَة
، واختاره ابنُ بازٍ، وابنُ عثيمينَ ؛ وذلك لأنَّه حقٌّ للميِّتِ؛ فقُدِّمَ فيه وَصِيُّه على غيرِه كباقي حُقوقِه، ولأنَّ الميِّت قد يكون فيه أشياءُ لا يحبُّ أن يَطَّلِعَ عليها كلُّ أحدٍ، ولا يُحِبُّ أن يَطَّلِعَ عليها إلَّا شخصٌ يأتَمِنُه، فيُوصي أن يُغَسِّلَه فلانٌ.
ويُقَدَّم أبوه بعد ذلك؛ لِحُنُوِّه وشَفَقَتِه، ثم جَدُّه؛ لمشاركَتِه الأبَ في المعنى، ثم ابنُه وإن نَزَلَ؛ لِقُرْبِه
المسألة الثانية: إذا كان المَيِّتُ امرأةً
اختلف أهلُ العِلْمِ في أَوْلى النَّاسِ بغُسلِ المَيِّت إن كان الميِّتُ امرأةً على قولينِ:
القول الأول:
إن كان الميِّتُ امرأةً، فأَوْلى النَّاسِ بها النِّساءُ، ثم الزَّوجُ إن كانت متزوِّجةً، وهو الأصحُّ عند الشَّافعيَّة ؛ لأنَّهنَّ أليَقُ
القول الثاني:
أنَّ الأَوْلى الزَّوجُ ثم النِّساءُ، وهو مذهَبُ المالِكيَّة، ووجهٌ عند الشَّافعيَّة ؛ وذلك لأنَّه ينظرُ منها إلى ما لا يَنظُرُ غَيرُه
الفرع الثاني: حُكمُ غُسلِ المرأةِ زَوْجَها أو العكس
المسألة الأولى: حُكمُ غُسلِ المرأةِ زَوْجَها
يجوز للمرأةِ أن تُغَسِّلَ زَوْجَها إذا مات.
الدليلُ مِنَ الإجماعِ:
نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنْذِر، وابنُ عبدِ البَرِّ، والنَّوويُّ، وابن قدامة، وابنُ رُشْدٍ، والشربينيُّ، والشوكانيُّ، وغيرُهم
المسألة الثانية: حُكمُ غُسلِ الرَّجُلِ زوجَتَه
يجوزُ للرَّجُلِ أن يُغَسِّلَ زوجَتَه، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة، وقولُ بعضِ السَّلَفِ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
وذلك للآتي:
أولًا: لأنَّه أحَدُ الزَّوجينِ، فأُبيحَ له غُسلُ صاحِبِه كالآخَرِ، والمعنى فيه أنَّ كلَّ واحدٍ مِن الزَّوجينِ يَسهُلُ عليه اطِّلاعُ الآخَرِ على عَوْرتِه دونَ غَيرِه؛ لِمَا كان بينهما في الحياةِ، ويأتي بالغُسلِ على أكمَلِ ما يُمكِنُه؛ لِما بَينَهما من المودَّةِ والرَّحمةِ
ثانيًا: لأنَّ آثارَ النِّكاحِ مِن عِدَّةِ الوفاةِ والإرْثِ باقيةٌ؛ فكذا الغُسْلُ
الفرع الثالثُ: تغسيلُ المرأةِ للطِّفْلِ
للمرأةِ أن تُغَسِّلَ الصبيَّ الصغيرَ.
الدليلُ من الإجماع:
نَقَلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنْذِر، وابنُ قُدامةَ
الفرع الرابع: تغسيلُ الرجُلِ للصَّغيرةِ.[/size]
يجوزُ للرجُلِ غُسلُ الصَّغيرةِ التي لا تُشْتَهى، وهذا مذهَبُ الحَنفيَّة، والشَّافعيَّة ؛ وذلك لأنَّ حُكمَ العورةِ غيرُ ثابتٍ في حقِّ الصغيرةِ التي لا تُشْتَهى
الفرع الخامِسُ: حُكمُ المرأةِ تموتُ بين أجانِبَ، والرَّجُلِ يموتُ بين أجنبيَّاتٍ
إذا ماتَتِ المرأةُ بين رجالٍ أجانِبَ، أو مات الرَّجلُ بين نِساءٍ أجنبيَّاتٍ، ولا يوجدُ من يُباحُ له غُسلُها أو غُسلُه- يُيَمَّمَانِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والأصحُّ عند الشَّافعيَّة، والحَنابِلَة، وهو قولُ بعضِ السَّلَف ؛ وذلك إلحاقًا لفَقْدِ الغاسِلِ بفَقْدِ الماءِ
الفرع السَّادسُ: حُكمُ غُسلِ الكافِرِ للمُسْلِمِ
لا يَصِحُّ غُسلُ الكافِرِ للمُسلمِ، وهو مذهَبُ الجمهور: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والحَنابِلَة ؛
وذلك لأنَّ غُسلَ الميِّتِ عبادةٌ، وليس الكافِرُ مِن أَهْلِها
المطلب الرابعُ: صِفَةُ غُسْلِ المَيِّت وأحكامُه
الفرع الأول: صفةُ غُسلِ المَيِّت
المسألة الأولى: تجريدُ الميِّتِ مِن ثيابِه
يُسَنُّ تجريدُ الميِّتِ من ثيابِه، وهو مذهَبُ الجمهورِ: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والحَنابِلَة
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة
عن عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالت: ((لَمَّا أرادوا غُسلَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قالوا: واللهِ ما ندري: أَنُجَرِّدُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم من ثيابِه كما نُجَرِّدُ موتانا، أم نُغَسِّلُه وعليه ثيابُه؟ ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
دلَّ قولُهم: أَنُجَرِّدُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم مِن ثيابِه كما نُجَرِّدُ موتانا؛ أنَّ عادتَهم كانت تجريدَ موتاهم للغُسلِ في زَمَنِه صلَّى الله عليه وسلَّم
ثانيًا: لأنَّ ذلك أَمْكَنُ في تغسيلِه
ثالثًا: لأنَّ ذلك أبلَغُ في تطهيرِه
رابعًا: لأنَّ ذلك أَصْوَنُ له مِنَ التَّنجيسِ
المسألة الثانية: سَتْرُ عورةِ المَيِّت
يجبُ سَتْرُ عورةِ المَيِّتِ عند الشُّروعِ في غُسلِه، ولا يجوزُ النَّظَرُ إلى عَورتِه.
الأدلَّة:أولًا: من السنَّةِ
عمومُ حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْرِي رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا ينظُرُ الرَّجُلُ إلى عورةِ الرَّجُلِ، ولا المرأةُ إلى عورةِ المَرْأةِ ))
ثانيًا: من الإجماع
نقَلَ الإجماعَ على وجوبِ سَتْرِ عَوْرَتِه، وحُرمَةِ النَّظَر إليها: ابنُ عبدِ البَرِّ، وابنُ قدامةَ، والحطَّاب
المسألة الثالثة: عَصْرُ بَطْنِ الميِّت
يُشْرَعُ أن يعْصِرَ الغاسِلُ بَطْنَ الميِّتِ عصرًا رفيقًا، ثم يَلُفَّ على يَدِه خِرقةً فيُنْجيه بها، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة
وذلك للآتي:
أولًا: ليُخْرِجَ ما في بَطْنِه من نجاسةٍ
ثانيًا: حتى لا يَخْرُج بعد ذلك فيُلَوِّث الكَفَن
ثالثًا: يَعْصِر بطنَه عصرًا رفيقًا؛ لأنَّ المَيِّتَ في محَلِّ الشَّفَقة والرَّحمةِ
رابعًا: يلُفُّ على يَدِه خرقةً حتى لا يَمَسَّ عَوْرَتَه؛ لأنَّ النَّظَرَ إلى العورةِ حرامٌ؛ فاللَّمْسُ أَوْلى
المسألة الرابعة: نيَّة الغُسلِ
لا تجِبُ النيَّةُ في غُسلِ المَيِّت، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، وروايةٌ عن أحمدَ ؛ وذلك لأنَّ القَصْدَ التنظيفُ، فأشْبَهَ غَسْلَ النَّجاسَةِ
المسألة الخامسة: مَسْحُ أسنانِ المَيِّت ومِنْخَريه وتنظيفُهما
يُسْتَحَبُّ أن يمسَحَ الغاسِلُ أسنانَ الميِّتِ ومِنْخَرَيه وينظِّفَهما، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة
عن أمِّ عطيَّةَ نُسيبَةَ الأنصاريَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عنها، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لهنَّ في غُسلِ ابنتِه: ((ابدأْنَ بمَيَامِنِها ومواضعِ الوُضوءِ منها ))
ثانيًا: من أجل إزالَةِ ما يُكْرَه ريحُه أو رُؤْيَتُه
المسألة السادسة: تَوضِئَةُ الميِّت
يُسَنُّ أن يُوَضِّئَ الغاسِلُ المَيِّتَ في أوَّلِ غَسَلاتِه؛ كوضوءِ حَدَثٍ، باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أمِّ عطيَّةَ رَضِيَ الله عنها، قالت: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لهنَّ في غُسْلِ ابنَتِه: ((ابدَأْنَ بِمَيامِنِها ومواضِعِ الوُضوءِ منها )
ثانيًا: لأنَّ الوضوءَ يُبدَأُ به في غُسْلِ الحيِّ، فكذلك الميِّتُ، فهو سنَّةُ الاغتسالِ في حالة الحياةِ، فكذا بعد المماتِ؛ لأنَّ الغُسْلَ في الموضعيْنِ لأجْلِ الصَّلاةِ
المسألة السابعة: غُسلُ الميِّت بالسِّدْر
يُغَسَّل الميِّتُ بماءٍ وسِدْرٍ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة- (( يجوز استخدامُ الصابونِ في غُسلِ المَيِّت أو ما يقوم مقامَه في التنظيف - ))
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((أقبلَ رجُلٌ حَرامًا مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فخَرَّ مِن بَعيرِه، فوُقِصَ وَقْصًا، فمات، فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: اغْسِلُوه بماءٍ وسِدْرٍ وأَلْبِسوه ثوبَيْهِ، ولا تُخَمِّروا رَأْسَه؛ فإنَّه يأتي يومَ القيامةِ يُلَبِّي ))
2- عن أمِّ عطيَّةَ الأنصاريَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالت: دخل علينا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين تُوفِّيَتْ ابنَتُه، فقال: ((اغْسِلْنَها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثَرَ من ذلك إنْ رَأَيْتُنَّ ذلك، بماءٍ وسِدْرٍ، واجْعَلْنَ في الآخِرَةِ كافورًا- أو شيئًا من كافورٍ- فإذا فرَغْتُنَّ فآذِنَّنِي ))
ثانيًا: لأنَّ المقصودَ من الغُسْل التنظيفُ، فيُستعانُ بما يزيدُ فيه التَّطهيرُ
المسألة الثامنة: غَسْلُ جميعِ بَدَنِ المَيِّتِ والتيامُن فيه
1- غَسْلُ جميع بَدَنِ المَيِّت
يجب غَسْلُ جميعِ بَدَنِ المَيِّت، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّةِ، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة
الأدلَّة من السُّنَّة:
1- عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: ((وَقَصَتْ برجلٍ مُحْرمٍ ناقتُه فقَتَلَتْهُ، فَأُتِيَ بهِ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقالَ: اغْسِلوه... ))
2- عن أمِّ عطيَّةَ الأنصاريَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالت: دخَلَ علينا رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم حين تُوُفِّيَتْ ابنَتُه، فقال: ((اغْسِلْنَها... ))
2- التيامُنُ في غُسلِه
يُسَنُّ في غُسلِ المَيِّت أن يُبدَأَ بالشِّقِّ الأيمَنِ ثُمَّ الأيسَرِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة والحَنابِلَة
الأدلَّة من السُّنَّة:
1- عن أمِّ عطيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالت: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لهنَّ في غسلِ ابنَتِه: ((ابْدَأْنَ بميامِنِها ومواضِعِ الوُضوءِ منها ))
2- عمومُ حديثِ عائشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها: ((كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُعْجِبُه التيمُّنُ في تنعُّلِه وترجُّلِه وطُهورِه، وفي شأنِه كُلِّه
المسألة التاسعة: وَضْعُ الكافورِ في الغَسْلَة الأخيرةِ
يُسَنُّ أن يجعَلَ الغاسِلُ في الغَسلَةِ الأخيرةِ كافورًا، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أمِّ عطيَّةَ الأنصاريَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالت: ((دخَلَ علينا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين تُوُفِّيَتِ ابنَتُه، فقال: اغْسِلْنَها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثَرَ من ذلك إن رأيتُنَّ ذلك، بماءٍ وسِدْرٍ، واجْعَلْنَ في الآخرَةِ كافورًا- أو شيئًا من كافورٍ- فإذا فَرَغْتُنَّ فآذِنَّنِي ))
ثانيًا: لأنَّه يُصَلِّبُ الجسمَ، ويُبَرِّدُه، ويُطَيِّبُه، ويطردُ عنه الهوامَّ
المسألة العاشرة: الوِتْرُ في غُسلِ الميِّت
الوِترُ في تغسيلِ الميِّت مُستحَبٌّ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلةِ، وحُكِي الإجماعُ على ذلك
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن أمِّ عطيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، أنَّ النبيَّ صلَّى لله عليه وسلَّم قال: ((اغْسِلْنَها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثرَ من ذلك ))
وفي رواية: ((واغسِلنَها وِترًا ثلاثًا أو خمسًا ))
المسألة الحادية عشرة: تقليمُ أظْفار المَيِّتِ وقَصُّ شارِبِه
اختلف أهلُ العِلمِ في تقليمِ أظْفارِ المَيِّت وقَصِّ شارِبِه على قولين:
القول الأول: يُكْرَه تقليمُ أظْفارِ المَيِّت وقَصُّ شاربِه، وهو مذهبُ الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، وقولٌ للشافعيَّةِ صحَّحَه بعضُهم، واختاره النوويُّ، ومال إليه ابن المُنْذِر ؛ وذلك لأنَّه يُفْعَلُ للزِّينةِ، والمَيِّتُ ليس بمحَلِّ الزِّينةِ
القول الثاني: يُستحَبُّ تقليمُ أظْفار المَيِّت وقَصُّ شارِبِه، وهو مذهَبُ الحَنابِلَة، وقولٌ للشافعيَّة، وهو قولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ، واختاره ابنُ بازٍ، وابنُ عثيمينَ
وذلك للآتي:
أولًا: لأنَّه تنظيفٌ لا يتعلَّقُ بقَطْعِ عُضوٍ، أشْبَهَ إزالةَ الوَسَخِ والدَّرَن
ثانيًا: لأنَّه سُنَّةٌ في حياتِه
المسألة الثانية عشرة: حَلْقُ شَعْرِ عانَةِ المَيِّت
يَحْرُم حَلْقُ شَعْرِ عانَةِ الميِّت، وهو مذهَبُ الحَنابِلَة ؛ وذلك لِمَا فيه مِنْ مَسِّ العورةِ ونَظَرِها، وهو مُحَرَّمٌ
المسألة الثالثة عشرة: تنشيفُ المَيِّتِ بعد الغُسْل
يُستَحَبُّ أن يُنَشَّفَ المَيِّتُ بعد الغُسْلِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة والحَنابِلَة
وذلك للآتي:
أولًا: لأنَّه مِن كَمالِ غُسْلِ الحَيِّ
ثانيًا: لأنَّه إذا بَقِيَ رَطْبًا عند التَّكفينِ، أَثَّرَ ذلك في الكَفَنِ
المسألة الرابعة عشرة: التيمُّمُ عند العَجْزِ عن الماءِ
يُيَمَّمُ المَيِّتُ لعُذْرٍ مِن عَدمِ الماءِ، أو عَجْزٍ عن استعمالِه، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة، وهو قولُ ابنِ حَزْمٍ الظَّاهريِّ ؛ وذلك لأنَّه غُسْلٌ لا يتعلَّقُ بإزالَةِ نجاسةٍ، فنابَ التيمُّمُ عنه عند العَجْزِ؛ كغُسْلِ الجنابَةِ
الفرع الثاني: الأحكامُ الخاصَّةُ بغُسْلِ المرأةِ والخُنْثَى والمُحْرِم
المسألة الأولى: الأحكامُ الخاصَّةُ بغُسْلِ المرأةِ
يُستَحَبُّ تسريحُ شعْرِ الميَّتةِ، وجَعْلُه ثلاثَ ضفائِرَ خَلْفَها، وهو مذهبُ الجُمهورِ: المالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن أمِّ عطيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالت: ((تُوُفِّيَتْ إحدى بناتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأتانا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: اغْسِلْنَها بالسِّدْرِ وِتْرًا ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثَرَ من ذلك، إن رأيتُنَّ ذلك، واجعَلْنَ في الآخِرَةِ كافورًا- أو شيئًا من كافورٍ- فإذا فرغْتُنَّ فآذِنَّنِي، فلما فَرَغْنا آذَنَّاه، فألقى إلينا حَقْوَهُ،.(( فألقى إلينا حَقْوَه: يعني إزارَه، وأصْلُ الحقْوِ مَعْقِد الإزارِ، وسُمِّيَ به الإزارُ؛ لأنه يُشَدُّ فيه.)) فضَفَّرْنا شَعْرَها ثلاثةَ قُرونٍ، وألقيناها خَلْفَها ))
المسألة الثانية: غسلُ الخُنثى المُشْكِل
الخُنثى المُشْكِل يُيَمَّمُ ولا يُغَسَّلُ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والحَنابِلَة، ووجهٌ للشافعيَّةِ :.(( على تفصيل بين المذاهِبِ الفِقهيَّةِ: فالحنفيَّةُ قالوا: إن كان المُيَمِّمُ ذا رَحِمٍ منه، يَمَّمَه بغير خرقةٍ، وإن كان غيرَ مَحْرَم فبخرقةٍ ويُعرِض عن ذراعيه، أما إن كان صغيرًا غُسِّلَ على كلِّ حالٍ، سواءٌ كان الغاسِلُ رجلًا أو امرأةً، وإن كان بلغ حَدَّ الشهوةِ لا يُغَسَّل للتعذُّر، بل يُيَمَّم.. والمالكية قالوا: الخُنْثَى المُشْكِل الكبير الذي لا مَحْرَمَ له من الذكورِ والإناثِ ولا سيِّدًا ذَكَرًا، أنَّه يُشتَرى له جاريةٌ من مالِ نفسه، فإن لم يكنْ له مالٌ فَمِنْ بيتِ المالِ، ثم تَرْجِع لبيتِ المالِ ولا تُورَثُ، وإن لم يُوجَدْ، أوْ لا وصولَ إليه، فإنَّه يُيَمَّمُ ويُدْفَنُ، وينبغي إذا يمَّمَه رجُلٌ أن يُيَمِّمَه إلى كوعَيهِ احتياطًا، وإن يَمَّمَتْه امرأةٌ يَمَّمَتْه إلى مِرْفَقَيه بالأَوْلى من الرَّجُلِ؛ وذلك لأنَّه إن كان ذَكَرًا فهي أَمَتُه، وإن كان أنثى فهو امرأةٌ إلا أنَّها تُؤمَرُ بِسَتْرِه.. والحنابلة قالوا: إذا مات خُنثى مُشْكِل له سبعُ سنينَ فأكثَرُ، فإن كانت له أمَةٌ غَسَّلَتْه؛ لأنَّه إن كان أنثى فلا كلامَ، وإن كان ذَكَرًا فلِأَمَتِه أن تُغَسِّلَه ..))
وذلك للآتي:
أولًا: لأنَّه مات قبل أن يَستبينَ أَمْرُه فلم يُغَسِّلْه رجلٌ ولا امرأةٌ؛ لأنَّ حِلَّ الغُسل غيرُ ثابتٍ بين الرِّجالِ والنِّساءِ، فيُتَوَقَّى؛ لاحتمالِ الحُرْمَةِ، ويُيَمَّمُ بالصَّعيدِ؛ لتَعَذُّرِ الغُسْلِ
ثانيًا: لأنَّه لا يحلُّ للرَّجُلِ أن يُغَسِّلَه؛ لاحتمالِ أن يكونَ أنثى، ولا يحِلُّ للمرأةِ أن تُغَسِّلَه؛ لاحتمال أنَّه ذَكَرٌ؛ فَيُيَمَّم
المسألة الثالثة: صفةُ غُسْلِ من مات مُحْرِمًا
غُسْلُ الْمُحْرِم المَيِّت كغُسْلِه وهو حيٌّ، فيُجَنَّب ما يُجَنَّبُ وهو حيٌّ، وهو مذهَبُ الشَّافعيَّة، والحَنابِلَة، وبه قالت طائفةٌ مِنَ السَّلَف، وهو قولُ ابنِ حزْمٍ، وابنِ تيميةَ، وابنِ القَيِّم والصَّنعاني، وابنِ بازٍ، وابنِ عثيمينَ
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((بَيْنَا رجلٌ واقِفٌ مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بِعَرَفَةَ إذْ وَقَعَ عن راحِلَتِه فوَقَصَتْه، أو قال فأَوْقَصَتْه- فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: اغْسِلُوه بماءٍ وسِدْرٍ وكفِّنوه في ثوبينِ، ولا تُمِسُّوه طِيبًا، ولا تُخَمِّروا رَأْسَه، ولا تُحَنِّطوه؛ فإنَّ اللهَ يَبْعَثُه يومَ القيامَة مُلَبِّيًا ))
وجهُ الدَّلالة:
أنَّه مَنَعَ مِن تخميرِ رَأْسِه بعد الموتِ، ومِنْ مَسِّهِ بالطِّيبِ؛ لِبقاءِ الإحرامِ عليه، ودلَّ قَوْلُه: ((فإنَّه يُبعَثُ يومَ القيامَةِ مُلَبِّيًا)) على أنَّه باقٍ على إحرامِهِ؛ فهو كالحَيِّ
الفرع الثالث: إذا خرج من المَيِّت نجاسةٌ بعد غُسلِه
إذا خرج من المَيِّت نجاسةٌ بعد غُسلِه وقبلَ تكفينِه؛ وَجَبَ غَسْلُ النَّجاسَةِ، ولا يُعادُ الغُسْلُ، وهذا مذهَبُ الجمهورِ : الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ الغُسْلَ قد عُرِفَ بالنَّصِّ، وقد حصل مرَّةً، وسقط الواجِبُ فلا يُعيدُه
ثانيًا: لأنَّه خَرَجَ عن التَّكليفِ بِنَقْضِ الطَّهارة
ثالثًا: قياسًا على ما لو أصابَتْه نجاسةٌ مِن غَيْرِه؛ فإنَّه يكفي غَسْلُها بلا خلافٍ
رابعًا: لأنَّ خُروجَ النَّجاسةِ مِنَ الحَيِّ بعد غُسْلِه لا يُبْطِلُه، فكذلك المَيِّت
مسألة: حُكمُ إعادةِ وُضوءِ المَيِّت بعد خروجِ النَّجاسةِ منه
إذا خرَجَ من المَيِّت نجاسةٌ بعد غُسْله، وقبل تكفينِه؛ فلا يُعادُ وُضوؤُه، وهو مذهبُ الجُمهورِ: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة والصَّحيحُ مِن مَذْهَبِ الشَّافعيَّة
وذلك للآتي:
أولًا: لأنَّه إن كان حَدَثًا، فالموت فَوْقَه في هذا المَعنى؛ لكونِه ينفي التمييزَ فوقَ الإغماءِ؛ فلا معنى لإعادَتِه مع بقاءِ المَوْتِ
ثانيًا: لأنَّه خرَجَ عن التَّكليفِ بِنَقْضِ الطَّهارةِ، وقياسًا على ما لو أصابَتْه نجاسةٌ مِنْ غَيْرِه، فإنَّه يَكْفِي غَسلُها بلا خلافٍ
الفرع الرابع: حُكمُ الاغتسالِ مِن غُسْلِ المَيِّت
يُستحَبُّ الاغتسالُ مِنْ غُسْلِ المَيِّت، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة
الأدلَّة من الآثار:
1- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه، أنه قال: (مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فلْيغتَسِلْ )
2- عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما، قال: (كُنَّا نُغَسِّلُ المَيِّتَ؛ فمِنَّا من يَغْتَسِلُ، ومنَّا مَن لا يغتَسِلُ )
--------------------------------------------------------------------------------
وما زلنا أحبابنا ... تابعونا جزاكم الله خيرا
:
ولا تنسونا من صالح دعائكم
:::
التالي :. حُكمُ تكفينِ الميِّت
عدل سابقا من قبل sadekalnour في الإثنين أكتوبر 24, 2022 10:07 pm عدل 1 مرات
أمس في 3:20 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب الدعوة إلى توحيد الله سبحانه
الخميس نوفمبر 21, 2024 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد