الفَصلُ الأوَّلُ: فَضْلُ الجُمُعة وحُكْمُها وحُكْمُ تَعَدُّدِها
المَبحَثُ الأوَّل: فَضْلُ الجُمُعة
للجُمُعةِ فضائلُ كثيرةٌ، دلَّت عليها أحاديثُ عديدةٌ، منها:
1- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((خيرُ يومٍ طَلعَتْ فيه الشَّمسُ يومُ الجُمُعة؛ فيه خَلَقَ اللهُ آدَمَ، وفيه أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وفيه أُخرِجَ منها، ولا تقومُ السَّاعةُ إلَّا في يومِ الجُمُعة ))
2- عن أبي هُرَيرةَ، وحُذَيفةَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قالا: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أضلَّ اللهُ عنِ الجُمُعة مَن كان قَبْلَنا، فكانَ لليهودِ يومُ السَّبت، وكان للنَّصارى يومُ الأحد، فجاءَ اللهُ بنا فهَدَانا ليومِ الجُمُعة، فجَعَل الجُمُعة والسَّبتَ والأَحَد، وكذلك هم تبعٌ لنا يومَ القيامَةِ، نحنُ الآخِرونَ من أهلِ الدُّنيا، والأَوَّلونَ يومَ القِيامَةِ، المقضيُّ لهم قبلَ الخلائقِ ))
3- حديثُ أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنَّه قال: ((نَحنُ الآخِرونَ الأوَّلون السَّابِقون يومَ القِيامةِ، بَيْدَ أنَّهم أُوتوا الكتابَ مِن قَبلِنا، ثمَّ هذا يومُهم الذي فَرَضَ اللهُ عليهم، فاخْتَلفوا فيه، فهَدَانا اللهُ له، والنَّاسُ لنا فيه تَبَعٌ؛ اليهودُ غدًا، والنَّصارَى بعدَ غدٍ ))
صَلاةُ الجُمُعة فرْضُ عَينٍ.
الأدلَّة:أولًا: من الكِتاب
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعة فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه أَمَر بالسَّعيِ،((. قال ابنُ قُدامَة: (المرادُ بالسعيِ هاهنا الذهابُ إليها، لا الإسراعُ؛ فإنَّ السعيَ في كتابِ اللهِ لم يردْ به العَدْوُ؛ قال الله تعالى: وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى **عبس: 8**. وقال: وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا **الإسراء: 19**، وقال: سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا **البقرة: 205**، وقال: وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا **المائدة: 33-64**، وأشباه هذا؛ لم يرِدْ بشيءٍ من العَدْوِ، وقد رُوي عن عُمرَ أنه كان يقرؤها: "فامضُوا إلى ذِكر الله" . )) والأمرُ يَقتضِي الوجوبَ، ولا يَجِبُ السعيُ إلَّا إلى الواجبِ، ونَهَى عنِ البَيعِ؛ لئلَّا يشتغلَ به عنها، فلو لم تكُنْ واجبةً لَمَا نَهَى عن البَيعِ من أجْلِها
ثانيًا: من السُّنَّة
1- قولُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لَيَنتهِينَّ أقوامٌ عن وَدْعِهم الجُمُعاتِ، أو لَيختمنَّ اللهُ على قلوبِهم، ثم لَيكونُنَّ مِنَ الغافلِينَ ))
2- عن أبي الجَعدِ الضَّمْريِّ، أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن تَرَك ثلاثَ جُمُعٍ تهاونًا، طبَعَ اللهُ على قَلبِه ))
3- عن حَفصةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رَواحُ الجُمُعة واجبٌ على كلِّ مُحتَلِمٍ ))
ثالثًا: مِنَ الِإِجْماعِ
نقَلَ الإجماعَ على فرضيَّتِها: الكاسانيُّ، وابنُ قُدامةَ، وابنُ تيميَّة وابنُ القيِّم
المبحث الثالث: تَعدُّدُ صلاةِ الجُمُعةِ في البلدِ الواحِدِ
لا يجوزُ تعدُّدُ الجُمَعِ في البلدِ الواحدِ مع عدمِ الحاجةِ، ويجوزُ تَعدُّدها إذا كانتْ هناك حاجةٌ أو ضرورةٌ، وإنْ حصَلَ الاكتفاءُ بجامعَينِ لم يَجُزْ إقامتُها في ثالثٍ، وكذلك ما زاد، وهو المشهورُ من مذهبِ المالِكيَّة
، والشافعيَّة على الصَّحيحِ، والحَنابِلَة، وقولٌ للحنفيَّة، وهو قولُ أكثرِ العُلماءِ
الأدلَّة: أولًا: أدلَّةُ مَنْعِ تَعدُّدِ الجُمُعةِ من غيرِ حاجةٍ
أولًا: من السُّنَّة
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، زوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّها قالت: ((ما خُيِّرَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَينَ أمرينِ إلَّا أَخَذَ أَيسرَهما ما لم يكُن إثمًا، فإنْ كان إثمًا كانَ أبعدَ الناسِ منه ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه ثبَتَ أنَّه لم يكُن في عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مسجدٌ تُقامُ فيه صلاةُ الجُمُعةِ بالمدينةِ إلَّا مسجدٌ واحدٌ، هو المسجدُ النبويُّ، وكان المسلمون يأتون إليه لصلاةِ الجُمُعةِ به، مِن أطرافِ المدينةِ وضواحيها، كالعَوالي، ولو كان تعدُّدُ الجُمَعِ في البَلدِ الواحدِ من غيرِ مبرِّرٍ شرعيٍّ مباحًا لأمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أصحابَه رَضِيَ اللهُ عنهم أن يصلِّيَ كلُّ منهم الجُمُعةَ في مسجدِه بأطرافِ المدينةِ؛ لأنَّه ما خُيِّرَ بين أمرين إلَّا اختارَ أيسرَهما ما لم يكُن إثمًا
ثانيًا: أنَّه لم يُنقَلْ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وخلفائِه، ومَن بعدهم من الصَّحابةِ أنَّهم جمَّعوا أكثرَ من جُمُعةٍ؛ إذ لم تدْعُ الحاجةُ إلى ذلِك
ثالثًا: أنَّ في تعطيلِ الناسِ مساجدَهم يومَ الجُمُعةِ واجتماعِهم في مسجدٍ واحدٍ أَبينَ البيانِ بأنَّ الجُمُعةَ خِلافُ الصَّلواتِ، وأنَّها لا تُصلَّى إلَّا في مكانٍ واحدٍ، ولو جازَ تعدُّدُ الجُمَعِ لم يُعطِّلوا المساجدَ
رابعًا: أنَّ الاقتصارَ على جُمعةٍ واحدةٍ أفْضَى إلى المقصودِ من إظهارِ شِعارِ الاجتماعِ واتِّفاقِ الكلمةِ
ثانيًا: أدلَّةُ الجوازِ للحاجةِ
أولًا: من الكتاب
1- قال الله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة: 185]
2- وقال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78]
ثانيًا: من السُّنَّة
1- عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ هذا الدِّينَ يُسرٌ، ولنْ يُشادَّ الدِّينَ أحدٌ إلَّا غَلَبَه ))
2- عن أنس رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يَسِّروا ولا تُعسِّروا ))
وجهُ الدَّلالةِ مِنَ النُّصوصِ السَّابقةِ:
أنَّ مِن مُقتضَى التيسيرِ جوازَ تعدُّدِ الجُمُعةِ في البلدِ الواحدِ إذا كان لحاجةٍ؛ وذلك تيسيرًا على الناسِ، ودفعًا للحرَجِ عنهم
ثالثًا: أنَّ ترْكَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إقامةَ جمعتينِ؛ لأنَّ أصحابَه كانوا يرَوْنَ سماعَ خُطبتِه، وشهودَ جُمعتِه، وإنْ بَعُدتْ منازلُهم؛ لأنَّه المبلِّغُ عن اللهِ تعالى، وشارعُ الأحكامِ، ولَمَّا دعَتِ الحاجةُ إلى ذلِك في الأمصارِ، صُلِّيتْ في أماكنَ، ولم يُنكَرْ، فصار إجماعًا
رابعًا: أنَّه إذا جازَ ذلك في العيدِ للحاجةِ، فالجُمُعةُ مثلُه بجامعِ المشقَّةِ والحاجةِ والرِّفقِ بالمسلمين، وصلاةُ الجُمُعةِ كالعيدِ؛
فهما صلاتانِ شُرِعَ لهما الاجتماعُ والخُطبةُ
خامسًا: أنَّ مَنْعَ تعدُّدِ الجُمَعِ مع استدعاءِ الحاجةِ يُفضي إلى الحرَجِ من تطويلِ المسافةِ على الأكثرِ، ومنْعِ خلقٍ كثيرٍ من التَّجميعِ، وهو خلافُ مقصودِ الشَّارعِ
الفصل الثاني: مَن تجِبُ عليهم الجُمُعة ومن لا تَجِبُ عليهم، وحُكْمُها لمن صَلَّى العيدَ
المطلَبُ الأوَّلُ: مَن تجِبُ عليهم صلاةُ الجُمُعة
تجِبُ صلاةُ الجُمُعة على الرِّجالِ، الأحرارِ، المُكلَّفِينَ، المقيمينَ، الَّذين لا عُذرَ لهم
الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة
1- عنْ عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القَلمُ عن ثلاثةٍ: عنِ النَّائمِ حتَّى يَستيقظَ، وعنِ الصَّبيِّ حتى يَبلُغَ، وعنِ المجنونِ حتَّى يَعقِلَ ))
2- عن طارق بن شهاب رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الجُمُعة حقٌّ واجبٌ على كلِّ مُسلمٍ، إلَّا أربعةً: عبْدٌ مملوكٌ، أو امرأةٌ، أو صَبيٌّ، أو مَرِيضٌ ))
ثانيًا: مِنَ الِإِجْماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المنذرِ، وابنُ عبدِ البَرِّ
المطلب الثاني: الأَعْمَى إذا كانَ له قائدٌ
تجِبُ الجُمُعة على الأَعْمَى إذا كانَ له قائدٌ
، وهو مذهبُ الجمهور: المالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وأبي يوسف ومُحمَّد من الحَنَفيَّة، وهو قولُ داودَ
الأدلَّة:أولًا: من الكِتاب
قال اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجُمُعة: 9]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
عمومُ الآية؛ فيَدخُل فيه الأعمى إذا كان له قائدٌ يقودُه للصَّلاةِ
ثانيًا: من السُّنَّة
عن طارق بن شهاب رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الجُمُعة حقٌّ واجبٌ على كلِّ مسلمٍ إلَّا أربعةً: عبدٌ مملوكٌ، أو امرأةٌ، أو صبيٌّ، أو مريضٌ ))
المطلب الثالث: مَن لَزِمَتْه الجُمُعةُ فصَلَّى الظُّهرَ قبلَ فَواتِ صَلاةِ الجُمُعةِ
لا تَصِحُّ صلاةُ الظُّهرِ ممَّنْ لزمتْه الجُمُعةُ قبلَ صلاةِ الجُمُعةِ، ويَلزمُه السَّعيُ إليها، فإنْ أدرَكَها وإلَّا صلَّى ظُهرًا، وهو مذهبُ الجمهورِ: المالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وهو قولُ داود
وذلك للآتي:
أولًا: أنَّ صلاةَ الجُمُعةِ هي المفروضةُ عليه
ثانيًا: أنَّه صلَّى ما لم يُخاطَبْ به، وترَك ما خُوطِبَ به؛ لأنَّه لا يُخاطَبُ في الوقتِ بصَلاتينِ؛ فلمْ تصحَّ، كما لو صَلَّى العصرَ مكانَ الظُّهرِ، ولا نِزاعَ في أنَّه مخاطَبٌ بالجُمُعةِ، فسقطَتْ عنه الظهرُ، كما لو كان بعيدًا، وقد دلَّ عليه النصُّ والإجماعُ
ثالثًا: أنَّه لا خِلافَ في أنَّه يأثمُ بتَرْكِ الجُمُعةِ وترْكِ السَّعيِ إليها، ويَلزَمُ من ذلك أنْ لا يُخاطَبَ بالظهرِ؛ لأنَّه لا يُخاطَبُ في الوقتِ بصَلاتينِ
رابعًا: لأنَّه يأثمُ بترْكِ الجُمُعةِ وإنْ صلَّى الظهرَ، ولا يأثمُ بفِعلِ الجُمُعةِ وترْك الظهرِ بالإجماعِ، والواجبُ فِعْلُ ما يأثم بتَرْكه دون ما لم يأثمْ به
المطلَبُ الرابِعُ: حُكْمُ من سَمِعَ النِّداءَ يَوْمَ الجُمُعةِ
الفرع الأول: حُكمُ الجُمُعةِ لِمَنْ لمْ يَسمَعِ النِّداءَ
تجِبُ الجُمُعةُ على جميعِ مَن في البلدِ، وإنْ كان في طَرَفِها لا يَسمَعُ النِّداءَ
الأدلَّة:أولًا: من الكِتاب
قال تعالى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: 9]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ اللهَ عَزَّ وجلَّ قد أمَرَ بالسَّعيِ بمُجرَّدِ النِّداءِ لا السَّماعِ له
ثانيًا: مِنَ الِإِجْماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ رُشدٍ، وابنُ بَطَّال، وابنُ رجب، وسندٌ من المالِكيَّة
ثالثًا: أنَّه بلدٌ واحدٌ؛ فلا فَرْقَ فيه بين البَعيدِ والقريبِ
الفرع الثاني: حُكمُ الجُمُعةِ على مَن كان خارجَ البَلدِ
تجِبُ الجُمُعةُ على مَن يَسمَعُ النِّداءَ ولو كان خارجَ البَلدِ، وهذا مذهبُ الجمهورِ من المالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وهو قولُ داودَ،
وبه قالتْ طائفةٌ من السَّلفِ
الدَّليلُ مِنَ الكتاب:
قال الله تعالى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجُمُعة: 9]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ ظاهرَ الآيةِ وجوبُ الجُمُعةِ على مَن سمِعَ النِّداءَ
المطلب الخامس: حُكمُ الجُمُعةِ إذا كانَ مَن يُقيمُها فاسقًا أو مبتدعًا
الأدلَّة:أولًا: من الكِتاب
قال الله تعالى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجُمُعة: 9] وَجْهُ الدَّلالَةِ:
عمومُ الآيةِ
ثانيًا: من السُّنَّة
عن أبي العَاليةِ البَرَّاءِ، قال: ((أخَّرَ زيادٌ الصلاةَ فأتاني ابنُ صامتٍ فألقيتُ له كرسيًّا فجَلس عليه فذكرتُ له صُنْعَ زيادٍ، فعضَّ على شَفتيهِ وضرَب على فخِذي، وقال: إنِّي سألتُ أبا ذرٍّ كما سألتَني، فضرَب فخِذي كما ضربتُ فخِذَك، وقال: إنِّي سألتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما سألتَني فضرَب فخِذي كما ضربتُ فخِذَك، فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: صلِّ الصَّلاةَ لوقتِها، فإنْ أدركتَ معهم فصلِّ ولا تقُل: إنِّي صليتُ فلا أُصلِّي ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
دلَّ الحديثُ على جوازِ الصَّلاةِ مع أئمَّةِ الجَورِ
ثالثًا: مِن الآثار
عن عُبَيدِ اللهِ بنِ عَديِّ بنِ خِيارٍ، أنَّه دخَلَ على عُثمانَ بنِ عَفَّانَ وهو محصورٌ، فقال: (إنَّك إمامُ عامَّةٍ، ونزَلَ بكَ ما ترَى، ويُصلِّي لنا إمامُ فِتنةٍ، ونَتحرَّجُ؟ فقال: الصلاةُ أحسن ما يَعمَلُ الناسُ، فإذا أحسنَ الناسُ فأَحْسِنْ معهم، وإذا أساؤوا فاجتنبْ إساءتَهم )
رابعًا: مِنَ الِإِجْماعِ
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ قُدامةَ، والنوويُّ، والشوكانيُّ، وحكاه ابنُ تيميَّة عن عامَّةِ السَّلَفِ والخَلَفِ
خامسًا: أنَّ الجُمُعةَ من أعلامِ الدِّينِ الظَّاهرةِ، ويتولَّاها الأئمَّةُ ومَن وَلَّوْه، فترْكُها خَلْفَ مَن هذه صِفتُه يُؤدِّي إلى سُقوطِها
سادسًا: أنَّ الظاهِرَ من حالِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم أنَّهم لم يكونوا يُعيدونَ الجُمُعةَ، إذا صلَّوا مع الأئمَّةِ الفُسَّاقِ؛ فإنَّه لم يُنقَلْ عنهم ذلِك
سابعًا: أنَّ الأصلَ عدمُ اشتراطِ العدالةِ، وأنَّ كلَّ مَن صَحَّتْ صَلاتُه لنَفْسِه صحَّتْ لغيرِه
المَطلَبُ الأوَّل: من لا تَجِبُ عليهم الجُمُعةُ
الفرعُ الأَوَّل: المَرأة
لا تَجِبُ الجُمُعةُ على المرأةِ.
الأدلَّة: أولًا: مِنَ الِإِجْماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المنذرِ ، والخطابيُّ، وابنُ بَطَّال، وابنُ قُدامة،
ثانيًا: أنَّ المرأةَ ليستْ من أهلِ الحضورِ في مجامعِ الرِّجال؛ ولذلك لا تجِبُ عليها جماعةٌ
الفرع الثَّاني: العَبْد
لا تجِبُ الجُمُعةُ على العبدِ، وهذا باتِّفاق المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وبه قالَ أكثرُ العلماء
وذلك للآتي:
أولًا: أنَّه مشغولٌ في خِدمةِ سيِّدِه
ثانيًا: أنَّه مملوكُ المنفعةِ، محبوسٌ على السيِّدِ؛ أشبَهَ المحبوسَ بالدَّينِ
ثالثًا: أنَّها لو وجبتْ عليه لجازَ له المُضيُّ إليها من غير إذنِ سيِّده، ولم يكُنْ لسيِّدِه منعُه منها، كسائرِ الفرائضِ
الفرع الثَّالث: الصَّبي
لا تجِبُ الجُمُعةُ على الصبيِّ، وهذا باتِّفاق المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وهو قولُ أكثرِ أهلِ العِلمِ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك
الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة
1- عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عن النائمِ حتى يَستيقظَ، وعن الصَّبيِّ حتى يَبلُغَ، وعن المجنونِ حتى يَعقِلَ ))
2- عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الغُسلُ يومَ الجُمُعةِ واجبٌ على كلِّ مُحتلِمٍ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه علَّقَ الغُسلَ بالاحتلامِ، وهذا يدلُّ على أنَّه لا تجِبُ الجُمُعةُ على الصبيِّ
ثانيًا: لأنَّ البلوغَ من شرائطِ التَّكليفِ
الفرع الرَّابع: المُسافِر
المسألة الأولى: حكم الجُمُعة للمُسافرِ
لا جُمُعةَ على المسافِرِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّةِ الأربعة: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وهو قولُ طائفةٍ مِن السَّلَفِ وبه قال أكثرُ العلماءِ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك
الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة
عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لَمَّا وصَل بَطنَ الوادي يومَ عرفةَ نزَلَ فخَطَبَ النَّاسَ، ثم بعدَ الخُطبةِ أَذَّنَ بلالٌ، ثمَّ أقام فَصلَّى الظهرَ، ثمَّ أقام فصلَّى العَصرَ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى الظهرَ ولم يُصلِّ الجُمُعةَ؛ وذلك للآتي:
1- أنَّ صلاةَ الجُمُعةِ الخُطبةُ فيها بعدَ الأذانِ، وهنا الخُطبةُ قبلَ الأذانِ.
2- صلاةُ الجُمُعةِ يَتقدَّمُها خُطبتانِ، وحديثُ جابرٍ ليس فيه إلَّا خُطبةٌ واحدةٌ.
3- صلاةُ الجُمُعةِ يُجهَرُ فيها بالقراءةِ، وحديثُ جابر يدلُّ على أنَّه لم يَجْهَر؛ لأنَّه قال: ((صلَّى الظُّهرَ، ثم أقامَ فَصلَّى العصرَ))
4- صلاةُ الجُمُعةِ تُسمَّى صلاةَ الجُمُعةِ، وفي حديثِ جابرٍ قال: ((صلَّى الظُّهرَ))
ثانيًا: أنَّه لم يُنقَل أنَّ النبيّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانَ يُصلِّي الجُمُعةَ في أسفارِه، ولو فَعَل لكان ذلِك ممَّا تَتوافَرُ الدَّواعي على نَقْلِه، ولنُقِلَ إلينا
المسألة الثانية: إنشاءُ السَّفرِ بَعدَ الزَّوالِ
لا يجوزُ إنشاءُ السَّفرِ بعدَ زَوالِ الشَّمسِ يومَ الجُمُعةِ بلا ضرورةٍ، وهو مذهبُ الجمهور: المالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وهو قولُ داودَ، وحُكِيَ الإجماعُ على المنعِ بعدَ النِّداءِ
الأدلَّة: أولًا: من الكِتاب
قال اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة: 9]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه أمَر بالسَّعيِ إليها، وترْكِ البيع، وكذا يتْرك السَّفر؛ لأنَّ العِلَّةَ واحدةٌ، فالبيعُ مانعٌ من حضورِ الصَّلاة، والسَّفرُ كذلك مانعٌ من حُضورِ الصَّلاةِ
ثانيًا: أنَّ الجُمُعة قد وجَبَتْ عليه؛ فلمْ يَجُزْ له الاشتغالُ بما يَمنَعُ منها
المسألة الثالثة: السَّفَرُ قَبْلَ الزَّوالِ
يَجوزُ السَّفَرُ قَبلَ الزَّوالِ، وهو مذهبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والحَنابِلَة، وقولٌ للشافعيَّة، وبه قال أكثرُ أهلِ العِلمِ
الأدلَّة:
أولًا: من الآثار
عن الأسودِ بنِ قَيسٍ، عن أبيه، قال: أَبْصَرَ عُمرُ بنُ الخَطَّابِ رجلًا عليه هيئةُ السَّفَرِ، وقال الرَّجُلُ: إنَّ اليومَ يومُ جُمُعةٍ، ولولا ذلك لخرجتُ، فقال عُمرُ: إنَّ الجُمُعةَ لا تَحبِسُ مسافرًا، فاخرجْ ما لم يَحِنِ الرَّواحُ
ثانيًا: أنَّ الجُمُعةَ لم تجِبْ؛ فلم يَحرُمِ السفرُ كاللَّيلِ
ثالثًا: أنَّ ذِمَّتَه بريئةٌ من الجُمُعةِ، فلم يمنعْه إمكانُ وجوبِها عليه كما قبْلَ يَومِها
المسألة الرابعة: إمامةُ المُسافِرِ في الجُمُعةِ
يَصحُّ أن يكونَ المسافرُ إمامًا في الجُمُعةِ، وهو مذهبُ الحَنَفيَّة، والشافعيَّة، واختارَه ابنُ حزمٍ، وابنُ عُثيمين، وبه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائمة، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
وذلك للآتي:
أولًا: أنَّهم رجالٌ تصحُّ منهم الجُمُعةُ
ثانيًا: أنَّ القولَ بعدمِ صِحَّةِ ذلك لا دَليلَ عليه
ثالثَا: أنَّ المسافرَ مِن أهلِ التَّكليفِ، ولا فَرْقَ بين أنْ يكونَ في الجُمُعةِ إمامًا أو مأمومًا
المطلب الثاني: مِن أحكامِ مَن لا تَجِبُ عليهم الجُمُعةُ
الفَرع الأول: فرْضُ مَن لا تَجِبُ عليهم الجُمُعةُ، والحُكمُ إذا صلَّوها
مَن لا تجِبُ عليهم الجُمُعة ففرْضُهم الظُّهرُ، فإنْ حَضَروا صلاةَ الجُمُعةِ وصَلَّوْها، أجزَأَتْهم.
الأدلَّة:أولًا: مِنَ الإجماعِ
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المنذرِ، وابنُ عبد البَرِّ، والجُوينيُّ، وابنُ قُدامةَ، والنوويُّ
ثانيًا: أنَّ الجُمُعةَ وإنْ كانتْ ركعتينِ، فهي أكملُ مِن الظُّهرِ؛ ولهذا وجبَتْ على أهلِ الكمالِ، وإنَّما سقطَتْ عن هؤلاءِ تخفيفًا عنهم، فإذا تَحمَّلوا المشقَّةَ وصلَّوا، أجزأهم، كالمريضِ
الفرعُ الثاني: من لا تَجِبُ عليهم الجمعةُ هل يُصَلُّونَ الظُّهرَ قبل صلاةِ الإِمامِ
مَن لا تجِبُ عليه الجُمُعةُ- كالمسافرِ، والمريضِ، والمرأةِ، والعبدِ، وسائرِ المعذورين- فله أنْ يُصلِّيَ الظهرَ قبلَ صلاةِ الإمامِ، على أنْ تكونَ صلاتُهم بعدَ دُخولِ وقتِ الظُّهْر؛ باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وبه قال أكثرُ أهلِ الِعلمِ، وحُكِيَ الاتِّفاقُ على ذلك؛ وذلك لأنَّه لم يُخاطَبْ بالجُمُعة؛ فصحَّتْ منه الظهرُ، كما لو كان بعيدًا من موضِعِ الجُمُعةِ
المَبحَثُ الثالث: حُكمُ صَلاةِ الجُمُعةِ لِمَنْ صَلَّى العِيدَ
اختَلَفَ أهلُ العِلمِ فيمَن صلَّى العيدَ؛ هل تسقُطُ عنه الجُمُعةُ إذا كانَا في يومٍ واحدٍ؛ على قولين:
القولُ الأوَّل: أنَّها لا تَسقُطُ، وهو مذهبُ الجمهور: الحَنَفيَّة
، والمالِكيَّة، والشافعيَّة، وبه قال أكثرُ الفُقهاءِ، واختارَه ابنُ المنذرِ، وابنُ حَزمٍ، وابنُ عبدِ البَرِّ
الأدلَّة: أولًا: من الكِتاب
قال الله تعالى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّه [الجُمُعة: 9]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه لم يَخُصَّ يومَ عيدٍ من غيرِه
ثانيًا: مَنَ الآثارِ
قال أبو عُبَيدٍ: ثمَّ شهدتُ مع عُثمانَ بنِ عَفَّانَ، فكان ذلك يومَ الجُمُعةِ، فصلَّى قبْل الخُطبةِ، ثم خطَبَ فقال: يا أيُّها الناسُ، إنَّ هذا يومٌ قد اجتمَعَ لكم فيه عِيدانِ؛ فمَن أحبَّ أن يَنتظِرَ الجُمُعةَ مِن أهلِ العوالي فليَنتظرْ، ومَن أحبَّ أنْ يَرجِع فقدْ أَذِنْتُ له
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه إنَّما خصَّ أهلَ العاليةِ؛ لأنَّه ليس عليهم جُمُعةٌ
ثالثًا: أنَّ الجُمُعةَ فرضٌ، والعيدَ تطوُّعٌ, والتطوُّعُ لا يُسقِطُ الفَرضَ
رابعًا: أنَّهما صلاتانِ واجبتانِ، فلمْ تَسقُطْ إحداهما بالأخرى، كالظهرِ مع العِيدِ
القول الثاني: أنَّه يَسقُطُ وجوبُ حضورِ الجُمُعةِ لِمَن حضَرَ صلاةَ العِيدِ، وإنْ كان يجِبُ على الإمامِ إقامتُها، وهذا مذهبُ الحَنابلةِ، وبه قالتْ طائفةٌ مِن السَّلَفِ، واختارَه ابنُ تيميَّة، وابنُ باز، وابنُ عُثيمين، وحُكِي الإجماعُ على ذلك
الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة
عن إياسِ بنِ أبي رَملةَ الشاميِّ، قال: شهدتُ معاويةَ بنَ أبي سُفيانَ وهو يَسألُ زيدَ بن أرقمَ، قال: أشهدتَ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عِيدَينِ اجتمعَا في يوم؟ قال: نعمْ، قال: فكيفَ صنَعَ؟ قال: صلَّى العِيدَ ثمَّ رخَّصَ في الجُمُعةِ، فقال: ((مَن شاءَ أنْ يُصلِّيَ، فليصلِّ ))
ثانيًا: أنَّ الجُمُعةَ إنَّما زادتْ عن الظُّهرِ بالخُطبة، وقد حصَل سماعُها في العيدِ، فأجزأَ عن سماعِها
ثالثًا: أنَّ وقتَ الجُمُعةِ والعِيد واحدٌ عند الحَنابِلَةِ؛ فسقطَتْ إحداهما بالأُخرى، كالجُمُعةِ مع الظُّهرِ
الفَصْلُ الثالث: ما يُشترَطُ لصِحَّةِ الجُمُعةِ وما لا يُشترَطُ
المَبحَثُ الأوَّل: الخُطبَة
المطلَبُ الأَوَّلُ: حُكْمُ خُطبَةِ الجُمُعةِ
الخُطبةُ شرطٌ في الجُمُعةِ لا تصحُّ بدونِها
، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّة، والصَّحيحُ عند المالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
الأدلَّة: أولًا: من الكِتاب
1- قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعة فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيْعَ [الجُمُعة: 9]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ مِن أهلِ العِلمِ مَن قال: إنَّ المرادَ بالذِّكرِ الخُطبةُ، أو الخُطبةُ والصَّلاة، وبِناءً على هذا فهي واجبةٌ؛ للأَمْرِ بها، وللنَّهْيِ عن البَيعِ، والمستحبُّ لا يُحرِّمُ المباحَ
2- قال الله عزَّ وجلَّ: وَتَرَكُوكَ قَائِمًا [الجمعة: 11]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه عاتَبَ بذلك الذين ترَكوا النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قائمًا يَخطُبُ يومَ الجُمُعة وانفضُّوا إلى التجارةِ التي قَدِمَتْ، وعابهم لذلك،
ولا يُعابُ إلَّا على ترْكِ الواجبِ
ثانيًا: من السُّنَّة
1- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ قائمًا، ثم يَقعُد، ثم يقومُ، كما تَفعَلون الآنَ ))
2- عن جابِرِ بنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخطُبُ قائمًا، ثم يَجلِسُ، ثم يقومُ فيخطبُ قائمًا، فمَن نبَّأكَ أنه كان يخطُبُ جالسًا فقد كذَبَ؛ فقد صليتُ معه أكثرَ مِن ألْفَيْ صلاةٍ ))
3- قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صلُّوا كما رَأيتُموني أُصلِّي ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما تَرَكَ الخُطبةَ للجُمُعةِ في حالٍ
المطلب الثاني: حُكمُ الخُطبَتينِ للجُمُعةِ
يُشترَطُ أنْ تكونَ للجُمُعةِ خُطبتَانِ، وهو مذهبُ الجمهورِ: المالِكيَّةوالشافعيَّة، والحَنابِلَة، وهو قولُ عامَّةِ العُلماءِ
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة
1- عن جابِرِ بنِ سَمُرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخطُبُ قائمًا، ثم يَجلِسُ، ثم يقومُ فيخطبُ قائمًا
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما، قال: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ خُطبَتَينِ يقعُدُ بينهما ))
ثانيًا: لمواظبةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على خُطبتَي الجُمُعةِ مواظبةً غيرَ منقطعةٍ، وهذا الدوامُ المستمرُّ يدلُّ على وجوبِهما
ثالثًا: أنَّ الخُطبتينِ أُقيمتَا مقامَ الرَّكعتينِ مِن صلاةِ الظُّهرِ؛ فكلُّ خُطبةٍ مكانَ ركعةٍ، فالإخلالُ بإحداهما كالإخلالِ بإحْدى الركعتينِ
الواجبُ ما يقَعُ عليه اسمُ الخُطبةِ، وهو مذهبُ المالِكيَّة
، واختيارُ داودَ الظاهريِّ، وبه قال أبو يوسفَ ومحمَّدُ بنُ الحسنِ من الحَنَفيَّة، وهو قولُ طائفةٍ مِن السَّلفِ، وهو اختيارُ ابنِ تيميَّةِ، وابنِ سعدي
وذلك للآتي:
أولًا: اقتداءً بظاهرِ فِعلِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
ثانيًا: لأنَّ الخُطبةَ عندَ العربِ تُطلَقُ على ما يُقالُ في المحافلِ مِنَ الكلامِ المنبَّهِ به على أمْرٍ مهمٍّ لديهم، والمرشدِ لمصلحةٍ تعودُ عليهم
اختلف أهلُ العلمِ في اشتراطِ اللغةِ العربيةِ لخطبةِ الجمعةِ على قولين:
القول الأول: يُشترَطُ أنْ تَكونَ الخُطبةُ باللُّغةِ العربيَّةِ
، وهو مذهبُ الجمهور: المالِكيَّة، والشافعيَّة على الأصحِّ، والحَنابِلَة، وبه قال أبو يُوسُفَ ومحمَّدُ بنُ الحسنِ من الحَنَفيَّة
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة
قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صلُّوا كما رأيتُمونِي أُصلِّي ))، وقد كانَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخطُبُ بالعربيَّة
ثانيًا: أنَّه ذِكرٌ مفروضٌ فشُرِطَ فيه العربيَّةُ، كالتشهُّدِ وتَكبيرةِ الإحرامِ
القول الثاني: لا يُشترطُ أن تكونَ الخطبةُ باللغةِ العربيةِ، وهذا مذهبُ الحَنَفيَّة، وصدر به قرارُ مجمعِ الفقهِ الإسلاميِّ، واختاره ابنُ عُثيمينَ، وبه أفتت اللجنةُ الدائمةُ
الأَدِلَّة:أولًا: من الكتاب
قال اللهُ تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم: 4]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ اللهَ سبحانه إنَّما أَرسلَ الرُّسلَ عليهم السَّلام بألسنةِ قومِهم؛ ليُفهموهم مرادَ اللهِ سبحانه بلُغاتِهم ).
ثانيًا: أنَّه لم يثبت ما يدلُّ على أنَّه يشترط في الخطبةِ أن تكونَ باللغة العربية، وإنَّما كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطبُ باللغةِ العربيةِ في الجمعةِ وغيرِها؛ لأنَّها لغتُه ولغةُ قومِه، فوعَظ مَن يخطبُ فيهم، وأرشدهم وذكَّرهم بلغتِهم التي يفهمونها
ثالثًا: أنَّ الخُطبتينِ ليستَا ممَّا يُتعبَّدُ بألفاظِهما(
المطلب الخامس: تُقدُّمُ الخُطبتَينِ على الصَّلاةِ
يُشترَطُ في صِحَّةِ صلاةِ الجُمُعةِ أن تكونَ بعدَ خُطبةِ الجُمُعةِ، وهو باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّةِ الأربعة: الحَنَفيَّة
، والمالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك
الأدلَّة:أولًا: من الكِتاب
فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ [الجُمُعة: 10]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الشارعَ أباحَ الانتشارَ بعدَ الصَّلاةِ؛ فلو جازَ تأخيرُ الخُطبتينِ لِمَا بعدَ الصلاةِ لَمَا جازَ الانتشارُ
ثانيًا: من السُّنَّة
عن مالكِ بنِ الحُوَيرثِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صَلُّوا كَمَا رَأيتُمونِي أُصلِّي ))، وثبتتْ صلاتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعدَ خُطبَتينِ
ثالثًا: أنَّهما شَرْطٌ في صحَّةِ الجُمُعةِ، والشرطُ مُقدَّمُ على المشروطِ
رابعًا: لاشتغالِ الناسِ بمعايشهم، فقُدِّمَا لأجْل أنْ يُدرِكَ المتأخرُ الصَّلاةَ
لا يُشترَطُ في إقامةِ الجُمُعةِ: المصرُ الجامِعُ، بل تجوزُ في القُرى
، وهذا مذهبُ الجمهورِ: من المالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، واختاره ابنُ حزم
الأدلَّة:أولًا: من الكِتاب
قوله تعالى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: 9]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الآيةَ عامَّةٌ تَشمَلُ المدنَ والقُرَى
ثانيًا: من السُّنَّة
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: (إنَّ أوَّلَ جُمُعةٍ جُمِّعتْ بعدَ جُمُعةٍ في مسجدِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مسجدِ عبدِ القَيسِ بجُواثَى من البَحرين )
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الظاهرَ أنَّهم جَمَّعوا بأمْر النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في جُواثَى، وهي قريةٌ من قُرَى البَحرينِ كما في بعضِ الرِّواياتِ؛ فدلَّ على جوازِ إقامةِ الجُمُعةِ في القُرى
((( قال ابنُ قُدامَة: (لا يُشترَط للجُمعةِ المصرُ؛ رُوي نحوُ ذلك عن ابنِ عُمر، وعُمرَ بن عبد العزيز، والأوزاعيِّ، والليث، ومكحولٍ، وعِكرمةَ، والشافعيِّ) ((( قال النوويُّ: (إذا كان في القريةِ أربعون من أهلِ الكَمال صحَّت جُمعتُهم في قريتهم ولزمتهم، سواء كان فيها سوقٌ ونهر أم لا، وبه قال مالكٌ وأحمد، وإسحاق، وجمهورُ العلماء، وحكاه الشيخ أبو حامد عن عُمرَ وابنِه، وابنِ عبَّاس رضي الله عنهم)))
، والحَنابِلَة، واختارَه ابنُ عثيمين وذلك لأن الأصلَ عدمُ اشتراطِ ذلِك، ولا نصَّ في اشتراطِه، ولا معنى نصٍّ
تصحُّ الجُمُعةُ بغيرِ إذنِ السُّلطانِ وحُضورِه، سواءٌ كان السلطانُ في البَلدِ أم لا، وهذا مذهبُ الجمهورِ
: المالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، واختاره ابنُ حزم
الأدلَّة:أولًا: من الكِتاب
عمومُ قولِه تعالى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: 9]
ثانيًا: من الآثار
عن عُبَيدِ اللهِ بنِ عَديِّ بنِ خِيارٍ، أنَّه دخَلَ على عُثمانَ بنِ عَفَّانَ وهو محصورٌ، فقال: (إنَّك إمامُ عامَّةٍ، ونزَلَ بكَ ما ترَى، ويُصلِّي لنا إمامُ فِتنةٍ، ونَتحرَّجُ؟ فقال: الصلاةُ أحسنُ ما يَعمَلُ الناسُ، فإذا أحسنَ الناسُ فأَحْسِنْ معهم، وإذا أساؤوا فاجتنبْ إساءتَهم )
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه لم يَأمُرْه بإعادةِ الصَّلاةِ، مع أنَّ الذي صلَّى بالنَّاسِ كنانةُ بنُ بِشرٍ- أحدُ رُؤوس الفِتنة- وبدون إذنِ الخليفةِ عُثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه
ثالثًا: القياسُ على الإمامةِ في سائرِ الصَّلواتِ
رابعًا: أنَّ المتغلِّبَ والخارجَ على الإمامِ تجوزُ الجُمُعةُ خَلْفَه؛ فمَن كان في طاعةِ الإمامِ أحْرَى بجوازِها خَلفَه
خامسًا: أنَّها من فرائضِ الأعيانِ، فلمْ يُشترَطْ لها إذنُ الإمامِ، كالظُّهرِ
الفرع الأول: صلاةُ الجُمُعةِ بعدَ الزَّوالِ
مَن صلَّى الجُمُعة في وقتِ الظُّهرِ؛ بعدَ الزَّوال، فقدْ صلَّاها في وقتِها.
الدَّليل من الإجماع:
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المنذرِ، وابنُ عبد البَرِّ، وابنُ العربيِّ، وابنُ قُدامةَ، والزَّيلعيُّ، والزركشيُّ
الفرع الثاني: حُكمُ صَلاةِ الجُمُعةِ قَبلَ الزَّوالِ
اختلَفَ أهلُ العِلمِ في وقتِ الجُمُعة، وهلْ تُصلَّى قبلَ الزَّوالِ؟ على قولين:
القول الأوّل: أنَّ وقتها وقتُ صلاةِ الظُّهرِ، ولا تصحُّ قبل الزوالِ، وهذا مذهبُ الجمهور: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشافعيَّة، واختارَه ابنُ حزمٍ، وبه قال أكثرُ العلماءِ
الأَدِلَّة:أولًا: من السُّنَّة
1- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((كان يُصلِّي الجُمُعةَ حين تَميلُ الشمسُ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
في قولِه: (كان يُصلِّي...) إشعارٌ بالمواظبةِ على صلاةِ الجُمُعة في وقتِ الزَّوالِ
2- عن سَلَمةَ بنِ الأكوعِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كنَّا نُجمِّعُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا زالتِ الشمسُ ثم نَرجِعُ نتتبَّعُ الفيءَ ))
3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((كان الناسُ مَهَنَةَ أنفسِهم، وكانوا إذا راحوا إلى الجُمُعةِ راحوا في هيئتِهم، فقيل لهم: لو اغْتَسَلْتُم ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
قوله: راحوا إلى الجُمُعةِ، والرَّواح إنَّما يكونُ بعدَ الزَّوالِ، فدلَّ على أنَّ الجُمُعةَ إنَّما كانت تُقامُ في عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعدَ الزَّوالِ
ثانيًا: من الآثار
عن الوليدِ بن العَيْزارِ: ما رأيتُ إمامًا أحسنَ صلاةً للجُمُعةِ من عمرِو بن حُرَيثٍ، كان يُصلِّيها إذا زالتِ الشَّمسُ
ثالثًا: عمَلُ المُسلِمِينَ
المعروفُ مِن فِعل السَّلَفِ والخَلَفِ صلاةُ الجُمُعةِ في وقتِ صلاةِ الظُّهرِ
رابعًا: لأنَّ صلاةَ الجُمُعةِ وصلاةَ الظهرِ صَلاتَا وقتٍ، فكان وقتُهما واحدًا، كالمقصورةِ والتامَّة
خامسًا: لأنَّ إحداهما بدلٌ عن الأخرى، وقائمةٌ مقامَها، فأشبَهَا الأصلَ المذكورَ
سادسًا: لأنَّ آخِرَ وقتهما واحدٌ، فكان أوَّلُه واحدًا، كصلاةِ الحضرِ والسَّفرِ
القول الثاني: تجوزُ صلاة الجُمُعة قَبلَ الزوالِ، وهذا مذهبُ الحَنابِلَة، وبه قال بعضُ السَّلَفِ، واختاره الشوكانيُّ، وابنُ باز, وحُكِي إجماعُ الصحابةِ على ذلك
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة
1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي الجُمُعةَ، ثم نَذهَبُ إلى جِمالِنا فنُريحها حينَ تزولُ الشَّمسُ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
الحديثُ يدلُّ على أنَّ صلاتَهم كانت قَبلَ الزوالِ؛ لأنَّه قد صرَّحَ بأنَّ إراحتَهم لنواضحِهم بعدَ الجُمُعةِ كانتْ عند الزَّوالِ
2- عن سَلَمةَ بنِ الأكوعِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كنَّا نُصلِّي مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الجُمُعةَ، ثمَّ ننصرِفُ وليس للحِيطانِ ظِلٌّ نستظلُّ به )) وفي روايةٍ: ((نُجمِّعُ مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا زالتِ الشَّمسُ، ثم نرجِع نتَّبِعُ الفَيءَ ))
3- عن سَهلِ بنِ سَعدٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (ما كُنَّا نَقِيلُ ولا نَتغدَّى إلَّا بعدَ الجُمُعةِ في عهدِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه لا يُسمَّى قائلةً ولا غداءً إلَّا ما كان قبلَ الزَّوالِ
ثانيًا: من الآثار
1- عن أبي سُهَيلِ بنِ مالكٍ، عن أبيه قال: (كُنتُ أرَى طِنْفِسةً لعَقيلِ بنِ أبي طالبٍ تُطرَح إلى جدارِ المسجدِ الغربيِّ, فإذا غَشَّى الطِّنفِسةَ كلَّها ظِلُّ الجدارِ خرَجَ عمرُ بنُ الخطَّابِ فصلَّى, ثم نَرجِعُ بعدَ صلاةِ الجُمُعة، فنَقِيلُ قائلةَ الضُّحَى)
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ ظلَّ الجدار ما دامَ في الغربِ منه شيءٌ، فهو قبل الزَّوال, فإذا زالتِ الشَّمسُ صارَ الظلُّ في الجانبِ الشرقيِّ، ولا بدَّ
2- عن ابن أبي سَلِيطٍ: (أنَّ عُثمانَ بن عفَّانَ صلَّى الجُمُعة بالمدينةِ وصلَّى العصرَ بملل قال ابنُ أبي سَلِيطٍ: وكنَّا نصلِّي الجُمُعةَ مع عثمانَ ونَنصرِفُ وما للجدارِ ظِلٌّ)
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ بين المدينة, وملل: اثنين وعشرين ميلًا من المدينة, ولا يجوزُ البتةَ أنْ تزولَ الشمسُ ثم يَخطُب ويُصلِّي الجُمُعةَ، ثمَّ يمشي هذه المسافةَ قبلَ اصفرارِ الشَّمسِ
ثالثًا: أنَّه يجوزُ تقديمُها قبلَه وتعجيلُها كما تُعجَّلُ الصلاةُ المجموعةُ؛ فإنَّ صلاةَ الجُمُعةِ سببُها: اليوم؛ ولهذا تُضاف إليه، فيُقال: صلاة الجُمُعةِ، وشرطها: الزوالُ، فيجوز تقديمُها على شرطِها بعدَ وجودِ سببها، وهو اليومُ، كما يجوزُ تعجيلُ الزكاةِ بعدَ كمالِ النِّصابِ، وهو سببُ الوجوبِ، وقَبْلَ الحَوْلِ، وهو شَرْطُه
الأدلَّة:أولًا: مِنَ الِإِجْماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المنذرِ، والنوويُّ وابنُ تيميَّة، وابنُ رَجبٍ
ثانيًا: أنَّ الجُمُعةَ لا يُمكِنُ قضاؤُها؛ لأنَّها لا تصحُّ إلَّا بشروطِها، ولا يُوجَدُ ذلك في قضائِها؛ فتَعيَّن المصيرُ إلى الظهرِ عندَ عدمِها، وهذا حالُ البَدلِ
وما زلنا أحبابنا .. تابعونا ... جزاكم الله خيرا ...
عدل سابقا من قبل sadekalnour في السبت أكتوبر 22, 2022 3:43 pm عدل 3 مرات
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» (( - 2 -)) خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأربعاء نوفمبر 13, 2024 11:28 pm من طرف صادق النور