الفصلُ الأوَّلُ:
تعريفُ الصَّوم، وأقسامُه، وفضائِلُه، والحِكمةُ مِن تَشريعِه
تعريفُ الصَّوم:
الصَّوم لغةً: الإمساكُ
الصَّوم اصطلاحًا: التعبُّدُ لله سبحانَه وتعالى، بالإمساكِ عن الأكلِ والشُّربِ وسائِرِ المُفَطِّراتِ، مِن طُلوعِ الفَجرِ إلى غُروبِ الشَّمسِ
المبحث الأول: أقسامُ الصَّوم
ينقسِمُ الصَّومُ باعتبارِ كَونِه مأمورًا به، أو منهيًّا عنه شَرعًا، إلى قسمين:
الأول: الصَّومُ المأمورُ به شَرعًا
وهو قِسمانِ:
أ- الصَّومُ الواجب، وهو على نوعينِ:
1- واجبٌ بأصلِ الشَّرعِ- أي بغيرِ سَبَبٍ مِنَ المكلَّفِ-: وهو صومُ شَهرِ رَمضانَ
2- واجبٌ بِسَبَبٍ مِنَ المكلَّف: وهو صومُ النَّذرِ، والكفَّارات، والقَضاء.
ب- الصَّومُ المُستحَبُّ (صوم التطوُّع)
وهو قِسمان:
1- صومُ التطَوُّعِ المُطلَق: وهو ما جاء في النُّصوصِ غيرَ مُقَيَّدٍ بزمَنٍ مُعَيَّنٍ
2- صومُ التطَوُّعِ المقيَّد: وهو ما جاء في النُّصوصِ مقيَّدًا بزمنٍ مُعَينٍ، كصومِ السِّتِّ مِن شوَّالٍ، ويومَيِ الاثنينِ والخميس، ويومِ عَرَفةَ، ويومَيْ تاسوعاءَ وعاشوراءَ.
الثاني: الصَّومُ المنهيُّ عنه شرعًا
وهو قِسمانِ:
1- صَومٌ مُحَرَّمٌ: وذلك مثلُ صَومِ يَومَيِ العيدينِ.
2- صومٌ مكروهٌ: وذلك مثلُ صَومِ يومِ عَرَفةَ للحاجِّ.
للصِّيامِ فضائلُ كثيرةٌ شَهِدَت بها نصوصُ الوَحيينِ؛ منها:
1- أنَّ اللهَ تبارك وتعالى أضافَه إلى نفسه فقال: (الصوم لي وأنا أجزي به ).
2- تجتمِعُ في الصَّومِ أنواعُ الصَّبرِ الثَّلاثةُ.
3- الصِّيامُ يشفَعُ لصاحِبِه يومَ القيامةِ .
4- الصَّومُ مِنَ الأعمالِ التي وعَدَ الله تعالى فاعِلَها بالمغفرةِ والأجرِ العَظيمِ .
5- الصِّيامُ كفَّارةٌ للذُّنُوبِ والخطايا .
6- الصَّومُ جُنَّةٌ وحِصنٌ مِنَ النَّارِ .
7- الإكثارُ مِنَ الصَّومِ سببٌ لدُخُولِ الجَنَّةِ .
8- خُلُوفُ فَمِ الصَّائِم أطيَبُ عند الله تعالى مِن رِيحِ المِسْكِ .
لَمَّا كانت مصالِحُ الصَّومِ مشهودةً بالعُقُولِ السَّليمةِ، والفِطَرِ المستقيمةِ، شَرَعَه اللهُ سبحانه وتعالى لعبادِه؛ رحمةً بهم، وإحسانًا إليهم، وحِمْيَةً لهم وجُنَّةً
فالصِّيامُ له حِكَمٌ عظيمةٌ وفوائدُ جليلةٌ؛ ومنها:
1- أنَّ الصَّومَ وسيلةٌ لتحقيقِ تقوى الله عزَّ وجَلَّ.
2- إشعارُ الصَّائِم بنعمةِ الله تعالى عليه.
3- تربيةُ النَّفسِ على الإرادةِ، وقوَّةِ التحَمُّلِ.
4- في الصَّوم قهرٌ للشَّيطانِ.
5- الصَّومُ موجِبٌ للرَّحمةِ والعَطفِ على المساكينِ.
6- الصَّومُ يُطَهِّرُ البَدَنَ من الأخلاطِ الرَّديئةِ، ويُكسِبُه صحةً وقوةً.
المبحث الأول: الإمساكُ عن المُفَطِّراتِ
يجِبُ على الصَّائِم أن يمتَنِعَ عن كلِّ ما يُبطِلُ صَومَه مِن سائِرِ المفَطِّرات، كالأكلِ والشُّربِ والجِماع؛ نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ حَزمٍ
، وابنُ عبدِ البَرِّ، وابنُ تيميَّة
المبحث الثاني: استيعاب زمن الإمساك
يلزَمُ الصَّائِم الإمساكُ عَنِ المفطِّراتِ مِن دُخولِ الفَجرِ الثاني-(( الفجرُ فَجرانِ: فجرٌ صادِقٌ، وفَجرٌ كاذِبٌ. وهناك فروق بينهما، وهي: 1- الفجرُ الكاذِبُ: يكون مستطيلًا في السَّماءِ، ليس عَرْضًا، ولكن طُولًا، وأما الفجرُ الصَّادِقُ: فيكون عَرْضًا، يمتدُّ مِنَ الشَّمالِ إلى الجَنوبِ. 2- الفجر الصَّادِقُ: لا ظُلمةَ بعده بل يزدادُ فيه الضِّياءُ حتى تطلُعَ الشَّمسُ، وأمَّا الفجرُ الكاذِبُ: فإنَّه يَحدُث بعد ضيائِه ظُلمةٌ؛ ولهذا سُمِّيَ كاذبًا؛ لأنَّه يضمحِلُّ ويزول. 3- الفجرُ الصَّادِقُ: متَّصِلٌ بالأفُقِ، أمَّا الفَجرُ الكاذِبُ: فبينه وبين الأفُقِ ظُلمةٌ.))-(( قال ابنُ قُدامة: (والصَّومُ المشروعُ هو الإمساكُ عن المُفَطِّراتِ، من طلوعِ الفَجرِ الثاني إلى غُروبِ الشَّمس، رُوِيَ معنى ذلك عن عُمَرَ، وابن عباس، وبه قال عطاءٌ، وعوامُّ أهلِ العلم-))
، وذهب إلى هذا عامَّةُ أهلِ العلمِ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
فرع: مَن طلَع عليه الفَجرُ وفي فَمِه طَعامٌ
مَن طلَع عليه الفَجرُ وفي فَمِه طعامٌ، فعليه أن يلفِظَه ويُتمَّ صَومَه، فإنِ ابتلَعَه بطَلَ صومُه، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة، وهو قولُ ابنِ حَزمٍ
الأدِلَّة: اوَّلًا: من الكتاب
قوله تعالى: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ[البقرة: 187]
وجه الدلالة
أنَّ اللهَ أباح الأكلَ والشُّربَ إلى طلوعِ الفَجرِ، ثمَّ أمَرَ بالإمساكِ عنهما إلى اللَّيلِ
ثانيًا: منَ السُّنَّة
عن عائِشةَ رَضِيَ الله عنها أنَّ بِلالًا كان يؤَذِّنُ بلَيلٍ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((كُلوا واشرَبُوا حتى يؤذِّنَ ابنُ أمِّ مَكتومٍ؛ فإنَّه لا يُؤذِّنُ حتى يَطلُعَ الفَجرُ ))
الفرع الأول: متى ينتهي زَمَنُ الإمساكِ؟
ينتهي زَمَنُ الإمساكِ بغُروبِ الشَّمسِ؛ نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ حزمٍ، وابنُ عبدِ البَرِّ، والنوويُّ
الفرع الثاني: إذا أفطَرَ الصَّائِم ثم أقلعَتِ الطَّائرةُ به، فرأى الشَّمسَ لم تغرُبْ
إذا غرَبتِ الشَّمسُ وأفطَرَ الصَّائِم، ثم أقلعتْ به الطَّائرةُ وارتفعَتْ، ورأى الشَّمسَ لم تغرُبْ، فإنَّه لا يلزَمُه الإمساكُ، وصَومُه الذي صامه صحيحٌ، وبه أفتى عبدُ الرزَّاق عفيفي، وابنُ باز، وابن عُثيمين - (( قال عبد الرزاق عفيفي: (إذا غابت الشَّمس في الأرض، فإنَّ الصَّائِم يُفطِرُ، فإذا ارتفعَت الطَّائرة في الفضاء، فرأى الشَّمسَ لم تغرُب استمَرَّ على فِطرِه-))-((قال ابنُ عُثيمين: (مسألةٌ: رجل غابت عليه الشَّمسُ وهو في الأرض وأفطَرَ وطارت به الطَّائرة ثم رأى الشَّمسَ. نقول: لا يلزَمُ أن يُمسِك؛ لأنَّ النَّهار في حقِّه انتهى، والشَّمس لم تطلُعْ عليه، بل هو طلَعَ عليها-))
الفرع الثالث: ما يُعتَبَرُ في وقتِ الفِطرِ للمُسافِرِ في الطَّائرةِ
مَن سافَرَ بالطَّائرةِ وهو صائمٌ، ثم اطَّلَعَ بواسطةِ السَّاعةِ أو التِّلفازِ أو غيرِهما على أنَّ وَقتَ إفطارِ البَلَدِ الذي سافَرَ منه أو البَلَدِ القَريب منه في سَفَرِه؛ قد دخل، لكنَّه يرى الشَّمس بسببِ ارتفاعِ الطَّائرةِ- فليس له أن يُفطِرَ إلَّا بعد غُروبِها، وبه أفتى عبدُ الرزَّاق عفيفي، وابنُ باز، وابن عُثيمين -(( قال ابنُ باز: (إذا أقلعَتِ الطائرةُ منَ الرياض مثلًا قبل غروبِ الشَّمس إلى جهةِ المَغربِ فإنَّك لا تزالُ صائمًا حتى تغرُبَ الشَّمسُ وأنت في الجَوِّ، أو تنزِلَ في بلدٍ قد غابت فيها الشَّمس))-((قال ابنُ عُثيمين: (النَّاسُ الذين على الجبالِ أو في السُّهولِ والعِمارات الشَّاهقة، كُلٌّ منهم له حكمُه، فمن غابَتْ عنه الشَّمسُ حلَّ له الفِطرُ، ومن لا فلا))
الفرع الرابع: وقتُ الفِطرِ في البلادِ التي يَطولُ فيها النَّهارُ
يجِبُ على الصَّائِم الإمساكُ مِن حينِ طُلُوعِ الفَجرِ، إلى غُرُوبِ الشَّمسِ، في أيِّ مكانٍ، سواءٌ طال النَّهارُ أم قَصُر، إذا كان اللَّيلُ والنَّهارُ يتعاقبانِ خِلالَ أربعٍ وعِشرينَ ساعةً، لكن لو شقَّ الصَّومُ في الأيَّامِ الطَّويلةِ مَشَقَّةً غيرَ مُحتمَلَة، ويُخشى منها الضَّرَرُ أو حدوثُ مَرَضٍ؛ فإنَّه يجوزُ الفِطرُ حينئذٍ، ويقضي المُفطِرُ في أيامٍ أُخَرَ يتمَكَّنُ فيها مِنَ القَضاءِ؛ وبهذا أفتى ابنُ باز، وابنُ عُثيمين، وغيرُهما، وهو قرارُ المجمَعِ الفقهيِّ الإسلاميِّ -(( قال ابنُ عُثيمين: (من كان في بلدٍ فيه ليلٌ ونهارٌ يتعاقبانِ في أربعٍ وعِشرينَ ساعةً؛ لَزِمَه صيامُ النَّهارِ وإن طال، إلَّا أن يشقَّ عليه مشقَّةً غَيرَ مُحتمَلةٍ يَخشى منها الضَّررَ، أو حُدوثَ مرضٍ، فله الفِطرُ وتأخيرُ الصِّيامِ إلى زَمَنٍ يقصُرُ فيه النَّهارُ))-
الفرع الخامس: كيفيَّةُ تحديدِ زَمَنِ الإمساكِ في البلادِ التي يخرُجُ فيها اللَّيلُ والنَّهارُ عن المُعتادِ
مَن كان في بلدٍ لا يتعاقَبُ فيه اللَّيلُ والنَّهارُ في أربعٍ وعِشرينَ ساعةً؛ كبلَدٍ يكون نهارُها مثلًا: يومينِ، أو أُسبوعًا، أو شهرًا، أو أكثَرَ من ذلك، فإنَّه يَقْدُرُ للنَّهارِ قَدْرَه، وللَّيلِ قَدْرَه؛ بأن تُحسَبَ مدَّةُ اللَّيلِ والنَّهارِ اعتمادًا على أقربِ بلَدٍ منه، يكون فيه ليلٌ ونهارٌ يتعاقبانِ في أربعٍ وعشرينَ ساعةً. وبهذا أفتى ابنُ باز، وابن عُثيمين، وغيرُهما، وهو ما قَرَّره المجمَعُ الفقهيُّ الإسلاميُّ
الفصل الثالث: شُروطُ الصَّوم
المبحث الأول: الإسلام
يُشتَرَطُ الإسلامُ في وجوبِ الصَّومِ، وصِحَّتِه؛ فلا يجبُ الصَّومُ على الكافِرِ، ولا يصحُّ منه إنْ أتَى به؛ نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزمٍ والكاسانيُّ، والزيلعيُّ، ومحمَّدُ ابنُ مُفلح، وإبراهيمُ ابنُ مُفلح، وابنُ حَجر الهيتميُّ
المطلب الأول: إسلامُ الكافِرِ الأصليِّ (غيرِ المُرتَدِّ)
الفرع الأول: حُكْمُ قَضاءِ الكافِرِ الأصليِّ- إذا أسلَمَ- ما فاتَه مِنَ الصِّيامِ الواجِبِ زَمَنَ كُفرِه
إذا أسلَمَ الكافِرُ الأصليُّ (أي غيرُ المرتَدِّ)، فلا يلزَمُه قضاءُ ما فاتَه مِنَ الصِّيامِ الواجِبِ زَمَنَ كُفرِه، وذلك في الجُملةِ.
الأدِلَّة:أوَّلًا: من الكتاب
قولُه تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال: 38]
ثانيًا: منَ السُّنَّة
1- عن عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((فلَمَّا جعل اللهُ الإسلامَ في قلبي، أتيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقُلتُ: ابسُطْ يمينَك فَلْأبايِعْك، فبَسَطَ يمينَه. قال عمرٌو: فقبَضْتُ يدي. قال: ما لكَ يا عمرُو؟ قلت: أردْتُ أن أشتَرِطَ. قال: تشتَرِطُ بماذا؟ قلتُ: أن يُغفَرَ لي. قال: أمَا عَلِمْتَ أنَّ الإسلامَ يَهدِمُ ما كان قَبلَه؟ ))
2- وقد تواتَرَ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه كان لا يأمُرُ مَن أسلَمَ بقَضاءِ ما فاتَه مِن الواجباتِ
ثالثًا: من الإجماعِ
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ تيميَّة، وابنُ حجرٍ الهيتميُّ، والشِّربينيُّ
الفرع الثاني: حُكْمُ قضاءِ الكافِرِ ما فاتَه مِن شَهرِ رَمضانَ إذا أسلَمَ أثناءَ الشَّهرِ
إذا أسلَمَ الكافِرُ أثناءَ شَهرِ رمَضانَ؛ فلا يلزَمُه قضاءُ الأيَّامِ الماضِيَةِ مِن رمضانَ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالكيَّة والأصحِّ عند الشَّافعيَّة، ومذهَب الحَنابِلة، وقالت به طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ
الأدلَّةُ:أولًا مِنَ الكتاب
قولُه تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال: 38]
ثانيًا: لأنَّه لا يُوجَّهُ إليه الأمرُ بالصِّيامِ حِينَها، فلم يكُنْ مِن أهلِ وُجوبِ الصِّيامِ، وعليه فلا يلزَمُه قضاؤه
ثالثًا: أنها عبادة انقضت في حال كفره، فلم يجب قضاؤه، كالرمضان الماضي
الفرع الثالث: صومُ الكافِرِ لِما بَقِيَ مِن أيَّامِ شَهرِ رَمضانَ إذا أسلَمَ أثناءَه
إذا أسلَمَ الكافِرُ في أثناءِ شَهرِ رَمَضانَ، فعليه أن يصومَ ما بَقِيَ مِنَ الشَّهرِ
الدَّليل من الإجماعِ:
نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ قدامةَ، والشَّوكانيُّ
الفرع الرابع: حُكْمُ إمساكِ الكافِرِ في باقي اليومِ الذي يُسلِمُ فيه وقَضائِه
المسألة الأولى: حُكْمُ إمساكِ الكافِرِ في باقي اليومِ الذي يُسلِمُ فيه
إذا أسلمَ الكافِرُ أثناءَ يَومٍ مِنْ رَمَضانَ؛ فإنَّه يلزَمُه إمساكُ بقيَّةِ اليَومِ، وهو مذهَبُ الحَنَفيَّة، والحنابلة، وقول للمالكية، ووجه للشافعية، وهو اختيار ابنِ تيميَّةَ، والشوكاني، وابنِ عُثيمين
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
عمومُ قَولِه تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: 185]
وجهُ الدَّلالةِ:
أن الكافِرَ بإسلامِه صار مِن أهلِ الشَّهادةِ للشَّهرِ، فوجَبَ عليه الإمساكُ
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن سلمَةَ بنِ الأكوعِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلًا مِن أسلَمَ أنْ أذِّنْ في النَّاسِ أنَّ مَن كان أكَلَ فلْيَصُمْ بقيَّةَ يَومِه، ومَن لم يكُنْ أكَلَ فلْيَصُمْ؛ فإنَّ اليَومَ يومُ عاشوراءَ ))
وجه الدلالة:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَ الصَّحابةَ رضِيَ اللهُ عنهم بالإمساكِ نهارًا، ولم يأمُرْهم بالقضاءِ، وذلك لَمَّا أوجَبَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ صَومَ يَومِ عاشوراءَ في أوَّلِ الأمرِ.
ثالثًا: لَزِمَه الإمساكُ بقيَّةَ اليَومِ؛ لأنَّه صار من أهلِ الوُجوبِ حينَ إسلامِه فلَزِمَه الصَّومُ، فيُمسِك تشبُّهًا بالصَّائِمينَ، قضاءً لحَقِّ الوقتِ بالتشَبُّه
رابعًا: أنَّه أدرَكَ جُزءًا من وقتِ العبادةِ فلَزِمَتْه، كما لو أدرَكَ جزءًا مِن وقتِ الصَّلاةِ
المسألة الثانية: حُكْمُ قضاء الكافِرِ لليومِ الذي يُسلِمُ فيه
إذا أسلمَ الكافِرُ أثناءَ يَومٍ مِنْ رَمَضانَ؛ فلا يجِبُ عليه قضاؤُه، وهو مذهَبُ الحَنَفيَّة، والمالكية، والصَّحيحُ من مذهب الشَّافعية، وروايةٌ عن أحمد واختاره ابنُ المنذر، وابنُ حزم، وابنُ تيميَّةَ، وابنُ عُثيمين
الأدلَّة:أولًا: مِن السُّنَّةِ
عن سلمَةَ بنِ الأكوعِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلًا مِن أسلَمَ أنْ أذِّنْ في النَّاسِ أنَّ مَن كان أكَلَ فلْيَصُمْ بقيَّةَ يَومِه، ومَن لم يكُنْ أكَلَ فلْيَصُمْ؛ فإنَّ اليَومَ يومُ عاشوراءَ ))
وجه الدلالة:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَ الصَّحابةَ رضِيَ اللهُ عنهم بالإمساكِ نهارًا، ولم يأمُرْهم بالقضاءِ، وذلك لَمَّا أوجَبَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ صَومَ يَومِ عاشوراءَ في أوَّلِ الأمرِ.
ثانيًا: لم يجِبْ عليه قضاؤُه؛ لانعدامِ أهليَّةِ العِبادةِ في أوَّلِ النَّهار؛ حيث لم يكُن من أهلِ الوجوبِ؛ ولأنَّ الصَّومَ لا يتجَزَّأ، فإذا لم يجِبِ البَعضُ لم يجِبِ الباقي، فما دام أنَّه في أوَّلِ النَّهارِ ليس أهلًا للوُجوبِ، فليس أهلًا للوُجوبِ في آخِرِه، فلا يجِبُ عليه القَضاءُ
المطلب الثاني: إسلامُ الكافِرِ المُرتَدِّ
الفرع الأوَّلُ: حُكمُ قَضاءِ المُرتَدِّ للصَومِ الفائِتِ زَمَنَ رِدَّتِه إذا أسَلَم
إذا أسلَمَ المرتَدُّ، فليس عليه قضاءُ ما ترَكَه من الصَّومِ زَمَنَ رِدَّتِه، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة، والمالكيَّة، والحَنابِلة
الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكتاب
قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال: 38]
فإنَّ الآيةَ تتناوَلُ كُلَّ كافِرٍ، سواءٌ كان أصليًّا أم مرتدًّا
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ الله عنه قال: ((فلَمَّا جعل اللهُ الإسلامَ في قلبي، أتيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقُلتُ: ابسُطْ يمينَك فَلْأبايِعْك، فبَسَطَ يمينَه. قال عمرو: فقبَضْتُ يدي. قال: ما لكَ يا عمرُو؟ قلت: أردْتُ أن أشتَرِطَ. قال: تشتَرِطُ بماذا؟ قلتُ: أن يُغفَرَ لي. قال: أمَا عَلِمْتَ أنَّ الإسلامَ يَهدِمُ ما كان قَبلَه؟ ))
ثالثًا: فِعلُ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم
فالصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم لم يأمُرُوا مَن أسلَمَ مِنَ المُرتدِّينَ في زمَنِ أبي بكرٍ الصِّديقِ رَضِيَ الله عنه، بقضاءِ ما تركوا مِنَ الصَّومِ، وهم أعلَمُ النَّاسِ بشريعةِ اللهِ بعد نَبِيِّهم عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ
رابعًا: لأنَّ في إلزامِه بقضاءِ ما ترك تنفيرًا له مِنَ العودةِ إلى الإسلامِ
خامسًا: لأنَّه لا يجِبُ عليه شيءٌ مِنَ العباداتِ؛ لِعَدَمِ خطابِ الكُفَّارِ بالشَّرائِعِ، فلا يقضي ما فاتَه زَمَنَ رِدَّتِه بعد إسلامِه
الفرع الثاني: قضاءُ المُرتَدِّ ما عليه مِنَ الصَّومِ قبلَ رِدَّتِه إذا أسلَمَ
إذا أسلَمَ المرتَدُّ، وعليه صومٌ قَبلَ رِدَّتِه؛ فإنَّه يجِبُ عليه القَضاءُ، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة، والشَّافِعيَّة، والحَنابِلة؛ وذلك لأنَّه تَرَكَ الصَّومَ زَمَنَ الإسلامِ، فكان مَعصيَةً، والمعصيةُ تبقى بعد الرِّدَّةِ، ويبقى في ذِمَّتِه القضاءُ
الفرع الثالث: حُكْمُ مَنِ ارتَدَّ أثناءَ صَومِه
مَنِ ارتَدَّ في أثناءِ الصَّومِ، بَطَلَ صَومُه، وعليه قضاءُ ذلك اليومِ إذا أسلَمَ؛ نصَّ على ذلك الشَّافعيَّة، والحَنابِلةُ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ الصَّومَ عِبادةٌ مِن شَرطِها النيَّةُ، فأبطَلَتْها الرِّدَّةُ
ثانيًا: لأنَّ المُرتَدَّ كان مِن أهلِ الوُجوبِ حين تعيَّنَ الإمساكُ؛ لذلك كانَ عليه القَضاءُ إذا أسلَمَ،كالصَّلاة يُدرِكُ جزءًا مِن وَقتِها
المبحث الثاني: البلوغ
يُشتَرَطُ لوجوبِ الصَّومِ: البلوغُ
الأدِلَّة:أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عَنِ النَّائِمِ حتى يستيقِظَ، وعن الصبيِّ حتى يبلُغَ، وعن المجنونِ حتى يعقِلَ ))
ثانيًا: من الإجماعِ
نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ، وابنُ رُشدٍ، والنَّوويُّ، ومحمدُ ابنُ مُفلحٍ، وإبراهيمُ ابن مفلح
ثالثًا: أنَّ الصَّبيَّ لِضَعفِ بِنيَتِه وقصورِ عَقلِه واشتغالِه باللَّهوِ واللَّعِبِ؛ يشُقُّ عليه تفَهُّمُ الخطابِ، وأداءُ الصَّومِ، فأسقَطَ الشَّرعُ عنه العباداتِ
لا يجبُ على البالِغِ قضاءُ ما فات قَبل البُلوغ.
الأدلة:أولًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: النوويُّ
ثانيًا: أنَّ زَمَن الصِّبا ليس زمَنَ تكليفْ؛ للحديث: ((رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ...)) ولو وجب عليه القَضاءُ لوجب عليه أداؤُه في حالِ الصِّغَرِ
المطلب الثالث: أمرُ الصَّبيِّ بالصَّومِ
إذا كان الصبيُّ يُطيقُ الصِّيامَ دون وقوعِ ضَرَرٍ عليه، فعلى وليِّهِ أن يأمُرَه بالصَّومِ؛ ليتمَرَّنَ عليه ويتعوَّدَه، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة، والشَّافِعيَّة والحَنابِلة، وهو قولٌ عند المالكيَّة، وبه قالت طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ
الدليلُ منَ السُّنَّة:
عن الرُّبيِّع بنتِ مُعَوِّذٍ رَضِيَ الله عنها قالت: ((أرسَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غداةَ عاشُوراءَ إلى قُرى الأنصارِ: من أصبَحَ مُفطِرًا فلْيُتِمَّ بقيَّةَ يَومِه، ومن أصبَحَ صائمًا فلْيَصُمْ، قالت: فكُنَّا نصومُه بعدُ، ونُصَوِّم صِبيانَنا، ونجعَلُ لهم اللُّعبةَ مِنَ العِهنِ))
وفي لفظ: ((... ونصنَعُ لهم اللُّعبةَ مِنَ العِهنِ، فنذهَبُ به معنا، فإذا سألونا الطَّعامَ أعطيناهم اللُّعبةَ تُلهِيهم حتى يُتِمُّوا صَومَهم ))
إذا بلغَ الصَّبيُّ أثناءَ شَهرِ رَمَضانَ؛ فإنَّه يصومُ بقيَّةَ الشَّهرِ ولا يلزَمُه قضاءُ ما سبَقَ، سواءٌ كان قد صامَه أم أفطَرَه، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة، وهو قولُ عامَّةِ أهلِ العِلمِ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه لا يُوجَّهُ إليه الأمرُ بالصَّومِ حينذاك؛ لأنَّه ليس مِن أهلِ وُجوبِ الصَّومِ؛ وعليه فلا يلزَمُه قضاؤُه
ثانيًا: أنَّه زمنٌ مضى في حالِ صِباه، فلم يلزَمْه قضاءُ الصَّومِ فيه، كما لو بلَغَ بعد انسلاخِ رمضانَ
إذا بلغ الصبيُّ أثناءَ نهارِ رَمَضانَ وهو مُفطِرٌ؛ فإنَّه يلزَمُه أن يُمسِكَ بقِيَّةَ يَومِه، ولا قضاءَ عليه، وهو مذهَبُ الحَنَفيَّة، وروايةٌ عن أحمَدَ، اختارها ابنُ تيميَّةَ، وابنُ عُثيمين؛ وذلك لأنَّه صار مِن أهلِ الوُجوبِ حين بُلوغِه؛ فيُمسِكُ تشبُّهًا بالصَّائِمين، وقضاءً لِحَقِّ الوَقتِ، ولا تلزَمُه الإعادةُ؛ لأنَّه أتى بما أُمِرَ به
-------------------------------------------------------------------
وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا
::
ولا تنسونا من صالح دعائكم
::::
التالي :. ومن شُروطُ الصَّوم:: العقـــل
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» (( - 2 -)) خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأربعاء نوفمبر 13, 2024 11:28 pm من طرف صادق النور