بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام الكاملين التامين علي سيد ولد أدم وحامل لواء الحمد وشفيعنا ومعلمنا وقائدنا وحبيبينا سيدنا محمد بن عبد الله وعلي آله وصحبه ألأطهار المنتقين صفوه خلق الله ناصروا رسوله وناقلي سنته حتي وصلت إلينا نقيه صافيه من فم رسوله الله صل الله عليه وسلم إلي مشارف أسماعنا فاللهم أرزقنا حبك وحب حبيبك وحب أصحاب حبيبك وحب من يحبك ويحبهم
أحبابي بإذن المولي سبحانه وتعالي نبدأ في سلسله الصلاه . شروطها وأحكامها وأول ما نبدأ به هو الطهاره
الطَّهارةِ في الإسلامِ
1- عنايةُ الإسلامِ بالطَّهارةِ:
قال اللهُ تبارك وتعالى لنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مستهلِّ دَعوتِه: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر: 4]
وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الطُّهورُ شَطرُ الإيمانِ ))
2- محبَّةُ اللهِ سبحانه للمُتطهِّرين:
قال اللهُ تعالى: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: 222]
3- ثناؤه على المُتَطهِّرين:
قال سبحانه: فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التوبة: 108]
تعريفُ الطَّهارةِ
الطَّهارة لُغةً: النَّزاهةُ والنَّظافةُ مِنَ الأدناسِ والأوساخِ
الطَّهارةُ اصطلاحًا: رفْعُ الحدَثِ وما في معناه، وزوالُ الخَبَث
فالطَّهارة تُطلَقُ على معنيينِ:
أحدُهما: زَوالُ الخَبَثِ وهو النَّجاسةُ، والمقصودُ منه: طهارةُ البَدَنِ والثَّوبِ والمكانِ.
والثَّاني: رفْعُ الحدَثِ (والمقصودُ منه: الطَّهارةُ بالوُضوءِ، والغُسلِ)، وما في معنى رفْعِ الحدَثِ، وهو كلُّ طهارةٍ لا يحصُلُ بها رفعُ الحَدَث، أو لا تكون عن حَدَثٍ ( كطهارةِ مَن به سَلَسُ بولٍ، أو تجديدِ الوضوءِ، وغَسلِ اليدينِ بعد القيامِ مِن نومِ اللَّيلِ).
الأوَّلُ: الطَّهارةُ الباطِنةُ: وهي طهارةُ القَلبِ من الشِّرك، والغلِّ والبغضاءِ لعبادِ الله المؤمنينَ، وهي أهمُّ من طهارةِ البَدَنِ؛ بل لا يمكِنُ أن تقومَ طهارةُ البَدَنِ الشرعيَّةُ مع وجودِ نجَسِ الشِّركِ.
- قال تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة: 28]
- وعن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ المؤمِنَ لا يَنجُسُ ))
الثَّاني: الطَّهارةُ الحسيَّة، وهي الطَّهارةُ مِنَ الأحداثِ والأنجاسِ.
ب- باعتبارِ نَوعِها:
النوع الأوَّل: الطَّهارةُ مِنَ الحدَثِ
وتنقسِمُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ:
الأوَّل: الطَّهارةُ الكبرى: وهي الغُسْلُ.
الثَّاني: الطَّهارةُ الصُّغرى: وهي الوضوءُ.
الثَّالث: طهارةٌ بدلٌ منهما: وهي التيمُّمُ.
النَّوع الثَّاني: الطَّهارةُ مِنَ الخبَثِ
وتنقسِمُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ:
الأوَّل: طهارة غَسلٍ.
الثَّاني: طهارة مَسحٍ.
الثَّالث: طهارة نَضحٍ
ثالثًا: تعريفُ الحدَثِ وأقسامُه
تعريف الحدَثِ
الحدَثُ لُغةً: مِن الحدوثِ، وهو الوقوعُ والتجدُّدُ، وكونُ الشَّيءِ بعد أنْ لم يكُنْ، ويأتي بمعنى الأمرِ الحادِثِ المنكَرِ الذي ليس بمعتادٍ ولا معروفٍ، ومنه مُحدَثاتُ الأمورِ
الحدَثُ اصطلاحًا: وصفٌ قائمٌ بالبَدَنِ يمنَعُ مِنَ الصلاةِ ونحوِها، ممَّا تُشترَطُ له الطَّهارةُ
أقسامُ الحَدَثِ
ينقسِمُ الحدَثُ إلى نَوعينِ:
النَّوع الأوَّل: الحدَث الأصغرُ، وهو ما يجِبُ به الوضوءُ؛ كالبولِ، والغائطِ، وخروجِ الرِّيحِ.
والنَّوع الثَّاني: الحدَث الأكبر، وهو ما يجِبُ به الغُسلُ؛ كمَن جامَعَ أو أنزَلَ.
أقسامُ المِياهِ
اختلف أهلُ العِلمِ في أقسامِ المياهِ على أقوالٍ؛ أقواها قَولانِ:
القول الأوّل: أنَّ الماءَ ثلاثةُ أقسامٍ: طَهورٌ وطاهِرٌ، ونَجِسٌ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ في الجُملة: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة.
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سُئِلَ عن ماءِ البَحرِ، فقال: هو الطَّهورُ ماؤُه )) .
وجهُ الدَّلالةِ:
ثانيًا: أحاديثُ النَّهيِ عن الاغتسالِ في الماءِ الرَّاكدِ والنَّهيِ عن غمْسِ اليَدِ في الإناءِ قبل غَسلِها لِمَن قام مِنَ النَّومِ.
وجهُ الدَّلالةِ منها:
أنَّه قد ورد النَّهيُ عن الاغتسالِ في هذه المياهِ، مع عدم نجاسَتِها، فدلَّ ذلك على وجودِ نَوعٍ مِنَ الماءِ ليس بنَجِسٍ، ولا يمكِنُ التطهُّرُ به، وهو الطَّاهِرُ.
القول الثاني: أنَّ الماء قسمانِ فقط: طَهورٌ ونجِسٌ، وهو محكيٌّ عن بعضِ الحنفيَّة، وهو اختيارُ ابنِ تيميَّة، وابنِ باز، وابنِ عُثيمين.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
1- قولُه تعالى: وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان: 48] .
2- قوله تعالى: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ [الأنفال: 11] .
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((إنَّ الماءَ طَهورٌ لا يُنجِّسُه شيءٌ )) .
وجهُ الدَّلالةِ مِنَ الآيتينِ والحديثِ:
ثالثًا: أنَّ الماءَ إمَّا أن يبلُغَ اختلاطُ الطَّاهِرِ به إلى حدِّ زَوالِ وَصفِ الماءِ عنه، فلا يكون ماءً مُطلقًا، وإمَّا ألَّا يبلُغَ به ذلك، فيجوز التطهُّرُ به، يدلُّ على ذلك ما جاء عن أمِّ عطيَّةَ الأنصاريَّة رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((دخل علينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حين تُوفِّيتِ ابنَتُه، فقال: اغسِلنَها ثلاثًا أو خَمسًا، أو أكثر من ذلك إن رأيتُنَّ ذلك، بماءٍ وسِدرٍ، واجعَلنَ في الآخِرة كافورًا أو شيئًا مِن كافورٍ، فإذا فرغتُنَّ فآذِنَّنِي ))، فهذا ماءٌ مُختلِط، ولكنَّه لم يبلُغْ مِنَ الاختلاطِ بحيث يُسلَبُ عنه اسمُ الماءِ المُطلَقِ
الماءُ المُطلَق (الطَّهور)
: تعريفُ الماءِ المُطلَق
الماءُ المُطلَقُ: هو الماءُ الباقي على أصلِ خِلقَتِه
: أنواعُ الماء المُطلَقِ
الفرع الأوَّل: ماءُ المَطرِ
قال الله تعالى: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ [الأنفال: 11]
الفرع الثَّاني: ماءُ البَحرِ
فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هو الطَّهورُ ماؤُه، الحِلُّ مَيتتُه ))
قال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ [إبراهيم: 32] ويُستدلُّ بالآيةِ على طهارةِ ماءِ النَّهرِ؛ إذ لا مِنَّةَ بالنَّجِس
وهي بِئرٌ يُلقى فيها الحِيَضُ ولحومُ الكِلابِ والنَّتْنُ، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ الماءَ طَهورٌ لا يُنجِّسُه شيءٌ ))
قال: أحسَبُه قال: هُنيَّةً-، فقلت: بأبي وأمِّي يا رسولَ الله، إسكاتُك بين التَّكبيرِ والقراءةِ، ما تقولُ؟ قال: أقولُ: اللهمَّ باعدْ بيني وبين خَطايايَ كما باعَدْتَ بينَ المَشرِقِ والمَغربِ، اللهُمَّ نقِّني مِنَ الخَطايا كما يُنقَّى الثَّوبُ الأبيضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللهمَّ اغسِلْ خطاياي بالماءِ والثَّلجِ والبَرَدِ ))
الفرع السَّابع: ماءُ زَمزمَ
المسألة الأولى: حُكمُ التطهُّرِ بماءِ زَمزمَ
يجوزُ الوضوءُ والغُسلُ بماءِ زَمزمَ، وهو باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دعا بسَجْلٍ من ماءِ زَمزمَ، فشَرِبَ منه وتوضَّأَ))
ثانيًا: عمومُ النُّصوصِ المُطلَقةِ في التطهُّرِ بالمياه، سواءٌ كان لوُضوءٍ أو غُسلٍ أو غيرِ ذلك
المسألة الثانية: حُكمُ إزالةِ النَّجاسةِ بماءِ زَمزمَ
تُجزئُ إزالةُ النَّجاسةِ بماءِ زَمزمَ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة
وذلك للآتي:
أولًا: أنَّه لا دليلَ على منعِ استعمالِه لإزالةِ النَّجاسة
ثانيًا: ولأنَّ أبا ذرٍّ رَضِيَ اللهُ تعالى عنه أزال به الدَّمَ الذي أدمَتْه قُريشٌ حين رَجَمُوه
ثالثًا: أنَّ أسماءَ بنتَ أبي بكرٍ غَسَّلَت ولَدَها عبدَ اللهِ بنَ الزُّبيرِ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهم- حين قُتِلَ وتقطَّعَت أوصالُه- بماءِ زَمزمَ بمحضَرٍ مِنَ الصَّحابةِ وغيرِهم، ولم يُنكِرْ ذلك عليها أحَدٌ منهم
الفرع الثَّامن: الماءُ المسخَّنُ
المسألة الأولى: حُكمُ الماءِ المسخَّنِ بالشَّمسِ (المُشمَّس)
يجوزُ التطهُّرُ بالماءِ المُشمَّسِ بلا كراهةٍ، وهو مذهَبُ الحنابلةِ، والظاهريَّة، وأحَدُ القَولينِ عند المالكيَّة، وأحدُ الأوجُهِ عند الشافعيَّة، واختاره النوويُّ، وابنُ تيميَّة، وابنُ القيِّم، وأفتت به اللَّجنةُ الدَّائمةُ
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الماءَ المشمَّسَ يقَعُ عليه اسمُ الماءِ, فتتناوله عمومُ الأدلَّةِ المُفيدة لطهوريَّةِ الماء؛ فلا يخرُجُ منها إلَّا بدليلٍ
ثانيًا: أنَّ الأصلَ عَدَمُ الكراهةِ، وقد سُخِّنَ الماءُ بطاهرٍ، فلا وَجهَ للكراهةِ
ثالثًا: أنَّه لم يصحَّ في كراهةِ الماءِ المُسخَّن بالشَّمس حديثٌ ولا أثَرٌ، وما رُوِيَ أنه يورِث البرصَ فهو ضعيفٌ باتِّفاقِ المحدِّثينَ
المسألة الثانية: الماءُ المسخَّنُ بطاهرٍ
يُجزئُ التطهُّرُ بالماءِ المسخَّنِ بطاهرٍ.
الأدلة:
أولًا: من الآثار
1- عن عُمَرَ بنِ الخطَّاب رَضِيَ اللهُ عنه: (أنَّه كان يتوضَّأُ بالحميمِ، ويغتَسِلُ منه )
2- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: (أنَّه كان يتوضَّأُ بالماءِ الحَميمِ )
3- عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال: (لا بأسَ أن يُغتسَلَ بالحَميمِ ويُتوضَّأَ منه)
ثانيًا: من الإجماع
نقل الإجماع على ذلك: ابن تيمية
المسألة الثالثة: الماءُ المسخَّنُ بنَجِسٍ
إذا سُخِّنَ الماءُ بنجاسةٍ ولم يحصُلْ له ما يُنَجِّسُه، فهو على أصلِ طَهارَتِه.
الدليلُ من الإجماع:
إجماعُ أهلِ العِلمِ على ذلك، وممَّن نقَلَ الإجماعَ ابنُ تيميَّةَ
الفرع التاسع: التطهُّرُ بالماءِ المحرَّمِ
الماء النَّجِس
: تعريفُ الماءِ النَّجِسِ
الماءُ النَّجِسُ: هو ما تغيَّر بنجاسةٍ، بحيث يتغيَّرُ بها طَعمُه، أو لَونُه، أو رِيحُه
:
لا تجوزُ الطَّهارةُ بالماءِ النَّجِسِ.
الدَّليلُ مِنَ الإجماع:
نقل الإجماعَ على ذلك: ابن المُنذِر، وابنُ نجيم
الفرع الأوَّل : إذا تغيَّرَ الماءُ بالنَّجاسةِ
إذا لاقى الماءَ نجاسةٌ، فغيَّرَت أحَدَ أوصافِه: مِن طَعمٍ، أو لونٍ، أو رائحةٍ؛ فهو نجِسٌ، قليلًا كان أو كثيرًا.
الدليل من الإجماع:
نقل الإجماعَ على ذلك
: الشافعيُّ، وابنُ المُنذِر، وابنُ عبدِ البَرِّ، وابنُ قدامة، وابن تيميَّة
الفرع الثاني: الماءُ الكثيرُ إذا لاقى نجاسة
إذا كان الماء كثيرًا مُستبحِرًا، فإنَّه لا ينجُسُ إلَّا بالتغيُّرِ.
الدليلُ مِنَ الإجماع:
نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ جريرٍ، وابنُ المُنذِر، وابنُ حزم، وابنُ عبدِ البَرِّ، وابنُ رشد، وشمسُ الدينِ ابنُ قدامة، وابنُ تيميَّة
الفرع الثَّالث: الماءُ الجاري إذا وقعت فيه نجاسةٌ
إذا كان الماءُ جاريًا ووقعَتْ فيه نجاسةٌ، فلا ينجُسُ إلَّا بالتغيُّرِ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، وهو قولٌ قديمٌ للشَّافعيِّ، اختاره بعضُ الشافعيَّة، وهو أنصُّ الرِّوايتينِ عن أحمد، واختاره ابنُ قُدامة، وابنُ تيميَّة، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يَبولنَّ أحدُكم في الماء الدَّائِمِ الذي لا يَجري ثُمَّ يَغتسِل فيه ))
وجه الدَّلالة:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فرَّقَ بين الدَّائمِ والجاري في نَهيِه عن الاغتسالِ والبَولِ فيه؛ فمفهومُ الحديثِ أنَّ الماءَ الجاريَ ليس منهيًّا عن البَولِ فيه، ولا عن الاغتسالِ منه
ثانيًا: أنَّ الأصلَ طهارةُ الماءِ الجاري، وإذا لم تغيِّرْه النجاسةُ فلا وَجهَ لنجاسَتِه؛ فإنَّه طاهِرٌ بيقينٍ، وليس في نجاسَتِه نصٌّ ولا قياسٌ، فوجب البقاءُ على طهارَتِه مع بقاءِ صِفاتِه
ثالثًا: أنَّ النَّجاسةَ في الماءِ الجاري منفصلةٌ عمَّا أمامها وما خَلفَها من الجَرَيات حكمًا، وإن اتَّصلَت بهما حسًّا؛ إذ كل جَريةٍ طالبةٌ لِما أمامها، هاربةٌ عمَّا خَلفَها، فلا تلحَقُ النَّجاسةُ بالماءِ الجاري حسًّا، فلا يُلحَقُ به نجاسَتُها حُكمًا
رابعا: أنَّ الماءَ الجاريَ بمجموعِه أكثَرُ مِنَ القلَّتين، إضافةً إلى قوَّةِ جَرَيانه، واختصاصُ كلِّ جَريةٍ بنفسها فلا تستَقِرُّ معها النَّجاسةُ
الفرع الرابع: الماءُ القليلُ إذا لاقى نجاسةً فلم يتغيَّرْ
الماءُ القليلُ إذا لاقى نجاسةً فلم يتغيَّر لا يَنجُسُ، وهو مذهَبُ المالكيَّة، والظاهريَّة، وبه قالَت طائفةٌ من السَّلف، وهو روايةٌ عن أحمد، اختارها عددٌ مِنَ الحنابلة، واختارَه ابنُ المُنذِر، والغزالي، وغيرُ واحدٍ مِنَ الشافعيَّة، وابنُ تيميَّة، والشَّوكانيُّ، والصَّنعاني، وابنُ باز، وابنُ عثيمين
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
1- قوله تعالى: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاءً طَهُورًا [الفرقان: 48]
وجه الدَّلالة:
أنَّ الماءَ إذا لم تتغيَّرْ أوصافُه؛ فهو على طَهوريَّتِه، قليلًا كان أو كثيرًا، فلا يزولُ عنه هذا الوَصفُ إلَّا ببُرهانٍ
2- قولُه تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء: 43]
وجه الدَّلالة:
أنَّ هذا الماءَ الذي وقعَت فيه النَّجاسةُ ولم تغيِّرْه؛ باقٍ على صِفَتِه التي خلقه اللهُ تعالى عليها طَعمًا ولونًا ورائحةً، فلا يُعدَلُ عنه إلى التيمُّمِ.
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ الماءَ طَهورٌ لا يُنجِّسُه شيءٌ ))
وجه الدَّلالة:
أنَّ هذا عمومٌ لا يخرُجُ منه شيءٌ إلَّا إذا تغيَّرَ بنجاسةٍ، فإنَّه يكون حينئذٍ نجِسًا بإجماعِ أهلِ العِلمِ
ثالثًا: أنَّ علَّةَ النَّجاسةِ الخَبَثُ، فمتى وُجِدَ الخبَثُ في شيءٍ فهو نَجِسٌ، ومتى لم يُوجَدْ فليس بنجِسٍ، فالحُكمُ يدورُ مع علَّتِه وجودًا وعَدَمًا، ولا يُحكَمُ بالنَّجاسةِ إلَّا إذا وُجِدَت عينُها، فإذا بقِيَ الماءُ طَهورًا على ما هو عليه؛ فإنَّه لا يجوزُ سَلبُه وَصفَه الأصليَّ بمجرَّدِ توهُّمِ التنجُّسِ لمجرَّدِ المُلاقاةِ
الفرع الخامس: المتغيِّرُ بمجاورةِ النَّجاسةِ
إذا تغيَّرت رائحةُ الماءِ بمُجاورةِ النَّجاسةِ، فإنَّه لا يَسلُبُه وصفَ الطُّهوريَّة ؛ نصَّ على هذا الجمهور: المالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة ؛ وحُكِيَ عدمُ الخِلافِ على ذلك ؛ وذلك لأنَّ ما تغيَّرَ بمجاورةٍ لا عن مخالطةٍ، لا يؤثِّرُ في الماء؛ لعَدَمِ انتقالِ عَينِ النَّجاسةِ إليه
الفرع السادس: تطهيرُ الماءِ المُتنجِّسِ
متى زال تغيُّرُ الماءِ النَّجِسِ بأيِّ وسيلةٍ كانت، ولو بالطُّرُقِ الحديثةِ، فقد طهُرَ، ولا فَرقَ في ذلك كلِّه بين القَليلِ والكثيرِ، وهذا مَذهَبُ مالكٍ في الجملة، وهو اختيارُ ابنِ حَزمٍ والشَّوكانيِّ، وابنِ باز، وابنِ عثيمين، وبه صدر قرارُ المَجمَعِ الفقهيِّ التَّابِعِ لرابطةِ العالَمِ الإسلاميِّ
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الحُكمَ إذا ثبت لعلةٍ، زال بزوالِها، والحُكمُ بنجاسةِ الماءِ يدورُ على معناه وجودًا وعَدَمًا، فحيث وُجِدَت النَّجاسةُ ثبَتَ حُكمُها، وحيث زالت بأيِّ طريقةٍ كانت، فإنَّه يزولُ حُكمُها
ثانيًا: أنَّ العَينَ النَّجِسةَ إذا استحالت صِفاتُها بطَل عنها اسمُها الذي به ورد ذلك الحُكمُ فيه, وانتقل إلى اسمٍ آخَرَ واردٍ على حلالٍ طاهرٍ, فليس هو ذلك النَّجِسَ ولا الحرامَ, بل قد صار شيئًا آخر ذا حُكمٍ آخرَ، فالأحكامُ للأسماءِ، والأسماءُ تابعةٌ للصِّفاتِ
إذا تغيَّرَ الماءُ بدُهْنٍ، أو قِطَع كافورٍ، أو عَنبرٍ، وغيرِ ذلك ممَّا لا يُستهلَك في الماء، ولا يتحلَّلُ فيه؛ فالماءُ طَهورٌ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة، وهو قولٌ عند المالكيَّة
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ العِبرةَ ببقاءِ اسمِ الماءِ، والمُخالِطُ الطَّاهِرُ غيرُ الممازِجِ؛ لا يسلُبُه اسمَ الماءِ
ثانيًا: أنَّ هذه الأشياءَ لا تُمازِجُ الماءَ؛ فالدُّهنُ مثلًا يكون طافيًا على أعلاه، فتغيُّرُه به، إنَّما هو تغيُّرُ مجاورةٍ لا ممازجةٍ؛ فلم تختلطْ فيه أجزاؤه، والتغيرُ بالمجاورةِ لا يسلُبُه الطُّهوريَّة، ولا فَرقَ في المجاوِرِ إنْ كان منفصِلًا عن الماءِ أو ملاصِقًا له
الفرع الثَّاني: المُختلِط بطاهرٍ يَشُقُّ صَونُ الماءِ عنه
إذا تغيَّرَ الماءُ بما يشقُّ صَونُه عنه، فإنَّه طَهورٌ، وذلك في الجملةِ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الإجماع
نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ رُشدٍ، وابنُ قُدامةَ، وابنُ تيميَّة
ثانيًا: أنَّ هذا الماءَ يتناوَلُه اسمُ الماءِ المُطلَق
ثالثًا: أنَّ هذا ممَّا لا ينفَكُّ عنه الماءُ غالبًا، ولا يمكِنُ التحفُّظُ عنه، ويشقُّ تركُ استعمالِه، فعُفيَ عنه، كما عُفيَ عن النَّجاسةِ اليسيرةِ، والعملِ القليلِ في الصَّلاةِ
الفرع الثَّالث: المتغيِّرُ بمُكثِه
الماء المتغيِّرُ بمُكثِه، ماءٌ طَهورٌ، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة والشَّافعيَّة والحنابِلةِ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن عبد الله بن الزُّبير، عن أبيه رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((خرَجْنا مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُصعِدينَ في أُحُد، قال: ثمَّ أمرَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عليَّ بنَ أبي طالبٍ فأتى بالمِهراسِ، فأُتي بماءٍ في دَرَقَتِه، فأراد رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يشرَبَ منه، فوجد له ريحًا، فعافَه، فغسَلَ به الدِّماءَ التي في وَجهِه))
وجه الدَّلالة:
أنَّ غَسلَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الدَّمَ به، دليلٌ على طَهارَتِه
2- النُّصوصُ المطلقَةُ في التطهُّرِ مِنَ الماءِ تتناولُ الماءَ المُتغيِّرَ بِطُولِ مُكثِه
ثانيًا: أنَّه لا يُمكِنُ الاحترازُ منه، فأشبَهَ بما يتعذَّرُ صَونُه عنه
الفرع الرابع: المتغيِّرُ بالمِلحِ
المِلحُ لا يَسلُبُ الماءَ الطُّهوريَّةَ، وهذا مَذهَبُ الحنفيَّةِ والمالكيَّة، ووجهٌ للشافعيَّة، وقولٌ للحنابلة، واختاره ابن تيميَّة، وابن باز، وابن عثيمين
الدليل:
عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سُئِل عن الوضوءِ بماءِ البَحرِ، فقال: ((هو الطَّهورُ ماؤُه، الحِلُّ مَيتتُه ))
ومِنَ المعلومِ أنَّ مياهَ البَحرِ مالحةٌ، فيجوزُ للإنسانِ أن يتوضَّأَ بالماءِ المالح، سواء كان المِلحُ طارئًا عليه، أو كان مالحًا مِن أصلِه
الفرع الخامس: حُكمُ الطَّهارةِ بالنَّبيذ
لا يصحُّ التطهُّرُ بالنَّبيذِ وجد الماءُ أو عُدِمَ، وهو مذهَبُ الجمهورِ: المالكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابلةِ، والظاهريَّة، وهو روايةٌ عن أبي حنيفةَ، اختارها أبو يوسُفَ والطَّحاويُّ، وبه قالت طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [المائدة: 6]
وجه الدَّلالة:
أنَّه وقع الانتقالُ عند عَدَمِ الماءِ إلى التراب بلا وسيطٍ، وليس النَّبيذُ ماءً مطلقًا، لا في اللُّغةِ، ولا في الشَّرع، فلا تجوز الطَّهارةُ إلَّا بالماءِ، أو الصَّعيدِ إذا لم يجِدِ الماءَ، ومن توضَّأ بالنَّبيذِ فقد ترك المأمورَ به
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى ثم رأى رجلًا معتزلًا لم يصلِّ مع القَومِ، فقال: يا فلانُ، ما منعك أن تُصلِّيَ مع القَومِ؟ فقال: يا رسولَ الله، أصابتْني جَنابةٌ ولا ماءَ، فقال: عليك بالصَّعيدِ؛ فإنَّه يكفيكَ ))
وجه الدَّلالة:
أنَّ الطَّهارةَ لو كانت تُجزِئُ بغيرِ الماءِ، لأشبه أن يقول له: اطلُبْ نبيذَ كذا، أو شَرابَ كذا
ثالثًا: أنَّه لَمَّا كان اسمُ الماءِ لا يقَعُ على ما غَلَب عليه غيرُ الماءِ، حتى تزولَ عنه جميعُ صِفاتِ الماءِ التي منها يُؤخَذ حدُّه- صحَّ أنَّ النبيذَ ليس ماءً, ولا يجوزُ الوضوءُ بِغَيرِ الماء
الماءُ المُستعمَل في رَفعِ الحدَثِ مِن الوضوءِ والغُسلِ؛ طاهرٌ في نفسِه، مُطهِّرٌ لغَيرِه، وهذا مَذهَبُ المالكيَّة، والظَّاهريَّة، وقولٌ عند الحنفيَّة، وقولٌ عند الشافعيَّة، وروايةٌ عن أحمد، وهو قَولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ، واختيارُ ابن المُنذِر، وابنِ تيميَّة، وابنِ باز، والألبانيِّ، وابنِ عثيمين
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
1- قولُ الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّماءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان: 48]
2- وقوله سبحانه: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ [الأنفال: 11]
وجه الدَّلالة:
أنَّ قَولَه: طَهُورًا يقتضي جوازَ التطهُّرِ به مرةً بعدَ أخرى، فهو على وزن (فَعولٍ) لِمَا يتكرَّر منه الفِعلُ، مثل: شكورٍ، وصبورٍ
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ الماءَ طَهورٌ لا يُنجِّسُه شيءٌ ))
وجه الدَّلالة:
عمومُ الحديثِ، فالماء طهورٌ لا ينجِّسُه شيء، ولا يُستثنى من ذلك إلَّا ما تغيَّر لونُه، أو طَعمُه، أو ريحُه
2- عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ الماءَ لا يَجنُبُ ))
وجه الدلالة:
أنَّ الماءَ لا يتعدَّى إليه حُكمُ الحدَثِ
ثالثًا: أنَّه ماءٌ طاهرٌ لاقى بدنًا طاهرًا، فلم يسلُبْه الطُّهوريَّة
رابعًا: أنَّه ماءٌ مستعمَلٌ فجازت الطهارة به، كالمُستعمَل في تجديدِ الوُضوءِ، ولا فَرقَ
الماءُ المستعملُ في طهارةٍ مستحبَّةٍ- كتجديدِ وضوءٍ ونحوه- طهورٌ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة
، والشافعيَّة في الأصحِّ، والحنابلة، والظاهريَّة، وزُفَرَ مِنَ الحنفيَّة وذلك للآتي:
أوَّلًا: عمومُ أدلَّةِ طَهارةِ الماءِ، ولا يخرُجُ عن هذا الأصلِ إلَّا ببرهانٍ صحيحٍ.
ثانيًا: أنَّ إجماعَ أهلِ العلمِ على أنَّ النَّدى الباقيَ على أعضاءِ المتوضِّئِ والمُغتسِل وما قطَرَ منه على ثيابِهما؛ طاهِرٌ- دليلٌ على طهارةِ الماءِ المُستعمَلِ، وإذا كان طاهرًا فلا معنى لمَنعِ الوضوءِ به بغَيرِ حُجَّة
الماءُ المستعمَلُ في التبرُّدِ والنَّظافةِ؛ طهورٌ، وهو مذهَبُ الجمهورِ: المالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة، وهو مذهَبُ الظَّاهريَّة،
وبه قال زُفَرُ ومحمَّد بن الحسن من الحنفيَّة وحُكِيَ فيه الإجماعُ؛ وذلك لأنه باق على إطلاقه
، وهذا ا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، وهو روايةٌ عن أحمد .. وذلك للآتي:
أوَّلًا: عمومُ نُصوصِ طُهوريَّة الماءِ، ولا يُخرَجُ عن هذا العمومِ إلَّا بدليل.
ثانيًا: أنَّ الماءَ قبل الغَمسِ كان طَهورًا، ولا يُزالُ عنه هذا الوصفُ إلَّا بدليلٍ، فاليقينُ لا يُرفَع إلَّا بيقينٍ، ولا يُزالُ بالشكِّ
الفرع الأوَّل: الماءُ المستعمَلُ في إزالة النَّجاسة، وتغَيَّر أحدُ أوصافه
الماء الذي أُزيلَت به النَّجاسة إن تغيَّرَ أحدُ أوصافهِ بالنجاسةِ، فهو نَجِسٌ.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:
نقل الإجماعَ على ذلك: النوويُّ وابنُ قُدامة، والعراقيُّ
الفرع الثاني: الماءُ المستعمَلُ في إزالةِ النَّجاسةِ ولم يتغَيَّر أحدُ أوصافه
الماء الذي أُزيلَت به النَّجاسةُ إن لم يتغيَّرْ أحدُ أوصافه، فإنَّه يكون طَهورًا، وهذا مَذهَبُ المالكيَّة، وقولٌ عند الشافعيَّة، وبه قال بعضُ السَّلف، وابنُ تيميَّة، وابنُ القيِّم, وابن عُثيمين
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
عموم قوله تعالى: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ [الأنفال: 11]
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الماءُ طَهورٌ لا يُنجِّسُه شيءٌ ))
ولا يخرُجُ الماءُ عن هذا الوَصفِ إلا بيقينٍ من دليلٍ من الشَّرع، أو من الحِسِّ بتغَيُّر أحد أوصافِه.
2- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ أعرابيًّا بال في المسجِدِ، فقام إليه بعضُ القَومِ، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: دَعُوه، ولا تُزْرِموه، قال: فلما فَرَغ، دعا بدلوٍ من ماءٍ، فصبَّه عليه ))
وجه الدَّلالة:
أنَّ الماءَ لو كان ينجُسُ بتطهيرِ المحلِّ النَّجِس، لكان المحلُّ نَجِسًا؛ وذلك لأنَّ البَلَل الباقيَ فيه بعضُ هذه الغُسالة، فلمَّا حكَمْنا بطهارةِ المحلِّ مع بقاءِ البَلَل فيه، علِمْنا طهارَتَها؛ فإنَّه لم يثبُت أنَّ الترابَ قد نُقِلَ
الفرع الأول: حُكم التطهُّرِ بفَضل ِالرَّجل
يجوز التطهُّرُ بفَضلِ الرَّجُل
، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعية، والحنابلة وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك؛ وذلك استصحابًا للأصل؛ لعَدَمِ ورُودِ النَّهيِ عن ذلك، والأصلُ الطَّهارةُ حتى يرِدَ الدَّليلُ على خلافِ ذلك.
الفرع الثاني: حُكم التطهُّرِ بفضلِ المرأةِ
يجوزُ تطَهُّرُ الرجُلِ بفَضلِ المرأةِ؛ وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة في الأصحِّ، ورواية عند الحنابلة، اختارها ابنُ عَقيلٍ، وهو اختيارُ ابنِ المُنذِر وهذا قول عامَّةِ أهلِ العِلمِ
الأدلة: أولًا: مِن السُّنَّةِ
1- عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((اغتسَلَ بعضُ أزواجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في جَفنةٍ، فأراد النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يتوضَّأَ منه، فقالت: يا رسولَ الله، إني كنتُ جُنُبًا، فقال: إنَّ الماءَ لا يجنُبُ ))
2- عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يغتسِلُ بفَضلِ ميمونةَ ))
ثانيًا: أنَّه لا تأثيرَ لِوضوئِها على طَهارةِ الماءِ، فكيف يسلُبُه طُهوريَّتَه
ثالثًا: أنَّ الآثارَ في كراهيةِ التطهُّرِ بفَضلِ طهورِ المرأةِ مُضطربةٌ لا تقوم بها حجَّة، والآثارُ الصِّحاحُ هي الواردةُ بالإباحة، وعلى ذلك جماعةُ أئمَّة الفتوى
الفرع الثالث: اغتسالُ الرَّجُلِ وزوجَتِه من إناءٍ واحدٍ
اغتسالُ الرَّجُلِ وزوجَتِه من إناءٍ واحدٍ؛ جائزٌ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعة: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافعيَّة، والحنابلة، واختاره ابنُ حَزمٍ الظاهريُّ، وحُكِيَ في ذلك الإجماعُ
الأدلَّة من السنة:
1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((كنتُ أغتسِلُ أنا والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من إناءٍ واحدٍ، كِلانا جُنُبٌ ))
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((كنتُ أغتسِلُ أنا ورسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من إناءٍ- بيني وبينه- واحدٍ، فيُبادرني حتى أقولَ: دعْ لي، دعْ لي، قالت: وهما جُنُبانِ ))
3- عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وميمونةَ كانَا يغتسلانِ من إناءٍ واحدٍ ))
تابعونا جزاكم الله خيرا
ولا تنسونا من صالح دعائكم
عدل سابقا من قبل sadekalnour في السبت سبتمبر 10, 2022 6:50 pm عدل 2 مرات
أمس في 3:20 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب الدعوة إلى توحيد الله سبحانه
الخميس نوفمبر 21, 2024 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد