المبحث الأوَّل: تَعريفُ الصَّلاةِ
الصَّلاة لُغةً: الدُّعاءُ
الصَّلاةُ اصطلاحًا: التعبُّدُ للهِ تعالى بأقوالٍ وأفعالٍ مخصوصةٍ، مُفتَتَحةٍ بالتَّكبيرِ، مُختَتَمةٍ بالتَّسليمِ
أوَّلًا: الصَّلاةُ أهمُّ أَركانِ الإسلامِ بَعدَ الشَّهادتَينِ
عن عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ، قال: لـمَّا بعَثَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم معاذَ بنَ جبلٍ إلى نَحوِ أهلِ اليمنِ، قال له: ((إِنَّك تَقْدَمُ على قَومٍ مِن أهلِ الكتابِ، فلْيَكُنْ أوَّلَ ما تَدعوهم إلى أنْ يُوَحِّدوا اللهَ تعالى، فإذا عَرَفوا ذلِك، فأَخْبِرْهم أنَّ اللهَ فرَضَ عليهم خَمسَ صَلواتٍ في يَومِهم ولَيلتِهم ...))
ثانيًا: الصَّلاةُ أمَرَ اللهُ تعالى بالمحافظةِ عَليها في كلِّ حالٍ؛ حضَرًا وسفَرًا، سِلمًا وحَرْبًا، صِحَّةً ومرضًا
قال اللهُ تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة: 238 - 239]
وعن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: كانتْ بي بَواسيرُ، فسأَلتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الصَّلاةِ،
فقال: ((صَلِّ قائمًا، فإنْ لم تستَطِع فقاعدًا، فإنْ لم تستَطِعْ فعلى جَنبٍ ))
ثالثًا: الصَّلاةُ وَصيَّةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الأخيرةُ لأُمَّتِه
عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: كانَ آخِرَ كلامِ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الصَّلاةَ وما مَلَكتْ أَيمانُكم ))
رابعًا: الصَّلاةُ مِن شَريعةِ الأنبياءِ والمُرسَلِينَ
قال تعالى - بعد ذِكرِه لثُلَّةٍ من أنبيائِه ورُسلِه-: وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ [الأنبياء: 73]
خامسًا: الصَّلاةُ عمودُ الدِّينِ، ولا يَقومُ إلَّا بها
عن معاذِ بنِ جبلٍ رضِي اللهُ عنه، قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((رأسُ الأمرِ الإسلامُ، وعَمودُه الصَّلاةُ، وذِروةُ سَنامِهِ الجهادُ في سبيلِ اللهِ ))
سادسًا: الصَّلاةُ تَنهَى عنِ الفَحشاءِ والمُنكَرِ
قال الله تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت: 45]
سابعًا: الصَّلاةُ كَفَّارةٌ للذُّنوبِ والخَطايَا
1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: سَمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((أرأيتُم لوْ أنَّ نَهرًا ببابِ أَحدِكم يَغتسِلُ منه كلَّ يومٍ خَمْسَ مرَّاتٍ؛ هلْ يَبقَى مِن دَرَنِه شيءٌ؟ قالوا: لا يَبقَى من دَرنِه شيءٌ، قال: فذلِك مَثَلُ الصَّلواتِ الخمسِ؛ يَمْحُو اللهُ بهنَّ الخَطايا ))
2- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الصَّلواتُ الخَمسُ، والجُمُعةُ إلى الجُمُعةِ؛ كفَّارةٌ لِمَا بينهُنَّ، ما لم تُغْشَ الكَبائِرُ ))
3- عن عُثمانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((ما مِنِ امرئٍ مسلمٍ تَحضُرُه صلاةٌ مكتوبةٌ فيُحسِنُ وُضوءَها، وخُشوعَها، ورُكوعَها، إلَّا كانتْ كفَّارةً لِمَا قَبلَها من الذنوبِ ما لم تُؤتَ كبيرةٌ، وذلك الدَّهرَ كلَّه ))
ثامنًا: كَثرةُ الصَّلاةِ سببٌ لمُرافقةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الجَنَّةِ
عن رَبيعةَ بنِ كَعبٍ الأسلميِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((كنتُ أَبِيتُ مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأتيتُه بوَضوئِه وحاجتِه،
فقال لي: سَلْ، فقلتُ: أسألُكَ مرافقتَكَ في الجَنَّةِ، قال: أوْ غيرَ ذلِك؟ قلتُ: هو ذاك! قال: فأَعنِّي على نَفْسِكَ بكَثرةِ السُّجودِ ))
وقد وردتِ النُّصوصُ في التَّحذيرِ مِن تَرْكِ الصَّلاةِ، أو التَّهاونِ بها، فمِن ذلك:
1- قولُ اللهِ تعالى عن تساؤُلِ أهلِ الجَنَّةِ عنِ المجرمينَ وأنَّهم قالوا: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر: 42 - 43]
2- وقولُه تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم: 59]
3- عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال: سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((إنَّ بَينَ الرجُلِ وبَينَ الشِّركِ والكُفرِ تَرْكَ الصَّلاةِ ))
4- عن سَمُرةَ بنِ جُندُبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الرُّؤيا، قال: ((أمَّا الذي يُثْلَغُ رأسُه بالحَجَرِ، فإنَّه يأخُذُ القُرآنَ فيرفُضُه، ويَنامُ عن الصَّلاةِ المكتوبةِ ))
المَبحَث الأَوَّل: حُكمُ الصَّلاةِ
الصلواتُ الخمسُ فرضُ عينٍ على كلِّ مُسلمٍ مكلَّفٍ.
الأدلَّة: أوَّلًا: من الكِتاب
1- قول الله تعالى: وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ [الأنعام: 72]
2- قوله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة: 238]
3- قوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ [هود: 114]
والآياتُ في هذا كثيرةٌ معلومةٌ.
ثانيًا: من السُّنَّة
1- عن طلحةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((جاءَ رجلٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أهلِ نَجدٍ ثائرَ الرَّأسِ، يُسمَعُ دَويُّ صوتِه ولا يُفقَهُ ما يَقولُ، حتى دَنَا، فإذا هو يسألُ عن الإسلامِ، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: خمسُ صلواتٍ في اليومِ واللَّيلةِ، فقال: هل عليَّ غيرُها؟ قال: لا، إلَّا أنْ تَطوَّعَ.. ))
2- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهما: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا بعَثَ معاذًا رَضِيَ اللهُ عَنْه إلى اليمنِ، قال: إنَّك تَقْدَمُ على قومٍ أهلِ كتابٍ؛ فليكُنْ أوَّلَ ما تدعوهم إليه عبادةُ اللهِ، فإذا عَرَفوا اللهَ، فأخبِرْهم أنَّ اللهَ قد فرَضَ عليهم خمسَ صلواتٍ في يومِهم وليلتِهم، فإذا فَعَلوا، فأخبِرْهم أنَّ اللهَ فرضَ عليهم زكاةً من أموالِهم وتُردُّ على فُقرائِهم، فإذا أطاعوا بها، فخُذْ منهم، وتوقَّ كرائمَ أموالِ النَّاسِ ))
ثالثًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على فرضيَّة الصَّلاةِ: ابنُ حزمٍ، وابنُ رُشدٍ، والنوويُّ، وابنُ تَيميَّة
المَطلَب الأوَّل: حُكمُ تارك الصَّلاةِ جَحدًا لوُجوبِها
مَن ترَكَ الصَّلاةَ جاحدًا لوجوبِها، فقَدْ كَفَرَ.
الدَّليل من الإجماع:
نقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبد البرِّ،(( قال ابنُ عبد البَرِّ: (أجمَع المسلمون أنَّ جاحدَ فرضِ الصلاةِ كافرٌ) )) والنوويُّ،(( قال النوويُّ: (إذا ترَك الصلاةَ جاحدًا لوجوبها، أو جَحَدَ وجوبَها ولم يتركْ فِعلَها في الصورة، فهو كافرٌ مرتدٌّ بإجماعِ المسلمين).)) وابنُ تَيميَّة (( قال ابنُ تيميَّة: (أمَّا تارِكُ الصلاة، فهذا إنْ لم يكُن معتقِدًا لوجوبها، فهو كافرٌ بالنصِّ والإجماع))
المَطلَب الثَّاني: حُكمُ تارك الصَّلاةِ بالكليَّةِ تَهاونًا وكَسلًا
تاركُ الصَّلاةِ بالكليَّةِ تهاونًا أو كسلًا، كافرٌ كفرًا مُخرِجًا من الملَّةِ، وهذا مذهبُ الحنابلةِ
، ووجهٌ عند الشافعيَّة، وقولٌ عند المالكيَّة، وبه قالتْ طائفةٌ من السَّلَفِ، وهو مذهبُ جمهورِ أصحابِ الحديثِ، وذهَب إلى هذا ابنُ تَيميَّة، وابنُ القَيِّم، واختاره ابنُ عُثَيمين
الأدلَّة:أوَّلًا: من الكِتاب
1- قول الله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم: 59]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ اللهَ تعالى قال في المُضيِّعين للصَّلاةِ المتَّبعِين للشَّهواتِ: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ؛ فدلَّ على أنَّهم حين إضاعتِهم للصَّلاةِ واتِّباعِ الشهواتِ غيرُ مؤمنينَ
2- قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الروم: 31]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
بَيَّن اللهُ عزَّ وجلَّ أنَّ علامةَ كونِهم من المشركِينَ تَرْكُهم إقامةَ الصَّلاةِ
ثانيًا: من السُّنَّة
1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((إنَّ بَينَ الرَّجُلِ وبينَ الشِّركِ والكُفرِ تَرْكَ الصَّلاةِ ))
2- عن عبدِ اللهِ بن بُرَيدةَ، عن أبيه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ العَهدَ الذي بيننا وبينهم الصَّلاةُ، فمَن تَرَكها فقدْ كَفَرَ ))
وجْهُ الدَّلالةِ من الحَديثينِ:
أنَّ المعنى الكليَّ كالجِنس، لا يَنتفي بانتفاءِ فردٍ من أفرادِه؛ فمَن أفطرَ في يومٍ من أيَّامِ رمضان؛ لا يُعدُّ تاركًا لفريضةِ الصِّيامِ مطلقًا؛ ومَن ترَكَ بعضَ الدُّروسِ؛ لا يُعدُّ تاركًا لطلبِ العِلمِ؛ لذا يُحمَلُ النصُّ على التَّرْكِ بالكُليَّة
ولأنَّه قال: ((تَرك الصَّلاة))، وهذا يَصدُقُ على مَن ترَكَها بالكليَّةِ، فمَن تَرَكَ صلاةً أو صلاتينِ لا يُقال له: ترَكَ الصَّلاةَ
3- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا غزَا بِنا قومًا، لم يكُن يَغزو بنا حتى يُصبِحَ ويَنظُرَ، فإنْ سمِعَ أذانًا كفَّ عنهم، وإنْ لم يَسمعْ أذانًا أغارَ عليهم ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
دلَّ الحديثُ على أنَّ إقامةَ الصَّلاةِ تُوجِبُ الحُكمَ بالإسلامِ؛ فإنَّ الأذانَ إنَّما هو دعاءٌ إلى الصَّلاة، فإذا كان موجبًا للحُكمِ بالإسلامِ، فالصَّلاةُ التي هي المقصودُ الأعظمُ أَوْلى
4- حديثُ عوفِ بنِ مـالكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، عن رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((خِيارُ أئمَّتِكم الذين تُحبُّونهم ويُحبُّونكم، ويُصلُّونَ عليكم وتُصلُّون عليهم، وشِرارُ أئمَّتِكم الذين تُبغِضونهم ويُبغِضونكم، وتَلْعَنونهم ويَلْعَنونكم، قيل: يا رسولَ الله، أفلا نُنابِذُهم بالسَّيفِ؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصَّلاةَ ))
5- حديثُ عُبادةَ بنِ الصَّامتِ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((دعانا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فبَايعْناه، فقال فيمَا أَخَذَ علينا: أنْ بايَعْنا على السَّمعِ والطاعةِ في مَنشطِنا ومَكْرَهِنا، وعُسرِنا ويُسرِنا، وأَثَرةٍ علينا، وأنْ لا نُنازِعَ الأمرَ أهلَه، إلَّا أنْ تَرَوْا كُفرًا بَواحًا، عِندَكم مِن اللهِ فيه بُرهانٌ ))
وجْه الدَّلالةِ من الحَديثَينِ:
دلَّ مجموعُ الحديثينِ على أنَّ تَرْكَ الصَّلاةِ وعدمَ إقامتِها كُفرٌ بَواحٌ عليه مِن الله بُرهانٌ
ثالثًا: إجماعُ الصَّحابةِ
وممَّا يدلُّ على الإجماعِ ما يلي:
1- عن المِسْوَرِ بنِ مَخرمةَ أنَّه دخَلَ مع ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهما على عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْه حين طُعِن، فقال ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهما: (يا أميرَ المؤمنين، الصَّلاةَ! فقال: أجَلْ! إنَّه لا حَظَّ في الإسلامِ لِمَنْ أضاعَ الصَّلاةَ)
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْه قدْ قال هذا بمَحضَرٍ مِن الصَّحابةِ، ولم يُنكِروه عليه؛ فصار إجماعًا منهم
2- قال عبدُ اللهِ بنُ شَقيقٍ العُقيليُّ: (كان أصحابُ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يَرَونَ شيئًا من الأعمالِ تَرْكُه كفرٌ غيرَ الصَّلاةِ)
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
هذه الصِّيغة تدلُّ على أنَّ الصحابة اجتَمَعوا على هذه المقالة؛ لأنَّ قوله: (كان أصحابُ رسولِ الله) جمْعٌ مُضاف، وهو مِن المُشْعِرات بذلك
نقَل إجماعَ الصحابةِ على ذلِك: إسحاقُ ابنُ راهَوَيْه، وابنُ القَيِّم، والشوكانيُّ
المَطلَبُ الثالث: عقوبةُ تارِكِ الصَّلاةِ
تاركُ الصَّلاةِ يُقتَلُ
، وهو مذهبُ الجمهورِ: المالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة
الأدلَّة:أوَّلًا: من الكِتاب
قول الله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ إلى قوله: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سبيلهم [التوبة: 11]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الآيةَ اشترطتْ في ترْكِ القتْلِ بعدَ التوبةِ إقامةَ الصَّلاةِ، فإنْ لم يُقِمْها يُقتَل
ثانيًا: من السُّنَّة
عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أُمرتُ أنْ أقاتلَ الناسَ حتى يَشهدوا أنْ لا إلهَ إلَّا الله، وأنَّ محمدًا رسولُ الله، ويُقيموا الصَّلاةَ، ويُؤتوا الزَّكاةَ، فإذا فَعَلوا ذلك عَصَموا منِّي دِماءَهم وأموالَهم إلَّا بحقِّ الإسلامِ، وحِسابُهم على اللهِ ))
ثالثًا: قياسًا على إجماعِ الصَّحابةِ على قِتالِ مانِعي الزَّكاةِ
المطلب الأول : تعريفُ الأذانِ
الأذانُ اصطِلاحًا: التعبُّد للهِ بذكرٍ مخصوصٍ، بعدَ دخولِ وقتِ الصَّلاةِ؛ للإعلامِ بها
الفَرْعُ الأوَّلُ: فضائلُ الأذانِ
للأذانِ فَضائلُ جليلةٌ، وفوائدُ عظيمةٌ، منها:
أوَّلًا: استحبابُ المنافسةِ فيه لشَرفِهِ وفضلِه
فعن أَبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لو يَعلَمُ الناسُ ما في النِّداءِ والصفِّ الأوَّلِ، ثم لم يَجِدوا إلَّا أن يَستهِموا عليه، لاستَهَموا ))
ثانيًا: فِرارُ الشَّيطانِ من الأذانِ
فعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا نُودِيَ للصَّلاةِ أَدْبَرَ الشيطانُ وله ضُراطٌ؛ حتى لا يَسمَعَ التأْذينَ))
ثالثًا: المؤذِّنونَ أطولُ النَّاسِ أعناقًا يومَ القِيامةِ
فعَن مُعاويةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((المؤذِّنونَ أطولُ الناسِ أعناقًا يومَ القِيامَةِ ))
رابعًا: المؤذِّنُ يُغفَرُ له مدَى صوتِه، ويشْهَد له كلُّ رَطْبٍ ويابسٍ
فعن أبي هُريَرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((المؤذِّنُ يُغفَرُ له مدى صَوتِه ويَشهَدُ له كلُّ رَطبٍ ويابسٍ، وشاهِدُ الصَّلاةِ يُكتَبُ له خمسٌ وعِشرونَ صلاةً، ويُكَفَّرُ عنه ما بينهما ))
خامسًا: المؤذِّنُ يَشهَدُ له كلُّ مَن سمِعَ صوتَه من إنسٍ أو جِنٍّ
فعن عبدِ اللهِ بن عبد الرَّحمنِ بن أبي صَعْصعَةَ، أنَّ أبا سعيدٍ الخدريَّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال له: إنِّي أراك تحبُّ الغنمَ والباديةَ، فإذا كنتَ في غنمِكَ أو باديتِكَ، فأذَّنتَ للصَّلاةِ، فارفعْ صوتَك بالنِّداء؛ فإنَّه: ((لا يَسمَعُ مدَى صوتِ المؤذِّنِ جِنٌّ ولا إنسٌ، ولا شيءٌ، إلَّا شهِدَ له يومَ القِيامَةِ ))، قال أبو سعيد: سمعتُه من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
الفَرْعُ الثاني: المفاضلَةُ بين الأذانِ والإمامةِ
الأذانُ أفضلُ من الإمامةِ، وهو مذهبُ الشافعيَّة، والحنابلة، وقول للحنفيَّة وقولٌ للمالكيَّة، وهو اختيارُ ابنِ تيميَّة، وابنِ عُثَيمين
الأدلَّة:أوَّلًا: مِن الكتابِ
قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ... [فصلت: 33]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الاستفهامَ هنا للإنكارِ والنَّفي؛ فمعنى قوله: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا...: لا أحَدَ أحسنُ قولًا ممَّن دعَا إلى اللهِ، وهم المؤذِّنُون على قول بعضِ المفسِّرين
ثانيًا: من السُّنَّة
وُرودُ أحاديثَ كثيرةٍ في فَضْلِ المؤذِّنينَ لم يرِدْ مِثلُها في فضلِ الإمامةِ، منها:
1- عن معاويةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((المؤذِّنونَ أطولُ الناسِ أعناقًا يومَ القِيامَةِ ))
2- عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((لا يَسمَعُ مدَى صوتِ المؤذِّنِ جِنٌّ ولا إنسٌ ولا شيءٌ إلَّا شهِدَ له يومَ القيامَة )) - سمعتُه من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
3- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا نُودِي للصَّلاةِ أدْبَرَ الشيطانُ له ضُراطٌ؛ حتى لا يسمعَ التأذينَ، فإذا قُضِيَ النِّداءَ أقْبَلَ، حتى إذا ثُوِّبَ بالصَّلاةِ أدْبَر، حتى إذا قُضِيَ التثويبُ أقْبَل، حتى يَخطُرَ بين المرءِ ونفْسِه؛
يقول: اذكر كذا، واذكر كذا، لِمَا لم يكُن يَذكُر؛ حتى يظلَّ الرجلُ لا يَدْري كمْ صلَّى ))
المَطلَبُ الثالث: اتِّخاذُ أكثرَ من مؤذِّنٍ في المسجدِ الواحدِ
يجوزُ أن يكونَ للمسجدِ أكثرُ من مؤذِّن
، وهذا مذهبُ الجمهور: المالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة
عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْه: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان له مؤذِّنانِ: بلال، وابنُ أمِّ مكتومٍ الأَعْمَى ))
ثانيًا: أنَّه ربَّما يغيبُ أحدهما فيؤذِّنُ الآخَر؛ فلا يَتعطَّلُ الأذانُ مع غَيبتِه
مِن الحِكَمِ التي مِن أجْلِها شُرِعُ الأذانُ:
1- إظهارُ شِعارِ الإسلامِ وكلمةِ التَّوحيدِ
2- الإعلامُ بدخولِ وقتِ الصَّلاةِ
3- الإعلامُ بمكانِ الصَّلاةِ
4- الدُّعاءُ إلى الجَماعةِ
5- الإعلامُ بأنَّ الدارَ دارٌ للإسلامِ
الفَرْعُ الأَوَّلُ: حُكمُ الأذانِ
الأذانُ فَرْضُ كِفايةٍ، وهذا مذهبُ الحنابلةِ
، وهو قولُ محمَّدٍ منَ الحنفيَّة، وقولٌ عندَ المالكيَّة، وقولُ بعضِ الشافعيَّة، واختيارُ ابنِ عبد البرِّ، وابنِ تيميَّة، وداود، وأبي الوليد الباجِي، وابنِ باز، والألبانيِّ، وابنِ عُثَيمين، واختيارُ اللَّجنةِ الدَّائمة، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
الأدلَّة:أولًا من السُّنَّة:
1- عن مالكِ بنِ الحُويرثِ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لهم: ((وإذا حضَرتِ الصَّلاةُ فلْيُؤذِّنْ لكم أحدُكم، ولْيؤمَّكُم أكبرُكم ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ هذا أمرٌ مِنَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والأصل في الأمْرِ الوجوبُ، وقد اكتَفَى بأذانِ الواحدِ؛ ممَّا دلَّ على أنَّه فَرْضُ كِفايةٍ
2- عن أنسِ بنِ مالكٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْه: أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا غزَا بِنَا قومًا لم يكن يغْزُو بنا حتى يُصْبِحَ وينظرَ؛ فإنْ سَمِعَ أذانًا كَفَّ عنهم، وإنْ لم يسمعْ أذانًا أغارَ عليهِم
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان عَلَّق استحلالَ أهلِ الدارِ بترْكِ الأذان؛ فهو شعارُ دارِ الإسلامِ، والعلامَةُ الدالَّةُ المفرِّقةُ بين دار الإسلامِ ودارِ الكُفرِ، ولا يكونُ ذلك إلَّا لواجبٍ.
ثانيًا: لأنَّه من الشَّعائرِ الظَّاهرةِ
الفَرْعُ الثاني: حُكمُ الصَّلاةِ بغَيرِ أذانٍ
تصحُّ الصلاةُ بغير أذانٍ ولا إقامةٍ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة
الأَدِلَّةُ:أوَّلًا: مِن الآثارِ
عن الأسودِ وعَلقمةَ، قالَا: أتينا عبدَ اللهِ بنَ مسعودٍ في دارِه، فقال: أَصَلَّى هؤلاءِ خَلفَكم؟ فقلنا: لا، قال: فقُوموا فصلُّوا، فلمْ يأمرْنا بأذانٍ ولا إقامةٍ
ثانيًا: أنَّ الأذانَ والإقامةَ ليسا من أركانِ الصلاةِ، وهما خارجانِ عنها
الفَرْعُ الثَّالِثُ: اتِّفاقُ أهلِ بلدٍ على ترْكِ الأذانِ
إذا اتَّفقَ أهلُ بلدٍ على ترْكِ الأذانِ، فإنَّهم يُقاتَلون، وهو مذهبُ الجمهور: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والحنابلة، وقولُ بعضِ الشافعيَّة
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أنسٍ رضي اللهُ عنه قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا غزَا قومًا لم يُغِرْ حتَّى يُصبِحَ، فإنْ سمِعَ أذانًا أمْسَكَ، وإنْ لم يَسْمَعْ أذانًا أغارَ بعدَما يُصبِحُ ))
ثانيًا: أنَّه من أعلامِ الدِّين، وفي ترْكِه استخفافٌ ظاهرٌ به
ثالثًا: أنَّه من شعائرِ الإسلامِ الظاهرةِ؛ فقُوتِلوا عليه كصَلاةِ العِيدينِ
وما زلنا أحبابنا .. تابعونا جزاكم الله خيرا
ولا تنسونا من صالح دعائكم
عدل سابقا من قبل sadekalnour في الثلاثاء سبتمبر 13, 2022 4:56 pm عدل 1 مرات
اليوم في 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد