الأنعام: هي الإبِلُ والبَقَرُ والغَنَمُ
المطلب الأوَّل: حُكم زكاة الأنعام
تجِبُ زكاةُ الأنعامِ مِنَ الإبِلِ والبَقَرِ والغَنَمِ الإنسيَّةِ في الجملةِ.
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ أبا بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، كتب له هذا الكتاب لَمَّا وجَّهه إلى البحرين:
بسمِ اللهِ الرَّحمن الرحيمِ، هذه فريضةُ الصَّدقةِ التي فرَض رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم على المسلمين
والتي أمَرَ اللهُ بها رسولَه، فمَن سُئِلَها من المسلمينَ على وَجهِها فلْيعطِها، ومَن سُئِلَ فَوقَها فلا يُعطِ:
في أربعٍ وعشرين من الإبِلِ فما دونها من الغَنَم، من كلِّ خمسٍ شاةٌ،
فإذا بلغت خمسًا وعشرينَ إلى خمسٍ وثلاثين، ففيها بنتُ مَخاضٍ أنثى،
فإذا بلغت ستًّا وثلاثين إلى خمسٍ وأربعين، ففيها بنتُ لَبُونٍ أنثى،
فإذا بلغَتْ ستًّا وأربعينَ إلى ستين، ففيها حِقَّةٌ طَروقةُ الجَمَلِ،
فإذا بلغت واحدًا وستِّين إلى خمسٍ وسبعين، ففيها جَذَعة،
فإذا بلغت- يعني: ستًّا وسبعين إلى تسعينَ، ففيها بنتَا لَبُون
فإذا بلغت إحدى وتسعينَ إلى عشرينَ ومئةٍ، ففيها حِقَّتان طَرُوقتا الجَمَل،
فإذا زادتْ على عِشرينَ ومئةٍ، ففي كلِّ أربعينَ بِنتُ لَبُونٍ، وفي كلِّ خمسينَ حِقَّةٌ،
ومَن لم يكُن معه إلَّا أربعٌ مِنَ الإبِلِ، فليس فيها صدقةٌ إلَّا أن يشاء ربُّها،
فإذا بلغَتْ خمسًا مِنَ الإبِلِ، ففيها شاةٌ، وفي صدقةِ الغَنَمِ؛ في سائمتها-
إذا كانت أربعينَ إلى عشرينَ ومئةٍ- شاةٌ،
فإذا زادت على عشرينَ ومئةٍ إلى مئتين، شاتان،
فإذا زادت على مئتينِ إلى ثلاثِمئة، ففيها ثلاثُ شِياهٍ،
فإذا زادت على ثلاثِمئةٍ، ففي كلِّ مئةٍ شاةٌ،
فإذا كانت سائمةُ الرَّجُلِ ناقصةً من أربعينَ شاةً واحدةً، فليس فيها صدقةٌ إلَّا أن يشاء ربُّها ))
2- عن مُعاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لَمَّا وجَّهه إلى اليَمَنِ،
أمَرَه أن يأخُذَ مِنَ البَقَرِ، من كلِّ ثلاثينَ تبيعًا أو تبيعةً،
ومن كلِّ أربعين مُسِنَّةً، ومن كل حالِم- يعني: محتلمًا- دينارًا أو عَدْلَه من المعافِرِ- ثياب تكون باليمن
3- عن أبي ذرٍّ الغِفاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما مِن صاحِبِ إبِلٍ ولا بَقَرٍ ولا غَنَمٍ، لا يؤدِّي زكاتَها، إلَّا جاءت يومَ القيامةِ أعظمَ ما كانت وأسمَنَه، تنطحُه بقرونِها، وتطؤُه بأظلافِها، كلَّما نفِدَت أُخراها أعادتْ عليه أُولاها، حتَّى يُقضى بين النَّاسِ ))
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنْذِر، وابنُ حَزمٍ، وابنُ قُدامةَ، والنوويُّ
قال ابنُ حزم: (اتَّفقوا على أنَّ في خَمسٍ من الإبِلِ مشانٍ راعيةٍ، غيرِ معلوفةٍ ولا عوامِلَ، ليستْ فيها عمياء، ذكورًا كانت أو إناثًا، أو مختلطة، إذا أتمَّت عامًا شمسيًّا عند مالِكِها كما ذكرْنا في الذَّهَب- زكاةَ شاةٍ)( وقال: (اتَّفقوا على أنَّ في البقر زكاةً). وقال: (اتفقوا على أنَّ في الغنم إذا كانت بالصِّفة التي ذكرنا في الإبل والبقر، وأقامت المدَّةَ التي ذكَرْنا في الإبل، وبلغت أربعين- شاةً، إلى مئة وعشرين، ثم شاتين إلى مئتين). قال النوويُّ: (أجمع المسلمون على وجوبِ الزَّكاةِ في الإبِلِ والبَقَرِ والغَنَمِ).
المطلب الثاني: بَقَرُ الوَحشِ
لا تَجِبُ الزَّكاةُ في بَقَرِ الوحش، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة والمالكيَّة، والشافعيَّة، وهو روايةٌ عن أحمد، وبه قال أكثَرُ أهلِ العِلمِ
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّها لا تُجزِئُ في الضَّحايا والهدايا، فلا تجِبُ فيها الزَّكاةُ؛ قياسًا على الظِّباءِ
ثانيًا: أنَّ اسمَ البَقَرِ لا ينصرف إليها عند الإطلاقِ
ثالثًا: أنَّ وجودَ نِصابٍ مِنَ بقرِ الوَحشِ موصوفًا بصفةِ السَّومِ حولًا، لا وجودَ له
رابعًا: أنَّ بقَرَ الوَحشِ ليست من بهيمةِ الأنعام؛ فلا تجِبُ فيها الزَّكاة، كسائر الوحوش، وسرُّ ذلك أنَّ الزَّكاة إنما وجبَتْ في بهيمة الأنعام دون غيرها؛ لكثرةِ النَّماءِ فيها مِن دَرِّها ونَسلِها، وكثرةِ الانتفاع بها، لكثرَتِها وخفَّةِ مَؤُونَتِها، وهذا المعنى يختصُّ بها، فاختصَّت الزَّكاةُ بها دون غيرِها
المطلب الثالث: ما تولَّدَ مِنَ الأهليِّ والوحشِيِّ
اختلف أهل العِلم في زكاةِ المتولِّدِ مِنَ الأهليِّ والوحشيِّ
على أقوالٍ؛ أقواها قولان:
القول الأوّل:
لا تجِبُ فيه الزَّكاةُ مطلقًا، وهو مذهَبُ الشافعيَّة، والمالكيَّة على المشهورِ، وبه قال داودُ الظاهريُّ، واختاره ابنُ قُدامةَ
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه ليس في أخْذ الزَّكاة منها نصٌّ ولا إجماعٌ ولا قياسٌ صحيحٌ، فلا تتناوَلُه نصوصُ الشَّرعِ
ثانيًا: أنَّ الأصلَ عَدَمُ الإيجابِ
ثالثًا: أنَّ هذا الحيوانَ يتركَّبُ مِن جِنسِ ما لا يوجِبُ الزَّكاةَ، وما يوجِبُ الزَّكاة؛ فلا تجِبُ فيه كالنقد المغشوشِ
رابعًا: أنَّ المتولِّد منهما لا يجزئُ في الأضحيَّة، فكذا لا تجِبُ فيه الزَّكاة
خامسًا: أنَّ المتولِّدَ بين شيئينِ ينفرِد باسمِه وجِنسِه وحُكمِه عنهما، كالبَغلِ المتولِّد بين الفَرَس والحِمار
القول الثاني:
تجِبُ مطلقًا، وهو مذهَبُ الحَنابِلَة، وقولٌ للمالكيَّة
وذلك للآتي:
أوَّلًا: حصولُ الماليَّة بها
ثانيًا: احتياطًا وتغليبًا للإيجابِ
ثالثًا: أنَّه متولِّدٌ بين ما تجِبُ فيه الزَّكاةُ، وما لا تجِبُ فيه، فوجبتْ فيها الزَّكاةُ، كالمتولِّدِ بين سائمةٍ ومعلوفةٍ
المطلب الرابع: زكاةُ الجواميسِ
تجب زكاةُ الجواميسِ؛ لكونِها مِنَ البَقَرِ.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:
نقلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنْذِر
، وابنُ عَبدِ البَرِّ، وابنُ قُدامةَ
المطلب الخامس: حُكمُ زكاةِ غيرِ بهيمةِ الأنعامِ كالخَيلِ
لا زكاةَ في غيرِ بهيمةِ الأنعامِ إلَّا أن تكونَ مُعَدَّةً للتِّجارة، والخيلُ وغيرُها في ذلك سواءٌ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة
، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، والظَّاهِريَّة، وهو قولُ أبي يوسف، ومحمَّدِ بنِ الحسن، وبه قال أكثَرُ أهلِ العِلمِ
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن أبي هُريرَة رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ليس على المُسلِمِ في عبْدِه ولا فرَسِه صدقةٌ ))
2- عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((قد عفوتُ لكم عن صَدقةِ الخيْلِ والرَّقيقِ ))
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
عن حارثةَ بن مُضرِّب، قال: (جاء ناسٌ من أهل الشَّامِ إلى عُمَرَ، فقالوا: إنَّا قد أصبْنا مالًا وخيلًا ورقيقًا، نُحِبُّ أن يكون لنا فيها زكاةٌ وطهورٌ. قال: ما فعله صاحباي قبلي فأفعلُه، فاستشار أصحابَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وفيهم عليٌّ، فقال: هو حَسَنٌ إن لم يكن جزيةً يُؤخَذون بها مِن بعدِك. قال أحمد: فكان عُمَرُ يأخُذُ منهم، ثم يَرزُقُ عبيدَهم)
أوجه الدَّلالة:
الوجه الأوَّل: أنَّ قوله: (ما فعله صاحباي) يعني: النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأبا بكرٍ، ولو كان واجبًا لَمَا تركَا فِعلَه.
الوجه الثَّاني: أنَّ عُمَرَ امتنع مِن أخْذها، ولا يجوز له أن يمتَنِعَ مِنَ الواجِبِ.
الوجه الثالث: قول عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه: (هو حَسَنٌ إن لم يكن جزيةً يُؤخذون بها مِن بعدك)، فسمَّاها جزيةً إن أُخِذوا بها، وجعَل حُسنَها مشروطًا بعدَمِ أخذِهم بها مِن بَعدِه، فيدلُّ على أنَّ أخْذَهم بذلك غيرُ جائزٍ.
الوجه الرَّابع: استشارةُ عُمَرَ أصحابَه في أخْذه، ولو كان واجبًا لَمَا احتاج إلى الاستشارة.
الوجه الخامس: أنَّه لم يُشِر عليه بأخْذه أحدٌ سوى عليٍّ، بهذا الشَّرطِ الذي ذكره، ولو كان واجبًا لأشاروا به.
الوجه السَّادس: أنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه عوَّضَهم عنه رِزقَ عبيدِهم، والزَّكاةُ لا يُؤخَذُ عنها عِوَضٌ
ثالثًا: أنَّ عدمَ تحديد نِصابٍ في الخيلِ ونحوه من قِبل الشَّارِعِ؛ دليلٌ على أنَّه ليس فيه الزَّكاة، ولو كانت الزَّكاةُ واجبةً فيه لبيَّنَ أنصِبَتَها كما بيَّنه في بقيَّةِ أنواع المواشي
رابعًا: أنَّ الأصلَ عدمُ الوجوب إلَّا بدليلٍ، ولا دليلَ فيها
المطلب السادس: هلْ في البِغالِ والحَميرِ زكاةٌ؟
لا زَكاةَ في البِغالِ، ولا الحَميرِ.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:
نقَلَ الإجماعَ على ذلك الطَّحاويُّ، وابنُ حَزمٍ، وابنُ بطَّالٍ
المبحث الثالث: شروط زكاة الأنعام
المطلب الأوَّل: مضيُّ الحَوْلِ
يُشتَرَطُ لزكاةِ الأنعامِ مرورُ حوْلٍ كاملٍ، وهي في مِلكِ المزكِّي.
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الآثارِ
1- عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أنه قال: (ليس في المال زكاةٌ حتى يحولَ عليه الحَوْلُ )
2- عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (مَن استفاد مالًا، فلا زكاة فيه حتى يحولَ عليه الحَوْلُ عند ربِّه )
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزم، وابنُ قُدامةَ
المطلب الثاني: السَّومُ
الفرع الأوَّل: معنى السَّائمة
السائمة لُغةً: الإبِلُ الرَّاعِيَةُ، يقال: سامَتِ الرَّاعية والماشِيَةُ والغَنَمُ تسومُ سَوْمًا؛ إذا رعَتْ حيث شاءَت، ولَا تُعلَفُ في الأصْلِ
السَّائمة اصطلاحًا: هي التي ترْعى في الكَلأِ المُباحِ مِن نباتِ البَرِّ، وتَكتفي بالرَّعيِ، فلا تحتاجُ إلى أن تُعلَف
الفرع الثاني: اشتراط السَّوم
يُشتَرَط في وجوبِ زكاةِ الأنعامِ أن تكون سائمةً، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وبه قال أكثرُ أهل العِلم
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن معاويةَ بنِ حَيدةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((في كلِّ سائمةِ إبِلٍ: في أربعين، بنتُ لَبُونٍ، لا يُفرَّقُ إبِلٌ عن حسابِها ))
2- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ أبا بكر رَضِيَ اللهُ عنه، كتب له هذا الكتابَ لَمَّا وجَّهه إلى البحرين: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحيم، هذه فريضةُ الصَّدَقةِ التي فرَضَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم على المسلمينَ...)) وفيه: ((وفي صَدَقةِ الغَنَمِ؛ في سائمتها إذا كانتْ أربعينَ إلى عشرين ومئةٍ، شاةٌ... ))
وجه الدَّلالة من الحديثينِ:
أنَّ مفهومَ الأمرِ بزكاةِ السَّائمة يدلُّ على أنَّ المعلوفةَ لا زكاةَ فيها
ثانيًا: أنَّ السَّائمةَ تُوفَّرُ مُؤنَتُها بالرَّعي في كلأٍ مباحٍ، فناسب وجوبَ الزَّكاة فيها
ثالثًا: أنَّ وصفَ النَّماءِ مُعتبَرٌ في الزَّكاة، والمعلوفةُ يستغرِقُ علفُها نماءَها
الفرع الثالث: تحديدُ مدَّة السَّوم
يُشتَرَط أن تكونَ سائمةً حولًا كاملًا، أو أكثَرَ الحَوْلِ، وهذا مذهَبُ الحنفيَّة، والحَنابِلَة، ووجه عند الشافعيَّة، واختاره ابنُ تيميَّة، وابنُ باز، وابنُ عُثيمين
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن معاويةَ بن حَيْدَة رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((في كلِّ سائمةِ إبلٍ: في أربعينَ بنتُ لَبونٍ، لا يُفرَّق إبِلٌ عن حسابِها ))
2- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ أبا بكر رَضِيَ اللهُ عنه، كتب له هذا الكتابَ لَمَّا وجَّهه إلى البحرين: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحيم، هذه فريضةُ الصَّدَقةِ التي فرَضَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم على المسلمينَ...)) وفيه: ((وفي صَدَقةِ الغَنَمِ؛ في سائمتها إذا كانتْ أربعينَ إلى عشرين ومئةٍ، شاةٌ... ))
وجه الدَّلالة:
أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أوجَبَ الزَّكاةَ في السَّائمة، وهي لا تزولُ بالعلْفِ اليسيرِ شَرعًا
ثانيًا: أنَّ السَّائمةَ لا تكتفي بالسَّومِ في العادةِ في جميعِ السَّنةِ، لا سيَّما في زمَنِ شدَّةِ البَردِ والثَّلج والأمطار المستمرَّة، فلو اعتُبِرَ السَّومُ في جميعِ السَّنةِ لانتفَتِ الزَّكاةُ
ثالثًا: أنَّ اليسيرَ مِنَ العَلْفِ لا يمكِنُ الاحترازُ عنه
رابعًا: أنَّ القليل تابعٌ للأكثَرِ
خامسًا: أنَّ وجوبَ الزَّكاةِ فيها لحصولِ معنى النماءِ وقلَّةِ المُؤنَةِ، وهذا المعنى يحصُلُ إذا أُسيمَتْ في أكثَرِ السَّنة
سادسًا: أنَّ السَّومَ وصفٌ معتبَرٌ في رَفعِ الكُلفةِ، فاعتُبِرَ فيه الأكثَرُ، كالسَّقيِ بما لا كُلفةَ في الزَّرعِ والثِّمارِ
سابعًا: أنَّ اعتبارَ السَّومِ في كلِّ العامِ إجحافٌ بالفقراءِ، والاكتفاءُ به في البعضِ إجحافٌ بالمُلَّاكِ، وفي اعتبارِ الأكثَرِ مراعاةٌ للملَّاكِ والفُقَراء
المطلب الثالث: ألَّا تكونَ عوامِلَ
يُشتَرَطُ لزكاةِ الأنعامِ ألَّا تكونَ عوامِلَ (( العوامل: جمع عاملة، وهي التي تُستعمَلُ في الأشغالِ، كالحَرْث والسَّقيِ ))
، وهذا مذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وهو قولُ طائفةٍ مِنَ الصَّحابة وذهب إليه أكثَرُ أهلِ العِلمِ
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الآثارِ
1- عن عليِّ بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (ليس في البَقَرِ العوامِلِ صدقةٌ)
2- عن جابرِ بنِ عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (لا صدقةَ في الْمُثِيرةِ)
وجه الدَّلالة:
أنَّ هذه الآثارَ عن الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم تدلُّ على أنَّه لا صدقةَ في العوامِلِ، ولا يُعرَفُ عن أحدٍ مِنَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم خلافٌ في ذلك
ثانيًا: أنَّ السَّبَب في وجوبِ الزَّكاةِ هو المالُ النَّامي، ودليلُ النَّماءِ الإسامةُ للدَرِّ والنَّسلِ، أو الاعتدادُ للتِّجارةِ، ولم يوجَدْ في العوامِلِ، وإذا انتفى السببُ انتفى الحُكمُ
ثالثًا: أنَّ العوامِلَ مُعَدَّةٌ لنَفعِ صاحِبِها في استعمالٍ مُباحٍ، فأشبهت الأمتعةَ وثيابَ البَدَنِ
رابعًا: أنَّها باستخدامِها لحرْثِ الأرضِ وسَقْيِ الزرعِ، تكون أشبَهَ بالأدواتِ التي تُستعمَلُ لخدمةِ الأرضِ والزَّرعِ، وما تُنبِتُه الأرض من زرعٍ وثَمَرٍ تجب فيه الزَّكاةُ، فلو وجبت الزَّكاةُ فيها هي الأخرى- وليست إلَّا آلةً لتنميةِ الزَّرع- فقد صارت الصَّدقةُ مُضاعفةً على النَّاسِ
=(( قال الماورديُّ: (فأمَّا المعلوفةُ مِنَ الغَنَمِ، والعوامِلُ مِنَ الإبِلِ والبَقَرِ، فلا زكاةَ فيها عند الشافعي، وبه قال عليُّ بن أبي طالب، وجابر بن عبد الله، ومعاذ بن جبل).. وقال البغويُّ: (وكذلك لا تجب الزَّكاة في عوامِلِ البَقَرِ والإبل عند عامَّةِ أهل العِلم).. وقال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (قال سائِرُ فُقَهاءِ الأمصار وأهل الحديث: لا زكاةَ في الإبل ولا في البقر العوامل، ولا في شيءٍ من الماشية التي ليستْ بمُهلةٍ، وإنما هي سائمة راعيةٌ، ويُروى هذا القول عن عليٍّ وجابر، وطائفة من الصحابة لا مخالفَ لهم منهم). وقال ابنُ قدامة في المعلوفة والعوامل: (لا زكاة فيها عند أكثَرِ أهل العِلم)قال أبو عُبيد: (إذا كانت تسنو وتحرُثُ، فإنَّ الحَبَّ الذي تجب فيه الصَّدقة إنما يكون حَرثُه وسَقيُه ودِياسُه بها، فإذا صُدقَت هي أيضًا مع الحَبِّ؛ صارت الصَّدقةُ مضاعَفةً على النَّاسِ).=
المطلب الرابع: بلوغ النِّصاب
الفرع الأوَّل: اشتراط بلوغ النِّصاب
يُشتَرَط لوجوبِ الزَّكاةِ في الأنعامِ أن تبلُغَ نِصابًا شرعيًّا.
الدَّليل مِنَ الإجماعِ:
نقل الإجماعَ على اشتراطِ بلوغِ النِّصابِ: في الإبِلِ والبَقَرِ والغَنَم: ابنُ حزمٍ
وفي الإبلِ والغَنَمِ: ابنُ المُنْذِر، وابنُ قُدامةَ، والنوويُّ وفي البقر: ابن عَبدِ البَرِّ
الفرع الثَّاني: ضمُّ الأنواع من جنسٍ واحدٍ لإكمال النِّصاب
تُضمُّ الأنواعُ مِن جنسٍ واحِدٍ إلى بعضِها؛ لإكمال النِّصاب، كالضَّأنِ والمَعْزِ مِنَ الغَنَمِ، وكذا أصنافُ الإبِلِ والبَقَرِ.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:
نقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنْذِر، وابنُ حزمٍ، وابنُ عَبدِ البَرِّ، وابنُ قُدامةَ، وابنُ تيميَّة
= (( قال ابنُ حزم: (اتَّفقوا على أنَّه ليس في أقلَّ من خمسٍ مِنَ الإبِلِ شيءٌ، ولا في أقلَّ من خمسٍ مِنَ البقر، ولا في أقلَّ من أربعين من الغنم شيءٌ)قال ابنُ المُنْذِر: (أجمعوا على أنْ لا صدقةَ فيما دون خمسِ ذَودٍ من الإبِلِ...وأجمعوا على أنْ لا صدقةَ في دون أربعينَ مِنَ الغنم). قال ابنُ قدامة: (أجمع المسلمون على أنَّ ما دون خمسٍ مِنَ الإبِلِ؛ لا زكاة فيه).قال النوويُّ: (فأوَّلُ نِصابِ الإبِلِ خَمسٌ بإجماعِ الأمَّة، نقَل الإجماعَ فيه خلائقُ، فلا يجِبُ فيما دون خمسٍ شيءٌ بالإجماع)قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: ( لا خلافَ بين العلماء أنَّ السُّنَّةَ في زكاةِ البَقَرِ، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابِه ما قال معاذ بن جبل: في ثلاثين بقرةً تبيعٌ، وفي أربعين مُسنَّةٌ، والتبيعُ والتبيعة في ذلك عندهم). وقال أيضًا: (لا خلاف بين العلماء أنَّ السُّنةَ في زكاة البقر ما في حديث معاذٍ هذا، وأنَّه النِّصابُ المجتمَع عليه فيها).
قال ابنُ المُنْذِر: (أجمعوا على أنَّ الضَّأنَ والمعز يُجمعانِ في الصَّدقة)قال ابنُ حزم: (البُخت، والأعرابيَّة، والنُّجب، والمهاري، وغيرُها من أصناف الإبِلِ: كلُّها إبِلٌ، يُضمُّ بعضُها إلى بعضٍ في الزَّكاة، وهذا لا خلافَ فيه). وقال أيضًا: (اتَّفقوا على أنَّ الضَّأنَ والمعزَ يُجمعانِ معًا). (قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (لا خلافَ بين العلماء في أنَّ الضأنَ والمعْزَ يُجمعانِ، وكذلك الإبلُ كُلُّها على اختلافِ أصنافها إذا كانت سائمةً، والبقرُ والجواميسُ كذلك). قال ابنُ قدامة: (لا نعلم خلافًا بين أهلِ العِلم في ضمِّ أنواعِ الأجناسِ بعضِها إلى بعضٍ، في إيجابِ الزَّكاة). . وقال أيضًا: (ولا خلافَ بينهم، في أنَّ أنواعَ الأجناسِ يُضَمُّ بعضُها إلى بعضٍ في إكمالِ النِّصَاب).قال ابنُ تيمية: (لا خلافَ بين الفقهاءِ أنَّ الضَّأنَ والمَعزَ يُجمعانِ في الزَّكاةِ، وكذلك الإبِلُ على اختلافِ أصنافِها وكذلك البقر والجواميس)
وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا
::
ولا تنسونا من صالح دعائكم
:::::
التالي : . : زكاةُ الإبِلِ
أمس في 3:20 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب الدعوة إلى توحيد الله سبحانه
الخميس نوفمبر 21, 2024 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد