بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.
وجدت كثيرًا من الناس التبس عليهم فهم كلام عبد الله بن عمر لما قال عن الخوارج: «إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار، فجعلوها على المؤمنين». [صحيح البخاري (6/ 2539)].
ففهموا من هذا الأثر ما يعارض عمل المسلمين في الاستشهاد بظاهر النص، وإن كان لا ينطبق حكم النص وسببه على الواقع من كل وجه. وهذا ما صاغه الناس كقاعدة«العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب». [درة التنزيل وغرة التأويل (1/ 467)] وقال ابن قدامة: «نَحْتَجُّ بِعُمُومِ اللَّفْظِ مِن غيرِ نَظَرٍ إلى خُصُوصِ السَّبَبِ» [المغني لابن قدامة (4/ 104)]. فراحوا يقولون إن الاستشهاد بعموم الألفاظ للآيات الواردة في الكافرين على المسلمين هو فعل الخوارج، وهذا باطل، لسببين.
أولا: الأثر كان عن فعل الخوارج، وهم أتوا بالأحكام التي قالها الله عن الكافرين، وأنزلوها عن المسلمين، فكفروهم.
عن عامر الشعبي -من طريق عيسى بن عبد الرحمن- أنّه سُئِل عن قوله: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}، فقيل: تزعُمُ الخوارج أنها في الأُمراء. قال: كذَبوا، إنّما أُنزِلت هذه الآية في المشركين، كانوا يُخاصِمون أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون: أمّا ما قتَل الله فلا تأكُلوا منه -يعني: الميتة-، وأمّا ما قتَلْتم أنتم فتأكُلون منه! فأنزل الله: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} إلى قوله: {إنكم لمشركون}[أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1380]
وعن علي بن ربيعة، «أنّ رجلًا مِن الخوارج نادى عليًّا وهو في صلاة الفجر، فقال: {ولَقَدْ أُوحِيَ إليكَ وإلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ولَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ} [الزمر: 65]، فأجابه عليٌّ وهو في الصلاة: {فاصْبِرْ إنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ولا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ}». [ابن أبي شيبة 15/ 307]
ثانيا: الاستشهاد على المسلمين بعموم ألفاظ الآيات النازلة في المشركين؛ هو فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومَن بعده من العلماء.
وأمثلة ذلك:
(1)
عن أبي واقد الليثي يقول، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة خرج بنا معه قبل هوازن، حتى مررنا على سدرة الكفار، سدرة [شجرة] يعكفون حولها ويدعونها ذات أنواط، قلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الله أكبر، إنها السنن، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون}». [صحيح ابن حبان: التقاسيم والأنواع (6/ 74)]
فهل هم تساووا مع المشركين في طلب إله من دون الله؟ الجواب: هم شابهوهم بطلب استجلاب شعائر الكفار وتقليدها. فشنَّع عليهم بما جاء فيه طلب للكفر ليبين لهم قبيح هذا الطلب.
(2)
قال علي بن أبي طالب: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه [زاره ليلا] وفاطمةَ عليها السلام، فقال لهم: “ألا تصلون؟ ” فقال علي: يا رسول الله، إنما أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مدبر يضرب فخذه وهو يقول: ” {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} “». [صحيح البخاري (9/ 289)]
قوله تعالى {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} نزل في الكفار
قال عبد الله بن عباس: أراد النضر بن الحارث وجدالَه في القرآن. وقال محمد بن السائب الكلبي: أراد به: أُبي بن خلف الجمحي، وقال يحيى بن سلّام: يعني: الكافر يجادل في الله
فأراد النبي صلى الله عليه وسلم الاستشهاد بعموم اللفظ، لا إنزال حال الكافرين الذين جاءت الآيات فيهم على علي رضي الله عنه.
وأما ذلك في عمل السلف فكثير جدا
(1)
«عن سعد بن أبي وقاص -من طريق ابنه مصعب- {يضل به كثيرا}، يعني: الخوارج». [تفسير ابن أبي حاتم 1/ 70]
وسياق الآيات في الكفار: قال تعالى: {أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا/ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} الآيات
(2)
«عن أَبي أمامة في قوله: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) قال: هم الخوارج». [تفسير الطبري (23/ 358 ط التربية والتراث)]
ولا شك أن الآية في الكفار {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}
(3)
«عن علي بن أبي طالب أنّه سُئِل عن هذه الآية: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا}. قال: لا أظن إلا أنّ الخوارج منهم». [أخرجه عبد الرزاق 1/ 413]
وهذه نزلت في الكفار، قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ}الآيات
(4)
«عن عبد الله بن عباس في قوله {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} قال: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدع والضلالة». [أخرجه ابن أبي حاتم 3/ 729]
وهذه في الكفار، فقد قال تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَففَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}
والشواهد أكثر من أن تُحصى
والله تعالى أعلم.
كُتِب في: 2024-04-23
منقول من موقع الشيخ محمد بن شمس الدين
وجدت كثيرًا من الناس التبس عليهم فهم كلام عبد الله بن عمر لما قال عن الخوارج: «إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار، فجعلوها على المؤمنين». [صحيح البخاري (6/ 2539)].
ففهموا من هذا الأثر ما يعارض عمل المسلمين في الاستشهاد بظاهر النص، وإن كان لا ينطبق حكم النص وسببه على الواقع من كل وجه. وهذا ما صاغه الناس كقاعدة«العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب». [درة التنزيل وغرة التأويل (1/ 467)] وقال ابن قدامة: «نَحْتَجُّ بِعُمُومِ اللَّفْظِ مِن غيرِ نَظَرٍ إلى خُصُوصِ السَّبَبِ» [المغني لابن قدامة (4/ 104)]. فراحوا يقولون إن الاستشهاد بعموم الألفاظ للآيات الواردة في الكافرين على المسلمين هو فعل الخوارج، وهذا باطل، لسببين.
أولا: الأثر كان عن فعل الخوارج، وهم أتوا بالأحكام التي قالها الله عن الكافرين، وأنزلوها عن المسلمين، فكفروهم.
عن عامر الشعبي -من طريق عيسى بن عبد الرحمن- أنّه سُئِل عن قوله: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}، فقيل: تزعُمُ الخوارج أنها في الأُمراء. قال: كذَبوا، إنّما أُنزِلت هذه الآية في المشركين، كانوا يُخاصِمون أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون: أمّا ما قتَل الله فلا تأكُلوا منه -يعني: الميتة-، وأمّا ما قتَلْتم أنتم فتأكُلون منه! فأنزل الله: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} إلى قوله: {إنكم لمشركون}[أخرجه ابن أبي حاتم 4/ 1380]
وعن علي بن ربيعة، «أنّ رجلًا مِن الخوارج نادى عليًّا وهو في صلاة الفجر، فقال: {ولَقَدْ أُوحِيَ إليكَ وإلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ولَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ} [الزمر: 65]، فأجابه عليٌّ وهو في الصلاة: {فاصْبِرْ إنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ولا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ}». [ابن أبي شيبة 15/ 307]
ثانيا: الاستشهاد على المسلمين بعموم ألفاظ الآيات النازلة في المشركين؛ هو فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومَن بعده من العلماء.
وأمثلة ذلك:
(1)
عن أبي واقد الليثي يقول، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة خرج بنا معه قبل هوازن، حتى مررنا على سدرة الكفار، سدرة [شجرة] يعكفون حولها ويدعونها ذات أنواط، قلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الله أكبر، إنها السنن، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون}». [صحيح ابن حبان: التقاسيم والأنواع (6/ 74)]
فهل هم تساووا مع المشركين في طلب إله من دون الله؟ الجواب: هم شابهوهم بطلب استجلاب شعائر الكفار وتقليدها. فشنَّع عليهم بما جاء فيه طلب للكفر ليبين لهم قبيح هذا الطلب.
(2)
قال علي بن أبي طالب: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه [زاره ليلا] وفاطمةَ عليها السلام، فقال لهم: “ألا تصلون؟ ” فقال علي: يا رسول الله، إنما أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مدبر يضرب فخذه وهو يقول: ” {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} “». [صحيح البخاري (9/ 289)]
قوله تعالى {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} نزل في الكفار
قال عبد الله بن عباس: أراد النضر بن الحارث وجدالَه في القرآن. وقال محمد بن السائب الكلبي: أراد به: أُبي بن خلف الجمحي، وقال يحيى بن سلّام: يعني: الكافر يجادل في الله
فأراد النبي صلى الله عليه وسلم الاستشهاد بعموم اللفظ، لا إنزال حال الكافرين الذين جاءت الآيات فيهم على علي رضي الله عنه.
وأما ذلك في عمل السلف فكثير جدا
(1)
«عن سعد بن أبي وقاص -من طريق ابنه مصعب- {يضل به كثيرا}، يعني: الخوارج». [تفسير ابن أبي حاتم 1/ 70]
وسياق الآيات في الكفار: قال تعالى: {أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا/ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} الآيات
(2)
«عن أَبي أمامة في قوله: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) قال: هم الخوارج». [تفسير الطبري (23/ 358 ط التربية والتراث)]
ولا شك أن الآية في الكفار {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}
(3)
«عن علي بن أبي طالب أنّه سُئِل عن هذه الآية: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا}. قال: لا أظن إلا أنّ الخوارج منهم». [أخرجه عبد الرزاق 1/ 413]
وهذه نزلت في الكفار، قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ}الآيات
(4)
«عن عبد الله بن عباس في قوله {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} قال: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدع والضلالة». [أخرجه ابن أبي حاتم 3/ 729]
وهذه في الكفار، فقد قال تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَففَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}
والشواهد أكثر من أن تُحصى
والله تعالى أعلم.
كُتِب في: 2024-04-23
منقول من موقع الشيخ محمد بن شمس الدين
اليوم في 2:14 pm من طرف عبدالله الآحد
» خطر الشرك والخوف من الوقوع فيه
أمس في 3:17 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
أمس في 12:53 pm من طرف صادق النور
» إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن الشرك سيظهر في هذه الأمة بعد إخفائه واندحاره
السبت نوفمبر 23, 2024 2:19 pm من طرف عبدالله الآحد
» فضل توحيد الله سبحانه
الجمعة نوفمبر 22, 2024 3:20 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب الدعوة إلى توحيد الله سبحانه
الخميس نوفمبر 21, 2024 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد