خامساً .. الاشتراطُ في الحَجِّ والعُمْرَةِ
المَطْلَب الأوَّل: حُكْمُ الاشتراطِ في الحَجِّ والعُمْرَة وفائدته
الفرع الأول: حُكْمُ الاشتراطِ في الحَجِّ والعُمْرَة
يصحُّ الاشتراطُ
في الحَجِّ والعُمْرَة، وهذا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة، والظَّاهِريَّة، وبه قالَتْ طائِفةٌ مِنَ السَّلَف
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((دخل النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم على ضباعة بنت الزبير، فقالت: يا رَسولَ الله إني أريد الحَجّ وأنا شاكية؟ فقال النبي صلَّى الله عليه وسَلَّم: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني ))
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
1- عن سُوَيدِ بْنِ غَفَلةَ، قال: ((قال لي عُمَرُ بنُ الخطَّابِ: يا أبا أُمَيَّةَ حُجَّ واشتَرِطْ؛ فإنَّ لك ما اشترَطْتَ، ولله عليك ما اشتَرَطْتَ))
2- عن ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((حُجَّ واشتَرِطْ، وقل: اللهمَّ، الحَجَّ أرَدْتُ، وله عَمَدْتُ، فإنْ تَيَسَّرَ وإلَّا فعُمْرَةٌ))
3- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّها قالت لعُروةَ: ((هل تَسْتَثني إذا حَجَجْتَ؟ فقال: ماذا أقولُ؟ قالت: قل: اللهمَّ، الحَجَّ أردْتُ، وله عَمَدْتُ، فإن يَسَّرْتَه فهو الحَجُّ، وإنْ حَبَسَني حابسٌ، فهو عُمْرَةٌ))
ثالثًا: أنَّه لو نذَرَ صَوْمَ يومٍ أو أيَّامٍ بِشَرْطِ أن يخرُجَ منه بعُذْرٍ؛ صَحَّ الشَّرْطُ، وجاز الخروجُ منه بذلك العُذْرِ بلا خلافٍ، فكذا الاشتراطُ في النُّسُكِ
رابعًا: أنَّ للشَّرْطِ تأثيرًا في العباداتِ؛ بدليلِ قَولِه: إنْ شَفى اللهُ مريضي صُمْتُ شَهْرًا ونَحْوه
الفرع الثاني: فائدة الاشتراط
فائدةُ الاشتراطِ: أنَّه إذا حُبِسَ عن النُّسُك بعُذْرٍ؛ فإنَّه يَحِلُّ منه، وليس عليه هَدْيٌ ولا صَوْمٌ،
ولا قضاءٌ، ولا غيره، وهذا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة، واختارَه ابنُ حزمٍ، وابنُ القَيِّمِ، وابنُ عُثيمين؛
وذلك لأنَّ للشَّرْطِ تأثيرًا في العبادات، وإنما لم يَلْزَمْه هديٌ ولا قضاءٌ؛ لأنَّه إذا شرَط شرطًا كان إحرامُه الذي فَعَلَه إلى حينِ وُجودِ الشَّرْطِ، فصار بمنزلة مَن أكمَلَ أفعالَ الحَجِّ
المَطْلَب الثَّاني: متى يُشرَعُ الاشتراطُ؟
يُشْرَعُ الاشتراطُ إذا خاف المانِعَ من إتمامِ النُّسُكِ، وهذا اختيارُ ابنِ تيميَّة، وابنِ القَيِّمِ، وابنِ باز، وابنِ عُثيمين
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((دخلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم على ضُباعةَ بنتِ الزُّبيرِ، فقالت: يا رَسولَ الله، إنِّي أريد الحَجَّ وأنا شاكيةٌ؟ فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم: حُجِّي واشترطي أنَّ مَحَلِّي حيثُ حبَسْتَني ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه إنما أشار إليها بالاشتراطِ لَمَّا رآها شاكيةً، تخافُ المانِعَ من إتمامِ النُّسُكِ
ثانيًا: أنَّ الرسولَ صلَّى الله عليه وسَلَّم أحرَمَ بِعُمَرِهِ كلِّها، حتى في الحُدَيْبِيَةِ أحرَمَ، ولم يَقُلْ: إن حبسَني حابسٌ،
وكذلك في عُمْرَةِ القضاءِ، وعُمْرَة الجِعْرَانةِ، وحَجَّةِ الوداع، ولم يُنقَل عنه أنَّه قال: وإنْ حَبَسَني حابِسٌ، ولا أَمَرَ به أصحابَه أمرًا مُطْلقًا، بل أَمَرَ به مَن جاءَت تستفتي؛ لأنَّها مريضةٌ تخشى أن يشتَدَّ بها المرضُ، فلا تُكْمِلَ النُّسُكَ
فرع أول: تعليقُ التحلُّلِ بمرضٍ ونحوِه
إن قال: إنْ مَرِضْتُ ونحوه فأنا حلالٌ، فمتى وُجِدَ الشَّرْطُ حَلَّ بوجودِه،
أمَّا إن قال: فلي أن أَحِلَّ، أو محلِّي حيثُ حَبَسْتَني؛ فهو مُخَيَّر بين البقاءِ على إحرامِه وبين التحلُّلِ،
وهذا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة في الأصحِّ، والحَنابِلَة، وقرَّرَه ابنُ عُثيمين؛ وذلك لأنَّه في الحالِ الأُولى علَّقَ الحِلَّ على شَرْطٍ فوُجِدَ الشَّرْطُ،
فإذا وُجِدَ الشَّرْطُ وُجِدَ المشروطُ، وأمَّا في الثَّانية فإنَّه إذا وُجِدَ المانعُ، فهو بالخيارِ؛ إن شاء أحَلَّ، وإن شاء استمَرَّ
فرع ثاني: تعليقُ التحلُّلِ بمشيئتِه
لا يصِحُّ أن يُقالَ: لي أنْ أَحِلَّ متى شِئْتُ؛ نَصَّ على هذا فُقَهاءُ الشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة
وذلك لأنَّه ينافي مُقْتَضى الإحرامِ
تمهيدٌ: في تعريفِ المحظوراتِ، والفِدْيةِ، وأنواعِهما في الحج
المبحث الأوَّل: تعريفُ مَحظوراتِ الإحرامِ والفِدْيةِ
المَطْلَب الأوَّل: تعريفُ محظوراتِ الإحرامِ
المحظوراتُ لغةً: جمعُ محظورٍ، وهو الممنوعُ
، وهو من مرادفاتِ الحرامِ
ومحظوراتُ الإحرامِ اصطلاحًا: هي الممنوعاتُ التي يجِبُ على الْمُحْرِمِ اجتنابُها؛ بسبب
إحرامِه ودُخُولِه في النُّسُكِ
المَطْلَب الثَّاني: تعريفُ الفِدْيةِ
الفِدْيةُ لغةً: أصْلُ الفِدْيةِ لغةً أن يُجعَلَ شيءٌ مكانَ شَيءٍ حِمًى له، ومنه فِدْيَةُ الأسيرِ، واستنقاذُه بمالٍ
الفِدْيةُ اصطلاحًا: هي ما يجِبُ لفِعْلِ محظورٍ أو تَرْكِ واجبٍ، وسُمِّيَت فديةً؛
لقوله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196]
المبحث الثَّاني: عددُ مَحظوراتِ الإحرامِ
محظوراتُ الإحرامِ التي تعُمُّ الرِّجالَ والنِّساءَ سَبْعةٌ:
1-حَلْقُ الشَّعْرِ.
2-تقليمُ الأظفارِ.
3-الطِّيبُ.
4-الصَّيدُ.
5-عقدُ النِّكاحِ.
6-الجِماعُ.
7-المُباشَرَةُ.
المحظوراتُ التي تختَصُّ بالرِّجالِ اثنتان:
1-لُبْسُ المَخِيطِ.
2-تَغْطيةُ الرَّأْسِ.
المحظوراتُ التي تختصُّ بالنِّساءِ اثنتان:
1-النِّقابُ.
2-لُبْسُ القُفَّازين
المبحث الثَّالِث: أقسامُ محظوراتِ الإحرامِ باعتبارِ الفِدْيةِ
تنقَسِمُ محظوراتُ الإحرامِ باعتبارِ الفِدْيةِ إلى أربعَةِ أقسامٍ:
القِسْم الأوَّل: ما فِدْيَتُه فِدْيةُ أذًى (فِدْيةُ الأذى: هي الدَّمُ، أو الإطعامُ، أو الصِّيامُ)
القِسْم الثَّاني: ما فِدْيَتُه الجزاءُ بِمِثْلِه: وهو الصَّيْدُ
القِسْم الثَّالِث: ما لا فِدْيَةَ فيه: وهو عَقْدُ النِّكاحِ
القِسْم الرَّابِع: ما فِدْيَتُه مغلَّظةٌ: وهو الجِماعُ
أنواعُ محظوراتِ التَّرفُّهِ، وما يجبُ فيها
المَطْلَب الأوَّل: أنواعُ محظوراتِ التَّرفُّهِ
تشمل محظوراتُ الترفُّهِ خَمسةَ محظوراتٍ:
المحظورُ الأوَّل: حَلْقُ الشَّعْر
المحظورُ الثَّاني: تقليمُ الأظْفارِ
المحظورُ الثَّالِث: الطِّيبُ
المحظورُ الرَّابِع: تغطيةُ الرَّأسِ
المحظور الخامس: لُبْسُ المَخيطِ
المَطْلَب الثَّاني: ما يجبُ على من ارتكَبَ شيئًا مِن محظوراتِ الترفُّهِ
مَن حَلَق أو قلَّم أظفارَه أو غطَّى رأسَه أو تطَيَّبَ أو لَبِسَ مَخِيطًا، فإنَّه يجب عليه في كلِّ ذلك فِدْيَةُ الأذى،
فيُخيَّرُ بين: صيامِ ثلاثةِ أيَّامٍ، أو إطعامِ سِتَّةِ مساكينَ- لكلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ- أو ذَبْحِ شاةٍ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَة من: الحَنَفيَّة والمالِكِيَّة، والشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة، وبه قال أكثرُ الفُقَهاء
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قولُه تعالى: وَلَا تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ[ البقرة:196]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عبدِ اللهِ بنِ مَعْقِل، قال: جلسْتُ إلى كعْبِ بنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، فسألتُه عن الفِدْيَة، فقال: ((نزلت فيَّ خاصَّةً، وهي لكم عامَّةٌ؛ حُمِلتُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم والقَمْلُ يتناثَرُ على وجهي، فقال: ما كنتُ أُرَى الوجَعَ بَلَغَ بك ما أَرَى- أو ما كنتُ أُرى الجَهْدَ بلغَ بك ما أَرَى- تَجِدُ شاةً؟ فقُلْتُ: لا، فقال: فصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ، أو أطعِمْ سِتَّةَ مساكينَ؛ لكُلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ ))
المَطْلَب الثَّالِث: توزيعُ صَدَقَةِ فِدْيةِ الأذى على مساكينِ الحَرَمِ
يُشْتَرَط أن توزَّعَ صدقةُ فِدْيَةِ الأذى على مساكينِ الحَرَمِ، وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة، واختاره الشِّنْقيطيُّ، وابنُ باز، وابن عُثيمين
الدَّليلُ مِنَ الكِتابِ:
قولُه تعالى: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: 95]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ في حُكْمِ الهَدْيِ ما كان بدلًا عنه من الإطعامِ، فيجب أن يكون كذلك بالِغَ الكعبةِ
المَطْلَب الرَّابِع: موضِعُ صيامِ فِدْيَةِ الأذى وصِفَتُه
الفرع الأول:
موضِعُ صيامِ فِدْيَةِ الأذى
يجوز صيامُ فِدْيَةِ الأذى في أيِّ موضعٍ.
الأدلة:
أولًا: من الإجماع
نقلَ الإجماعَ على ذلك: ابن جرير، والعيني، والشنقيطي
الفرع الثاني: صيام فدية الأذى مفرَّقًا ومتتابعًا
يجوز صيامُ فِدْيَةِ الأذى مُفرَّقًا ومُتتابِعًا، باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قوله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196]
وجه الدلالة:
أنه أطلق اسْم الصَّوْمِ فِي النَّصِّ فدل على جواز التَّتَابُعُ وَالتَّفَرُّقُ
ثانيًا: أن الأصل عدم التتابع فالله تعالى لما أراد التتابع قال: فصيام شهرين متتابعين [المجادلة: 4]، ولما أراد الإطلاق قال: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196]
ثالثًا: أنَّ الصيامَ لا يتعدَّى نفعُه لأحدٍ؛ لذا لا يُقتَصَر على مكانٍ بِعَينِه
المَطْلَب الخامِسُ: ارتكابُ محظوراتِ فِدْيةِ الأذى عَمْدًا
لا فَرْقَ في التخييرِ في فِديَة الأذى بين من ارتَكَبَ المحظورَ بعُذرٍ، أو كان عَمْدًا، وهذا مَذْهَبُ الجُمْهورِ: المالِكِيَّة، والشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة؛ وذلك لأنَّ الله تعالى أوجَبَ الفِدْيةَ على من حَلَقَ رأسَه لأذًى به وهو معذورٌ، فكان ذلك تنبيهًا على وُجوبِها على غيرِ المعذورِ
المَطْلَب السَّادِسُ: فِعْلُ المحظوراتِ نِسْيانًا أو جَهْلًا أو إكراهًا
مَن فَعَلَ شيئًا من محظوراتِ الإحرامِ ناسيًا أو جاهلًا أو مُكرَهًا فلا شيءَ عليه، سواءٌ كان صيدًا أو جِماعًا أو غَيْرَهما، وسواء كان فيه إتلافٌ أو لم يكُنْ، وهو مَذْهَبُ الظَّاهِريَّةِ، وطائفةٍ مِنَ السَّلَف، واختارَه ابنُ المُنْذِر، وابنُ عُثيمين
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
1- قَوْلُه تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286] ، فقال الله: ((قد فعلْتُ ))
2- قَوْلُه تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب: 5]
3- قَوْلُه تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ [النحل: 106]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الكُفْرَ إذا كان يسقُطُ مُوجِبُه بالإكراهِ، فما دونه من بابِ أَوْلى
4- قَوْلُه تعالى في قَتْلِ الصَّيدِ: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة: 95]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ قوله: مُتَعَمِّدًا وصفٌ مناسبٌ للحُكْمِ، فوجب أن يكون معتَبَرًا؛ لأنَّ الأوصافَ التي عُلِّقَتْ بها الأحكامُ إذا تبَيَّنَ مناسَبَتُها لها، صارت علةً موجِبةً، يوجد الحُكْمُ بوجودِها، وينتفي بانتفائِها، وإلَّا لم يكن للوَصْفِ فائدةٌ
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَن عُمَرَ بْنِ الخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((أين الذي سأل عن العُمْرَةِ؟ فأُتِيَ برجل، فقال: اغسِلِ الطِّيبَ الذي بك ثلاثَ مرَّاتٍ، وانزِعْ عنك الجُبَّة، واصنَعْ في عُمْرَتِك كما تصنَعُ في حجَّتِك، قلتُ لعطاءٍ: أراد الإنقاءَ حين أمره أن يغْسِلَ ثلاثَ مرَّاتٍ؟ قال: نعم ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه لم يأمُرِ الرجُلَ الذي لَبِسَ الجبَّة وتضمَّخَ بالطِّيبِ بالكفَّارة؛ وذلك بسبَبِ جَهْلِه بالحُكْم، واكتفى بأمْرِه أن ينزِعَ الجبَّة، وأن يغسِلَ
عنه أثَرَ الطِّيبِ
2- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أنَّه قال: ((إنَّ اللهَ وضع عن أمَّتي
الخطَأَ والنِّسيانَ وما استُكْرِهوا عليه
))
ثالثًا: مِنَ الآثارِ
عن قَبيصَةَ بن جابرٍ الأَسديِّ: (أنَّه سمِعَ عُمَرَ بنَ الخطَّاب, ومعه عبدُ الرَّحمن بنُ عوفٍ, وعُمَرُ يسأل رجلًا قتلَ ظبْيًا وهو مُحْرِمٌ، فقال له عمر: أعَمْدًا قتلْتَه أم خطأً؟ قال الرجلُ: لقد تعمَّدْتُ رمْيَه، وما أردْتُ قَتْلَه, فقال عُمَرُ: ما أَراك إلَّا قد أشرَكْتَ بين العَمْدِ والخطأِ; اعمِدْ إلى شاةٍ فاذْبَحْها، وتصَدَّقْ بلَحْمِها وأسْقِ إهابَها)
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه لو كان العمْدُ والخطأُ في ذلك سواءً عند عمر؛ لَما سأَلَه (أعَمْدًا قتلْتَه أم خطأً؟)، وكان ذلك فضولًا من السُّؤالِ لا معنى له
رابعًا: أنَّ الكفَّارة إنَّما تَجِبُ إذا وقعت الجنايةُ بارتكابِ المحظورِ؛ لفداءِ النَّفْسِ من المخالَفَةِ وللتَّكفيرِ عن الذَّنْبِ، ومع الجَهْلِ أو النسيانِ أو الإكراهِ لا جنايةَ؛ لأنَّهم لم يتعمَّدوا المخالَفةَ فلا معنى للكفَّارة
خامسًا: أنَّ ما سِوى هذا القَولِ ظاهِرُ الفسادِ والتَّناقُضِ، فما يُرَخِّصُ به أحدُهم في حالٍ، يمنَعُه الآخَرُ
المَطْلَب السابع: تَكرارُ المحظورِ
الفرع الأوَّل: تَكرارُ محظورٍ مِن جنسٍ واحدٍ
إذا كرَّرَ محظورًا مِن جنسٍ واحدٍ، كلُبْسِ قَميصٍ، ولُبْسِ سراويلَ، ولم يَفْدِ فإنَّه يفدي مرةً واحدةً، أمَّا إنْ فدى عن الأَوَّلِ فعليه للثَّاني فِدْيَةٌ، وهو مَذْهَبُ الحَنابِلَة، وبه قال محمَّدُ بنُ الحَسَنِ الشَّيبانيُّ من الحَنَفيَّة، وهو قَوْلُ الشَّافعي في القديمِ، واختارَه ابنُ باز، وابنُ
عُثيمين
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قولُه تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ اللهَ تعالى أوجَبَ لحَلْقِ الرَّأسِ فديةً واحدةً، ولم يُفَرِّقْ بين ما وقع في دَفعةٍ أو دفعاتٍ، ثمَّ إنَّ الحَلْقَ لا يكون إلَّا شيئًا بعد شيءٍ، فهو ارتكابُ محظوراتٍ متتاليةٍ من جنسٍ واحدٍ، ومع ذلك لم يُوجِبْ فيه إلَّا فديةً واحدةً
ثانيًا: أنَّ ما تداخَلَ متتابعًا، كحَلقِ شَعَراتٍ، تداخَلَ متَفَرِّقًا، كالأحداثِ والحُدودِ
فإنْ كَفَّرَ عن الأوَّلِ ثمَّ ارتكبَ المحظورَ فإنَّه يلزَمُه فديةٌ أخرى؛ للآتي:
أوَّلًا: أنَّه بالمحظورِ الثَّاني صادف إحرامًا؛ فوجَبَتْ فيه الفِدْيةُ، كما وجَبَت على المحظورِ الأوَّلِ، وقياسًا على الحدودِ والأيمانِ
ثانيًا: أنَّه لَمَّا كفَّرَ للأَوَّلِ فقد التحقَ المحظورُ الأوَّلُ بالعَدَم؛ فيُعتَبَر الثَّاني محظورًا آخَرَ مُبتدَأً، كما إذا جامَعَ في يومينِ مِن شَهرِ رَمضانَ
الفرع الثَّاني: تَكرارُ محظورٍ مِن أجناسٍ مُختلفةٍ
إذا كرَّر محظورًا من أجناسٍ مختلفة؛ كطِيبٍ، ولُبسِ مَخِيطٍ، فإنَّه يَفْدي لكلِّ محظورٍ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة،
والمالِكِيَّة، والشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّها محظوراتٌ مختلفةُ الأجناسِ، فلم تتداخَلْ أجزاؤُها؛ كالحدودِ المختلفةِ
ثانيًا: أنَّ السَّببَ الموجِبَ للكفَّارة الثَّانية غيرُ عَيْنِ السَّبَبِ الموجِبِ للكفَّارةِ الأولى، أشْبَه ما لو حَلَف ثم حَنِثَ وكفَّر، ثم حلَفَ وحَنِثَ
الفرع الثَّالِث: أن يكونَ المحظورُ صَيدًا
إذا كان المحظورُ صَيدًا، فإنَّ الفِديةَ تتعَدَّدُ بتعدُّدِ الصَّيدِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة، والمالِكِيَّة، والشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة: 95]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الآيةَ تدلُّ على أنَّ مَن قتل صيدًا لَزِمَه مِثْلُه, ومَن قَتلَ أكثَرَ لَزِمَه مِثلُ ذلك
ثانيًا: أنَّه لو قَتلَ أكثَرَ معًا تعدَّدَ الجزاءُ, فمُتَفَرِّقًا أَوْلى؛ لأنَّ حالَ التفريقِ ليس أنقَصَ كسائِرِ المحظوراتِ
ثالثًا: أنَّها كفَّارةُ قَتْلٍ, كقَتْلِ الآدميِّ, أو بدَل مُتْلَفٍ, كبَدلِ مالِ الآدميِّ؛ فتتعَدَّد
-------------------
المحظور الثاني حَلْقُ الشَّعْر
المَطْلَب الأوَّل: حَلْقُ شَعْرِ الرَّأسِ
الفرع الأوَّل: حُكْمُ حَلْقِ شَعْرِ الرَّأسِ للمُحرِم
حَلْقُ شَعْرِ الرَّأسِ من محظوراتِ الإحرامِ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قولُه تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة: 196]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ، رَضِي اللَّه عنه، قال: ((أتى عليَّ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم زمنَ الحُدَيبِيَةِ والقَمْلُ يتناثَرُ على وجهي فقال: أيُؤْذيك هوامُّ رَأسِك؟ قُلْتُ: نعم. قال: فاحْلِقْ، وصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ، أو أطعِمْ سِتَّةَ مساكينَ، أو انْسُكْ نَسيكَةً ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه رتَّبَ فديةَ الأذى على حَلْقِ الرَّأسِ
ثالثا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنْذِر, والنَّوَوِيُّ
الفرع الثَّاني: حُكْمُ أَخْذِ شَعَراتٍ مِنَ الرَّأسِ
إذا أخذ شعَراتٍ مِن رأَسْه فإنَّه يَحْرُمُ عليه؛ لأنَّ الْمُحْرِمَ نُهِيَ عن حَلْقِ شَعْر رأسِه، وهو يشمَلُ القليلَ والكثيرَ،
والقاعدةُ أنَّ امتثالَ الأمرِ لا يتِمُّ إلا بفِعلِ جَميعِه، وامتثالَ النَّهْيِ لا يتِمُّ إلَّا بتَرْكِ جميعِه، لكِنَّ الفِدْيةَ لا تجِبُ إلَّا بحَلقِ ما يحصُلُ به الترفُّهُ وزَوالُ الأذى
المَطْلَب الثَّاني: حَلْقُ شَعْرِ غَيرِ الرَّأسِ
الفرع الأوَّل: حُكْمُ حَلْقِ شَعْرٍ غَيرِ شَعْرِ الرَّأسِ
اختلف أَهْل العِلْم في حَلْقِ شَعْرٍ غيرِ شَعْرِ الرَّأسِ هل هو من محظوراتِ الإحرامِ أو لا على قولين:
القول الأوّل: أنَّه محظورٌ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَة: الحَنَفيَّة، والمالِكِيَّة، والشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة، وحُكِيَ فيه الإجماعُ
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الآثارِ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّه قال في قوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ [الحَجُّ: 29]: (التَّفَثُ: الرَّمْيُ، والذَّبْح، والحَلْق والتَّقصير، والأخذُ مِنَ الشَّارب، والأظفارِ، واللِّحْيَة)
ثانيًا: قياسًا لشعْرِ الجَسَد على شعْرِ الرأس؛ بجامعِ أنَّ الكُلَّ يحصُلُ بحَلْقِه الترفُّه، والتنظُّف، وهو ينافي الإحرامَ؛ لكون المُحْرِم أشعَثَ أغبَرَ
القول الثاني: أنَّه لا يُحظَرُ حَلْقُ غيرِ شَعرِ الرَّأسِ، وهذا مَذْهَبُ أهلِ الظَّاهِرِ، وقوَّاه ابنُ عُثيمين
الأدلَّة:
أوَّلًا: أنَّ النصَّ جاءَ بتحريمِ حَلْقِ الرأس فقط، ولا يصِحُّ قياسُ غيرِه عليه؛ لأنَّ حَلْقَ الرَّأسِ يتعلَّقُ به نُسُكٌ، وهو الحَلْقُ أو التَّقصيرُ، فإنَّ المُحْرِمَ إذا حلَقَ رأسَه فإنَّه يُسقِطُ به نُسُكًا مشروعًا، وغيرُه لا يساويه في ذلك
ثانيًا: أنَّ الأصلَ الحِلُّ، فلا يُمنَع أحدٌ مِن أخْذِ شيءٍ مِن شَعْرِه إلَّا بدليلٍ
ثالثًا: أنَّ المُحْرِمَ ليس ممنوعًا من الترفُّه في الأكلِ؛ فله أن يأكُلَ مِنَ الطَّيِّباتِ ما شاء، ولا من الترفُّه في اللِّباسِ؛ فله أن يَلْبَسَ من الثيابِ التي تجوزُ في الإحرامِ ما يشاءُ، ولا من الترفُّه بإزالة الأوساخِ؛ فله أن يغتَسِلَ ويُزيلَ الأوساخَ
المَطْلَب الثَّالِث: ما يجبُ مِنَ الفِديَةِ في حَلْقِ شَعْرِ الرَّأسِ
يجبُ في حَلْقِ شعْرِ الرَّأسِ فديةُ الأذى: ذبحُ شاةٍ، أو صيامُ ثلاثةِ أيَّامٍ، أو إطعامُ ستَّةِ مساكينَ.
الأدلَّة
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قولُه تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن كعْبِ بنِ عُجْرَة رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أتى عليَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم زَمَنَ الحُدَيْبِيَة والقَمْلُ يتناثَرُ على وجهي، فقال: أيؤذيكَ هوامُّ رأسِك؟ قُلْتُ: نعم. قال: فاحْلِقْ، وصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ، أو أطْعِمْ سِتَّةَ مَساكينَ، أو انْسُكْ نَسيكَةً ))
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنْذِر، وابنُ عَبْدِ البَرِّ
المَطْلَب الرَّابِعُ: متى تجِبُ الفِدْيةُ في حَلْقِ الشَّعْرِ؟
تجبُ الفِدْيةُ في حلْقِ الشَّعْرِ إذا حلَقَ ما يحصُلُ به إماطةُ الأذى، وهو مَذْهَبُ المالِكِيَّة، واختارَه ابنُ حزمٍ، وابنُ عَبْدِ البَرِّ، وابنُ
عُثيمين
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قولُه تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ حلْقَ شَعْرِ الرَّأسِ مِن أذًى به، لا يكونُ إلَّا بمقدارِ ما يُماطُ به الأذى
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن كعْبِ بنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أتى عليَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم زَمَنَ الحُدَيْبِيَة والقَمْلُ يتناثَرُ على وجهي،
فقال: أيؤذيكَ هوامُّ رأسِك؟ قُلْتُ: نعم. قال: فاحْلِقْ، وصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ، أو أطْعِمْ سِتَّةَ مَساكينَ، أو انْسُكْ نَسيكَةً ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الكفَّارة إنما تجِبُ في حَلْقِ الرَّأسِ في مِثلِ ما أوجَبَه رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم على كعْبِ بنِ عُجْرَةَ، وهو حلْقُ ما يُماطُ به الأذى
2- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسَلَّم احتجَمَ- وهو مُحْرِمٌ- في رأسِه ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الحِجَامةَ في الرَّأْسِ من ضرورتِها أن يُحلَقَ الشَّعْرُ من مكانِ المَحاجِم، ولا يُمكِنُ سِوى ذلك، ولم يُنقَلْ عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أنَّه افتدى؛ لأنَّ الشَّعْرَ الذي يُزالُ من أجْلِ المَحاجِم لا يُماطُ به الأذى، فهو قليلٌ بالنِّسبةِ لبَقِيَّةِ الشَّعْرِ
المَطْلَب الخامسُ: غَسْلُ رأسِ المُحْرِمِ وتَخْليلُه
لا بأْسَ أن يَغْسِلَ المُحْرِم رأسَه، ويُخَلِّلَه ويَحُكُّه برِفْقٍ، وهذا مَذْهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة، والشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة، والظَّاهِريَّة،
وقولٌ للمالِكِيَّة، وهو قَوْلُ جماعةٍ مِنَ السَّلَف
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عبدِ اللهِ بنِ حُنينٍ: ((أنَّ عبدَ اللهِ بنَ العبَّاسِ والْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمةَ اختلفا بالأبواءِ، فقال عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ: يَغْسِلُ المُحْرِمُ رأسَه، وقال الْمِسْوَرُ: لا يَغْسِلُ المُحْرِمُ رأسَه، فأرسَلَني عبدُ اللهِ بنُ العبَّاسِ إلى أبي أيُّوبَ الأنصاريِّ، فوجَدْتُه يغتَسِلُ بين القَرْنينِ
وهو يُسْتَرُ بثوبٍ، فسَلَّمْتُ عليه، فقال: مَنْ هذا؟ فقُلْتُ: أنا عبدُ اللهِ بنُ حُنَينٍ، أرسلَني إليك عبدُ اللهِ بنُ العبَّاسِ أسألُك:
كيف كان رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم يغْسِلُ رأسَه وهو مُحْرِمٌ؟ فوضع أبو أيُّوبَ يَدَه على الثَّوْبِ فطأطأَه حتى بدا لي رأسُه،
ثم قال لإنسانٍ يَصُبُّ عليه: اصْبُبْ، فصَبَّ على رأْسِه، ثم حَرَّكَ رأسَه بِيَدَيْه، فأقبَلَ بهما وأدبَرَ،
وقال: هكذا رأيتُه صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم يفعَلُ ))
2- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها ((أنَّها حاضت ولم تطْهُرْ حتى دخلَتْ ليلةُ عرفةَ، فقالت: يا رَسولَ الله، هذه ليلةُ عَرَفةَ، وإنَّما كنتُ تمتَّعْتُ بعُمْرَةٍ، فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم: انقُضي رأسَكِ، وامتَشِطي، وأَمْسِكي عن عُمْرَتِكِ ))
93366]]وَجْهُ الدَّلالَةِ:[/right]
أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم أمَرَها بأن تنقُضَ رأسَها، وتمتَشِطَ وهي مُحرِمةٌ
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (المُحْرِمُ يدخُلُ الحمَّامَ، ويَنْزِعُ ضِرسَه، ويشم الريحان، وإذا انكسر ظُفْرُه طَرَحه،
ويقول: أميطوا عنكم الأذى؛ فإنَّ اللهَ لا يَصنَعُ بأذاكم شيئًا)
- أنَّه قولُ ابنِ عباسٍ، وأبي أيوبَ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنهما، كما تقدَّمَ ذِكْرُ ذلك عنهم في القِصَّة التي جرت بينهم في الأبواءِ.
المحظور الثالث : تقليمُ الأظْفارِ
المَطْلَب الأوَّل: حُكْمُ إزالةِ الأظفارِ للمُحْرِم
المُحْرِمَ ممنوعٌ من إزالةِ أظفارِه
، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة، والمالِكِيَّة، والشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة، وحُكِيَ فيه الإجماعُ
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قولُه تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحَجُّ: 29]
ثالثًا: مِنَ الآثارِ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّه قال في تفسيرِ آيةِ الحَجِّ: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ: (التَّفَثُ: الرَّمْيُ، والذَّبْحُ، والحَلْق والتَّقصيرُ، والأخْذُ
من الشارِبِ، والأظفارِ، واللِّحيةِ)
وجهُ الدَّلالَة مِنَ الآيةِ والأثَرِ:
أنَّ قَلْمَ الأظفارِ مِن قضاءِ التَّفَثِ كما جاء عنِ ابنِ عبَّاسٍ وغيرِه مِنَ السَّلَفِ، وقد رتَّبَ اللهُ تعالى قضاءَ التَّفَثِ على الذَّبْحِ؛ لأنَّه ذَكَرَه بكلمةٍ موضوعةٍ للتَّرتيبِ مع التَّراخي؛ مِمَّا يدُلُّ على كَوْنِ قَصِّ الأظفارِ ونحوه ينبغي أن يكونَ بعد النَّحْرِ
رابعا: أنَّه إزالةُ جزءٍ ينمو مِن بَدَنِه، يقضي به تَفَثَه، ويَتَرَفَّهُ بإزالَتِه، أشْبَهَ الشَّعْرَ
المَطْلَب الثَّالِث: ما يجِبُ من الفِدْيةِ في تقليمِ الأظفارِ:
يجبُ في تقليمِ الأظفارِ فِديةُ الأذى، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة، والمالِكِيَّة، والشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة، وبه قال أكثرُ أَهْلِ العِلْمِ؛ وذلك لأنَّه أزال ما مُنِعَ إزالَتُه لأجلِ الترفُّهِ، فوجبت عليه الفِدْيةُ؛ كحَلْقِ الشَّعْر، وعدمُ النَّصِّ لا يمنَعُ قياسَه على المنصوصِ؛
كشَعْرِ البَدَنِ مع شَعْرِ الرَّأْسِ
المَطْلَب الرَّابِع: قَصُّ ما انكسَرَ مِنَ الظُّفْرِ
إنِ انكسَرَ ظُفْرُه فله قَصُّ ما انكسَرَ منه، ولا شيءَ عليه.
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قولُه تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185]
وانكسارُ الظُّفْرِ يَغْلِبُ في الأسفارِ، وهذا يوجِبُ الرُّخْصةَ فيه
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (المُحْرِمُ يدخُلُ الحمَّامَ، ويَنْزِعُ ضِرسَه، ويَشَمُّ الرَّيحانِ، وإذا انكسر ظُفُرُه طَرَحه،
ويقول: أميطُوا عنكم الأذى؛ فإنَّ اللهَ لا يَصنَعُ بأذاكم شيئًا)
63366]]وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه قولُ صحابيٍّ، ولا يُعرَفُ له مخالِفٌ من الصَّحابَةِ رَضِيَ اللهُ عنهم
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنْذِر وابنُ قُدامة
رابعًا: أنَّ بقاءَه يُؤلِمُه، أشْبَهَ الشَّعْرَ النَّابِتَ في عَينِه
خامسًا: أنَّه إزالةٌ لأذاه، فلم يكُنْ عليه فِدْيةٌ؛ كقَتْلِ الصَّيدِ الصَّائِلِ
سادسًا: أنَّه بعد الكَسْرِ لا ينمو، فهو كحَطَبِ شَجَرِ الحَرَمِ
[/right]
المَطْلَب الأوَّل: حُكْمُ الاشتراطِ في الحَجِّ والعُمْرَة وفائدته
الفرع الأول: حُكْمُ الاشتراطِ في الحَجِّ والعُمْرَة
يصحُّ الاشتراطُ
في الحَجِّ والعُمْرَة، وهذا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة، والظَّاهِريَّة، وبه قالَتْ طائِفةٌ مِنَ السَّلَف
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((دخل النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم على ضباعة بنت الزبير، فقالت: يا رَسولَ الله إني أريد الحَجّ وأنا شاكية؟ فقال النبي صلَّى الله عليه وسَلَّم: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني ))
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
1- عن سُوَيدِ بْنِ غَفَلةَ، قال: ((قال لي عُمَرُ بنُ الخطَّابِ: يا أبا أُمَيَّةَ حُجَّ واشتَرِطْ؛ فإنَّ لك ما اشترَطْتَ، ولله عليك ما اشتَرَطْتَ))
2- عن ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((حُجَّ واشتَرِطْ، وقل: اللهمَّ، الحَجَّ أرَدْتُ، وله عَمَدْتُ، فإنْ تَيَسَّرَ وإلَّا فعُمْرَةٌ))
3- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّها قالت لعُروةَ: ((هل تَسْتَثني إذا حَجَجْتَ؟ فقال: ماذا أقولُ؟ قالت: قل: اللهمَّ، الحَجَّ أردْتُ، وله عَمَدْتُ، فإن يَسَّرْتَه فهو الحَجُّ، وإنْ حَبَسَني حابسٌ، فهو عُمْرَةٌ))
ثالثًا: أنَّه لو نذَرَ صَوْمَ يومٍ أو أيَّامٍ بِشَرْطِ أن يخرُجَ منه بعُذْرٍ؛ صَحَّ الشَّرْطُ، وجاز الخروجُ منه بذلك العُذْرِ بلا خلافٍ، فكذا الاشتراطُ في النُّسُكِ
رابعًا: أنَّ للشَّرْطِ تأثيرًا في العباداتِ؛ بدليلِ قَولِه: إنْ شَفى اللهُ مريضي صُمْتُ شَهْرًا ونَحْوه
الفرع الثاني: فائدة الاشتراط
فائدةُ الاشتراطِ: أنَّه إذا حُبِسَ عن النُّسُك بعُذْرٍ؛ فإنَّه يَحِلُّ منه، وليس عليه هَدْيٌ ولا صَوْمٌ،
ولا قضاءٌ، ولا غيره، وهذا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة، واختارَه ابنُ حزمٍ، وابنُ القَيِّمِ، وابنُ عُثيمين؛
وذلك لأنَّ للشَّرْطِ تأثيرًا في العبادات، وإنما لم يَلْزَمْه هديٌ ولا قضاءٌ؛ لأنَّه إذا شرَط شرطًا كان إحرامُه الذي فَعَلَه إلى حينِ وُجودِ الشَّرْطِ، فصار بمنزلة مَن أكمَلَ أفعالَ الحَجِّ
المَطْلَب الثَّاني: متى يُشرَعُ الاشتراطُ؟
يُشْرَعُ الاشتراطُ إذا خاف المانِعَ من إتمامِ النُّسُكِ، وهذا اختيارُ ابنِ تيميَّة، وابنِ القَيِّمِ، وابنِ باز، وابنِ عُثيمين
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((دخلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم على ضُباعةَ بنتِ الزُّبيرِ، فقالت: يا رَسولَ الله، إنِّي أريد الحَجَّ وأنا شاكيةٌ؟ فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم: حُجِّي واشترطي أنَّ مَحَلِّي حيثُ حبَسْتَني ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه إنما أشار إليها بالاشتراطِ لَمَّا رآها شاكيةً، تخافُ المانِعَ من إتمامِ النُّسُكِ
ثانيًا: أنَّ الرسولَ صلَّى الله عليه وسَلَّم أحرَمَ بِعُمَرِهِ كلِّها، حتى في الحُدَيْبِيَةِ أحرَمَ، ولم يَقُلْ: إن حبسَني حابسٌ،
وكذلك في عُمْرَةِ القضاءِ، وعُمْرَة الجِعْرَانةِ، وحَجَّةِ الوداع، ولم يُنقَل عنه أنَّه قال: وإنْ حَبَسَني حابِسٌ، ولا أَمَرَ به أصحابَه أمرًا مُطْلقًا، بل أَمَرَ به مَن جاءَت تستفتي؛ لأنَّها مريضةٌ تخشى أن يشتَدَّ بها المرضُ، فلا تُكْمِلَ النُّسُكَ
فرع أول: تعليقُ التحلُّلِ بمرضٍ ونحوِه
إن قال: إنْ مَرِضْتُ ونحوه فأنا حلالٌ، فمتى وُجِدَ الشَّرْطُ حَلَّ بوجودِه،
أمَّا إن قال: فلي أن أَحِلَّ، أو محلِّي حيثُ حَبَسْتَني؛ فهو مُخَيَّر بين البقاءِ على إحرامِه وبين التحلُّلِ،
وهذا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة في الأصحِّ، والحَنابِلَة، وقرَّرَه ابنُ عُثيمين؛ وذلك لأنَّه في الحالِ الأُولى علَّقَ الحِلَّ على شَرْطٍ فوُجِدَ الشَّرْطُ،
فإذا وُجِدَ الشَّرْطُ وُجِدَ المشروطُ، وأمَّا في الثَّانية فإنَّه إذا وُجِدَ المانعُ، فهو بالخيارِ؛ إن شاء أحَلَّ، وإن شاء استمَرَّ
فرع ثاني: تعليقُ التحلُّلِ بمشيئتِه
لا يصِحُّ أن يُقالَ: لي أنْ أَحِلَّ متى شِئْتُ؛ نَصَّ على هذا فُقَهاءُ الشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة
وذلك لأنَّه ينافي مُقْتَضى الإحرامِ
تمهيدٌ: في تعريفِ المحظوراتِ، والفِدْيةِ، وأنواعِهما في الحج
المبحث الأوَّل: تعريفُ مَحظوراتِ الإحرامِ والفِدْيةِ
المَطْلَب الأوَّل: تعريفُ محظوراتِ الإحرامِ
المحظوراتُ لغةً: جمعُ محظورٍ، وهو الممنوعُ
، وهو من مرادفاتِ الحرامِ
ومحظوراتُ الإحرامِ اصطلاحًا: هي الممنوعاتُ التي يجِبُ على الْمُحْرِمِ اجتنابُها؛ بسبب
إحرامِه ودُخُولِه في النُّسُكِ
المَطْلَب الثَّاني: تعريفُ الفِدْيةِ
الفِدْيةُ لغةً: أصْلُ الفِدْيةِ لغةً أن يُجعَلَ شيءٌ مكانَ شَيءٍ حِمًى له، ومنه فِدْيَةُ الأسيرِ، واستنقاذُه بمالٍ
الفِدْيةُ اصطلاحًا: هي ما يجِبُ لفِعْلِ محظورٍ أو تَرْكِ واجبٍ، وسُمِّيَت فديةً؛
لقوله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196]
المبحث الثَّاني: عددُ مَحظوراتِ الإحرامِ
محظوراتُ الإحرامِ التي تعُمُّ الرِّجالَ والنِّساءَ سَبْعةٌ:
1-حَلْقُ الشَّعْرِ.
2-تقليمُ الأظفارِ.
3-الطِّيبُ.
4-الصَّيدُ.
5-عقدُ النِّكاحِ.
6-الجِماعُ.
7-المُباشَرَةُ.
المحظوراتُ التي تختَصُّ بالرِّجالِ اثنتان:
1-لُبْسُ المَخِيطِ.
2-تَغْطيةُ الرَّأْسِ.
المحظوراتُ التي تختصُّ بالنِّساءِ اثنتان:
1-النِّقابُ.
2-لُبْسُ القُفَّازين
المبحث الثَّالِث: أقسامُ محظوراتِ الإحرامِ باعتبارِ الفِدْيةِ
تنقَسِمُ محظوراتُ الإحرامِ باعتبارِ الفِدْيةِ إلى أربعَةِ أقسامٍ:
القِسْم الأوَّل: ما فِدْيَتُه فِدْيةُ أذًى (فِدْيةُ الأذى: هي الدَّمُ، أو الإطعامُ، أو الصِّيامُ)
القِسْم الثَّاني: ما فِدْيَتُه الجزاءُ بِمِثْلِه: وهو الصَّيْدُ
القِسْم الثَّالِث: ما لا فِدْيَةَ فيه: وهو عَقْدُ النِّكاحِ
القِسْم الرَّابِع: ما فِدْيَتُه مغلَّظةٌ: وهو الجِماعُ
أنواعُ محظوراتِ التَّرفُّهِ، وما يجبُ فيها
المَطْلَب الأوَّل: أنواعُ محظوراتِ التَّرفُّهِ
تشمل محظوراتُ الترفُّهِ خَمسةَ محظوراتٍ:
المحظورُ الأوَّل: حَلْقُ الشَّعْر
المحظورُ الثَّاني: تقليمُ الأظْفارِ
المحظورُ الثَّالِث: الطِّيبُ
المحظورُ الرَّابِع: تغطيةُ الرَّأسِ
المحظور الخامس: لُبْسُ المَخيطِ
المَطْلَب الثَّاني: ما يجبُ على من ارتكَبَ شيئًا مِن محظوراتِ الترفُّهِ
مَن حَلَق أو قلَّم أظفارَه أو غطَّى رأسَه أو تطَيَّبَ أو لَبِسَ مَخِيطًا، فإنَّه يجب عليه في كلِّ ذلك فِدْيَةُ الأذى،
فيُخيَّرُ بين: صيامِ ثلاثةِ أيَّامٍ، أو إطعامِ سِتَّةِ مساكينَ- لكلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ- أو ذَبْحِ شاةٍ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَة من: الحَنَفيَّة والمالِكِيَّة، والشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة، وبه قال أكثرُ الفُقَهاء
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قولُه تعالى: وَلَا تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ[ البقرة:196]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عبدِ اللهِ بنِ مَعْقِل، قال: جلسْتُ إلى كعْبِ بنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، فسألتُه عن الفِدْيَة، فقال: ((نزلت فيَّ خاصَّةً، وهي لكم عامَّةٌ؛ حُمِلتُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم والقَمْلُ يتناثَرُ على وجهي، فقال: ما كنتُ أُرَى الوجَعَ بَلَغَ بك ما أَرَى- أو ما كنتُ أُرى الجَهْدَ بلغَ بك ما أَرَى- تَجِدُ شاةً؟ فقُلْتُ: لا، فقال: فصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ، أو أطعِمْ سِتَّةَ مساكينَ؛ لكُلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ ))
المَطْلَب الثَّالِث: توزيعُ صَدَقَةِ فِدْيةِ الأذى على مساكينِ الحَرَمِ
يُشْتَرَط أن توزَّعَ صدقةُ فِدْيَةِ الأذى على مساكينِ الحَرَمِ، وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة، واختاره الشِّنْقيطيُّ، وابنُ باز، وابن عُثيمين
الدَّليلُ مِنَ الكِتابِ:
قولُه تعالى: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: 95]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ في حُكْمِ الهَدْيِ ما كان بدلًا عنه من الإطعامِ، فيجب أن يكون كذلك بالِغَ الكعبةِ
المَطْلَب الرَّابِع: موضِعُ صيامِ فِدْيَةِ الأذى وصِفَتُه
الفرع الأول:
موضِعُ صيامِ فِدْيَةِ الأذى
يجوز صيامُ فِدْيَةِ الأذى في أيِّ موضعٍ.
الأدلة:
أولًا: من الإجماع
نقلَ الإجماعَ على ذلك: ابن جرير، والعيني، والشنقيطي
الفرع الثاني: صيام فدية الأذى مفرَّقًا ومتتابعًا
يجوز صيامُ فِدْيَةِ الأذى مُفرَّقًا ومُتتابِعًا، باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قوله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196]
وجه الدلالة:
أنه أطلق اسْم الصَّوْمِ فِي النَّصِّ فدل على جواز التَّتَابُعُ وَالتَّفَرُّقُ
ثانيًا: أن الأصل عدم التتابع فالله تعالى لما أراد التتابع قال: فصيام شهرين متتابعين [المجادلة: 4]، ولما أراد الإطلاق قال: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196]
ثالثًا: أنَّ الصيامَ لا يتعدَّى نفعُه لأحدٍ؛ لذا لا يُقتَصَر على مكانٍ بِعَينِه
المَطْلَب الخامِسُ: ارتكابُ محظوراتِ فِدْيةِ الأذى عَمْدًا
لا فَرْقَ في التخييرِ في فِديَة الأذى بين من ارتَكَبَ المحظورَ بعُذرٍ، أو كان عَمْدًا، وهذا مَذْهَبُ الجُمْهورِ: المالِكِيَّة، والشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة؛ وذلك لأنَّ الله تعالى أوجَبَ الفِدْيةَ على من حَلَقَ رأسَه لأذًى به وهو معذورٌ، فكان ذلك تنبيهًا على وُجوبِها على غيرِ المعذورِ
المَطْلَب السَّادِسُ: فِعْلُ المحظوراتِ نِسْيانًا أو جَهْلًا أو إكراهًا
مَن فَعَلَ شيئًا من محظوراتِ الإحرامِ ناسيًا أو جاهلًا أو مُكرَهًا فلا شيءَ عليه، سواءٌ كان صيدًا أو جِماعًا أو غَيْرَهما، وسواء كان فيه إتلافٌ أو لم يكُنْ، وهو مَذْهَبُ الظَّاهِريَّةِ، وطائفةٍ مِنَ السَّلَف، واختارَه ابنُ المُنْذِر، وابنُ عُثيمين
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
1- قَوْلُه تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286] ، فقال الله: ((قد فعلْتُ ))
2- قَوْلُه تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب: 5]
3- قَوْلُه تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ [النحل: 106]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الكُفْرَ إذا كان يسقُطُ مُوجِبُه بالإكراهِ، فما دونه من بابِ أَوْلى
4- قَوْلُه تعالى في قَتْلِ الصَّيدِ: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة: 95]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ قوله: مُتَعَمِّدًا وصفٌ مناسبٌ للحُكْمِ، فوجب أن يكون معتَبَرًا؛ لأنَّ الأوصافَ التي عُلِّقَتْ بها الأحكامُ إذا تبَيَّنَ مناسَبَتُها لها، صارت علةً موجِبةً، يوجد الحُكْمُ بوجودِها، وينتفي بانتفائِها، وإلَّا لم يكن للوَصْفِ فائدةٌ
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَن عُمَرَ بْنِ الخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((أين الذي سأل عن العُمْرَةِ؟ فأُتِيَ برجل، فقال: اغسِلِ الطِّيبَ الذي بك ثلاثَ مرَّاتٍ، وانزِعْ عنك الجُبَّة، واصنَعْ في عُمْرَتِك كما تصنَعُ في حجَّتِك، قلتُ لعطاءٍ: أراد الإنقاءَ حين أمره أن يغْسِلَ ثلاثَ مرَّاتٍ؟ قال: نعم ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه لم يأمُرِ الرجُلَ الذي لَبِسَ الجبَّة وتضمَّخَ بالطِّيبِ بالكفَّارة؛ وذلك بسبَبِ جَهْلِه بالحُكْم، واكتفى بأمْرِه أن ينزِعَ الجبَّة، وأن يغسِلَ
عنه أثَرَ الطِّيبِ
2- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أنَّه قال: ((إنَّ اللهَ وضع عن أمَّتي
الخطَأَ والنِّسيانَ وما استُكْرِهوا عليه
))
ثالثًا: مِنَ الآثارِ
عن قَبيصَةَ بن جابرٍ الأَسديِّ: (أنَّه سمِعَ عُمَرَ بنَ الخطَّاب, ومعه عبدُ الرَّحمن بنُ عوفٍ, وعُمَرُ يسأل رجلًا قتلَ ظبْيًا وهو مُحْرِمٌ، فقال له عمر: أعَمْدًا قتلْتَه أم خطأً؟ قال الرجلُ: لقد تعمَّدْتُ رمْيَه، وما أردْتُ قَتْلَه, فقال عُمَرُ: ما أَراك إلَّا قد أشرَكْتَ بين العَمْدِ والخطأِ; اعمِدْ إلى شاةٍ فاذْبَحْها، وتصَدَّقْ بلَحْمِها وأسْقِ إهابَها)
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه لو كان العمْدُ والخطأُ في ذلك سواءً عند عمر؛ لَما سأَلَه (أعَمْدًا قتلْتَه أم خطأً؟)، وكان ذلك فضولًا من السُّؤالِ لا معنى له
رابعًا: أنَّ الكفَّارة إنَّما تَجِبُ إذا وقعت الجنايةُ بارتكابِ المحظورِ؛ لفداءِ النَّفْسِ من المخالَفَةِ وللتَّكفيرِ عن الذَّنْبِ، ومع الجَهْلِ أو النسيانِ أو الإكراهِ لا جنايةَ؛ لأنَّهم لم يتعمَّدوا المخالَفةَ فلا معنى للكفَّارة
خامسًا: أنَّ ما سِوى هذا القَولِ ظاهِرُ الفسادِ والتَّناقُضِ، فما يُرَخِّصُ به أحدُهم في حالٍ، يمنَعُه الآخَرُ
المَطْلَب السابع: تَكرارُ المحظورِ
الفرع الأوَّل: تَكرارُ محظورٍ مِن جنسٍ واحدٍ
إذا كرَّرَ محظورًا مِن جنسٍ واحدٍ، كلُبْسِ قَميصٍ، ولُبْسِ سراويلَ، ولم يَفْدِ فإنَّه يفدي مرةً واحدةً، أمَّا إنْ فدى عن الأَوَّلِ فعليه للثَّاني فِدْيَةٌ، وهو مَذْهَبُ الحَنابِلَة، وبه قال محمَّدُ بنُ الحَسَنِ الشَّيبانيُّ من الحَنَفيَّة، وهو قَوْلُ الشَّافعي في القديمِ، واختارَه ابنُ باز، وابنُ
عُثيمين
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قولُه تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ اللهَ تعالى أوجَبَ لحَلْقِ الرَّأسِ فديةً واحدةً، ولم يُفَرِّقْ بين ما وقع في دَفعةٍ أو دفعاتٍ، ثمَّ إنَّ الحَلْقَ لا يكون إلَّا شيئًا بعد شيءٍ، فهو ارتكابُ محظوراتٍ متتاليةٍ من جنسٍ واحدٍ، ومع ذلك لم يُوجِبْ فيه إلَّا فديةً واحدةً
ثانيًا: أنَّ ما تداخَلَ متتابعًا، كحَلقِ شَعَراتٍ، تداخَلَ متَفَرِّقًا، كالأحداثِ والحُدودِ
فإنْ كَفَّرَ عن الأوَّلِ ثمَّ ارتكبَ المحظورَ فإنَّه يلزَمُه فديةٌ أخرى؛ للآتي:
أوَّلًا: أنَّه بالمحظورِ الثَّاني صادف إحرامًا؛ فوجَبَتْ فيه الفِدْيةُ، كما وجَبَت على المحظورِ الأوَّلِ، وقياسًا على الحدودِ والأيمانِ
ثانيًا: أنَّه لَمَّا كفَّرَ للأَوَّلِ فقد التحقَ المحظورُ الأوَّلُ بالعَدَم؛ فيُعتَبَر الثَّاني محظورًا آخَرَ مُبتدَأً، كما إذا جامَعَ في يومينِ مِن شَهرِ رَمضانَ
الفرع الثَّاني: تَكرارُ محظورٍ مِن أجناسٍ مُختلفةٍ
إذا كرَّر محظورًا من أجناسٍ مختلفة؛ كطِيبٍ، ولُبسِ مَخِيطٍ، فإنَّه يَفْدي لكلِّ محظورٍ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة،
والمالِكِيَّة، والشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّها محظوراتٌ مختلفةُ الأجناسِ، فلم تتداخَلْ أجزاؤُها؛ كالحدودِ المختلفةِ
ثانيًا: أنَّ السَّببَ الموجِبَ للكفَّارة الثَّانية غيرُ عَيْنِ السَّبَبِ الموجِبِ للكفَّارةِ الأولى، أشْبَه ما لو حَلَف ثم حَنِثَ وكفَّر، ثم حلَفَ وحَنِثَ
الفرع الثَّالِث: أن يكونَ المحظورُ صَيدًا
إذا كان المحظورُ صَيدًا، فإنَّ الفِديةَ تتعَدَّدُ بتعدُّدِ الصَّيدِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة، والمالِكِيَّة، والشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة: 95]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الآيةَ تدلُّ على أنَّ مَن قتل صيدًا لَزِمَه مِثْلُه, ومَن قَتلَ أكثَرَ لَزِمَه مِثلُ ذلك
ثانيًا: أنَّه لو قَتلَ أكثَرَ معًا تعدَّدَ الجزاءُ, فمُتَفَرِّقًا أَوْلى؛ لأنَّ حالَ التفريقِ ليس أنقَصَ كسائِرِ المحظوراتِ
ثالثًا: أنَّها كفَّارةُ قَتْلٍ, كقَتْلِ الآدميِّ, أو بدَل مُتْلَفٍ, كبَدلِ مالِ الآدميِّ؛ فتتعَدَّد
-------------------
المحظور الثاني حَلْقُ الشَّعْر
المَطْلَب الأوَّل: حَلْقُ شَعْرِ الرَّأسِ
الفرع الأوَّل: حُكْمُ حَلْقِ شَعْرِ الرَّأسِ للمُحرِم
حَلْقُ شَعْرِ الرَّأسِ من محظوراتِ الإحرامِ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قولُه تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة: 196]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ، رَضِي اللَّه عنه، قال: ((أتى عليَّ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم زمنَ الحُدَيبِيَةِ والقَمْلُ يتناثَرُ على وجهي فقال: أيُؤْذيك هوامُّ رَأسِك؟ قُلْتُ: نعم. قال: فاحْلِقْ، وصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ، أو أطعِمْ سِتَّةَ مساكينَ، أو انْسُكْ نَسيكَةً ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه رتَّبَ فديةَ الأذى على حَلْقِ الرَّأسِ
ثالثا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنْذِر, والنَّوَوِيُّ
الفرع الثَّاني: حُكْمُ أَخْذِ شَعَراتٍ مِنَ الرَّأسِ
إذا أخذ شعَراتٍ مِن رأَسْه فإنَّه يَحْرُمُ عليه؛ لأنَّ الْمُحْرِمَ نُهِيَ عن حَلْقِ شَعْر رأسِه، وهو يشمَلُ القليلَ والكثيرَ،
والقاعدةُ أنَّ امتثالَ الأمرِ لا يتِمُّ إلا بفِعلِ جَميعِه، وامتثالَ النَّهْيِ لا يتِمُّ إلَّا بتَرْكِ جميعِه، لكِنَّ الفِدْيةَ لا تجِبُ إلَّا بحَلقِ ما يحصُلُ به الترفُّهُ وزَوالُ الأذى
المَطْلَب الثَّاني: حَلْقُ شَعْرِ غَيرِ الرَّأسِ
الفرع الأوَّل: حُكْمُ حَلْقِ شَعْرٍ غَيرِ شَعْرِ الرَّأسِ
اختلف أَهْل العِلْم في حَلْقِ شَعْرٍ غيرِ شَعْرِ الرَّأسِ هل هو من محظوراتِ الإحرامِ أو لا على قولين:
القول الأوّل: أنَّه محظورٌ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَة: الحَنَفيَّة، والمالِكِيَّة، والشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة، وحُكِيَ فيه الإجماعُ
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الآثارِ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّه قال في قوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ [الحَجُّ: 29]: (التَّفَثُ: الرَّمْيُ، والذَّبْح، والحَلْق والتَّقصير، والأخذُ مِنَ الشَّارب، والأظفارِ، واللِّحْيَة)
ثانيًا: قياسًا لشعْرِ الجَسَد على شعْرِ الرأس؛ بجامعِ أنَّ الكُلَّ يحصُلُ بحَلْقِه الترفُّه، والتنظُّف، وهو ينافي الإحرامَ؛ لكون المُحْرِم أشعَثَ أغبَرَ
القول الثاني: أنَّه لا يُحظَرُ حَلْقُ غيرِ شَعرِ الرَّأسِ، وهذا مَذْهَبُ أهلِ الظَّاهِرِ، وقوَّاه ابنُ عُثيمين
الأدلَّة:
أوَّلًا: أنَّ النصَّ جاءَ بتحريمِ حَلْقِ الرأس فقط، ولا يصِحُّ قياسُ غيرِه عليه؛ لأنَّ حَلْقَ الرَّأسِ يتعلَّقُ به نُسُكٌ، وهو الحَلْقُ أو التَّقصيرُ، فإنَّ المُحْرِمَ إذا حلَقَ رأسَه فإنَّه يُسقِطُ به نُسُكًا مشروعًا، وغيرُه لا يساويه في ذلك
ثانيًا: أنَّ الأصلَ الحِلُّ، فلا يُمنَع أحدٌ مِن أخْذِ شيءٍ مِن شَعْرِه إلَّا بدليلٍ
ثالثًا: أنَّ المُحْرِمَ ليس ممنوعًا من الترفُّه في الأكلِ؛ فله أن يأكُلَ مِنَ الطَّيِّباتِ ما شاء، ولا من الترفُّه في اللِّباسِ؛ فله أن يَلْبَسَ من الثيابِ التي تجوزُ في الإحرامِ ما يشاءُ، ولا من الترفُّه بإزالة الأوساخِ؛ فله أن يغتَسِلَ ويُزيلَ الأوساخَ
المَطْلَب الثَّالِث: ما يجبُ مِنَ الفِديَةِ في حَلْقِ شَعْرِ الرَّأسِ
يجبُ في حَلْقِ شعْرِ الرَّأسِ فديةُ الأذى: ذبحُ شاةٍ، أو صيامُ ثلاثةِ أيَّامٍ، أو إطعامُ ستَّةِ مساكينَ.
الأدلَّة
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قولُه تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن كعْبِ بنِ عُجْرَة رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أتى عليَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم زَمَنَ الحُدَيْبِيَة والقَمْلُ يتناثَرُ على وجهي، فقال: أيؤذيكَ هوامُّ رأسِك؟ قُلْتُ: نعم. قال: فاحْلِقْ، وصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ، أو أطْعِمْ سِتَّةَ مَساكينَ، أو انْسُكْ نَسيكَةً ))
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنْذِر، وابنُ عَبْدِ البَرِّ
المَطْلَب الرَّابِعُ: متى تجِبُ الفِدْيةُ في حَلْقِ الشَّعْرِ؟
تجبُ الفِدْيةُ في حلْقِ الشَّعْرِ إذا حلَقَ ما يحصُلُ به إماطةُ الأذى، وهو مَذْهَبُ المالِكِيَّة، واختارَه ابنُ حزمٍ، وابنُ عَبْدِ البَرِّ، وابنُ
عُثيمين
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قولُه تعالى: وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة: 196]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ حلْقَ شَعْرِ الرَّأسِ مِن أذًى به، لا يكونُ إلَّا بمقدارِ ما يُماطُ به الأذى
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن كعْبِ بنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أتى عليَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم زَمَنَ الحُدَيْبِيَة والقَمْلُ يتناثَرُ على وجهي،
فقال: أيؤذيكَ هوامُّ رأسِك؟ قُلْتُ: نعم. قال: فاحْلِقْ، وصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ، أو أطْعِمْ سِتَّةَ مَساكينَ، أو انْسُكْ نَسيكَةً ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الكفَّارة إنما تجِبُ في حَلْقِ الرَّأسِ في مِثلِ ما أوجَبَه رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم على كعْبِ بنِ عُجْرَةَ، وهو حلْقُ ما يُماطُ به الأذى
2- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسَلَّم احتجَمَ- وهو مُحْرِمٌ- في رأسِه ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الحِجَامةَ في الرَّأْسِ من ضرورتِها أن يُحلَقَ الشَّعْرُ من مكانِ المَحاجِم، ولا يُمكِنُ سِوى ذلك، ولم يُنقَلْ عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أنَّه افتدى؛ لأنَّ الشَّعْرَ الذي يُزالُ من أجْلِ المَحاجِم لا يُماطُ به الأذى، فهو قليلٌ بالنِّسبةِ لبَقِيَّةِ الشَّعْرِ
المَطْلَب الخامسُ: غَسْلُ رأسِ المُحْرِمِ وتَخْليلُه
لا بأْسَ أن يَغْسِلَ المُحْرِم رأسَه، ويُخَلِّلَه ويَحُكُّه برِفْقٍ، وهذا مَذْهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة، والشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة، والظَّاهِريَّة،
وقولٌ للمالِكِيَّة، وهو قَوْلُ جماعةٍ مِنَ السَّلَف
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عبدِ اللهِ بنِ حُنينٍ: ((أنَّ عبدَ اللهِ بنَ العبَّاسِ والْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمةَ اختلفا بالأبواءِ، فقال عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ: يَغْسِلُ المُحْرِمُ رأسَه، وقال الْمِسْوَرُ: لا يَغْسِلُ المُحْرِمُ رأسَه، فأرسَلَني عبدُ اللهِ بنُ العبَّاسِ إلى أبي أيُّوبَ الأنصاريِّ، فوجَدْتُه يغتَسِلُ بين القَرْنينِ
وهو يُسْتَرُ بثوبٍ، فسَلَّمْتُ عليه، فقال: مَنْ هذا؟ فقُلْتُ: أنا عبدُ اللهِ بنُ حُنَينٍ، أرسلَني إليك عبدُ اللهِ بنُ العبَّاسِ أسألُك:
كيف كان رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم يغْسِلُ رأسَه وهو مُحْرِمٌ؟ فوضع أبو أيُّوبَ يَدَه على الثَّوْبِ فطأطأَه حتى بدا لي رأسُه،
ثم قال لإنسانٍ يَصُبُّ عليه: اصْبُبْ، فصَبَّ على رأْسِه، ثم حَرَّكَ رأسَه بِيَدَيْه، فأقبَلَ بهما وأدبَرَ،
وقال: هكذا رأيتُه صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم يفعَلُ ))
2- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها ((أنَّها حاضت ولم تطْهُرْ حتى دخلَتْ ليلةُ عرفةَ، فقالت: يا رَسولَ الله، هذه ليلةُ عَرَفةَ، وإنَّما كنتُ تمتَّعْتُ بعُمْرَةٍ، فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم: انقُضي رأسَكِ، وامتَشِطي، وأَمْسِكي عن عُمْرَتِكِ ))
93366]]وَجْهُ الدَّلالَةِ:[/right]
أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم أمَرَها بأن تنقُضَ رأسَها، وتمتَشِطَ وهي مُحرِمةٌ
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (المُحْرِمُ يدخُلُ الحمَّامَ، ويَنْزِعُ ضِرسَه، ويشم الريحان، وإذا انكسر ظُفْرُه طَرَحه،
ويقول: أميطوا عنكم الأذى؛ فإنَّ اللهَ لا يَصنَعُ بأذاكم شيئًا)
- أنَّه قولُ ابنِ عباسٍ، وأبي أيوبَ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنهما، كما تقدَّمَ ذِكْرُ ذلك عنهم في القِصَّة التي جرت بينهم في الأبواءِ.
المحظور الثالث : تقليمُ الأظْفارِ
المَطْلَب الأوَّل: حُكْمُ إزالةِ الأظفارِ للمُحْرِم
المُحْرِمَ ممنوعٌ من إزالةِ أظفارِه
، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة، والمالِكِيَّة، والشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة، وحُكِيَ فيه الإجماعُ
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قولُه تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحَجُّ: 29]
ثالثًا: مِنَ الآثارِ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّه قال في تفسيرِ آيةِ الحَجِّ: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ: (التَّفَثُ: الرَّمْيُ، والذَّبْحُ، والحَلْق والتَّقصيرُ، والأخْذُ
من الشارِبِ، والأظفارِ، واللِّحيةِ)
وجهُ الدَّلالَة مِنَ الآيةِ والأثَرِ:
أنَّ قَلْمَ الأظفارِ مِن قضاءِ التَّفَثِ كما جاء عنِ ابنِ عبَّاسٍ وغيرِه مِنَ السَّلَفِ، وقد رتَّبَ اللهُ تعالى قضاءَ التَّفَثِ على الذَّبْحِ؛ لأنَّه ذَكَرَه بكلمةٍ موضوعةٍ للتَّرتيبِ مع التَّراخي؛ مِمَّا يدُلُّ على كَوْنِ قَصِّ الأظفارِ ونحوه ينبغي أن يكونَ بعد النَّحْرِ
رابعا: أنَّه إزالةُ جزءٍ ينمو مِن بَدَنِه، يقضي به تَفَثَه، ويَتَرَفَّهُ بإزالَتِه، أشْبَهَ الشَّعْرَ
المَطْلَب الثَّالِث: ما يجِبُ من الفِدْيةِ في تقليمِ الأظفارِ:
يجبُ في تقليمِ الأظفارِ فِديةُ الأذى، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة، والمالِكِيَّة، والشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة، وبه قال أكثرُ أَهْلِ العِلْمِ؛ وذلك لأنَّه أزال ما مُنِعَ إزالَتُه لأجلِ الترفُّهِ، فوجبت عليه الفِدْيةُ؛ كحَلْقِ الشَّعْر، وعدمُ النَّصِّ لا يمنَعُ قياسَه على المنصوصِ؛
كشَعْرِ البَدَنِ مع شَعْرِ الرَّأْسِ
المَطْلَب الرَّابِع: قَصُّ ما انكسَرَ مِنَ الظُّفْرِ
إنِ انكسَرَ ظُفْرُه فله قَصُّ ما انكسَرَ منه، ولا شيءَ عليه.
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قولُه تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185]
وانكسارُ الظُّفْرِ يَغْلِبُ في الأسفارِ، وهذا يوجِبُ الرُّخْصةَ فيه
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (المُحْرِمُ يدخُلُ الحمَّامَ، ويَنْزِعُ ضِرسَه، ويَشَمُّ الرَّيحانِ، وإذا انكسر ظُفُرُه طَرَحه،
ويقول: أميطُوا عنكم الأذى؛ فإنَّ اللهَ لا يَصنَعُ بأذاكم شيئًا)
63366]]وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه قولُ صحابيٍّ، ولا يُعرَفُ له مخالِفٌ من الصَّحابَةِ رَضِيَ اللهُ عنهم
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنْذِر وابنُ قُدامة
رابعًا: أنَّ بقاءَه يُؤلِمُه، أشْبَهَ الشَّعْرَ النَّابِتَ في عَينِه
خامسًا: أنَّه إزالةٌ لأذاه، فلم يكُنْ عليه فِدْيةٌ؛ كقَتْلِ الصَّيدِ الصَّائِلِ
سادسًا: أنَّه بعد الكَسْرِ لا ينمو، فهو كحَطَبِ شَجَرِ الحَرَمِ
[/right]
عدل سابقا من قبل sadekalnour في الأحد مايو 21, 2023 11:14 am عدل 1 مرات
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» (( - 2 -)) خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأربعاء نوفمبر 13, 2024 11:28 pm من طرف صادق النور