: أحكام الاعتكاف
[color=#003366] الفصل الأول: الفصل الأول: تعريف الاعتكاف، وغاياته
[size=24]
المبحث الأول: تعريف الاعتكاف
الاعتكافُ لغةً: الإقبالُ على الشَّيْءِ والاحتباسُ فِيهِ؛ مِنْ: عَكَفَ على الشَّيءِ: أي إذا أقبَلَ عليه مواظبًا لا يَصرِفُ عنه وجهَه، ومنه قيلَ لِمَن لازَمَ المسجِدَ، وأقامَ على العبادَةِ فيه: عاكفٌ ومعتَكِفٌ.
الاعتكافُ اصطلاحًا: هو الإقامةُ في المسجِدِ بِنِيَّةِ التقرُّبِ إلى الله عَزَّ وجلَّ، ليلًا كان أو نهارًا
المبحث الثاني: غاياتُ الاعتكاف
للاعتكاف غاياتٌ منها:
1- عُكوفُ القَلبِ على طاعةِ الله تعالى.
2- جَمعُ القلْبِ عليه، ووقْفُ النَّفْسِ له.
3- الخَلوةُ به سبحانه.
4- الانقطاعُ عن الاشتغالِ بالخَلقِ، وتفريغُ القَلبِ مِن أمورِ الدُّنيا، والاشتغالُ به وَحدَه سبحانه، بحيث يصيرُ ذِكرُه، وحُبُّه، والإقبالُ عليه؛ في محلِّ همومِ القَلبِ وخَطَراتِه، فيستولي عليه بدَلَها، ويصير الهمُّ كلُّه به، والخطراتُ كلُّها بذِكْرِه، والتفكُّرُ في تحصيلِ مراضيه وما يقرِّبُ منه، فيصير أُنْسُه بالله بدلًا عن أُنسِه بالخَلقِ، فيُعِدُّه بذلك لأُنسِه به يومَ الوَحشةِ في القبورِ حين لا أنيسَ له،
ولا ما يفرَحُ به سواه، فهذا مقصودُ الاعتكافِ الأعظمُ
الاعتكافُ سُنَّةٌ للرِّجالِ والنِّساءِ
وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة وحُكي فيه الإجماع
الأدِلَّة منَ السُّنَّة:
1- عن أبي سعيدٍ الخدري رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((إنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اعتكفَ العَشرَ الأُوَلَ من رمضانَ، ثم اعتكف العَشرَ الأوسطَ في قبَّةٍ تركيَّةٍ على سُدَّتِها حَصيرٌ.. ثم أطلَعَ رأسَه فكَلَّمَ الناس، فدَنَوا منه، فقال: إنِّي اعتكفْتُ العَشرَ الأُوَلَ، ألتمِسُ هذه الليلةَ، ثم اعتكفتُ العَشرَ الأوسطَ، ثم أتيتُ، فقيل لي: إنَّها في العَشرِ الأواخِرِ، فمن أحَبَّ منكم أن يعتكِفَ، فليعتكِفْ، فاعتكَفَ النَّاسُ معه ))
وجه الدلالة:
أنَّ اعتكافَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدلُّ على السُّنيَّةِ، وتعليقُه الاعتكافَ على من أحَبَّ ذلك يدلُّ على عدمِ الوُجوبِ
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اعتكَفَ معه بعضُ نسائِه، وهي مستحاضةٌ ترى الدَّمَ، فربَّما وضعت الطَّستَ تحتها من الدَّمِ... ))
-()-قال ابنُ المنذر:وأجمعوا على أنَّ الاعتكافَ لا يجِبُ على النَّاسِ فرضًا، إلَّا أن يوجِبَه المرءُ على نفسِه، فيجِبُ عليه) .
وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: وأجمع علماءُ المسلمين على أنَّ الاعتكافَ ليس بواجبٍ، وأنَّ فاعِلَه محمودٌ عليه مأجورٌ فيه) . قال النووي: فالاعتكافُ سنَّةٌ بالإجماع ولا يجِبُ إلَّا بالنَّذرِ، بالإجماع)-قال ابنُ قدامة: ومما يدلُّ على أنَّه سنةٌ, فِعلُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومداومَتُه عليه, تقربًا إلى الله تعالى, وطلبًا لثوابه, واعتكافُ أزواجه معه وبعده, ويدلُّ على أنَّه غير واجبٍ أنَّ أصحابه لم يعتكفوا , ولا أمَرَهم النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم به، إلا من أرادَه)
المبحث الأول: الإسلامُ
يُشتَرَطُ لصحَّةِ الاعتكاف: الإسلامُ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةوالمالكيَّة، والشَّافِعيَّة، والحَنابِلة
الأدِلَّة:أوَّلًا: من الكتاب:
1- قوله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِه [التوبة: 54]
فكما أنَّه لا تُقبَلُ مِن الكافِرِ النَّفقةُ، فكذلك لا تُقبَلُ منه العباداتُ البدنية
2- قوله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان: 23]
أي: قَصَدْنا في ذلك إلى ما كان يَعمَلُه المجرمونَ مِن عَملِ برٍّ عند أنفُسِهم، فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا أي لا يُنتفَعُ به؛ حيث أبطَلْناه بالكُفرِ
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن عُمرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّاتِ، وإنَّما لكُلِّ امرئٍ ما نوى ))
وجه الدلالة:
أنَّ العِبادةَ لا تُؤدَّى إلا بالنيَّةِ، والكافِرُ ليس من أهلِ النيَّةِ
المبحث الثاني: العَقلُ
يُشتَرَطُ لصحَّةِ الاعتكافِ: العَقلُ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة والمالكيَّة، والشَّافِعيَّة، والحَنابِلة
الأدِلَّة منَ السُّنَّة:
1- عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائمِ حتى يستيقِظَ، وعن الصبيِّ حتى يحتَلِمَ، وعن المجنونِ حتى يعقِلَ ))
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القَلَمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائِمِ حتى يستيقِظَ، وعن الصَّغيرِ حتى يكبَرَ، وعن المجنونِ حتى يعقِلَ، أو يُفيقَ ))
2- عن عُمرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّاتِ، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى ))
وجه الدلالة:
أنَّ العبادةَ لا تُؤدَّى إلَّا بالنيَّةِ، والمجنون ليس من أهلِ النيَّةِ
المبحث الثالث: التَّمييزُ
يُشتَرَط لصحَّةِ الاعتكاف: التمييزُ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة والمالكيَّة، والشَّافِعيَّة، والحَنابِلة
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّاتِ، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى ))
وجه الدلالة:
أنَّ العبادةَ لا تُؤدَّى إلَّا بالنيَّةِ، وغيرُ المُمَيِّزِ ليس من أهلِ النيَّةِ
المبحث الرابع: النيَّةُ
يُشتَرَط لصحَّة الاعتكاف: النيَّة.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
عن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّاتِ، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى ))
ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ رُشدٍ، وابنُ جُزَيٍّ
المبحث الخامس: إذنُ الزَّوجِ لِزَوجتِه
يُشتَرَطُ لاعتكافِ الزَّوجةِ أن يأذَنَ لها زوجُها، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ الحَنَفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافِعيَّة، والحَنابِلة
الأدِلَّة: اولًا مِن السُّنَّةِ:
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذكَرَ أنْ يعتكِفَ العَشرَ الأواخِرَ مِن رمضانَ، فاستأذَنَتْه عائشةُ، فأذِنَ لها، وسألَتْ حفصةُ عائشةَ أن تستأذِنَ لها ففعَلَتْ، فلمَّا رأت ذلك زينبُ ابنةُ جَحشٍ أَمَرَتْ ببناءٍ، فبُنِيَ لها، قالت: وكان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا صلى انصرَفَ إلى بنائِه، فبَصُرَ بالأبنيةِ، فقال: ما هذا؟ قالوا: بناءُ عائشةَ وحَفصةَ وزينبَ. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: آلبِرَّ أردْنَ بهذا؟ ما أنا بمُعتكفٍ. فرجَعَ، فلما أفطَرَ اعتكَفَ عَشرًا من شوَّال ))
ثانيًا: لأنَّ استمتاعَها مِلكٌ للزَّوجِ، فلا يجوزُ إبطالُه عليه بغَيرِ إذنِه
المبحث السادس: المَسجِدُ[
/color]المطلب الأول: اشتراطُ المسجِدِ
يُشتَرَطُ لصحَّةِ الاعتكافِ أن يكونَ في المسجِدِ.
الأدِلَّة:أوَّلًا: من الكتاب
قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: 187]
وجه الدلالة:
أنَّ الآيةَ دلَّت على أنَّ شَرطَ الاعتكافِ المسجدُ؛ لأنَّه لو صحَّ في غيرِه لم يختَصَّ تحريمُ المباشرةِ به؛ لأنَّ الجِماعَ مُنافٍ للاعتكافِ إجماعًا، فعُلِمَ مِن ذِكرِ المساجِدِ أنَّ الاعتكافَ لا يكونُ إلَّا فيها
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((وإن كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَيُدْخِلُ عليَّ رأسَه وهو في المسجِدِ، فأُرَجِّلُهُ، وكان لا يدخُلُ البيتَ إلَّا لحاجةٍ، إذا كان مُعتَكِفًا ))
ثالثًا: من الإجماع
نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبد البَرِّ، وابنُ قدامة، والقرطبي، وابنُ تيمية
المطلب الثاني: حُكمُ الاعتكافِ في غيرِ المساجِدِ الثلاثة
لا يُشترَطُ أن يكونَ الاعتكافُ في المساجِدِ الثلاثة، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافِعيَّة، والحَنابِلة
الدَّليل من الكتاب:
عمومُ قَولِه تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: 187]
وجه الدلالة:
أنَّ لفظَ المساجِدِ عامٌّ لجميعِ المساجِدِ، وليس للمساجِدِ الثلاثةِ فقط
المطلب الثالث: ضابِطُ المسجد الذي يصحُّ فيه الاعتكافُ
إن كان يتخلَّلُ الاعتكافَ صلاةُ جماعةٍ، فيُشتَرَط لصِحَّتِه أن يكونَ في مسجِدِ جماعةٍ، وهو مذهبُ الحَنَفيَّة، والحَنابِلة، واختاره ابن باز، وابن عُثيمين
وذلك لأنَّ الجَماعة واجبةٌ، واعتكاف الرَّجُلِ في مسجٍد لا تقامُ فيه الجَماعة إن كان يتخلَّلُ اعتكافَه جماعةٌ، يُفضِي إلى أحدِ أمرينِ:
إمَّا تَركُ الجَماعة الواجِبة، وإمَّا خروجُه إليها، فيتكرَّر ذلك منه كثيرًا مع إمكانِ التحرُّزِ منه، وذلك منافٍ للاعتكافِ؛ إذ هو لزومُ المعتكَفِ والإقامةُ على طاعةِ الله تعالى فيه
المطلب الرابع: الاعتكافُ في غيرِ مَسجِدِ الجُمُعة
الفرع الأول: الاعتكافُ في غير مسجِدِ الجُمُعة إن كان لا يتخلَّل الاعتكافَ جُمُعة
يجوز الاعتكافُ في غيرِ مَسجِدِ الجُمعةِ، إن كان لا يتخَلَّلُ الاعتكافَ جُمُعةٌ، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافِعيَّة، والحَنابِلة، وهو قولُ طائفةٍ من السَّلَف
الدَّليل من الكتاب:
عمومُ قَولِه تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: 187]
وجه الدلالة:
أنَّ لَفظَ المساجِدِ عامٌّ لجميع المساجِدِ، وتخصيصُه ببعضِ المساجِدِ دون بعضٍ يحتاجُ إلى دليلٍ
الفرع الثاني: الاعتكاف في غير الجامع إن كان يتخللُ اعتكافَه يومُ جُمُعة
لا يُشتَرَطُ الاعتكافُ في المسجِدِ الجامِعِ، ومن وجَبَت عليه الجُمُعة وكانت تتخلَّلُ اعتكافَه؛ فعليه أن يخرُجَ لحضورِ الجُمعةِ، ثم يرجِعَ إلى المسجِدِ الذي يعتكِفُ فيه، والأفضَلُ أن يكونَ اعتكافُه في المسجِدِ الجامِعِ، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ، والحَنابِلة، وقولٌ لبعضِ السَّلَفِ، وهو اختيارُ ابن العربي المالكي، وابنِ باز، وابنِ عُثيمين
الدَّليل من الكتاب:
عمومُ قَولِه تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: 187]
وجه الدلالة:
أنَّ هذه الآيةَ خِطابٌ لِجَميعِ المُسلِمينَ، ولو قُلنا: إنَّ المرادَ بها المساجِدُ الثَّلاثة، لكان أكثرُ المسلمينَ لا يُخاطَبونَ بهذه الآية؛ لأنَّ أكثَرَ المُسلمين خارِجُ مكَّةَ والمدينةِ والقُدسِ
ا
لمطلب الخامس: حكمُ صُعودِ المعتَكِف إلى المنارةِ والسَّطح والخُروجِ للرَّحَبة أو غيرِ ذلك ممَّا لم يُعدَّ للصَّلاةِ
الفرع الأول: حكمُ صُعودِ المُعتَكِف إلى منارةِ المَسجِد
يجوزُ للمُعتَكِف الصعودُ إلى منارةِ المَسجِد، إن كانت في المسجِدِ أو بابُها فيه، واعتكافُه صَحيحٌ، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة، والشَّافِعيَّة، والحَنابِلة؛ وذلك لأنَّ المنارةَ إن كانت في المسجِدِ، أو بابُها فيه، فهي من جملةِ المسجِدِ، فتأخُذُ أحكامَه
الفرع الثاني: حكمُ صُعودِ المُعتَكِف إلى سطحِ المَسجِدِ أو الاعتكافِ فيه
يصِحُّ الاعتكافُ في سَطحِ المَسجِد، أو صعودُ المعتكِفِ إليه، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة، والشَّافِعيَّة، والحَنابِلة، وحُكي الإجماعُ على ذلك؛ وذلك لأنَّ السَّطحَ مِن جُملةِ المسجِدِ، فيأخُذُ أحكامَه
الفرع الثالث: حكمُ خُروجِ المُعتَكِف إلى الرَّحَبةِ
يَصِحُّ خُروجُ المُعتَكِفِ إلى الرَّحَبةِ إن كانت متَّصِلةً بالمسجِدِ، واعتكافُه صَحيحٌ، وهو مذهبُ الشَّافِعيَّة، وبعضِ المالكيَّة، وروايةٌ عن أحمد، وهو اختيارُ ابنِ حَزمٍ، وابنِ تيميَّةَ، وابنِ القَيِّم، وابنِ حجر؛ وذلك لأنَّ الرَّحَبةَ إن كانت في المسجدِ، فهي من جملَتِه، فتأخُذُ أحكامَه
المطلب السادس: اعتكافُ المرأةِ في مَسجِدِ بَيتِها
لا يصِحُّ اعتكافُ المرأةِ في مَسجِدِ بَيتِها، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة، والشَّافِعيَّة، والحَنابِلة
الأدِلَّة:أوَّلًا: من الكتاب
قوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: 187]
وجه الدلالة:
أن المرادَ بالمساجِدِ: المواضِعُ التي بُنِيَت للصَّلاة فيها. وموضِعُ صلاةِ المرأةِ في بيتها ليس بمسجدٍ؛ لأنَّه لم يُبْنَ للصَّلاةِ فيه، فلا يثبُتُ له أحكامُ المساجِدِ الحقيقيَّةِ
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اعتكَفَ معه بعضُ نِسائِه، وهي مُستحاضةٌ ترى الدَّمَ، فربَّما وضعت الطَّستَ تَحتَها من الدَّمِ... ))
وجه الدلالة:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مكَّنَ امرأتَه أن تعتكِفَ في المسجِدِ وهي مُستحاضةٌ؛ إذ لا تفعل ذلك إلَّا بأمْرِه، ولو كان الاعتكافُ في البيتِ جائزًا لَمَا أمَرَها بالمسجِدِ، ولأمَرَها بالبَيتِ؛ فإنَّه أسهَلُ وأيسَرُ وأبعَدُ عن تلويثِ المسجِدِ بالنَّجاسةِ، وعن مَشقَّةِ حَملِ الطَّستِ ونَقلِه، وهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُخيَّرْ بين أمرينِ إلَّا اختار أيسَرَهما، ما لم يكن إثمًا، فعُلِمَ أنَّ الجُلوسَ في غيرِ المَسجِدِ ليس باعتكافٍ
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذكَرَ أنْ يعتكِفَ العَشرَ الأواخِرَ مِن رمضانَ، فاستأذَنَتْه عائشةُ، فأذِنَ لها، وسألَتْ حفصةُ عائشةَ أن تستأذِنَ لها ففعَلَتْ، فلمَّا رأت ذلك زينبُ ابنةُ جَحشٍ أَمَرَتْ ببناءٍ، فبُنِيَ لها، قالت: وكان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا صلى انصرَفَ إلى بنائِه، فبَصُرَ بالأبنيةِ، فقال: ما هذا؟ قالوا: بناءُ عائشةَ وحَفصةَ وزينبَ. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: آلبِرَّ أردْنَ بهذا؟ ما أنا بمُعتكفٍ. فرجَعَ، فلما أفطَرَ اعتكَفَ عَشرًا من شوَّال ))
وجه الدلالة:
أنَّه لو كان اعتكافُهن رَضِيَ اللهُ عنهن في غيرِ المسجِدِ العامِّ مُمكنًا؛ لاستغنَينَ بذلك عن ضَربِ الأخبيةِ في المسجِدِ، كما استغنَينَ بالصَّلاةِ في بُيوتِهن عن الجَماعة في المسجِدِ، ولَأمَرَهنَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بذلك
ثالثًا: لأنَّ الاعتكافَ قُربةٌ يُشتَرَطُ لها المسجِدُ في حقِّ الرجُلِ، فيشتَرَطُ في حقِّ المرأةِ، كالطَّوافِ
رابعًا: لأنَّه ليس بمسجدٍ حقيقةً ولا حكمًا، ولا يسمَّى في الشَّرعِ مسجدًا
المبحث السابع: الطهارةُ ممَّا يُوجِبُ غُسلًا
لا يصِحُّ الاعتكافُ ابتداءً إلَّا بطهارةِ المُعتكِفِ مِمَّا يوجِبُ الغُسلَ- كجنابةٍ، أو حيضٍ، أو نفاس- وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافِعيَّة، والحَنابِلة
الأدِلَّة:أوَّلًا: من الكتاب
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء: 43]
وجه الدلالة
أنَّ الجُنُبَ مَنهيٌّ عن القُربِ مِن مواضِعِ الصَّلاةِ، وهي المساجِدُ
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن أمِّ عَطيَّةَ قالت: ((أمَرَنا- تعني النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أن نُخرِجَ في العيدينِ العواتِقَ، وذواتِ الخُدورِ، وأمَرَ الحُيَّضَ أن يعتَزِلْنَ مُصلَّى المُسلِمين ))
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((قال لي رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ناوليني الخُمرةَ مِن المسجِدِ. قالت: فقلتُ إني حائِضٌ. فقال: إنَّ حَيضَتَكِ ليست في يَدِكِ ))
ثالثًا: لأنَّ هذه الأمورَ لا يُباحُ معها اللُّبثُ في المسجِدِ، والذي هو ركنٌ مِن أركانِ الاعتكافِ
المبحث الثامن: هل يُشترطُ للاعتكاف الطَّهارةُ من الحدَث الأصغَرِ؟
لا يُشتَرَطُ للاعتكافِ الطَّهارةُ من الحدَث الأصغَرِ.
الدَّليل من الإجماع:
نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ تيميَّة
المبحث التاسع: زمانُ الاعتكاف
المطلب الأول: الوقتُ الذي يجوز فيه الاعتكافُ ومتى يتأكَّدُ
يجوز الاعتكافُ في السَّنَةِ كلِّها، في الجُملةِ ، ويتأكَّد استحبابُه في رَمضانَ.
الأدِلَّة:أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يعتكِفُ العشرَ الأواخِرَ مِن رمضانَ، حتى توفَّاه الله، ثم اعتكَفَ أزواجُه مِن بَعدِه ))
وفيه استحبابُ اعتكافِ العَشرِ الأواخِرِ مِن رَمَضانَ
2- عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يعتكِفُ في كلِّ رمضانَ عَشرةَ أيَّامٍ، فلمَّا كان العامُ الذي قُبِضَ فيه اعتكَفَ عشرينَ يَومًا ))
وفيه جوازُ الاعتكافِ في العَشرِ وفي غَيرِ العَشرِ
3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذكَرَ أنْ يعتكِفَ العَشرَ الأواخِرَ مِن رمضانَ، فاستأذَنَتْه عائشةُ، فأذِنَ لها، وسألَتْ حفصةُ عائشةَ أن تستأذِنَ لها ففعَلَتْ، فلمَّا رأت ذلك زينبُ ابنةُ جَحشٍ أَمَرَتْ ببناءٍ، فبُنِيَ لها، قالت: وكان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا صلى انصرَفَ إلى بنائِه، فبَصُرَ بالأبنيةِ، فقال: ما هذا؟ قالوا: بناءُ عائشةَ وحَفصةَ وزينبَ. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: آلبِرَّ أردْنَ بهذا؟ ما أنا بمُعتكِفٍ. فرجَعَ، فلما أفطَرَ اعتكَفَ عَشرًا من شوَّال ))
وفيه دليلٌ على جوازِ الاعتكافِ في غَيرِ رَمَضانَ
ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبد البَرِّ، وابنُ مُفلحٍ، والرَّمليُّ، والبُهوتيُّ
الفرع الأول: وقتُ بدايةِ مَن أراد الاعتكافَ في العشر الأواخِرِ من رمضان
اختلف أهلُ العِلمِ في بداية الاعتكافِ في العَشرِ الأواخر من رمضان، على قولين:
القول الأول:
يبدأُ قبل غروبِ شَمسِ ليلةِ إحدى وعشرين، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافِعيَّة، والحَنابِلة
الأدِلَّة منَ السُّنَّة:
1- عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يعتكِفُ في العَشرِ الأوسطَ مِن رمضان، فاعتكف عامًا، حتى إذا كان ليلةَ إحدى وعشرين، وهي الليلةُ التي يخرُجُ مِن صَبيحَتِها من اعتكافِه، قال: من كان اعتكَفَ معي، فليعتَكِفِ العَشرَ الأواخِرَ ))
2- عن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يعتكفُ العَشرَ الأواخِرَ من رمضانَ حتَّى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجُه من بعده ))
وجه الدلالة:
أنَّ العَشرَ بغيرِ هاءٍ، عددُ الليالي؛ فإنها عددُ المؤنث, كما قال الله تعالى: وَليالٍ عَشْر وأوَّلُ الليالي العَشرِ ليلةُ إحدى وعشرين
القول الثاني:
يبدأُ الاعتكافَ من بعد صلاةِ فَجرِ اليومِ الواحِدِ والعشرينَ، وهي رواية عن أحمد، واختيارُ ابنِ المنذر، وابنِ القيِّم، والصنعاني، وابنِ باز
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أراد أن يَعتَكِفَ، صلَّى الفَجرَ، ثم دخل مُعتَكَفَه ))
الفرع الثاني: وقتُ نهاية الاعتكافِ في أيَّام العشر الأواخِرِ من رمضان
ينتهي وقتُ الاعتكافِ في أيَّامِ العَشرِ الأواخِرِ، من بعد غروبِ شَمسِ آخرِ يومٍ من رمضان، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافِعيَّة، والحَنابِلة؛ وذلك حتى يكونَ مُستوفيًا للعَشرِ بكَمالِه، ولا يمكِنُ استيفاءُ ذلك إلَّا بالمُجاوزةِ، كما لا يُمكِنُ استيفاءُ الصِّيامِ إلَّا بمجاوزةِ الإمساكِ إلى جزءٍ مِن اللَّيلِ
المطلب الثالث: أقلُّ مدةٍ للاعتكافِ
لا حدَّ لأقَلِّ مُدَّةٍ للاعتكافِ، وهو مذهب الحَنَفيَّة، والشَّافِعيَّة، وقولٌ للحَنابِلة، واختاره ابنُ حَزمٍ، والشوكاني وابن باز، وحكى ابنُ عبدِ البَرِّ أنَّه قَولُ أكثَرِ الفُقَهاءِ
الدَّليل:من الكتاب
عمومُ قَولِه تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة: 187]
وجه الدلالة:
أنَّ كُلَّ إقامةٍ في مسجدٍ لله تعالى بِنيَّةِ التقرُّبِ إليه، فهي اعتكافٌ، سواءٌ قلَّتِ المدةُ أو كثَرُت؛ حيث لم يخُصَّ الشَّارعُ عددًا أو وقتًا
لا حدَّ لأكثَرِ زَمانِ الاعتكاف.
الأدِلَّة: أوَّلًا: من الكتاب
عمومُ قَولِه تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة: 187]
وجه الدلالة:
أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى لم يَحُدَّه بوقتٍ، ولم يُقَدِّرْه بمدةٍ؛ فهو على إطلاقِه، وغيرُ جائزٍ تخصيصُهُ بغيرِ دَلالةٍ
ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: النوويُّ، وابنُ الملقِّن، وابنُ حَجرٍ
الأدِلَّة:أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يعتكِفُ العشرَ الأواخِرَ مِن رمضانَ، حتى توفَّاه الله، ثم اعتكَفَ أزواجُه مِن بَعدِه ))
وفيه استحبابُ اعتكافِ العَشرِ الأواخِرِ مِن رَمَضانَ
2- عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يعتكِفُ في كلِّ رمضانَ عَشرةَ أيَّامٍ، فلمَّا كان العامُ الذي قُبِضَ فيه اعتكَفَ عشرينَ يَومًا ))
وفيه جوازُ الاعتكافِ في العَشرِ وفي غَيرِ العَشرِ
3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذكَرَ أنْ يعتكِفَ العَشرَ الأواخِرَ مِن رمضانَ، فاستأذَنَتْه عائشةُ، فأذِنَ لها، وسألَتْ حفصةُ عائشةَ أن تستأذِنَ لها ففعَلَتْ، فلمَّا رأت ذلك زينبُ ابنةُ جَحشٍ أَمَرَتْ ببناءٍ، فبُنِيَ لها، قالت: وكان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا صلى انصرَفَ إلى بنائِه، فبَصُرَ بالأبنيةِ، فقال: ما هذا؟ قالوا: بناءُ عائشةَ وحَفصةَ وزينبَ. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: آلبِرَّ أردْنَ بهذا؟ ما أنا بمُعتكِفٍ. فرجَعَ، فلما أفطَرَ اعتكَفَ عَشرًا من شوَّال ))
وفيه دليلٌ على جوازِ الاعتكافِ في غَيرِ رَمَضانَ
ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبد البَرِّ، وابنُ مُفلحٍ، والرَّمليُّ، والبُهوتيُّ
المطلب الثاني: بدايةُ الاعتكافِ في العَشرِ الأواخِرِ مِن رمضان ونهايتُه
الفرع الأول: وقتُ بدايةِ مَن أراد الاعتكافَ في العشر الأواخِرِ من رمضان
اختلف أهلُ العِلمِ في بداية الاعتكافِ في العَشرِ الأواخر من رمضان، على قولين:
القول الأول:
يبدأُ قبل غروبِ شَمسِ ليلةِ إحدى وعشرين، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافِعيَّة، والحَنابِلة
الأدِلَّة منَ السُّنَّة:
1- عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يعتكِفُ في العَشرِ الأوسطَ مِن رمضان، فاعتكف عامًا، حتى إذا كان ليلةَ إحدى وعشرين، وهي الليلةُ التي يخرُجُ مِن صَبيحَتِها من اعتكافِه، قال: من كان اعتكَفَ معي، فليعتَكِفِ العَشرَ الأواخِرَ ))
2- عن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يعتكفُ العَشرَ الأواخِرَ من رمضانَ حتَّى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجُه من بعده ))
وجه الدلالة:
أنَّ العَشرَ بغيرِ هاءٍ، عددُ الليالي؛ فإنها عددُ المؤنث, كما قال الله تعالى: وَليالٍ عَشْر وأوَّلُ الليالي العَشرِ ليلةُ إحدى وعشرين
القول الثاني:
يبدأُ الاعتكافَ من بعد صلاةِ فَجرِ اليومِ الواحِدِ والعشرينَ، وهي رواية عن أحمد، واختيارُ ابنِ المنذر، وابنِ القيِّم، والصنعاني، وابنِ باز
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أراد أن يَعتَكِفَ، صلَّى الفَجرَ، ثم دخل مُعتَكَفَه ))
الفرع الثاني: وقتُ نهاية الاعتكافِ في أيَّام العشر الأواخِرِ من رمضان
ينتهي وقتُ الاعتكافِ في أيَّامِ العَشرِ الأواخِرِ، من بعد غروبِ شَمسِ آخرِ يومٍ من رمضان، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافِعيَّة، والحَنابِلة؛ وذلك حتى يكونَ مُستوفيًا للعَشرِ بكَمالِه، ولا يمكِنُ استيفاءُ ذلك إلَّا بالمُجاوزةِ، كما لا يُمكِنُ استيفاءُ الصِّيامِ إلَّا بمجاوزةِ الإمساكِ إلى جزءٍ مِن اللَّيلِ
المطلب الثالث: أقلُّ مدةٍ للاعتكافِ
لا حدَّ لأقَلِّ مُدَّةٍ للاعتكافِ، وهو مذهب الحَنَفيَّة، والشَّافِعيَّة، وقولٌ للحَنابِلة، واختاره ابنُ حَزمٍ، والشوكاني وابن باز، وحكى ابنُ عبدِ البَرِّ أنَّه قَولُ أكثَرِ الفُقَهاءِ
الدَّليل:من الكتاب
عمومُ قَولِه تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة: 187]
وجه الدلالة:
أنَّ كُلَّ إقامةٍ في مسجدٍ لله تعالى بِنيَّةِ التقرُّبِ إليه، فهي اعتكافٌ، سواءٌ قلَّتِ المدةُ أو كثَرُت؛ حيث لم يخُصَّ الشَّارعُ عددًا أو وقتًا
المطلب الرابع: أكثَرُ مدةٍ للاعتكافِ
لا حدَّ لأكثَرِ زَمانِ الاعتكاف.
الأدِلَّة: أوَّلًا: من الكتاب
عمومُ قَولِه تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة: 187]
وجه الدلالة:
أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى لم يَحُدَّه بوقتٍ، ولم يُقَدِّرْه بمدةٍ؛ فهو على إطلاقِه، وغيرُ جائزٍ تخصيصُهُ بغيرِ دَلالةٍ
ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: النوويُّ، وابنُ الملقِّن، وابنُ حَجرٍ
[size=24] المبحث العاشر: اشتراطُ الصَّومِ للاعتكاف
يصِحُّ الاعتكافُ مِن غَيرِ صَومٍ، وهو مذهَبُ الشَّافِعيَّة
، والمشهورُ عِندَ الحَنابِلة، وقولُ طائفةٍ من السَّلَفِ، واختاره ابنُ حَزم، وابنُ دقيقِ العيدِ، وابنُ باز، وابنُ عُثيمين
الأدِلَّة:أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن ابنِ عمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ عُمَرَ سأل النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: كنتُ نَذَرْتُ في الجاهليَّةِ أن أعتكِفَ ليلةً في المسجِدِ الحَرامِ؟ قال: فأوْفِ بِنَذرِك ))
وجه الدلالة:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد أَذِنَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه بالاعتكافِ ليلًا، ومعلومٌ أنَّ اللَّيلَ لا صَومَ فيه، فلو كان الصَّومُ شَرْطًا في صحَّةِ الاعتكاف، لَمَا صَحَّ اعتكافُ اللَّيلِ؛ لأنَّه لا صيامَ فيه.
2- عن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أراد أن يعتكِفَ، صلَّى الفَجرَ، ثم دخَلَ مُعتَكَفَه. وإنَّه أمَرَ بخِبائِه فضُرِبَ. أراد الاعتكافَ في العَشرِ الأواخِرِ مِن رمضانَ، فأمَرَت زينبُ بخِبائِها فضُرِبَ، وأمَرَ غَيرُها من أزواجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بخِبائِه فضُرِبَ، فلمَّا صلى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الفَجرَ، نظر فإذا الأخبِيةُ، فقال: آلبِرَّ تُرِدْنَ؟ فأمَرَ بخبائِه فقُوِّضَ، وترك الاعتكافَ في شَهرِ رمضانَ، حتى اعتكَفَ في العَشرِ الأُوَلِ مِن شَوَّال ))
وجه الدلالة:
في الحديثِ دليلٌ على جوازِ الاعتكافِ بِغَيرِ صَومٍ
ثانيًا: أنَّ إيجابَ الصَّومِ حُكمٌ لا يثبُتُ إلَّا بالشَّرعِ، ولم يصِحَّ فيه نصٌّ ولا إجماعٌ
ثالثًا: لأنَّهما عبادتان مُنفَصِلتانِ، فلا يُشتَرَطُ للواحِدةِ وُجودُ الأخرى
وما زلنا احبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا
::
لا تنسونا من صالح دعائكم
::
التالي : ما يُفسِدُ الاعتكافَ وما لا يُفسِدُه
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» (( - 2 -)) خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأربعاء نوفمبر 13, 2024 11:28 pm من طرف صادق النور