:
حُكْمُ الحَلْقِ والتقصيرِ
:
حَلْقُ شَعْرِ الرَّأسِ أو تقصيرُه واجبٌ من واجباتِ الحجِّ والعُمْرةِ، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة
، والمالِكيَّة، والحَنابِلة
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قَولُه تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح: 27]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ الحَلْقَ والتقصيرَ وصفًا للحَجِّ والعُمْرةِ، والقاعدةُ أنَّه إذا عَبَّرَ بجزءٍ مِنَ العبادةِ عن العبادةِ، كان دليلًا على وجوبِه فيها
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَرَجَ معتَمِرًا، فحالَ كفَّارُ قريشٍ بينه وبين البيتِ، فنحَرَ هَدْيَه وحَلَقَ رَأسَه بالحُدَيبِيَةِ ))
2- عن عبدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حلَقَ رأسَه في حَجَّةِ الوداع ))، وقد قال عليه
الصَّلاة والسلامُ: ((لِتَأخُذوا مناسِكَكم ))، مع كونِ فِعْلِه وقعَ بيانًا لمُجمَلِ الكتابِ.
: إجزاءُ التَّقصيرِ عن الحَلْقِ
يُجْزِئُ التقصيرُ عن الحَلْقِ.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
ظاهِرُ قَولِه تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح: 27]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((اللهُمَّ ارحَمِ المُحَلِّقينَ، قال في الرَّابعةِ: والمُقَصِّرينَ ))
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك، ابنُ المُنْذِر، والنوويُّ وابنُ حجرٍ
: القَدْرُ الواجِبُ حَلقُه أو تقصيرُه
الواجِبُ حَلْقُ جميعِ الرَّأسِ، أو تقصيرُه كُلِّه، وهذا مذهَبُ المالِكيَّة، والحَنابِلة، واختارَه ابنُ باز، وابنُ عُثيمين
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
عمومُ قَولِه تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح: 27]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنه عامٌّ في جميعِ شَعْرِ الرَّأسِ، فالرَّأسُ اسمٌ لجميعِه
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حلَقَ رأسَه في حجَّةِ الوداع
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حلَقَ جميعَ رأسِه؛ تفسيرًا لمُطلَقِ الأمرِ به، فيجِبُ الرُّجوعُ إليه
ثالثًا: ولأنَّه نُسُكٌ تعَلَّقَ بالرَّأسِ، فوجبَ استيعابُه به، كالمسحِ
: أفضَلِيَّةُ الحَلْقِ على التَّقصيرِ
حَلْقُ جميعِ الرَّأسِ أفضَلُ مِن تقصيرِه
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
ظاهِرُ قولِه تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح: 27]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ بدأ بالحَلْقِ، والعَرَبُ إنَّما تبدأُ بالأهَمِّ والأفضَلِ
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((اللهمَّ ارحَمِ المُحَلِّقينَ. قالوا: والمُقَصِّرينَ يا رسولَ الله، قال: اللهُمَّ ارحم المُحَلِّقينَ. قالوا: والمُقَصِّرينَ يا رسولَ اللهِ، قال: والمُقَصِّرينَ ))
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال: ((حَلَقَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حَجَّتِه ))
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابْنُ عَبْدِ البَرِّ، والنوويُّ
:
الحلْقُ والتقصيرُ للمرأةِ
المطلب الأوَّل: حَلْقُ المرأةِ رَأسَها
يُشْرَعُ للمرأةِ التَّقصيرُ لا الحَلْقُ.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ليس على النِّساءِ حَلْقٌ، وإنَّما عليهِنَّ التَّقصيرُ ))
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابْنُ المُنْذِر، وابنُ عَبْدِ البَرِّ، وابنُ قُدامة، والنوويُّ
ثالثًا: أنَّ الحَلْقَ في حقِّ النِّساءِ فيه مُثْلَةٌ؛ ولهذا لم تَفْعَلْه نساءُ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
رابعًا: أنَّ المرأةَ محتاجةٌ إلى التجمُّلِ والتزَيُّنِ، والشَّعْرُ جمالٌ وزينةٌ؛ ولذا شُرِعَ في حَقِّهنَّ التَّقصيرُ فقط
: إمرارُ الموسى على مَن ليسَ على رأسِه شَعْرٌ
إذا لم يكُنْ على رأسِه شَعْرٌ- كالأقرعِ ومَن برأسِه قروحٌ- فقد اختلفَ أهلُ العِلمِ فيه على أقوالٍ، أقواها قولان:
القول الأوّل: أنَّه يُستحَبُّ له إمرارُ الموسى على رأسِه، ولا يجب،
وهو مذهَبُ الشَّافعيَّة، والحَنابِلة، وهو قولٌ للحَنَفيَّة وهو قَوْلُ طائِفةٍ مِنَ السَّلَفِ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ الحَلْقَ مَحَلُّهُ الشَّعْرُ، فسقَطَ بعَدَمِه كما سَقَطَ وجوبُ غَسْلِ العُضوِ في الوضوءِ بفَقْدِه
ثانيًا: لأنَّه إمرارٌ لو فَعَلَه في الإحرامِ لم يجِبْ به دمٌ، فلم يجِبْ عند التحلُّلِ كإمرارِه على الشَّعْرِ من غيرِ حَلْقٍ
ثالثًا: لأنَّه عبادةٌ تتعَلَّقُ بالشَّعرِ، فتنتقِلُ للبَشَرةِ عند عَدَمِه، كالمسحِ في الوضوءِ
رابعًا: تَشَبُّهًا بالحالقين
القول الثاني: لا يُستحَبُّ له إمرارُ الموسى على رأسِه، وهو مرويٌّ عن أبي بكرِ ابنِ داودَ، وبه قال ابنُ القَيِّم، ومال إليه المرداوي، واختارَه ابنُ عُثيمين؛ وذلك لأنَّ القاعدةَ المُتَّفَقَ عليها أنَّ الوسائِلَ يسقُطُ اعتبارُها عند تعذُّرِ المقاصِدِ، وإمرارُ الموسى وسيلةٌ لإزالةِ الشَّعْر، وليست مقصودةً بذاتها
: التَّيامُنُ في حَلْقِ الرَّأسِ
يُستحَبُّ التيامُنُ في حَلْقِ الرَّأسِ، والعبرةُ في التيامُنِ في الحَلْقِ بيمينِ المحلوقِ، فيبدأ بشِقِّ رأسِه الأيمنِ ثمَّ الشِّقِّ الأيسرِ، وهذا مَذهَبُ
الجُمْهورِ: المالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة، واختاره ابنُ الهمام مِنَ الحَنَفيَّة
الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ:
عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رمى جَمْرةَ العَقَبةِ، ثمَّ انصرَفَ إلى البُدُنِ فنَحَرَها، والحجَّامُ جالسٌ، وقال بيَدِه عن رأسِه، فحَلَقَ شِقَّه الأيمنَ فقَسَمَه فيمَن يليه، ثم قال: احلِقِ الشِّقَّ الآخَرَ، فقال: أين أبو طَلحةَ؟ فأعطاه إيَّاه ))
وفي روايةٍ عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((لَمَّا رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجَمْرةَ ونَحَرَ نسُكَه وحَلَقَ، ناول الحلَّاقَ شِقَّه الأيمنَ فحَلَقَه، ثم دعا أبا طلحةَ الأنصاريَّ رَضِيَ اللهُ عنه فأعطاه إيَاه، ثمَّ ناوله الشِّقَّ الأيسرَ، فقال: احلِقْ: فحَلَقَه، فأعطاه أبا طلحةَ، فقال: اقسِمْه بين النَّاسِ ))
---------------------------
:::::: . طوافُ الإفاضةِ .::::::
: تعريفُ طوافِ الإفاضةِ
الإفاضة لغةً: هي الزَّحْفُ والدَّفْعُ في السَّيرِ بكثرةٍ، ولا يكونُ إلَّا عن تفرُّقٍ وجَمعٍ.
وأصلُ الإفاضةِ الصَّبُّ، فاستُعيرَتْ للدَّفعِ في السير... ومنه طوافُ الإفاضةِ يومَ النَّحرِ، يُفيضُ مِن مِنًى إلى مكَّةَ، فيطوفُ ثم يرجِعُ
أسماءُ طَوافِ الإفاضةِ:
سُمِّيَ طوافُ الإفاضةِ بعدَّةِ أسماءَ؛ منها:
1- طوافُ الإفاضةِ: وسُمِّيَ بذلك؛ لأنَّه يأتي بعد إفاضَتِه من مِنًى إلى مكَّة.
2- طوافُ الزِّيارة: وذلك لأنَّ الحاجَّ يأتي مِن مِنًى لزيارةِ البَيتِ، ولا يقيمُ بمكَّةَ بل يرجِعُ إلى مِنًى.
3- طوافُ الصَّدَر: لأنَّه يُفعَل بعد الرُّجوعِ, والصَّدَرُ: يطلق أيضًا على طوافِ الوَداعِ.
4- طوافُ الواجِبِ، وطوافُ الرُّكْنِ، وطوافُ الفَرْضِ: وذلك باعتبارِ الحُكْمِ
: حُكْمُ طوافِ الإفاضةِ
طوافُ الإفاضةِ رُكْنٌ مِن أركانِ الحَجِّ، لا يَصِحُّ الحجُّ إلا به، ولا ينوبُ عنه شيءٌ.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
يقول الله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
اتَّفَق أهلُ التَّفسيرِ أنَّ المرادَ بالطَّوافِ المأمورِ به في هذه الآيةِ: هو طوافُ الإفاضةِ
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
أنَّ صَفِيَّةَ بنتَ حُيَيٍّ- زوجَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- حاضَتْ، فذكَرَتْ ذلك لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ((أحابِسَتُنا هي؟ قالوا: إنَّها قد أفاضت، قال: فلا إذًا. وفي روايةٍ لمسلمٍ: لَمَّا أراد النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن ينفِرَ، إذا صفِيَّةُ على بابِ خِبائِها كئيبةً حزينةً. فقال: عَقْرى حَلْقى! إنَّكِ لحابِسَتُنا. ثم قال لها: أكنتِ أفضْتِ يومَ النَّحرِ؟ قالت: نعم. قال: فانفِري ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ قولَ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أحابِسَتُنا هي؟)) يدلُّ على أنَّ هذا الطَّوافَ
لا بدَّ مِنَ الإتيانِ به, وأنَّ عدَمَ الإتيانِ به موجِبٌ للحَبْسِ
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نقل الإجماعَ على ركنيَّة طوافِ الإفاضةِ: ابنُ المُنْذِر, وابْنُ حَزْمٍ, وابنُ عَبْدِ البَرِّ, وابنُ رشد, وابنُ قُدامة, والنوويُّ, وابنُ تيميَّة
: اشتراطُ كونِ طوافِ الإفاضةِ بعد الوقوفِ بعَرَفةَ
يُشْتَرَطُ أن يَسْبِقَ طوافَ الإفاضةِ الوقوفُ بعَرَفةَ, فلو طاف للإفاضةِ قبل الوقوفِ بعَرَفةَ لا يَسْقُطُ به فَرْضُ الطَّوافِ
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قال الله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ[الحج: 29]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّه لا يُمكِنُ قضاءُ التَّفَثِ والوفاءُ بالنَّذْرِ إلَّا بعد الوقوفِ بعَرَفةَ ومُزْدَلِفةَ
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه في صِفَةِ حجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حاكيًا عمَلَه بعد الوقوفِ بعَرَفةَ والمبيتِ بالمُزْدَلِفةِ والرميِ: ((ثم ركِبَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأفاضَ إلى البيتِ، فصلَّى بمكَّة الظُّهرَ ))
2- عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((أفاض يومَ النَّحرِ، ثم رجَعَ فصَلَّى الظُّهرَ بمِنًى)) قال نافعٌ: ((فكان ابنُ عُمَرَ يُفيضُ يومَ النَّحرِ، ثمَّ يرجِعُ فيُصَلِّي الظُّهرَ بمِنًى، ويذكُرُ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَعَلَه ))
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابْنُ تيميَّة
: وقتُ طوافِ الإفاضةِ
المطلب الأوَّل: السنَّةُ في وقتِ طوافِ الإفاضةِ
يُسَنُّ أن يكونَ طوافُ الإفاضةِ في يومِ النَّحْرِ أوَّلَ النَّهارِ، بعد الرَّميِ والنَّحرِ والحَلْقِ، وهو أفضلُ وقتٍ لبدايَتِه
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- حديثُ جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما في صِفَةِ حجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وفيه: ((أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رمى جَمْرةَ العَقَبةِ، ثمَّ انصرَفَ إلى المنحَرِ، فنَحَرَ هَدْيَه, ثمَّ أفاض إلى البيتِ، فصلى بمكَّةَ الظُّهْرَ ))
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أفاض يومَ النَّحْرِ، ثم رجَعَ فصلى الظُّهرَ بمِنًى. قال نافعٌ: فكان ابنُ عُمَرَ يُفيضُ يومَ النَّحرِ، ثم يرجِعُ فيُصَلِّي الظهرَ بمِنًى. ويذكُرُ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَعَلَه ))
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك النوويُّ
المطلب الثَّاني: أوَّلُ وقتِ طوافِ الإفاضةِ؟
اختلف العُلَماء في تحديدِ أوَّل وقت طواف الإفاضة على قولينِ:
القول الأوّل: أنَّ أوَّلَ وقتِ طوافِ الإفاضةِ بعد منتصَفِ ليلةِ النَّحرِ لِمَن وقف بعَرَفةَ قَبْلَه، وهذا مذهَبُ الشَّافعيَّة، والحَنابِلة, واختارَه ابنُ باز
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّها قالت: ((أرسلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأمِّ سَلَمةَ ليلةَ النَّحْرِ، فرَمَتِ الجَمْرةَ قبل الفَجْرِ
ثم مَضَتْ فأفاضت، وكان ذلك اليومُ اليومَ الذي يكون رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- تعني عندَها ))
2- عن أسماءَ ((أنَّها نَزَلت ليلةَ جَمعٍ عند المُزدَلفةِ، فقامت تصلِّي، فصلَّت ساعةً، ثم قالت: يا بُنَيَّ، هل غاب القمَرُ؟
قلتُ: لا. فصلَّت ساعةً، ثم قالت: هل غاب القمَرُ؟ قلتُ: نعم. قالت: فارتَحِلوا. فارتَحَلْنا، ومضَينا حتى رَمَت الجمرةَ،
ثم رجَعَت فصَلَّت الصُّبحَ في مَنزِلِها. فقلتُ لها: يا هنتاه، ما أرانا إلَّا قد غَلَّسْنا. قالت: يا بنيَّ، إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم
أذِنَ للظُّعُنِ ))
وَجْهُ الدَّلالةِ مِنَ الحديثينِ:
أنَّ ظاهِرَ النَّصِّ جوازُ الدَّفعِ مِنَ المُزْدَلِفةِ قبل منتصَفِ اللَّيلِ، والرَّميِ؛ لأنَّ أمَّ سَلَمةَ وأسماءَ رَضِيَ اللهُ عنهما رَمَتا الجَمْرةَ
قبل الصُّبحِ؛ فهذا دليلٌ على جوازِ الرَّميِ قبل الفجرِ، فإذا جاز رميُ الجَمْرةِ قبل الفجرِ؛ جاز فِعْلُ بقيَّةِ أعمالِ يومِ النَّحرِ؛
لأنَّها مترابطةٌ
ثانيًا: قياسُ الطَّوافِ على الرَّميِ؛ بجامعِ أنَّهما من أسبابِ التَّحلُّلِ؛ فإنَّه بالرميِ للجِمار والذَّبحِ والحَلْقِ يحصُلُ التحلُّلُ الأوَّلُ،
وبالطَّوافِ يحصُلُ التَّحلُّلُ الأكبرُ، فكما أنَّ وقتَ الرَّميِ يبدأُ عندهم بعد نِصْفِ اللَّيلِ، فكذا وقتُ طوافِ الإفاضةِ
القول الثاني: يبتِدئُ مِن طُلوعِ الفَجرِ الثَّاني يومَ النَّحرِ، وهذا مذهب الحَنَفيَّة, والمالِكيَّة, وهو روايةٌ عن أحمد
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- فِعْلُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مع قوله: ((لِتَأخُذوا مناسِكَكم ))؛ فقد طاف طوافَ الإفاضةِ يومَ النَّحرِ
ثانيًا: أنَّ ما قبل الفجْرِ مِنَ الليلِ وقْتُ الوقوفِ بعَرَفة، والطَّوافُ مُرَتَّبٌ عليه، فلا يصِحُّ أن يتقدَّمَ ويَشغَلَ شيئًا من وقتِ الوقوف، فالوقتُ الواحدُ لا يكون وقتًا لركنينِ
فرعٌ: أداءُ طوافِ الإفاضةِ أيَّامَ التَّشريقِ
إذا أخَّرَ طوافَ الإفاضةِ عن يومِ النَّحرِ وأدَّاه في أيَّامِ التَّشريقِ؛ صَحَّ طوافُه، ولا شيءَ عليه.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابْنُ المُنْذِروالنوويُّ
المطلب الثَّالث: آخِرُ وقتِ طوافِ الإفاضةِ
طوافُ الإفاضةِ ليس لآخِرِه وقتٌ، ولا يلزَمُ بتأخيرِه دَمٌ، وهو مذهَبُ الشَّافعيَّة، والحَنابِلة، وهو قَوْلُ طائِفةٍ مِنَ السَّلَفِ،
وهو اختيارُ ابنِ باز، وبه أفتَتِ اللجنةُ الدَّائمةُ
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ طوافَ الإفاضةِ ليس له وقتٌ يفوتُ بفواتِه، فإنَّه متى أتى به صَحَّ
ثانيًا: أنَّ الأصلَ عَدَمُ الدَّمِ حتى يَرِدَ الشَّرْعُ به
ثالثًا: أنَّه طاف فيما بعد أيَّامِ النَّحرِ طوافًا صحيحًا، فلم يلزَمْه دمٌ، كما لو طاف أيَّامَ النَّحرِ
المطلب الرابع: وقتُ طوافِ الإفاضةِ الواجِبِ وما يترتَّبُ على تأخيرِه
اختلف أهلُ العِلْمِ في وقتِ طوافِ الإفاضةِ الواجِبِ، وما يترتَّبُ على تأخيرِه، على أقوال، أقواها قولان:
القول الأوّل: يجِبُ أداؤُه قبل خروجِ شَهْرِ ذي الحِجَّةِ، فإذا خرج لَزِمَه دمٌ، وهذا مذهَبُ المالِكيَّة واختارَه ابنُ عُثيمين
الدَّليل مِنَ الكتاب
قال اللهُ تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة: 197]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
في الآيةِ دليلٌ على أنَّ الحجَّ مؤَقَّتٌ بأشهُرٍ محدَّدةٍ، لا يجوزُ تأخيرُه عنها, وتأخيرُ الطَّوافِ إلى مُحَرَّمٍ، فِعْلٌ للرُّكْنِ في غيرِ أشهُرِ الحَجِّ
القول الثاني: لا يلزَمُه شيءٌ بالتأخيرِ أبدًا، وهذا مذهب الشَّافعيَّة، والحَنابِلة، وبه قالَتْ طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ، واختاره ابنُ المُنْذِر,
وابنُ باز
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه لا دليلَ على عَدَمِ جوازِ تأخيرِ طوافِ الإفاضةِ عن ذي الحِجَّةِ
ثانيًا: أنَّ الأصلَ عَدَمُ الدَّمِ حتى يَرِدَ الشَّرْعُ به
***** المطلب الرابع: الشُّربُ مِن ماءِ زَمْزَمَ *****
يُسَنُّ الشُّرْبُ مِن ماءِ زَمْزَمَ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة، وهو قولُ ابْنِ حَزْمٍ
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ، فذكر حديثَ حَجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: (ثم ركِبَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأفاض بالبيتِ، فصلَّى بمكَّةَ الظُّهرَ، وأتى بني عبد المطَّلِب يَسقونَ على زمزمَ، فقال: انزِعُوا بني عبدِ المُطَّلِبِ، فلولا أنْ يغْلِبَكم النَّاسُ على سِقايَتِكم لنَزَعْتُ معكم، فناوَلُوه دَلْوًا فشَرِبَ منه)
2- قولُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأبي ذرٍّ- في حديث إسلامِ أبي ذَرٍّ-: ((فمَن كان يُطْعِمُك؟)) قال قلتُ: ما كان لي طعامٌ إلَّا ماءُ زمزمَ، فسَمِنْتُ حتى تكسَّرَتْ عُكَنُ بطني وما أجدُ على كَبِدي سَخْفَةَ جُوعٍ
فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((إنَّها مباركةٌ؛ إنَّها طعامُ طُعْمٍ ))
وفي رواية: ((وشِفاءُ سُقْمٍ ))
ثانيًا: مِنَ الآثار
عن عبَّادِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ، قال: ((لَمَّا حجَّ معاويةُ رَضِيَ اللهُ عنه حجَجْنا معه، فلَمَّا طاف بالبيتِ، وصلَّى عند المقامِ ركعتينِ، ثم مرَّ بزمزمَ، وهو خارِجٌ إلى الصَّفا، فقال: انزِعْ لي منها دَلْوًا يا غلامُ، فنَزَعَ له منها دَلْوًا،فأُتِيَ به فشَرِبَ منه، وصَبَّ على وجْهِه ورأسِه، وهو يقولُ: زمزمُ شفاءٌ، وهي لِمَا شُرِبَ له ))
----------------------------------------------------
وما زلنا أحبابنا وكأنننا نتطلع بماء زمزم وعدنا الله وإياكم شربه في حجه وعمره
ولا تنسونا من صالح دعائكم
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» (( - 2 -)) خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأربعاء نوفمبر 13, 2024 11:28 pm من طرف صادق النور