نتابع أحبابنا رحلتنا المباركه لمناسك الحج والعمره ولتمام الفائده نرجوا المتابعه من الجزء ألأول وجزاكم الله خيرا
*****
*** أسماءُ مُزدَلِفةَ ***
1- مُزْدَلِفةُ:
يقال: زَلَفَ إليه، وازدَلَف، وتَزَلَّف؛ أي: دنا منه، وأزْلَفَ الشيءَ: قَرَّبَه، ومُزْدَلِفةُ، والمُزْدَلِفة: موضع بمكَّةَ
سببُ التَّسْمِيَةِ بمُزْدَلِفة:
أ- لأنَّهم يَقْرُبونَ فيها مِن مِنًى، والازدلافُ التَّقريبُ، ومنه قوله تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ [الشعراء: 90] أي قُرِّبَتْ
ب- لأنَّ النَّاس يجتمعونَ بها، والاجتماعُ الازدلافُ، ومنه قوله تعالى: وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ [الشعراء: 64]
2-
المَشْعَرُ الحرامُ:
سَمَّى اللهُ المُزْدَلِفةَ بالمشعَرِ الحرامِ؛ قال تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ
وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ [البقرة: 198]
والمَشعرُ الحرامُ المذكورُ في القرآنِ: هو جميعُ المزدَلِفةِ، وبه قال جمهورُ المُفَسِّرين وأصحابُ الحديثِ والسِّيَر
3- جَمْعٌ:
أطلَقَ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على مُزْدَلِفةَ (جَمْع) فقال: ((ووقَفْتُ ها هنا وجَمْعٌ كُلُّها موقِفٌ ))
سببُ التَّسميةِ بـ (جَمْع):
سُمِّيَت جمْعًا؛ لأنَّها يُجمَع فيها بين الصَّلاتينِ، وقيل: وُصِفَتْ بفِعْلِ أهلها؛ لأنَّهم يجتمعونَ بها ويَزْدَلِفونَ إلى اللهِ؛ أي: يتقرَّبونَ إليه
بالوقوفِ
*** حدُّ المُزدلِفةِ ***
حدُّ المزدلِفَةِ: ما بينَ المَأْزِمَينِ
ووادي مُحَسِّر، وليس الحدَّانِ منها، ويحصُلُ المبيتُ بالمُزدلفةِ بالحضورِ في أيَّةِ بُقعةٍ منها
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((نَحَرْتُ ها هنا، ومِنًى كلُّها مَنْحَرٌ، فانْحَروا في رِحالِكم، ووقَفْتُ ها هنا، وعَرَفةُ كُلُّها موقِفٌ، ووقفْتُ ها هنا، وجَمْعٌ كلُّها موقِفٌ ))
ثانيًا: أنَّ كُلَّ ما بين المَأزِمَينِ ووادي مُحَسِّرٍ يَصْدُقُ عليه اسمُ مُزْدَلِفةَ
*** حُكْمُ المَبيتِ بالمُزْدَلفة***
المبيتُ بالمُزْدَلِفة
واجبٌ مِن واجباتِ الحَجِّ، وهذا مذهب الجمهور، المالِكيَّة، والشَّافعيَّة في الأصَحِّ والحَنابِلة وهو قَوْلُ طائِفةٍ مِنَ السَّلَفِ
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قَولُه تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة: 199]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
الأصلُ في الأَمْرِ الوجوبُ حتَّى يقومَ دليلٌ على صَرْفِه عن الوجوبِ
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عُرْوةَ بنِ مُضَرِّسِ بنِ أوسِ بنِ حارثةَ بنِ لامٍ الطَّائيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أتيتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالمُزْدَلِفةِ حين خرج إلى الصَّلاةِ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي جِئْتُ مِن جَبَلِ طَيِّئٍ، أكْلَلْتُ راحلتي، وأتعبْتُ نفسي، واللهِ، ما تَرَكْتُ مِنْ حَبْلٍ إلَّا وقفْتُ عليه، فهل لي مِن حَجٍّ؟ فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن شَهِدَ صلاتَنا هذه ووقَفَ معنا حتى ندفَعَ، وقد وقَفَ بعَرَفة قبلُ ليلًا أو نهارًا؛ فقد أتمَّ حَجَّه وقضى تَفَثَه ))
2- حديث جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((حتى أتى المُزْدَلِفة، فصلَّى بها المغرِبَ والعِشاءَ بأذانٍ واحدٍ وإقامَتينِ، ولم يُسَبِّحْ بينهما شيئًا، ثم اضطجَعَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى طَلَعَ الفجرُ، وصلَّى الفجرَ حين تبيَّنَ له الصُّبْحُ بأذانٍ وإقامةٍ، ثم ركِبَ القصواءَ حتى أتى المشعَرَ الحرامَ... ))
حُكْمُ مَن فاتَه المبيتُ الواجِبُ في مُزْدَلِفةَ
مَن فاتَه المبيتُ الواجِبُ بالمُزْدَلِفةِ صَحَّ حَجُّه، وعليه دمٌ إلَّا إن ترَكَه لعُذْرٍ
فلا شيءَ عليه، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة
الدَّليلُ على وجوبِ الدَّمِ:
عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال: ((مَن نَسِيَ مِن نُسُكِه شيئًا، أو تَرَكَه؛ فلْيُهْرِقْ دمًا))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ مِثْلَه لا يُقالُ بالرأيِ؛ فله حُكْمُ الرَّفعِ، ولا مُخالِفَ له مِنَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، وعليه انعَقَدَتْ فتاوى التَّابعينَ، وعامَّةِ الأُمَّة
الأدِلَّةُ على سُقُوطِ الدَّمِ عَمَّن تَرَكَ المبيتَ بالمُزْدَلِفةِ لعُذْرٍ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رخَّصَ للرُّعاةِ في تَرْكِ المبيتِ؛ لحديثِ عاصم بن عَدِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أرْخَصَ لِرِعاءِ الإبِلِ في البَيْتوتَةِ خارجينَ عَن مِنًى ))
2- أنَّ العبَّاسَ بنَ عبدِ المطَّلِبِ استأذَنَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يبيتَ بمكَّةَ لياليَ مِنًى؛ مِن أجْلِ سِقايَتِه، فأذِنَ له
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّه يُقاسُ مُزْدَلِفةُ على مِنًى
ثانيًا: أنَّها ليلةٌ يُرمَى في غَدِها، فكان لهم تَرْكُ المبيتِ فيها، كليالي مِنًى
صلاتا المَغْرِبِ والعشاءِ في المُزْدَلِفةِ
: الجمْعُ بين صلاتَيِ المغْرِبِ والعشاءِ في المُزْدَلِفةِ
يُسَنُّ للحاجِّ أن يجمَعَ في مُزْدَلِفةَ بين صلاتَيِ المغرِبِ والعشاءِ جَمْعَ تأخيرٍ
، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: المالِكيَّة في المشهورِ، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة، وبه قال أبو يوسفَ مِنَ الحَنَفيَّة، وهو قَوْلُ طائِفةٍ مِنَ السَّلَفِ،
وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن ابنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((جمَعَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين المغرِبِ والعِشاءِ بجَمْعٍ كلَّ واحدةٍ منهما بإقامةٍ،
ولم يُسَبِّحْ بينهما، ولا على إِثْرِ كلِّ واحدةٍ منهما ))
2- عن أبي أيُّوبَ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جمَعَ في حجَّةِ الوداعِ المغربَ والعِشاءَ بالمُزْدَلِفة
3- عن كُرَيبٍ عن أسامةَ بنِ زيدٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه سَمِعَه يقول: ((دفَعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من عَرَفة، فنزل الشِّعْبَ، فبال ثمَّ توضَّأَ ولم يُسْبِغِ الوضوءَ، فقلتُ له: الصَّلاةَ؟ فقال (الصَّلاةُ أمامَك). فجاء المُزْدَلِفةَ فتوضَّأَ فأسبَغَ، ثم أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فصَلَّى المغرِبَ، ثمَّ أناخ كلُّ إنسانٍ بَعيرَه في منزِلِه، ثم أقيمَتِ الصَّلاةُ فصَلَّى، ولم يُصَلِّ بينهما
: الجمعُ بين المغرِبِ والعشاءِ بأذانٍ واحدٍ وإقامَتينِ
يُجمَعُ بين المغرِبِ والعِشاءِ بأذانٍ واحدٍ وإقامتينِ، وهذا مذهَبُ الشَّافعيَّة، والحَنابِلة، وبه قال زُفَرُ والطحاويُّ مِنَ الحَنَفيَّة، وعبدُ الملِك ابنُ الماجِشون مِنَ المالِكيَّة، واختاره ابنُ المُنْذِر، وابْنُ حَزْمٍ، وابنُ القَيِّم، والشوكانيُّ، والشنقيطيُّ، وابنُ باز، وابنُ عُثيمين
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أتى المُزْدَلِفةَ، فصلَّى بها المَغْرِبَ والعِشاءَ بأذانٍ واحدٍ وإقامتينِ،
ولم يُسَبِّحْ بينهما شيئًا، ثم اضطجَعَ حتى طلَعَ الفجرُ، وصلَّى الفجْرَ ))
2- عن أسامَةَ بنِ زيدٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((دفَعَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنْ عَرَفةَ حتى إذا كان بالشِّعْبِ نزل فبال،
ثم توضَّأَ ولم يسبغ الوضوء، فقلت له: الصَّلاةَ يا رسولَ اللهِ، فقال: الصَّلاةُ أمامك. فرَكِبَ، فلما جاء المُزْدَلِفةَ نزل، فتوضَّأَ فأسبَغَ الوضوءَ، ثم أقيمَتِ العشاء فصلَّى المغرِبَ، ثم أناخ كلُّ إنسانٍ بعيرَه في مَنْزِلِه، ثم أقيمَتِ الصَّلاةُ فصَلَّى، ولم يُصَلِّ بينهما
ثانيًا: الاعتبارُ بالجمعِ بعَرَفة
: صلاةُ الفَجْرِ في مُزْدَلِفةَ تُصَلَّى في أوَّلِ وَقْتِها
يُشْرَعُ للحاجِّ بعد بياتِه بمُزْدَلِفةَ أن يُصَلِّيَ صلاةَ الفَجْرِ في أوَّلِ وَقتِها، ويأتي المشعَرَ الحرامَ (جَبَلَ قُزَحَ) ويقف عنده فيدعو اللهَ سبحانه وتعالى، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- فِعْلُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما في حديث جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وفيه: ((حتَّى أتى المُزْدَلِفةَ فصَلَّى بها المَغْرِبَ والعِشاءَ بأذانٍ واحدٍ وإقامتينِ، ولم يُسَبِّحْ بينهما شيئًا، ثم اضطجَعَ حتى طلَعَ الفَجْرُ، وصلَّى الفَجْرَ حين تَبَيَّنَ له الصبحُ، بأذانٍ وإقامةٍ، ثم رَكِبَ حتى أتى المشعَرَ الحرامَ، فاستقبَلَ القبلةَ، فدعا اللهَ تعالى وكبَّرَه وهلَّلَه، فلم يَزَلْ واقفًا حتى أسفَرَ جِدًّا، فدفع قبل أن تطلُعَ الشَّمْسُ ))
2- عن ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال ((ما رأيتُ رسولَ الله صلي الله عليه وسلم صلَّى صلاةً إلَّا لميقاتِها إلَّا صلاتين: صلاة المَغْرِبَ والعِشاءَ بجَمْعٍ، وصلى الفجرِ يومئذٍ قبلَ ميقاتِها ))
ثانيًا: أنَّه يُستَحَبُّ الدُّعاءُ بعدها، فاستُحِبَّ تقديمُها؛ ليَكْثُرَ الدُّعاءُ
ثالثًا: ليتَّسِعَ الوقتُ لوظائِفِ هذا اليومِ مِنَ المناسِكِ؛ فإنَّها كثيرةٌ في هذا اليومِ، فليس في أيَّامِ الحجِّ أكثَرُ عملًا منه
*** الدَّفْعُ من مُزْدَلِفةَ ***
: الدَّفْعُ من مُزْدَلِفةَ قبلَ طُلوعِ الشَّمْسِ
يُستحَبُّ أن يدفَعَ الحاجُّ من مُزْدَلِفةَ قبلَ طُلوعِ الشَّمسِ.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- فِعْلُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما في حديث جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وفيه: ((حتَّى أتى المُزْدَلِفةَ فصَلَّى بها المَغْرِبَ والعِشاءَ بأذانٍ واحدٍ وإقامتينِ، ولم يُسَبِّحْ بينهما شيئًا، ثم اضطجَعَ حتى طلَعَ الفَجْرُ، وصلَّى الفَجْرَ حين تَبَيَّنَ له الصبحُ، بأذانٍ وإقامةٍ، ثم رَكِبَ حتى أتى المشعَرَ الحرامَ، فاستقبَلَ القبلةَ، فدعا اللهَ تعالى وكبَّرَه وهلَّلَه، فلم يَزَلْ واقفًا حتى أسفَرَ جِدًّا، فدفع قبل أن تطلُعَ الشَّمْسُ ))
2- عن أبي إسحاقَ قال: سَمِعْتُ عمرَو بنَ ميمونَ يقول: شهِدْتُ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عنه، صلَّى بجَمْعٍ الصُّبحَ، ثم وقَفَ فقال: إنَّ المشركينَ كانوا لا يُفيضونَ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمسُ، ويقولون: أشْرِقْ ثَبِيرُ، وأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خالَفَهم، ثم أفاضَ قبل أن تطلُعَ
الشَّمسُ
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابْنُ عَبْدِ البَرِّ، وابنُ قُدامة
: تقديمُ النِّساءِ والضَّعَفةِ مِن مُزْدَلِفةَ إلى مِنًى
لا بأسَ بتقديمِ الضَّعَفةِ والنِّساءِ قبل طُلُوعِ الفَجْرِ وبعد نِصْفِ اللَّيلِ، وهو مذهَبُ الشَّافعيَّة، والحَنابِلة، وهو قَوْلُ طائِفةٍ مِنَ السَّلَفِ،
واختاره ابنُ عُثيمين
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- حديثُ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((استأذَنَتْ سَودةُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليلةَ المُزْدَلِفة تدفَعُ قبله وقَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ، وكانت امرأةً ثَبِطةً فأذِنَ لها))
2- عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((أنا ممَّنْ قَدَّمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليلةَ المُزْدَلِفةِ في ضَعَفةِ أهلِه ))
3- عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه كان يُقَدِّمُ ضَعَفةَ أهْلِه، فيقفونَ عند المشعَرِ الحرامِ بالمُزْدَلِفة بليلٍ، فيذكرونَ اللهَ ما بدا لهم،
ثم يرجِعونَ قبل أن يقِفَ الإمامُ وقبل أن يدفَعَ، فمِنهم مَن يَقْدَمُ مِنًى لصلاةِ الفَجرِ، ومنهم من يَقْدَمُ بعد ذلك، فإذا قَدِموا رموا الجَمْرةَ، وكان ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما يقول: ((أرْخَصَ في أولئك رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ))
4- عن عبدِ الله مولى أسماءَ رَضِيَ اللهُ عنها ((أنَّها نزلَتْ ليلةَ جمعٍ عند المُزْدَلِفةِ، فقامت تصَلِّي، فصَلَّتْ ساعةً، ثم قالت: يا بُنَيَّ، هل غاب القمَرُ؟ قلتُ: لا. فصَلَّتْ ساعةً، ثم قالت: يا بُنَيَّ، هل غاب القمَرُ؟ قلتُ: نعم. قالتْ: فارتَحِلوا. فارتَحَلْنا فمَضَيْنا حتى رَمَتِ الجَمْرةَ، ثم رجعَتْ فصَلَّتِ الصُّبحَ في مَنْزِلها، فقُلْتُ لها: ما أُرانا إلَّا قد غَلَّسْنَا. قالت: يا بُنيَّ، إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أذِنَ لِلظُّعُنِ ))
5- عن أمِّ حبيبةَ رَضِيَ اللهُ عنها ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعثَ بها مِن جَمْعٍ بليلٍ ))
ثانيًا: أنَّ فيه رِفقًا بهم، ودفعًا لمشقَّةِ الزِّحامِ عنهم، واقتداءً بفِعْلِ نَبِيِّهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
ا: الإسراعُ في وادي مُحَسِّر
يُشرَعُ الإسراعُ في وادي مُحَسِّر، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة، وبه عَمِلَ طائفةٌ مِنَ
السَّلَفِ
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أفاض رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعليه السَّكينةُ، وأمَرَهم بالسَّكينةِ، وأَوْضَعَ في وادي مُحَسِّرٍ... ))
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
1- عنِ الْمِسْوَرِ بنِ مَخْرَمةَ: (أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه كَانَ يُوضِعُ وَيَقُولُ:
إلَيْك تَعْدُو قَلِقًا وَضِينُهَا مُخَالِفًا دِينَ النَّصَارَى دِينُهَا)
2- عن نافعٍ: (أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما كان يُحَرِّكُ راحِلَتَه في بطنِ مُحَسِّرٍ قَدْرَ رَميةٍ بحَجَرٍ)
------------------
تعريفُ رَميِ الجِمارِ
الجِمارُ لغةً: جَمعُ جَمْرةٍ، وهي الأحجارُ الصِّغارُ، وتُطلَقُ على المواضِعِ التي يُرمى فيها حَصَياتُ الجِمارِ في مِنًى، إمَّا لأنَّها تُرمَى بالجِمارِ، وإمَّا لأنَّها مَجْمَعُ الحصى التي يُرمَى بها، وإمَّا لاجتماعِ الحَجيجِ عِندَها
رميُ الجِمارِ شرعًا: القَذْفُ بالحصى في زمانٍ مخصوصٍ، ومكانٍ مخصوصٍ، وعددٍ مخصوصٍ
أنواعُ الجَمَراتِ
الجَمَراتُ التي تُرمَى ثلاثةٌ، وهي:
الجَمْرةُ الأُولى: وتُسمَّى الصُّغرى، أو الدُّنيا، وهي أوَّلُ جَمْرةٍ بعد مسجدِ الخِيفِ بمِنًى،
سُمِّيَتْ "دنيا" مِنَ الدُّنُوِّ؛ لأنَّها أقرَبُ الجَمَراتِ إلى مسجِدِ الخِيفِ.
الجَمْرة الثَّانيَة: وتُسَمَّى الوُسطى، بعد الجَمْرةِ الأُولى، وقبلَ جَمْرةِ العَقَبةِ.
جَمْرة العَقَبةِ: وتُسمَّى أيضًا (الجَمْرةَ الكُبرى) وتقع في آخِرِ مِنًى تجاهَ مكَّةَ، وليست من مِنًى
حِكْمةُ الرَّميِ
أوَّلًا: إقامةُ ذِكرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ:
حِكمةُ الرَّميِ في الجملةِ هي طاعةُ اللهِ فيما أمَرَ به، وذِكْرُه بامتثالِ أمْرِه على لسانِ نَبِيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
قال الله تعالى: وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة: 203] ويدخُلُ في الذِّكْرِ المأمورِ به: رمْيُ الجِمارِ؛ بدليلِ قَولِه بعدَه: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة: 203] ، فإنَّ ذلك يدلُّ على أنَّ الرميَ شُرِعَ لإقامةِ ذِكرِ اللهِ
ثانيًا: الاقتداءُ بإبراهيمَ في عداوةِ الشَّيطانِ ورَمْيِه وعَدَمِ الانقيادِ له:
عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما مرفوعًا، قال: ((لَمَّا أتى إبراهيمُ خليلُ اللهِ عليه السَّلامُ المناسِكَ، عَرضَ له الشَّيطانُ عند جَمْرةِ العَقَبةِ، فرماه بسَبْعِ حَصَياتٍ، حتى ساخَ في الأرضِ، ثم عَرَضَ له عند الجَمْرة الثَّانيَة، فرماه بسبْعِ حَصَياتٍ، حتى ساخ في الأرضِ، ثم عَرَضَ له في الجَمْرة الثَّالثةِ، فرماه بسَبْعِ حَصَياتٍ حتى ساخَ في الأرض. قال ابنُ عبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما: الشَّيطانَ تَرْجمونَ، ومِلَّةَ أبيكم تَتَّبِعونَ ))
حُكْمُ رَمْيِ الجِمارِ
رَمْيُ الجِمارِ واجبٌ في الحَجِّ.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما في حديثِه الطَّويلِ في صِفَةِ حَجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أتى الجَمْرةَ التي عند الشَّجَرةِ، فرماها بسَبْعِ حَصَياتٍ- يُكَبِّرُ مع كلِّ حصاةٍ منها- مِثْلَ حَصَى الخَذْفِ، رمى مِن بَطْنِ الوادي ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثبت عنه في هذا الحديثِ وفي أحاديثَ كثيرةٍ أنَّه رمى الجَمْرة، والأصلُ في أفعالِه في الحجِّ الوُجوبُ؛ لأنَّ أفعالَه فيها وَقَعَت بيانًا لمُجْمَلِ الكتابِ، ولِقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لِتَأخُذوا مَناسِكَكم ))
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقف في حجَّةِ الوداعِ فجعلوا يسألونَه، فقال رجلٌ: لم أشْعُرْ فحَلَقْتُ قبل أن أذبَحَ؟ قال: اذبَحْ ولا حَرَجَ، فجاء آخَرُ، فقال: لم أشعُرْ فنَحَرْتُ قبل أن أرْمِيَ؟
قال: ارْمِ ولا حَرَجَ ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّه أَمَر بالرَّمْيِ، وظاهِرُ الأمْرِ يقتضي الوجوبَ
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على وجوبِ الرَّميِ: الكاسانيُّ، والنوويُّ، وابنُ تيميَّة، والشنقيطيُّ
شروطُ الرَّميِ
المطلب الأوَّل: أن يكون المَرْمِيُّ به حَجَرًا:
يُشْتَرَطُ أن يكون المرمِيُّ به حَجَرًا؛ ويُجْزِئُ الرَّمْيُ بكلِّ ما يُسمَّى حَصًى
، وهي الحجارةُ الصِّغارُ، ولا يصِحُّ الرميُ بالطِّينِ، والمعادِن، والترابِ، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ: المالِكيَّة, والشَّافعيَّة، والحَنابِلة
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه؛ يصِفُ رميَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَمْرةَ العَقَبةِ، قال: ((فرمَاها بسَبْعِ حَصَياتٍ- يُكَبِّرُ مع كلِّ حصاةٍ منها- مثلَ حَصَى الخَذْفِ ))
2- عن الفَضْلِ بنِ عبَّاسٍ، ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال في غَداةِ جَمْعٍ- يعني يومَ النَّحرِ- عليكم بحَصْى الخَذْفِ الذي يُرمَى به الجَمْرة ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رمى بالحَصَى، وأمَرَ بالرَّمْيِ بمِثْلِ حَصى الخَذْفِ، فلا يتناوَلُ غيرَ الحصى، ويتناولُ جميعَ أنواعِه،
فلا يجوزُ تَخصيصٌ بغيرِ دليلٍ، ولا إلحاقُ غَيرِه به
المطلب الثَّاني: العَدَدُ المَخصوصُ:
الفرع الأوَّل: عددُ الحَصَياتِ
عَدَدُ الحَصَياتِ لكُلِّ جَمْرةٍ سَبْعةٌ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- حديثُ جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وفيه: ((ثمَّ سَلَكَ الطَّريقَ الوُسْطى التي تَخْرُجُ على الجَمْرةِ الكُبْرى، حتى أتى الجَمْرةَ التي عند الشَّجَرةِ، فرماها بسَبْعِ حَصَياتٍ- يُكَبِّرُ مع كلِّ حصاةٍ منها- مِثْلَ حَصَى الخَذْفِ، رَمَى مِن بطْنِ الوادي، ثم انصَرَفَ إلى المَنْحَر ))
2- عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّه كان يرمي الجَمْرةَ الدُّنْيا بسَبْعِ حَصَياتٍ، يُكَبِّرُ على إِثْرِ كلِّ حصاةٍ، ثم يتقَدَّمُ حتى يُسْهِلَ، فيقومَ مُسْتَقبِلَ القبلةِ، فيقومُ طويلًا، ويدعو ويَرْفَعُ يديه، ثم يَرْمي الوُسْطى، ثم يأخذُ ذاتَ الشِّمالِ فيَسْتَهِلُ، ويقومُ مستقبِلَ القبلةِ،
فيقومُ طويلًا، ويدعو ويرفَعُ يديه، ويقومُ طويلًا، ثم يرمي جَمْرةَ ذاتِ العَقَبةِ مِن بَطْنِ الوادي، ولا يقِفُ عندها، ثم ينصَرِفُ،
فيقول: هكذا رأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يفعَلُه ))
الفرع الثَّاني: استيفاءُ عَدَدِ الحَصَياتِ
يجبُ استيفاءُ عَدَدِ حَصَياتِ الرَّمْيِ السَّبْعِ في كل جَمْرةٍ، وهو المذهَبُ عند المالِكيَّة, وروايةٌ عند أحمدَ، وبه قال الأوزاعيُّ, والليثُ,
وهو قولُ الشِّنقيطيِّ، وابنِ باز، وابنِ عُثيمين
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- حديثُ جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وفيه: ((فرماها بسَبْعِ حَصَياتٍ يُكَبِّرُ مع كلِّ حصاةٍ ))
2- حديثُ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّه كان يرمي الجَمْرةَ الدُّنيا بسَبْعِ حَصَياتٍ... ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الرِّواياتِ الصحيحةَ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنَّه كان يرمي الجِمارَ بسَبْعِ حَصَياتٍ. مع قولِه: ((لِتَأخُذوا مناسِكَكم ))، فلا ينبغي العُدُولُ عن ذلك; لوضوحِ دليلِه وصِحَّتِه، ولأنَّ مُقابِلَه لم يَقُمْ عليه دليلٌ يقارِبُ دليله
المطلب الثَّالث: رَمْيُ الجَمْرةِ بالحَصَياتِ السَّبْعِ مُتَفَرِّقاتٍ واحدةً فواحدةً
يُشْتَرَط أن يَرمِيَ الجَمْرةَ بالحَصَياتِ السَّبعِ متفرِّقاتٍ واحدةً فواحدةً، فلو رمى حصاتينِ معًا أو السَّبْعَ جملةً، فهي حصاةٌ واحدةٌ، ويَلْزَمُه أن يرمِيَ بسِتٍّ سواها، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة, والمالِكيَّة, والشَّافعيَّة, والحَنابِلة؛ وذلك لأنَّ المنصوصَ عليه
تفريقُ الأفعالِ، فيتقَيَّد بالتفريقِ الواردِ في السنَّة
المطلب الرابع: وقوعُ الحصى داخِلَ الحَوضِ:
يُشْتَرَط وقوعُ الحَصَى في الجَمْرةِ التي يَجْتَمِعُ فيها الحصى، وهذا مذهَبُ جُمهورِ الفُقَهاءِ مِنَ المالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة، وحُكي
الإجماع على ذلك
الدليل من السنة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى إلى المرمى، مع قوله صلى الله عليه وسلم ((لِتَأخُذوا مناسِكَكم ))
المطلب الخامس: قَصْدُ المَرْمى ووقوعُ الحصى فيه بفِعْلِه:
يُشْتَرَط أن يقْصِدَ المَرْمى، ويقَعَ الحصى فيه بفِعْلِه، فلو ضرب شخصٌ يَدَه فطارَتْ الحَصاةُ إلى المرمى وأصابَتْه لم يصِحَّ،
وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة, والمالِكيَّة, والشَّافعيَّة, والحَنابِلة
الدليل من السنة:
قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ ))
المطلب السادس: أنْ تُرْمَى الحَصَى ولا تُوضَع:
يُشْتَرَط أن يَرمِيَ الحَصَياتِ رَميًا ولا يكتفِيَ بوَضْعِها وضعًا، وهذا باتفاق المذاهِبِ الفقهية الأربعةِ مِنَ الحَنَفيَّة, والمالِكيَّة, والشَّافعيَّة,
والحَنابِلة
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
لأنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رمى الجَمَراتِ, وقد قال: ((لِتَأخُذوا مناسِكَكم ))
ثانيًا: أنَّه مأمورٌ بالرَّميِ، فاشتُرِطَ فيه ما يقَعُ عليه اسمُ الرَّمْيِ
المطلب السابع: ترتيبُ الجَمَراتِ في رَمْيِ أيَّامِ التَّشريقِ
يُشْتَرَط أن يرمِيَ الجِمارَ الثَّلاثَ على التَّرتيبِ: يرمي أوَّلًا الجَمْرةَ الصُّغرى التي تلي مسجِدَ الخِيفِ، ثمَّ الوُسطى،
ثم يرمي جَمْرةَ العَقَبةِ، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ مِنَ المالِكيَّة, والشَّافعيَّة, والحَنابِلة
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رتَّبَها في الرَّمْيِ، وقال ((لِتَأخُذوا مناسِكَكم ))
ثانيًا: لأنَّه نُسُكٌ متكَرِّرٌ، فاشتُرِطَ الترتيبُ فيه كالسَّعيِ
المطلب الثامن: أن يكونَ الرَّميُ في زَمَنِ الرَّميِ
سُنَنُ الرَّمْيِ
المطلب الأوَّل: السُّنَّة في موقِفِ الرَّامي لجَمْرةِ العَقَبةِ
الأفضلُ في موقِفِ الرَّامي جَمْرةَ العَقَبةِ أن يقِفَ في بطْنِ الوادي، وتكونَ مِنًى عن يمينِه، ومكَّةُ عن يَسارِه، وهو مذهَبُ جماهيرِ أهلِ
العِلمِ: الحَنَفيَّة
, والمالِكيَّة, والصَّحيحُ عند الشَّافعيَّة, وقولُ جماعةٍ مِنَ السَّلَفِ, واختارَه ابنُ تيميَّة, وابنُ القَيِّم, والشنقيطيُّ, وابنُ باز, وابنُ عُثيمين
الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ:
عن عبدِ الرحمنِ بنِ يزيدَ: ((أنَّه حجَّ مع ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، فرآه يرمي الجَمْرةَ الكُبرى بسَبْعِ حَصَياتٍ فجعل البيتَ عن يسارِه، ومِنًى عن يمينِه، ثم قال: هذا مقامُ الذي أُنْزِلَتْ عليه سورةُ البَقَرةِ))، وفي لفظٍ: ((أنَّه انتهى إلى الجَمْرةِ الكُبرى، جَعَلَ البيتَ عن يسارِه، ومِنًى عن يمينِه، ورمى بسَبْعٍ، وقال: هكذا رمى الذي أُنْزِلَت عليه سورةُ البَقَرةِ صلى الله عليه وسلم ))
فرعٌ: رميُ جَمْرةِ العَقَبةِ مِنَ الجهاتِ الأخرى
يجوزُ رَمْيُ جَمْرةِ العَقَبةِ مِن أيِّ جهةٍ كانت، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ مِنَ الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة في الأظهَرِ، والحَنابِلة، ونصَّ عليه الشافعيُّ،
وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه ثَبَتَ رميُ خَلْقٍ كثيرٍ في زَمَن الصَّحابةِ مِن أعلاها، ولم يأمرُوهم بالإعادةِ، ولا أعلنوا بالنِّداءِ بذلك في النَّاسِ
ثانيًا: أنَّ رَمْيَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن أسفَلِها سُنَّةٌ، لا أنَّه المُتَعَيَّن، وكان وجهُ اختيارِ الرميِ مِنَ الأسفَلِ هو توقُّعُ الأذى- إذا رَمَوْا من أعلاها- لِمَن أسفَلَها؛ فإنَّه لا يخلو مِن مرورِ النَّاس، فيصيبُهم الحصى، وقد انعدَمَ هذا التخوُّفُ بإزالة الجَبَلِ الذي كان ملاصقًا
للجَمْرةِ مِنَ الخَلْفِ، وصار الجميعُ يرمي في مستوًى واحدٍ
ثالثا: أنَّ ما حولها موضِعُ النُّسُكِ؛ فلو رماها من أيِّ جهةٍ أجْزَأَه
المطلب الثَّاني: أن يكون الرَّميُ بمِثْلِ حصى الخَذْفِ
يُستحَبُّ أن يكون الرَّميُ بمِثْلِ حَصى الخَذْفِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة, والمالِكيَّة, والشَّافعيَّة, والحَنابِلة، وبه قال
جمهور العُلَماء مِنَ السلف والخلف
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غداةَ العَقَبةِ وهو على راحلته ((هات الْقُطْ لي فلَقَطْتُ له حَصَياتٍ هن حَصى الخَذْفِ، فلما وضعتهن في يده، قال: بأمثالَ هؤلاءِ وإيَّاكم والغُلُوَّ في الدِّينِ؛ فإنَّما أهلَكَ مَن كان قَبْلَكم الغُلُوُّ في الدِّينِ ))
2- حديثُ جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وفيه: ((حتى أتى الجَمْرةَ التي عند الشَّجَرةِ، فرماها بسَبْعِ حَصَياتٍ- يُكَبِّرُ مع كلِّ حصاةٍ منها- مثلَ حَصى الخَذْفِ ))
المطلب الثَّالث: المُوالاةُ بين الرَّمَياتِ السَّبْعِ
الموالاةُ بينَ الرَّمَياتِ السَّبْعِ مُستحَبَّةٌ، وليسَتْ بشرطٍ، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ مِنَ الحَنَفيَّة, والحَنابِلة, والصَّحيحُ عند المالِكيَّة, والشَّافعيَّة
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه نُسُكٌ لا يتعلَّقُ بالبيتِ، فلم تُشْتَرَط له الموالاةُ
ثانيًا: لأنَّ اشْتِراطَ الموالاةِ فيه مشَقَّةٌ؛ لكثرةِ الزِّحامِ عند الجَمَراتِ
المطلب الرابع: ألَّا يكونَ الحَصى ممَّا رُمِيَ به
يُفَضَّل ألَّا يكونَ الحَجَرُ ممَّا رُمِيَ به؛ فإنْ رَمَى بالحَجَرِ المُستعمَلِ أجْزَأَه, وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة, والمالِكيَّة, والشَّافعيَّة, وقول
للحَنابِلة
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّه ليس هناك دليلٌ على أنَّ الحصاةَ التي رُمِيَ بها لا يُجْزِئُ الرَّميُ بها، ولا دليلَ يَمنَعُ مِنَ الرَّميِ بها
ثانيًا: لأنَّ العِبرةَ هي الرميُ بحصاةٍ، وقد وُجِدَ، ويصدُقُ اسْمُ الرَّميِ عليها
ثالثًا: قياسًا على الثَّوبِ في سَتْرِ العورةِ؛ فإنَّه يجوز أن يُصَلِّيَ في الثوبِ الواحِدِ صلواتٍ
المطلب الخامس: طهارةُ الحَصَياتِ
يُستحَبُّ أن يرمِيَ بحصًى طاهرةٍ, وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة, والمالِكيَّة, والشَّافعيَّة, ووجه عند الحَنابِلة
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لِصِدْقِ اسْمِ الرَّميِ على الرَّميِ بالحَجَرِ النَّجِسِ
ثانيًا: لعَدَمِ النَّصِّ على اشتراطِ طَهارةِ الحَصَى
ثالثًا: لِكَيلا يباشِرَ النَّجاسةَ بِيَدِه
مسألةٌ: حُكْمُ غَسْلِ حَصى الرَّمْيِ
لا يُستحَبُّ غَسلُ الحَصى إلَّا إذا رأى فيها نجاسةً ظاهرةً، ولم يَجِدْ غيرَها، فتُغْسَلُ النَّجاسةُ؛ لئلَّا تتنجَّسَ اليدُ أو الثيابُ, وهو المذهَبُ عند المالِكيَّة, والصَّحيحُ عند الحَنابِلة, وهو قولُ جماعةٍ مِن أهلِ العِلم, وقولُ ابن المُنْذِر, واختاره الشنقيطيُّ, وابنُ بازٍ, وابنُ
عُثيمين, والألبانيُّ
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يَرِدْ عنه أنَّه غَسَل الحَصى، ولا أمَرَ بغَسْلِهِنَّ
ثانيًا: لأنَّه لم يُنقَلْ غَسْلُه عن الصَّحابةِ رِضوانُ اللهِ عليهم
ثالثًا: أنَّه لا يوجَدُ معنًى يقتضي غَسْلَه
المطلب السادس: التكبيرُ مع كُلِّ حصاةٍ
يُستحَبُّ أن يكَبِّرَ مع كلِّ حصاة, وذلك باتفاق المذاهِبِ الفقهية الأربعةِ: الحَنَفيَّة, والمالِكيَّة, والشَّافعيَّة, والحَنابِلة
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- حديثُ جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وفيه: ((حتى أتى الجَمْرةَ التي عند الشَّجَرةِ، فرماها بسَبْعِ حَصَياتٍ- يُكَبِّرُ مع كلِّ حصاةٍ منها- مثلَ حَصَى الخَذْفِ، رَمَى مِن بطْنِ الوادي، ثمَّ انصَرَفَ إلى المَنْحَر ))
2- عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ يزيدَ: ((أنَّه كان مع ابنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه حين رمى جَمرةَ العَقَبةِ فاستبطَنَ الواديَ، حتَّى إذا حاذى بالشَّجَرةِ اعتَرَضَها فرمى بسبعِ حَصَياتٍ، يكَبِّرُ مع كلِّ حَصاةٍ، ثمَّ قال: مِن هاهنا- والذي لا إلهَ غَيرُه- قام الذي أُنزِلَت عليه سورةُ البَقَرةِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ))
3- مَا رَوَتْه عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّها قالت: ((أفاض رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن آخر يَومِه حين صلَّى الظُّهْرَ, ثم رجَعَ إلى مِنًى، فمكث بها لياليَ أيَّامِ التَّشريقِ يَرمي الجمرة إذا زالتِ الشَّمسُ, كلَّ جَمْرةٍ بِسَبْعِ حَصَياتٍ, يُكَبِّرُ مع كلِّ حصاةٍ, ويَقِفُ عند الأُولى والثَّانيَة، فيُطيلُ القيام ويتضَرَّعُ، ويرمي الثَّالثة ولا يَقِفُ عندها ))
مسألةٌ: حكمُ تَرْكِ التَّكبيرِ عند رَمْيِ الجِمارِ
مَن تَرَكَ التَّكبيرَ عند رَمْيِ الجِمارِ؛ فليس عليه شيءٌ.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:
نقلَ الإجماعَ على ذلك القاضي عِياضٌ, وابنُ حَجَرٍ
المطلب السابع: قَطْعُ التَّلبيةِ مع أوَّلِ حَصاةٍ يَرْمي بها جَمْرةَ العَقَبةِ يَومَ النَّحرِ
يُستحَبُّ أن يقطَعَ التَّلبيةَ عند أوَّلِ حَصاةٍ يرمي بها جَمْرةَ العَقَبةِ، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ مِنَ الحَنَفيَّة, والشَّافعيَّة, والحَنابِلة، وقولُ جماعةٍ
مِنَ السَّلَفِ
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن الفَضلِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أردف الفضل، فأخبر الفضل أنه لم يَزَلْ يُلَبِّي حتى رمى الجَمْرةَ ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الفَضلَ بن عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما كان رَديفَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَئذٍ، وهو أعلَمُ بحالِه مِن غَيرِه
ثانيًا: لأنَّه يتحَلَّلُ به، فشُرِعَ قَطْعُها في ابتدائِه؛ كالمعتَمِرِ يقطَعُها بالشُّروعِ في الطَّوافِ
المطلب الثامن: الدُّعاءُ الطَّويلُ عَقِبَ رَمْيِ الجَمْرةِ الصُّغرى والوُسْطى
يُستحَبُّ الوقوفُ للدُّعاء ِإثرَ كُلِّ رَمْيٍ بعدَه رَمْيٌ آخَرُ، فيقِفُ للدُّعاءِ بعد رمْيِ الجَمْرة الصُّغرى والوُسطى وقوفًا طويلًا؛ وهذا الدُّعاءُ
مُستحَبٌّ باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة, والمالِكيَّة, والشَّافعيَّة, والحَنابِلة
الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ:
عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّه كان يرمي الجَمْرةَ الدُّنيا بسَبْعِ حَصَياتٍ، يُكَبِّرُ على إِثْرِ كلِّ حَصاةٍ، ثم يتقَدَّمُ حتى يُسْهِلَ،
فيقومَ مُستقْبِلَ القِبلةِ، فيقومُ طويلًا، ويدعو ويَرفَعُ يديه، ثمَّ يرمي الوُسطى، ثم يأخُذُ ذاتَ الشِّمالِ فيَسْتَهِلُ، ويقومُ مستقبِلَ القبلةِ،
فيقومُ طويلًا، ويدعو ويَرفَعُ يديه، ويقومُ طويلًا، ثم يرمي جَمْرةَ ذاتِ العَقَبةِ مِن بطْنِ الوادي، ولا يقِفُ عندها، ثمَّ ينصَرِفُ،
فيقول: هكذا رأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يفعَلُه ))
--------------------------------------------------------------
تابعونا جزاكم الله خيرا
*****
*** أسماءُ مُزدَلِفةَ ***
1- مُزْدَلِفةُ:
يقال: زَلَفَ إليه، وازدَلَف، وتَزَلَّف؛ أي: دنا منه، وأزْلَفَ الشيءَ: قَرَّبَه، ومُزْدَلِفةُ، والمُزْدَلِفة: موضع بمكَّةَ
سببُ التَّسْمِيَةِ بمُزْدَلِفة:
أ- لأنَّهم يَقْرُبونَ فيها مِن مِنًى، والازدلافُ التَّقريبُ، ومنه قوله تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ [الشعراء: 90] أي قُرِّبَتْ
ب- لأنَّ النَّاس يجتمعونَ بها، والاجتماعُ الازدلافُ، ومنه قوله تعالى: وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ [الشعراء: 64]
2-
المَشْعَرُ الحرامُ:
سَمَّى اللهُ المُزْدَلِفةَ بالمشعَرِ الحرامِ؛ قال تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ
وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ [البقرة: 198]
والمَشعرُ الحرامُ المذكورُ في القرآنِ: هو جميعُ المزدَلِفةِ، وبه قال جمهورُ المُفَسِّرين وأصحابُ الحديثِ والسِّيَر
3- جَمْعٌ:
أطلَقَ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على مُزْدَلِفةَ (جَمْع) فقال: ((ووقَفْتُ ها هنا وجَمْعٌ كُلُّها موقِفٌ ))
سببُ التَّسميةِ بـ (جَمْع):
سُمِّيَت جمْعًا؛ لأنَّها يُجمَع فيها بين الصَّلاتينِ، وقيل: وُصِفَتْ بفِعْلِ أهلها؛ لأنَّهم يجتمعونَ بها ويَزْدَلِفونَ إلى اللهِ؛ أي: يتقرَّبونَ إليه
بالوقوفِ
*** حدُّ المُزدلِفةِ ***
حدُّ المزدلِفَةِ: ما بينَ المَأْزِمَينِ
ووادي مُحَسِّر، وليس الحدَّانِ منها، ويحصُلُ المبيتُ بالمُزدلفةِ بالحضورِ في أيَّةِ بُقعةٍ منها
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((نَحَرْتُ ها هنا، ومِنًى كلُّها مَنْحَرٌ، فانْحَروا في رِحالِكم، ووقَفْتُ ها هنا، وعَرَفةُ كُلُّها موقِفٌ، ووقفْتُ ها هنا، وجَمْعٌ كلُّها موقِفٌ ))
ثانيًا: أنَّ كُلَّ ما بين المَأزِمَينِ ووادي مُحَسِّرٍ يَصْدُقُ عليه اسمُ مُزْدَلِفةَ
*** حُكْمُ المَبيتِ بالمُزْدَلفة***
المبيتُ بالمُزْدَلِفة
واجبٌ مِن واجباتِ الحَجِّ، وهذا مذهب الجمهور، المالِكيَّة، والشَّافعيَّة في الأصَحِّ والحَنابِلة وهو قَوْلُ طائِفةٍ مِنَ السَّلَفِ
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قَولُه تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة: 199]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
الأصلُ في الأَمْرِ الوجوبُ حتَّى يقومَ دليلٌ على صَرْفِه عن الوجوبِ
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عُرْوةَ بنِ مُضَرِّسِ بنِ أوسِ بنِ حارثةَ بنِ لامٍ الطَّائيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أتيتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالمُزْدَلِفةِ حين خرج إلى الصَّلاةِ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي جِئْتُ مِن جَبَلِ طَيِّئٍ، أكْلَلْتُ راحلتي، وأتعبْتُ نفسي، واللهِ، ما تَرَكْتُ مِنْ حَبْلٍ إلَّا وقفْتُ عليه، فهل لي مِن حَجٍّ؟ فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن شَهِدَ صلاتَنا هذه ووقَفَ معنا حتى ندفَعَ، وقد وقَفَ بعَرَفة قبلُ ليلًا أو نهارًا؛ فقد أتمَّ حَجَّه وقضى تَفَثَه ))
2- حديث جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((حتى أتى المُزْدَلِفة، فصلَّى بها المغرِبَ والعِشاءَ بأذانٍ واحدٍ وإقامَتينِ، ولم يُسَبِّحْ بينهما شيئًا، ثم اضطجَعَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى طَلَعَ الفجرُ، وصلَّى الفجرَ حين تبيَّنَ له الصُّبْحُ بأذانٍ وإقامةٍ، ثم ركِبَ القصواءَ حتى أتى المشعَرَ الحرامَ... ))
حُكْمُ مَن فاتَه المبيتُ الواجِبُ في مُزْدَلِفةَ
مَن فاتَه المبيتُ الواجِبُ بالمُزْدَلِفةِ صَحَّ حَجُّه، وعليه دمٌ إلَّا إن ترَكَه لعُذْرٍ
فلا شيءَ عليه، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة
الدَّليلُ على وجوبِ الدَّمِ:
عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال: ((مَن نَسِيَ مِن نُسُكِه شيئًا، أو تَرَكَه؛ فلْيُهْرِقْ دمًا))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ مِثْلَه لا يُقالُ بالرأيِ؛ فله حُكْمُ الرَّفعِ، ولا مُخالِفَ له مِنَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، وعليه انعَقَدَتْ فتاوى التَّابعينَ، وعامَّةِ الأُمَّة
الأدِلَّةُ على سُقُوطِ الدَّمِ عَمَّن تَرَكَ المبيتَ بالمُزْدَلِفةِ لعُذْرٍ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رخَّصَ للرُّعاةِ في تَرْكِ المبيتِ؛ لحديثِ عاصم بن عَدِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أرْخَصَ لِرِعاءِ الإبِلِ في البَيْتوتَةِ خارجينَ عَن مِنًى ))
2- أنَّ العبَّاسَ بنَ عبدِ المطَّلِبِ استأذَنَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يبيتَ بمكَّةَ لياليَ مِنًى؛ مِن أجْلِ سِقايَتِه، فأذِنَ له
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّه يُقاسُ مُزْدَلِفةُ على مِنًى
ثانيًا: أنَّها ليلةٌ يُرمَى في غَدِها، فكان لهم تَرْكُ المبيتِ فيها، كليالي مِنًى
صلاتا المَغْرِبِ والعشاءِ في المُزْدَلِفةِ
: الجمْعُ بين صلاتَيِ المغْرِبِ والعشاءِ في المُزْدَلِفةِ
يُسَنُّ للحاجِّ أن يجمَعَ في مُزْدَلِفةَ بين صلاتَيِ المغرِبِ والعشاءِ جَمْعَ تأخيرٍ
، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: المالِكيَّة في المشهورِ، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة، وبه قال أبو يوسفَ مِنَ الحَنَفيَّة، وهو قَوْلُ طائِفةٍ مِنَ السَّلَفِ،
وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن ابنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((جمَعَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين المغرِبِ والعِشاءِ بجَمْعٍ كلَّ واحدةٍ منهما بإقامةٍ،
ولم يُسَبِّحْ بينهما، ولا على إِثْرِ كلِّ واحدةٍ منهما ))
2- عن أبي أيُّوبَ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جمَعَ في حجَّةِ الوداعِ المغربَ والعِشاءَ بالمُزْدَلِفة
3- عن كُرَيبٍ عن أسامةَ بنِ زيدٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه سَمِعَه يقول: ((دفَعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من عَرَفة، فنزل الشِّعْبَ، فبال ثمَّ توضَّأَ ولم يُسْبِغِ الوضوءَ، فقلتُ له: الصَّلاةَ؟ فقال (الصَّلاةُ أمامَك). فجاء المُزْدَلِفةَ فتوضَّأَ فأسبَغَ، ثم أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فصَلَّى المغرِبَ، ثمَّ أناخ كلُّ إنسانٍ بَعيرَه في منزِلِه، ثم أقيمَتِ الصَّلاةُ فصَلَّى، ولم يُصَلِّ بينهما
: الجمعُ بين المغرِبِ والعشاءِ بأذانٍ واحدٍ وإقامَتينِ
يُجمَعُ بين المغرِبِ والعِشاءِ بأذانٍ واحدٍ وإقامتينِ، وهذا مذهَبُ الشَّافعيَّة، والحَنابِلة، وبه قال زُفَرُ والطحاويُّ مِنَ الحَنَفيَّة، وعبدُ الملِك ابنُ الماجِشون مِنَ المالِكيَّة، واختاره ابنُ المُنْذِر، وابْنُ حَزْمٍ، وابنُ القَيِّم، والشوكانيُّ، والشنقيطيُّ، وابنُ باز، وابنُ عُثيمين
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أتى المُزْدَلِفةَ، فصلَّى بها المَغْرِبَ والعِشاءَ بأذانٍ واحدٍ وإقامتينِ،
ولم يُسَبِّحْ بينهما شيئًا، ثم اضطجَعَ حتى طلَعَ الفجرُ، وصلَّى الفجْرَ ))
2- عن أسامَةَ بنِ زيدٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((دفَعَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنْ عَرَفةَ حتى إذا كان بالشِّعْبِ نزل فبال،
ثم توضَّأَ ولم يسبغ الوضوء، فقلت له: الصَّلاةَ يا رسولَ اللهِ، فقال: الصَّلاةُ أمامك. فرَكِبَ، فلما جاء المُزْدَلِفةَ نزل، فتوضَّأَ فأسبَغَ الوضوءَ، ثم أقيمَتِ العشاء فصلَّى المغرِبَ، ثم أناخ كلُّ إنسانٍ بعيرَه في مَنْزِلِه، ثم أقيمَتِ الصَّلاةُ فصَلَّى، ولم يُصَلِّ بينهما
ثانيًا: الاعتبارُ بالجمعِ بعَرَفة
: صلاةُ الفَجْرِ في مُزْدَلِفةَ تُصَلَّى في أوَّلِ وَقْتِها
يُشْرَعُ للحاجِّ بعد بياتِه بمُزْدَلِفةَ أن يُصَلِّيَ صلاةَ الفَجْرِ في أوَّلِ وَقتِها، ويأتي المشعَرَ الحرامَ (جَبَلَ قُزَحَ) ويقف عنده فيدعو اللهَ سبحانه وتعالى، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- فِعْلُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما في حديث جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وفيه: ((حتَّى أتى المُزْدَلِفةَ فصَلَّى بها المَغْرِبَ والعِشاءَ بأذانٍ واحدٍ وإقامتينِ، ولم يُسَبِّحْ بينهما شيئًا، ثم اضطجَعَ حتى طلَعَ الفَجْرُ، وصلَّى الفَجْرَ حين تَبَيَّنَ له الصبحُ، بأذانٍ وإقامةٍ، ثم رَكِبَ حتى أتى المشعَرَ الحرامَ، فاستقبَلَ القبلةَ، فدعا اللهَ تعالى وكبَّرَه وهلَّلَه، فلم يَزَلْ واقفًا حتى أسفَرَ جِدًّا، فدفع قبل أن تطلُعَ الشَّمْسُ ))
2- عن ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال ((ما رأيتُ رسولَ الله صلي الله عليه وسلم صلَّى صلاةً إلَّا لميقاتِها إلَّا صلاتين: صلاة المَغْرِبَ والعِشاءَ بجَمْعٍ، وصلى الفجرِ يومئذٍ قبلَ ميقاتِها ))
ثانيًا: أنَّه يُستَحَبُّ الدُّعاءُ بعدها، فاستُحِبَّ تقديمُها؛ ليَكْثُرَ الدُّعاءُ
ثالثًا: ليتَّسِعَ الوقتُ لوظائِفِ هذا اليومِ مِنَ المناسِكِ؛ فإنَّها كثيرةٌ في هذا اليومِ، فليس في أيَّامِ الحجِّ أكثَرُ عملًا منه
*** الدَّفْعُ من مُزْدَلِفةَ ***
: الدَّفْعُ من مُزْدَلِفةَ قبلَ طُلوعِ الشَّمْسِ
يُستحَبُّ أن يدفَعَ الحاجُّ من مُزْدَلِفةَ قبلَ طُلوعِ الشَّمسِ.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- فِعْلُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما في حديث جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وفيه: ((حتَّى أتى المُزْدَلِفةَ فصَلَّى بها المَغْرِبَ والعِشاءَ بأذانٍ واحدٍ وإقامتينِ، ولم يُسَبِّحْ بينهما شيئًا، ثم اضطجَعَ حتى طلَعَ الفَجْرُ، وصلَّى الفَجْرَ حين تَبَيَّنَ له الصبحُ، بأذانٍ وإقامةٍ، ثم رَكِبَ حتى أتى المشعَرَ الحرامَ، فاستقبَلَ القبلةَ، فدعا اللهَ تعالى وكبَّرَه وهلَّلَه، فلم يَزَلْ واقفًا حتى أسفَرَ جِدًّا، فدفع قبل أن تطلُعَ الشَّمْسُ ))
2- عن أبي إسحاقَ قال: سَمِعْتُ عمرَو بنَ ميمونَ يقول: شهِدْتُ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عنه، صلَّى بجَمْعٍ الصُّبحَ، ثم وقَفَ فقال: إنَّ المشركينَ كانوا لا يُفيضونَ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمسُ، ويقولون: أشْرِقْ ثَبِيرُ، وأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خالَفَهم، ثم أفاضَ قبل أن تطلُعَ
الشَّمسُ
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابْنُ عَبْدِ البَرِّ، وابنُ قُدامة
: تقديمُ النِّساءِ والضَّعَفةِ مِن مُزْدَلِفةَ إلى مِنًى
لا بأسَ بتقديمِ الضَّعَفةِ والنِّساءِ قبل طُلُوعِ الفَجْرِ وبعد نِصْفِ اللَّيلِ، وهو مذهَبُ الشَّافعيَّة، والحَنابِلة، وهو قَوْلُ طائِفةٍ مِنَ السَّلَفِ،
واختاره ابنُ عُثيمين
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- حديثُ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((استأذَنَتْ سَودةُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليلةَ المُزْدَلِفة تدفَعُ قبله وقَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ، وكانت امرأةً ثَبِطةً فأذِنَ لها))
2- عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((أنا ممَّنْ قَدَّمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليلةَ المُزْدَلِفةِ في ضَعَفةِ أهلِه ))
3- عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه كان يُقَدِّمُ ضَعَفةَ أهْلِه، فيقفونَ عند المشعَرِ الحرامِ بالمُزْدَلِفة بليلٍ، فيذكرونَ اللهَ ما بدا لهم،
ثم يرجِعونَ قبل أن يقِفَ الإمامُ وقبل أن يدفَعَ، فمِنهم مَن يَقْدَمُ مِنًى لصلاةِ الفَجرِ، ومنهم من يَقْدَمُ بعد ذلك، فإذا قَدِموا رموا الجَمْرةَ، وكان ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما يقول: ((أرْخَصَ في أولئك رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ))
4- عن عبدِ الله مولى أسماءَ رَضِيَ اللهُ عنها ((أنَّها نزلَتْ ليلةَ جمعٍ عند المُزْدَلِفةِ، فقامت تصَلِّي، فصَلَّتْ ساعةً، ثم قالت: يا بُنَيَّ، هل غاب القمَرُ؟ قلتُ: لا. فصَلَّتْ ساعةً، ثم قالت: يا بُنَيَّ، هل غاب القمَرُ؟ قلتُ: نعم. قالتْ: فارتَحِلوا. فارتَحَلْنا فمَضَيْنا حتى رَمَتِ الجَمْرةَ، ثم رجعَتْ فصَلَّتِ الصُّبحَ في مَنْزِلها، فقُلْتُ لها: ما أُرانا إلَّا قد غَلَّسْنَا. قالت: يا بُنيَّ، إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أذِنَ لِلظُّعُنِ ))
5- عن أمِّ حبيبةَ رَضِيَ اللهُ عنها ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعثَ بها مِن جَمْعٍ بليلٍ ))
ثانيًا: أنَّ فيه رِفقًا بهم، ودفعًا لمشقَّةِ الزِّحامِ عنهم، واقتداءً بفِعْلِ نَبِيِّهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
ا: الإسراعُ في وادي مُحَسِّر
يُشرَعُ الإسراعُ في وادي مُحَسِّر، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة، وبه عَمِلَ طائفةٌ مِنَ
السَّلَفِ
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أفاض رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعليه السَّكينةُ، وأمَرَهم بالسَّكينةِ، وأَوْضَعَ في وادي مُحَسِّرٍ... ))
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
1- عنِ الْمِسْوَرِ بنِ مَخْرَمةَ: (أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه كَانَ يُوضِعُ وَيَقُولُ:
إلَيْك تَعْدُو قَلِقًا وَضِينُهَا مُخَالِفًا دِينَ النَّصَارَى دِينُهَا)
2- عن نافعٍ: (أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما كان يُحَرِّكُ راحِلَتَه في بطنِ مُحَسِّرٍ قَدْرَ رَميةٍ بحَجَرٍ)
------------------
تعريفُ رَميِ الجِمارِ
الجِمارُ لغةً: جَمعُ جَمْرةٍ، وهي الأحجارُ الصِّغارُ، وتُطلَقُ على المواضِعِ التي يُرمى فيها حَصَياتُ الجِمارِ في مِنًى، إمَّا لأنَّها تُرمَى بالجِمارِ، وإمَّا لأنَّها مَجْمَعُ الحصى التي يُرمَى بها، وإمَّا لاجتماعِ الحَجيجِ عِندَها
رميُ الجِمارِ شرعًا: القَذْفُ بالحصى في زمانٍ مخصوصٍ، ومكانٍ مخصوصٍ، وعددٍ مخصوصٍ
أنواعُ الجَمَراتِ
الجَمَراتُ التي تُرمَى ثلاثةٌ، وهي:
الجَمْرةُ الأُولى: وتُسمَّى الصُّغرى، أو الدُّنيا، وهي أوَّلُ جَمْرةٍ بعد مسجدِ الخِيفِ بمِنًى،
سُمِّيَتْ "دنيا" مِنَ الدُّنُوِّ؛ لأنَّها أقرَبُ الجَمَراتِ إلى مسجِدِ الخِيفِ.
الجَمْرة الثَّانيَة: وتُسَمَّى الوُسطى، بعد الجَمْرةِ الأُولى، وقبلَ جَمْرةِ العَقَبةِ.
جَمْرة العَقَبةِ: وتُسمَّى أيضًا (الجَمْرةَ الكُبرى) وتقع في آخِرِ مِنًى تجاهَ مكَّةَ، وليست من مِنًى
حِكْمةُ الرَّميِ
أوَّلًا: إقامةُ ذِكرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ:
حِكمةُ الرَّميِ في الجملةِ هي طاعةُ اللهِ فيما أمَرَ به، وذِكْرُه بامتثالِ أمْرِه على لسانِ نَبِيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
قال الله تعالى: وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة: 203] ويدخُلُ في الذِّكْرِ المأمورِ به: رمْيُ الجِمارِ؛ بدليلِ قَولِه بعدَه: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة: 203] ، فإنَّ ذلك يدلُّ على أنَّ الرميَ شُرِعَ لإقامةِ ذِكرِ اللهِ
ثانيًا: الاقتداءُ بإبراهيمَ في عداوةِ الشَّيطانِ ورَمْيِه وعَدَمِ الانقيادِ له:
عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما مرفوعًا، قال: ((لَمَّا أتى إبراهيمُ خليلُ اللهِ عليه السَّلامُ المناسِكَ، عَرضَ له الشَّيطانُ عند جَمْرةِ العَقَبةِ، فرماه بسَبْعِ حَصَياتٍ، حتى ساخَ في الأرضِ، ثم عَرَضَ له عند الجَمْرة الثَّانيَة، فرماه بسبْعِ حَصَياتٍ، حتى ساخ في الأرضِ، ثم عَرَضَ له في الجَمْرة الثَّالثةِ، فرماه بسَبْعِ حَصَياتٍ حتى ساخَ في الأرض. قال ابنُ عبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما: الشَّيطانَ تَرْجمونَ، ومِلَّةَ أبيكم تَتَّبِعونَ ))
حُكْمُ رَمْيِ الجِمارِ
رَمْيُ الجِمارِ واجبٌ في الحَجِّ.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما في حديثِه الطَّويلِ في صِفَةِ حَجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أتى الجَمْرةَ التي عند الشَّجَرةِ، فرماها بسَبْعِ حَصَياتٍ- يُكَبِّرُ مع كلِّ حصاةٍ منها- مِثْلَ حَصَى الخَذْفِ، رمى مِن بَطْنِ الوادي ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثبت عنه في هذا الحديثِ وفي أحاديثَ كثيرةٍ أنَّه رمى الجَمْرة، والأصلُ في أفعالِه في الحجِّ الوُجوبُ؛ لأنَّ أفعالَه فيها وَقَعَت بيانًا لمُجْمَلِ الكتابِ، ولِقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لِتَأخُذوا مَناسِكَكم ))
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقف في حجَّةِ الوداعِ فجعلوا يسألونَه، فقال رجلٌ: لم أشْعُرْ فحَلَقْتُ قبل أن أذبَحَ؟ قال: اذبَحْ ولا حَرَجَ، فجاء آخَرُ، فقال: لم أشعُرْ فنَحَرْتُ قبل أن أرْمِيَ؟
قال: ارْمِ ولا حَرَجَ ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّه أَمَر بالرَّمْيِ، وظاهِرُ الأمْرِ يقتضي الوجوبَ
ثانيًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على وجوبِ الرَّميِ: الكاسانيُّ، والنوويُّ، وابنُ تيميَّة، والشنقيطيُّ
شروطُ الرَّميِ
المطلب الأوَّل: أن يكون المَرْمِيُّ به حَجَرًا:
يُشْتَرَطُ أن يكون المرمِيُّ به حَجَرًا؛ ويُجْزِئُ الرَّمْيُ بكلِّ ما يُسمَّى حَصًى
، وهي الحجارةُ الصِّغارُ، ولا يصِحُّ الرميُ بالطِّينِ، والمعادِن، والترابِ، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ: المالِكيَّة, والشَّافعيَّة، والحَنابِلة
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه؛ يصِفُ رميَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَمْرةَ العَقَبةِ، قال: ((فرمَاها بسَبْعِ حَصَياتٍ- يُكَبِّرُ مع كلِّ حصاةٍ منها- مثلَ حَصَى الخَذْفِ ))
2- عن الفَضْلِ بنِ عبَّاسٍ، ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال في غَداةِ جَمْعٍ- يعني يومَ النَّحرِ- عليكم بحَصْى الخَذْفِ الذي يُرمَى به الجَمْرة ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رمى بالحَصَى، وأمَرَ بالرَّمْيِ بمِثْلِ حَصى الخَذْفِ، فلا يتناوَلُ غيرَ الحصى، ويتناولُ جميعَ أنواعِه،
فلا يجوزُ تَخصيصٌ بغيرِ دليلٍ، ولا إلحاقُ غَيرِه به
المطلب الثَّاني: العَدَدُ المَخصوصُ:
الفرع الأوَّل: عددُ الحَصَياتِ
عَدَدُ الحَصَياتِ لكُلِّ جَمْرةٍ سَبْعةٌ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- حديثُ جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وفيه: ((ثمَّ سَلَكَ الطَّريقَ الوُسْطى التي تَخْرُجُ على الجَمْرةِ الكُبْرى، حتى أتى الجَمْرةَ التي عند الشَّجَرةِ، فرماها بسَبْعِ حَصَياتٍ- يُكَبِّرُ مع كلِّ حصاةٍ منها- مِثْلَ حَصَى الخَذْفِ، رَمَى مِن بطْنِ الوادي، ثم انصَرَفَ إلى المَنْحَر ))
2- عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّه كان يرمي الجَمْرةَ الدُّنْيا بسَبْعِ حَصَياتٍ، يُكَبِّرُ على إِثْرِ كلِّ حصاةٍ، ثم يتقَدَّمُ حتى يُسْهِلَ، فيقومَ مُسْتَقبِلَ القبلةِ، فيقومُ طويلًا، ويدعو ويَرْفَعُ يديه، ثم يَرْمي الوُسْطى، ثم يأخذُ ذاتَ الشِّمالِ فيَسْتَهِلُ، ويقومُ مستقبِلَ القبلةِ،
فيقومُ طويلًا، ويدعو ويرفَعُ يديه، ويقومُ طويلًا، ثم يرمي جَمْرةَ ذاتِ العَقَبةِ مِن بَطْنِ الوادي، ولا يقِفُ عندها، ثم ينصَرِفُ،
فيقول: هكذا رأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يفعَلُه ))
الفرع الثَّاني: استيفاءُ عَدَدِ الحَصَياتِ
يجبُ استيفاءُ عَدَدِ حَصَياتِ الرَّمْيِ السَّبْعِ في كل جَمْرةٍ، وهو المذهَبُ عند المالِكيَّة, وروايةٌ عند أحمدَ، وبه قال الأوزاعيُّ, والليثُ,
وهو قولُ الشِّنقيطيِّ، وابنِ باز، وابنِ عُثيمين
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- حديثُ جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وفيه: ((فرماها بسَبْعِ حَصَياتٍ يُكَبِّرُ مع كلِّ حصاةٍ ))
2- حديثُ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّه كان يرمي الجَمْرةَ الدُّنيا بسَبْعِ حَصَياتٍ... ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الرِّواياتِ الصحيحةَ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنَّه كان يرمي الجِمارَ بسَبْعِ حَصَياتٍ. مع قولِه: ((لِتَأخُذوا مناسِكَكم ))، فلا ينبغي العُدُولُ عن ذلك; لوضوحِ دليلِه وصِحَّتِه، ولأنَّ مُقابِلَه لم يَقُمْ عليه دليلٌ يقارِبُ دليله
المطلب الثَّالث: رَمْيُ الجَمْرةِ بالحَصَياتِ السَّبْعِ مُتَفَرِّقاتٍ واحدةً فواحدةً
يُشْتَرَط أن يَرمِيَ الجَمْرةَ بالحَصَياتِ السَّبعِ متفرِّقاتٍ واحدةً فواحدةً، فلو رمى حصاتينِ معًا أو السَّبْعَ جملةً، فهي حصاةٌ واحدةٌ، ويَلْزَمُه أن يرمِيَ بسِتٍّ سواها، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة, والمالِكيَّة, والشَّافعيَّة, والحَنابِلة؛ وذلك لأنَّ المنصوصَ عليه
تفريقُ الأفعالِ، فيتقَيَّد بالتفريقِ الواردِ في السنَّة
المطلب الرابع: وقوعُ الحصى داخِلَ الحَوضِ:
يُشْتَرَط وقوعُ الحَصَى في الجَمْرةِ التي يَجْتَمِعُ فيها الحصى، وهذا مذهَبُ جُمهورِ الفُقَهاءِ مِنَ المالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة، وحُكي
الإجماع على ذلك
الدليل من السنة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى إلى المرمى، مع قوله صلى الله عليه وسلم ((لِتَأخُذوا مناسِكَكم ))
المطلب الخامس: قَصْدُ المَرْمى ووقوعُ الحصى فيه بفِعْلِه:
يُشْتَرَط أن يقْصِدَ المَرْمى، ويقَعَ الحصى فيه بفِعْلِه، فلو ضرب شخصٌ يَدَه فطارَتْ الحَصاةُ إلى المرمى وأصابَتْه لم يصِحَّ،
وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة, والمالِكيَّة, والشَّافعيَّة, والحَنابِلة
الدليل من السنة:
قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ ))
المطلب السادس: أنْ تُرْمَى الحَصَى ولا تُوضَع:
يُشْتَرَط أن يَرمِيَ الحَصَياتِ رَميًا ولا يكتفِيَ بوَضْعِها وضعًا، وهذا باتفاق المذاهِبِ الفقهية الأربعةِ مِنَ الحَنَفيَّة, والمالِكيَّة, والشَّافعيَّة,
والحَنابِلة
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
لأنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رمى الجَمَراتِ, وقد قال: ((لِتَأخُذوا مناسِكَكم ))
ثانيًا: أنَّه مأمورٌ بالرَّميِ، فاشتُرِطَ فيه ما يقَعُ عليه اسمُ الرَّمْيِ
المطلب السابع: ترتيبُ الجَمَراتِ في رَمْيِ أيَّامِ التَّشريقِ
يُشْتَرَط أن يرمِيَ الجِمارَ الثَّلاثَ على التَّرتيبِ: يرمي أوَّلًا الجَمْرةَ الصُّغرى التي تلي مسجِدَ الخِيفِ، ثمَّ الوُسطى،
ثم يرمي جَمْرةَ العَقَبةِ، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ مِنَ المالِكيَّة, والشَّافعيَّة, والحَنابِلة
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رتَّبَها في الرَّمْيِ، وقال ((لِتَأخُذوا مناسِكَكم ))
ثانيًا: لأنَّه نُسُكٌ متكَرِّرٌ، فاشتُرِطَ الترتيبُ فيه كالسَّعيِ
المطلب الثامن: أن يكونَ الرَّميُ في زَمَنِ الرَّميِ
سُنَنُ الرَّمْيِ
المطلب الأوَّل: السُّنَّة في موقِفِ الرَّامي لجَمْرةِ العَقَبةِ
الأفضلُ في موقِفِ الرَّامي جَمْرةَ العَقَبةِ أن يقِفَ في بطْنِ الوادي، وتكونَ مِنًى عن يمينِه، ومكَّةُ عن يَسارِه، وهو مذهَبُ جماهيرِ أهلِ
العِلمِ: الحَنَفيَّة
, والمالِكيَّة, والصَّحيحُ عند الشَّافعيَّة, وقولُ جماعةٍ مِنَ السَّلَفِ, واختارَه ابنُ تيميَّة, وابنُ القَيِّم, والشنقيطيُّ, وابنُ باز, وابنُ عُثيمين
الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ:
عن عبدِ الرحمنِ بنِ يزيدَ: ((أنَّه حجَّ مع ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، فرآه يرمي الجَمْرةَ الكُبرى بسَبْعِ حَصَياتٍ فجعل البيتَ عن يسارِه، ومِنًى عن يمينِه، ثم قال: هذا مقامُ الذي أُنْزِلَتْ عليه سورةُ البَقَرةِ))، وفي لفظٍ: ((أنَّه انتهى إلى الجَمْرةِ الكُبرى، جَعَلَ البيتَ عن يسارِه، ومِنًى عن يمينِه، ورمى بسَبْعٍ، وقال: هكذا رمى الذي أُنْزِلَت عليه سورةُ البَقَرةِ صلى الله عليه وسلم ))
فرعٌ: رميُ جَمْرةِ العَقَبةِ مِنَ الجهاتِ الأخرى
يجوزُ رَمْيُ جَمْرةِ العَقَبةِ مِن أيِّ جهةٍ كانت، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ مِنَ الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة في الأظهَرِ، والحَنابِلة، ونصَّ عليه الشافعيُّ،
وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه ثَبَتَ رميُ خَلْقٍ كثيرٍ في زَمَن الصَّحابةِ مِن أعلاها، ولم يأمرُوهم بالإعادةِ، ولا أعلنوا بالنِّداءِ بذلك في النَّاسِ
ثانيًا: أنَّ رَمْيَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن أسفَلِها سُنَّةٌ، لا أنَّه المُتَعَيَّن، وكان وجهُ اختيارِ الرميِ مِنَ الأسفَلِ هو توقُّعُ الأذى- إذا رَمَوْا من أعلاها- لِمَن أسفَلَها؛ فإنَّه لا يخلو مِن مرورِ النَّاس، فيصيبُهم الحصى، وقد انعدَمَ هذا التخوُّفُ بإزالة الجَبَلِ الذي كان ملاصقًا
للجَمْرةِ مِنَ الخَلْفِ، وصار الجميعُ يرمي في مستوًى واحدٍ
ثالثا: أنَّ ما حولها موضِعُ النُّسُكِ؛ فلو رماها من أيِّ جهةٍ أجْزَأَه
المطلب الثَّاني: أن يكون الرَّميُ بمِثْلِ حصى الخَذْفِ
يُستحَبُّ أن يكون الرَّميُ بمِثْلِ حَصى الخَذْفِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة, والمالِكيَّة, والشَّافعيَّة, والحَنابِلة، وبه قال
جمهور العُلَماء مِنَ السلف والخلف
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غداةَ العَقَبةِ وهو على راحلته ((هات الْقُطْ لي فلَقَطْتُ له حَصَياتٍ هن حَصى الخَذْفِ، فلما وضعتهن في يده، قال: بأمثالَ هؤلاءِ وإيَّاكم والغُلُوَّ في الدِّينِ؛ فإنَّما أهلَكَ مَن كان قَبْلَكم الغُلُوُّ في الدِّينِ ))
2- حديثُ جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وفيه: ((حتى أتى الجَمْرةَ التي عند الشَّجَرةِ، فرماها بسَبْعِ حَصَياتٍ- يُكَبِّرُ مع كلِّ حصاةٍ منها- مثلَ حَصى الخَذْفِ ))
المطلب الثَّالث: المُوالاةُ بين الرَّمَياتِ السَّبْعِ
الموالاةُ بينَ الرَّمَياتِ السَّبْعِ مُستحَبَّةٌ، وليسَتْ بشرطٍ، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ مِنَ الحَنَفيَّة, والحَنابِلة, والصَّحيحُ عند المالِكيَّة, والشَّافعيَّة
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه نُسُكٌ لا يتعلَّقُ بالبيتِ، فلم تُشْتَرَط له الموالاةُ
ثانيًا: لأنَّ اشْتِراطَ الموالاةِ فيه مشَقَّةٌ؛ لكثرةِ الزِّحامِ عند الجَمَراتِ
المطلب الرابع: ألَّا يكونَ الحَصى ممَّا رُمِيَ به
يُفَضَّل ألَّا يكونَ الحَجَرُ ممَّا رُمِيَ به؛ فإنْ رَمَى بالحَجَرِ المُستعمَلِ أجْزَأَه, وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة, والمالِكيَّة, والشَّافعيَّة, وقول
للحَنابِلة
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّه ليس هناك دليلٌ على أنَّ الحصاةَ التي رُمِيَ بها لا يُجْزِئُ الرَّميُ بها، ولا دليلَ يَمنَعُ مِنَ الرَّميِ بها
ثانيًا: لأنَّ العِبرةَ هي الرميُ بحصاةٍ، وقد وُجِدَ، ويصدُقُ اسْمُ الرَّميِ عليها
ثالثًا: قياسًا على الثَّوبِ في سَتْرِ العورةِ؛ فإنَّه يجوز أن يُصَلِّيَ في الثوبِ الواحِدِ صلواتٍ
المطلب الخامس: طهارةُ الحَصَياتِ
يُستحَبُّ أن يرمِيَ بحصًى طاهرةٍ, وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة, والمالِكيَّة, والشَّافعيَّة, ووجه عند الحَنابِلة
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لِصِدْقِ اسْمِ الرَّميِ على الرَّميِ بالحَجَرِ النَّجِسِ
ثانيًا: لعَدَمِ النَّصِّ على اشتراطِ طَهارةِ الحَصَى
ثالثًا: لِكَيلا يباشِرَ النَّجاسةَ بِيَدِه
مسألةٌ: حُكْمُ غَسْلِ حَصى الرَّمْيِ
لا يُستحَبُّ غَسلُ الحَصى إلَّا إذا رأى فيها نجاسةً ظاهرةً، ولم يَجِدْ غيرَها، فتُغْسَلُ النَّجاسةُ؛ لئلَّا تتنجَّسَ اليدُ أو الثيابُ, وهو المذهَبُ عند المالِكيَّة, والصَّحيحُ عند الحَنابِلة, وهو قولُ جماعةٍ مِن أهلِ العِلم, وقولُ ابن المُنْذِر, واختاره الشنقيطيُّ, وابنُ بازٍ, وابنُ
عُثيمين, والألبانيُّ
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يَرِدْ عنه أنَّه غَسَل الحَصى، ولا أمَرَ بغَسْلِهِنَّ
ثانيًا: لأنَّه لم يُنقَلْ غَسْلُه عن الصَّحابةِ رِضوانُ اللهِ عليهم
ثالثًا: أنَّه لا يوجَدُ معنًى يقتضي غَسْلَه
المطلب السادس: التكبيرُ مع كُلِّ حصاةٍ
يُستحَبُّ أن يكَبِّرَ مع كلِّ حصاة, وذلك باتفاق المذاهِبِ الفقهية الأربعةِ: الحَنَفيَّة, والمالِكيَّة, والشَّافعيَّة, والحَنابِلة
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- حديثُ جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وفيه: ((حتى أتى الجَمْرةَ التي عند الشَّجَرةِ، فرماها بسَبْعِ حَصَياتٍ- يُكَبِّرُ مع كلِّ حصاةٍ منها- مثلَ حَصَى الخَذْفِ، رَمَى مِن بطْنِ الوادي، ثمَّ انصَرَفَ إلى المَنْحَر ))
2- عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ يزيدَ: ((أنَّه كان مع ابنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه حين رمى جَمرةَ العَقَبةِ فاستبطَنَ الواديَ، حتَّى إذا حاذى بالشَّجَرةِ اعتَرَضَها فرمى بسبعِ حَصَياتٍ، يكَبِّرُ مع كلِّ حَصاةٍ، ثمَّ قال: مِن هاهنا- والذي لا إلهَ غَيرُه- قام الذي أُنزِلَت عليه سورةُ البَقَرةِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ))
3- مَا رَوَتْه عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّها قالت: ((أفاض رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن آخر يَومِه حين صلَّى الظُّهْرَ, ثم رجَعَ إلى مِنًى، فمكث بها لياليَ أيَّامِ التَّشريقِ يَرمي الجمرة إذا زالتِ الشَّمسُ, كلَّ جَمْرةٍ بِسَبْعِ حَصَياتٍ, يُكَبِّرُ مع كلِّ حصاةٍ, ويَقِفُ عند الأُولى والثَّانيَة، فيُطيلُ القيام ويتضَرَّعُ، ويرمي الثَّالثة ولا يَقِفُ عندها ))
مسألةٌ: حكمُ تَرْكِ التَّكبيرِ عند رَمْيِ الجِمارِ
مَن تَرَكَ التَّكبيرَ عند رَمْيِ الجِمارِ؛ فليس عليه شيءٌ.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:
نقلَ الإجماعَ على ذلك القاضي عِياضٌ, وابنُ حَجَرٍ
المطلب السابع: قَطْعُ التَّلبيةِ مع أوَّلِ حَصاةٍ يَرْمي بها جَمْرةَ العَقَبةِ يَومَ النَّحرِ
يُستحَبُّ أن يقطَعَ التَّلبيةَ عند أوَّلِ حَصاةٍ يرمي بها جَمْرةَ العَقَبةِ، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ مِنَ الحَنَفيَّة, والشَّافعيَّة, والحَنابِلة، وقولُ جماعةٍ
مِنَ السَّلَفِ
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن الفَضلِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أردف الفضل، فأخبر الفضل أنه لم يَزَلْ يُلَبِّي حتى رمى الجَمْرةَ ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الفَضلَ بن عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما كان رَديفَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَئذٍ، وهو أعلَمُ بحالِه مِن غَيرِه
ثانيًا: لأنَّه يتحَلَّلُ به، فشُرِعَ قَطْعُها في ابتدائِه؛ كالمعتَمِرِ يقطَعُها بالشُّروعِ في الطَّوافِ
المطلب الثامن: الدُّعاءُ الطَّويلُ عَقِبَ رَمْيِ الجَمْرةِ الصُّغرى والوُسْطى
يُستحَبُّ الوقوفُ للدُّعاء ِإثرَ كُلِّ رَمْيٍ بعدَه رَمْيٌ آخَرُ، فيقِفُ للدُّعاءِ بعد رمْيِ الجَمْرة الصُّغرى والوُسطى وقوفًا طويلًا؛ وهذا الدُّعاءُ
مُستحَبٌّ باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة, والمالِكيَّة, والشَّافعيَّة, والحَنابِلة
الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ:
عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّه كان يرمي الجَمْرةَ الدُّنيا بسَبْعِ حَصَياتٍ، يُكَبِّرُ على إِثْرِ كلِّ حَصاةٍ، ثم يتقَدَّمُ حتى يُسْهِلَ،
فيقومَ مُستقْبِلَ القِبلةِ، فيقومُ طويلًا، ويدعو ويَرفَعُ يديه، ثمَّ يرمي الوُسطى، ثم يأخُذُ ذاتَ الشِّمالِ فيَسْتَهِلُ، ويقومُ مستقبِلَ القبلةِ،
فيقومُ طويلًا، ويدعو ويَرفَعُ يديه، ويقومُ طويلًا، ثم يرمي جَمْرةَ ذاتِ العَقَبةِ مِن بطْنِ الوادي، ولا يقِفُ عندها، ثمَّ ينصَرِفُ،
فيقول: هكذا رأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يفعَلُه ))
--------------------------------------------------------------
تابعونا جزاكم الله خيرا
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» (( - 2 -)) خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأربعاء نوفمبر 13, 2024 11:28 pm من طرف صادق النور