شُروطُ إخراجِ الزَّكاة
المبحث الأوَّل: النِّيَّة في الزَّكاة
المطلب الأوَّل: معنى النِّيَّة في الزَّكاة
النِّيةُ في الزَّكاة: أن يعتقِدَ أنَّ ما يُخرِجُه مِنَ المالِ، أنَّها زكاتُه، أو زكاةُ مَن يُخرِجُ عنه، كالصبيِّ والمجنونِ
فرعٌ: مَحلُّ النِّيَّةِ القَلبُ؛ وهو محلُّ الاعتقاداتِ كُلِّها
فرعٌ: النِّيةُ الحُكميَّةُ كافيةٌ؛ فإذا عَدَّ مالَه وأخرَجَ ما يجِبُ فيه ودفعَه لمستَحِقِّه، كفاه؛ فإنَّه لو سُئِلَ عنه لقال: أديتُ الزَّكاةَ المفروضةَ؛ نصَّ على هذا المالكيَّةُ
المطلَبُ الثَّاني: حُكمُ النِّيةِ في الزَّكاةِ
تجِب النِّيةُ عند أداءِ الزَّكاةِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، والظَّاهِريَّة،
وبه قال عامَّةُ الفُقهاءِ
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُ الله تعالى: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ [الروم: 39]
ثانيًا: من السُّنَّة
عن عُمرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم قال: ((إنَّما الأَعمالُ بالنِّيَّاتِ ))
وجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ أداءَ الزَّكاةِ عَمَلٌ واجِبٌ، فتجِبُ لها النيَّةُ
ثالثًا: أنَّ الزَّكاةَ عبادةٌ محضَةٌ يتكرَّرُ وُجوبُها، فلم تصِحَّ من غيرِ نيَّةٍ، كالصَّلاةِ
رابعًا: أنَّ إخراجَ المالِ يكون فرْضًا، ويكونُ نفلًا، فتفتقِرُ الزَّكاةُ لِلنِّيَّةِ؛ لتَمييزِها عن الهِباتِ والكفَّاراتِ والتطوُّعاتِ
المطلَب الثالث: النِّيةُ على وليِّ الصبيِّ والمَجنونِ
تجِبُ النِّيةُ على وليِّ الصَّبيِّ والمجنونِ، عندَ إخراج الزَّكاةِ، وهذا مذهبُ الجُمهورِ: المالكيَّة
، والشافعيَّة، والحَنابِلَة؛ وذلك لأنَّ النِّية واجبةٌ، وقد تعذَّرَتْ مِن المالِكِ؛ لِعَدَمِ أهليَّتِه، فقام بها وليُّه
المطلب الرابعُ: وقتُ النِّيةِ في الزَّكاةِ
لا يجوزُ تأخيرُ النِّيةِ عن وَقتِ دفْعِ الزَّكاةِ إلى مُستَحِقِّها، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة
، والمالكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة؛ وذلك لأنَّ الأصلَ في النيَّةِ الاقترانُ بالأداءِ، كسائِرِ العباداتِ
إنْ عَزَل الزَّكاةَ عن مالِه، ونوى عند العَزلِ أنها زكاةٌ؛ كفى ذلك، ولو لم ينوِ عند الدَّفْعِ؛ نصَّ على هذا جُمهورُ الفُقَهاءِ: الحنفيَّةِ
، والمالكيَّةِ، والشَّافعيَّةِ
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الدَّفعَ يتفرَّقُ، فيتحرَّجُ باستحضارِ النِّيةِ عند كلِّ دفْعٍ، فاكتُفِيَ بوُجودِها حالةَ العَزلِ
ثانيًا: رفعًا للحَرَجِ، كتقديمِ النِّيةِ في الصَّومِ؛ لعُسرِ الاقترانِ بإعطاءِ كُلِّ مُستَحِقٍّ
ثالثًا: أنَّ القَصدَ مِنَ الزَّكاةِ سدُّ حاجةِ مُستحِقِّها، وهو يحصُل بتقديمِ نيَّةِ الزَّكاةِ عند عزْلِ المال
رابعًا: أنَّ النِّيابةَ تَجوزُ في الزَّكاةِ، ونِيَّةُ المزكِّي غيرُ مقارنةٍ لأداءِ الوَكيلِ
المطلبُ السَّادِسُ: مَن نوى أن يكونَ المَكسُ زكاةً
لا يجوزُ أن تُحتَسَبَ المُكُوسُ والضَّرائِبُ عن الزَّكاةِ، وهذا مذهبُ المالكيَّة، والشافعيَّة، وهو قولٌ مصحَّحٌ ومُفتًى به عند الحنفيَّةِ، وروايةٌ عن أحمَدَ، واختاره الخِرَقيُّ، وابنُ تيميَّةَ، وابنُ عابدين، وابنُ عُثيمين، وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ، وصدر به قرار الندوةُ الرَّابعةُ لقضايا الزَّكاةِ المعاصِرة
الأدلَّة: اوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قول الله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة: 60]
وجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ شرْطَ الزَّكاةِ صَرفُها لأهلِها المختصِّينَ بها، والضَّريبةُ لا تُعطى للأصنافِ الثَّمانيةِ
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
عن مُجاهِدٍ قال: (سألتُ ابنَ عُمَرَ عمَّا يأخُذُ العَشَّارونَ، فقال: لا يُحتَسَبُ به مِنَ الزَّكاةِ)
ثالثًا: أنَّ الضَّريبةَ تختلِفُ عن الزَّكاةِ مِن حيثُ مصدرُ التَّكليفِ، والغايةُ منه، والوِعاءُ والقَدْرُ الواجبُ والمصارِفُ، وهي لا تُؤخَذُ باسْمِ الزَّكاة، ولا يُعتبَرُ فيها شُروطُها
رابعًا: أنَّ عدَمَ احتسابِ الزَّكاةِ مِن الضَّريبةِ أسلَمُ لدِينِ المَرءِ المُسلِمِ، وأضمنُ لبَقاءِ فَريضةِ الزَّكاةِ، وبقاءِ صِلة المسلمينَ بها، حتى لا يَعفَى عليها النِّسيانُ باسْمِ الضَّرائبِ
خامسًا: أنَّ الآخِذَ غاصِبٌ في ظَنِّه، فهو صارِفٌ لِفِعلِه عن كَونِه قبضًا لزكاةٍ، فاستحال وقوعُه زكاةً
سادسًا: أنَّ احتِسابَ الضَّريبةِ مِنَ الزَّكاةِ فيه غَصْبٌ لحَقِّ الفُقَراءِ والمساكينِ
سابعًا: أنَّه لا قائلَ مِنَ المُسلمينَ بأنَّ الزَّكاةَ تُؤخَذُ بغيرِ حَوْلٍ، وبِغَيرِ الشُّروطِ المُعتبَرة فيها، وإذا كان ذلك كذلك، فلا تُجزِيه وإن سُمِّيَت زكاةً
ثامنًا: أنَّ الشَّارِعَ تعبَّدَنا بالمعاني لا بالألفاظِ؛ فكَونُهم يُسمُّونها زكاةً، لا عِبرةَ به
تاسعًا: أنَّ المَكَسَةَ وأعوانَهم عزَّ أن تجِدَ فيهم مُستحِقًّا للزَّكاةِ؛ لأنَّهم كلَّهم لهم قُدرةٌ على صَنعةٍ وكَسبٍ، ولهم قُوَّةٌ وتجبُّرٌ
إذا دفعَ المزكِّي الزَّكاةَ إلى مَن يرى أنَّه مُستحِقٌّ لها، لم يحتَجْ إلى إعلامِه بأنَّها زكاةٌ؛ وهو مذهَبُ المالكيَّةِ
، والحَنابِلَة، وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ؛ وذلك لأنَّ فيه نوعًا مِنَ الإذلالِ له
المبحث الثاني: إخراج الزَّكاة بعدَ وجوبِها
المطلب الأوَّل: حُكمُ إخراجِ الزَّكاةِ بعد وجوبِها
يجِبُ أداءُ الزَّكاةِ على الفَورِ بعدَ وُجوبِها- إذا أمكَنَ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّةِ والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة، وهو قولٌ للحنفيَّة،
اختاره الكمالُ ابنُ الهُمامِ
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
1- قَولُ اللهِ تعالى: وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ [المنافقون: 10]
وجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الآيةَ تدلُّ على وُجُوبِ تَعجيلِ أداءِ الزَّكاةِ، ولا يجوزُ تأخيرُها أصلًا، وكذلك سائِرُ العباداتِ، إذا تعيَّن وقتُها
2- قَولُه تعالى: وَآتُوا الزَّكَاةَ
وجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الأصلَ في الأمرِ المطلَقِ أنَّه على الفَورِ، بدليلِ قَولِ اللهِ تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران: 133] وقَولِه تعالى: فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ [البقرة: 148] ؛ ولذلك أخرَجَ اللهُ تعالى إبليسَ، وسخِطَ عليه ووبَّخَه، بامتناعِه عَنِ السُّجودِ، ولو أنَّ رجلًا أمَرَ عَبدَه أن يسقِيَه، فأخَّر ذلك، استحقَّ العُقوبةَ
1- قَولُ الله تعالى: وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام: 141]
وجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الآيةَ تدلُّ على وُجُوبِ المُبادرةِ بإيتاءِ حقِّ الزَّكاةِ، فقَولُه: يَوْمَ حَصَادِهِ يدلُّ على وُجوبِها على الفَورِ.
ثانيًا: من السُّنَّة:
عن عُقبةَ بنِ الحارثِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((صلَّى الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم العَصرَ، فأسرعَ ثم دخَل بيتَه، فلم يلبَثْ أن خرَجَ، فقُلتُ له، أو قيلَ له؟ فقال: كنتُ خلَّفتُ في البَيتِ تِبرًا من الصَّدقةِ، فَكرهتُ أنْ أُبيِّتَه، فقَسَمتُه ))
ثالثًا: أنَّ الإنسانَ لا يَدري ما يعرِضُ له، فهو إذا أخَّرَ الواجِبَ، يكون مخاطِرًا؛ فقد يموتُ ويبقى الواجِبُ في ذِمَّتِه، وإبراءُ الذِّمَّةِ واجِبٌ
رابعًا: أنَّ تأخيرَ الواجِباتِ يلزمُ منه تراكُمُها، وحينئذٍ يُغرِيه الشَّيطانُ بالبُخلِ، إذا كان الواجبُ مِنَ المالِ، أو بالتكاسُلِ إذا كان الواجِبُ مِن الأعمالِ البدنيَّةِ
المطلب الثاني: الأعذار المُبيحة لتأخير الزَّكاة
يجوزُ تأخيرُ دفْعِ الزَّكاةِ؛ للحاجةِ والمصلَحةِ
، وهذا مذهبُ الشافعيَّة، والحَنابِلَة، واختارَه أبو عُبَيدٍ القاسِمُ بنُ سلَّامٍ، وابنُ عُثيمينَ
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه إذا جاز تأخيرُ قضاءِ دَينِ الآدِميِّ لذلك، فتأخيرُ الزَّكاةِ أَوْلى
ثانيًا: القياسُ على جوازِ نقْلِ الزَّكاةِ إلى مكانٍ فاضِلٍ تفضُلُ فيه الصَّدقةُ؛ فلذلك تؤخَّرُ إلى زمانٍ فاضلٍ تفضُلُ فيه الصَّدقةُ، بل التَّأخيرُ إلى الزَّمانِ أَوْلى؛ لأنَّه ليس فيه عدولٌ عن فُقَراءِ بَلَدِ الصَّدَقةِ، ولا نقْلٌ لها عن غَيرِهم
فرعٌ:
لو أخَّر الزَّكاةَ عن مَوعِدِها ثم زاد مالُه؛ فإنَّ المُعتبَرَ وقتُ وُجوبِها عند تمامِ الحَوْل، فلو كانت تجِبُ في رمضانَ ومالُه عشَرةُ آلافٍ، فأخَّرَها إلى ذي الحجَّةِ، فبلَغَ مالُه عشرينَ ألفًا، فلا زكاةَ عليه إلَّا في العَشَرةِ
المطلبُ الثالث: حُكمُ تعجيلِ الزَّكاةِ
الفرع الأول: تعجيلُ الزَّكاةِ قبل مِلك النِّصاب
لا يجوزُ تعجيلُ الزَّكاةِ قبل مِلْكِ النِّصابِ.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:
نقل الإجماعَ على ذلك البَغَويُّ وابنُ قُدامةَ والنَّوويُّ، والقرافيُّ
الفرع الثاني: تعجيلُ الزَّكاةِ بعد مِلكِ النِّصابِ
إذا بلَغ المالُ نِصابًا ممَّا يُشتَرَط له الحَوْلُ؛ فإنَّه يجوزُ فيه تعجيلُ الزَّكاةِ قبل تمامِ الحَوْلِ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ من الحنفيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وبه قال أكثرُ أهلِ العِلمِ، وهو قولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الوَقتَ إذا دخل في الشَّيءِ رِفقًا بالإنسانِ، كان له أن يُعجِّلَه ويترُكَ الإرفاقَ بنفْسه، كالدَّينِ المؤجَّلِ، وكَمَن أدَّى زكاةَ مالٍ غائبٍ، وإنْ لم يكُنْ على يقينٍ مِن وُجوبِها، ومِنَ الجائِزِ أن يكونَ المالُ تالفًا في ذلك الوَقتِ، وأمَّا الصَّلاةُ والصِّيامُ فتعبُّدٌ مَحضٌ، والتَّوقيتُ فيهما غيرُ مَعقولٍ، فيجِبُ أن يُقتصَرَ عليه
ثانيًا: أنَّه تعجيلٌ لمالٍ وُجِدَ سببُ وجوبه قبل وُجوبِه، فجاز؛ كتعجيلِ قضاءِ الدَّينِ قبل حُلُولِ أجَلِه، وأداءِ كفَّارةِ اليَمينِ بعد الحَلِف وقبل الحِنثِ، وكفَّارةِ القَتلِ بعد الجُرحِ قبل الزُّهوقِ
ثالثًا: أنَّ تأخُّرَ الوُجوبِ كان لتحقُّقِ النَّماءِ، فإذا تحقَّقَ بعدَ تقرُّرِ سَبَبِ الوُجوبِ، جاز التَّقديمُ
المطلب الرابع: هلاكُ المالِ بعد وُجوبِ الزَّكاةِ
اختَلف أهلُ العِلمِ في هلاكِ المالِ بعد وُجوبِ الزَّكاةِ على أقوالٍ ؛ منها:
القول الأوّل:
أنَّ صاحِبَ الزَّكاةِ يضمَنُ الزَّكاةَ إذا هلَك المالُ بعد الوُجوبِ، سواءٌ فرَّط أو لم يُفرِّطْ، وهذا مذهَبُ الشافعيَّة، والحَنابِلَة، وبه قالتْ طائفةٌ مِنَ السَّلفِ، واختاره أبو عُبَيدٍ القاسِمُ بنُ سلَّامٍ، واللَّجنةُ الدَّائمة
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه حقٌّ متعيِّنٌ على ربِّ المالِ، تَلِف قبل وصولِه إلى مُستحِقِّه، فلم يبرَأْ منه بذلك، كدَينِ الآدميِّ، وصَدقةِ الفِطرِ
ثانيًا: أنَّه إذا تمكَّنَ ولم يؤدِّ صار بالتَّأخيرِ مُفرِّطًا، كالمُودَعِ عنده إذا طُولِبَ بردِّ الوديعةِ، فلم يردَّها حتى هلَكَتْ
ثالثًا: أنَّها زكاةٌ قَدَرَ على أدائِها بعد وُجودِها، فوجَبَ أن يلزَمَه ضمانُها، كما لو طالَبَه السَّاعي بها
القول الثاني:
لا يَضمَنُ إلَّا إذا فرَّط، وهذا مذهبُ المالكيَّة، وهو اختيارُ ابنِ تَيميَّة، وابنِ سعديٍّ، وابنِ عُثيمين
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه لم يُفرِّط، وغايةُ ما هنالك أن تكونَ الزَّكاةُ في هذا المالِ كالأمانةِ التي لا تُضمَنُ إلَّا بالتَّفريطِ
ثانيًا: لو أنَّ فقيرًا وضَع عند شخصٍ دراهمَ له، ثم تلِفَت عند المودَعِ بلا تعدٍّ ولا تفريطٍ، فلا يلزَمُه أن يَضمَنَ للفقيرِ مالَه، فالزَّكاةُ مِن باب أوْلى، مع أنَّ الفقيرَ لا يملِكُ الزَّكاةَ إلَّا من جهة المزكِّي
المطلب الخامس: أداءُ الزَّكاةِ لِمَن تراكمتْ عليه سِنين
إذا مضت عِدَّةُ سِنينَ ولم يؤدِّ صاحبُ الزَّكاةِ زكاتَها؛ لَزِمَه إخراجُ الزَّكاة عن كلِّ ما مضى من السِّنينِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وهو مذهب الظَّاهِريَّة
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، عنِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: ((... فدَيْنُ اللهِ أحقُّ أنْ يُقضَى ))
ثانيًا: أنَّها حقٌّ أوجَبَه الله للفُقَراءِ والمساكينِ وسائرِ المستحقِّينَ، فلا تسقُط- وقد لَزِمَت- بمرورِ عامٍ أو أكثر؛ لأنَّ مُضيَّ الزَّمَنِ لا يُسقِطُ الحقَّ الثابتَ.
ثالثًا: أنَّ سبَبَ الوُجوبِ في الزَّمَنِ الماضي ثابِتٌ، فوجَب عليه الإخراجُ لِمَا مضى
المطلب السادس: هل تسقُط الزَّكاةُ بالموت؟
لا تسقُطُ الزَّكاةُ بالموت، ويجِبُ إخراجُها مِن مالِه، سواءٌ أوْصى بها أو لم يُوصِ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة
، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، والظَّاهِريَّة، وقال به طائفةٌ مِن السَّلَفِ
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُ اللهِ تعالى في المواريثِ: مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء: 11]
وجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ عمَّ الدُّيونَ كُلَّها, والزَّكاةُ دَينٌ قائِمٌ لله تعالى، ولِلمساكينِ, والفُقَراءِ والغارمينَ وسائرِ مَن فرَضها تعالى لهم في نصِّ القُرآنِ
ثانيًا: من السُّنَّة
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: ((جاءَ رجُلٌ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ أمِّي ماتتْ وعليها صومُ شَهرٍ، أفأَقضِيه عنها؟ فقال: لو كان على أُمِّكَ دَينٌ، أكُنتَ قاضِيَه عنها؟» قال: نعَمْ، قال: فدَينُ اللهِ أحقُّ أنْ يُقضَى ))
وجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّه لَمَّا أَلزَمَ الوليَّ بقضاءِ النَّذرِ عن أمِّه، كان قضاءُ الزَّكاةِ التي فرَضَها اللهُ أشدَّ لزومًا؛ لأنَّ الزَّكاةَ أوكدُ مِنَ النَّذرِ
ثالثًا: أنَّها حقٌّ واجِبٌ لا تسقُطُ بالموتِ كسائرِ حُقوقِ الله تعالى الماليَّةِ، ومنها الحَجُّ والكفَّاراتُ
رابعًا: أنَّه تعلَّق بها حقُّ الفُقَراءِ والمستحقِّينَ للزَّكاة
خامسًا: لأنَّها حقٌّ واجبٌ في المالِ، فلم تسقطْ بالموتِ، كدَيْنِ الآدميِّ
سادسًا: أنَّ الزَّكاةَ إمَّا أن تكونَ في الذِّمَّة، وإمَّا أن تكونَ في عَينِ المال؛ فإنْ كانت في عَينِ المالِ، فإنَّ أهلَ الصَّدَقاتِ شُركاءُ في ذلك المالِ، وإنْ كانت في الذمَّةِ فلا تسقُطُ بالموتِ
إخراجُ الزَّكاةِ على خِلافِ الأصل
المبحث الأوَّل: أداءُ الزَّكاةِ من غيرِ عَينِ المالِ
مَن أخرجَ زكاةَ مالِه من غيرِ عينِ المالِ، فإنَّ ذلك يُجزِئُ عنه، ولا يُجبَرُ أنْ يُخرِجَ من عَينِ المالِ المُزكَّى، فإنْ أخرَجَ منه، أجزأَ عنه، وذلك في الجُملة.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:
نقل الإجماعَ على ذلك ابنُ حَزمٍ، والجُوينيُّ، والنَّوويُّ
المبحثُ الثاني: إخراجُ القِيمةِ
يُجزِئُ إخراجُ القِيمةِ- في غَيرِ زكاةِ الفِطرِ- للحاجةِ أو المَصلحةِ الرَّاجحةِ، وهذا روايةٌ عن أحمدَ
، وهو اختيارُ ابنِ تيميَّة وابنِ باز، وابنِ عُثيمين
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قدَّر الجُبرانَ بِشاتَينِ أو عِشرينَ درهمًا، ولم يَعدِلْ إلى القِيمةِ
ثانيًا: أنَّه متى جُوِّزَ إخراجُ القِيمةِ مطلقًا، فقد يعدِلُ المالكُ إلى أنواعٍ رَديئةٍ، وقد يقَعُ في التَّقويمِ ضَررٌ؛ لأنَّ الزَّكاة مبناها على المواساةِ، وهذا مُعتبَر في قدْرِ المالِ وجِنسِه
ووجْه المَنعِ مِن إخراجِ القِيمةِ في زكاة الفِطرِ: هو أنَّ القيمةَ في زكاةِ الفِطرِ لو كانت مُعتبرةً لم تكُنِ الأجناسُ مُختلفةً؛ إذ إنَّ صاعًا مِنَ الشَّعيرِ قد لا يُساوي صاعًا مِنَ التَّمرِ، أو لا يُساوي صاعًا من البُرِّ، أو ما أشْبَه ذلك
المبحث الثالث: نقْل الزَّكاة من بلدِ المال
المطلب الأوَّل: أهلُ كُلِّ بلدٍ أحقُّ بصَدَقَتِهم
أهلُ كُلِّ بَلدٍ أحقُّ بصَدَقَتِهم ما دام فيهم أحدٌ مِنْ ذوي الحاجةِ.
الدَّليل من الإجماعُ:
نقَل الإجماعَ على ذلك، أبو عُبَيدٍ القاسِمُ بنُ سلَّام
ثالثًا: لحُرمةِ الجِوارِ، ولقُربِ دارِهم من دارِ الأغنياءِ
المطلب الثاني: حُكم نقْلِ الزَّكاةِ إلى بلدٍ آخرَ مطلقًا
يجوزُ نقلُها إلى بلدٍ آخرَ لحاجةٍ أو مصلحةٍ؛ نصَّ على هذا الحنفيَّة والمالكيَّة، وهو روايةٌ عن أحمد، واختاره ابنُ تيمية، وابنُ باز، وابنُ عُثيمين
الأدلَّة: اوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُ اللهِ تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة: ٦٠]
وجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ عُمومَ الآيةِ يدلُّ على جَوازِ صرْفِ الزَّكاةِ لِمُستحقِّيها، ولو كانوا في غَيرِ بلدِ المالِ
ثانيًا: من السُّنَّة
عن قَبِيصةَ بنِ مُخارقٍ الهِلاليِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((تحمَّلْتُ حَمالَةً، فأتيتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أسأَلُه فيها، فقال: أقِم حتَّى تأتيَنا الصدقةُ، فنأمُرَ لك بها... ))
وجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يَستدعي الصَّدَقاتِ إلى المدينةِ، ويَصرِفُها في المستحقِّين
ثالثًا: لأنَّه دفَع الحقَّ إلى المُستحِقِّ، فبرَأَ كالدَّينِ
المطلب الثالث: مُؤنةُ نَقْلِ الزَّكاة
مُؤنةُ نقْلِ الزَّكاة تكونُ مِن نَفْسِ الزَّكاة.
الدليلُ من الإجماعِ:
نقل الإجماعَ على ذلك ابنُ حَزمٍ
وما زلنا أحبابنا .. تابعونا جزاكم الله خيرا
::
ولا تنسونا من صالح دعائكم
::
التالي ::. استثمارُ أموال الزَّكاةِ
عدل سابقا من قبل sadekalnour في الثلاثاء نوفمبر 01, 2022 5:21 pm عدل 1 مرات
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» (( - 2 -)) خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأربعاء نوفمبر 13, 2024 11:28 pm من طرف صادق النور