المَبحَث الرابع: السُّنَنُ ذواتُ الأسبابِ
المَطلَبُ الأوَّل: صَلاةُ تحيَّةِ المسجدِ
الفَرعُ الأوَّل: حُكمُ تحيَّةِ المسجدِ
تُسنُّ صلاةُ ركعتينِ عندَ دخولِ المسجدِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهب الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وحُكي الإجماعُ على ذلك
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة
1- عن أبي قَتادةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا دخَلَ أحدُكم المسجدَ، فلا يجلسْ حتى يركعَ ركعتينِ
2- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((جاءَ سُلَيك الغَطَفاني ورسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُب، فقال: يا سُلَيك، قم فاركعْ ركعتينِ، وتجوَّز فيهما ))
ثانيًا: أنَّ تحيةَ المسجدِ لو كانتْ واجبةً لحرُمَ دخولُ المسجدِ على المُحدِثِ الحدثَ الأصغرَ حتَّى يتوضَّأَ، ولا قائلَ به
الفَرعُ الثاني: سُقوطُ تحيَّةِ المسجدِ بصَلاةِ الفريضةِ
مَن دخَلَ المسجدَ وقد أُقيمتِ الصلاةُ، أو وَجَد الإمامَ في الصلاةِ، فلا يَشتغِل بتحيةِ المسجدِ، وتَسقُطُ عنه
الدَّليلُ مِنَ الإِجْماع:
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ تيميَّة، وابنُ حَجرٍ
الفرعُ الثالث: مشروعيَّةُ تدارُكِ الركعتينِ لِمَن قعَدَ قبلَ أن يُصلِّي
تحيَّة المسجدِ لا تسقُطُ بالجلوسِ، وهو مذهبُ الجمهور: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والحَنابِلَة
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((جاءَ سُلَيكٌ الغطفانيُّ يومَ الجُمُعة ورسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُب، فقال: يا سُلَيكُ، قم فاركعْ ركعتينِ وتجوَّزْ فيهما ))
الفَرعُ الرابع: تحيَّةُ المسجدِ الحرامِ
المسألةُ الأولى: مَن دَخَلَ المسجِدَ الحرامَ فطافَ
مَن دخَلَ المسجدَ الحرامَ فطافَ، فإنَّ طوافَه يُعَدُّ تحيةً له، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشافعيَّة، الحَنابِلَة
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حين قدِمَ مكَّةَ كان أوَّلَ شيءٍ بدأ به حين قدِمَ أنه توضَّأَ، ثم طافَ بالبيتِ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دخل المسجدَ الحرام للطوافِ، ولم يصلِّ التَّحية
المسألةُ الثانية: مَن دَخَل المسجدَ لِغَيْرِ الطَّواف
مَن دخَلَ المسجدَ الحرامَ لا للطَّوافِ، وإنَّما للصلاةِ أو للعِلم مثلًا، فهذا يَبقى المشروعُ في حقِّه أنْ لا يجلسَ حتى يُصلِّيَ ركعتينِ، وهذا ما ذَهب إليه الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، واختاره ابنُ عُثَيمين, وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمة
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن أبي قَتادةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا دخَلَ أحدُكم المسجدَ، فلا يجلسْ حتَّى يركعَ ركعتينِ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
عمومُ قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا دخَلَ أحدُكم المسجدَ))، فإنَّه يشمَلُ المسجدَ الحرامَ
الفَرعُ الخامس: تحيَّةُ المسجدِ في أوقاتِ النَّهي
سيأتي بحثُها عندَ بحثِ صلاةِ ذواتِ الأسبابِ في أوقاتِ النهيِ.
المَطلَبُ الثَّاني: التطوُّعُ بَينَ الأذانِ والإقامةِ
يُشرَع التطوع بَيْن كلِّ أذانٍ وإقامةٍ
الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة
1- عن عبدِ اللهِ بنِ مُغفَّلٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((بَينَ كلِّ أذانينِ صلاةٌ، بينَ كلِّ أذانينِ صلاةٌ، بينَ كلِّ أذانينِ صلاةٌ، ثم قال في الثَّالثة: لِمَن شاءَ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ المراد بالأذانينِ: الأذان والإقامة، وأُطلق عليهما الأذانان تغليبًا، كالقَمرين (الشمس والقمر) والعُمرين (أبي بكر وعمر)؛ فدلَّ بعمومِه على مشروعيَّةِ الصَّلاةِ بين كلِّ أذانٍ وإقامةٍ
2- عن عبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((ما مِن صلاةٍ مفروضةٍ إلَّا وبين يديها رَكعتانِ))
3- عن أنسِ بن مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان المؤذِّنُ إذا أذَّن قام ناسٌ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَبتدرون السَّواري، حتى يخرُجَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهم كذلِك، يُصلُّونَ الركعتينِ قبل المغربِ، ولم يكُن بين الأذانِ والإقامةِ شيءٌ ))
4- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كنَّا بالمدينةِ، فإذا أذَّن المؤذِّن لصلاةِ المغربِ ابتدروا السَّواري، فركَعوا ركعتينِ، حتى إنَّ الرجُلَ الغريبَ ليدخُل المسجدَ فيَحسَبُ أنَّ الصلاة قد صُلِّيت، مِن كثرةِ مَن يُصلِّيهما ))
ثانيًا: مِنَ الِإِجْماع
نقَل ابنُ بطَّالٍ، وابنُ حجرٍ الإجماعَ على سُنيَّة صلاةِ ركعتينِ بين الأذانين إلَّا في المغربِ؛ فإنَّهم اختَلفوا في ذلك.
المَطلَبُ الثَّالث: صلاةُ الاستخارةِ
الفَرعُ الأوَّل: تعريفُ الاستخارةِ
الاستخارةُ لُغةً: طلَبُ الخِيرةِ في الشيءِ، وهو استفعالٌ منه؛ يُقال: استخِرِ اللهَ يَخِرْ لك
الاستخارة شرعًا: طلَبُ صرفِ الهِمَّةِ لِمَا هو المختارُ عندَ اللهِ والأَوْلى، بالصَّلاة، والدُّعاءِ الواردِ في الاستخارةِ
الفرعُ الثَّاني: حُكمُ صلاةِ الاستخارةِ
صلاةُ الاستخارةِ سُنَّةٌ، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعلِّمُ أصحابَه الاستخارةَ في الأمورِ كلِّها، كما يُعلِّم السورةَ من القرآنِ؛ يقول: ((إذا همَّ أحدُكم بالأمرِ فلْيركَعْ ركعتينِ من غيرِ الفريضةِ، ثم لْيقُل: اللهمَّ إني أستخيرُك بعِلمك، وأستقْدِرُكَ بقُدرتِك، وأسألُك من فَضلِك؛ فإنَّك تَقدِرُ ولا أَقدِرُ، وتَعلمُ ولا أَعلمُ، وأنت علَّامُ الغيوب، اللهمَّ فإنْ كنتَ تَعلَمُ هذا الأمْرَ- ثم تُسمِّيه بعَينِه- خيرًا لي في عاجلِ أمْري وآجلِه- قال: أو في دِيني ومعاشي وعاقبةِ أمري- فاقْدُرْه لي، ويَسِّره لي، ثم بارِكْ لي فيه، اللهمَّ وإنْ كنتَ تعلمُ أنَّه شرٌّ لي في دِيني ومعاشي وعاقبةِ أمْري- أو قال: في عاجِلِ أمْري وآجِلِه- فاصْرِفني عنه، واقدُرْ لي الخيرَ حيثُ كانَ ثمَّ رضِّني به ))
الفَرع الثَّالِث: أداءُ صلاةِ الاستخارةِ في أوقاتِ النَّهي
لا تُصلَّى صلاةُ الاستخارةِ في أوقاتِ النَّهي، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة
الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة
1- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((شهِد عندي رجالٌ مرضيُّون، وأرْضاهم عندي عُمرُ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عن الصَّلاةِ بعدَ الصُّبحِ حتَّى تُشرِقَ الشمسُ، وبعدَ العصرِ حتَّى تغرُبَ ))
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَحرَّوا بصلاتِكم طلوعَ الشمسِ ولا غُروبَها ))
3- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا طلَعَ حاجبُ الشمسِ فأَخِّروا الصلاةَ حتى ترتفعَ، وإذا غابَ حاجبُ الشَّمسِ فأخِّروا الصلاةَ حتى تغيبَ ))
4- عن عُقبةَ بنِ عامرٍ الجهنيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((ثلاثُ ساعاتٍ كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَنهانا أنْ نُصلِّي فيهنَّ أو أن نَقبُرَ فيهنَّ موتانا: حينَ تَطلُعُ الشمسُ بازغةً حتى ترتفعَ، وحين يقومُ قائمُ الظهيرةِ حتى تميلَ الشمسُ، وحين تَضيَّفُ الشمسُ للغروبِ حتى تغرُبَ ))
وجهُ الدَّلالة من هذه الأحاديثِ:
أنَّ النصوصَ عامَّةٌ في النَّهي، فتشمَلُ صلاةَ الاستخارةِ
ثانيًا: لأنَّ سببَ الصلاةِ هو الاستخارةُ، وهو متأخِّرٌ عن الصَّلاةِ
الفرعُ الرابع: وقتُ الدعاءِ في صلاةِ الاستخارةِ
الدُّعاءُ في صلاةِ الاستخارةِ يكونُ عقِبَ السَّلامِ، وهذا مذهبُ الجمهور: المالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وحُكي الإجماعُ على ذلك
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعلِّمُ أصحابَه الاستخارةَ في الأمورِ كلِّها، كما يُعلِّم السورةَ من القرآنِ؛ يقول: ((إذا همَّ أحدُكم بالأمرِ فلْيركَعْ ركعتينِ من غيرِ الفريضةِ، ثم لْيقُل: اللهمَّ إني أستخيرُك بعِلمك، وأستقدرِكُ بقُدرتِك، وأسألُك من فَضلِك؛ فإنَّك تَقدِرُ ولا أَقدِرُ، وتَعلمُ ولا أَعلم، وأنت علَّامُ الغيوب، اللهمَّ فإنْ كنتَ تَعلَمُ هذا الأمْرَ- ثم تُسمِّيه بعَينِه- خيرًا لي في عاجلِ أمْري وآجلِه- قال: أو في دِيني ومعاشي وعاقبةِ أمري- فاقْدُرْه لي، ويَسِّره لي، ثم بارِكْ لي فيه، اللهمَّ وإنْ كنتَ تعلمُ أنَّه شرٌّ لي في دِيني ومعاشي وعاقبةِ أمْري- أو قال: في عاجِلِ أمْري وآجِلِه- فاصْرِفني عنه، واقدُرْ لي الخيرَ حيثُ كانَ ثمَّ رضِّني به ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذكَر الدعاءَ بعدَ (ثم) التي تُفيدُ الترتيبَ والتعقيبَ مع التَّراخي
الفَرعُ الخامس: تَكرارُ صلاةِ الاستخارةِ
إذا لم يتبيَّنْ للمستخيرِ أمرٌ يختارُه، فله تَكرارُ الاستخارةِ، وهذا مذهبُ الجمهور: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشافعيَّة
الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة
عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا دعَا، دعا ثلاثًا، وإذا سألَ، سألَ ثلاثًا))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الدُّعاءَ الذي تُسَنُّ له الصلاةُ تُكرَّر الصلاةُ له كالاستسقاءِ
ثانيًا: من الآثار
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: (لَمَّا احترقَ البيتُ (أي: الكَعبة) زمَنَ يزيدَ بنِ معاويةَ، حين غزاها أهلُ الشام، فكان من أمْره ما كان، ترَكَه ابنُ الزُّبَير، حتى قدِمَ الناسُ الموسِمَ، يريد أنْ يُجرِّئهم (أو يُحرِّبهم بهم) على أهلِ الشام، فلمَّا صدَر الناسُ، قال: يا أيُّها الناس، أَشِيروا عليَّ في الكعبةِ، أَنقضُها ثمَّ أَبني بناءَها، أو أُصلِحُ ما هو منها؟ قال ابن عبَّاس: فإني قدْ فَرَقَ لي رأيٌ فيها؛ أرى أنْ تُصلِحَ ما وَهَى منها، وتدَعَ بيتًا أسلمَ الناسُ عليه، وأحجارًا أسلمَ الناسُ عليها وبُعِثَ عليها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال ابنُ الزُّبَيرُ: لو كان أحدُكم احترَقَ بيتُه، ما رضِي حتى يُجِدَّه؛ فكيف بيتُ ربِّكم؟! إنِّي مُستخيرٌ ربِّي ثلاثًا، ثم عازمٌ على أمْري، فلمَّا مضى الثلاثُ أجْمَع رأيَه على أنْ يَنقُضَها )
ثالثًا: قياسُها على صلاةِ الاستسقاءِ؛ فصلاةُ الاستخارةِ أشبهُ ما تكونُ بصلاةِ الاستسقاءِ، من حيثُ إنَّها صلاةُ حاجةٍ، وتُشابهها من حيثُ ارتباطُ الصلاةِ بالدُّعاءِ
المَطلَبُ الرَّابع: صلاةُ التوبةِ
تُشرَعُ صلاةُ التوبةِ عندَ ارتكابِ الذَّنبِ
، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كنتُ إذا سمعتُ من النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حديثًا يَنفعُني اللهُ منه بما شاءَ أن يَنفعَني، فإذا حدَّثني غيرُه استحلفتُه، فإذا حلَف لي صدَّقتُه، وحدَّثني أبو بكر، وصدَق أبو بكرٍ، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ما مِن مُسلمٍ يُذنِبُ ذنبًا ثم يتوضَّأُ ويُحسِنُ الوضوءَ، ويُصلِّي ركعتينِ ويَستغفرُ اللهَ، إلَّا غفَرَ اللهُ له ))
المَطلَبُ الخامسُ: صَلاةُ رَكعتَينِ بعدَ الوُضوءِ
يُستحبُّ صلاةُ ركعتينِ بعدَ الوضوءِ، نصَّ عليه الحَنَفيَّة
، والشافعيَّةُ، والحَنابِلَةُ، وهو قولُ القاضي عِياضٍ من المالِكيَّة، وابنِ تَيميَّة، وابنِ باز، وابن عُثَيمين
الأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّة:
1- عن عُثمانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه، في حديثِ الوضوءِ، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن توضَّأ نحوَ وُضوئِي هذا، ثم قام فرَكَع رَكعتينِ لا يُحدِّثُ فيهما نفْسَه، غُفِرَ له ما تَقدَّم من ذنبِه ))
2- عن عُقبةَ بنِ عامرٍ الجُهنيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ما من أحدٍ يتوضَّأُ فيُحسنُ الوضوءَ، ويُصلِّي رَكعتينِ، يُقبِلُ بقلبِه ووجهِه عليهما، إلَّا وجبتْ له الجَنَّةُ ))
3- عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لبلالٍ عندَ صلاةِ الفجرِ: ((يا بلالُ، حدِّثْني بأرْجَى عملٍ عَمِلتَه في الإسلامِ؛ فإنِّي سمعتُ دُفَّ نَعْلَيك بين يَديَّ في الجَنَّة؟ قال: ما عملتُ عملًا أرْجَى عندي: أَنِّي لم أتطهَّرْ طُهورًا، في ساعةِ ليلٍ أو نَهار، إلَّا صليتُ بذلك الطُّهورِ ما كُتِبَ لي أنْ أُصلِّي ))
المبحث الأول: صلاةُ السُّننِ في البَيتِ
أداءُ صلاةِ النافلةِ في البيتِ أفضلُ من تأديتِها في المسجِدِ
، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة والمالِكيَّة والشافعيَّة، والحَنابِلَة
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة
1- عن زيدِ بنِ ثابتٍ، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صلُّوا أيُّها الناسُ في بُيوتِكم؛ فإنَّ أفضلَ صلاةِ المرءِ في بيتِه إلَّا الصلاةَ المكتوبةَ ))
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي في بيتي أربعًا قبل الظُّهرِ، ثم يخرُجُ فيُصلِّي بالناسِ، ثم يدخُلُ فيُصلِّي ركعتينِ، وكان يُصلِّي بالناسِ المغربَ، ثم يدخُلُ فيُصلِّي ركعتينِ، ويُصلِّي بالناسِ العِشاءَ، ثم يَدخُلُ بيتي فيُصلِّي رَكعتينِ... ))
ثانيًا: لكونِه أخْفَى وأبعدَ من الرِّياءِ، وأصونَ من المُحبِطاتِ
ثالثًا: ليتبرَّكَ البيتُ بذلك، وتنزلَ فيه الرحمةُ والملائكة، ويَنفِرَ منه الشيطانُ
المبحث الثاني: لُزومُ التطوُّع بالشُّروعِ فيه
لا يَلزمُ النفلُ بالشُّروعِ فيه، ولا يلزم قضاؤُه لِمَن قطَعَه، وهذا مذهبُ الشافعيَّة
، والحَنابِلَة، وهو اختيارُ ابنِ عُثَيمين، وحُكيُ الإجماعُ على أنَّ مَن قطَعَه ليس عليه قضاءٌ
الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة
1- عنْ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّها قالت: ((... ثمَّ أتانا (أي: النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) يومًا فقُلنا: أُهدِيَ لنا حَيس فقال: أَرينيه، فلقدْ أصبحتُ صائمًا، فأكَلَ ))
2- عن عونِ بن أبي جُحَيفةَ عن أبيه، قال: آخَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين سلمانَ وبين أبي الدرداءِ، فزار سلمانُ أبا الدرداءِ فرأى أمَّ الدرداءِ متبذلةً، فقال: ما شأنُك متبذلةً؟! قالت: إنَّ أخاك أبا الدرداءِ ليس له حاجةٌ في الدُّنيا، قالت: فلمَّا جاءَ أبو الدرداءِ قَرَّبَ إليه طعامًا، فقال: كُلْ؛ فإنِّي صائمٌ، قال: ما أنا بآكِلٍ حتى تأكُلَ، قال: فأكَلَ، فلمَّا كان من اللَّيلِ ذهَب أبو الدرداءِ ليقومَ، فقال له سلمانُ: نَمْ، فنام، ثم ذهَب يقوم فقال له: نمْ، فنام، فلمَّا كان عند الصبحِ، قال له سلمانُ: قمِ الآن فقامَا فصلَّيَا، فقال: إنَّ لنَفْسِك عليك حقًّا، ولربِّك عليك حقًّا، ولضيفِك عليك حقًّا، وإنَّ لأهلِكَ عليك حقًّا؛ فأَعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، فأتيَا النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فذَكرَا ذلك له، فقال له: ((صَدَقَ سلمانُ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أقرَّ سلمانَ على أمْرِه أبا الدرداء رَضِيَ اللهُ عنهما أنْ يُفطِرَ من صومِه؛ فدلَّ ذلك على جوازِ قَطْعِ صوم ِالنفل عمدًا، ومثل ذلك صلاةُ التطوُّع
ثانيًا: القياسُ على عدَم لزومِ الإتمامِ في بقيَّةِ النوافلِ غيرِ الحجِّ والعمرةِ، كاعتكافٍ وطوافٍ ووضوءٍ، وقراءةِ سورةِ الكهفِ ليلةَ الجُمُعةِ ويومَها، والتسبيحاتِ عقبَ الصلاةِ
ثالثًا: لئلَّا يُغيِّرَ الشروعُ حُكمَ المشروعِ فيه
تَقدَّم بحثُها في مسألةِ حُكمِ القيامِ في النَّفلِ في بابِ صِفةِ الصَّلاةِ.
المبحث الرابع: الاضطجاعُ في صلاةِ التطوُّعِ
لا تجوزُ صلاةُ التطوُّعِ مضطجعًا، وهو مذهبُ الجمهورِ
: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة والحَنابِلَة، ووجهٌ عند الشافعيَّة، وحُكِي الإجماعُ على ذلك
وذلك للآتي:
أولًا: أنَّه لم يُنقلْ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا عن أحدٍ من السلفِ التطوُّعُ مضطجعًا، ولو كان مشروعًا لفعلوه، ولنُقِل إلينا كما نُقِل غيرُه
ثانيًا: أنَّ القعودَ شكلٌ من أشكالِ الصَّلاة؛ ولذا جاز التطوُّعُ قاعدًا، وليس الاضطجاعُ في شيءٍ من أشكالِ الصَّلاةِ
المبحث الخامِس: صلاةُ التطوُّعِ مَثنَى مَثنَى
صلاةُ اللَّيلِ والنَّهارِ مَثنَى مَثنَى (ركعتين ركعتين)
، وهذا مذهبُ الجمهور: المالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وهو قولُ داودَ الظاهريِّ
الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة
1- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رجلًا سألَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن صلاةِ اللَّيلِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صلاةُ الليلِ مَثْنَى مَثْنَى، فإذا خشِي أحدُكم الصُّبحَ، صلَّى ركعةً واحدةً تُوتِرُ له ما قدْ صلَّى ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ قوله: ((مَثْنَى مَثْنى)) يَقتضي التسليمَ من كلِّ ركعتين، وإنَّما خَصَّص الليلَ؛ لكون غالبِ التنفُّلِ فيه، فلا مفهومَ له؛ لخروجِه مخرجَ الغالبِ فيعمُّ صَلاةَ اللَّيل والنَّهار، أو أنَّه كان جوابًا لسؤالِ سائلٍ، سأل عن صلاةِ اللَّيل؛ فلا يكون له مفهومٌ مُعتَبَر
2- عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعلِّمنا الاستخارةَ في الأمورِ كما يُعلِّمنا السورةَ من القرآنِ، يقول: إذا هَمَّ أحدُكم بالأمرِ فلْيرَكَعْ ركعتينِ من غيرِ الفريضةِ... ))
3- عن أبي قتادةَ بنِ ربعيٍّ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا دخَل أحدُكم المسجدَ فلا يجلسْ حتى يُصلِّي ركعتينِ ))
4- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((صَلَّى لنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ركعتينِ، ثم انصرَف ))
5- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((صليتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ركعتينِ قبل الظُّهرِ، وركعتينِ بعدَ الظُّهر، وركعتينِ بعدَ الجُمُعةِ، وركعتينِ بعد المغربِ، وركعتينِ بعدَ العِشاء ))
6- عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يخطُب: ((إذا جاءَ أحدُكم والإمامُ يَخطُبُ أو قدْ خرَج، فليصلِّ ركعتينِ ))
7- عن عِتْبانَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((غدَا عليَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأبو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه بعدَما امتدَّ النهارُ وصَفَفْنا وراءَه فركَع ركعتينِ ))
وجهُ الدَّلالة من هذه الأحاديث:
أنَّ دأبَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في التطوُّعِ كان ركعتينِ ركعتينِ؛ فقد كان يُصلِّي قبلَ الظهرِ ركعتينِ، وبعدها ركعتينِ، وبعد المغربِ ركعتينِ، وبعد الجُمُعة ركعتينِ، وتحيَّةُ المسجد ركعتانِ، وكان إذا قدِم من سفر نهارًا صلَّى ركعتينِ، وصلاةُ الفِطر والأضحى والاستسقاءِ ركعتان، فهذه كلُّها صلاةُ النَّهارِ، وما أجمعوا عليه مِن هذا وجَبَ ردُّ ما اختلفوا فيه إليه قياسًا ونظرًا
ثانيًا: لم يثبتْ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في التطوُّعِ المطلَقِ خلافُ ذلك، ولو جازَ لبيَّنه ولو مَرَّةً
ثالثًا: الاعتبارُ بالتراويحِ؛ فإنَّ الإجماعَ على الفصلِ فيها
رابعًا: أنَّ الصلاةَ رَكعتينِ أبعدُ عن السَّهو، وأشبهُ بصلاة اللَّيل، وبتطوُّعات النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّ الصحيحَ في تطوُّعاتِه رَكعتانِ
المبحث السَّادس: حُكم التطوُّعِ بركعةٍ واحدةٍ في غيرِ الوترِ
لا يجوزُ التطوُّعُ بركعةٍ واحدةٍ في غيرِ الوترِ، وهذا مذهبُ الحَنَفيَّة
، والمالِكيَّة، وروايةٌ عن أحمدَ، واختارَه ابنُ قُدامةَ، وابنُ باز، وابنُ عثيمين، وحُكِيَ عن الجمهورِ
الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّة
1- عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رجلًا سألَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن صلاةِ اللَّيل، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: صلاةُ اللَّيلِ مَثْنَى مَثْنَى، فإذا خشِي أحدُكم الصبحَ صَلَّى ركعةً واحدةً، تُوتِرُ له ما قدْ صلَّى ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ صلاةَ التطوُّعِ ركعةً واحدة خِلافُ قوله عليه الصَّلاة والسَّلام بأنَّ صلاةَ الليلِ مَثْنَى مَثْنى
2- عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: جاءَ سُلَيكٌ الغطفانيُّ يومَ الجُمُعة ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُب، فجَلَس، فقال له: ((يا سُلَيكُ، قمْ فاركعْ ركعتينِ، وتَجوَّز فيهما ))
ثم قال: ((إذا جاءَ أحدُكم يومَ الجُمُعةِ والإمامُ يخطُب، فليركعْ ركعتينِ، وليتجوَّز فيهما ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الموضعَ موضعُ تجوُّز, ومع ذلك فلم يأمرْه بالواحدةِ, مع أنَّ الحالَ يَقتضي التجوُّزَ والتخفيفَ، فلو جازتِ الركعةُ الواحدةُ لأمَرَه بالإتيانِ بواحدة؛ فدلَّ على أنْ لا أقلَّ مِن اثنتين في النَّهار
ثانيًا: لم يرِدْ في الشرع التطوُّعُ بركعةٍ واحدةٍ في غيرِ الوتر، والأحكام إنَّما تُتلقَّى من الشارع؛ إمَّا من نصِّه، أو معنى نصِّه، وليس هاهنا شيءٌ من ذلك
المبحث السَّابع: قضاءُ السُّنن العارِضةِ
لا تُقضَى السُّننُ التي شُرِعتْ لعارضٍ بعدَ زوالِ ذلك العارضِ، كصلاةِ الكسوفِ، والاستسقاءِ، ونحوهما.
الدَّليلُ مِنَ الِإِجْماعِ:
نقَل الإجماعَ على ذلك: النوويُّ
، ونقَل الإجماع على أنَّ صلاةَ الكسوفِ لا تُقضَى بعدَ الانجلاءِ: ابنُ حجرٍ، والشوكانيُّ
وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا
ولا تنسونا من صالح دعائكم
عدل سابقا من قبل sadekalnour في الإثنين أكتوبر 17, 2022 9:50 am عدل 2 مرات
اليوم في 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد