قال العلامة الآلوسي الحنفي العراقي رحمه الله :
" هذه المشاهد المشهورة اليوم قد اتخذها الغلاة أعيادا للصلاة إليها والطواف بها وتقبيلها واستلامها وتعفير الخدود على ترابها وعبادة أصحابها والإستغاثة بهم وسؤالهم النصر والرزق والعافية وقضاء الديون وتفريج الكروب وإغاثة اللهفات ، وغير ذلك من أنواع الطلبات التي كان عباد الأوثان يسألونها أوثانهم !!!
ومن لم يصدق ذلك فليشهد مشهدا من مشاهد العراق حتى يرى الغلاة وقد نزلوا عن الأكوار والدواب – إذا رأوها من مكان بعيد – فوضعوا لها الجباه وقبلوا الأرض وكشفوا الرؤوس وارتفعت أصواتهم بالضجيج ، وتباكوا حتى تسمع لهم النشيج ، ورأوا أنهم قد أربوا في الربح على الحجيج !!
فاستغاثوا بمن لا يبدي ولا يعيد ، ونادوا ولكن من مكان بعيد حتى إذا دنوا منها صلوا عند القبر ركعتين , ورأوا أنهم قد أحرزوا من الأجر - ولا أجر – من صلى إلى القبلتين ، فتراهم حول القبر ركعا سجدا يبتغون فضلا من الميت ورضوانا وقد ملأوا أكفهم خيبة وخسرانا !!
فلغير الله – بل للشيطان – ما يراق هناك من العبرات ويرتفع من الأصوات ويطلب من الميت من الحاجات ويسأل من تفريج الكربات وإغناء ذوي الفاقات ومعافاة أولي العاهات ووالبليات ،
ثم اثنوا بعد ذلك حول القبر طائفين تشبيها بالبيت الحرام الذي جعله الله مباركا وهدى للعالمين , ثم أخذوا في التقبيل والإستلام ، أرأيت الحجر الأسود وما يفعل به وفد البيت الحرام ، ثم عفروا لديه تلك الجباه والخدود التي يعلم الله أنها لم تعفر كذلك بين يديه في السجود !!
ثم كملوا حج القبر بالتقصير هناك والحلاق واستمتعوا بخلاقهم من ذلك الوثن إذ لم يكن لهم عند الله من خلاق !!
وقربوا لذلك الوثن القرابين وكانت صلاتهم ونسكهم وقرباتهم لغير الله رب العالمين " !! غاية الأماني 2/30-31
وقد نقل الشيخ د. شمس الأفغاني - رحمه الله – نحو كلام العلامة الآلوسي عن جمع من علماء الأحناف منهم :
1- قاسم بن قطلوبجا ( ت: 897 هج )
2- ابن نجيم الملقب بأبي حنيفة الثاني ( ت : 970 هج(
3- خير الدين الرملي ( ت: هج993)
4- سراج الدين عمر بن نجيم ( ت: 1005 هج)
5- علاء الدين الحصكفي ( ت : 1088 هج )
6- ابن عابدين ( ت: 1252 هج(
7- الخجندي ( ت: 1379 هج(
8- البركوي( ت : 981 هج(
9- أحمد السرهندي والملقب عندهم بمجدد الألف الثاني ( ت: 1034 هج(
10- محمد المكي
11- أحمد الرومي ( ت: 1043 هج(
12- سبحان بخش الهندي
13- محمد السورتي
14- صنع الله الحلبي المكي ( 1120 هج(
15- شيخ القرآن الفنجفيري ( ت: 1407(
16- ولي الله الدهلوي ( ت: 1176 هج(
17- ابن عربشاه ( ت: 854 هج(
18- عبدالرزاق البيطار ( ت: 1335 هج(
19- حفيده محمد البيطار
20- اسماعيل الدهلوي( ت: 1246 هج(
21- محمود وابنه نعمان وحفيده شكري الآلوسي
22- السسهواني( ت: 1326 هج(
23- مسعود الندوي( ت: 1373 هج) وغيرهم كثير !!!
المرجع : جهود علماء الحنفية في ابطال عقائد القبورية : 1/448-480(
وقد وجدت كلمة جيدة لعلامة عصره محمد بن سلطان المعصومي – رضي الله عنه – وهو من علماء الحنفية – في كتابه (حكم الله الواحد الصمد في حكم الطالب من الميت المدد) ص: (315) ضمن مجموعة رسائل، بعد أن ذكر ما يقع فيه بعض الجهال من الاستغاثة بالأولياء والصالحين: (يا أيها المسلم العاقل الصحيح الإسلام، تدبر وتفكر، هل ثبت أن أحداً من الصحابة – رضي الله عنهم – نادى النبي – صلى الله عليه وسلم – في حياته أو بعد مماته من بعيد واستغاث به؟ ولم يثبت عن أحد منهم أنه فعل مثل ذلك! بل قد ورد المنع من ذلك، كما سأذكره – إن شاء الله تعالى – إلى أن قال: وها أنا أذكر من نصوص المذهب الحنفي – من الكتب المعتبرة والفتاوى المشهورة – ففي شرح القدوري: "إن من يدعو غائباً أو ميتاً عند غير القبور، وقال يا سيدي فلان ادع الله تعالى في حاجتي فلانة زاعماً أنه يعلم الغيب، ويسمع كلامه في كل زمان ومكان، ويشفع له في كل حين وأوان، فهذا شرك صريح، فإن علم الغيب من الصفات المختصة بالله تعالى، وكذا إن قال عند قبر نبي أو صالح: يا سيدي فلان اشف مرضي، واكشف عني كربتي، وغير ذلك، فهو شرك جلي، إذ نداء غير الله طالباً بذلك دفع شر أو جلب نفع فيما لا يقدر عليه الغير دعاء، والدعاء عبادة، وعبادة غير الله شرك) ... (ثم نقل المعصومي عدة نقولات عن أئمة الحنفية مما يدل على هذا المعنى(.
قال الشيخ أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي في "التعليق المغني على سنن الدارقطني" )ص520-521):
) ومن أقبح المنكرات وأكبر البدعات وأعظم المحدثات ما اعتاده أهل البدع من ذكر الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله بقولهم: يا شيخ عبد القادر الجيلاني شيئاً لله، والصلوات المنكوسة إلى بغداد، وغير ذلك مما لا يعد، هؤلاء عبدة غير الله
ما قدروا الله حق قدره، ولم يعلم هؤلاء السفهاء أن الشيخ رحمه الله لا يقدر على جلب نفع لأحد ولا دفع ضر عنه مقدار ذرة، فلم يستغيثون به ولم يطلبون الحوائج منه ؟! أليس الله بكاف عبده ؟!! اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك أو نعظم أحداً من خلقك كعظمتك، قال في "البزازية" وغيرها من كتب الفتاوى:"من قال: إن أرواح المشايخ حاضرة تعلم يكفر" وقال الشيخ فخر الدين أبو سعد عثمان الجياني بن سليمان الحنفي في رسالته: "ومن ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله، واعتقد بذلك كفر. كذا في "البحر الرائق"، وقال القاضي حميد الدين ناكوري الهندي في "التوشيح":"منهم الذين يدعون الأنبياء والأولياء عند الحوائج والمصائب باعتقاد أن أرواحهم حاضرة تسمع النداء وتعلم الحوائج، وذلك شرك قبيح وجهل صريح، قال الله تعالى: (ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة، وهم عن دعائهم غافلون) ]سورة الأحقاف: الآية5[، وفي "البحر": لو تزوج بشهادة الله ورسوله لا ينعقد النكاح، ويكفر لاعتقاده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلم الغيب، وهكذا في فتاوى
قاضي خان والعيني والدر المختار والعالمكيرية وغيرها من كتب العلماء الحنفية، وأما في الآيات الكريمة والسنة المطهرة في إبطال أساس الشرك، والتوبيخ لفاعله فأكثر من أن تحصى، - ولشيخنا العلامة السيد محمد نذير حسين الدهلوي في رد تلك البدعة المنكرة رسالة شافية". انتهى كلامه رحمه الله
ويقول العلامة صنع الله بن صنع الله الحلبي المكي الحنفي المتوفى سنة (1120 هـ)، قال في كتابه المسمى (سيف الله على من كذب على أولياء الله) (ص15-16):
" هذا وإنه قد ظهر الآن فيما بين المسلمين جماعات يدّعون أن للأولياء تصرفات في حياتهم وبعد الممات، ويستغاث بهم في الشدائد والبليات،وبهممهم تنكشف المهمات، فيأتون قبورهم، وينادونهم في قضاء الحاجات، مستدلين على أن ذلك منهم كرامات!
وقرّرهم على ذلك من ادعى العلم بمسائل، وأمدهم بفتاوى ورسائل، وأثبتوا للأولياء – بزعمهم- الإخبار عن الغيب بطريق الكشف لهم بلا ريب، أو بطريق الإلهام أو منام!
وقالوا: منهم أبدال ونقباء، وأوتاد نجباء، وسبعين وسبعة، وأربعين وأربعه، والقطب هو الغوث للناس، وعليه المدار بلا التباس، وجوزوا لهم الذبائح والنذور، وأثبتوا لهم فيهما الأجور .
وهذا كما ترى كلام فيه تفريط وإفراط، وغلو في الدين بترك الاحتياط، بل فيه الهلاك الأبدي، والعذاب السرمدي، لما فيه من روائح الشرك المحقق، ومصادرة الكتاب العزيز المصدّق، ومخالفة لعقائد الأئمة، وما اجتمعت عليه هذه الأمة.
فكل بناء على غير أصولهم تلبيس، وفي غير منهاجهم مخايل إبليس.
وفي التنـزيل: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً)، فإن كان مثل هذا الوعيد للحذر عن الميل عن الطريق السديد، فلا جرم أن الحق فيما لهم من الأحكام، وفي طريقهم الاعتصام، بل وبه يتميز أهل الإسلام من أهل الانتقام".
ثم قال في (ص28-30): " الفصل الأول
في الرد على ما انتحلوه من الإفك الوخيم والشرك العظيم .
قال جل ذكره ( إن الشرك لظلم عظيم (.
والإفك: الكذب، كما قال جل ذكره ( إن الذين جآءو بالإفك) في قصة الصديقة رضي الله عنها.
وفي الآية لكل امريء منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم (،) ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذّب بالحق لما جاءه(، ) ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوىً للمتكبرين(.
إلى غير ذلك من الآيات.
فمن كذب على أولياء الله، فقد كذب على الله، واتخذ إلهه هواه( وأولئك الأغلال في أعناقهم(، ) أولئك كالأنعام بل هم أضل(.
أما قولهم: إن للأولياء تصرفات في حياتهم وبعد الممات يرده قوله جلّ ذكره:
) أإله مع الله (، ) ألا له الخلق والأمر (، ) لله ما في السموات والأرض (، )له ملك السموات والأرض(.
وما هو نحوه من الآيات الدالة على أنه المنفرد بالخلق والتصرف والتقدير، ولا شركة لغيره في شيء ما بوجه من الوجوه، فالكل تحت ملكه وقهره تصرفاً وملكاً، وإحياء وإماتة وخلقاً، وعلى هذا اندرج الأولون ومن بعدهم، وأجمع عليه المسلمون ومن تبعهم، وفاهوا به كما فاهوا بقولهم: لا إله إلا الله.
وتمدح الرب تعالى بانفراده في ملكه بآيات من كتابه العزيز، كقوله جلّ ذكره هل من خالق غير الله(، ) وخلق كل شيء(، ) وكل شيء خلقناه بقدر(، ) ذلكم الله ربكم خالق كل شيء(، ) أفمن يخلق كمن لا يخلق (،
) أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات(، )والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير(، ) قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ومالهم فيهما من شرك(، ) إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم (، ) ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل(، ) والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه)، إلى غير ذلك من الآيات التي لا تستقصى.
فقوله من دون الله) في الآيات كلها: أي من غيره تعالى، فإنه عام يدخل فيه من اعتقدته من شيطان وولي تستمده، فإن من لم يقدر على نصر نفسه، كيف يمد غيره".
ثم واصل كلامه بهذا الصدد إلى أن قال في (ص32):" وأما القول بالتصرف بعد الممات فهو أشنع وأبدع من القول بالتصرف في الحياة" ثم ساق الآيات لرد هذه الافتراءات.
أقوال الحنابلة والمالكية والشافعية:
قال الحجاوي في باب حكم المرتد من كتابه الإقناع 4/285 ط. التركي
قال الشيخ: (أو كان مبغضا لرسوله أو لما جاء به اتفاقا. وقال: أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم إجماعا. انتهى. أو سجد لصنم أو شمس أو قمر).
قال منصور البهوتي في كشاف القناع:
((قال الشيخ أو كان مبغضا لرسوله أو لما جاء به ( الرسول ) اتفاقا , وقال: أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم إجماعا انتهى ) أي كفر لأن ذلك كفعل عابدي الأصنام قائلين : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى))
وقال ابن مفلح في الفروع 6/165 في باب حكم المرتد:
قال أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم ) ع ( قال جماعة : أو سجد لشمس أو قمر).
وقال المرداوي في الإنصاف 10/327
(فائدة : قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : وكذا الحكم لو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم إجماعا . قال جماعة من الأصحاب : أو سجد لشمس أو قمر)
وقال الشيخ مرعي الكرمي في غاية المنتهى 3/355
(أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم كفر إجماعا قاله الشيخ).
وقال مصطفى الرحيباني في مطالب أولي النهى 6/279
((أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم ) كفر ( إجماعا قاله الشيخ ) تقي الدين , وقال : أو كان مبغضا لرسوله أو لما جاء به كفر اتفاقا ; لأن ذلك كفعل عابدي الأصنام قائلين ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى).
وقال منصور البهوتي في حاشيته على المنتهى الموسومة بإرشاد أولي النهى إلى دقائق المنتهى 2/1348
(قال الشيخ تقي الدين: أو كان مبغضا لله أو لرسوله، أو لما جاء به اتفاقا، أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويسألهم ويدعوهم إجماعا). مع أن متن المنتهى لم ينص على هذه المسألة.
فانظر إلى متأخري الحنابلة كيف يطبقون على نقل هذا الإجماع دون أن يستنوا منه نبيا أو وليا.
وقال ابن الجوزي : (قال ابن عقيل: لما [صعبت] التكاليف على الجهال والطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم، قال: وهم عندي كفار بهذه الأوضاع مثل تعظيم القبور وإكرامها بما نهى عنه الشرع من إيقاد النيران وتقبيلها وتخليقها وخطاب الموتى بالألواح [بالحوائج] وكتب الرقاع فيها يا مولاي افعل بي كذا وكذا ، وأخذ التراب تبركا وإفاضة الطيب على القبور وشد الرحال إليها وإلقاء الخرق على الشجر اقتداء بمن عبد اللات والعزى، ولا تجد في هؤلاء من يحقق مسألة في زكاة فيسأل عن حكم يلزمه، والويل عندهم لمن لم يقبّل مشهد الكف، ولم يتمسح بآجرة مسجد المأمونية يوم الأربعاء...) انتهى من تلبيس إبليس ص 448، وهو عند ابن القيم في إغاثة اللهفان 1/195 وما بين المعقوفتين منه.
وقال ابن عقيل أيضا فيما نقله ابن مفلح في الفروع 2/273
(وفي الفنون : لا يخلق القبور بالخلوق , والتزويق والتقبيل لها والطواف بها , والتوسل بهم إلى الله , قال : ولا يكفيهم ذلك حتى يقولوا : بالسر الذي بينك وبين الله . وأي شيء من الله يسمى سرا بينه وبين خلقه ؟ قال : ويكره استعمال النيران والتبخير بالعود , والأبنية الشاهقة الباب , سموا ذلك مشهدا . واستشفوا بالتربة من الأسقام , وكتبوا إلى التربة الرقاع , ودسوها في الأثقاب , فهذا يقول : جمالي قد جربت , وهذا يقول : أرضي قد أجدبت , كأنهم يخاطبون حيا ويدعون إلها)).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم 1/481
(واعلم أن سؤال الله تعالى دون خلقه هو المتعيّن...) إلى آخر كلام طويل نافع.
وقال ابن رجب في تحقيق كلمة الإخلاص ص 21
(فتحقيقه بقول لا إله إلا الله أن لا يأله القلب غير الله حبا ورجاء وخوفا وتوكلا واستعانة وخضوعا وإنابة وطلبا)
ثم قال (وتحقيق هذا المعنى وإيضاحه أن قول العبد لا إله إلا الله يقتضي أن لا إله له غير الله وإلآله هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالا ومحبة وخوفا ورجاء وتوكلا عليه وسؤالا منه ودعاء له ولا يصلح ذلك كله إلا لله عز وجل فمن أشرك مخلوقا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الآلهيه كان ذلك قدحا في إخلاصه في قول لا إله إلا الله ونقصا في توحيده وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك ).
وقال المرداوي في الإنصاف 2/456
(وقال الإمام أحمد وغيره من العلماء : في قوله عليه أفضل الصلاة والسلام " أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق " : الاستعاذة لا تكون بمخلوق)
مع أنه نقل عن أحمد في نفس الصفحة التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء.
وقد أحال الأسمري على هذه الصفحة حين عرض لمسألة التوسل، فهل قرأ ما يتعلق بالاستعاذة ؟ وهل ثمة فرق مؤثر بين الاستغاثة والاستعاذة في هذا الباب؟!
وانظر النقل عن أحمد وغيره في أن الاستعاذة لا تكون بمخلوق في:
الفروع 2/160 ، كشاف القناع 2/68 ، مطالب أولي النهى 1/817.
قال أبو بكر محمد بن وليد الطرطوشي المتوفى سنة (520هـ) في كتابه القيم (الحوادث والبدع) التي من ضمنها البدع الشركية (ص104ـ 105) معلقاً على حديث أبي واقد الليثي الذي قال فيه:خرجنا مع النبي –صلى الله عليه وسلّم- قبل حنين ونحن حديثو عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون حولها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط. فمررنا بالسدرة فقلنا: يا رسول الله ! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر! هذا كما قالت بنو إسرائيل: " اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون "، لتركبن سنن من قبلكم ".
فانظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ويعظمون من شأنها ويرجون البرء والشفاء من قبلها وينوطون بها المسامير والخرق فهي ذات أنواط فاقطعوها ! "
العلامة شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة الشافعي المتوفى سنة 665 هـ صاحب كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث التي من ضمنها البدع الشركية قال في الكتاب المذكور (ص 100-101):
"فصل (البدع المستقبحة)
ثم هذه البدع والمحدثات المستقبحة، تنقسم إلى قسمين:
قسم تعرفه العامة والخاصة أنه بدعة، إما: محرمة وإما مكروهة. وقسم يظنهه معظمهم ـ إلا من عصم ـ عبادات وقرباً وطاعات وسنناً.
فأما القسم الأول: فلا نطول بذكره، إذ كفينا مؤنة الكلام فيه، لاعتراف فاعله أنه ليس من الدين لكن نبين من هذا القسم ما قد وقع فيه جماعة من جهال العوام، النابذين لشريعة الإسلام، التاركين للاقتداء بأئمة الدين من الفقهاء، وهو ما يفعله طوائف من المنتمين إلى الفقر الذي حقيقته الافتقار من الإيمان، من مؤاخاة النساء الأجانب والخلوة بهن، واعتقادهم في مشايخ لهم ضالّين مضلّين، يأكلون في نهار رمضان من غير عذر،ويتركون الصلاة، ويخامرون النجاسات، غير مكترثين لذلك، فهم داخلون تحت قوله تعالى أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله(.
وبهذه الطرق وأمثالها، كان مبادىء ظهور الكفر من عبادة الأصنام وغيرها.
ومن هذا القسم أيضاً:
ما قد عم الابتلاء به من تزيين الشيطان للعامة تخليق الحيطان والعمد، وسرج مواضع مخصوصة في كل بلد، يحكي لهم حاك أنه رأى في منامه بها أحداً ممن شهر بالصلاح والولاية، فيفعلون ذلك، ويحافظون عليه مع تضييعهم فرائض الله تعالى وسننه، ويظنون أنهم متقربون بذلك، ثم يتجاوزون هذا إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم، فيعظمونها،ويرجون الشفاء لمرضاهم، وقضاء حوائجهم بالنذر لها، وهي من بين عيون وشجر وحائط وحجر.
وفي مدينة دمشق - صانها الله تعالى من ذلك- مواضع متعددة: كعوينة الحمى خارج باب توما، والعمود المخلّق داخل باب الصغير، والشجرة الملعونة اليابسة خارج باب النصر في نفس قارعة الطريق سهّل الله قطعها واجتثاثها من أصلها، فما أشبهها بذات أنواط الواردة في الحديث الذي رواه محمد بن إسحاق وسفيان ابن عيينة عن الزهري عن سنان بن أبي سنان عن أبي واقد الليثي -رضي الله عنه- قال:"خرجنا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- إلى حنين" وذكر بقية الحديث.
وقال العلامة تقي الدين أحمد بن علي المقريزي المتوفى سنة (845هـ) في كتابه تجريد التوحيد المفيد)ص11-12(:
"وشرك الأمم نوعان. النوع الأول: شرك في الإلهية وشرك في الربوبية. فالشرك في الإلهية والعبادة هو الغالب على أهل الإشراك، وهو شرك عباد الأصنام وعباد الملائكة وعباد الجن وعباد المشايخ وعباد الصالحين الأحياء منهم والأموات.
الذين قالوا (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) ويشفعوا لنا عنده وينالنا بسبب قربهم من الله وكرامته لهم قرب وكرامة، كما هو المعهود في الدنيا من حصول الكرامة والزلفى لمن يخدم أعوان الملك وأقاربه وخاصته، والكتب الإلهية كلها من أولها إلى آخرها تبطل هذا المذهب وترده وتقبح أهله وتنص على أنهم أعداء الله، وجميع الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - متفقون على ذلك من أولهم إلى آخرهم، وما أهلك الله تعالى أمة من الأمم إلا بسبب هذا الشرك ومن أجله.
وأصله الشرك في محبة الله تعالى قال تعالى (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله) فأخبر سبحانه أن من أحب مع الله شيئاً غيره كما يحبه فقد اتخذه نداً من دونه.
وهذا على أصح القولين في الآية أنهم يحبونهم كما يحبون الله، وهذا هو العدل المذكور في قوله: )ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) والمعنى على أصح القولين أنهم يعدلون به غيره في العبادة، فيسوون بينه وبين غيره في الحب والعبادة وكذلك قول المشركين في النار لأصنامهم (تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين) ومعلوم قطعاً أن هذه التسوية لم تكن بينهم وبين الله في كونه ربهم وخالقهم فإنهم كانوا كما أخبر الله عنهم مقرين بأن الله تعالى وحده هو ربهم وخالقهم، وأن الأرض ومن فيها لله وحده وأنه رب السموات السبع ورب العرش العظيم، وأنه سبحانه هو الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه.
وإنما كانت هذه التسوية بينه وبين الله تعالى في المحبة والعبادة فمن أحب غير الله وخافه ورجاه وذل له كما يحب الله تعالى ويخافه ويرجوه فهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله، فكيف بمن كان غير الله تعالى آثر عنده وأحب إليه وأخوف عنده، وهو في مرضاته أشد سعياً منه في مرضاة الله.
فإذا كان المسوي بين الله وبين غيره في ذلك مشركاً فما الظن بهذا ؟ فعياذاً بالله من أن ينسلخ القلب من التوحيد والإسلام كانسلاخ الحية من قشرها.
وهو يظن أنه مسلم موحد، فهذا أحد أنواع الشرك. والأدلة الدالة على أنه تعالى يحب أن يكون وحده هو المألوه يبطل هذا الشرك ويدحض حجج أهله. وهي أكثر من أن يحيط بها إلا الله، بل كل ما خلقه الله تعالى فهو آية شاهدة بتوحيده وكذلك كل ما أمر به فخلقه وأمره.وما فطر عليه عباده وركبه فيهم من القوة، شاهد بأنه الله الذي لا إله إلا هو، وأنّ كل معبود سواه باطل وأنه هو الحق المبين تعالى وتقدس ".
وذكر - رحمه الله - النوع الثاني وهو الشرك في الربوبية مثل شرك المجوس وغيرهم الذين يقولون بأن للعالم خالقين: أحدهما يخلق الخير والآخر يخلق الشر.
ثم قال:
" وكثيراً ما يجتمع الشركان في العبد وينفرد أحدهما عن الآخر. والقرآن الكريم بل الكتب المنـزلة من عند الله تعالى، كلها مصرحة بالرد على أهل هذا الإشراك كقوله تعالى: (إياك نعبد) فإنه ينفي شرك المحبة والإلهية وقوله (وإياك نستعين) فإنه ينفي شرك الخلق والربوبية فتضمنت هذه الآية تجريد التوحيد لرب العالمين في العبادة. وأنه لا يجوز إشراك غيره معه، لا في الأفعال ولا في الألفاظ، ولا في الإرادات، فالشرك به في الأفعال كالسجود لغيره سبحانه، والطواف بغير بيته المحرم. وحلق الرأس عبودية وخضوعاً لغيره، وتقبيل الأحجار غير الحجر الأسود الذي هو يمينه تعالى في الأرض، أو تقبيل القبور واستلامها والسجود لها، وقد لعن النبي –صلى الله عليه وسلّم- من اتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد يصلى فيها. فكيف من اتخذ القبور أوثاناً تعبد من دون الله، فهذا لم يعلم معنى قوله تعالى (إياك نعبد(.
وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " وفيه عنه أيضاً: " إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد " وفيه أيضاً عنه r: " إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك " وفي مسند الإمام أحمد، وصحيح ابن حبان عنه r " لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج " وقال " اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " وقال " إن من كان قبلكم كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله تعالى ".
والناس في هذا الباب أعني زيارة القبور ثلاثة أقسام: قوم يزورون الموتى فيدعون لهم. وهذه هي الزيارة الشرعية. وقوم يزورونهم يدعون بهم فهؤلاء هم المشركون في الإلهية والمحبة، وقوم يزورونهم فيدعونهم أنفسهم وهؤلاء هم المشركون في الربوبية.
وقد حمى النبي –صلى الله عليه وسلّم- جانب التوحيد أعظم حماية تحقيقاً لقوله تعالى (إياك نعبد) حتى نهى عن الصلاة في هذين الوقتين ذريعة إلى التشبه بعبّاد الشمس، الذين يسجدون لها في هاتين الحالتين، وسد الذريعة بأن منع من الصلاة بعد العصر والصبح، لاتصال هذين الوقتين اللذين يسجد المشركون فيهما للشمس. وأما السجود لغير الله فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلّم- " لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد إلا لله".
ولا ينبغي في كلام الله ورسوله، إنما يستعمل للذي هو في غاية الامتناع كقوله تعالى: (وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً) وقوله تعالى: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) وقوله تعالى : (وما تنـزلت به الشياطين وما ينبغي لهم) وقوله (ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء).
ومن الشرك بالله تعالى، المباين لقوله تعالى: (إياك نعبد) الشرك به في اللفظ، كالحلف بغيره. كما رواه الإمام أحمد وأبو داود عنه r أنه قال " من حلف بغير الله فقد أشرك " صححه الحاكم وابن حبان، قال ابن حبان أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا عبد الله بن عمر الجعفي حدثنا عبد الرحمن بن سليمان عن الحسن ابن عبد الله النخعي عن سعد بن عبيدة قال: " كنت عند ابن عمر فحلف رجل بالكعبة، فقال ابن عمر: ويحك لا تفعل، فإني سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- يقول " من حلف بغير الله فقد أشرك " ومن الإشراك قول القائل لأحد من الناس: ما شاء الله وشئت كما ثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلّم-" أنه قال له رجل ما شاء الله وشئت. فقال: أجعلتني لله نداً، قل ما شاء الله وحده " هذا مع أن الله تعالى قد أثبت للعبد مشيئة، كقوله تعالى (لمن شاء منكم أن يستقيم)، فكيف بمن يقول: أنا متوكل على الله وعليك، وأنا في حسب الله وحسبك، وما لي إلا الله وأنت وهذا من الله ومنك.وهذا من بركات الله وبركاتك والله لي في السماء وأنت لي في الأرض. وازن بين هذه الألفاظ الصادرة من غالب الناس اليوم، وبين ما نهى عنه من " ما شاء الله وشئت " ثم انظر أيها أفحش، يتبين لك أن قائلها أولى بالبعد من (إياك نعبد). وبالجواب من النبي صلى الله عليه وسلم لقائل تلك الكلمة، وإنه إذا كان قد جعل رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- نداً فهذا قد جعل من لا يدانيه لله نداً. وبالجملة فالعبادة المذكورة في قوله (إياك نعبد) هي السجود والتوكل والإنابة والتقوى والخشية والتوبة والنذر والحلف والتسبيح والتكبير والتهليل والتحميد والاستغفار وحلق الرأس خضوعاً وتعبداً والدعاء كل ذلك حق لله تعالى. وفي مسند الإمام أحمد " أن رجلاً أتى به النبي صلى الله عليه وسلم قد أذنب ذنباً فلما وقف بين يديه قال: اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد. فقال صلى الله عليه وسلم عرف الحق لأهله " أخرجه الحاكم من حديث الحسن عن الأسود بن سريع وقال: حديث صحيح. تجريد التوحيد المفيد (ص13-15).
وقال أيضاً " فإن قيل: المشرك إنما قصد تعظيم جناب الله تعالى، وأنه لعظمته لا ينبغي الدخول عليه إلا بالوسائط والشفعاء كحال الملوك فالمشرك لم يقصد الاستهانة بجانب الربوبية، وإنما قصد تعظيمه وقال: إنما أعبد هذه الوسائط لتقربني إليه وتدخل بي عليه فهو الغاية وهذه وسائل فلِمَ كان هذا القدر موجباً لسخط الله وغضبه، ومخلداً في النار وموجباً لسفك دماء أصحابه واستباحة حريمهم وأموالهم. وهل يجوز في العقل أن يشرع الله تعالى لعباده التقرب إليه بالشفعاء والوسائط فيكون تحريم هذا إنما استفيد بالشرع فقط. أم ذلك قبيح في الشرع. والعقل يمتنع أن تأتي به شريعة من الشرائع، وما السر في كونه لا يغفر من بين سائر الذنوب؟ كما قال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به).
قلنا: الشرك شركان.
الأول: شرك يتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله.
الثاني: وشرك في عبادته ومعاملته، وإن كان صاحبه يعتقد أنه سبحانه لا شريك له في ذاته ولا في أسمائه وصفاته وأفعاله. أما الشرك الثاني فهو الذي فرغنا من الكلام فيه وأشرنا إليه الآن، ونشبع الكلام فيه إن شاء الله تعالى) (ص15-16).
وقال أيضاً: فنقول: اعلم أن حقيقة الشرك تشبيه الخالق بالمخلوق وتشبيه المخلوق بالخالق أما الخالق فإن المشرك شبّه المخلوق بالخالق في خصائص الإلهية. وهي التفرد بملك الضر والنفع والعطاء والمنع فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق تعالى، وسوى بين التراب ورب الأرباب فأي فجور وذنب أعظم من هذا.؟!
واعلم أن من خصائص الإلهية: الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي لا نقص عليه بوجه من الوجوه وذلك يوجب أن تكون العبادة له وحده عقلاً وشرعاً وفطرة، فمن جعل ذلك لغيره فقد شبّه الغير بمن لا شبيه له، ولشدة قبحه وتضمنه غاية الظلم، أخبر من كتب على نفسه الرحمة أنه لا يغفره أبداً. فمن خصائص الإلهية العبودية التي لا تقوم إلا على ساق الحب والذل، فمن أعطاهما لغيره فقد شبهه بالله تعالى في خالص حقه وقبح هذا مستقر في العقول والفطر، لكن لما غيرت الشياطين فطر أكثر الخلق واجتالتهم عن دينهم وأمرتهم أن يشركوا بالله مالم ينـزل به سلطاناً. كما روى ذلك عن الله أعلم الخلق به وبخلقه، عموا عن قبح الشرك حتى ظنوه حسناً، ومن خصائص الإلهية السجود فمن سجد لغيره فقد شبهه به ومنها التوكل فمن توكل على غيره فقد شبهه به.
ومنها الحلف باسمه فمن حلف بغيره فقد شبهه به. ومنها حلق الرأس. إلى غير ذلك (ص18).
ويقول الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني المتوفى سنة (1182 هـ) في كتابه الشهير المسمى "بتطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد"، قرر في هذا الكتاب ما قرره الإمام محمد في كتبه من إنكار الشرك في البلاد الإسلامية وقرر التوحيد الذي دعا إليه الأنبياء ودعا إليه الإمام محمد ومن سبقه من الأئمة المصلحين الآنف ذكرهم.
قال في خطبة كتابه تطهير الاعتقاد (ص4):" وبعد فهذا تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد وجب عليّ تأليفه وتعيّن عليّ ترصيفه لما رأيته وعلمته من اتخاذ العباد الأنداد في الأمصار والقرى وجميع البلاد من اليمن والشام ومصر ونجد وتهامة ، وهو الاعتقاد في القبور وفي الأحياء ممن يدعي العلم بالمغيبات والمكاشفات وهو من أهل الفجور لا يحضر للمسلمين مسجداً ولا يرى لله راكعاً ولا ساجداً ولا يعرف السنة ولا الكتاب ولا يهاب البعث ولا الحساب.
فوجب عليّ أن أنكر ما أوجب الله إنكاره ولا أكون من الذين يكتمون ما أوجب الله إظهاره.
فاعلم أن هاهنا أصولاً هي من قواعد الدين ومن أهم ما تجب معرفته على الموحدين ".
وقال - رحمه الله-: فإن قلت: هم جاهلون أنهم مشركون بما يفعلونه.
قلت: قد صرح الفقهاء في كتب الفقه في باب الردة: أن من تكلم بكلمة الكفر يكفر، وإن لم يقصد معناها. وهذا دال على أنهم لا يعرفون حقيقة الإسلام، ولا ماهية التوحيد، فصاروا حينئذ كفاراً كفراً أصلياً، فالله تعالى فرض على عباده إفراده بالعبادة ( أن لا تعبدوا إلا الله)، وإخلاصها له ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) الآية.
ومن نادى الله ليلاً ونهاراً، وسراً وجهاراً، وطمعاً، ثم نادى معه غيره، فقد أشرك في العبادة، فإن الدعاء من العبادة وقد سماه الله تعالى عبادة في قوله تعالى إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) بعد قوله ادعوني أستجب لكم) فإن قلت: فإذا كانوا مشركين وجب جهادهم والسلوك فيهم مسلك رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- في المشركين.
قلت: ذهب إلى هذا طائفة من أئمة العلم فقالوا يجب أولا دعاؤهم إلى التوحيد وإبانة أن ما يعتقدونه لا ينفع ولا يضر ولا يغني عنهم من الله شيئاً... وأن هذا الاعتقاد منهم فيهم شرك لا يتم الإيمان بما جاءت به الرسل إلا بتركه والتوبة منه وإفراد التوحيد اعتقاداً وعملاً لله وحده، وهذا واجب على العلماء أي بيان أن ذلك الاعتقاد الذي فرعت منه النذور والنحائر والطواف بالقبور شرك محرم، وأنه عين ما كان يفعله المشركون لأصنامهم، فإذا أبان العلماء ذلك للأئمة والملوك وجب على الأئمة والملوك بعث الدعاة إلى الناس يدعونهم إلى إخلاص التوحيد لله فمن رجع وأقر حقن عليه دمه وماله وذراريه، ومن أصر فقد أباح الله منه ما أباح لرسولهrمن المشركين" تطهير الاعتقاد (ص30 – 32).
ويقول الإمام حسين بن مهدي صاحب كتاب " معارج الألباب في مناهج الحق والصواب " المتوفى سنة (1178هـ)، قال - رحمه الله-(ص201- 203) "ولما كان الثاني نتيجة الأول، ومرمى غرض إبليس من الدلالة عليه نقل من خفي عليه الأمر من الرضا بالأول إلى الرضا بالثاني، ومن يتكلم بمثل هذا إلا من لا يدري ما فشا في العامة، ومن امتاز عنهم بالاسم فقط، وما صار هجّيراهم عند الأموات ومصارع الرفات من دعائهم والاستغاثة بهم، والعكوف حول أجداثهم، ورفع الأصوات بالخوار، وإظهار الفاقة والاضطرار، واللجأ في ظلمات البحر، والتطام أمواجه الكبار، والسفر نحوها بالأزواج والأطفال. والله قد علم ما في طي ذلك كله من قبيح الخلائق والأفعال، وارتكاب ما نهى الله عنه وإضاعة حقوق ذي العزة والجلال، والالتجاء المحقق إلى سكان المقابر في فتح أرحام العقام، وتزويج الأرامل والأيامى من الأنام، واستنـزال السحائب والأمطار واستماحة المآرب والأوطار، ودفع المحاذير من المكاره والشدائد، والإناخة بأبوابها لنيل ما يرام من الحوائج والمقاصد. وبالجملة: فأي مطلب أو مهرب ترى هنالك ربع المشهد مأهولاً، وقد قطعت إليه المهامه وعوراً وسهولا، والنداء لساكنه أن يمنح أو يريح، والتأدب والخضوع والتوقير والرغبة، ومشاعر الرهبة. وينضاف إلى ذلك – خصوصاً في الزيارات في الأعياد والموالد- نحر الأنعام، وترك الصلاة، وصنوف الملاهي، وأنواع المعاصي للمليك العلام، وكثيرون لا طمع في حصرهم، ولعلهم العموم، إلا من شاء الله، إن لم تلد زوجة أحدهم أو طال مرض مريض منهم، أو أصاب امرأة التوق إلى النكاح، أو قحطت الأرض، أو دهمهم نازل من عدو، أو جراد أو غيرهما، أو راموا أمراً عناهم تحصيله فالولي في كل ذلك نصب العين، وإذا جرى المقدور بنفع أو دفع ضر، أو حصول مكروه كان المركوز في عقيدتهم التي لا يتحولون عنها: إن ذلك ثمرة الاستغاثة به، والإنابة إليه في الأوّلين ودليل ضعف الاعتقاد، أو اختلال شرط من المنيب أو نحوهما في الثالث فصار مدار التصرف والحصول له خاصة، أو مع الله في شيء دون شيء.
وحاصل معتقدهم: إن للولي اليد الطولى في الملك والملكوت كما سيأتي في تحقيق هذا وشرح وقوعه في أفعال من على هذه العقيدة،وذكر ألفاظهم مبينة مفسرة، مصرحة بما حكيناه عنهم، وأنهم قد ذهبوا هذا المذهب المشروح آنفاً في سكان التراب، وأنزلوهم هذه المنـزلة المحكية من مساواة رب الأرباب، وقد سردنا بعضها للبيان، ولئلا يتمكن الخصم من جحود، أو يقدر على مدافعة، وليعرف كل سامع لما نمليه: أن القائل " بأن العوام قد يقع منهم عبارات موهمة، وقصارى أمرهم: التوسل" إما غالط أو خالط، أو جاهل للدين وإلا فما بعد هذا ؟
فإن العامة في كثير من حالاتهم وتقلبهم قد أبدلوا معالم الشرع بسواها في هذه الجهة فجعلوا الذهاب إلى قبة الشيخ والتضرع له، والإلحاح عليه: عوضاً عن الخروج إلى ظاهر البلد للاستسقاء، والإنابة إلى الله في كشف تلك النازلة أو سبيلاً إلى كشفها، مثل الخروج للتضرع إلى الله، ولكن عند بعضهم. وأما جمهورهم فلا يعرف لهذا المقام وظيفة سوى عتبات المشايخ.
هذا مثال ولقد سلكوا هذا المسلك في مريض أعيا داؤه، وذليل قهره أعداؤه، وذي سفينة عصفت عليها الرياح، وتجارة امتدت آمال قاصدها إلى نيل الأرباح ".
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» (( - 2 -)) خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأربعاء نوفمبر 13, 2024 11:28 pm من طرف صادق النور