آل راشد



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

آل راشد

آل راشد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
آل راشد

ثقافى-اجتماعى

*** - اللَّهُمَّ اَنَكَ عَفْوٍ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعِفُو عَنَّا - *** - اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك . *** - اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا تَوْبَةً نَصُوحًا قَبْلَ الْمَوْتِ وَ ارْزُقْنَا حُسْنَ الْخَاتِمَةِ . *** -

إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا شَابَتْ عَبِيدَهُمْ.. .. فِي رِقِّهِمْ عَتَقُوهُمْ عِتْقَ أَبْرَارٍ .. .. وَأَنْتَ يَا خَالِقِيُّ أوْلَى بِذَا كَرَمًا.. .. قَدْ شُبْتُ فِي الرِّقِّ فَأَعْتَقَنِي مِنَ النَّارِ .

المواضيع الأخيرة

» وجوب الدعوة إلى توحيد الله سبحانه
هدي المصطفي صل الله عليه وسلم في التعامل مع المنافقين  Ooou110اليوم في 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد

» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
هدي المصطفي صل الله عليه وسلم في التعامل مع المنافقين  Ooou110أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد

» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
هدي المصطفي صل الله عليه وسلم في التعامل مع المنافقين  Ooou110أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد

» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
هدي المصطفي صل الله عليه وسلم في التعامل مع المنافقين  Ooou110الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد

» العبادة وأركانها
هدي المصطفي صل الله عليه وسلم في التعامل مع المنافقين  Ooou110الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد

» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
هدي المصطفي صل الله عليه وسلم في التعامل مع المنافقين  Ooou110الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد

» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
هدي المصطفي صل الله عليه وسلم في التعامل مع المنافقين  Ooou110الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور

» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
هدي المصطفي صل الله عليه وسلم في التعامل مع المنافقين  Ooou110الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد

» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
هدي المصطفي صل الله عليه وسلم في التعامل مع المنافقين  Ooou110السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد

» هيئات السجود المسنونة
هدي المصطفي صل الله عليه وسلم في التعامل مع المنافقين  Ooou110الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد

اهلا بكم

الثلاثاء نوفمبر 08, 2011 2:32 am من طرف mohamed yousef

هدي المصطفي صل الله عليه وسلم في التعامل مع المنافقين  Ooousu10

المتواجدون الآن ؟

ككل هناك 79 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 79 زائر :: 3 عناكب الفهرسة في محركات البحث

لا أحد


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الأربعاء سبتمبر 15, 2021 4:26 am

احصائيات

أعضاؤنا قدموا 10129 مساهمة في هذا المنتدى في 3406 موضوع

هذا المنتدى يتوفر على 311 عُضو.

آخر عُضو مُسجل هو Pathways فمرحباً به.

دخول

لقد نسيت كلمة السر

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع


    هدي المصطفي صل الله عليه وسلم في التعامل مع المنافقين

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود هدي المصطفي صل الله عليه وسلم في التعامل مع المنافقين

    مُساهمة من طرف صادق النور الأحد أكتوبر 01, 2023 10:43 pm


    بسم الله الرحمن الرحيم
    والصلاة والسلام علي سيد المرسلين سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم

    هدي المصطفي صل الله عليه وسلم في التعامل مع المنافقين

    النفاق انحراف خُلُقي خطير في حياة الفرد وفي حياة الأمم .
    وتبدو خطورته الكبيرة حينما نلاحظ أنه يَدخُل في الدِّين أعظم القِيَم في الحياة، وحينما نلاحظ أيضًا آثاره على الحركات الإصلاحية الخيّرة؛ إِذْ يقوم بعمليات الهدم الشنيع من الداخل وصاحبه آمن مستأمن لا تراقبه الأعين .ولا تحسب حسابًا لمكره ومكايده ؛
    لأجل ذلك وجدنا القرآن الكريم يُولي هذه الفئة من الناس أهمية خاصّة،
    فيعمل على فضح سرائرهم وكشف نواياهم وإبراز مساوئهم وصفاتهم حتى تتضح صورتهم وتتبدّى فعالهم وصفاتهم، فلا يغترّ المؤمنون بهم وبما يُظهرون به من مسالك وأعمال.
    والقرآن الكريم لا يكتفي بوصف الجانب الظاهري من سلوك المنافقين في المجتمع المسلم،
    بل يتوغّل إلى أعماق نفوسهم ليصفها وصفًا دقيقًا ويجليها كأنها صورة مجسّدة يعرضها أمام كلّ ذي عينين.

    ماذا قال القرآن الكريم عن المنافقين . ؟

    إنّ الذي يبدو مِن تتبعِ نصوص القرآن الكريم، أنّ هناك نوعين من النفاق؛ أحدهما هو النفاق الأصلي، والثاني هو النفاق الطارئ، «فقد تدفع المصلحة الدنيوية بعض الناس إلى أن يتظاهر بالانتساب إلى الإسلام، وهو غير مؤمن به من قلبه، فيكون منافقًا منذ الفترة الأولى لإعلانه الإسلام، ثم يستمر على نفاقه، فهذا هو النفاق الأصلي الذي لم يُسبق بإسلام صحيح.
    وقد يعلن بعض الناس إسلامهم وهم صادقون غير كاذبين، ثم يطرأ الشك على قلوبهم بعد تعرّضهم لامتحانات مختلفة يمتحن اللهُ بها صدق إيمانهم، فيرتدّون عن الإسلام ارتدادًا داخليًّا ويخشون إعلان رِدَّتهم، ويستمرون على التظاهر بالإسلام؛ مخافةَ إجراء أحكام الردّة عليهم، أو مخافةَ فوات منافع أو مصالح تأتيهم بوصفهم مسلمين،
    ومن ذلك خسارتهم مكانتهم في مجتمعهم وتعرّضهم للذم والنقد والتلويم، إلى غير ذلك من صور الضغط الاجتماعي،
    فهذا هو النفاق الطارئ الذي طرأ بعد إسلام صحيح»، ولكن الذي يلاحَظ أيضًا أنّ القرآن الكريم، حين تحدّث عن المنافقين وعرّى مساوئهم وفضح نيّاتهم وأفعالهم وكشف كذبهم وخداعهم؛ لم يهتمّ بإبراز الفرق بين الفئتين لأنّ النتيجة في النهاية واحدة، ولا فرق بينهما من حيث ما تؤديه كلّ واحدة منهما من دور في هدم وتخريب الكيان الاجتماعي للأمة؛ لذلك فنحن سنتناول حديث القرآن عن شخصية المنافق دون ملاحظة هذا الفرق بين هاتين الفئتين.

    شخصية مريضة منهكة:
    لأول وهلة، تبدو شخصية المنافق -في القرآن الكريم- شخصية مريضة، تنهك كيانها الأوبئة والأمراض، حتى لتكاد تشرف على الانهيار. وأمراض النفوس أشد خطرًا وأكثر استعصاء من أمراض الأبدان، فمرض البدن ممكن التشخيص وميسور العلاج، مهما كانت خطورته ومهما عظمت مفسدته، بعكس حال مرض النفس أو القلب، فإنه لا يبين، بل يستعصي أمر الاطلاع عليه وإدراكه حتى على من يُصاب به، فالإنسان من عادته أن ينسى مراجعة نفسه ليعرف ما ألمّ بها من أدران، فتظلّ هذه الأدران تعلق بها وتغطِّي عليها حتى تسدّ أمامه منافذ الرؤية ووسائل الإدراك، فلا تعود تدرك شيئًا مما يلمّ بها أو يطرأ عليها من أمراض نفسية خطيرة وفتّاكة. والنفاق مرض من هذا القبيل، بل هو أخطر الأمراض التي من هذا القبيل، إنه مرض يمتد ليتغلغل في أعمق أعماق النفس البشرية، فيسوقها إلى المهالك والحتوف.
    وقد وصف الله -عز وجل- المنافقين، فقال : ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾ [البقرة: 10]، قال البغوي : «﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾: شكّ ونفاق. وأصل المرض الضعف؛ سمّى الشكّ في الدنيا مرضًا لأنه يضعف الدِّين كالمرض يضعف البدن».
    نعم، وأيّ مرض أعظم من أن تنفصم شخصية الإنسان إلى شخصيتين اثنتين تعمل إحداهما على النقيض تمامًا مما تعمله الأخرى، فيغدو الإنسان وكأنه مكوّن من كيانين اثنين أحدهما يعاكس الآخر ويناقضه، ترى كيف يمكنه أن يعيش حياته في ظلّ هذا التناقض الذي يحسّه من ذاته ويدركه من نفسه؟ ومرض المنافق يتمثّل في ذلك العذاب الذي يجده في نفسه؛ فهو يتعذب لأنه خائف جبان، وهو يتعذب لأنه يخشى انكشاف المستور من أمره وافتضاح خبيئة نفسه، وهو يتعذّب لأنه طمّاع يخشى الحرمان، وهو يتعذّب لأنه دائب في مخالفة فطرته بتلفيق الأكاذيب والاستمرار في جحود الحقّ، وكلّ هذه الأنواع من العذاب تفجِّر في نفس المنافق أشنع أنواع المعاناة في الضمير وأقسى ضروب الآلام في النفس والوجدان.

    والحقيقة في شأن النفاق، أنه ليس مرضًا واحدًا، بل إنه جملة أمراض، كلّ منها يمارس تأثيره في نفس الإنسان، بما يسوقها إلى حافة الضياع والانهيار،
    وكلّ واحد من هذه الأمراض يكفي وحده أن يردِي الإنسان في الحتوف والمهالك في الدنيا والآخرة، فكيف بها إذا اجتمعت كلّها في كيان واحد في آن واحد، لتمارس تأثيرها وتخريبها كلّها في ذات الكيان،
    وفي ذات الآن. إنّ العقل المؤمن ليقف حائرًا مشدوهًا، بل إنّ حيرته هذه لتزداد إذا عرف بعد ذلك أن المنافق -مع كلّ هذه الأمراض التي تنخر كيانه- مِن نفسه في عجب، يراها سليمة معافاة، بل إنه -بدل أن يتهمها ويعمل على إصلاحها- لَيذهب في الانسياق وراء أهوائها وشهواتها إلى أبعد الحدود، بالغًا معها أقصى ما يمكن أن تبلغه من آماد، مدّعيًا أنه على حقّ وصواب، وعلى رشد من أمره.
    إنّ المنافق ليظنّ في نفسه الذكاء والدهاء والقدرة على خداع البسطاء من المؤمنين، وهو في الحقيقة إنما يخدع نفسه، كما قال تعالى : ﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا ‌وَمَا ‌يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 9]؛
    «فالمنافقون مِن الغفلة بحيث لا يَخدعون إلا أنفسهم في غير شعور، إن الله بخداعهم عليمٌ، والمؤمنون في كنف الله، فهو حافظهم من هذا الخداع اللئيم» .
    ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 13]؛
    «فلو كشفوا عن حقيقة الأمر لعلموا أنهم هم السفهاء، ناقصو العقل، قليلو التفكير؛ لأنهم بما يسلكون يدفعون بأنفسهم إلى مواقع الآلام المعجلة والشقاء الأبدي، ومَن أكثر سفاهةً ممن يفعل بنفسه ذلك؟ وهذه الظاهرة ملاحظة في كلّ الذين لا يكترثون بالدِّين، ولا يقيمون له في نفوسهم وزنًا، إنهم يتصوّرون أن المتدينين ضعفاء العقول ناقصو التفكير تؤثّر عليهم الأوهام وتستولي عليهم الخرافات، ولدى التمحيص نلاحظ أن الذين لا يؤمنون يظلّ الشك والتخوف يملأ قلوبهم قلقًا واضطرابًا، فهم السفهاء ناقصو العقل، وإن كانوا في أعمال الخبث والمكر والكيد أذكياء؛ فذكاء المجرم لا قيمة له في ميزان العقل الصحيح،
    ومن أجل ذلك وصفهم اللهُ بأنهم هم السفهاء لا المؤمنون، وأعاد عليهم الوصف الذي وصفوا به المؤمنين»

    إنّ شخصية المنافق تنطوي على جملة من المواصفات الخبيثة والأخلاقيات الخسيسة ركم بعضها فوق بعض، واجتمعت كلّها لتتضافر في شخصية المنافق ولتفرز بعد ذلك جملة من السلوكات الخبيثة التي يتحرّك بها المنافق في واقع المجتمع وعلى مسرح الحياة.
    من هذه المواصفات والرذائل؛ صفة التردّد والتذبذب، فالمنافقون لا يمتلكون شخصيات هادئة رزينة مستقرة، ولا يتوفّرون على الشجاعة الكافية التي تتيح لهم اتخاذ المواقف الحاسمة دون النظر إلى رضا غيرهم أو سخطه، وإنما ينطلقون في كلّ سلوك مِن مراعاةٍ لمواقف غيرهم منهم؛ ولذلك فهم أحيانًا مع المؤمنين، وفي أحيان أخرى مع الكافرين، يميلون حيث مالت بهم نفوسهم وأهواؤهم : ﴿ الَّذِينَ ‌يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النساء: 141]،
    ﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ ﴾ [النساء: 143]؛ إنهم «ليسوا من المؤمنين فيجب لهم ما يجب للمؤمنين، وليسوا من الكفار فيؤخذ منهم ما يؤخذ من الكفار».

    وقد صوّر النبي -عليه الصلاة السلام- هذه الحال الشاذة التي يلتبس بها المنافقون، فقال : (مَثل المنافق كمَثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة
    وهذا التذبذب هو الذي جعلهم يهربون من القيام بواجب الجهاد في سبيل الله مع المؤمنين،
    وارتضوا أن يقعدوا مع الخوالف: ﴿ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ ‌يَتَرَدَّدُونَ ﴾ [التوبة: 45]،
    والتذبذب في شخصية المنافق وهروبه من الجهاد يفضي به إلى الالتباس بالذلّ والمسكنة والخوف من الموت : ﴿ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ ‌مُحْكَمَةٌ ‌وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ﴾ [محمد: 20]،
    فهم رغم صلابة أجسادهم وضخامة جثثهم خائفون مترقبون، يكاد يقتلهم الرعب : ﴿ وَإِذَا ‌رَأَيْتَهُمْ ‌تُعْجِبُكَ ‌أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ﴾ [المنافقون: 4].
    ولأنّ المنافقين مذبذبون وخائفون فهم أسرع ما يكونون إلى بثّ الفتنة وإثارة البلبلة في صفوف المؤمنين المخلصين :
    ﴿ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا ‌خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾ [التوبة: 47- 48].
    إنهم يبغضون المؤمنين ويمقتونهم، ولا يتردّدون في خيانتهم كلّما سنحت الفرصة : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا ‌بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَاأَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ ﴾ [آل عمران: 118- 119].
    ولا تتوقف خيانتهم عند بث الفتنة في الصف، ولكنها تمتد إلى الشماتة بالمؤمنين والتشفِّي فيهم إذا ما مسّهم سوء :
    ﴿ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ [آل عمران: 120]،
    ﴿ وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا * وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ ‌فَوْزًا ‌عَظِيمًا ﴾ [النساء: 72- 73]،
    والفوز هنا هو الفوز الدنيوي المرتبط بتحصيل الغنائم والافتخار بالبطولة، وليس هو الفوز الأخروي المتمثّل في الحصول على أجر المجاهد في سبيل الله، فالمنافقون لا يؤمنون بهذا ولا ينظرون إليه بأدنى اعتبار.

    إنّ شخصية المنافق تنطوي على جملة من المواصفات الخبيثة والأخلاقيات الخسيسة ركم بعضها فوق بعض، واجتمعت كلّها لتتضافر في شخصية المنافق ولتفرز بعد ذلك جملة من السلوكات الخبيثة التي يتحرّك بها المنافق في واقع المجتمع وعلى مسرح الحياة.
    من هذه المواصفات والرذائل؛ صفة التردّد والتذبذب، فالمنافقون لا يمتلكون شخصيات هادئة رزينة مستقرة، ولا يتوفّرون على الشجاعة الكافية التي تتيح لهم اتخاذ المواقف الحاسمة دون النظر إلى رضا غيرهم أو سخطه، وإنما ينطلقون في كلّ سلوك مِن مراعاةٍ لمواقف غيرهم منهم؛ ولذلك فهم أحيانًا مع المؤمنين، وفي أحيان أخرى مع الكافرين، يميلون حيث مالت بهم نفوسهم وأهواؤهم : ﴿ الَّذِينَ ‌يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النساء: 141]،
    ﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ ﴾ [النساء: 143]؛ إنهم «ليسوا من المؤمنين فيجب لهم ما يجب للمؤمنين، وليسوا من الكفار فيؤخذ منهم ما يؤخذ من الكفار».

    وقد صوّر النبي -عليه الصلاة السلام- هذه الحال الشاذة التي يلتبس بها المنافقون، فقال: (مَثل المنافق كمَثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة
    وهذا التذبذب هو الذي جعلهم يهربون من القيام بواجب الجهاد في سبيل الله مع المؤمنين، وارتضوا أن يقعدوا مع الخوالف :
    ﴿ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ ‌يَتَرَدَّدُونَ﴾ [التوبة: 45]،
    والتذبذب في شخصية المنافق وهروبه من الجهاد يفضي به إلى الالتباس بالذلّ والمسكنة والخوف من الموت :
    ﴿فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ ‌مُحْكَمَةٌ ‌وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ﴾ [محمد: 20]،
    فهم رغم صلابة أجسادهم وضخامة جثثهم خائفون مترقبون، يكاد يقتلهم الرعب: ﴿ وَإِذَا ‌رَأَيْتَهُمْ ‌تُعْجِبُكَ ‌أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ون: .
    ولأنّ المنافقين مذبذبون وخائفون فهم أسرع ما يكونون إلى بثّ الفتنة وإثارة البلبلة في صفوف المؤمنين المخلصين :
    ﴿[color=#006600] لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا ‌خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ
    ﴾ [التوبة: 47- 48].
    إنهم يبغضون المؤمنين ويمقتونهم، ولا يتردّدون في خيانتهم كلّما سنحت الفرصة : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا ‌بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَاأَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ ﴾ [آل عمران: 118- 119].
    ولا تتوقف خيانتهم عند بث الفتنة في الصف، ولكنها تمتد إلى الشماتة بالمؤمنين والتشفِّي فيهم إذا ما مسّهم سوء :
    ﴿ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ [آل عمران: 120]،
    ﴿ وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا * وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ ‌فَوْزًا ‌عَظِيمًا﴾ [النساء: 72- 73]،
    والفوز هنا هو الفوز الدنيوي المرتبط بتحصيل الغنائم والافتخار بالبطولة، وليس هو الفوز الأخروي المتمثّل في الحصول على أجر المجاهد في سبيل الله، فالمنافقون لا يؤمنون بهذا ولا ينظرون إليه بأدنى اعتبار.

    أمّا الفريق الثاني: فقد ضرب الله له المثل في قوله : ﴿ أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ...﴾ [البقرة: 19]،
    وهو الذي بقي له بصيص من النور، فله نظرات ترمي إلى ما بين يديه من الهداية أحيانًا، ولمعاني التنزيل، يسطع على نفسه الفينة بعد الفينة، ويأتلق في نظره الحين بعد الحين، عندما تحركه الفطرة، أو تدفعه الحوادث للنظر فيما بين يديه، ولكنه من التقاليد والبدع في ظلمات حوالك،
    ومن الخبط فيها على حال لا تخلو من المهالك، وهو في تخبطه يسمع قوارع الإنذار الإلهي ويبرق في عينيه نور الهداية، فإذا أضاء له ذلك البرق السماوي سار، وإذا انصرف عنه بِشُبَهِ الضلالات الغرّارة قام وتحيّر لا يدري أين يذهب. ثم إنه ليُعرِض عن سماعِ نُذُرِ الكتاب ودعاة الحقّ، كمن يضع إصبعيه في أذنيه حتى لا يسمع إرشاد المرشد ولا نصح الناصح، يخاف مِن تلك القوارع تقتله، ومِن صواعق النُّذُر أن تهلكه».

    مرض مكتسب:

    شخصية المنافق -إذن- شخصية مريضة منحلّة ضيّقة الأفق، مسدودة في وجهها مسالك الوعي والإدراك البصير، بل إنّ مرضها ليَكاد يستحيل على العلاج.
    وسبب ذلك، ليس ظلمًا من الله -عز وجل- أو من الناس، إنه ظلم ذاتي ألحقه المنافق بنفسه، وهو وحده يتحمل مسؤوليته،
    ويلقَى جزاءه علقمًا في الدنيا وجحيمًا في الآخرة. فكما أنّ مَن يتناول مِن الأطعمة والأشربة الضارَّ منها، ثم يلقَى نتيجةَ ذلك عنتًا ومرضًا وعِلّة مستديمة في كيانه كله أو في أيّ عضو من أعضاء جسده، كذلك الحال بالنسبة للمنافق، فهو قد وطَّن نفسه على أن يسلك في حياته مع خالقه، ومع ذاته، ومع من يحيط به من الناس
    سلوكاتٍ تتناقض مع قناعاته، ويظهر بمظاهر ليست متوافقة مع حقيقة ما يبطن في داخله، ومعاكسته لنفسه -بهذا الشكل- هي التي قتلت فيها -شيئًا فشيئًا- المشاعر الإنسانية وأورثتها الذلّ والمرض والهوان.
    فالمنافقون «لمّا سلكوا مسلك النفاق، وجعلوه خطة دائمة لهم، فتذبذبوا بين ظاهر الإيمان وباطن الكفر، وأتقنوا صناعة التلوّن بعدّة ألوان، واتخاذ عدة وجوه، ومهروا في ستر أنفسهم بالمظاهر الكاذبة من أقوال وأعمال؛ أكسبهم ذلك جرأة على الجريمة، وجرأة على تغطية الجريمة بحلف الأيمان الكاذبة الفاجرة حتى يظن مَن يشاهدونهم لأول مرة أنهم صادقون؛ لأنهم في أقوالهم الكاذبة وأيمانهم الفاجرة لا يتلجلجون، فالكذب صار خُلُقًا لهم، وبمثابة الأخلاق الفطرية، فتسبب لهم كلُّ ذلك بإغلاقِ منافذ قلوبهم المدركة وبإقفالِها، ثم الطبعِ عليها بالخاتم إشعارًا بعدم الإذن بجواز فتحها، فانطمست بصائرهم، فهم لا يفقهون الأمور، ولا يتدبرونها، ولا يتبصرون بالنتائج ولا بالعواقب الوخيمة للأعمال الفاسدة المفسدة»

    . «فالمرض يُنشِئ المرض، والانحراف يبدأ يسيرًا ثم تنفرج الزاوية في كل خطوة وتزداد، سُنّة لا تتخلّف، سُنّة الله في الأشياء والأوضاع، وفي المشاعر والسلوك». ﴿ ذَلِكَ ‌بِأَنَّهُمْ ‌آمَنُوا ‌ثُمَّ ‌كَفَرُوا ‌فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴾[المنافقون: 3]. أليس المنافقون قد درجوا على الإفساد والتخريب، ثم إذا ما أنكرَ عليهم منكِرٌ من المؤمنين ادّعوا أنهم مصلحون : ﴿ وَإِذَا ‌قِيلَ ‌لَهُمْ ‌لَا ‌تُفْسِدُوا ‌فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: 11- 12]،
    فهم مِن كثرة إصرارهم على معاكسة المؤمنين، اختلط عندهم الصلاح بالفساد، ولم يعودوا يشعرون أنهم يفسدون ولا يصلحون؛ ﴿ وَالَّذِينَ ‌اتَّخَذُوا ‌مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [التوبة: 107]،
    وقد اقترن الإفساد في سلوك المنافقين -عادة- بالكذب في القول والتزوير في الدعاوى والأيمان، وإخلاف الوعود
    ﴿ لَوْ ‌كَانَ ‌عَرَضًا ‌قَرِيبًا ‌وَسَفَرًا ‌قَاصِدًا ‌لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [التوبة: 42]،
    ﴿ فَأَعْقَبَهُمْ ‌نِفَاقًا ‌فِي ‌قُلُوبِهِمْ ‌إِلَى ‌يَوْمِ ‌يَلْقَوْنَهُ ‌بِمَا ‌أَخْلَفُوا ‌اللَّهَ ‌مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة: 77].
    وهم لم يكونوا يكذبون على المؤمنين فحسب، بل كانوا يكذبون حتى على أوليائهم من الكافرين : ﴿ أَلَمْ ‌تَرَ ‌إِلَى ‌الَّذِينَ ‌نَافَقُوا ‌يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ ﴾ [الحشر: 11- 12]. وكيف ينصرونهم وهـم متذبذبون، متلبِّسون بالرعب والخوف من الموت؟ إنّ جُبنهم يحملهم على التفريط بأنفسهم ومصالحهم وأهلهم، فكيف يتصوّر أن ينصروا أولياءهم؟!

    وإلى جانب الإفساد والكذب والخداع والتزوير، فالمنافقون يتكاسلون عن الصلاة ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ ‌وَهُوَ ‌خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: 142]، ﴿وَلَا ‌يَأْتُونَ ‌الصَّلَاةَ ‌إِلَّا ‌وَهُمْ ‌كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ [التوبة: 54].
    ويتخلّون عن الجهاد مع النبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين ملتمسين في ذلك أقبح المعاذير ﴿ إِنَّمَا ‌يَسْتَأْذِنُكَ ‌الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ * وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ﴾ [التوبة: 45- 47]،
    ﴿ فَرِحَ ‌الْمُخَلَّفُونَ ‌بِمَقْعَدِهِمْ ‌خِلَافَ ‌رَسُولِ ‌اللَّهِ ‌وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ [التوبة: 81].
    يتبعون أهواءهم ولا يتبعون أمر الله : ﴿ أُولَئِكَ ‌الَّذِينَ ‌طَبَعَ ‌اللَّهُ ‌عَلَى ‌قُلُوبِهِمْ ‌وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [محمد: 16].
    ويخلفون الوعد فلا يرعون عهدًا ولا يلقون بالًا للكلمة التي يلتزمون بها أمام غيرهم، لقد أخلفوا عهدهم مع الله فكيف لا يخلفونه مع الناس ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ ‌عَاهَدَ ‌اللَّهَ ‌لَئِنْ ‌آتَانَا ‌مِنْ ‌فَضْلِهِ ‌لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [التوبة: 75- 77].
    وكانوا يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف؛ مبالغةً في النكاية بالرسول -عليه الصلاة والسلام- وبالمؤمنين، وإمعانًا في الصدّ عن سبيل الله والدعوة إلى سبيل الشيطان والكافرين : ﴿ الْمُنَافِقُونَ ‌وَالْمُنَافِقَاتُ ‌بَعْضُهُمْ ‌مِنْ ‌بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [التوبة: 67].
    ويمارسون المكر والاستغلال واستغفال المؤمنين : ﴿ وَمِنْهُمْ ‌مَنْ ‌يَلْمِزُكَ ‌فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ﴾ [التوبة: 58].
    وهم يعتبرون المؤمنين سفهاءَ مخبولين، فيستهزئون بهم باعتبارهم مغفلين : ﴿ وَإِذَا ‌قِيلَ ‌لَهُمْ ‌آمِنُوا ‌كَمَا ‌آمَنَ ‌النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [البقرة: 13- 15]،
    ﴿ يَحْذَرُ ‌الْمُنَافِقُونَ ‌أَنْ ‌تُنَزَّلَ ‌عَلَيْهِمْ ‌سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾ [التوبة: 64- 65]،
    ﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا ‌يَجِدُونَ ‌إِلَّا ‌جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 79].
    ثم هم بعد ذلك يتكبّرون على الرسول وعلى المؤمنين ويترفّعون عليهم : ﴿ وَإِذَا ‌قِيلَ ‌لَهُمْ ‌تَعَالَوْا ‌يَسْتَغْفِرْ ‌لَكُمْ ‌رَسُولُ ‌اللَّهِ ‌لَوَّوْا ‌رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾ [المنافقون: 5].
    جزاء من جنس العمل:
    لذلك كلّه، طبعَ اللهُ على قلوبهم، وحكمَ عليهم بأنهم:
    - ظالمون:
    ﴿ أَفِي ‌قُلُوبِهِمْ ‌مَرَضٌ ‌أَمِ ‌ارْتَابُوا ‌أَمْ ‌يَخَافُونَ ‌أَنْ ‌يَحِيفَ ‌اللَّهُ ‌عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [النور: 50]، والظُّلْم ظُلُمات يتخبط فيها المنافق يوم القيامة، فلا يلقَى إلى النجاة من عذاب الله سبيلًا.
    - وضالون:
    ﴿ أَلَمْ ‌تَرَ ‌إِلَى ‌الَّذِينَ ‌يَزْعُمُونَ ‌أَنَّهُمْ ‌آمَنُوا ‌بِمَا ‌أُنْزِلَ ‌إِلَيْكَ ‌وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 60].
    ﴿ فَمَا ‌لَكُمْ ‌فِي ‌الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ [النساء: 88].
    - وطاغون:
    ﴿ اللَّهُ ‌يَسْتَهْزِئُ ‌بِهِمْ ‌وَيَمُدُّهُمْ ‌فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [البقرة: 15]، والطغيان؛ مجاوزة الحد في العصيان. والعَمَه؛ عمى القلب وظلمة البصيرة، وأثره الحيرة والاضطراب.
    - وفاسقون:
    ﴿ قُلْ ‌أَنْفِقُوا ‌طَوْعًا ‌أَوْ ‌كَرْهًا ‌لَنْ ‌يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ [التوبة: 53]،
    ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ ‌هُمُ ‌الْفَاسِقُونَ ﴾ [التوبة: 67]، و﴿ يَحْلِفُونَ لَكُمْ ‌لِتَرْضَوْا ‌عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: 96]،
    ورتّب عليهم -لأجل ذلك كلّه- الهوان والخسران في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة : ﴿ بَشِّرِ ‌الْمُنَافِقِينَ ‌بِأَنَّ ‌لَهُمْ ‌عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [النساء: 138]، ﴿إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ [النساء: 140]،
    ﴿ إِنَّ ‌الْمُنَافِقِينَ ‌فِي ‌الدَّرْكِ ‌الْأَسْفَلِ ‌مِنَ ‌النَّارِ﴾ [النساء: 145]،
    ﴿ وَعَدَ ‌اللَّهُ ‌الْمُنَافِقِينَ ‌وَالْمُنَافِقَاتِ ‌وَالْكُفَّارَ ‌نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [التوبة: 68]،
    ﴿ وَلَا ‌تُصَلِّ ‌عَلَى ‌أَحَدٍ ‌مِنْهُمْ ‌مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ * وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة: 84- 85]،
    ﴿ يَوْمَ ‌يَقُولُ ‌الْمُنَافِقُونَ ‌وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ [الحديد: 13].

    كيف تعامل الرسول صل الله عليه وسلم مع المنافقين . ؟


    كان الرسول صلى الله عليه وسلم، نذيرًا وبشيرًا للعالم أجمع، ولم يكن نذيرًا لأهل مكة وقريش وحدهم دون غيرهم، وعاش النبي والمسلمون في مكة دون أن يكون هناك أي نفاق لهم ممن حولهم لأنهم كانوا فقراء مستضعفين، والنفاق دائمًا ما يوجه لمن يمتلك مال أو قوة أو سلطة.
    لذلك لم يظهر النفاق في مكة لم يكن هناك داع لذلك، وحتى بعد أن هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة لم يظهر المنافقين، فقد كانوا لا يزالوا مهاجرين، والغريب على الأغلب ما يتسم بالضعف، فلا خوف منه ولا حاجة لنفاقه.
    ولكن بعدما أصبح المسلمون يظهرون قوة، أولاً قوة عددية لزيادة الداخلين في الإسلام ، وقوة أيضاً كيفية واضحة في الحروب،
    تبين شوكتهم، وأخيراً أصبح هناك مغانم من الحروب تزيدهم قوة بدأ يظهر النفاق،
    وكان من عوامل وأسباب ظهور النفاق ما يلي:
    بداية ظهور قوة المسلمين.
    وجود أفراد من الأوس والخزرج يرغبون في العز والسطوة الذي يقدمهم لهم الإسلام.
    وجود أصحاب ديانات سماوية أخرى مثل اليهود، المعروفين بمكرهم وخبثهم.
    انتشار الإسلام، مما دعا إلى ترك الكثير من الناس لسادتهم وكبرائهم والالتفاف حول النبي، فرغب أولئك في إعادة تسليط الأضواء عليهم.
    البحث عن المغانم، والعزة التي بدت تظهر عند المسلمين.
    وقد ورد ت أفعالهم واضحة في الحديث النبوي الشريف عن عبد الله بن عمرٍو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أربعٌ من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خَلَّةٌ منهن كانت فيه خَلةٌ من نفاقٍ حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصَم فجَر)).
    فقد كانوا يقولون للمسلمين ولرسول الله إنهم معهم، وفي الخفاء يتعاهدون مع المشركين والكفار، وكانوا قد حاولوا الغدر بالمسلمين في الغزوات بالتعاون مع المشركين، وغيرها من الأفعال التي أثبتت أنهم من المنافقين، وأنهم أعداء للإسلام.

    وأنواع النفاق هي، نفاق في الاعتقاد، ونفاق في العمل، وكما يتبين من اسم كل نوع دلالة وصفه، ومن ينطبق عليه، وهنا تفصيل للأنواع.
    أما بالنسبة للنفاق في الاعتقاد، فهذا النوع من النفاق يسميه العلماء بالنفاقِ الأكبر الذي يبين صاحبه للناس إسلام، وهو يخفي في باطنه الكفر، وقد بين العلماء في خصوص هذا النوع أنه يخرج الإنسان من الدين بشكل كلي.
    ومنها الكفر وعدم الإيمان أو الاستهزاء بالدين، أو الاستهزاء بأهل الدين، مثل تعمد السخرية من الشيوخ أو من أصحاب السمت الديني، أو الميل لأعداء الدين ومحبتهم والتودد لهم.
    وأيضاً هذا النوع تنبثق منه أنواع مثل النوع الذي يعتمد على الكفر الصريح بالله، أو الذي يعتمد على إهانة النبي صلى الله عليه وسلم، أو بغض النبي، أو بغض ما جاء به، والفرح بإيذاء النبي، وعدم الانتصار له، بل ومؤازرة من يسبه أو يسخر منه.
    أما النفاق في العمل، وهو النفاق الذي لا يخرج من الملة، والدين، هو النفاق في العمل، أي بعمل شيء من أعمال المنافقين، لكن يبقى الإيمان بالقلب، وهو منه موالاة الكفار، وخيانة الأمانة والفجر في الخصومة.

    كيف تعامل الرسول مع المنافقين؟
    اختلف تعامل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مع المنافقين بحسب الموقف، وبحسب ما يراه رسول الله مناسباً مع مراعاة المصالح والأضرار، وفيما يأتي مجموعة من المواقف التي تبين تعامله -عليه السّلام-.
    مواجهتهم بأفعالهم عندما يتطلب الأمر وبيان معرفته بها ذكر السُدّيّ ومقاتل أنّ عبد الله بن نبتل كان أحد المنافقين في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وكان هذا الرجل يأتي إلى رسول الله يجلس معه، ثمّ يذهب إلى اليهود ويخبرهم بما قاله -صلى الله عليه وسلم-. وفي ذات يوم كان رسول الله جالساً بين أصحابه فقال لهم : سيدخل الآن عليكم رجلٌ قلبه قلب جبّار، وعينيه عينيّ شيطان، وإذا بعبد الله بن أبيّ يدخل إلى المجلس، فأخبره رسول الله أنّه على علم بما يقوم به هو وأصحابه؛ من شتمٍ لرسول الله، فأنكر ذلك وحلف بالله أنّه ما فعل. لكنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذّبه وظلّ يقول له فعلت، فذهب إلى أصحابه وأتى بهم فحلفوا لرسول الله بأنّهم ما فعلوا، فأنزل الله في كتابه يقول : (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ).

    عقابهم عندما يتطلب الأمر لمّا أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بالتجهّز للخروج في غزوة تبوك، تراجع المنافقون وامتنعوا من الخروج، فخرج رسول الله بأصحابه إلى الغزو، فلما رجع إلى المدينة المنورة كان أوّل أمر قام به الذهاب إلى المسجد النبويّ ليصلّي فيه ركعتين.ثم قَدم إليه المنافقون بعد ذلك يعتذرون، ويقدّم كلٌّ منهم عذره الذي منعه من الاستجابة لأمر الله ورسوله والخروج للجهاد في سبيل الله، فقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعذارهم الظاهرة واستغفر لهم دون أن ينظر إلى باطن كلّ واحد منهم ويعلم ما بداخله،
    لكنّ النبي الكريم اتّخذ موقفاً مباشراً من المنافقين جزاءً لهم على ما فعلوا، فرفض الصلاة في مسجد ضرار الذي بنوه في المدينة المنورة قبل الخروج للمعركة، بل وأمر بحرقه.

    ترك عقابهم في بعض الأحيان تحقيقًا لمصلحة أكبر كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يعلم بنفاق عبد الله بن أبيّ وغيره من المنافقين، لكنّه لم يقاتلهم ولم يفصح عن أسمائهم، فالناس من اليهود والنصارى ومَن كان يعيش في المدينة لم يكونوا على علمٍ بنفاق هؤلاء.
    وكان يرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّ قتال المنافقين مدعاة لقول الناس: إنّ محمداً يقتل أصحابه؛ لكونهم على غير علم بباطن المنافقين وما يخفون في صدورهم، ويكون ذلك سبباً لامتناع الناس من الدخول في دين الله والنفور منه،
    فأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُحقّق المنفعة الأكبر؛ وهي إقبال الناس على الإسلام وهذا أولى من قتال المنافقين.
    ومن الجدير بالذكر أن رسول الله لم يخبر عن أسماء هذه الفئة إلّا لحذيفة بن اليمان -رضيَ الله عنه-، كما أنّ حذيفة لم يكن على علمٍ بجميع الأسماء، يقول -سبحانه-: (وَمِمَّن حَولَكُم مِنَ الأَعرابِ مُنافِقونَ وَمِن أَهلِ المَدينَةِ مَرَدوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعلَمُهُم نَحنُ نَعلَمُهُم سَنُعَذِّبُهُم مَرَّتَينِ ثُمَّ يُرَدّونَ إِلى عَذابٍ عَظيم
    ورسول الله كذلك لم يطلعه الله -سبحانه- عليهم جميعاً

    قبول أعذارهم مع تفويض أمرهم إلى الله
    بعدما قبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعذار المنافقين الذين تخلّفوا عن الخروج معه إلى غزوة تبوك، واستغفر لهم ووكّل أمرهم إلى الله، لم يقبل لهم عذراً بعد ذلك فيما امتنعوا عنه، فقال -تعالى-: (يَعتَذِرونَ إِلَيكُم إِذا رَجَعتُم إِلَيهِم قُل لا تَعتَذِروا لَن نُؤمِنَ لَكُم قَد نَبَّأَنَا اللَّـهُ مِن أَخبارِكُم وَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُم وَرَسولُهُ ثُمَّ تُرَدّونَ إِلى عالِمِ الغَيبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِما كُنتُم تَعمَلونَ).
    وأمر الله -سبحانه- بتكذيبهم، وأنزل الآيات التي تنصّ على وصفهم بأنّهم رجس، فقال -تعالى-: (سَيَحلِفونَ بِاللَّـهِ لَكُم إِذَا انقَلَبتُم إِلَيهِم لِتُعرِضوا عَنهُم فَأَعرِضوا عَنهُم إِنَّهُم رِجسٌ وَمَأواهُم جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانوا يَكسِبونَ*يَحلِفونَ لَكُم لِتَرضَوا عَنهُم فَإِن تَرضَوا عَنهُم فَإِنَّ اللَّـهَ لا يَرضى عَنِ القَومِ الفاسِقينَ).
    ترك الصلاة على موتاهم
    أمر الله -تعالى- رسوله -عليه السلام- بالامتناع عن الصلاة على المنافقين بعد موتهم، وعدم الوقوف عند قبورهم والدعاء لهم بالرّحمة والمغفرة؛ وذلك لأنّهم كانوا من الذين لم يصدّقوا الله ورسوله، وماتوا وهم على هذا الحال.
    بالإضافة إلى عصيانهم وتمردهم على أمر الله ورسوله، ومن كان ديدنه ذلك فلا يستحق الصلاة عليه والدعاء له، ذلك عملاً بقوله -تعالى-: (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنهُم ماتَ أَبَدًا وَلا تَقُم عَلى قَبرِهِ إِنَّهُم كَفَروا بِاللَّـهِ وَرَسولِهِ وَماتوا وَهُم فاسِقونَ).
    -----------------------------------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا - تابعونا جزاكم الله خيرا
    -
    التالي :
    -
    : -نماذج من أحداث المنافقين مع النبي صلى الله عليه وسلم - :

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود : -نماذج من أحداث المنافقين مع النبي صلى الله عليه وسلم - :

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين أكتوبر 02, 2023 6:55 pm


    يتبع ما قبله :

    : - نماذج من أحداث المنافقين مع النبي صلى الله عليه وسلم - :


    لقد وقعت من المنافقين أحداث عجيبة،
    وهاك نماذج منها: فأول موقف منهم هو أنه لما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالجهاد صار هؤلاء المنافقون يثبطون المسلمين، ويقولون -كما قال الله تعالى حاكياً عنهم-: {وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة:٨١]،
    فكان الواحد منهم يجتمع بالعدد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم -وهو منافق، ولا يُعلم بأنه منافق؛ لأنه يتظاهر بالإسلام- فيقول لهم: كيف يخرج بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحر الشديد؟

    الحادثة الثانية: أن بعض المنافقين قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! ائذن لي ولا تفتني ومن هؤلاء الجد بن قيس الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا جد! هل لك في جلاد بني الأصفر؟) فقال الجد بن قيس: يا رسول الله! إنك تعلم أنني مغرم بالنساء، وإنني أخاف إن رأيت نساء بني الأصفر ألا أصبر عنهن فأفتن عن ديني.فأذن لي يا رسول الله.

    فأنزل الله تعالى فيه: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة:٤٩]
    أي أنه قال: إنه يخاف من فتنة النساء وهو كاذب، فسقط في فتنة النفاق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

    وهذا الرجل هو الذي قال لولده -وكان له ولد صحابي فاضل اسمه عبد الله-: ما لي وللخروج في الريح والحر الشديد والعسرة إلى بني الأصفر، فأنا أخالفهم في منزلي فأغزوهم، وإني لعالم بالدوائر! أي: ينتظر الدوائر برسول الله صلى الله عليه وسلم.
    فقال له ولده صاحب العقيدة الصلبة: لا والله! ولكنه النفاق، والله لينزلن بك قرآناً.
    فضربه أبوه ضربة على وجهه بنعله، فانصرف عنه ابنه ولم يكلمه.

    ومن الحوادث أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يتهيأ لتلك الغزوة علم أن ناساً من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي يثبطون الناس عن غزوة تبوك، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم طلحة بن عبيد الله مع نفر وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم هذا ففعل، فاقتحم المنافقون جدران البيت وفروا.

    ومن الأحداث -أيضاً- أنه كان أولئك المتخلفون عن غزوة تبوك من المنافقين على قسمين: قسم منهم غلبهم الخوف والذعر والجبن والخور، فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبوا بأن يكونوا مع الخوالف، وأذن لهم الرسول مع أنه يعلم نفاقهم، كما قال تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة:٤٣].

    وقسم آخر من هؤلاء المنافقين قعدوا ولم يعتذروا، ولا شك أن قعودهم هذا فيه ما فيه من التثبيط للرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه.
    ولم يكتف المنافقون بمثل هذا، بل سار بعضهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجفون بالجيش الإسلامي كلما سنحت فرصة.

    ومن ذلك أنه لما خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في أهل بيته أرجف المنافقون، فقالوا: ما ترك علي بن أبي طالب إلا استثقالاً له! فلما سمع بذلك علي بن أبي طالب أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
    وقال: (يا رسول الله! أسمعت ما يقول أولئك؟! فقال صلى الله عليه وسلم له: أما ترضى -يا علي - أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)، فرجع رضي الله عنه وأرضاه راضياً ممتثلاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ومن ذلك أيضاً لمزهم للمتطوعين من المؤمنين في الصدقات، فلما جاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه بأربعة آلاف دينار قال المنافقون: ما جاء بها إلا رياءً.

    ولما جاء صحابي آخر لا يملك إلا صاعين من تمر، فأبقى صاعاً لأولاده طعاماً وأتى بالصاع الثاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما وضعه بين يديه قال المنافقون: إن الله ورسوله غنيان عن صاعك هذا، فأنزل الله عز وجل: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة:٧٩].

    ومن ذلك أيضاً أنه كان يقول بعض المنافقين للمسلمين: أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم لبعض؟ والله! لكأنا بكم غداً مقرنين في الحبال.

    يقولون هذا إرجافاً وترهيباً للمؤمنين، ولهذا كان هؤلاء الذين قالوا ما قالوا في أثناء الغزوة يقولون: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء -يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلص من أصحابه- أرغب بطوناً ولا أجبن عند اللقاء.

    فأنزل الله سبحانه وتعالى فيهم قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً} [التوبة:٦٥ - ٦٦].

    هكذا كانت أحوال المنافقين، ومن ذلك ما سبق ذكره قبل قليل حين أرجفوا بناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ضلت، ولم يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم أين هي إلا بعد أن أخبره الله سبحانه وتعالى.

    وقال بعض العلماء: إن صفح النبي صل الله عليه وسلم عن عبد الله بن أُبي، وقبوله لأيمان المنافقين؛ رغم أنهم كاذبون فيها،
    إنما كان في مرحلة ما قبل نزول قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ )[التوبة : 73].
    وأنه صل الله عليه وسلم بعد نزول الأمر بالإغلاظ على المنافقين كان الحال قد تغير.

    محاربة المنافقين للموارد المالية للدعوة الإسلامية
    ومن الأمثلة على هذا ما رواه زيد بن ألأرقم رضي الله عنه، قال خرجنا مع رسول الله صل الله عليه وسلم في سفر أصاب الناسَ فيه شدةٌ، والذي عليه أهل المغازي أن هذا السفر كان غزوة بني المصطلق.
    يقول زيد بن أرقم، وكان فتىً غلامًا يافعًا مؤمنًا: فسمعتُ عبد الله بن أُبي يقول -(لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا  )[المنافقون : 7]،،من حوله فأطلق عبد الله بن أُبي توجيهًا للمنافقين، وتوصية،( لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا ) من حوله.
    وهذا معناه قطع الإمدادات المالية عن الدعوة، والنفقات اللازمة ليعيش أفرادها، وينتجوا، ويجاهدوا، ويقوموا بالواجب في نشر الدين.
    هذا الكلام معناه عدم إيواء المهاجرين الذين جاءوا المدينة، وإخراج هؤلاء منها، هذا الكلام معناه إغلاق الشرايين التي تمد الدعوة بما تحتاجه من مال لنشرها، والمال، والمدد، والدعم، وتقديم المأوى، والنصرة من الأمور المهمة جداً في قيام عود الدعوة، وسريانها في الآفاق.
    ولذلك فإن عبد الله بن أُبي ضرب على وترٍ حسّاس عندما قال( لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا )[المنافقون : 7]، وقضية منع النفقة، ومنع المدد المالي للدعوة يعرفه كفار اليوم مثل كفار الأمس، ويعرفون مدى أهمية هذا العامل في تغذية وإمداد دعوة الرسل.
    قال زيد بن أرقم - "فذكرتُ ذلك لعمي؛ أي: ذكر له العبارتين اللتين سمعهما من عبد الله بن أُبي، الأولى( لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا )[المنافقون: 7]، والثانية( لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ )[المنافقون: 8].
    يقول زيد بن أرقم رضي الله عله: "فذكرتُ ذلك لعمي؛ وعمه المقصود هنا هو سعد بن عُبادة، وليس المقصود عمه أي أخا أبيه، وإنما المقصود بعمه سيد قومه، سيد الخزرج سعد بن عبادة، فيقول بن أرقم: فذكرتُ ذلك لعمي  فذكره للنبي صل الله عليه وسلم أن عبد الله بن أُبي قال: كذا، وكذا.

    وهاتان العبارتان الخطيرتان نقلهما غلام مؤمن، مصدر الخبر هو فتى تربى في مجتمع النبوة، وصار عنده حساً مرهفاً نتيجة التربية، والتمييز العميق الذي يجعله يشعر أن هاتين الكلمتين لا بدّ من نلقهما وتبليغهما.

    قال زيد بن أرقم: "فذكرتُ ذلك لعمي فذكره للنبي صل الله عليه وسلم، فدعاني، فحدثته.
    نظرًا لخطورة الكلام النبي صل الله عليه وسلم أراد أن يسمع من زيد بن أرقم مباشرة، فاستدعى زيد بن أرقم،  فأرسل رسول الله صل الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أُبي، وأصحابه ليواجههم، ويقول لهم: أنت قلتم كذا وكذا؟ فحلفوا ما قالوا، وهؤلاء المنافقون لا يمكن أن يعترفوا بمثل هذا الكلام الخطير جداً، فما هو موقفهم المتوقع والمعتاد في مثل هذه الحالات؟ الحلِف،
    ( اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً )[المنافقون : 2]،( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا )[التوبة : 74].
    فكذّبني رسول الله ، وصدّقه، ومعنى: كذّبني كما جاء في رواية مرسلة، قال: لعلك أخطأ سمعك، لعلك شُبِّه عليك يعني الغلام في مثل سنه قد يخطئ في النقل، قد يتوهم أشياء، وهذا كلام خطير جداً، ويُحتمل أن يكون: فكذبني النبي صل الله عليه وسلم في الظاهر، وصدقه في الظاهر، أما في الباطن فيمكن أن يكون هناك شيء آخر،
    وفي رواية: "فرجعتُ إلى المنزل، فنمتُ كئيبًا حزينًا، فقال لي عمي: "ما أردتَ إلى أن كذبك رسول الله صل الله عليه وسلم، ومقتك" ما قصدك؟ تنقل كلام خطير مثل هذا؟.

    فوقع في نفسي مما قالوه شدّة، لكن إذا كان عبد الله بن أُبي كذاب، ومن معه كذبوا وأنكروا، فإن الله تعالى يسمع، لقد سمع الله قولهم، ولما كان الله مع المظلوم، ومع الذي في كُربة، وشدة، فإنه تعالى نصر المظلوم، ونصر صاحب الكربة، وكان مع هذا الغلام المؤمن في محنته، فأنزل الله سورة في نصرة زيد بن أرقم،
    يقول: "فوقع في نفسي مما قالوه شدّة، حتى أنزل الله تعالى( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ۝ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً ) [المنافقون: 1 - 2]، إلى آخر السورة، وفيها ( هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا ) [المنافقون: 7].
    وجاءت الآيات موافقة لما نقله زيد حرفًا حرفًا، إذا كان الجواب عن الخطة الأولى( هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا، هو قوله -( وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ )[المنافقون : 7]،
    فإن الجواب على قولهم- ( يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ )، هو قوله تعالى( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ )[المنافقون : 8].
    ما هو أول شيء فعله النبي صل الله عليه وسلم بعد نزول الآيات؟ استدعى عبد الله بن أُبي؟ لا،  استدعى زيد بن أرقم "فأرسل إليّ رسول الله صل الله عليه وسلم، فقرأها عليّ أول ما نزلت، ثم قال: إن الله قد صدّقك يا زيد.

    فلما أصبحنا قرأ رسول الله صل الله عليه وسلم يعني في صلاة الفجر سورة المنافقين، ثم دعاهم النبي صل الله عليه وسلم ليستغفر لهم، وتأليفًا لقلوبهم أيضاً، يعني يقول لهم - ما دم وأنكم أذنبتم، وثبتت الجريمة عليكم،( تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ )[المنافقون : 5]،
    قال لهم بعض قومهم: ما دام أن الفضيحة حصلت وعُرفت، خلاص،( تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ )[المنافقون : 5]،
    هذا هو النفاق الأكبر، فرصة عظيمة أن يستغفر لكم رسول الله، مثل هذه لا تُفوّت،
    لكن المنافق كافر، فلذلك رفضوا، قال -(  لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ )
    إذًا، كانت السياسة العامة مع المنافقين بالتغاضي عن الجرائم الكبار، وليس الأخطاء الصغيرة فقط، لأن المنافقين كان لهم في قومهم نوع سيادة، عبد الله بن أُبي هذا ليس مثل أي شخص آخر، فالتغاضي عن مصائبه فيه تأليف لقومه؛ لأن النبي صل الله عليه وسلم لو أخذه مباشرة، وقطع رأسه كانت ربما ستكون هناك مضاعفات،
    واقتصر النبي صل الله عليه وسلم على معاتبتهم بعد ثبوت الجرائم عليهم، وقبل أن تثبت عليهم، كان يقبل أيمانهم، وحلِفهم، ويصدق في الظاهر، وإن كانت القرائن ترشد إلى خلاف ذلك في الباطن، لكن مصلحة التأنيس والتأليف.

    لأنه قد يقول قائل: لماذا يعني لماذا يسكت عن هذه الجرائم لماذا يتقاضى عنها؟ الجواب: أن التغاضي عن هذه الأشياء الكبيرة قد يكون هو الموقف الصحيح، وفي هذا في هذه الظرف تحديدًا كان الموقف يقتضي العفو والصفح، والتجاوز، والإغضاء، وتهدئة الأمور، حتى لا تحدث مفاسد أكبر، أحد الناس عمل جريمة وأنكر، فإن مواجهته نوع من معالجة الموضوع.

    أن عبد الله بن أبي لما بلغ أذاه البيت النبوي في العمق بزوجة النبي رضي الله عنها، فإن النبي صل الله عليه وسلم طلب من قوم عبد الله بن أُبي أن يكفوا صاحبهم؛ لأنه كما عرفنا في غزوة بني المصطلق، حاك عبد الله بن أبي المؤامرة، وقال عدة تصريحات خطيرة لمن معه.
    ومنها أيضاً نسج قصة الإفك، وكذَب وافترى على عائشة، كلها في غزوة بني المصطلق بعد أن فشلت المحاولة الأولى في إثارة النعرة الجاهلية، وقد فعلوها؟، ""وسمّن كلبك يأكلك ""، ( لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ )[المنافقون : 7]،
    لما فشلت هذه المحاولة اخترع عبد الله بن أبي قضية الإفك، وانتهز أن مجيئ صفوان بعائشة رضي الله عنها، عندما تاهت و ضاعت عن الجيش لما ذهبت تبحث عن عقد لها، أو لما ذهبت تقضي حاجتها، فإن ابن سلول بمجرد أن رأى صفوان جاء بعائشة، قال مباشرة: هذا كان مع هذه هكذا.
    هذا شخص حاقد، يعني أن المؤامرة الأولى فشلت بإثارة النعرات بين المهاجرين والأنصار، انتقل إلى الطعن في البيت النبوي في أحبِّ الناس إلى النبي صل الله عليه وسلم، وهي عائشة، وليقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام تحته امرأة كذا، وفيها كذا، وهذا إيذاء بالغ جداً.

    ومع ذلك كان تعامل الرسول صل الله عليه وسلم تعاملاً رحيماً لطيفاً  كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخالق الناس بالأخلاق الفاضلة، ويعاملهم بما يناسب حسب المقام، وإن اقتضى المقام الشدة والإغلاظ مع الكفار والمنافقين اشتد عليهم وأغلظ عليهم
    فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان حسن الأخلاق مع الناس وقد أثنى الله عليه بعظيم الخلق فقال- ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) {القلم:4}، وفي حديث الموطأ- إن الله بعثنى لأتمم حسن الأخلاق.

    وكان يبتسم في وجوه الناس ويخالقهم بالتي هي أحسن ويحض على ذلك، فقال لمعاذ- اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن. رواه الترمذي.
    وكان لا يمنعه من المخالقة الحسنة ولين القول للناس كونهم غير مرضيين أخلاقيا أو دينيا، فقد ذكرت أم المؤمنين عائشة: أنه استاذن عليه رجل فقال: ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام، فقلت له يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له في القول، فقال- أي عائشة إن شر الناس منزلة عند الله من تركه الناس اتقاء فحشه. متفق عليه. وقد ذكر أصحاب السير في أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يطوي بشره عن أحد.

    وقد ذكر العيني في شرح البخاري عند شرح قول أبي الدرداء: "إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم" ذكر أنه تشرع المداراة وهي لين الكلمة وترك الأغلاظ لهم في القول وهي من أخلاق المؤمنين.

    وليعلم أن الكفار عند وقت جهادهم وقتالهم يتعين الإغلاظ عليهم والشدة، لقول الله تعالى-( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ  ){التوبة:123}،
    هم عند الحاجة عملاً بما شرع له في ذلك، كقوله تعالى-( قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ ) {الزمر:64}،
    ومن ذلك قول الرسول لقريش- إنما جئتكم بالذبح. وقول أبي بكر لعروة بن مسعود- امصص بظر اللات. رواهما أحمد وحسنهما الأرناؤوط.

    وأما إن لم يكونوا مقاتلين بأن كانوا معاهدين فيشرع البر والإحسان إليهم، لقول الله تعالى- ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ  ){الممتحنة:8}،
    ومن البر طلاقة الوجه ولين الكلام، كما روى البيهقي وابن أبي الدنيا عن ابن عمر أنه قال: البر شيء هين وجه طليق وكلام لين.

    سبب ترك قتل المنافقين

    قال ابن كثير رحمه الله: « وَقَدْ سُئِلَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَنْ حِكْمَةِ كَفِّهِ عَلَيْهِ الصلاة والسلام عَنْ قَتْلِ الْمُنَافِقِينَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَعْيَانِ بَعْضِهِمْ،
    وَذَكَرُوا أَجْوِبَةً عَنْ ذَلِكَ مِنْهَا مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه "أَكْرَهُ أَنْ يَتَحَدَّثَ الْعَرَبُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ "، وَمَعْنَى هَذَا خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ بِسَبَبِ ذَلِكَ تَغَيُّرٌ لِكَثِيرٍ مِنَ الْأَعْرَابِ عَنِ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا يَعْلَمُونَ حِكْمَةَ قَتْلِهِ لَهُمْ، وَأَنَّ قَتْلَهُ إِيَّاهُمْ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْكُفْرِ فإنهم إنمايَأْخُذُونَهُ بِمُجَرَّدِ مَا يَظْهَرُ لَهُمْ، فَيَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ.

    قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا قَوْلُ عُلَمَائِنَا وَغَيْرِهِمْ، كَمَا كَانَ يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ مع علمه بسوء اعْتِقَادِهِمْ...
    قال مالك: إِنَّمَا كَفَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُنَافِقِينَ، لِيُبَيِّنَ لِأُمَّتِهِ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ.
    وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّمَا مَنَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَتْلِ الْمُنَافِقِينَ مَا كَانُوا يُظْهِرُونَهُ مِنَ الْإِسْلَامِ مَعَ الْعِلْمِ بِنِفَاقِهِمْ، لِأَنَّ مَا يُظْهِرُونَهُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ.
    وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ عز وجل ". وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ مَنْ قَالَهَا جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ ظَاهِرًا، فَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُهَا وَجَدَ ثَوَابَ ذَلِكَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهَا لَمْ ينفعه جَرَيَانُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَكَوْنُهُ كَانَ خَلِيطَ أَهْلِ الْإِيمَانِ: ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [التوبة: 3، 4].

    وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ إِنَّمَا لَمْ يقتلهم، لأنه لا يخاف من شرهم مع وجوده صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم يتلو عليهم آيات مُبَيِّنَاتٍ، فَأَمَّا بَعْدَهُ فَيُقْتَلُونَ إِذَا أَظْهَرُوا النِّفَاقَ وَعَلِمَهُ الْمُسْلِمُونَ.

    قَالَ مَالِكٌ: الْمُنَافِقُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم هو الزِّنْدِيقُ الْيَوْمَ.

    ثم قال ابن كثير: وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَتْلِ الزِّنْدِيقِ إِذَا أَظْهَرَ الْكُفْرَ، هَلْ يُسْتَتَابُ أَمْ لَا؟،
    أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ دَاعِيَةً أَمْ لَا؟، أَوْ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ ارْتِدَادُهُ أَمْ لَا؟، أَوْ يَكُونُ إِسْلَامُهُ وَرُجُوعُهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ أَوْ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ؟ على أقوال متعددة ».
    وقد يكون السبب أنهم كانوا أضعفَ من أن يُشهِر النبي صلى الله عليه وسلم في وجوههم سيفًا، وأتفهَ من أن يُعلِن عليهم حربًا.

    لقد دبَّر المنافقون فتنًا ومكائد لو كتب لها النجاح لكان الإسلام في شأن آخر. لقد تفنَّنوا في الكيد للإسلام والمسلمين، ولكن الوحي كان يحبط كلَّ خُطَطِهم، ويكشف عن مخبوء مكرهم. فأي ضررٍ على الإسلام والمسلمين من كيدهم ما داموا يدبرون فيفضَحون، ويتآمرون فيفشَلون؟
    وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بقتل المعانِد للدعوة، المقاوِم لها لشدة إيذائه، أو يأمر بالصفح عنه إن رأى الخير في ذلك.

    فقد أمر صلى الله عليه وسلم بقتل النضر بن الحارث، لشدَّة إيذائه للمسلمين، وحربه للإسلام. وقد قالت بنت النضر فيه شعرًا تبكيه، وتمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنه:

    ولقد جاء في قتلهم آيات تُتلى. قال تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 10، 11].
    وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ﴾ [المنافقون: 5].
    « وَقَالَ قَتَادَةُ: فِي قَوْلِهِ: ﴿ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا ﴾ [المنافقون: 7] يَقُولُ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَطْعَنُ عَلَيْكَ فِي الصَّدَقَاتِ، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حَدِيثَ عَهْدٍ بِأَعْرَابِيَّةٍ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقْسِمُ ذَهَبًا وَفِضَّةً، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ وَاللهِ لَئِنْ كَانَ اللهُ أَمَرَكَ أَنْ تَعْدِلَ مَا عَدَلْتَ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهُ صلى الله عليه وسلم: "ويلك، فمن ذا الذي يَعْدِلُ عَلَيْكَ بَعْدِي؟"، ثُمَّ قَالَ نَبِيُّ اللهِ: "احْذَرُوا هَذَا وَأَشْبَاهَهُ، فَإِنَّ فِي أُمَّتِي أَشْبَاهَ هَذَا، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، فَإِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ ".

    وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ قتادة يشبه ما رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي قِصَّةِ ذِي الْخُوَيْصِرَةِ، وَاسْمُهُ حُرْقُوصٌ، لَمَّا اعْتَرَضَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ لَهُ: اعْدِلْ فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ فَقَالَ: "لَقَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ". وفيه: "فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّهُمْ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ".
    وهذا ليس بتشريع جديد إنما هي سنَّة الله، سنَّها في الأمم السابقة بأن يقتل الأنبياءُ المنافقين، ويُذلُّوهُم.

    وأورد ابن هشام في سيرته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل المنافق (أبي عَفَك) عندما قال شعرًا يهجو فيه النبيَّ صلى الله عليه وسلم والإسلامَ، فخرج سالمُ بن عمير فقتله.
    وقام (عُمَيْرُ بنُ عُدَي) بقتل (عَصْمَاءَ بِنْتِ مَرْوَانَ)، التي نافقت بعد قتل (أبي عفك
    وقد كانت تقول شعرًا تعيب فيه الإسلام وأهله، فأجابها حسانُ بنُ ثابت رضي الله عنه. فلما قتلها عُمَيرٌ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:  "نَصَرْتَ اللهَ وَرَسُولَهُ يَا عُمَيْرُ "،... وَأَسْلَمَ، يَوْمَ قُتِلَتْ ابْنَةُ مَرْوَانَ، رِجَالٌ مِنْ بَنِي خَطْمَةَ، لَمَّا رَأَوْا مِنْ عِزِّ الْإِسْلَامِ .

    وترك النبيُّ صلى الله عليه وسلم المنافقين لمَّا كذَبوا عليه بأعذار واهية في سبب تخلفهم في غزوة تبوك، وعاقبَ الثلاثة الذين صدقوا معه.
    وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم الحدَّ (حدَّ القذف) على ثلاثة أو أربعة تناقلوا حادث الإفك، وبعضهم ممن شهد بدرًا، بينما لم يقمه على عبد الله بن أبي بن سلول الذي أشاعه، وتولى كبره.
    ولعل الحكمة من ذلك: أن عذاب الآخرة أشدُّ وأبقى، وأن إقامة الحدِّ على هؤلاءِ، وعقوبتهم في الدنيا تُسقِط عنهم عقوبة الآخرة، وجريمة النِّفاق وخطره يلائمه أن يؤخِّرَهم الله تعالى ليوم تشخص فيه الأبصار،
    وقد توعَّدهم الله تعالى بالدَّرْك الأسفل من النار، وهذا من عدل الله تعالى، أحكم الحاكمين، فلا يجمع على عبد خوفين، فإن خافه العبد في الدنيا أمَّنه الله يوم القيامة، وإن أمِنَه في الدنيا أخافه يوم القيامة.
    وقد تكون جريمة النِّفاق خيانة عظمَى للدين، وإفشاء أسرار الوطن (جاسوسية). فالشريعة تبيح دم هؤلاءِ، وإن النِّفاق يؤدي إلى أن يكونوا بغاة وجب قتالهم.
    وإذا كانت جريمة المنافق تتفق مع جرائم الحدود أقيم عليه الحد، كالقصاص والزنا والسرقة والقذف، فإن تاب المنافق قبلت توبته، بشرط أن تكون الجريمة غير متعلِّقة بحقوق الأفراد.
    وإذا كانت عقوبة جريمة من الجرائم تمسُّ حقًا لله فإن التوبة تُسقطها، إلا إذا طلب الجاني نفسه أن توقع عليه العقوبة، لأنها تطهير له (كما فعل ماعز والغامدية رضي الله عنهما )


    ------------------------------------------------------------------------
    بارك الله فيكم أحبابنا وجزاكم الله خيرا
    -
    ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 6:09 pm