بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام علي نور الكون وضياء السموات وألأرض المصطفي المجتبي سيدنا محمد بن عبد الله وعلي آله وصحبه وسلم .
مقتطفات من كتاب ::سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد صل الله عليه وسلم ::
لفضيله الحافظ العلامه / محمد بن يوسف الصالحي الشامي
مولده الشريف صلى الله عليه وسلم
الباب الأول في سبب تزويج عبد المطلب ابنه عبد الله امرأة من بني زهرة
روى ابن سعد وابن البرقي والطبراني والحاكم وأبو نعيم عن العباس بن عبد المطلب عن أبيه قال: قدمنا اليمن في رحلة الشتاء فنزلت على حبر من اليهود فقال لي رجل من أهل الزبور، يعني الكتاب: ممن الرجل؟ قلت من قريش. قال من أيهم؟ قلت: من بني هاشم . قال: أتأذن لي أن أنظر إلى بعضك؟ قلت: نعم، ما لم يكن عورة. قال ففتح إحدى منخري فنظر فيه ثم نظر في الآخر .
فقال: أشهد أن في إحدى يديك ملكا وفي الأخرى نبوة وإنا نجد ذلك في بني زهرة فكيف ذلك. قلت: لا أدري قال هل لك من شاعة قلت: وما الشاعة؟ قال الزوجة.
((- الشاعة: بشين معجمة وعين مهملة: الزوجة سميت بذلك لمتابعتها الزوج وشيعة الرجل أتباعه وأنصاره. فلج بفتح أوله وثانيه: ظفر بما طلب.-))
قلت، أما اليوم فلا. فقال: إذا رجعت فتزوج منهم فلما رجع عبد المطلب إلى مكة تزوج هالة بنت أهيب بن عبد مناف وزوج ابنه عبد الله آمنة بنت وهب فولدت له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقالت قريش : فلج عبد الله على أبيه.
وروى البيهقي وأبو نعيم عن ابن شهاب رحمه الله تعالى قال: كان عبد الله أحسن رجل رئي قط، خرج يوما على نساء قريش .
فقالت امرأة منهن: أيتكن تتزوج بهذا الفتى فتصطب النور الذي بين عينيه فإني أرى بين عينيه نورا؟ فتزوجته آمنة بنت وهب.
وروى الزبير بن بكار عن أن سودة بنت زهرة بن كلاب الكاهنة قالت يوما لبني زهرة:
إن فيكم نذيرا أو تلد نذيرا فاعرضوا علي بناتكم. فعرضن عليها فقالت في كل واحدة منهن قولا ظهر بعد حين، حتى عرضت عليها آمنة بنت وهب فقالت هذه: النذيرة أو تلد نذيرا له شأن وبرهان منير. ولما سئلت عن جهنم قالت: سيخبركم عنها النذير.
الباب الثاني في حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم وما وقع في ذلك من الآيات
روى البيهقي من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق رحمه الله تعالى قال: إن عبد المطلب أخذ بيد ابنه عبد الله فمر به فيما يزعمون على امرأة من بني أسد بن عبد العزى بن قصي فقالت له حين نظرت إلى وجهه أين تذهب يا عبد الله؟ فقال مع أبي.
فقالت لك عندي من الإبل مثل الذي نحرت عنك وقع علي الآن فقال لها: إني مع أبي لا أستطيع خلافه ولا فراقه ولا أريد أن أعصيه شيئا. فخرج به عبد المطلب حتى أتى به وهب بن عبد مناف بن زهرة ووهب يومئذ سيد بني زهرة نسبا وشرفا فزوجه آمنة بنت وهب بن عبد مناف، وهي يومئذ أفضل امرأة من قريش نسبا وموضعا.
فذكروا أنه دخل عليها حين أملكها مكانه، فوقع عليها عبد الله فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج فمر على تلك المرأة التي قالت له ما قالت فلم تقل شيئا، فقال لها: ما لك لا تعرضين علي اليوم مثل الذي عرضت بالأمس؟ فقالت: فارقك النور الذي معك بالأمس فليس لي بك اليوم حاجة.
وكانت تسمع من أخيها ورقة بن نوفل، وكان قد تنصر في الجاهلية واتبع الكتب يقول: إنه لكائن في هذه الأمة نبي من بني إسماعيل .
روى أبو نعيم والخرائطي وابن عساكر من طريق عطاء عن ابن عباس والبيهقي ، وأبو نعيم ، وابن عساكر عن عكرمة عنه، وابن سعد، عن أبي الفياض الخثعمي وابن سعد، عن أبي يزيد المديني، أن عبد المطلب لما خرج بابنه ليزوجه مر به على امرأة كاهنة من أهل تبالة متهودة قد قرأت الكتب يقال لها فاطمة بنت مر الخثعمية فرأت نور النبوة في وجه عبد الله فقالت: يا فتى هل لك أن تقع علي الآن وأعطيك مائة من الإبل؟ فقال عبد الله:
أما الحرام فالممات دونه والحل لا حل فأستبينه
فكيف بالأمر الذي تبغينه يحمي الكريم عرضه ودينه
ثم مضى مع أبيه فزوجه آمنة بنت وهب فأقام عندها ثلاثا، ثم مر على تلك المرأة فلم تقل له شيئا، فقال لها: ما لك لا تعرضين علي ما عرضت علي بالأمس؟ فقالت: من أنت؟ قال: أنا فلان. قالت: ما أنت هو، ولئن كنت ذاك لقد رأيت بين عينيك نورا ما أراه الآن، ما صنعت بعدي؟ فأخبرها. فقالت: والله ما أنا بصاحبة ريبة ولكن رأيت في وجهك نورا فأردت أن يكون في وأبى الله إلا أن يجعله حيث أراده اذهب فأخبرها أنها حملت خير أهل الأرض ثم أنشأت تقول:
إني رأيت مخيلة لمعت فتلألأت بحناتم القطر
فلمائها نور يضيء له ما حوله كإضاءة البدر
ورجوتها فخرا أبوء به ما كل قادح زنده يوري
لله ما زهرية سلبت ثوبيك ما استلبت وما تدري
وقالت أيضا:
بني هاشم قد غادرت من أخيكم أمينة إذ للباه يعتلجان
كما غادر المصباح بعد خبوه فتائل قد ميثت له بدهان
وما كل ما يحوي الفتى من تلاده بحزم ولا ما فاته بتواني
فأجمل إذا طالبت أمرا فإنه سيكفيكه جدان يصطرعان
وروى ابن سعد، عن يزيد بن عبد الله بن وهب بن زمعة عن عمه، والبيهقي عن ابن إسحاق رحمهما الله تعالى .
قال: كنا نسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حملت به آمنة كانت تقول: ما شعرت أني حملت به ولا وجدت ثقله كما تجد النساء إلا أنني أنكرت رفع حيضتي وربما ترفعني وتعود وأتاني آت وأنا بين النائم واليقظان فقال لي هل شعرت أنك حملت؟ فأقول: ما أدري فقال: إنك حملت بسيد هذه الأمة ونبيها وذلك يوم الاثنين وآية ذلك أنه يخرج معه نور يملأ قصور بصرى من أرض الشام ، فإذا وضع فسميه محمدا. قالت: فكان ذلك مما يقن عندي الحمل، ثم أمهلني حتى إذا دنت ولادتي أتاني ذلك فقال قولي:
أعيذه بالواحد من شر كل حاسد
قالت: فكنت أقول ذلك فذكرته لنسائي فقلن: تعلقي عليك حديدا وفي عضديك وفي عنقك. ففعلت فلم يكن يترك علي إلا أياما فأجده قد قطع، فكنت لا أتعلقه.
حملته آمنة وقد شرفت به وتباشرت كل الأنام بقربه
حملا خفيفا لم تجد ألما به وتباشرت وحش الفلا فرحا به
واستبشرت من نورهن وكيف لا وهو الغياث ورحمة من ربه
وعن بريدة وابن عباس رضي الله تعالى عنهما قالا: رأت آمنة وهي حامل برسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها: إنك حبلى بخير البرية وسيد العالمين، فإذا ولدتيه فسميه أحمد أو محمدا أو علقي عليه هذه. فانتبهت وعند رأسها صحيفة من ذهب مكتوب عليها:
أعيذه بالواحد من شر كل حاسد
وكل خلق زائد من قائم وقاصد
عن السبيل حائد على الفساد جاهد
من نافث أو عاقد وكل خلق مارد
تنبيهان
الأول قال الحافظ أبو الفضل العراقي رحمه الله تعالى: وسيأتي أنها رأت النور أيضا خرج منها عند الولادة. وهذا أولى لتكون طرقه متصلة. ويجوز أن يكون خرج منها النور مرتين مرة حين حملت به ومرة حين وضعته ولا مانع من ذلك. ولا يكون بين الحديثين تعارض انتهى.
وقال الشيخ رحمه الله تعالى: قوله حين "حملت به" هي رؤيا منام وقعت في الحمل [ ص: 330 ] وأما ليلة المولد فرأت ذلك رؤية عين كما سيأتي.
الثاني: في شرح غريب ما تقدم: الآن: اسم للوقت الذي أنت فيه: جاء فعل ماضي قصره للنظم. بكا: بمعنى مع. أي فارقك النور الذي كان معك. حافلا: بالحاء المهملة أي ممتلئا من النور أو المنى. الشأن: الأمر والحال والخطب. خلوا: أي خالية من الزوج. أصبت: أدركت. جنينا بالجيم كما في خط مغلطاي في الزهر. وفي نسخة صحيحة من دلائل النبوة بالحاء المهملة وموحدتين. قد أعم بعين مهملة. وفي نسخة: به يدعم الله البرية بمثناة تحتية فدال فعين مهملتين أي يقومها. البرية: الخلق ترا عليها: أي واقعها، براه: خلعه. الصفاء: ممدود خلاف الكدر. حباه بالمهملة والموحدة أي أعطاه. تبالة. بتاء مثناة فوقية فباء موحدة مفتوحتين: بلد صغير من اليمن . مخيلة بميم مفتوحة فخاء معجمة مكسورة. موضع الخيل، وهو الظن، كالمظنة، وهي السحابة الخليقة بالمطر ويجوز أن تكون مسماة بالمخيلة التي هي المصدر كالمحبسة من الحبس. الحناتم: بحاء مهملة فنون فألف فمثناة فوقية: سحائب سود، لأن السواد عندهم خضرة. أبوء به: أرجع. الزند وزان فلس: الذي يقدح به النار وهو الأعلى، وهو مذكر والسفلى زندة بالهاء ويجمع على زناد. يوري: يوقد. غادرت: تركت أمينة تصغير آمن. خبوه. طفئة ميثت: بمثناة تحتية فثاء مثلثة يقال: ماث فلان الدواء يميثه ميثا. ويموثه موثا مرسه التلاد والتالد والتليد: المال القديم. وخلافه: الطارف والطريف. جدان: الجد بفتح الجيم الحظ. والجد: الغني. مقفعلة: بقاف ففاء فعين مهملة: أي منقبضة يقال اقفعلت يده إذا انقبضت وتشنجت. البنان: الأصابع وقيل أطرافها الواحدة بنانة. نبا: ارتفع. كل يقال كل من الإعياء كلالا وكلالة. والبصر واللسان كلة وكلولا. ما شعرت بفتح أوله وثانيه: أي ما علمت. ثقله بثاء مثلثة فقاف فلام مفتوحات أي ثقلا وفتورا حيضتي. بكسر الحاء المهملة: الاسم من الحيض والحال التي تلزمها الحائض من التجنب. فأما الحيضة بالفتح فالمرة الواحدة من رفع الحيض ونوبه. وقولها: وأبا بين النائم واليقظان على إرادة الشخص. والله تعالى أعلم. |
الباب الثالث في وفاة عبد الله بن عبد المطلب
قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: ثم لم يلبث عبد الله بن عبد المطلب أن توفي وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل به.
هذا ما جزم به ابن إسحاق ورجحه الواقدي وابن سعد والبلاذري ، وصححه الذهبي وقال ابن كثير إنه المشهور. وقال ابن الجوزي: إنه الذي عليه معظم أهل السير، ورواه الحاكم وصححه، وأقره الذهبي عن قيس بن مخرمة رضي الله تعالى عنه.
قال غير ابن إسحاق: وذلك حين تم لها شهران. وقيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في المهد حين توفي أبوه.
وعليه فقيل وله شهران. وقيل ثمانية وعشرون شهرا. وقيل تسعة أشهر، ونقل السهيلي عن الدولابي أنه قول الأكثرين قلت: والحق أنه قول كثيرين لا أكثرين.
وروى ابن سعد عن محمد بن كعب، وعن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة رحمهما الله تعالى .
قالا: خرج عبد الله إلى الشام إلى غزة في عير من عيرات قريش يحملون تجارات، ففرغوا من تجاراتهم، ثم انصرفوا فمروا بالمدينة وعبد الله يومئذ مريض، فقال: أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار. فأقام عندهم مريضا شهرا ومضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم عبد المطلب عن ابنه فقالوا: خلفناه عند أخواله بني عدي بن النجار مريضا، فبعث عبد المطلب أكبر ولده الحارث فوجده قد توفي ودفن في دار النابغة فرجع فأخبره فوجد عليه عبد المطلب وعماته. وإخوته وأخواته وجدا شديدا. ورسول الله صلى الله عليه وسلم حمل، ولعبد الله بن عبد المطلب يوم توفي خمس وعشرون سنة.
قال الواقدي: وهذا أثبت الأقاويل في وفاة عبد الله وسنه. وقال الحافظ العلائي وابن حجر إن عمره كان يوم توفي ثماني عشرة سنة قال الواقدي: ولم يتزوج عبد الله قط غير آمنة.
وآمنة لم تتزوج قط غير عبد الله.
أخذ الإله أبا الرسول ولم يزل برسوله الفرد اليتيم رحيما نفسي الفداء لمفرد في يتمه
والدر أحسن ما يكون يتيما
لطيفة: نقل أبو حيان في بحره وغيره عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه قال: إنما يتم رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يكون عليه حق لمخلوق.
وقال ابن العماد في كشف الأسرار: إنما رباه يتيما لأن أساس كل كبير صغير وعقبى كل حقير خطير.
وأيضا لينظر صلى الله عليه وسلم إذا وصل إلى مدارج عزه إلى أوائل أمره ليعلم أن العزيز من. أعزه الله تعالى وإن قوته ليست من الآباء والأمهات ولا من المال بل قوته من الله تعالى. وأيضا ليرحم الفقير والأيتام.
وقالت آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ترثي زوجها. كما ذكر ذلك ابن إسحاق في المبتدأ وابن سعد في الطبقات. رحمهما الله تعالى.
عفا جانب البطحاء من ابن هاشم وجاور لحدا خارجا في الغماغم
دعته المنايا بغتة فأجابها وما تركت في الناس مثل ابن هاشم
عشية راحوا يحملون سريره يعاوره أصحابه في التزاحم
فإن يك غالته المنايا وريبها فقد كان معطاء كثير التراحم
وقالت أيضا، أورده القاسم الوزيري المغربي رحمه الله تعالى ورضي عنه ترثي عبد الله زوجها والد رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أضحى ابن هاشم في مهماء مظلمة في حفرة بين أحجار لدى الحصر
سقى جوانب قبر أنت ساكنه غيث أحم الذرى ملآن ذو درر
الباب الرابع في تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم ومكانه
وفيه فصلان: الأول: في بيان يومه، وشهره، وعامه.
الصواب: أنه صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين.
روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن يوم الاثنين فقال: "ذاك يوم ولدت فيه. أو قال أنزل علي فيه".
وروى يعقوب بن سفيان عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين واستنبئ يوم الاثنين، وتوفي يوم الاثنين، ورفع الحجر الأسود يوم الاثنين.
وفي بعض الطرق عند ابن عساكر: وأنزلت سورة المائدة يوم الاثنين: اليوم أكملت لكم دينكم وكانت وقعة بدر يوم الاثنين.
قال ابن عساكر : المحفوظ أن وقعة بدر ونزول: اليوم أكملت لكم دينكم يوم الجمعة.
وروى الزبير بن بكار وابن عساكر عن معروف بن خربوذ رحمه الله تعالى قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين حين طلع الفجر.
وقال الحافظ أبو الفضل العراقي في المورد: الصواب أنه صلى الله عليه وسلم ولد في النهار، وهو الذي ذكره أهل السير. وحديث أبي قتادة مصرح به.
روى الأربعة عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إبهار النهار، وجزم به ابن دحية، وصححه الزركشي رحمه الله تعالى في شرح البردة ولبعضهم في ذلك.
يا ساعة فتح الهدى أرفادها لطفا وقد منح الجزا إسعادها لاحت بشهر ربيع الزاكي الذي
فاق الشهور جلالة إذ سادها حيث النبوة أشرقت بمآثر
كالشهب لا يحصي الورى تعدادها حيث الأمانة والرسالة قد بدت
يعلي ل مكة غورها ونجادها
قال ابن دحية رحمه الله تعالى: وأما ما روي من تدلي النجوم فضعيف، لاقتضائه أن الولادة كانت ليلا.
قال الزركشي : وهذا لا يصلح أن يكون تعليلا فإن زمان النبوة صالح للخوارق، ويجوز أن تسقط النجوم نهارا.
يا ساعة نلنا السعادة والهنا فيها بخير العالمين محمد
تمت لنا أفراحها بظهوره وتكملت في شهر مولد أحمد
توالت أمور السعد في خير ساعة بمولد خير الرسل في ساعة السعد
فيا طيب أوقات ويا طيب مولد ويا طيب مولود حوى سائر المجد
يقول لنا لسان الحال منه وقول الحق يعذب للسميع
فوجهي والزمان وشهر وضعي ربيع في ربيع في ربيع
قال بعض أهل المعاني: كان مولده صلى الله عليه وسلم في فصل الربيع وهو أعدل الفصول ليله ونهاره معتدلان بين الحر والبرد، ونسيمه معتدل بين اليبوسة والرطوبة وشمسه معتدلة في العلو والهبوط، وقمره معتدل في أول درجة من الليالي البيض، وينعقد في سلك هذا النظام، ما هيأ الله تعالى له صلى الله عليه وسلم من أسماء مربيه ففي الوالدة والقابلة الأمن والشفاء وفي اسم الحاضنة البركة والنماء، وفي مرضعيه صلى الله عليه وسلم الآتي ذكرهما الثواب والحلم والسعد.
قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: لاثنتي عشرة ليلة [خلت] منه ورواه ابن أبي شيبة في المصنف عن جابر وابن عباس. قال في الغرر: وهو الذي عمل العمل. وقيل لليلتين خلتا منه وقدمه في الإشارة، وقيل لثمان. ونقل أبو عمر عن أصحاب الزيج أنهم صححوه ورجحه ابن دحية.
وقال الحافظ : إنه مقتضى أكثر الأخبار. وقيل: لعشر. حكاه الدمياطي عن جعفر الباقر وصححه. وقيل: لسبع عشرة. وقيل لثماني عشرة، وقيل: في أوله حين طلع الفجر.
قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: عام الفيل. قال ابن كثير: وهو المشهور عند الجمهور. وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي شيخ البخاري : وهو الذي لا يشك فيه أحد من العلماء. وبالغ خليفة بن خياط وابن الجزار وابن دحية وابن الجوزي وابن القيم فنقلوا فيه الإجماع.
وروى البيهقي والحاكم في المستدرك وصححه وأقره الذهبي في مختصره، وصححه في تاريخه الكبير عن يحيى بن معين، عن حجاج بن محمد ، عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل.
قال الحافظ في شرح الدرر: والمحفوظ لفظ العام. وقيل: يطلق اليوم ويراد به مطلق الوقت، كما يقال يوم الفتح، ويوم بدر، فإن كان المراد حقيقة اليوم فيكون أخص من الأول وبذلك صرح ابن حبان في تاريخه فإنه قال: ولد عام الفيل في اليوم الذي بعث الله فيه الطير الأبابيل على أصحاب الفيل. قال: ثم وجدت الحديث عن ابن مسعود عن يحيى بن معين بسنده المذكور قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل يعني عام الفيل.
وروى ابن إسحاق وأبو نعيم والبيهقي عن المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده قال: ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل كنا لدين.
وسأل عثمان بن عفان قباث بن أشيم الكناني ثم الليثي: يا قباث أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر مني وأنا أسن منه ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل ووقفت بي أمي على خذق الفيل أخضر محيلا.
مخرمة بفتح الميم وإسكان الخاء المعجمة. ومات على دينه. لدين: قال أبو ذر المشهور فيه: لدتين بالتاء يقال فلان لدة فلان إذا ولد معه في وقت واحد.
قال أبو عبد الله بن الحاج رحمه الله تعالى في المدخل: فإن قال قائل: ما الحكمة في كونه صلى الله عليه وسلم خص مولده بشهر ربيع وبيوم الاثنين على الصحيح المشهور عند أكثر العلماء، ولم يكن في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وفيه ليلة القدر، واختص بفضائل عدة، ولا في الأشهر الحرم التي جعل الله لها الحرمة يوم خلق السماوات والأرض، ولا في ليلة النصف من شعبان، ولا في يوم الجمعة ولا في ليلتها؟
فالجواب من أربعة أوجه: الأول: ما ورد في الحديث من أن الله تعالى خلق الشجر يوم الاثنين. وفي ذلك تنبيه عظيم وهو أن خلق الأقوات والأرزاق والفواكه والخيرات التي يمتد بها بنو آدم ويحيون ويتداوون وتنشرح صدورهم لرؤيتها وتطيب بها نفوسهم وتسكن خواطرهم عند رؤيتها لاطمئنان نفوسهم لتحصيل ما يبقي حياتهم، على ما جرت به حكمة الحكيم سبحانه وتعالى.
فوجوده صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر في هذا اليوم قرة عين بسبب ما وجد من الخير العظيم والبركة الشاملة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثاني: أن ظهوره صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع فيه إشارة ظاهرة لمن تفطن لها بالنسبة إلى اشتقاق لفظة ربيع إذ أن فيه تفاؤلا حسنا وبشارة لأمته صلى الله عليه وسلم.
وقد قال الشيخ الإمام أبو عبد الرحمن الصقلي رحمه الله تعالى: لكل إنسان من اسمه نصيب. هذا في الأشخاص وكذلك في غيرها، وإذا كان كذلك ففصل الربيع فيه تنشق الأرض عما في باطنها من نعم المولى سبحانه وتعالى وأرزاقه التي بها قوام العباد وحياتهم ومعايشهم وصلاح أحوالهم، فتنفلق الحبة والنوى وأنواع النبات والأقوات المقدرة فيها، فتبهج الناظر عند رؤيتها وتبشره بلسان حالها بقدوم ينعها. وفي ذلك إشارة عظيمة إلى الاستبشار بابتداء نعم المولى سبحانه وتعالى، ألا ترى أنك إذا دخلت إلى البستان في مثل هذه الأيام تنظر إليه كأنه يضحك لك، وتجد زهرة كأن لسان حاله يخبرك بما لك من الأرزاق المدخرة والفواكه. وكذلك الأرض إذا أبهج نوارها كأنه يحدثك بلسان حاله كذلك أيضا.
فمولده صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع فيه من الإشارات ما تقدم ذكر بعضه. وذلك إشارة ظاهرة من المولى تبارك وتعالى إلى التنويه بعظيم قدر هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وإنه رحمة للعالمين. وبشرى للمؤمنين. وحماية لهم من المهالك والمخاوف في الدارين وحماية للكافرين بتأخير العذاب عنهم لأجله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم فوقعت البركات وإدرار الأرزاق والأقوات. ومن أعظمها منته على عباده لهدايته عليه الصلاة والسلام لهم إلى صراط الله المستقيم.
الوجه الثالث: ما في شريعته صلى الله عليه وسلم من شبه الحال، ألا ترى أن فصل الربيع أعدل الفصول وأحسنها إذ ليس فيه برد مزعج ولا حر مقلق، وليس في ليله ولا نهاره طول خارق، بل كله معتدل وفصله سالم من العلل والأمراض والعوارض التي يتوقعها الناس في أبدانهم في زمان الخريف، بل الناس فيه تنتعش قواهم وتنصلح أمزجتهم وتنشرح صدورهم لأن الأبدان يدركها فيه من أمداد القوة ما يدرك النبات حين خروجه، إذ منها خلقوا، فيطيب ليلهم للقيام ونهارهم للصيام، لما تقدم من اعتداله في الطول والقصر والحر والبرد، فكان في ذلك شبه الحال بالشريعة السمحة التي جاء بها صلوات الله وسلامه عليه من رفع الإصر والأغلال التي كانت على من قبلنا.
الوجه الرابع: أنه قد شاء الحكيم سبحانه وتعالى أنه صلى الله عليه وسلم تتشرف به الأزمنة والأمكنة لا هو يتشرف بها، بل يحصل للزمان أو المكان الذي يباشره عليه الصلاة والسلام الفضيلة العظمى والمزية على ما سواه من جنسه إلا ما استثني من ذلك لأجل زيادة الأعمال فيها وغير ذلك،
الفصل الثاني: في مكانه: اختلف: هل ولد بمكة أو غيرها؟ والصحيح الذي عليه الجمهور هو الأول.
وعليه فاختلف في مكانه من مكة على أقوال: أحدها: في الدار التي في الزقاق المعروف بزقاق المولد في شعب مشهور بشعب بني هاشم . وكانت بيد عقيل.
قال ابن الأثير رحمه الله تعالى: قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبها عقيل بن أبي طالب فلم تزل بيده حتى توفي عنها فباعها ولده من محمد بن يوسف أخي الحجاج، وقيل إن عقيلا باعها بعد الهجرة تبعا لقريش حين باعوا دور المهاجرين.
الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم ولد في شعب بني هاشم . حكاه الزبير.
الثالث: أنه ولد صلى الله عليه وسلم بالردم.
الرابع: بعسفان.
-------------------------------------------------------------------
وما زلنا أحبابنا - تابعونا - جزاكم الله خيرا
-
التالي :
-
: - الباب الخامس في إخبار الأحبار وغيرهم بليلة ولادته صلى الله عليه وسلم - :
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» (( - 2 -)) خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأربعاء نوفمبر 13, 2024 11:28 pm من طرف صادق النور