صِفةُ صلاةِ الجِنازة
صَلاةُ الجِنازةِ لها تحريمٌ، وتكبيرٌ، وتحليلٌ، ويُستقبَلُ فيها القِبلةُ، ويُشرَعُ أن تُصلَّى بإمامٍ وصفوفٍ، ويُمنَعُ المصلِّي فيها من الكَلامِ.
الدَّليل من الإجماع:
نقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبد البرِّ، وابنُ تيميَّةَ، وابنُ حجرٍ
المطلب الأوَّل: النيَّةُ في صلاةِ الجِنازة
الفرع الأوَّل: حُكمُ النيَّةِ في صلاةِ الجِنازة
لا تصحُّ صلاةُ الجِنازة بغيرِ نيَّة، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنفيَّ، والمالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة
عن عُمرَ بن الخطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ: ((إنَّما الأعمالُ بالنيَّاتِ ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ كلمةَ ((إنَّما)) تُثبتُ الشيءَ، وتَنفي ما عَداه؛ فدلَّتْ على أنَّ العبادةَ إذا صحِبتْها النيةُ صحَّت، وإذا لم تَصحَبْها لم تصحَّ
ثانيًا: لأنَّها صلاةٌ؛ فوجبَتْ لها النيَّةُ كسائرِ الصَّلواتِ
الفرع الثَّاني: حُكمُ تَعْيينِ الميتِ
لا يجِبُ تعيينُ الميِّتِ، وهو مذهبُ الجمهورِ: المالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة ؛ وذلك لعدمِ توقُّفِ المقصودِ على ذلِك-(( تعيينُ الشيء تخصيصه من الجملة..نصَّ الشافعيَّةُ على أنَّ الغائب يجِبُ تعيينُه.))
المطلب الثَّاني: مكانُ الجِنازة وموقفُ الإمامِ منها
الفرع الأوَّل: مكانُ الجِنازة وحُكمُ الصَّلاةِ قُدَّامَها
يُشترَطُ أنْ يكونَ الميِّتُ بين يدَيِ الإمامِ، وتبطُلُ صلاةُ مَن تَقدَّم عليه، وهو مذهبُ الجمهورِ: الحَنفيَّة والشافعيَّة، والحَنابِلَة
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة
عن أبي غالبٍ، قال: ((رأيتُ أنسَ بنَ مالكٍ صلَّى على جِنازة رجُلٍ، فقامَ حِيالَ رأسِه، فجيءَ بجِنازة أخرى؛ بامرأةٍ، فقالوا: يا أبا حمزةَ، صلِّ عليها، فقام حيالَ وسَطِ السَّريرِ، فقال له العلاءُ بنُ زياد: يا أبا حمزةَ، هكذا رأيتَ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قامَ مِن الجِنازةِ مَقامَك مِن الرَّجُلِ، وقامَ مِن المرأةِ مقامَك من المرأةِ؟ قال: نعَمْ ))
وفي رواية: ((فقال العلاءُ بن زياد: يا أبا حمزةَ، هكذا كانَ يفعَلُ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ يُصلِّي على الجِنازة كصلاتِك، يُكبِّر عليها أربعًا، ويقومُ عند رأس الرَّجُلِ وعجيزةِ المرأة؟ قال: نعم ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم صلَّى خلفَ الجِنازة، ولم يتقدَّمْ عليها، وقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((صلُّوا كما رأيتُموني أُصلِّي ))
ثانيًا: لأنَّ الميِّتَ كالإمامِ، فلو تَقدَّمَ المصلِّي على الإمامِ من غيرِ عُذرٍ فسَدتْ صلاتُه؛ فكذا لو تَقدَّمَ على الميِّتِ، فسدتْ صلاتُه
ثالثًا: اتِّباعًا لِمَا جرَى عليه الأوَّلون
الفرع الثَّاني: موقفُ الإمامِ من الجِنازة
المسألة الأولى: موقِف الإمامِ من جِنازة الرَّجُلِ
يقِفُ الإمامُ عندَ رأسِ الرجُل، وهو الصَّحيحُ عند الشافعيَّة، وروايةٌ عن أبي حَنيفة، وهو قولُ أبي يوسف من أصحابِه، واختارَه ابنُ المنذرِ، وابنُ حزمٍ، والقرطبيُّ، والشوكانيُّ، وابنُ باز، وابنُ عُثَيمين
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن نافعٍ أبي غالبٍ، قال: ((كنتُ في سِكَّةِ المِرْبَد، فمرَّت جِنازة معها ناسٌ كثير، قالوا: جِنازة عبدِ الله بن عُمير، فتبِعْتُها فإذا أنا برجلٍ عليه كساءٌ رقيقٌ على بُرَيذينَتِه، وعلى رأسِه خِرقةٌ تَقِيه من الشَّمس، فقلتُ: مَن هذا الدِّهقانُ ؟ قالوا: هذا أنسُ بنُ مالك، فلمَّا وُضِعَتِ الجِنازة قام أنسٌ فصلَّى عليها، وأنا خلفَه لا يحولُ بيني وبينه شيءٌ، فقام عندَ رأسِه فكبَّر أربعَ تكبيراتٍ، لم يُطِلْ ولم يُسرِعْ، ثم ذهب يقعُد، فقالوا: يا أبا حمزةَ، المرأةُ الأنصاريَّةُ، فقرَّبُوها وعليها نعشٌ أخضرُ، فقام عندَ عجيزتِها فصلَّى عليها نحوَ صلاتِه على الرجُلِ، ثم جَلَسَ، فقال العلاءُ بن زياد: يا أبا حمزة، هكذا كانَ يفعَلُ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ يُصلِّي على الجِنازة كصلاتِك، يُكبِّر عليها أربعًا، ويقومُ عند رأس الرَّجُلِ وعجيزةِ المرأة؟ قال: نعم ))
المسألة الثانية: موقِفُ الإمامِ من جِنازة المرأةِ
يقِفُ الإمامُ عند وسَطِ المرأة، وهو مذهبُ الشافعيَّة، والحَنابِلَة، وروايةٌ عن أبي حَنيفة، وهو قولُ أبي يُوسَف، وروايةٌ عن مالك، واختاره الطَّحاويُّ، وابنُ المنذر، وابنُ حزمٍ، والقرطبيُّ، والصنعانيُّ، والشوكانيُّ، وابنُ باز، وابنُ عُثَيمين
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة
1- عن نافعٍ أبي غالبٍ، قال: ((كنتُ في سِكَّةِ المِرْبَد، فمرَّت جِنازة معها ناسٌ كثير، قالوا: جِنازة عبدِ الله بن عُمير، فتبعتُها فإذا أنا برجلٍ عليه كساءٌ رقيقٌ على بُرَيذينَتِه، وعلى رأسِه خِرقةٌ تَقِيه من الشَّمس، فقلتُ: مَن هذا الدِّهقانُ؟ قالوا: هذا أنسُ بن مالك، فلمَّا وُضِعتِ الجِنازة قام أنسٌ فصلَّى عليها، وأنا خلفَه لا يحولُ بيني وبينه شيءٌ، فقام عندَ رأسه فكبَّر أربعَ تكبيراتٍ، لم يُطِلْ ولم يُسرِعْ، ثم ذهب يقعُد، فقالوا: يا أبا حمزةَ، المرأةُ الأنصاريَّةُ، فقرَّبوها وعليها نعشٌ أخضرُ، فقام عندَ عَجيزتِها فصلَّى عليها نحوَ صلاتِه على الرجُلِ، ثم جلس، فقال العلاءُ بن زيادٍ: يا أبا حمزةَ، هكذا كانَ يفعَلُ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ يُصلِّي على الجِنازة كصلاتِك، يُكبِّرُ عليها أربعًا، ويقومُ عند رأس الرَّجُلِ وعجيزةِ المرأة؟ قال: نعم ))
2- عن سَمُرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((صليتُ وراءَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على امرأةٍ ماتتْ في نفاسِها، فقام عليها وسَطَها ))
ثانيًا: لأنَّه أبلغُ في صِيانتِها عن الباقِينَ
المطلب الثَّالث: قيامُ القادرِ لصلاةِ الجِنازة
قيامُ القادرِ لصلاةِ الجِنازة رُكنٌ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنفيَّة والمالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة
عن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((كانتْ بي بواسيرُ، فسألتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن الصَّلاةِ، فقال: صَلِّ قائمًا... ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ هذا الأمرَ عامٌّ في كلِّ الصَّلواتِ، فيشمَلُ صلاةَ الجِنازة؛ لأنَّها صلاةٌ من الصَّلواتِ
ثانيًا: قياسًا على غيرِها مِنَ الفَرائضِ
المطلب الرَّابع: عددُ التكبيراتِ في صلاةِ الجِنازة
الفرع الأوَّل: أقلُّ ما يُجزِئ من التَّكبيراتِ
لا تصحُّ صلاةُ الجِنازة بأقلَّ مِن أربعِ تكبيراتٍ.
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة
1- عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم صلَّى على أَصْحمَةَ النجاشيِّ، فكبَّر عليه أربعًا ))
2- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللَّهُ عنه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم نعَى النجاشيَّ في اليومِ الذي ماتَ فيه؛ خرَج إلى المصلَّى فصفَّ بِهم، وكبَّر أربعًا ))
ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبدِ البرِّ، والنوويُّ
الفرع الثَّاني: الزِّيادةُ على أربعِ تَكبيراتٍ
لا تُشرعُ الزيادةُ على أربعِ تكبيراتٍ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّةِ الأربعة: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم نَعَى النَّجَاشِيَّ في اليومِ الذي ماتَ فيهِ، وخرَج بهم إلى المُصَلَّى، فصفَّ بهم، وكبَّرَ عليهِ أربعَ تكبيراتٍ ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النجاشيَّ مع كونِه له مزيَّةٌ كبيرةٌ إلا أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اقتَصر في التكبير عليه بأربعِ تكبيراتٍ
ثانيًا: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثبَت عليها حتى تُوفِّي، فنَسخَتْ ما قبلَها
ثالثًا: لتقرُّرِ الأمرِ عليها مِنَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابِه
المطلب الخامس: قراءةُ الفاتحةِ بعدَ التكبيرةِ الأُولى
قراءةُ الفاتحةِ فرضٌ في صلاةِ الجِنازة، وهو مذهبُ الشافعيَّة، والحَنابِلَة، وهو قولُ بعض السَّلَف، وهو مذهَبُ الظَّاهريَّة، والشوكانيِّ، وابنِ باز، وابنِ عُثَيمين
الأدلَّة من السُّنَّة:
1- عن طلحةَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عوفٍ، قال: ((صليتُ خلفَ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما على جِنازة، فقرَأَ بفاتحةِ الكتابِ، قال: لِيَعْلموا أنَّها سُنَّةٌ ))
2- عن أَبي أُمامةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنَّه قال: ((السُّنَّة في الصَّلاةِ على الجِنازة أن يَقرأَ في التكبيرةِ الأولى بأمِّ القرآنِ مُخافتةً، ثم يُكبِّر ثلاثًا، والتسليمُ عندَ الآخِرة ))
3- عن عُبادةَ بنِ الصَّامت رَضِيَ الله عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: ((لا صلاةَ لِمَن لم يقرأْ بفاتحةِ الكتابِ ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ صلاةَ الجِنازة صلاةٌ مِن الصَّلواتِ، فتدخُلُ في عمومِ هذا النصِّ؛ في كونِ قِراءة الفاتحةِ فرضًا فيها
المطلب السَّادس: الصَّلاةُ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم
الفرع الأول: حُكمُ الصَّلاةِ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في صلاةِ الجِنازة
الصَّلاةُ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم
فرضٌ في صلاةِ الجِنازة، وهو مشهورُ مذهبِ الشافعيَّة، ومذهبُ الحَنابِلَة، واختاره ابنُ باز، وابن عثيمين
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة
عن أبي أُمامةَ بنِ سَهلٍ، أنَّه أخبرَه رجلٌ من أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أنَّ السُّنَّة في الصَّلاةِ على الجِنازة أن يُكبِّرَ الإمامُ، ثم يقرأَ بفاتحةِ الكتابِ- بعدَ التكبيرة الأولى- سِرًّا في نفْسِه، ثم يُصلِّيَ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ويُخلِصَ الدُّعاءَ للجِنازةِ في التكبيراتِ، لا يقرأُ فى شىءٍ منهنَّ، ثم يُسلِّم... ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ هذه هي سُنَّة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في صلاةِ الجِنازة، وقد قال: ((صَلُّوا كما رأيتموني أُصَلِّي ))
ثانيًا: لأنَّها صلاةٌ؛ فوجبَ فيها الصَّلاةُ على رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم كسائرِ الصَّلواتِ
الفرع الثاني: محلُّ الصلاةِ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في صلاةِ الجِنازة
محلُّ الصَّلاةِ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ بعدَ التكبيرةِ الثَّانيةِ مِن صلاةِ الجِنازة، وهو مذهبُ الجمهورِ: الحَنفيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن أبي أُمامةَ بنِ سَهلٍ، أنَّه أخبرَه رجلٌ من أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أنَّ السُّنَّةَ في الصَّلاةِ على الجِنازة أن يُكبِّرَ الإمامُ، ثم يقرأَ بفاتحةِ الكتابِ- بعدَ التكبيرة الأولى- سِرًّا في نفْسِه، ثم يُصلِّيَ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ويُخلِصَ الدُّعاءَ للميِّت في التكبيراتِ، لا يقرأُ فى شىءٍ منهنَّ، ثم يُسلِّم... ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
ظاهرُ هذا الحديثِ أنَّ الصلاةَ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ تكون بعدَ التكبيرةِ الثانية؛ لأنَّه لو كان قبلها لم تقعْ في التكبيراتِ، بل قبلَها
الدُّعاءُ للميِّت رُكنٌ في صلاةِ الجِنازة وهو مذهبُ الجُمهورِ: المالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة
عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((إذا صليتُم على الميِّتِ، فأخْلِصوا له الدُّعاءَ ))
ثانيًا: لأنَّ القصدَ من هذه الصَّلاةِ الدُّعاءُ للميِّت؛ فلا يجوزُ الإخلالُ بالمقصودِ
المطلب الثَّامن: ما يُشرَعُ بعدَ التكبيرةِ الرَّابعةِ
اختَلَف العلماءُ في مشروعيَّةِ الدُّعاءِ للميِّتِ بعدَ التكبيرةِ الرَّابعة، على قولين:
القولُ الأوَّل:
يُشرَعُ الدُّعاءُ للمَيِّت بعدَ التكبيرةِ الرابعةِ وقبلَ التَّسليمِ، وهذا مذهبُ المالِكيَّة، والشافعيَّة، واختارَه بعضُ الحَنفيَّة، وروايةٌ عن أحمد، واختاره الشوكانيُّ، وابنُ عُثَيمين، والألبانيُّ ؛ وذلك لأنَّه قيامٌ في صلاةٍ، فكان فيه ذِكرٌ مشروعٌ، كالذي قبل التكبيرةِ الرابعةِ
القول الثاني:
أنَّه ليس بعدَ التَّكبيرةِ الرَّابعةِ دعاءٌ، وإنَّما يليها السَّلامُ، وهو مذهبُ الحَنفيَّة، والحَنابِلَة، وقولٌ عند المالِكيَّة، واختارَه ابنُ باز ؛ وذلك لأنَّ الدُّعاءَ في صلاةِ الجِنازة بمنزلةِ القراءةِ في غيرِها، فلو دعا بعدَ الرَّابعةِ لاحتاجَ إلى تكبيرةٍ تَفصِلُ بين القراءةِ والسَّلامِ، كما يَفصِلُ الركوعُ بين القراءةِ والتَّسليمِ
المطلب التاسع: التَّسليمُ في صَلاةِ الجِنازةِ
الفرع الأوَّل: حُكمُ التَّسليمِ
التَّسليمُ ركنٌ
في صلاةِ الجِنازة، وهو مذهبُ الجمهورِ: المالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة
1- عمومُ حديثِ: ((وتَحليلُها التَّسليمُ ))
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالتْ: ((كان يختمُ الصَّلاةَ بالتَّسليمِ ))
ثانيًا: أنَّها عبادةٌ افتُتِحَت بالتَّكبيرِ، فتُختتَمُ بالتسليمِ؛ كالصَّلاةِ المفروضةِ
الفرع الثَّاني: عددُ التَّسليمِ في صَلاةِ الجِنازة
اختلَفَ أهلُ العِلمِ في عددِ التَّسليمِ في صلاةِ الجِنازة: هل هو تسليمةٌ أو تسليمتان ؛ على قولين:
القول الأوّل:
يُستحَبُّ في صَلاةِ الجِنازة التَّسليمُ تَسليمتَينِ، وهو مذهبُ الحَنفيَّة، والأصحُّ عند الشَّافعيَّة، وهو قولُ ابنِ حزمٍ
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة
عن ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((ثلاثُ خِلالٍ كان رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يفعلهنَّ، ترَكَهنَّ النَّاسُ؛ إحداهنَّ: التسليمُ على الجِنازة مِثل التَّسليمِ في الصَّلاةِ...))
ثانيًا: قياسًا على سائرِ الصَّلواتِ في كونِها تَسليمتَينِ
القول الثاني:
يُستحبُّ في صَلاةِ الجِنازة الاقتصارُ على تسليمةٍ واحدةٍ، وهو مذهبُ المالِكيَّة، والحَنابِلَة، وهو القولُ القديمُ للشافعيِّ، وقال به بعضُ السَّلَفِ، وهو مذهبُ جماهيرِ أهلِ العِلمِ من السَّلَفِ والخَلفِ، وهو اختيارُ ابنِ المنذرِ، وابنِ باز، وابنِ عُثَيمين
الأدلَّة:أولًا: مِنَ الآثار
عن ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عنهما، أنَّه: (سَلَّمَ تسليمةً خفيفةً على الجِنازة)
ثانيًا: لأنَّ صلاةَ الجِنازة مبنيَّةٌ على التَّخفيفِ
المطلب العاشِر: سُنَن صلاةِ الجِنازة
الفرع الأوَّل: رفْعُ اليَدينِ مع التَّكبيرِ
المسألة الأولى: رفْعُ اليَدينِ معَ التكبيرةِ الأُولى
يُشرَعُ للمصلِّي على الجِنازة أن يرفعَ يديه في أوَّلِ تكبيرةٍ يُكبِّرُها.
الدَّليل من الإجماع:
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المنذرِ، وابنُ قُدامةَ
المسألة الثانية: رفْعُ اليدينِ مع التَّكبيراتِ سِوى تكبيرةِ الإحرام
يُسنُّ للمصلِّي على الجِنازة أنْ يَرفعَ يديه في كلِّ تكبيرةٍ، وهو مذهبُ الشافعيَّة، والحَنابِلَة، وقولُ بعضِ الحَنفيَّة وقولٌ للمالكيَّة، وقال به بعضُ السَّلفِ، وهو قولُ داودَ الظاهريِّ، واختارَه ابنُ المنذر، وابنُ باز، وابنُ عُثَيمين
الأدلَّة:أولًا: من الآثار
1- عن نافعٍ، عن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، أنَّه: (كان يرفعُ يَديهِ في كلِّ تكبيرةٍ على الجِنازة)
2- عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: (أنَّه كان يرفعُ يَديهِ في تكبيراتِ الجِنازة)
ثانيًا: لأنَّها تكبيرةٌ حالَ الاستقرارِ؛ أشبهتِ الأُولى
الفرع الثَّاني: الجهرُ والإسرارُ في صلاةِ الجِنازة
المسألة الأولى: القراءةُ إذا كانتْ صلاةُ الجِنازة نهارًا
يُسرُّ بالقِراءةِ في صَلاةِ الجِنازةِ نَهارًا.
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة
عن أبي أُمامةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال: ((السُّنَّةُ في الصَّلاةِ على الجِنازة أن يقرأَ في التكبيرةِ الأُولى بأمِّ القرآنِ مخافَتَةً، ثم يُكبِّرُ ثلاثًا، والتَّسليمُ عند الآخِرةِ ))
ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ قُدامة، والعينيُّ
المسألة الثانية: القِراءةُ إذا كانتْ صلاةُ الجِنازة ليلًا
يُسرُّ بالقراءةِ في صلاةِ الجنازةِ ولو كانتِ الصَّلاةُ ليلًا، وهو الأصحُّ عند الشافعيَّة، والحَنابِلَة
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة
عن أبي أُمامةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال: ((السُّنَّةُ في الصَّلاةِ على الجِنازة أن يقرأَ في التكبيرةِ الأُولى بأمِّ القرآن مخافَتَةً، ثم يُكبِّرَ ثلاثًا، والتَّسليمُ عند الآخِرةِ ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه لم يُفرِّق في المخافَتَة بينَ ليلٍ ونَهار.
ثانيًا: لأنَّها لا تُقاسُ على المكتوبةِ؛ لأنَّها مؤقَّتةٌ، والجِنازة غيرُ مؤقَّتة، فأشبهتْ تحيَّةَ المسجدِ ونحوَها
المسألة الثالثة: الجهرُ بالتَّكبيراتِ
يَجهرُ الإمامُ بالتَّكبيراتِ في صلاةِ الجِنازة؛ نصَّ على ذلك الحَنفيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة ؛ وذلك لأنَّ الإمامَ يُسمِعُ مَن يَليه؛ لأنَّهم يَقتدُونَ به، فيُكبِّرونَ بتكبيرِه، ويُسلِّمونَ بسلامِه
المسألة الرابعة: الجهرُ بالتَّسليمِ
يَجهرُ الإمامُ بالتَّسليمِ، ويُخافِتُ بها المأمومُ، وهو مذهبُ الجُمهورِ: المالِكيَّة، والشافعيَّة والحَنابِلَة ؛ وذلك لأنَّ الإمامَ يُسمِعُ مَن يليه؛ لأنَّهم يقتدون به، فيُسلِّمون بسلامِه، بخلافِ مَن خَلْفَه إنَّما يُسلِّمُ ليتحلَّلَ من صلاتِه، فيُسلِّم في نفسِه، وقياسًا على غيرِها من الصَّلوات
المسألة الخامسة: الإسرارُ بالصَّلاةِ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم والدُّعاءِ
يُسرُّ بالصَّلاةِ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم والدُّعاءِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة
عن أبي أُمامةَ بنِ سَهلٍ، أنَّه أخبَرَه رجلٌ من أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أنَّ ((السُّنَّة في الصَّلاةِ على الجِنازة أن يُكبِّرَ الإمامُ، ثم يقرأَ بفاتحةِ الكتابِ- بعدَ التكبيرة الأولى- سِرًّا في نفْسِه، ثم يُصلِّيَ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ويُخلِصَ الدُّعاءَ للميِّت، ثم يُسلِّمَ سِرًّا فِي نَفْسِهِ ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ السُّنَّةَ قراءةُ الفاتحةَ سرًّا، فمِن بابِ أولى الصلاةُ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، والدُّعاء؛ لأنَّ الأصلَ في الدعاء أن يكونَ سِرًّا.
ثانيًا: لأنَّه أوقعُ في النَّفْسِ من الجهرِ، ولأنَّه مُحتوٍ على ثناءٍ وصلاةٍ على محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، والإسرارُ بذلِك أفضلُ
الفرع الثالث: الصفوفُ على صلاةِ الجِنازة
يُستحبُّ أن تُجعلَ الصفوفُ على الجِنازة ثلاثةَ صُفوفٍ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعة: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن مَرْثدِ بنِ عبدِ اللهِ اليَزنيِّ، قال: كان مالكُ بنُ هُبَيرةَ إذا صلَّى على جِنازة، فتقالَّ الناسُ عليها، جزَّأهم ثلاثةَ أجزاءٍ، ثم قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن صلَّى عليه ثلاثةُ صفوفٍ، فقَدْ أَوْجَبَ))
2- عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ، رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((قد تُوفِّي اليومَ رجلٌ صالحٌ من الحَبَش؛ فهَلُمَّ فصلُّوا عليه، قال فصَفَفْنا فصلَّى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عليه ونحن صفوف، قال أبو الزبير عن جابرٍ: كنتُ في الصفِّ الثَّاني ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
في الحديثِ دَلالةٌ على أنَّ للصفوفِ تأثيرًا على الجِنازة، ولو كان الجمعُ كثيرًا؛ لأنَّ الظَّاهِرَ أنَّ الذين خرَجوا معه صلَّى الله عليه وسلَّم كانوا عددًا كثيرًا، وكان المصلَّى فضاءً، ولا يَضيقُ بهم لو صفُّوا فيه صفًّا واحدًا، ومع ذلك فقد صفَّهم
ثانيًا: من الآثار
عن شراحيلَ الكنديِّ رَضِيَ اللهُ عنه- وكان من الصَّحابةِ- أنَّه صلَّى على جِنازة، فجَعَلهم ثلاثةَ صفوفٍ
وما زلنا أحبابنا .. تابعونا جزاكم الله خيرا ..
::
ولا تنسونا من صالح دعائكم
عدل سابقا من قبل sadekalnour في الثلاثاء أكتوبر 25, 2022 4:30 pm عدل 1 مرات
اليوم في 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد