الوضوء .. تعريف الوضوء .. أحكامه .. فضائله .. نواقضه ..
تعريف الوُضوء لُغةً:
الوُضوء من الوَضاءة، وهي: الحُسن، والبَهجة، والنَّظافة.
والوُضوء بالضمِّ: فِعل الوُضوء، وبالفَتْح: الماء المُعَدُّ له، والمِيضأَة بكَسرِ الميم: الموضِعُ الذي يُتوضَّأُ فيه
تعريف الوُضوء اصطلاحًا:
التعبُّد لله عزَّ وجلَّ بغَسلِ أعضاء مخصوصةٍ، على صفةٍ مخصوصةٍ
أوَّلًا: الوُضوء شطر الإيمان:
عن أبي مالكٍ الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الطُّهور شَطرُ الإيمان ))
ثانيًا: الوُضوء مكفِّرٌ للذُّنوب:
1- عن عثمانَ بن عفَّان رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّه قال- بعد وصفه لوُضوء النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بفعله-: ((إنِّي رأيتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم توضَّأَ مِثلَ وُضوئي هذا، ثمَّ قال: مَن توضَّأ هكذا، غُفِر له ما تقدَّم مِن ذَنبِه ))
2- عن عثمانَ بن عفَّان رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن توضَّأ فأحسَنَ الوضوءَ، خرجتْ خطاياه من جَسَدِه، حتَّى تخرُجَ من تحت أظفارِه ))
ثالثًا: المحافظةُ على الوُضوء من علاماتِ أهل الإيمان
عن ثوبانَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((استقيموا ولن تُحصُوا، واعلموا أنَّ خيرَ أعمالِكم الصَّلاة،
ولا يحافِظُ على الوضوءِ إلَّا مؤمِنٌ ))
رابعًا: الوُضوءُ علامةُ أهل الإيمان يوم القيامة
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((إنَّ أمَّتي يُدعَون يوم القيامة غُرًّا محجَّلين من آثارِ الوُضوءِ ))
خامسًا: الوُضوء من أسباب دخول الجنَّة والتحلِّي بحُليِّها
1- عن عُقبةَ بن عامر رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كانت علينا رِعايةُ الإبل، فجاءتْ نوبتي، فروَّحتُها بعشيٍّ، فأدركتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قائمًا يُحدِّث النَّاسَ، فأدركتُ مِن قَولِه: ما من مسلمٍ يتوضَّأ فيُحسِنُ وضوءَه، ثم يقومُ فيصلِّي ركعتين، مقبلٌ عليهما بقَلبِه ووجهِه، إلَّا وجبتْ له الجنَّة ))
2- عن أبي هُرَيرةَ قال: سمعتُ خليلي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((تَبلُغ الحِليةُ من المؤمِن حيث يبلُغ الوضوءُ ))
المطلب الأول: الوضوء للأذان
يستحب الوضوء للأذان
المطلب الثاني: الوُضوء للصَّلاة
الفرع الأوَّل: حُكم الوُضوء للصَّلاة
الطَّهارة من الحدَث شرطٌ لصحَّة الصَّلاة
الفرع الثاني: تجديد الوُضوء لكلِّ صلاة
يُسَنُّ تجديدُ الوُضوء عند كلِّ صلاةٍ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافعيَّة، والحنابلة
الدَّليل مِن السُّنَّةِ:
عن أنسِ بن مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يتوضَّأُ عند كلِّ صلاةٍ، قال: كيف كنتم تصنعونَ؟
قال: يُجزئُ أحدَنا الوضوءُ ما لم يُحدِثْ ))
الفرع الثَّالث: الوضوءُ لصلاة الجنازة
الطَّهارة من الحدَث شرطٌ لصحَّة صلاة الجنازة
الفرع الرابع: الوُضوء لسجود التِّلاوة
اختلف العلماءُ في اشتراط الطَّهارة في سجودِ التلاوة على قولين: بالاشتراطِ وعدَمِه
المطلب الثَّالث: الوُضوءُ للطَّواف
أجمع أهل العلم على مشروعيَّة الطَّهارةِ في الطَّواف، واختلفوا في لُزومِها
المطلب الرَّابع: الوُضوء لقراءة القرآن
يجوز للمحدِث حدثًا أصغَرَ أن يقرأ القرآنَ دون أن يمسَّ المصحَفَ، وإنْ كان الأفضَلُ له أن يتوضَّأَ.
الأدلَّة:أولًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن المهاجرِ بن قُنفذ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أنَّه أتى النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو يبولُ، فسلَّمَ عليه فلم يَرُدَّ عليه حتَّى توضَّأَ، ثم اعتذَرَ إليه، فقال: إنِّي كَرِهتُ أن أذكُرَ اللهَ إلَّا على طُهرٍ، أو قال على طهارةٍ ))
وجه الدَّلالة:
أنَّ الحديثَ يدلُّ على أنَّ الأفضلَ ألَّا توجَدَ الأذكارُ إلَّا في أكمَلِ الأحوالِ، والقرآنُ أفضَلُ الذِّكرِ
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يذكُر اللهَ على كلِّ أحيانِه ))
وجه الدَّلالة:
أنَّ الحديثَ مُشعِرٌ بوقوع الذِّكر حالَ الحدَث الأصغرِ؛ لأنَّه من جملة الأحيانِ المذكورة
3- عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّه بات عندَ مَيمونةَ أمِّ المؤمنينَ رَضِيَ اللهُ عنها، وهي خالَتُه، قال: فاضطَجَعتُ على عَرضِ الوِسادةِ، واضطَجَع رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأهلُه في طُولِها، فنام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى انتَصَف اللَّيلُ،
أو قَبلَه بقليلٍ، أو بعدَه بقليلٍ، ثم استيقَظ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فجلَس، فمسَح النَّومَ عن وجهِه بيدِه، ثم قرَأ العشرَ آياتٍ خواتيمَ سورةِ آلِ عمرانَ، ثم قام إلى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فتوضَّأ منها فأحسَن وُضوءَه، ثم قام يُصلِّي... ))
وجه الدَّلالة:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قرأ القرآنَ، بعد استيقاظِه مِن النَّوم وقبل أن يتوضَّأ؛ فدلَّ على جوازِ قراءةِ القُرآن للمُحدِث حدثًا أصغَر
ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على جوازِ قراءة القرآنِ للمُحدِث: ابنُ عبدِ البَرِّ، والقاضي عِياض، والنوويُّ، وابنُ تيميَّة
ثالثًا: من الآثار
عن عبد الرَّحمن بن يزيد بن جابر قال: (كنَّا معه- أي: سلمان- في سفرٍ، فانطلق، فقضى حاجتَه، ثمَّ جاء، فقلت: أيْ أبا عبدِ الله، توضَّأْ لعلَّنا نسألُك عن آيٍ من القرآنِ، فقال: سَلوني؛ فإنِّي لا أمسُّه، إنَّه لا يَمسُّه إلَّا المُطهَّرون؛ فسألْناه؛ فقرأ علينا قبل أن يتوضَّأ)
المطلب الخامس: الوُضوء لِمَسِّ المصحف
لا يجوز مسُّ المصحفِ مِن غير وضوءٍ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافعيَّة، والحنابلة، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتاب
قوله تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة: 77-79]
وجه الدَّلالة:
أنَّ المطهَّر هو المتطهِّر من الحدَثينِ: الأصغر والأكبر
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
حديث: ((لا يَمسَّ القرآنَ إلَّا طاهِرٌ ))
وجه الدَّلالة:
أنَّ لفظة (طاهر) يشمل معناها: الطاهِر من الحدَثينِ: الأصغر والأكبر
ثالثًا: من الآثار
عن عبد الرَّحمن بن يزيدَ بن جابر قال: (كنَّا معه- أي: سلمان- في سَفَرٍ، فانطلق، فقضى حاجتَه، ثم جاء، فقلت: أيْ أبا عبدِ الله، توضَّأْ لعلَّنا نسألُك عن آيٍ من القُرآنِ، فقال: سَلُوني؛ فإنِّي لا أمسُّه؛ إنَّه لا يَمسُّه إلَّا المطهَّرون؛ فسألناه؛ فقرأ علينا قَبل أن يتوضَّأ)
فرع: مسُّ الصَّغيرِ للمُصحف على غيرِ طهارة
يجوز للصَّغيرِ المميِّز مسُّ المصحَف للتعلُّم والحِفظ، ولو كان على غيرِ طهارةٍ ؛ نصَّ على هذا جمهورُ الفُقهاء: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافعيَّة، وهو وجهٌ للحنابلة
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الحاجةَ ماسَّة إلى تعلُّم الصِّبيانِ للقرآن، وفي تكليفِهم بالوضوءِ حرَجٌ عليهم؛ وذلك لتكرُّره، بالإضافة إلى عدمِ قُدرَتِهم على الاحتفاظ بوضوئِهم غالبًا، ويشقُّ منعُهم منه بدون طهارةٍ
ثانيًا: أنَّ الصِّبيان لو مُنعوا من مسِّ المصحَف إلَّا بطهارةٍ، لم يَحفظوا القرآن، ولنَفَروا مِن تعلُّمه، وفي تأخيرِهم إلى البلوغ تقليلٌ لحِفظ القرآنِ؛ فيُرخَّص لهم للضَّرورةِ
ثالثًا: أنَّ الصِّبيانَ لا يُخاطَبون بالطَّهارة، ولكن يُؤمَرون به تخلُّقًا واعتيادًا
رابعًا: أنَّ الصبيَّ وإن كانت له طهارةٌ، إلَّا أنَّها ليست بكاملةٍ؛ لأنَّ النيَّة لا تصحُّ منه، فإذا جاز أن يحمِلَه على غيرِ طهارةٍ كاملة، جاز أن يحمِلَه مُحدِثًا
المطلب السادس: الوُضوء عند النَّوم
يُسنُّ الوضوءُ عند النَّوم، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافعيَّة، والحنابلة
الدَّليل مِن السُّنَّةِ:
عن البَراء بن عازب رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا أتيتَ مَضجَعكَ فتوضَّأْ وُضوءَك للصَّلاة... ))
المطلب الثَّامن: الوُضوءُ للجُنُب عند أكْله وشُرْبه ونومِه
يستحبُّ للجُنب الوُضوءُ إذا أراد الأكْل والشُّرب أو النَّوم؛ وهذا مَذهَبُ الشَّافعيَّة، والحنابلة، واختاره ابنُ حَزمٍ
الأدلَّة مِن السُّنَّةِ:
1- عن ابن عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: أنَّ عمر بن الخطَّاب سأل رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيرقُدُ أحدنا وهو جُنُب؟
قال: ((نعَمْ، إذا توضَّأ أحدُكم، فليرقدْ وهو جنُب ))
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا كان جُنبًا فأراد أن يأكُل أو ينام، توضَّأ وضوءَه للصَّلاة ))
المطلب التَّاسع: الوضوء عند معاودةِ الوَطءِ
يُستحبُّ للجُنُب الوُضوءُ، إذا أراد أن يعاوِدَ الوَطءَ مرَّةً أخرى، نصَّ عليه الجمهور: الحنفيَّة والشَّافعيَّة، والحنابلة، وهو قولُ جماعةِ الصَّحابةِ والتَّابعين، وأكثَرِ العلماء
الدَّليل مِن السُّنَّةِ:
عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا أتى أحدُكم أهْلَه، ثم أراد أن يعودَ، فليتوضَّأْ
يُشترط أن يكون المتوضِّئ مُسلمًا؛ ولا يصحُّ من كافرٍ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة
، والشَّافعيَّة، والحنابلة، وقولٌ للحنفيَّة
الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتاب
قوله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ [التوبة: 54]
وجه الدَّلالة:
أنَّ هؤلاء لم يُقبَلْ منهم لعَدَمِ إيمانهم؛ ممَّا يعني أنَّ الإيمان شرطٌ لقَبولِ الأعمال، ومنها الوضوءُ.
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمعاذِ بنِ جبل رَضِيَ اللهُ عنه حين بعَثَه إلى اليمن:
((إنَّك ستأتي قومًا أهلَ كتابٍ، فإذا جئتَهم فادْعُهم إلى أنْ يشهَدوا أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمدًا رسولُ الله، فإنْ هم أطاعوا لك بذلك، فأخبِرْهم أنَّ الله قد فرَض عليهم خمسَ صَلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ... ))
وجه الدَّلالة:
أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبر أنَّ هذه الواجباتِ لا تلزَمُ إلَّا بعدَ الإيمان.
ثالثًا: أنَّ الكافرَ ليس أهلًا للنيَّة، والنيَّةُ شرطٌ في صحَّةِ الوضوء
ثانياً :: العقل
يُشترطُ أن يكونَ المتوضِّئ عاقلًا، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة والمالكيَّة، والشَّافعيَّة، والحنابلة
الدَّليل مِن السُّنَّةِ:
عن عليِّ بن أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِع القَلمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعن الصَّبي حتَّى يحتلِمَ، وعن المجنونِ حتَّى يَعقِلَ ))
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق ))
وجه الدَّلالة:
أنَّ المجنونَ لا عقلَ له، ولا نيَّة، ولا خطابَ للشَّارِعِ بدونهما.
الثَّالث: النِّيَّة
المطلب الأوَّل: حُكم النِّيَّة
النِّيَّة شرطٌ لصحَّة الوضوءِ؛ وهو مَذهَبُ الجُمهورِ:
، المالكيَّة، والشَّافعيَّة، والحنابلة، وهو مذهبُ الظاهريَّة
الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتاب
1- قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة: 6]
وجه الدَّلالة:
أنَّ معنى الآية: فاغسلوا وجوهَكم للصَّلاة، وهذا معنى النيَّة
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عمومُ حديثِ عُمرَ بنِ الخطَّاب رَضِيَ اللهُ عنه، حيث قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول:
((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّة، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى ))
المطلب الثَّاني: الجهرُ بالنِّيَّة
مَحَلُّ النِّيَّة القَلبُ، ولا يُشرَعُ النُّطقُ بها، وهذا مَذهَبُ المالكيَّة، وهو قولٌ للحنفيَّة، والمنصوصُ عن أحمد، واختاره ابن تيميَّة،
وابنُ القيِّم، وهو ظاهرُ اختيارِ الكمالِ ابنِ الهُمام، واختاره ابنُ باز، وابن عثيمين، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الجهرَ بالنيَّة لم يُنقَلْ عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا عن أصحابه، ولا أمرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحدًا من أمَّته أن يلفِظَ بالنيَّة، ولا علَّم ذلك أحدًا من المسلمينَ، ولو كان هذا مشروعًا لم يهملْه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابُه
ثانيًا: أنَّ النيَّةَ مِن متعلِّقاتِ القَلب، فلا معنى لاشتراط النُّطقِ بها
انقطاعُ ما يُنافي الوضوءَ مِن حيضٍ ونفاسٍ، شرطٌ في وجوبِ الوُضوءِ وصحَّته معًا، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة
، والمالكيَّة، والشَّافعيَّة، والحنابلة؛ وذلك لأنَّ دمَ الحيضِ والنِّفاس حدثٌ لا يمكِنُ التطهُّرُ منه إلَّا بعد انقطاعِه.
الخامس: إزالة ما يَمنع وصول الماء إلى بشرة أعضاء الوُضوء
، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافعيَّة، والحنابلة
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة: 6]
وجه الدَّلالة:
أنَّ عمومَ الآيةِ يدلُّ على وجوبِ استيعابِ الماء لجميعِ المحلِّ الواجبِ استعمالُه فيه، فيجِبُ لذلك إزالةُ ما يمنَعُ وصولَ الماءِ إلى الأعضاء، وما لم يتمَّ الواجِبُ إلَّا به، فهو واجبٌ
لا يُشتَرَط دخولُ الوقتِ لصحَّة طهارة مَن به حدَثٌ دائم
، ولا أن يتوضَّأ لكلِّ صلاةٍ، وهذا مَذهَبُ المالكيَّة، والظاهريَّة، وبه قال بعضُ السَّلف، وهو اختيار الشَّوكانيِّ، وابن عثيمين
الأدلَّة:أولًا: مِن السُّنَّةِ
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال لفاطمة بنت أبي حُبَيش: ((إنَّما ذلكِ عِرقٌ، وليس بالحَيضة، فإذا أقبَلَت الحيضةُ، فاتركي الصَّلاةَ، فإذا ذهَبَ قدْرُها، فاغسلي عنك الَّدمَ، وصلِّي ))
وجه الدَّلالة:
أنَّه لم يذكُرْ وضوءًا، ولو كان الوضوءُ واجبًا عليها، لَمَا سكت عن أن يأمُرَها به، وما ورد من إيجابِ الوُضوءِ لكلِّ صلاةٍ، فهو مضطربٌ لا تجبُ بمثله حُجَّة
ثانيًا: أنَّ دمَ الاستحاضةِ، إذا لم يكُن حدَثًا في الوقتِ، فإنَّه لا يكونُ حَدثًا بعده، فخروجُ الوقتِ ليس من نواقِضِ الوُضوءِ، وقد اتَّفقوا على أنَّه إذا خرَجَ الدَّمُ في الصَّلاةِ، أتمَّتْها وأجزأَتْها
ثالثًا: أنَّه لا فرقَ بين الدَّمِ الذي يخرُجُ مِن المستحاضة قبل الوضوءِ، والذي يخرُجُ في أضعافِ الوضوءِ، والدَّمِ الخارجِ بعد الوضوء؛ لأنَّ دمَ الاستحاضةِ إنْ كان يُوجِب الوضوءَ، فقليلُ ذلك وكثيرُه في أيِّ وقت كان، يوجِبُ الوضوءَ، وإنْ كان لا يُوجِبُ الوضوءَ، فقليلُ ذلك وكثيرُه في أيِّ وقتٍ كان، لا يوجِبُ الوضوء
السَّابع: أن يكون الوضوء بماء طَهور (ماء مطلَق)
يُشترط في صحَّةِ الوضوءِ أن يكونَ بماءٍ طَهورٍ، فلا يصحُّ بغيرِه، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة
، والشَّافعيَّة، والحنابلة، وهو مذهبُ الظَّاهريَّة، وروايةٌ عن أبي حنيفةَ، وقولُ أبي يوسف، واختاره الطَّحاويُّ، وحُكيَ فيه الإجماعُ
الأدلَّة: أوَّلًا: من الكتاب
1- قول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاء فَتَيَمَّمُوا [النساء: 43]
وجه الدَّلالة:
أنَّه نصَّ على الانتقالِ إلى التُّراب عند عدَمِ الماء، فدلَّ على أنَّه لا يجوزُ التطهُّر بغيرهما؛ فمَن توضَّأ بالنَّبيذ، فقد ترَك المأمورَ به
2- قوله تعالى: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان: 48]
وجه الدَّلالة:
أنَّ قوله تعالى: طَهُورًا على وزنِ فَعول، وهو يأتي للذي يُفعَل به الفِعلُ، نحو الحَنوط والسَّحور والبَخور، والمعنى: أنَّ الماء هو الذي يُتطهَّرُ به، فينحصر المطهِّرُ فيه بسبب تخصيصِ الشَّرعِ له بالذِّكر، ومنْعِ القياسِ في الأسبابِ
3- قوله تعالى: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ [الأنفال: 11]
وجه الدَّلالة:
أنَّه نصٌّ في كون الماء هو الذي يُتطهَّر به
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن عِمرانَ بن حُصين رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى ثمَّ رأى رجلًا معتزلًا لم يُصلِّ مع القومِ، فقال: يا فلانُ، ما منعك أن تُصلِّيَ مع القوم؟ فقال: يا رسولَ الله، أصابتْني جَنابةٌ ولا ماءَ، فقال: عليك بالصَّعيدِ؛ فإنَّه يكفيك ))
وجه الدَّلالة:
أنَّ الطَّهارةَ لو كانت تُجزِئُ بغير الماء، لأشبَه أن يقولَ له: اطلب نبيذ كذا، أو شرابَ كذا
ثالثًا: أنَّ الصَّحابةَ رَضِيَ اللهُ عنهم كانوا يَعدَمونَ الماء في أسفارِهم ومعهم الدُّهنُ وغيرُه من المائعاتِ، وما نُقِل عن أحدٍ منهم الوضوءُ بغير ماءٍ
مطلب: هل يُشترطُ أن يكون الوضوءُ بماءٍ مباح؟
لا يُشترطُ لصحَّة الوضوءِ أن يكونَ الماءُ مباحًا، فيصحُّ التطهُّرُ بالماء المسروق أو المغصوبِ، مع الإثمِ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافعيَّة
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الماءَ المسروقَ أو المغصوبَ استوفى أركانَ الطَّهارة وشروطَها؛ لذلك صحَّ التطهُّرُ به.
ثانيًا: أنَّ النهي إذا كان عائدًا إلى غيرِ ذات المنهيِّ عنه، فإنَّه لا يقتضي الفسادَ، وهنا الأمر كذلك، فلم ينهَ الشَّارعُ عن التطهُّر بالماءِ المغصوب، وإنَّما نهى عن الغَصبِ جملةً، فيكون نهيُ الشارعِ خارجَ ذات المنهيِّ عنه، فلا يفسد العَمل.
وما زلنا أحبابنا .. أبقوا معنا جزاكم الله خيرا
ولا تنسونا من صالح دعائكم
عدل سابقا من قبل sadekalnour في السبت سبتمبر 10, 2022 6:52 pm عدل 1 مرات
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» (( - 2 -)) خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأربعاء نوفمبر 13, 2024 11:28 pm من طرف صادق النور