آل راشد



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

آل راشد

آل راشد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
آل راشد

ثقافى-اجتماعى

*** - اللَّهُمَّ اَنَكَ عَفْوٍ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعِفُو عَنَّا - *** - اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك . *** - اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا تَوْبَةً نَصُوحًا قَبْلَ الْمَوْتِ وَ ارْزُقْنَا حُسْنَ الْخَاتِمَةِ . *** -

إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا شَابَتْ عَبِيدَهُمْ.. .. فِي رِقِّهِمْ عَتَقُوهُمْ عِتْقَ أَبْرَارٍ .. .. وَأَنْتَ يَا خَالِقِيُّ أوْلَى بِذَا كَرَمًا.. .. قَدْ شُبْتُ فِي الرِّقِّ فَأَعْتَقَنِي مِنَ النَّارِ .

المواضيع الأخيرة

» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
القرآن الكريم من فم الحبيب المصطفي صل الله عليه وسلم إلي أن وصل إلينا Ooou110أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد

» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
القرآن الكريم من فم الحبيب المصطفي صل الله عليه وسلم إلي أن وصل إلينا Ooou110أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد

» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
القرآن الكريم من فم الحبيب المصطفي صل الله عليه وسلم إلي أن وصل إلينا Ooou110الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد

» العبادة وأركانها
القرآن الكريم من فم الحبيب المصطفي صل الله عليه وسلم إلي أن وصل إلينا Ooou110الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد

» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
القرآن الكريم من فم الحبيب المصطفي صل الله عليه وسلم إلي أن وصل إلينا Ooou110الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد

» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
القرآن الكريم من فم الحبيب المصطفي صل الله عليه وسلم إلي أن وصل إلينا Ooou110الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور

» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
القرآن الكريم من فم الحبيب المصطفي صل الله عليه وسلم إلي أن وصل إلينا Ooou110الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد

» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
القرآن الكريم من فم الحبيب المصطفي صل الله عليه وسلم إلي أن وصل إلينا Ooou110السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد

» هيئات السجود المسنونة
القرآن الكريم من فم الحبيب المصطفي صل الله عليه وسلم إلي أن وصل إلينا Ooou110الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد

» (( - 2 -)) خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
القرآن الكريم من فم الحبيب المصطفي صل الله عليه وسلم إلي أن وصل إلينا Ooou110الأربعاء نوفمبر 13, 2024 11:28 pm من طرف صادق النور

اهلا بكم

الثلاثاء نوفمبر 08, 2011 2:32 am من طرف mohamed yousef

القرآن الكريم من فم الحبيب المصطفي صل الله عليه وسلم إلي أن وصل إلينا Ooousu10

المتواجدون الآن ؟

ككل هناك 70 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 70 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الأربعاء سبتمبر 15, 2021 4:26 am

احصائيات

أعضاؤنا قدموا 10128 مساهمة في هذا المنتدى في 3405 موضوع

هذا المنتدى يتوفر على 311 عُضو.

آخر عُضو مُسجل هو Pathways فمرحباً به.

دخول

لقد نسيت كلمة السر

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع


    القرآن الكريم من فم الحبيب المصطفي صل الله عليه وسلم إلي أن وصل إلينا

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود القرآن الكريم من فم الحبيب المصطفي صل الله عليه وسلم إلي أن وصل إلينا

    مُساهمة من طرف صادق النور الجمعة مارس 18, 2022 2:02 pm


    بسم الله الرحمن الرحيم
    والصلاة والسلام علي سيدنا ومولانا وحبيبنا محمد رسول الله وعلي آله وصحبه الكرام

    ...
    القرآن الكريم من فم الحبيب المصطفي صل الله عليه وسلم إلي أن وصل إلينا

    :::
    الحمدُ لله الذي هدانا لكتابه، وفضَّلنا على سائر الأمم بأكرم أحبابه، حمدًا يستجلب المرغوب من وضائه،
    ويستعطف المخزون من عطائه، ويجعلنا من الشاكرين لنعمائه، والعارفين لأوليائه،
    وصل اللهم على سيدنا محمدٍ رسوله المصطفى، ونبيه المجتبى، وعلى آله وعترته الطيبين، وعلى أصحابه الطاهرين، وأمته أجمعين.
    :
    القرآن الكريم هو كلامُ الله تعالى المنزَّل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام بلفظِه،
    بل قال العلماء: صفة التلاوة مُتلقَّاةٌ عن ربِّ العالمين لا اجتهاد لجبريلَ عليه السلامُ أو النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وليس لأحدٍ من العلماء بعدَه أن يغيِّر شيئًا بزيادةٍ أو نقصٍ أو إبدال،
    كما قال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه: "إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرُكم أن تقرَؤوا كما عُلِّمتم"،
    وكما قال عمرُ وزيدٌ وابنُ المنكدِر وعمرُ بن عبدالعزيز وعامرٌ الشَّعبي: "القراءة سُنَّة متَّبَعة، فاقرؤوا كما عُلِّمتموه".

    وقيَّض الله تبارك وتعالى لكتابه العزيز أئمةً ثقاتٍ، تلقَّوه عن النبي صلى الله عليه وسلم فنقلوه إلينا غضًّا طريًّا كما أُنزل رواية ودِرَاية، سالمًا معصومًا من الخطأ والزَّلل.

    وجعل للمشتغلين به أجرًا ومَزِيَّةً، وتواترت فضائل حَمَلَتِهِ وقُرَّائه في الأحاديث النبوية، تحقيقًا لوعد الله تعالى القائل: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].

    ولما تكفَّل الله تعالى بحفظه، خصَّ مَن شاء مِن بَرِيَّتِهِ، وأورثه مَن اصطفاه من خليقته؛
    قال الله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ [فاطر: 32]،
    وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ لله أهلين من الناسِ، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: هم أهل القرآن، هم أهل الله وخاصَّتُهُ)

    ولم يترك الرسول صلى الله عليه وسلم أمرًا فيه حثٌّ على حفظ القرآن الكريم إلا أمر به، فكان يفاضل بين أصحابه بحفظ القرآن، ويعقد الراية لأكثرهم حفظًا للقرآن، وإذا بعث بعثًا جعل إمامهم في صلاتهم أحفظَهم لكتاب الله، فضلًا عن كثرة الأحاديث الداعية لحفظ القرآن الكريم.

    فالنبي صلى الله عليه وسلم هو خير من تعلم القرآن وعلَّمه، بلَّغه وبيَّنه لصحابته الكرام، فحفِظوه وتنافسوا في تلاوته وتدبره، ومدارسته وتفسيره والعمل به، وعلى نهجهم سار التابعون ومَن تبعهم بإحسان، فغدت سنة مُتَّبَعَةٌ يأخذها اللاحق عن السابق؛ عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه رضي الله عنهما قال: (القراءة سُنَّةٌ، فاقرؤوه كما تجدونه.

    هكذا كانت نظرة السلف رحمهم الله لِما يتلقَّونه من الوحي، مستشعرين في ذلك أنهم مبلِّغون عن الله عز وجل، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.


    نزل القرآنُ الكريم على النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الفترة المكيَّة على حرفٍ واحد؛ لأن الدعوة الإسلامية كانت محصورةً في مكة، وعددَ المسلمين قليلٌ،
    وبعدَ هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ودخولِ القبائل العربية - التي كانت تختلفُ في لهجاتها - في دين الله أفواجًا، طلب النبيُّ صلى الله عليه وسلم من الله تعالى أن يخفِّف عن أمَّته، فأنزَلَ الله تعالى القرآنَ على سبعة أحرف،
    كما جاء في حديث ابنِ عبَّاس رضي الله عنهما عند البخاري ومسلم وأحمدَ وعبدالرزاق أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرأَني جبريلُ على حرفٍ فراجعتُه، فلم أزَل أستزيدُه ويَزيدُني، حتى انتهى إلى سبعةِ أحرُف))؛ مما سهَّل تلاوة القرآن وفَهمَه، لا سيَّما في القبائل التي لها لهجةٌ مختلفة، وفيها الشيخ العجوزُ والمرأةُ والضعيف الَّذين أَلِفَ لسانُهم لهجتَهم، ولا يستطيعون الرحلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستماع منه.

    وقد روى الترمذيُّ وأحمدُ من حديث أبيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((يا جبريلُ، إنِّي بُعِثتُ إلى أمَّة أميِّين، منهم العجوز والشيخ الكبير، والغلام والجارية، والرجل الذي لم يَقرأ كتابًا قط))،

    قال: يا محمَّد؛ إن القرآن أُنزل على سبعة أحرف؛ وللحديث شاهدٌ عند الطيالسيِّ في "المسنَد" برقم (543).

    جمع القرآن:

    الجمع مصدر الفعل "جمع"، يقال: جمع الشيء يجمعه جمعًا؛ قال الجوهري: "أجمعت الشيء: جعلته جميعًا، والمجموع: الذي جُمِعَ من ها هنا وها هنا، وإن لم يُجعَل كالشيء الواحد".

    وقال ابن منظور: "جمع الشيء عن كل تفرقة يجمعه جمعًا، واستجمع السيل: اجتمع مع كل موضع، وجمعتُ الشيء... وتجمَّع القوم: اجتمعوا أيضًا من ها هنا وها هنا"[5].
    ويتضح أن معنى كلمة (جمع) في اللغة: التأليف وضمُّ المتفرق.

    جمع القرآن الكريم يُطلَق في علوم القرآن على معنيين:

    الأول: جمعه بمعنى: حفظه في الصدور؛
    لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾ [القيامة: 17]؛ أي: جمعه في صدرك، وإثبات قراءته في لسانك"
    ؛ يقول الإمام الطبري رحمة الله عليه: "وقوله: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾؛
    يقول تعالى ذكره: إن علينا جمع هذا القرآن في صدرك يا محمد، حتى نثبته فيه، ﴿ وَقُرْآنَهُ ﴾؛ يقول: وقرآنه حتى تقرأه بعد أن جمعناه في صدرك".

    والثاني: جمعه بمعنى: كتابته؛ ويدل على ذلك ما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري في قضية جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ومما ورد فيه قول عمر بن الخطاب لأبي بكر رضي الله عنهما: ((وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن))، وقول زيد بن ثابت رضي الله عنه: ((فتتبَّعتُ القرآن أجمعه من العُسُبِ واللِّخافِ وصدور الرجال)).

    يقول الإمام الزرقاني: "كلمة جمع القرآن تُطلَق تارة ويُراد منها: حفظه واستظهاره في الصدور، وتطلق تارة أخرى ويُراد منها: كتابته كله حروفًا وكلمات وآيات وسورًا؛ هذا جمع في الصحائف والسطور، وذاك جمع في القلوب والصدور، ثم إن جمعه بمعنى كتابته

    حدث في الصدر الأول ثلاث مرات؛ الأولى: في عهد النبي صــلى الله عليه وسلم،
    والثانية: في خلافة أبي بكر،
    والثالثة: على عهد عثمـــان، وفي هذه المرة الأخيرة وحدهـــا، نُسخِت المصـــاحف، وأُرسلت إلى الآفـــــــاق"

    هذا، وقد أقرأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم صحابتَه الكرام وفقَ هذه الأحرفِ السبعة، وقد لاحَظوا رضي الله عنهم الاختلافَ بينها في حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وصوَّب النبيُّ صلى الله عليه وسلم قراءتَهم على اختلافها، وأمر كلَّ واحد منهم أن يَقرأ كما عُلِّم، وقصة عمر مع هشام بن حَكيم رضي الله عنهما مَشهورةٌ معروفة، وقد رواها البخاريُّ ومسلمٌ ومالكٌ وأحمدُ والترمذيُّ والنَّسائيُّ وأبو داود وعبدُالرزاق.

    وفي العَرضة الأخيرة نُسِخ من هذه الأحرُفِ ما نُسِخ، وثبَت ما ثبَت، وبعضُ الصحابة كان أعلَمَ بهذا النَّسخ من الآخَر.
    وعندما كانت تنزل الآيات على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر كتَبةَ الوحي بكتابتها، فتُكتَب أمامَه، ثم تُقرأ عليه، فإذا كان فيها سقطٌ أقامه، ثم تُخرَج للناس -
    كما قال زيدٌ - حتى تُظاهِرَ الكتابةُ في السطورِ ما حُفِظ في الصدور،
    وقُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآنُ محفوظٌ في الصدور، مكتوبٌ بالأحرف السبعة على اللِّخاف والعُسُب والرِّقاع والأكتاف، مُفَرَّق بين الصحابة؛ ما عند صحابيٍّ ليس عند آخر.

    وفي حروب المرتدِّين استَحَرَّ القتلُ بالقُرَّاء في معركة اليَمامة حتى قُتل منهم سبعون، عندئذٍ خاف عمرُ الفاروقُ رضي الله عنه ضياعَ القرآن بمقتل حُفَّاظه، فأشار على الصدِّيق رضي الله عنه بجمع القرآن في مصحفٍ واحد، ولم يزَل يراجعُه في ذلك حتى شرَح الله تعالى صدرَ الصديقِ رضي الله عنه لذلك، فأرسَل إلى زيدٍ رضي الله عنه، وعَهِد إليه بذلك - كما عند البخاريِّ والترمذي وأحمد -
    فقام زيدٌ رضي الله عنه بمهمَّتِه خير القيام، وكان لا يَقبل من أحدٍ شيئًا مكتوبًا إلا إذا شَهِد شاهدانِ أنَّه كُتب أمامَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
    وجمع القرآن كاملًا في صحف مشتمِلًا على الأحرُفِ السبعة وفق العَرضة الأخيرة - وكانت سُورًا مفرَّقة، كل سورة مرتَّبة بآياتها على حِدَة، لكن لم يرتَّب بعضُها إثرَ بعض، فلما نُسِخت ورتِّب بعضها إثر بعض صارت مصحفًا -
    وكانت هذه الصُّحف عند أبي بكرٍ رضي الله عنه حتى توفَّاه الله تعالى، ثم عند عمرَ رضي الله عنه حياتَه، ثم عند حفصةَ بنتِ عمر رضي الله عنها.
    وفي عهد عمرَ رضي الله عنه اتَّسعَت رقعة الدَّولة الإسلامية، ودخل الناسُ في دين الله أفواجًا، فطلَب وُلاةُ الأمصار من عمرَ أن يُرسل إليهم مَن يعلِّم الناسَ القرآن، فأرسل أبا موسى الأشعريَّ إلى البصرة، وابنَ مسعود إلى الكوفة، ومعاذًا إلى فلسطين، وعُبادةَ بن الصَّامت إلى حِمص، وأبا الدَّرداء إلى دِمَشق، وبهذا نشأَت مدارسُ في الأمصار الرئيسةِ لها منهجُها الخاص.

    وقد كان الصحابةُ رضي الله عنهم يُقرئون القرآنَ وفقَ ما تعلَّموا من النبيِّ صلى الله عليه وسلم من هذه الأحرف
    ، ولا شكَّ أنَّ هناك فرقًا بين تعليم أحدهم وتعليم الآخر؛ كلٌّ حسبَما تلقَّاه من النبي صلى الله عليه وسلم،
    فجعل تلاميذُهم يلتَقون فيختلفون، ويُخَطِّئ بعضهم بعضًا في القرآن، حتى ارتفَع ذلك إلى المعلِّمين، حتى كفَّر بعضُهم بعضًا، وجعلوا يُفاضلون بين قراءات الصَّحابة، فبلغ ذلك عثمانَ رضي الله عنه، فخطب فقال: "أنتم عندي تَختلفون! فمَن نأى عنِّي من الأمصار أشدُّ اختلافًا"، فجمع الصحابة واستشارَهم، ثم استقرَّ الرأيُ على جمع الناس على مصحفٍ واحد؛ حتَّى لا تكون فُرقةٌ ولا يكونَ اختلاف.

    فنَسخَ القرآنَ وفقَ ما ثبَت مِن الأحرف السبعة في العَرضة الأخيرة، وبعَث مع كلِّ مصحفٍ قارئًا يُقرئ الناسَ وفق ما كُتب في هذه المصاحف، مع العلمِ أنَّها لم تكن مُنقَّطة أو مشكَّلة في ذلك الوقت، وأمر عثمانُ رضي الله عنه بحرق جميعِ المصاحف التي كانت مكتوبةً عند بقيَّة الصحابة؛ حيث إنَّ بعض هذه المصاحف لم يكن كاملًا بسبب النقص في بعض الآيات والسُّور، وبعضها كان في حواشيه كلماتٌ تفسيريَّة قد يحسبُها البعضُ من القرآن.

    وقد كتب عثمانُ رضي الله عنه ستَّة مصاحفَ، وأرسل واحدًا منها إلى مكَّة مع عبدالله بن السائب، وواحدًا إلى الشام مع المغيرةِ بن شهاب، وواحدًا إلى الكوفة مع أبي عبدالرحمن السُّلمي، وآخرَ إلى البصرة مع عامر بن عبدالقيس، وأبقى واحدًا في المدينة مع زيد بن ثابت، وواحدًا لنفسِه.

    وأمَر كلَّ قارئ أن يُقرئ الناس وفقَ مصحفِه، فقرأ أهلُ كلِّ مِصرٍ مُصحفَهم الذي وُجِّهَ إليهم على ما كانوا يَقرؤون قبل وصولِ مصحفِهم إليهم مما يوافق خطَّ المصحف، وسقط العملُ بما يُخالف خطَّ المصحَف، ومن ثَمَّ نشأ الاختلافُ بين قرَّاء الأمصار في قراءة بعضِ الحروف؛ بناءً على كتابتها في المصحفِ أو لا.

    جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه:

    قام أبو بكر بأمر الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وواجهته أحداثٌ جِسام في ارتداد جمهرة العرب، فجهَّز الجيوش وأوقدها لحروب المرتدين، وكانت غزوة أهل اليمامة سنة اثني عشرة للهجرة، تضم عددًا كبيرًا من الصحابة القُرَّاء، فاستُشهد في هذه الغزوة سبعون قارئًا من الصحابة، فهال ذلك عمر بن الخطاب، ودخل على أبي بكر رضي الله عنهما، وأشار عليه بجمع القرآن وكتابته خشيةَ الضياع؛ فإن القتل قد استحرَّ يوم اليمامة بالقُرَّاء.

    "روى البخاري في صحيحه[، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: ((أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر عنده،
    فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرَّ يوم اليمامة بقرَّاء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالمواطن،
    فيذهب كثيرٌ من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن،
    فقلت لعمر: كيف نفعل شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يَزَلْ عمر يراجعني
    حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر،
    قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شابٌّ عاقل لا نتَّهِمُك، وقد كنتَ تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
    فتتبَّعِ القرآن واجمعه، قال زيد: فوالله لو كلَّفوني نقلَ جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن،
    قلت: كيف تفعلان شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير
    ، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، فتتبَّعْتُ القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال،
    حتى وجدت آخر سورة التوبة: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ﴾ [التوبة: 128] مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره، فألحقتها في سورتها فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر".
    "وقد راعى زيد بن ثابت رضي الله عنه نهاية التَّثَبُّتِ، فكان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة،
    وقوله في الحديث: ((ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره))، لا ينافي هذا،
    ولا يعني أنها ليست متواترة، وإنما المراد أنه لم يجدها مكتوبة عند غيره، وكان زيد يحفظها،
    وكان كثير من الصحابة يحفظونها كذلك؛ لأن زيدًا كان يعتمد على الحفظ والكتابة معًاهذه الرواية محفوظة عند كثير منهم، ويشهدون بأنها كُتبت، ولكنها لم توجد مكتوبة إلا عند أبي خزيمة الأنصاري".

    منهج الصحابة الكرام في جمع القرآن الكريم:

    لقد اتبع زيد بن ثابت رضي الله عنه في جمع القرآن الكريم منهجًا قويمًا، وطريقة دقيقة مُحكَمة، وضعها له أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهذا المنهج يعتمد على مصدرين في جمع القرآن الكريم:
    ١- ما كُتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    ٢- ما كان محفوظًا في صدور الصحابة رضي الله عنهم.

    فلم يكتفِ زيد بما حفظه وكتبه هو بنفسه، بل جعل يتتبع ويستقصي ما كان عند غيره، ولم يكن يقبل شيئًا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان على أنه كُتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يعتمد الحفظ وحسب، بل جمع بين المكتوب والمحفوظ زيادة في التوثيق.
    يقول الإمام الزرقاني: "وانتهج زيد في القرآن طريقة دقيقة محكمة وضعها له أبو بكر وعمر، فيها ضمان لحياطة كتاب الله بما يليق به من تثبُّتٍ بالغٍ وحَذَرٍ دقيق، وتحريات شاملة، فلم يكتفِ بما حفظ في قلبه،
    ولا بما كتب بيده، ولا بما سمع بأذنه، بل جعل يتتبع ويستقصي آخذًا على نفسه أن يعتمد في جمعه على مصدرين اثنين؛
    أحدهما: ما كُتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني: ما كان محفوظًا في صدور الرجال، وبلغ من مبالغته في الحيطة والحذر أنه لم يقبل شيئًا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان أنه كُتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم".

    وبهذه الخصائص العظيمة المعتبرة تميز جمعُ أبي بكر الصديق رضي الله عنه للقرآن الكريم؛
    قال علي كرم الله وجهه: "أعظم الناس أجرًا في المصاحف أبو بكر رحمة الله عليه، هو أول من جمع كتاب الله"
    جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه:

    "إن ما يميز السياسة الراشدة نظرها الثاقب الذي يتدبر الأمور، بل الذي يسبق الحوادث قبل وقوعها، كما سجَّلها المؤرخون قديمًا وحديثًا، وهكذا كان عمل أبي بكر والصحابة في جمع المصحف عدة مرات آتت أعظم النتائج في مواجهة ما تطويه الأيام من تغيرات ومفاجآت".

    فقد "اتسعت الفتوحات في زمن عثمان، واستبحر العمران، وتفرق المسلمون في الأمصار والأقطار، ونبتت ناشئة جديدة كانت بحاجة إلى دراسة القرآن، وطال عهد الناس بالرسول والوحي والتنزيل، وكان أهل كل إقليم من أقاليم الإسلام،
    يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة، فأهل الشام يقرؤون بقراءة أبي بن كعب، وأهل الكوفة يقرؤون بقراءة عبدالله بن مسعود، وغيرهم يقرأ بقراءة أبي موسى الأشعري، فكان بينهم اختلاف في حروف الأداء ووجوه القراءة، بطريقة فتحت باب الشقاق والنزاع في قراءة القرآن".

    روى البخاري "عن أنس بن مالك ((أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة،
    فقال لعثمان: أدرِكِ الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف،
    وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما أنزل بلسانهم ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يُحرَق".
    قال الإمام الزركشي في "البرهان": "وأما تعلق الروافض بأن عثمان أحرق المصاحف، فإنه جهلٌ منهم وعمى، فإن هذا من فضائله وعلمه، فإنه أصلح ولمَّ الشعْثَ وكان ذلك واجبًا عليه، ولو تركه لعصى؛ لِما فيه من التضييع وحاشاه من ذلك"؛ قال علي كرم الله وجهه: "لو وليتُ ما ولي عثمان لعملت بالمصاحف ما عمل".

    ثم إن النص الذي كان عند حفصة هو النص المكتوب في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ذاته النص المكتوب في مصحف عثمان رضي الله عنه، فلا يصح الزيادة عليه ولا يصح النقص.
    عن سويد بن غفلة قال: "قال علي رضي الله عنه: لا تقولوا في عثمان إلا خيًرا، فوالله ما فعل الذي فعل في المصحف إلا عن ملأ منا".
    وأقول: إن القراءات العَشْرَ التي يَقرأ بها الناسُ اليوم إنما هي جزءٌ من الأحرف السبعة التي نزَل بها القرآنُ ووافق خطَّ المصحف، وهي متفرِّقة في القرآن في كلِّ قراءة، ولا تَجمعُها روايةٌ ولا قراءةٌ واحدة،
    فإذا قرأ القارئُ بروايةٍ من الروايات فإنما قرَأ ببعضِها لا بكلِّها، وهي منزَّلةٌ من عندِ الله تعالى لا اجتهادَ فيها لجبريل عليه السلام أو النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وليس لأحدٍ من العلماء بعدَه أن يغيِّر شيئًا بزيادةٍ أو نقصانٍ أو إبدال؛
    قال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه فيما رواه أحمدُ وابن حبَّان والحاكم: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرُكم أن تَقرؤوا كما عُلِّمتم.

    وبعد أن كَثُرت الفتوحاتُ الإسلامية، ودخَل كثيرٌ من الأعاجم في الإسلام، واختلط اللسانُ العربي بالعجمي، وفَشا اللَّحن على الألسنة - قام أبو الأسود الدؤليُّ بتنقيط المصحف نِقاطَ الإعراب، فوضَع نقطةً فوق الحرف لتدلَّ على الفتح، ونقطةً أمام الحرف لتدلَّ على الضم، ونقطةً تحت الحرف لتدلَّ على الكسر، ونقطتين لتدلَّ على التنوين، وذلك بمِدادٍ يُخالف لونُه لونَ مِداد المصحف.

    ولما صَعُب على كثيرٍ من المسلمين التمييزُ بين الحروف المتشابهة، طلَب الحجاجُ بن يوسف مِن نَصرِ بن عاصمٍ ويحيى بنِ يَعمر أن يعمَلا على إبعادِ التَّحريف عن ساحةِ القرآن، فوضَعا نقاطَ الإعجام؛ لتمييز الحروفِ المتشابهة رسمًا مِن بعضها بلونِ مِداد المصحف، فالباءُ نقطة واحدة تحت، والتَّاء بالمثنَّاة الفوقية، والثاء بالمثلَّثة الفوقية... وهكذا.

    ثم طوَّر الخليلُ بن أحمد الفراهيديُّ نقاطَ الإعراب إلى حرَكاتِ الإعراب: فجعَل الضمةَ واوًا صغيرة فوقَ الحرف، والفتحةَ ألِفًا صغيرة مبطوحة فوق الحرف، والكسرة ألفًا مبطوحة تحتَ الحرف، والتنوينَ حركتين، والشَّدةَ رأسَ شين، والسكونَ رأسَ خاء، وهكذا تَنامى علمُ مصطلحات ضبطِ المصحف حتى وصل إلى ما هو عليه الآن، مع فَرقٍ بين المشارقة والمغاربة في علامات الضَّبط.

    واستمرَّ أبو عبدالرحمن السُّلَمِي - الذي تلقَّى القرآنَ عن عثمانَ وعليٍّ وأُبيٍّ وابن مسعودٍ رضي الله عنهم - يعلِّم القرآنَ في مسجد الكوفة أربعينَ سنة.

    ثم تجَّرد قومٌ للقراءة والإقراء، واعتنَوا بضبط القراءةِ حتَّى صاروا أئمَّةً يُقتدى بهم في القراءة، وكانوا كثيرينَ في العدد، كثيرينَ في الاختلاف، فأراد الناسُ أن يَقتصروا من القراءات التي تُوافق خطَّ المصحف على ما يَسهُل حِفظُه وتنضَبِط القراءةُ به، فنظروا إلى كلِّ إمام مشهورٍ بالثِّقة والأمانة وحُسنِ الدِّين وكمال العلم، قد طالَ عُمره، واشتهَر أمرُه بالثقة، وقد أجمع أهلُ بلدهم على تلقِّي القراءة منهم بالقَبول، ولتصَدِّيهم للقراءة نُسبت إليهم.

    ومنهم في المدينة: أبو جعفرِ بنُ القَعقاع، ثم شَيبةُ بن نِصَاح، ثم نافعُ بن أبي نُعيم،

    وفي مكَّة: عبدُالله بنُ كثير، وحُميد بن قيسٍ الأعرج، ومحمد بن مُحيصِن،

    وفي الشام: عبدالله بن عامر، ثم يحيى بنُ الحارث الذِّماري وإبراهيمُ بن أبي عَبلَة، ثم شُريح بن يَزيدَ الحضرمي،
    وفي الكوفة: يحيى بن وثَّاب، وعاصمُ بن أبي النَّجود، وسليمانُ بن مِهرانَ الأعمشُ، ثم حَمزةُ الزيَّاتُ، ثم الكِسائيُّ،
    وفي البصرة: عبدالله بن أبي إسحاق، وعيسى بنُ عُمر، وأبو عَمرِو بنُ العلاء، ثم عاصمٌ الجَحدَري، ثم يعقوبُ الحضرمي.

    وهؤلاء قُلٌّ مِن كُثر، ونَزر من بَحر؛ فإنَّ القراء الذين أخَذوا عن التابعين كانوا أُممًا لا تُحصى، وطوائفَ لا تُستقصى،
    والذين أخَذوا عنهم أيضًا أكثَر، وهلمَّ جَرًّا، وفي هذه الفترةِ بدأ التأليف في علم القراءات؛ حيث إنَّ أول من ألَّف في علم القراءات هو يحيى بنُ يَعمر (ت: 90هـ).

    وذهب الكثيرُ من العلماء إلى أنَّ أول من ألَّف فيها هو الإمام أبو عُبيدٍالقاسمُ بن سلاَّم (ت: 224هـ)، ثم أبو حاتم السِّجِستاني (ت: 225هـ)، وبعده أحمدُ بن جُبير بن محمد الكوفي؛ جمَع كتابًا في القراءات الخمسة (ت: 258هـ)، ثم إسماعيلُ بن إسحاقَ المكِّي صاحبُ قالون؛ ألَّف كتابًا في القراءات جمَع فيه قراءةَ عشرينَ إمامًا (ت: 282هـ)،
    ثم ابن جَرير الطَّبري (ت: 310هـ)، وفي هذا الوقتِ كان قد اشتَهر القرَّاءُ الذين نُسِبَت إليهم القراءةُ نسبةَ مُداوَمةٍ وملازَمة واشتِهار، لا اختِراع ورأيٍ واجتهاد.

    وقد كان من أبرز طلاَّب (1) أبي عبدالرحمن السُّلَمي (2) عاصمُ بنُ أبي النَّجود الأسديُّ الكوفي الحنَّاط - أحدُ القراء السبعة - الذي جلَس يُعلِّم الناس بعد أبي عبدالرحمن السلمي،
    وكان مِن أبرز طلاَّبه راوِياه: شُعبة بنُ عيَّاش، و: (3) حَفصُ بن سُليمان بنِ المغيرةِ الكوفي، رَبيبُ عاصم،
    ونحن نَقرأ القرآنَ في مصر  برواية حفصٍ من قراءة عاصم.
    وبعد وفاةِ الرُّواة حلَّ مكانَهم تلاميذُهم، وأخَذوا يُقرئون الناسَ القرآن، وسُمِّي الآخِذُ عن الراوي طريقًا، فالطريق: كلُّ ما أُخِذَ عن الراوي وإن سَفُل.

    ومن أبرَز طلاَّب حفصِ بن سليمان (4) عُبيدُ بن الصبَّاح، وأخذ عنه (5) أحمد بن سهل الأُشْناني، وعنه أخَذ (6) عليُّ بن محمد الهاشمي، وعنه (7) أبو الحسن طاهرُ بنُ عبدالمُنعِم بنِ غَلبون الذي ألَّف كتاب "التذكرة في القراءات الثَّمان"، وعن (8 )أبو عمرٍو عثمانُ بن سعيد الدَّاني مؤلف كتاب "التيسير في القراءات السبع" - وهو من أشهَرِ كُتب القراءات -
    وعنه أخذَ(9) أبو داود سليمانُ بن نجاح الأندلسي، وعنه (10) عليُّ بن محمد بن هُذيل البَلَنْسي، وعنه الإمام (11) أبو محمد القاسمُ بن فِيرُّه الشاطبي، وقد نظم الشاطبي كتاب "التيسير" بقصيدته: "حرز الأماني، ووجه التهاني" المعروفة بالشاطبيَّة، وقد اشتهَر طريقُ الشاطبية عن باقي الطرق، حتى صار أكثرُ طلاَّب العلم لا يَعرفون غيرها - فمُعظم المسلمين اليومَ يَقرؤون القرآن الكريم برواية حفص بن سليمان من قراءة عاصم بن أبي النَّجود من طريق الشاطبية - وعليها ضبط المصحف الشريف.

    وعن الشاطبيِّ أخَذ (12) عليُّ بن شجاع العباسي، وعنه (13) محمد بن أحمد الصَّائغ، وعنه (14) عبدالرحمن بن أحمد البغدادي، وعنه الإمام (15) أبو الخير محمد بن محمد بن الجزَري، وهو من عبَاقرة علم التَّجويد والقراءات، وخاتمة المحقِّقين، وكلُّ مَن جاء بعدَه عالةٌ عليه في هذا العلم، وقد قام بتأليف عدَّة كتب ومنظومات في القراءات والتجويد، اعتمد العلماءُ عليها إلى عصرنا هذا، ومنها منظومةُ المقدِّمة في علم التجويد، ومنها أيضًا: كتاب "النشر في القراءات العشر" الذي نظمه في منظومتِه "طيِّبة النشر"، وإليها تُنسب طريقُ الطيبة.

    وأخذ عن ابن الجزَريِّ الشيخُ (16) أحمد بن أسد بن عبدالواحد الأميوطي، وعنه الشيخ (17) محمد بن إبراهيم بن أحمد السمديسي، وعنه الشيخ (18) عليُّ بن محمد بن علي بن خليل بن غانم الخزرجي المقدسي، وعنه الشيخ (19) عبدالرحمن شحاذة اليمني، وعنه الشيخ (20) محمد قاسم البقري، وعنه الشيخ (21) أبو السماح أحمد بن رجب بن محمد البقري، وعنه الشيخ (22) عبدالرحمن بن حسن بن عمر الأجهوري، وعنه الشيخ (23) إبراهيم بن عامر بن عليٍّ العَبِيدي، وعنه الشيخ (24) عليٌّ الحداد الأزهري، وعنه شيخ قُرَّاء دسوق الشيخ (25) عبدالله بن عبدالعظيم الدُّسوقي، وعنه الشيخ المقرئ المعمَّر (26) الفاضلي بن علي أبو ليلة الدُّسوقي، وعنه الشيخ (27) مِصباح إبراهيم الدسوقي، الذي أجازَني برواية حفص بن سليمان من قراءة عاصم بن أبي النَّجود من طريق الشاطبية.

    وعلى هذا؛ يكون بينه وبين ابن الجزريِّ رحمه الله اثنا عشَر رجلاً، وهذا ثاني أعلى سند في العالم، وأما أعلى سند في العالم، فهو سندُ شيخنا مصباح، وباقي تلاميذ الشيخ الفاضليِّ الأحياء، وكذلك الشيخ بكري بن عبدالمجيد الطرابيشي الدِّمشقي في السبع من طريق الشاطبية.

    وعلى ذلك يكون بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ثمانيةٌ وعشرون رجلاً، وهذه نعمةٌ جليلة أسأل الله تعالى أن يرزُقَني حسنَ شكرها، إن ربِّي على كل شيء قدير، وهو سبحانه بالإجابة جدير، وهو حسبي ونِعم الوكيل.

    ممن قرأ على العبيدي أيضًا الشيخ أحمد بن محمد، المعروف بسلمونة، وقرأ عليه الشيخ أحمد الدري التهامي، وقرأ على التهاميِّ كلٌّ من الشيخ حسن بن بدير الجريسي الكبير، وشيخ القراء محمد بن أحمد المتولي، وعن المتولي أخذ صِهرُه حسن بن يحيى الكتبي، والشيخ عبدالرحمن الخطيب، الشهير بالشعار، وعنهما أخذ شيخ القراء الشيخ علي بن محمد، الشهير بالضبَّاع، وعنه أخذ شيخُنا عبدالفتاح مدكور الذي أجازني برواية حفصٍ بقَصر وتوَسُّط المد المنفصِل من طريق الشاطبية والطيبة.
    وعن الجريسي الكبير أخَذ الشيخ عثمان بن سليمان مراد، مؤلِّف السلسبيل، وعنه شيخنا عبدالفتاح مدكور.
    كما أخذ عن المتولي الشيخ شمروخ بن محمد شمروخ، وعنه أخذ الشيخ الدكتور عبدالباسط حامد، الشهير بـ: عبدالباسط هاشم، وعنه شيخنا الخطيب، الذي أجازني برواية حفصٍ بقَصر وتوسُّط المد المنفصل من طريق الشاطبية والطيبة، وأجازني أيضًا برواية الإمام شُعبة، وقد أجازني الشيخ مصباح إبراهيم - بسنده العالي - برواية الإمام شُعبة كذلك، فحفظهم الله جميعًا، ورَحِم من توفَّاه، ورَضي عن الكل.
    -----------------
    اللهم أنفعنا بالقرآن وعلومه وأجعلنا من الحافظين والتالين له
    وأجعله يا رب شفيعاً لنا يوم القيامه يتقدمنا إلي جنات النعيم
    اللهم آآآمين
    ----------
    لا تنسونا من صالح عائكم
    _____  . ____
    ولو كان في العمر بقيه سنكمل الموضوع إذا أذن الله



    عدل سابقا من قبل sadekalnour في الخميس مارس 24, 2022 1:45 pm عدل 1 مرات
    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود مراحل جمع القرآن الكريم

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين مارس 21, 2022 8:28 pm


    مراحل جمع القرآن الكريم

    مراحل جمع القرآن الكريم القرآن الكريم

    نعمة الله تعالى على عباده، نزل به الروح الأمين، على قلب النّبيّ محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- ليكون للعالمين هاديًا ونذيرًا،

    وكان حلقة الوصل بين العباد ومعبودهم، وقد نزل القرآن الكريم من عند الله سبحانه وتعالى على قلب رسوله مفرّقًا وعلى فترات

    متقطّعة، ولم ينزل عليه جملة واحدة، وذلك لحِكَم متعدّدة أرادها الله سبحانه تعالى لعباده،

    ولذلك لم يستطع الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- أن يجمع القرآن في مصحف واحد،

    وإنّما كانت مراحل جمع القرآن الكريم ثلاثة مراحل، وهي:

    كتابة القرآن الكريم في عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم

    لم يكتف الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- بحفظ القرآن الكريم، وتعليم أصحابه على تلاوته، وحثّهم على مدارسته وتدريسه،

    بل جمع إلى ذلك الأمر بكتابته في السّطور، فكان كلّما نزل الرّوح الأمين، دعا كتّاب الوحي، ليملي عليهم ما سمعه منه،

    فيكتبونه، فالقرآن الكريم إذًا كان يكتب بأمره -صلّى الله عليه وسلّم-، والدّليل على ذلك، قول الله تعالى: {رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو

    صُحُفاً مُّطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ}،
    الصّحف جمع صحيفة، وهي ظرف للمكتوب،

    كما قال الفخر الرّازي في تفسيره للآية ودليل آخر على أنّ القرآن الكريم كان مكتوبًا في عهد النّبيّ -صلى الله عليه وسلّم-

    قوله: " لا تكتبوا عنّي شيئًا إلّا القرآنَ ، فمن كتب عنّي غيرَ القرآنِ فلْيمحه".فهذا الحديث

    يدلّ على أنّه كان مسموحًا للصّحابة بكتابة القرآن الكريم، بينما غيره فلا، ولم يتمّ جمع القرآن الكريم في عهده -صلى الله عليه

    وسلّم- بسبب ترقّبه لتتابع نزول الوحي، لأنّه كان يتنزّل عليه على فترات متقطّعة، وبآيات من سور متنوّعة، ولم يكن ترتيب

    السّور على حسب النّزول، وكذلك المدّة التي توقّف فيها الوحي ووفاته -صلى الله عليه وسلّم- كانت قصيرة جدًّا، فلم يوجد من

    دواعٍ للجمع في عهده، كما أصبحت ملحّة في عهد أبي بكر الصّدّيق.

    جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصّديق رضي الله عنه:

    بعد تولّي أبي بكر الصدّيق -رضي الله عنه- الخلافة ومحاربته للمرتدّين عن الإسلام في اليمامة، ولمن امتنعوا عن دفع الزكاة،

    قتل من الصّحابة عدد غفير، ومن بينهم حفّاظ لكتاب الله تعالى، فأجمع الصّحابة أمرهم على جمع القرآن الكريم في مكان واحد،

    وهذا ما سمّي بالجمع الأوّل، فكلّف أبو بكرالصّديق زيد بن ثابت -رضي الله عنهما- بمهمة الجمع، لأنّه شاب عاقل، ولا يتّهم في

    شيء من خلقه أو دينه، وكان كاتبًا للوحي في عهد النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فيقول زيد: "وَاللَّهِ لو كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ

    الجِبَالِ ما كانَ أثْقَلَ عَلَيَّ ممَّا أمَرَنِي به مِن جَمْعِ القُرْآنِ".
    وبدأ زيد -رضي الله عنه- تتبّع القرآن،يجمعه من العسب

    واللّخاف وصدور الرجال، فأودعت الصّحف التي جمعها زيد في مصحف واحد عند أبي بكر -رضي الله عنه- حتّى توفاه الله،

    ثمّ نقل إلى بيت عمر بن الخطّاب، وبعد وفاته نقل إلى بيت حفصة -رضي الله عنهم أجمعين- فكانت هذه المرحلة الثّانية من مراحل جمع القرآن الكريم-

    جمع القرآن الكريم في عهد عثمان بن عفّان رضي الله عنه

    عندما جمع أبو بكر الصّدّيق -رضي الله عنه- القرآن الكريم، كانت غايته كتابة الآيات والسّور مرتّبة في مصحف واحد،

    ولم تكن غايته إتلاف المصاحف الموجودة مع عدد من الصّحابة، والتي فيها تفاسير وأدعية ومأثورات، وهم يعلمون أنّها ليست

    من القرآن، ولكن يخشى أن تختلط بكلام الله مع مرور الزّمن،

    ولكن في عهد عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- وفي الفتوحات والغزوات على وجه الخصوص وقعت هناك خلافات بين

    المسلمين بسبب اختلافهم في وجوه القراءات بينهم، حتّى وصل الأمر ببعضهم الكفر بقراءة الآخر. وعندما وصل الأمر إلى الخليفة

    عثمان -رضي الله عنه- جمع أعلام الصّحابة، واستشارهم في الأمر، فأجمعوا على أن يطلب من حفصة بأن ترسل إليه

    بالمصحف، لينسخه نسخًا عديدة وعلى حرف واحد، ويوزعها على الأمصار والأقطار، لتكون المرجع الرئيسي لهم، وإتلاف ما

    سواها درءًا للفتنة والخلاف. وكان له ذلك ثم أعاد المصحف إلى حفصة -رضي الله عنها- فسمي هذا المصحف بمصحف عثمان!

    نسبة إلى عثمان بن عفّان رضي الله عنه. فكانت هذه المرحلة الثّانية من مراحل جمع القرآن الكريم.

    من اختير لجمع القرآن الكريم في عهوده الثلاثة؟

    اختار الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- كتّابًا للوحي كان يدعوهم كلّما نزل الوحي، وهم: الخلفاء الرّاشدين الأربعة، ومعاوية بن

    أبي سفيان، وزيد بن ثابت، وثابت بن قيس، وخالد بن الوليد، وأبيّ بن كعب
    -رضي الله عنهم-،

    ويأمرهم بكتابة ما يتلوه عليهم من القرآن الكريم، وكان الكثير قد حفظ كلّ ما نزل من القرآن الكريم عن ظهر قلب، فسمّوا

    بالحفظة، فأصبح القرآن الكريم في عهد النّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- في الصّدور وعلى السطور.

    وفي عهد خليفة رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه وبعد أن أقنعه عمر بن الخطّاب -رضي الله

    عنهما- بجمع القرآن الكريم، فأقنع أبو بكر زيد بن ثابت بتتبّع القرآن وجمعه، قال زيد: قلت لعمر:" كيفَ تَفْعَلُ شيئًا لَمْ يَفْعَلْهُ

    رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قالَ عُمَرُ: هذا واللَّهِ خَيْرٌ"، وقام بالمهمّة على أكمل وجه.

    وفي عهد الخليفة عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- قام بإحضار المصحف الذي أودع لدى حفصة -رضي الله عنها- وشكّل لجنة

    من الصّحابة: زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزّبير وعبد الرّحمن بن الحارث بن هشام، وأمرهم بنسخه في مصحف واحد وعلى حرف واحد ونسخه عشرات النسخ، وتوزيعها على الأمصار، لتكون مرجعًا لهم ، دفعًا للخلاف الذي ظهر بسبب وجوه القراءات.

    الفرق بين جمع أبي بكر وبين جمع عثمان للقرآن الكريم

    كما تقدّم، لقد مرّ القرآن الكريم بثلاثة مراحل من مراحل جمع القرآن الكريم، من كتابته وحفظه في عهد رسول الله -صلّى الله

    عليه وسلّم-إلى جمعه وإيداعه في بيت أبي بكر الصّدّيق-رضي الله عنه- في خلافته

    ثمّ نقل إلى بيت عمر بن الخطّاب –رضي الله عنه- وبعد موته نقل إلى بيت حفصة –رضي الله عنها-

    وفي خلافة عثمان بن عفّان –رضي الله عنه- نسخ المصحف الذي كان في بيت حفصة على حرف واحد، ووزع على الأمصار.

    وكان هنالك فرق بين الباعث لجمع القرآن الكريم، وفرق في كيفيّة جمعه:

    فالباعث على جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصّدّيق –رضي الله عنه- كان خشية ضياع شيء من القرآن الكريم

    بموت حفظته، وتلف أو ضياع شيء ممّا كتب عليه القرآن الكريم،

    أمّا الباعث على الجمع في عهد عثمان بن عفّان –رضي الله عنه- فهو ما وقع من خلافات بين المسلمين في وجوه قراءة القرآن

    الكريم وخوف الفتنة وشقّ الصّفّ بين المسلمين. كان عمل أبي بكر الصدّيق -رضي الله عنه- في جمعه للقرآن الكريم متوقفًا

    على جمع ما تفرّق من صحف القرآن الكريم، والتي هي عبارة عن العسب والأكتاف والرّقاع وغير ذلك في مصحف واحد مرتّبًا

    فيه الآيات والسّور، بينما في عهد عثمان -رضي الله عنه- جلب المصحف الذي جمع في عهد أبي بكر،

    وكان قد أودع في بيت حفصة بعد وفاة أبيها -رضي الله عنهما- ونسخه على حرف واحد، ليدرأ الخلاف بين المسلمين في وجوه

    القراءات، ثمّ نسخه نسخًا عديدة، وأرسل بها إلى الأمصار والأقطار، لتكون مرجعًا لهم، وأحرق ما سواها من صحف، بالاتّفاق

    مع الصّحابة الكرام.

    مصير المصاحف بعد ذلك:

    المصحف الذي تمّ تجميعه ونسخه في عهد أبي بكر، أعاده عثمان إلى حفصة -رضي الله عنهما- بعدما نسخه مئات النّسخ،

    وبعدما توفيت حفصة، قام أخوها بإتلاف المصحف، لأنه طلبه منه مروان من الحكم، فخوفًا من إثارة أمور خلافية حول الأحرف

    السّبعة والقراءات، فقام بإتلافه.

    وفي عهد عثمان نسخ المصحف المعتمد ملايين النّسخ، ولم يعرف بعد ذلك ماذا حلّ بتلك النّسخ. ولابدّ من التأكيد على أنّ الأصل

    في الحفاظ على القرآن الكريم، هو حفظه في الصّدور، ونقله شفويًّا بالتّواتر، ولكن استخدمت الكتابة لزيادة التّوثيق،

    وما ذلك إلّا تحقيقًا لوعد الله -عزّ وجلّ- في حفظ القرآن الكريم من أيّ زيادة أونقصان، أوتحريف:

    {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.

    أهميّة القرآن الكريم في حياة المسلم


    القرآن الكريم هو الكتاب الخالد والدّستور الشّامل لهذه الأمّة، ففيه نجد القيم السامية، والمثل العالية،

    والموازين العادلة، والقواعد الرّاسخة، والتّصوّرات الرّاشدة، وغير ذلك ممّا جعله كتابًا شاملًا محكمًا، يخاطب الإنسان والزّمان

    والمكان، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

    ومن قيم القرآن الكريم في حياة الفرد المسلم:

    تعريف الإنسان بغاية وجوده.
    تعريف الإنسان بذاته.
    بيان الحلال والحرام.

    معرفة سنن الإصلاح والتّغيير.
    بيان طريق المؤمن الصّحيح.
    أخذ العبرة والعظة من قصص الأمم السّابقة.
    تربية العقل على التدبّر.
    تنمية القلب باتّأثير.
    تنمية السّلوك بالتّغيير.
    إنذار الإنسان وإقامة الحجّة عليه.

    --------------------------------
    ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود سحر القرآن وأثره في النفوس

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين مارس 21, 2022 9:06 pm



    سحر القرآن وأثره في النفوس


    للقرآن روحانيةٌ خاصة، وسلطان قوي، وتأثير غير منكور،

    وتَقشَعِرُّ منه جلود الذين يَخشَون ربهم، ثم تَلِين جلودُهم وقلوبهم إلى ذكر الله.

    ولقد صح أن عمر - رضي الله عنه - قبل أن يُسلِم - جاء إلى أخته يُرِيد الفتكَ بها وبزوجها؛ لأنهما آمَنَا بمحمد - صلى الله عليه

    وسلم - ومالاَ عن دين الأشياخ، وكفَرا بالأصنام، وانسلخا عن عبادة الأوثان، وبعد مشادَّة بينها وبينه، وبينه وبين زوجها كذلك،

    طلب منهما أن يأخذ ما عندهما من آيات الله؛ ليرى إلى أي مدى افتتنا بها، وحولتْهما عن اللات والعُزَّى ومناة الثالثة الأخرى،

    وهنالك يَأبَيَان عليه ذلك، وقالت له أخته: أنت نجس بكفرك الذي أنت عليه، ولا يرضى الله - سبحانه وتعالى - أن يمسه إلا

    المطهَّرون، فرغب إليهما أن يسمع منه شيئًا، فأسمَعه زوجُ أخته من أول سورة طه، حتى وصل إلى قوله - جل شأنه

    ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى ﴾ [طه: 14 - 16]،

    وحينئذٍ تطامن جامحه، ولان شاقُّه، وهدأت ثورته، وذهب غضبه، وسكن هادره، وسكت غليانه، وشعر كأن المصير المحتوم

    يهدده، والنار تفتح فاها لتلتهمه، وأنه مُقبِل على يوم ﴿ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا ﴾

    [الدخان: 41]، وأخذ وجهه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليُعلِن إليه إسلامه، ويضع في يديه زمامه، وليقول بين يديه كلمة التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله.



    وقال المؤرخون: إن الكفار الذين اشتهروا بالصد عن الإسلام، والكيد له، لم يستطيعوا صرف نفوسهم من حوله،

    ولا نسيانَ قلوبهم له، ولا إخفاء إعجابهم به، ولا شغْلَ هواجسهم بغيره، ولا تعليق أفئدتهم بسواه،

    وكانوا يتعاهدون على ألا يحضروا مجلسه، ولا يملؤوا منه أسماعهم، ولا يتركوه ليغزوَ ضمائرهم وأفئدتهم:

    ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ [فصلت: 26]؛

    إلا إنهم كانوا يحنثون من قريب، ويتسللون في جنح الظلام للاستماع إليه، ويختلس كل منهم الفرصةَ المواتية لإمتاع خاطره

    بعذب بيانه، وروعة جرسه، وجمال منطقه، وخلابة معناه، وبلاغة ألفاظه، فإن رآه أخوه، أو عاتبه صديقه، احتال له الحيل،

    والْتمس المعاذير، وأقسم له غليظ الأيمان أنه لا يعود، ثم لا يلبث بعد ذلك كله حتى يرتِّب للحنث أسبابَه، ولنكث العهد ما يبرره.

    مندوب قريش يفاوض الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -:


    أما عُتْبَة بن رَبِيعة، فقد بعثه جماعة من قريش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان حلوَ الحديث، بليغَ المنطق، قويَّ الحجة،

    عذبَ البيان، فصيحَ الكلام، وكانت ترجو تلك الجماعةُ أن يحاجَّ القرآن، أو يلحق به بعض الشنآن، أو يُحِيط به رِيبة، أو ينسب

    إليه عيبًا، فلما استمع إلى ﴿ حم ﴾ السجدة، ودوت في أذنه الآية: ﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ﴾

    [فصلت: 13]؛ دارت به الأرض الفضاء، وانتفض انتفاضة انخلعتْ منها نفسُه، واهتز لها قلبُه، وتهدم كيانُه، ومال بنيانُه،

    وغاب وعيُه وإدراكه، وأيقن أن قيامته قد قامت، فقال له عثمان بن مظعون: لتعلموا أنه من عند الله.

    وكان الوليد بن المغيرة، سيد قومه، مطاعًا في أهله، غنيًّا في عشيرته، محظيًّا بين أَتْرَابه، ذا جاهٍ ونفوذ دون أصحابه،

    وقد تسلل إلى المسجد فسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا من القرآن، ولما رجع إلى أهل بيته وغيرهم من العرب،

    لم يشأ أن يكتم عنهم إعجابَه به، وإكبارَه لنظمه، وتقديرَه لبلاغته، ودهَشَه لبيانه، وذهولَه لمتانة بنيانه، وقوةِ تماسكه، وبراعةِ

    معانيه، ثم صدرت عنه هذه الشهادةُ المشهورة: "فإن له لحلاوة، وإن عليه لطَلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمُغْدِق، وإنه يعلو ولا يُعْلَى عليه، ولا يقول هذا بشر".

    وفي تلك الآونة أحس صناديدُ الشرك أن الخطر يتهدَّدهم، وأن الخزي سيحلُّ بهم، وأن العار يجلل وجوههم،

    وأن هذه الكلمة التي أرسلها الوليدُ ستصيبهم بمثل الصاروخ الموجه، فتوسلوا إليه أن يلطف من شأن هذا التصريح بتعقيب آخر،

    أو مذكرة تفسيرية؛ رجاء ألا يكون هذا الدَّوِي الذي يوهي عزائمَهم، ويوقف غليانهم، أو يطفئ نيرانهم، ويجعلهم لدى محمد -

    صلى الله عليه وسلم - أشبه بأسرى الحرب، فقال الوليد: إنه سحر يفرِّق بين الولد وأبيه، والرجل وذويه،

    وقد نزلت فيه الآيات: ﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ

    أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودً * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ *

    ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ﴾
    [المدثر: 11 - 25].
    وكان أبو بكر - رضي الله عنه - يقرأ القرآن، فينهال عليه الرجال والنساء والغلمان، يُصْغُون إليه في شَغَف،

    ويسمعون إليه في لهف، ويحسون بالأثر العميقِ يعتلج في نفوسهم، من جرَّاء هذا الذي سمعوه، وربما حملهم حملاً على التفكير

    في هذا الحدث الذي أحدثه محمد - صلى الله عليه وسلم - والدراسة الجادة لهذا الأمر الذي يدعو إليه،

    ثم ينتهي بهم المطاف إلى الإيمان به، والإذعان لدعوته، وكان لهذا الصنيع أثرٌ رهيب عند قريش،

    خافت منه على مركزها أن يزول، وعلى جاهها أن ينتهي.

    فضيَّقتْ على أبي بكر الخناق، وحملته على أن يغادر مكة، ولم يجد هو أمام ذلك العسف إلا أن يهاجر -

    كما كان المسلمون يفعلون في مثل هذه الظروف - وفي هذا الوقت لقِيَه عظيم من عظماء المشركين، فلما عَرَف قصده،

    وأدرك غايته، حلف ألا يفعل، وأخذه من يده وطاف به على المنتديات والمجالس،

    وقال لهم: مثل هذا الرجل لا يَخْرُج ولا يُخرَج، وهو الذي يحمل الكلَّ، ويُقرِي الضيف، ويَكسِب المعدوم، ويُعِين على نوائب

    الزمن، وليُبلِغ شاهدُكم الغائبَ، أنه منذ هذه اللحظة أصبح في جواري؛ مَن آذاه أو اعتدى عليه، كنت أنا خصمه الذي يرد عليه الكيل، ويريه منه الويل.
    ورجع أبو بكر، واتخذ له مسجدًا في داخل داره، يؤدِّي فيه الفرائض الخمس ويقرأ القرآن، وكان في هذا الرجوعِ أملٌ عاود أهلَ

    مكة، الذين كانوا يتعلَّقون به، والذين تعودوا أن يستمعوا منه القرآن، وكأنما عادت لهم الفتنةُ جذعةً، فتنبهت قريش إلى الخطر الذي

    يلاحقها، والغزو الذي يقتحم عليها قلوبها، ولم يسعهم إلا أن يذهبوا إلى ابن الدُّغُنَّة؛ ليسحب منه هذا الجوار الذي كان يحميه من

    عدوانهم، وقد راع ابن الدُّغُنَّة أن أبا بكر يستقبل هذه الرغبة بالارتياح، وراعه كذلك أنه يردف هذا

    بقوله له: لا حاجة بي إلى جوارك، وأنا في جوار الله الذي له ملك السموات والأرض.

    القرآن الكريم وأثره في الجن:

    وهذا هو القرآن نفسه يعلن أنه كان يعمل عمله في الجن، ويستولي على جماحهم الشاردة، ونفارهم المتمكن، فلا يسعهم -

    وقد اخترق حجابَ آذانهم - إلا أن يقولوا لإخوانهم: ﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾ [الجن: 1، 2].

    وقد جاء في الحديث الشريف أن الملائكة كانت تسمع، وبها إليه هزة، ولديها به ولوع، وعندها له هيام، تجتمع له مواكبها

    المتزاحمة، تروع بكثرتها من يشهد جحافلها المتراصة، وسوادها المؤتلف،

    والبخاري يروي عن أُسَيد بن حُضَير - رضي الله عنه - قال: بَيْنَا هو يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسه مربوطة عنده، إذ

    جالت الفرس، فسكت فسكتت، فقرأ فجالت الفرس، فسكت وسكتت الفرس، ثم قرأ فجالت الفرس فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبًا

    منها، فأشفق أن تصيبه، فلما اجتره، رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدَّث النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك،

    فقال له: ((اقرأ يا بن حضير))، قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى، وكان منها قريبًا، فرفعت رأسي فانصرفت إليه،

    فإذا مثل الظُّلَّة، فيها أمثال المصابيح، فخرجتْ حتى لا أراها، قال: ((وتدري ما ذاك؟))، قلت: لا،

    قال: ((تلك الملائكة دنتْ لصوتك، ولو قرأتَ لأصبحتْ ينظر الناس إليها، لا تتوارى منهم)).
    وهذا الحديث على افتراض أنه حديث شعري - نقول هذا على سبيل الجدل للمعاندين - لما للقرآن من هيل وهيلمان،

    وأثر وسلطان، وهزة عنيفة، أو ارتياح لطيف، وتحريك للوجدانيات حتى عند الحيوانات، مثل فرس ابن حضير؛ فإنه اعتراف

    بمبدأ واحد نحن نقول به لمن يماري في المزية القرآنية، التي ندعيها لهذا الكتاب، الذي كان من خصائصه هذا الفعل، ومن آثاره ذلك التوجيه، ومن عناية الله به ذلك القبول.

    وحين نقول: إنه يسري في النفوس مسرى العافية في الأجسام، لتحيل خمودها إلى نشاط، ومللها إلى انتعاش، وسكونها إلى حركة،

    لا نقول هذا القول مبالغين ولا متزيدين، ولا واهمين أو كاذبين؛ لأننا ندعمه بهذا الذي قدمناه من أسانيد، ونؤيده بتلك الشواهد،

    ثم ندعو هؤلاء الجاحدين أن يقلِّبوا أي صفحاته شاؤوا؛ ليروا إلى أي حد هو ﴿ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ ﴾ [آل عمران: 7]،

    وإلى أي حد هو: ﴿ مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ﴾ [الزمر: 23]،

    ولولا أن فيه هذه المزايا ما فتح الله به تلك القلوبَ الغُلف، والبصائر العُمي، والآذان الصُّم، ولا نقل به العرب من ذات الصدع إلى ذات الرجع، في هذا الزمن الوجيز.

    أسلوب القرآن:

    نزل القرآن على العرب بلسانهم العربي، وبيانهم الأدبي، وبأسلوبهم الذي كانوا يستعملونه في الحوار، ويأخذون به في الحِجَاج،

    وعلى طريقتهم التي كانوا يسلكونها في الخطاب، فلم يكن بِدعًا من القول، ولا شاذًّا في الحروف والكلمات، أو النسج والتأليف،

    ولا جديدًا في المفردات والتراكيب؛ لتكون الحجةُ ألزمَ، والإفحام أوجبَ، والخضوع له من أوجب الواجبات:

    ﴿ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾
    [النساء: 165].

    وكان من المعروف أن العرب يقدسون الشعر، ويحترمون القصيدة، ويحتفلون بهذا النوع من الكلام الموزون المقفَّى، ويقيمون له

    الأسواق، ويختارون هنالك المحكِّمين، الذين يرفعون بشهادتهم الشاعرَ إلى الجوزاء، ويجعلون أهله يطاولون به، ويختالون بما

    نالهم من مجد شامخ، وعظم باذخ، وسُؤْدُد لا يلحقهم فيه أحد من أهل الأرض، على الطول والعرض،

    ويقول ابن رَشِيق القيرواني في كتابه "العمدة": إنهم ما كانوا يهنِّئون إلا بفرس تنتج، أو شاعر يولد.

    وكان للعرب إلى جنب الشعر: الخطابة، والحكم والأمثال، والكلام الذي يرسلونه إرسالاً على نمط الكتابة، وكان منه المسجوع

    الذي يجيء على ألسنة الكهَّان، وهو ألفاظ متكلَّفة، وجمل ثقيلة، وعبارات هزيلة، وكلام يشبه رقى الجن،

    فلما أمعنوا النظر في القرآن، ورأوا أنه بحروفهم التي يؤلفون منها، وألفاظهم التي يتخاطبون بها، وأسلوبهم الذي اعتادوا عليه،

    ظنوا - ولأول وهلة - أنه لا يسمو على مستواهم، ولا يرتفع عن هذا الأفقِ الذي انتهى إليه قُسُّ بن ساعدة الإيادي،

    وسحبان وائل، أو عنترة، وامرئ القيس، ولكن ظنهم هذا طار مع الريح بعد أن تيقنوا أنه مع ما هو عليه لا يستطيعون أن يأتوا

    بمثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا، فهل أحدث القرآن جديدًا في الأساليب من حق الكاتب أن يزيدها في ألوان البيان،

    وحصائد اللسان؟ وإنه جدير أن يسمَّى في تاريخ الأدب، أو في علوم البلاغة: "أسلوب القرآن".

    والباحثون في الأدب وصلوا في نهاية البحث عن الأساليب إلى أن للقرآن - وحده - أسلوبًا انفرد به،

    وإذا كان للشعر أوزانه التي يعتمد عليها في خلق الموسيقا التي يطرب لها السامع، وخياله الذي يسبح فيها، وصوره

    التي يخدع بها، وألوانه المتعددة التي تجعل المخاطبَ أسيرًا للمتكلم، لا يخرج عن سلطانه، ولا يتجاوز مناطق نفوذه،

    وللخطابة - كذلك - سحرها الخلاَّب، وقهرها الغلاب؛ فإن القرآن الكريم مع تفاديه بداءةَ الشعر، وجفافَ مَعِين القول،

    وثقلَ منطق الخطابة، قد جاء بكلام له نفح الزهر، وخلابة السحر، وقوةُ المنطق، وجمال الروض، وروعةُ الندى، وموسيقا

    البلابل، وسلطانُ القضاء، وحكم القدر، وكان تعبيره من السهولة والوضوح، والسلاسةِ والرقة، والخفةِ والحسن،

    بحيث لا يَمَلُّه قارئ، ولا يبغضه سامع، ومع هذا كله لم يكن شعرًا ولا خطبة، ولا سجع كهان، ولا على نمط ما يرسلونه، وهنالك ضل صوابُهم فيه، وحار ذهنهم معه، ودهشت له عقولُهم وأفكارهم، وتقوَّلوا كل قول كاذب، ووهم خائب.

    واذا كان المشتغلون بتاريخ الأدب قد قسَّموا النثر إلى أدبي وعلمي، وقد جاء فيه أمثلة لهذا وهذا؛ فإننا لا يَعنِينا أن نذهب مذهبهم،

    ولا أن نجريَ على طريقتهم؛ وإنما يَعنِينا أن نعرض لأثر من آثار القرآن كانت له روعته البالغة، ذلك هو غزوُه للشعر وإرغامه

    له، وتعاليه عليه بما جاء به من ألوان كانت جديدة على الناس، وكان لا بد أن تهزهم هزًّا عنيفًا، وأن تشغل بالَهم إلى حد أن

    يحتقروا الشعر الذي تخلف بيانُه، وكبا به جواده، وضاق عَطَنُه، وقد زاحمه في كل سبيل، وغلَبَه في كل ميدان.

    فمن حديثه في الوصف قوله - سبحانه - في تصوير خيبة آمال الكفار يوم القيامة، وقد ظنوا أنهم قدموا - في الدنيا -

    من الأعمال ما يحميهم من عذاب الله في يوم الجزاء، وأن هذه لا تعدو أن تكون: ﴿ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ

    يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ
    ﴾ [النور: 39]،

    وهي - كما ترى - صورة تمَّتْ لها أسبابُ الروعة، ووسائل الحُسن، تتحدث عن إنسان في مفازة قاحلة، بعيدةٍ عن العمران،

    يجوبها هذا الظامئ؛ طلبًا للماء، يبدو له على البُعد ما يشبهه، فيدفعه الظمأ الشديد للإقبال عليه، مستهينًا بالتعب الذي يلاقيه،

    والنَّصَب الذي يكده ويهده، ولكنه بعد الأَيْن والإعياء، يتكشف له الحال، وتظهر له خيبة الأمل؛ إذ لم يجده شيئًا، وهو وصف رائع،

    ورسم دقيق، زاد في روعته وحسن تصويره، ذلك الترقي في جانب الكافر أنه مع هذا العمر الذي قطعه، والأيام التي أمضاها،

    والأمل الخائب، والرجاء الكاذب، والعناء في غير جدوى، ستكون خسارته مزدوجة ﴿ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ﴾ [النور: 39].

    تهديد المنفاقين:

    ومن حديثه في التهديد: ﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا

    تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ *

    فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ

    فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ * وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ *

    وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾
    [التوبة: 81 - 85].

    فهو يتهدَّدهم بنار جهنم، التي هي المصير المنتظر، ولئن كانوا يسخرون من المؤمنين أو يضحكون، فسوف يكون بكاؤهم أكثرَ،

    ودمعُهم أغزرَ، وأسفهم شديدًا، ومثل هؤلاء لا يخرجون للقتال؛ لأنهم عناصر هزيمة، وجرثومة فساد،

    وليس من حق الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يصلِّي على موتاهم، أو يزور قبورهم، أو يطلب لهم الرحمة من الله،

    ولئن كانوا في غنى عن المال، وكثرةٍ من الأولاد؛ فإن ذلك ابتلاء من الله لهم في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب عظيم،

    وما أظن أحدًا يرتسم له مستقبله بتلك الخطوط، يكون له أمل في يومه، ولا رجاء في غده، أو تماسُكٌ في قواه، أو ترابُطٌ في مفاصله.

    وهكذا كان القرآن في كل الأبواب التي طرقها الشعر، حتى في أبواب الملاحم والمعارك، ولا تعدم إذا تطلبتَ الشواهدَ لذلك كله أن تجدها فيه، وإنما يزيد أن نقول: إن له أسلوبه الذي يتميز به؛ من الدقة، والتماسك، والروعة، والجمال، والحسن.

    وهو - في الأصل - كتاب تشريع وهداية، وتهذيب وإصلاح،

    ودعوة إلى الإيمان بالله وتوحيده بالإجلال والتقدير، والعبادة والتعظيم، وانتشال البشرية من الجهل والتخلف،

    ومثله - وهو صاحب رسالة خاصة - ما كان ينتظر منه إلا أن يكون جافَّ المَعِين، غليظَ الديباجة، خَشِن الخطاب، جامدَ الأدب، تُحِيط بمن يرتبط به الملالةُ والنفور، والقلق والاضطراب، ولكنك لا تجده إلا على العكس من ذلك كله، يُشِيع في نفسك البهجةَ والسرور، والغبطةَ والارتياح، والشوقَ والترقب، والأملَ والتطلع.

    ولئن كان أحسن ما انتهى إليه الناسُ في النثر الأدبي، أن يكون مرسلاً من القيود، خاليًا من الصنعة، بعيدًا عن التكلف،

    حرًّا مما يُثقله من الالتزامات البغيضة، وأن يكون كابن المقفَّع في العصر العباسي، أو المنفلوطي في العصر الحاضر -

    فإن له منهجًا غريبًا في أسلوبه، يجيء بالفواصل حتى تظنه يلتزم بها، ثم تراه يتركها، وينوِّع تلك الفواصل طولاً وقصرًا،

    كما ينوع الحرف الذي تنتهي به الفاصلة، وتجيء الآيات منه طويلة وقصيرة كذلك.

    ونحن إذا ذهبنا نتقصَّى كلَّ هذه الخصائص، أجهدَنا السيرُ، وأتعبَنا البحثُ، غير أن الذي يسترعي انتباهَنا من كل ذلك أنه نزل على

    العرب، وللشعر - فيما بينهم - دولة قائمة، وسلطان مرهوب، وأنه استطاع أن يقضي على تلك الدولة، ويقلم أظافر هذا

    السلطان، والعرب الذين كانوا يعلمون أن هذا الصنيع لا يكون إلا للشعر أو السحر، رموه بكونه شعرًا،

    وبكونه سحرًا، وقد نزَّهه الله - سبحانه وتعالى - عن أن يكون شعرًا، بقوله عن نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -:

    ﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ﴾ [يس: 69]، وإن كانت الهزة التي تصيب قارئَه لا تقل عن تلك التي تصيب قارئ الشعر، بل تربو عليها.

    إن من أبرز خصائص الشعر الموسيقا، التي يساعد عليها - إلى جانب الوزن العروضي - اختيار الألفاظ، وترابطها، وتناسبها، وتنسيق الجمل، وقوة النسج، وقد تكامل ذلك للآيات البينات، فكانت عقودَ جُمان، وروعة جنان، تبعث على الإعجاب، وتدعو إلى التقدير.

    كذلك من خصائص الشعر أنه يثور بالأفئدة، ويطير بالجوانح، ويهز أوتارَ النفس، ويتلاعب بالشعور، ويسمو بالخيال، وفي القرآن أمثلةٌ من هذا النوع لا تدخل تحت حصر.

    وله بعد ذلك كله لفتاتٌ بلاغية، تحتاج وحدها إلى أساتذة فن القول، ورجال معايير الكلام.



    ----------------------------
    لا تنسونا من صالح دعائكم



    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود القرآن .. الوصف، والهداية، والأثر

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين مارس 21, 2022 9:40 pm



    القرآن

    الوصف، والهداية، والأثر


    القرآن هو ذلك الكتاب الذي أنزله الله منجما في اثنتين وعشرين سنة وشهرين واثنين وعشرين يوماً، تبتدئ من ليلة السابع عشر

    من رمضان للسنة الحادية والأربعين من ميلاد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث نزل عليه في غار حراء

    أول ما نزل من القرآن﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ[1] * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *

    عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾


    وتنتهي بتاسع ذي الحجة يوم الحج الأكبر من السنة الثالثة والستين من ميلاده صلى الله عليه وسلم حيث نزلت آية الختام

    ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾
    - أنزل الله على صَفِيّه من خلقه ومجتباه

    من عباده سيدنا محمد بن عبدالله اليتيم الأمي الذي لم يذهب إلى مكتب أو مدرسة ولم يجلس إلى أستاذ يأخذ عنه ويتعلم منه -

    اللهم إلا أستاذه جبريل الذي كان يدارسه القرآن بعد النبوة - وما كان بديار قومه معاهد للتعليم ولا أساتيذ للتربية

    وما رحل في طلب العلم إلى غيرها من بلاد الامم الأخرى إن كانت الا رحلتان قصيرتان إلى بلاد الشام

    إحداهما مع عمه أبي طالب في تجارة له وكان محمد يومئذ حدثا والأخرى في تجارة لخديجة بنت خويلد مع غلامها ميسرة -

    أنزله الله على هذه النفس الفطرية فنطقت بالآيات البينة والحكم البالغة وصَدَرَت عن الأمية قواعدُ الصلاح والاصلاح

    فكان ذلك عند أولي العلم المتصفين آية واضحة وحجة دامغة على أن القرآن أنزله الله، وليس من صنع محمد

    ﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ﴾

    ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ﴾

    القرآن هو الكتاب الذي خط بقلم الحكمة الالهية وأملى من علم الله المحيط وحملّه الملائكة الأطهار حتى وصلوا به إلى محمد المعروف بالصدق والامانة فتلقفه عنهم وبلغه للناس كما بَلَغه وكما كتبه ربه لا تغيير ولا تبديل ولا دس ولا تحوير

    ﴿ إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾

    ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾.

    القرآن
    هو الكتاب الذي انتظم من العقائد الصحيحة والآداب الحميدة والاخلاق العالية والاعمال الصالحة ما هو كفيل بسعادة البشر في

    دنياهم الحاضرة وحياتهم الثانية لو أنهم دانوا بما أوجب وتأدبوا بما سَن وتخلقوا بما بيّن وعملوا بما شَرَّع فهو الدواء لعلل البشر

    النفسية، وأمراضهم الخلقية، ومشاكلهم الاجتماعية لو أنهم تجرعوه وما هو بالمر المذاق ولا بالصبر الزعاف

    ولكنه العذب الفرات لمن تناوله بشهية وتقبله بنفس رضية ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ

    لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّاخَسَارًا ﴾
    ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾.

    ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ[2] وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى[3] أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ﴾.

    القرآن
    هو ذلك التشريع الفسيح الرحب الوسيع الذي يتسع للناس جميعاً مهما اختلفت لغاتهم وتباينت بلادهم وتفارقت عاداتهم

    وتنافرت طباعهم لأنه لا يكلف الناس ما لا يطيقون ولا يدعوهم إلى ما به يتحرجون

    {لا نكلف نفساً إلا وسعها}

    ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) ولا يقف في سبيل تمتعهم بالطيبات وتزينهم بمختلف

    الزينات ما آمنوا وعملوا الصالحات ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ

    الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾


    ﴿ أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾


    ﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾

    ثم هو لا يأمر إلا بمعروف ولا ينهى إلا عن منكر ويقدر الحاجات والضرورات ويسن لها من الشرائع والأحكام ما يذلل صعابها

    ويتقي به ضرها ويدع الناس في بحبوحة ورخاء وسعة وهناء ﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ

    الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾


    ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا

    فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾


    ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.


    ومن الآيات البينة على أن القرآن شريعة عامة للناس كافة من يوم أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم إلى أن يرث الله الأرض

    ومن عليها، أن الأشياء التي لا يؤثر فيها مَر الزمان ولا تختلف باختلاف الاقوام بينها القرآن تفصيلا وما يختلف باختلاف الاحوال

    ويتغير بتغاير الامم وضع أصوله العامة وقواعده المطرده وترك التفصيل والتطبيق إلى ما تقتضيه المصلحة ويلائم الحاجات

    الوقتية والظروف الخاصة ولذلك تجد أحكام العبادات مفصلة في القرآن المشروح بعمل الرسول صلى الله عليه وسلم ففيه بيان

    الصلاة والصيام والحج وكذلك بيان الميراث والزواج والطلاق والعِدد.

    أما العقائد فقد تعرض لها القرآن بياناً واستدلالا من توحيد الله وذكر صفاته والايمان بفناء النوع الانساني وبعثه ونشره وحشره

    وسؤاله عن كل ما عمل ومجازاته بالجنة أو النار وكذلك الايمان بالملائكة والكتب والرسل الخ لان هذه حقائق ثابتة

    كالعبادات لا تحوير فيها ولا تغيير فنص عليها القرآن تفصيلا أما المعاملات كالبيع والاجارة والمضاربة والهبة

    والقيام على مال اليتيم فمنها ما ذكر القرآن له أحكاماً عامة ومنها ما لم يذكر شيئا عنه لتوضع أحكامه بحسب أصول الشريعة

    العامة وقواعد العدالة مراعى فيها مقتضيات الزمان وعرف الأقوام فمما تعرض له إجمالا البيع والاجارة والتصرف في مال

    اليتيم، ففي البيع جاء قوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ

    وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾


    ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

    ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾.

    ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ﴾.

    وجاء في الإجارة عبارة عامة مثل قوله تعالى ﴿ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾

    ﴿ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ﴾


    وجاء في التصرف في مال اليتيم ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُم مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ

    وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾


    ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾ فتراه أمر باختبار اليتيم

    ولم يبين طريق الاختبار وأمر بدفع المال إليه إذا بلغ النكاح - ولم يعين وقته - وآنسنا منه الرشد،

    ونهى عن أكل شيء من ماله ومنع الوصي إن كان غنيا من أخذ الاجر وان كان فقيراً أجاز له الاكل بالمعروف فترك تقدير

    الاجر أو الاكل الى العرف، ثم أمر الوصي بالاشهاد عليه عند دفع المال اليه تبرئة لذمته ومراعاة لمصلحته،

    وانظر موقع قوله تعالى ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ مما سبقها فالله من وراء الخبراء والقضاة

    والحكام محاسب الاوصياء حسابا عسيرا فلئن أغفلوا شيئا فما ربك بغافل فليراقبوا الله ربهم،

    ثم انظر إلى الاجمال في قوله ﴿ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ فذكر أن التصرف في ماله بالطرق

    الحسنة ولم يفصل هذه الطرق لأنها متشعبة ومختلفة باختلاف العصور والامم. ومما لم يتعرض له القرآن المضاربة أو القراض

    فترك تفصيل أحكامه لأولي العلم الراسخين والقضاة المجتهدين يضعونها بحسب حاجات الزمان مع ملاحظة أصول الشريعة.

    ولان الجرائم لا يحصى عددها وللزمان كل يوم فيها محدثات وللناس فيها تفنن، ولكل جريمة عقاب مناسب

    وما جزاء السيئة إلا مثلها - لأن الجرائم بهذه المثابة لم يتعرض القرآن لتحديد العقوبات لها اللهم إلا جرائم خاصة اقتضت حكمته

    تحديد عقوباتها الدنيوية، وهي السرقة والزنى والقذف والقتل والتعدي على الأطراف، وما عدا ذلك فوضع له قواعد عامة يطبقها

    ولاة الأمر من المسلمين والأئمة المجتهدون مثل قوله تعالى ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا

    يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ﴾


    ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ

    أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.





    القرآن
    هو الكتاب الذي لم يذكر العقائد والآداب والاحكام جافة كما نرى في كتب الكلام والفقه والاخلاق -

    خصوصا ما ألَّفه المتأخرون - بل وضع في جانبها وفي خلالها ما يدعو إلى احترامها والعمل بها ائتمارا بأمرها وانتهاء عن

    نهيها فأحاطها بضروب من الترغيب والترهيب فضرب الامثال للعالمين وسرد القصص للمعتبرين وبين الحكم والمصالح للعقلاء

    المفكرين ورتب على العمل بها من السعادة في الدنيا والآخرة ما يغري الراغبين ويلهب النفعيين،

    فانظر قوله تعالى ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾

    ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ)

    ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ

    اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ﴾


    وذكر لنا من قصص آدم ونوح وهود وصالح وإبراهيم ويوسف وموسى وعيسى وغيرهم ما كله عبر وعظات.

    وانظر إلى قوله تعالى في سورة هود بعد أن حكى أنباء جمع من الأنبياء

    ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ

    دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ * وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ *

    إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ﴾


    وترى الله يقول في سورة المائدة بعد أن ذكر أحكام الوضوء والغسل ﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾

    ويقول في سورة السناء تعليلا للنهي عن نكاح ما نكح الآباء ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾

    ويقول ﴿ ولا تقربوا الزنا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾

    ويقول في تعليل النهي عن تعاطي الخمر والميسر الخ ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ

    وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ﴾


    وجاء فيه في القرآن ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ﴾

    ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾

    ﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾

    ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾

    ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾

    - إلى غير ذلك من التعليلات والحكم الكثيرة التي أردفت في القرآن بالأوامر والنواهي.

    ومن الآيات التي رتبت السعادة في الدنيا والآخرة على العمل الصالح قوله تعالى

    ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ومن يتوكل على الله فهو حسبه ﴾

    ﴿ ومن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾

    ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

    ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا

    ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾

    ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

    ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾


    ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا ﴾

    والقرآن مملوء بأمثال هذه الآيات وليس غرضنا الاستقراء بل التنبيه بها على أمثالها. فالراغب في الدنيا ومتاعها عليه بالدين، والراغب في الآخرة دونه الدين. ومن لم تهده آيات الرغبة وبما أقامته مواضيع الرهبة، ومن يحب الآداب من طريق القصص فعليه بالقصص القرآني، ومن يحبها من طريق البحث والعقل والحكمة فليأخذها من تعليلات القرآن فانه ما ترك مهيعاً لانتهاج الخير إلا سلكه. فكل صنف من الناس به إليه حاجة وله فيه غاية، والله الهادي إلى سواء السبيل.

    ----------------------
    لاتنسونا من صالح دعائكم



    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود القرآن .. الوصف، والهداية، والأثر

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين مارس 21, 2022 10:14 pm


    القرآن

    الوصف، والهداية، والأثر


    القرآن

    هو الذي سلك للتأثير في النفوس وهدايتها إلى ما يحييها والأخذ بحجزاتها عما يشقيها - مسلكا خطابيًا أخَّاذًا جذابًا -

    قد ساير الحقائق جنبًا لجنب ولم يهم في أودية الخيال كما يهيم الشعراء وأكثر الخطباء، بل كان في بيانه الخلاب وعباراته العذبة

    ، مقررًا للحقائق وداعمها بالآيات البينة والحجج الناطقة التي لا تقبل في شرعة الانصاف جدلا ولا مناقشة ولا حوارًا ولا مراجعة

    ، ولذلك وصفه الله بقوله ﴿ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ فذكر أنه بينات وبراهين

    ساطعات، ولكن لا كبراهين المنطقيين التي يشكلونها بأشكالهم المعروفة فإنها براهين جافة ربما مجتها النفوس واستثقلتها الطباع،

    وربما مكنت العقول في تعرفها وتفهم الصلة بين أولها وآخرها واعتصار نتائجها من مقدماتها –

    ربما مكثت وقتًا طويلا، ولا كذلك براهين القرآن فإنها لطيفة الملمس طيبة المخبر واضحة المقصد، تجاري الفطرة وتساير العقول، مع تأثير في النفس غريب يأخذ بها إلى مراتب الكمال.

    فبينات القرآن مع ما فيها من التفرقة بين الحق والباطل هادية مرشدة تسلك بالإنسان سبيل الخير وتأخذ به عن مواطن الشر.

    وإني لمتدبر معك أيها القارئ الآيات الأولى من سورة النحل - إلى قوله تعالى ﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ﴾

    لتعرف صدق ما ذكرت وبرهان ما ادعيت. فإن هذه الآيات سيقت لإبطال أن يكون لله من خلقه شريك يعبد كما يعبد، ويدعى كما يدعى أو يتقرب به إلى الله زلفى.
    فتراه في أول السورة يقول ﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾ فبدأ كلامه بالوعيد وأنه مدرك

    المشركين لا محالة وقال ﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ فنزه نفسه عن شركائهم،

    ونبا بشأنه عن شأنهم، وبين بعد أن القرآن أنزله فيما أنزل على من تخيره من عباده ليرشدهم إلى مصالحهم ويحذرهم بأس الله

    إن لم يرعووا عن شركهم ﴿ فما لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآَنُ لَا يَسْجُدُونَ ﴾ ألا فليتقوه وليخافوه ويحذروه فإن أخذه شديد، وإن عذابه أليم.

    ثم أخذ في إقامة الحجة على إبطال الشركاء فذكر أنه خلق السماوات والأرض بالحق، ثم نزه نفسه عن الشريك وكأنه يشير بهذا التعقيب إلى أن من هذا صنعه لا ينبغي أن يُشرك به خلقه.

    ثم ذكر خلقه للإنسان من النطفة وتربيته له حتى صيره بشرًا سويًا، فكان عليه أن يشكر له نعمة التربية ولكنه كفر بها واصبح

    لربه خصما مبينًا، بدفاعه عن الشرك ومحاماته عن الانداد. وذكر عقب ذلك خلقه للأنعام شارحًا ما لنا فيها من المصالح والمنافع

    بأسلوب بدع، وخلقه للخيل والبغال والحمير وما أعدت له، فانه يخلق ما لا نعلمه مما حَدّث به العصر من دراجات وسيارات

    وطيارات وغواصات وقطارات وباخرات، وكأنه بذلك يبين أنه قائم بتدبير شأن الإنسان وسد حاجه،

    وما اتخذوه من دون الله لا يقوم بشيء من ذلك فلِمَ يشرك به؟ ثم ذكر هذه الجملة ﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ ﴾ ليبين نعمة أخرى له، نعمة الهداية والبيان للطريق الحق الذي إذا سلكه الإنسان نجا وإن تنكبه ضل وغوى.
    ثم رجع إلى تعداد نعمه، فذكر الماء وآثاره الجمة من إحيائه للإنسان وانباته للاشجار التي يُسيم فيها الحيوان،

    وفصلها بالزرع والزيتون والنخيل والاعناب ومن كل الثمرات، وحثنا على التفكر فيها لاستنباط العبر منها والوصول إلى معرفة

    بارئها المعرفة اللائقة بجلاله وعظمته وأنه جدير بالتوحيد والافراد بالعبادة والخضوع،

    وذكر بعدُ خلقه للَّيل والنهار -الأول للإنسان لباس، والثاني له معاش - وخلقه للشمس والقمر، اللذين هما آيتا الليل والنهار

    ، وأنهما والنجوم خاضعات لأمر الله تعالى لا تخرج عن نظامه الذي أبدعه، ولا عن سننه الذي وضعه. وفي ذلك آية بينه لمن عقل وتفهم وتبصر وتدبر

    وذكر بعد ذلك أنه خلق في الأرض أشياء مختلفة في الأشكال والألوان والطبائع والمنافع، وأن فيها آية للمتفكرين.

    وذكر البحار وثمراتها من الاسماك والحلي، وسير الفلك فيها لابتغاء الرزق والعلم. وذكر الجبال والأنهار والسبل التي يهتدي بها السائر كما يهتدي بالنجوم.

    ذكر كل هذه المخلوقات العظيمة التي غمر الانسان بمزاياها ومنافعها وسلطه على تسخيرها في تدبير شؤونه وتوفير حاجه –

    ذكرها الابطال الشركاء كما نبينه، ولكنه لم يسردها سردًا ولم يعدها عدًا كما نعد الاشياء، بل أفادك في الاثناء معلومات قيمة

    وثمرات طيبة، وحثك على أن تنفذ منها إلى عظمة مبدعها. فلم يكن العد بذلك ثقيلا على النفس بل كان حلوًا مستمرًا شهيًا

    مستطابًا ينسيك كثرة المعدود ما حف به من مزايا الموجود

    ثم خلص من عد المخلوقات إلى هذه الجملة الحكيمة التي لا تستقر إلا في هذا الموضع ﴿ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ ﴾

    فأتم بذلك الحجة على أن من لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا ولا يخلق شيئًا لا ينبغي أن يكون لله ندًا

    ﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾ فألقم المشركين بذلك حجرا ولم يبق لهم عذرا.

    وكأني بالقارئ وقد وصل إلى هذه الجملة، وقد تدبر ما سبقها وفكر فيما تقدمها وقف مبهوتًا صاغرًا أمام هذه الطريقة المثلى التي سلكها القرآن في حجاجه، وبرهن بها على صدق قضاياه وصحة نظرياته، طريقة تخر لها طرق المناطقة ساجدة مسبحة لله ممجدة.

    وانظر كيف عقبها الله بقوله ﴿ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ حثًا لنا على الادكار والاعتبار،

    فإن الذاكرين المفكرين هم الذين يقفون على اسرار القرآن، وهو الذي تخالط حلاوته بشاشة قلوبهم، وتروى منه أفئدتهم،

    وتحيا به عقولهم. أما الذين يمرونه على ألسنتهم مرًا لا يجاوز تراقيهم ولا يعدو آذانهم فأولئك في قلوبهم عمى لا يبصرون في القرآن هدى.

    كما عدد كثيرًا من النعم قبل هذه النتيجة الحكيمة عقبها بأن نعم الله لا تقف عند ما فصل وبين، بل هي لا يحصيها العد

    ولا يضبطها القلم. فكيف يسوى رب هذه نعمه بمخلوق هذا شأنه؟ إن ذلك لوزر كبير وظلم عظيم يستدعي مؤاخذة عاجلة

    ومناجزة قاتلة. ولكن الله رحيم بعباده، يؤخر عقابه رجاء أن يثوبوا إلى رشدهم ويرجعوا عن غيهم.

    ثم ذكر تعالى أنه يعلم سرهم وعلانتيهم، وآلهتهم لا تعقل ولا تفهم ولا تبصر ولا تسمع، فلا سبيل لها إلى المعرفة، فكيف تسوى بمن أحاط بكل شيء علما؟.

    ثم ترقى جل شأنه في البرهان فبين أن هذه الآلهة مع كونها لا تخلق شيئًا فلا تسوى بالخالق -

    هي لله ملخوقة ولمعونته محتاجة، فكيف نستنصر بعاجز ضعيف ونترك قويا قهارا؟ كيف نستنجد بالأموات وندع رب الكائنات؟

    ثم صرح بالدعوة التي ذكرها أول السورة فقال {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وبين أن الحامل لهؤلاء

    الكفار على مجانبة هذه الدعوة مع وضوح دليلها ونصوع برهانها وبداهة مقدماتها إنما هو استكبارهم وعنادهم وبغيهم واستعلاؤهم

    وقد قال تعالى ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾.

    وحجاج القرآن كله على هذا النحو البدع الذي تسترسل معه النفس، ويسلس به قياد العقل.

    انظر قوله تعالى حكاية عن واعظ المدينة ﴿ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

    وتأمل مجادلته لأهل الكتاب ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾

    وتبصر قوله ﴿ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ

    نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا

    وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾


    وقوله للذين طعنوا على القرآن بنزوله مفرقا ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ

    وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا * وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا )


    وفي مثل هذا المعنى قوله تعالى ﴿ وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ﴾

    وانظر رده تعالى على الذين اقترحوا على محمد صلى الله عليه سلم انزال آيات معينة ليؤمنوا به يأخذك العجب

    ويستولي عليك الدهش من قوة الجواب وقضائه على كل شبهة وازالته لكل قترة.

    وذلك في قوله تعالى ﴿ وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ

    فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا *

    أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ

    قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا ﴾.


    القرآن
    هو الكتاب الذي إذا لازمه الانسان واتخذ منه خليلا جليسًا وسميرا أنيسًا وأقبل عليه يتلوه حق تلاوته،

    يتفقهه كلمة كلمة، وجملة جملة وآية آية، وسورة سورة - أفاض عليه من الهداية ما يجعله كبير العقل صادق الرأي نافذ البصيرة

    قوي الحَدْس طاهر النفس يأتي كل خير ويذر كل شر ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ ولقد تأثر به الجن ساعة سمعوه وامتلأت قلوبهم بمحبته وإجلاله حتى أسرعوا لدعوة قومهم إليه

    ﴿ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾

    و﴿ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾.


    وكيف لا يكون للقرآن في النفوس هذا الاثر وله عليها هذا السلطان يفعل فيها ما لا تفعله القوى القاهرة

    وقد وصفه الله بقوله ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾.

    ولأن القرآن

    الأستاذ الكبير والمربي العظيم ذو الارشاد الحميد والأثر المجيد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بتلاوته خصوصًا في وقت هدوء

    الليل وسكون الناس وراحة النفس وصفاء العقل وخلوه من الشواغل والاسترسال وراء الحس

    فقال له ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ) فالنفس تشهده القلب يحضره.

    وقال له ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا *

    إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴾
    فامره بترتيل القرآن ليقوي نفسه فتستطيع القيام باعباء الرسالة والدعوة إلى الله والصبر على مناوأة الاعداء.

    وانى وربك لمحدثك عن مشاهدة ومخبرك عن عيان ما وجدت معضدا على تحمل متاعب الحياة ولا مخففًا لنوائبها ولا مذيبًا

    لشدائدها ولا مسليا عن فائتها أكبر من هذا القرآن، إنه ليحيل التعب في سبيل الجهاد إلى راحة والألم إلى لذة والشقاء إلى سعادة

    وإن الخطب لينتابك وقد كبر عليك حلوله وهالك نزوله فإذا ما لجأت إلى القرآن وتدبرت آياته وتفهمت عظاته

    وقرأت من قصص المرسلين والأئمة المصلحين وما أصابهم من ضروب الايذاء وسهام الاعداء دق الجليل وهان العظيم وتبددت

    الاحن وكأن لم تكن نائبة. وإذا ساورتك الهموم ومتلكتك الاحزان ففرق جيشها بآي القرآن واملأ قلبك بخشية الديان فلا ترى غمًا ولا هما ولا حزنا ولا ألما.

    وكان خليقا بالمسلمين وقد يسر الله لهم القرآن وسهل عليهم حفظه وارخص لهم ثمنه حيث أوجد المطابع التي كثرت بها المصاحف

    كثرة لم يبق معها اقتناء المصاحف على أي أحد عسيرا، خليق بالمسلمين والحالة هذه ان يهبوه من وقتهم ولو قليلا

    ومن تفكيرهم ولو يسيرا ولا يضنوا عليه بعشر ما ينفقونه في قراءة الفقه والاصول وكتب الكلام والفلسفة

    ، بله القصص والروايات والاساطير والخرافات ولكن هجروا القرآن وصدق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يحكي

    عنه ربه ﴿ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا ﴾

    فهل لهم أن يعودوا إلى حصنهم الحصين وناصحهم الأمين وإنه لبين أيديهم؟

    ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾.
    _______________

    لا تنسوني من صالح دعائكم

    2
    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود أسماء القرآن وأوصافه

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين مارس 21, 2022 10:23 pm




    أسماء القرآن وأوصافه




    1 - لقد سمى الله القرآن بأسماء كثيرة منها:

    القرآن، والفرقان، والكتاب، والتنزيل، ولها أدلة من القرآن.



    2 - ووصف الله القرآن بأوصاف في آياته منها أنه: نور، وهُدى، وموعظة، وشفاء، ورحمة، ومبارك، ومبين، وبشرى، وعزيز، ومجيد، وبشير، ونذير، وكريم، وأحسن الحديث.



    قال تعالى يصف كتابه العزيز: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [الزمر: 23]



    ﴿ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ﴾: أبلغه وأصدقه وأوفاه القرآن. ﴿ كِتَابًا مُتَشَابِهًا ﴾: في إعجازه وهدايته وخصائصه، يشبه بعضه بعضًا في الحسن. ﴿ مَثَانِيَ ﴾: مكررًا فيه الأحكام والمواعظ والقصص والآداب.



    ﴿ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ ﴾: تضطرب وترتعد من قوارعه. ﴿ تَلِينُ جُلُودُهُمْ ﴾: تسكن وتطمئن لينة غير منقبضه.



    3 - وقد ورد وصفه في أحاديث فيها ضعف إلا أن معناها صحيح: فروي عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:

    أ – «إن هذا القرآن مأدبة الله، فتعلموا مأدبته ما استطعتم، وإن هذا القرآن هو حبل الله، وهو النور المبين، والشفاء النافع،

    عصمة من تمسك به، ونجاة من تبعه، لا يُعوَج فيُقَوَّم، ولا يزيغ فيُستعتَب، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلَق عن كثرة الرد،

    أتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول: بـ (ألم)، ولكن بألفٍ عشرًا، وباللام عشرًا، وبالميم عشرًا».




    ب – «ألا إنها ستكون فتن، قلت: وما المخرج منها؟ قال: كتاب الله، كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم،

    وهو الفصل ليس بالهزل، وهو الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، فهو حبل الله المتين،

    وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسن، ولا يشبع منه العلماء،

    ولا يخلَق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه. وهو الذي لم تَنتهِ الجن إذ سمعته أن قالو
    ا: ﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ﴾
    [color=#cc6666]هو الذي من قال به صدق، ومن حكم به عدَل، ومن عمل به أُجِر، ومن دعا إليه هديَ إلى صراط مستقيم».

    -------------------
    لا تنسونا من صالح دعائكم





      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 2:02 pm