وجوب الكف عما شجر بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال
هل صحيح أن علي بن أبي طالب وعثمان رضي عنهما قتلهما أشخاص مسلمون ؟ وهل يمكن توضيح ما المشكلة التي دارت بين الصحابة في تلك الحقبة وما هي الكتب التي تحدثت عن هذا الموضوع ؟
الجواب
الحمد لله.
اعلم يا أخي – وقانا الله وإياك الفتن ، ما ظهر منها وما بطن – أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم هم أفضل أصحاب لأفضل نبي ، وخاصة الخلفاء الأربعة الراشدين المهديين .
قال الله تعالى : وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ التوبة/100 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" قد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ، فيا ويل من أبغضهم أو سَبَّهم أو أبغض أو سبَّ بعضهم " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (4/203) .
وقال الله تعالى عن المهاجرين : لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ الحشر/8 ،
وقال سبحانه عن الأنصار : وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ الحشر/9 .
وقال عن الذين جاءوا من بعدهم من المؤمنين : وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ
الحشر/10 .
أما ما حصل بين الصحابة من الاختلاف والاقتتال : فيجب علينا الكف عنه ، مع اعتقاد أنهم أفضل الأمة ، ومحبتهم والترضي عنهم ، وعلى هذا تتابعت كلمة أهل السنة والجماعة .
سئل عمر بن عبد العزيز رحمه الله عن علي وعثمان والجمل وصفين وما كان بينهم ؟
فقال : " تلك دماء كف الله يدي عنها ، وأنا أكره أن أغمس لساني فيها " .
"الطبقات الكبرى" (5/394) .
وسأل رجل الإمام أحمد بن حنبل عما جرى بين علي ومعاوية ؟ فأعرض عنه ، فقيل له : يا أبا عبد الله ، هو رجل من بني هاشم ، فأقبل عليه فقال : اقرأ : تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ .
"مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزي (ص126) .
وقال الإمام أحمد أيضا بعد أن قيل له : ما تقول فيما كان بين علي ومعاوية ؟ قال : "ما أقول فيهم إلا الحسنى" .
"مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزي (ص164) .
وقال الميموني : " قال لي أحمد بن حنبل : يا أبا الحسن ، إذا رأيت رجلا يذكر أحدا من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام . وقال الفضل بن زياد : سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل تنقص معاوية وعمرو بن العاص أيقال له رافضي ؟ فقال إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئة سوء ، ما انتقص أحد أحدا من الصحابة إلا وله داخلة سوء " انتهى .
"البداية والنهاية" (8/139) .
وقال أبو زرعة الرازي :
" إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق ؛ وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى وهم زنادقة " انتهى .
"الكفاية في علم الرواية" (ص 49) .
وقال القرطبي :
" لا يجوز أن ينسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به ، إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه وأرادوا الله عز وجل ، وهم كلهم لنا أئمة ، وقد تعبدنا بالكف عما شجر بينهم ، وألا نذكرهم إلا بأحسن الذكر ، لحرمة الصحبة ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سبهم ، وأن الله غفر لهم ، وأخبر بالرضا عنهم " انتهى .
"تفسير القرطبي" (16/321) .
وقال ابن أبي زيد القيرواني وهو بصدد عرضه لما يجب أن يعتقده المسلم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ينبغي أن يذكروا به قال : " وأن لا يذكر أحد من صحابة الرسول إلا بأحسن ذكر ، والإمساك عما شجر بينهم ، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ، ويظن بهم أحسن المذاهب " انتهى .
"عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام" (2/734) .
وقال أبو عبد الله بن بطة - رحمه الله - أثناء عرضه لعقيدة أهل السنة والجماعة : " ومن بعد ذلك نكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقد شهدوا المشاهد معه وسبقوا الناس بالفضل ، فقد غفر الله لهم وأمرك بالاستغفار لهم والتقرب إليه بمحبتهم ، وفرض ذلك على لسان نبيه وهو يعلم ما سيكون منهم وأنهم سيقتتلون ، وإنما فضلوا على سائر الخلق لأن الخطأ والعمد قد وضع عنهم ، وكل ما شجر بينهم مغفور لهم " .
"كتاب الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة" (ص/268) .
وقال أبو عثمان الصابوني وهو بصدد عرض عقيدة السلف وأصحاب الحديث :
" ويرون الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيباً ونقصاً فيهم ، ويرون الترحم على جميعهم والموالاة لكافتهم " .
"عقيدة السلف وأصحاب الحديث - ضمن مجموعة الرسائل المنيرية" (1/129) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" من أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما وصفهم الله به في قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) الحشر/10 .
وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ ) .
ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم .
ولا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره ، بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة ، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر حتى إنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم ؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم .
ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه أو أتى بحسنات تمحوه أو غفر له بفضل سابقته أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذي هم أحق الناس بشفاعته ، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه ، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطأوا فلهم أجر واحد والخطأ مغفور لهم ؟
ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح .
ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما من الله به عليهم من الفضائل علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء ، لا كان ولا يكون مثلهم ، وأنهم هم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله تعالى " انتهى باختصار من"مجموع الفتاوى" (3/152- 156) .
وقال الحافظ ابن حجر :
" اتَّفَقَ أَهْل السُّنَّة عَلَى وُجُوب مَنْع الطَّعْن عَلَى أَحَد مِنْ الصَّحَابَة بِسَبَبِ مَا وَقَعَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ عَرَفَ الْمُحِقّ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقَاتِلُوا فِي تِلْكَ الْحُرُوب إِلَّا عَنْ اِجْتِهَاد ، وَقَدْ عَفَا اللَّه تَعَالَى عَنْ الْمُخْطِئ فِي الِاجْتِهَاد , بَلْ ثَبَتَ أَنَّهُ يُؤْجَر أَجْرًا وَاحِدًا وَأَنَّ الْمُصِيب يُؤْجَر أَجْرَيْنِ " انتهى .
"فتح الباري" (13/34) .
ومثل هذا كثير في كلام أهل العلم ، وهو المتعين الأخذ به ؛ لأن فيه العصمة من الزلل ، والتعريف بحق أفضل الناس بعد النبيين .
أما عن مقتل عثمان وعلي رضي الله عنهما ، فلا شك أنهما قتلا مظلومين ، ونشهد لهما بالجنة ، ونشهد على من تلبس بهذا الأمر أو شارك فيه أو رضيه ، أو علمه ولم ينكره بأنه ضال مضل خبيث الطوية ، متبع غير سبيل المؤمنين ، والله يحاسبه يوم القيامة على صنيعه ، وسيحكم الله تعالى بينهم يوم القيامة . قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ .
منقول اسلام سؤال
الآثار المروية فيما وقع بين الصحابة - رضي الله عنهم - تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- منها ما هو كذب.
2- ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهته.
3- والصحيح منها هم فيه معذورون أما مجتهدون مصيبون وإما مجتهدون مخطئون (1).
ولهم - رضي الله عنهم - من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما صدر منهم.
وقد أثنى الله - عز وجل - عليهم مع أنه سبق في علمه ما سيكون منهم.
فقد روى ابن بطة بالإسناد الصحيح (2) عن عبدالله بن أحمد قال حدثني أبي حدثنا أبو معاوية (3) حدثنا رجاء عن مجاهد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لا تسبوا أصحاب محمد فإن الله أمر بالاستغفار لهم وهو يعلم أنهم سيقتتلون (4).
قال الإمام الذهبي - رحمه الله - في « السير » (10/92): « كما تقرر الكف عن كثير مما شجر بينهم وقتالهم - رضي الله عنهم - أجمعين وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف وبعضه كذب..».
قال ابن بطة في كتاب « الإبانة » (294): « ومن بعد ذلك نكف عما شجر بين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد شهدوا المشاهد معه، وسبقوا الناس بالفضل فقد غفر الله لهم وأمرك بالاستغفار لهم والتقرب إليه بمحبتهم وفرض ذلك على لسان نبيه وهو يعلم ما سيكون منهم وأنهم سيقتتلون وإنما فضلوا على سائر الخلق لأن الخطأ والعمد قد وضع عنهم وكل ما شجر بينهم مغفور لهم ولا تنظر في كتاب صفين والجمل ووقعة الدار وسائر المنازعات التي جرت بينهم ولا تكتبه لنفسك ولا لغيرك ولا تروه عن أحد ولا تقرأه على غيرك ولا تسمعه ممن يرويه فعلى ذلك اتفق سادات علماء هذه الأمة من النهي عما وصفناه منهم: حماد بن زيد ويونس بن عبيد وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وعبدالله بن إدريس ومالك بن أنس وابن أبي ذئب وابن المنكدر وابن المبارك وشعيب بن حرب وأبو إسحاق الفزاري ويوسف بن أسباط وأحمد بن حنبل وبشر بن الحارث وعبدالوهاب الوراق.كل هؤلاء قد رأوا: النهي عنها والنظر فيها والاستماع إليها وحذروا من طلبها والاهتمام بجمعها.
وقد روى عنهم فيمن فعل ذلك أشياء كثيرة بألفاظ مختلفة المعاني على كراهية ذلك والإنكار على من رواها واستمع إليها ».
وقد أجمع السلف على عدم الخوض فيما شجر بينهم رضى الله عنهم أجمعين
* روى الخطابي في كتاب « العزلة » (44) من طريق حمزة بن الحارث الدهان قال: حدثنا عبدالله بن روح المدائني قال: حدثنا يحيى بن الصامت قال: حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن الأعمش عن أبي راشد قال: جاء رجل من أهل البصرة إلى عبيد الله بن عمر فقال: إن رسول إخوانك من أهل البصرة إليك فإنهم يقرءونك السلام ويسألونك عن أمر هذين الرجلين علي وعثمان وما قولك فيهما. فقال: هل غير. قال: لا. قال: جهزوا الرجل فلما فرغ من جهازه قال: أقرأ - عليهم السلام - وأخبرهم أن قولي فيهم: ? تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ?.
* وروى الخطابي في « العزلة » (44)، وأبو نعيم في « الحلية » (9/144) من طريق يونس بن عبد الأعلى يقول: حدثنا الشافعي قال: قيل لعمر بن عبد العزيز: ما تقول في أهل صفين. فقال: تلك دماء طهر الله يدي منها فلا أحب أن أخضب لساني بها. وسنده منقطع.
* ورواه ابن سعد في « الطبقات الكبرى » (5/394)، وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (65/133) من طرق خالد بن يزيد بن بشر عن أبيه قال: سئل عمر بن عبد العزيز عن علي وعثمان والجمل صفين وما كان بينهم فقال: تلك دماء كف الله يدي عنها وأنا أكره أنا أطره أن أعمس لساني فيها (5)
* روى الخلال في « السنة » (2/460)، وابن الجوزي في « مناقب الإمام أحمد » (164): قيل للإمام أحمد: ما تقول فيما كان بين علي ومعاوية - رحمهما الله -؟ قال: ما أقول فيها إلا الحسنى - رحمهم الله - أجمعين (6) وسنده صحيح.
* وفي ترجمة الحسن بن إسماعيل الربعي في طبقات الحنابلة (1/349): قال. قال لي أحمد بن حنبل إمام أهل السنة والصابر تحت المحنة: - أجمع تسعون رجلًا من التابعين وأئمة الملمين، وأئمة السلف، وفقهاء الأمصار على:.... والكف عما شجر بين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأفضل الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والترحم على جميع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه، وأصهاره، رضوان الله عليهم أجمعين فهذه السنة الزموها، تلموا أخذها هدى، وتركها ضلالة »
* روى الخطيب في « تاريخ بغداد » (6/44)، وابن عساكر في « تاريخ مدينة دمشق » (59/141)، وابن أبي يعلى في « طبقات الحنابلة » (1/251) من طريق الحسن بن محمد الخلال حدثنا عبدالله بن عثمان الصفار حدثنا أبو القاسم إسحاق بن إبراهيم بن آزر الفقيه حدثني أبي قال: حضرت أحمد بن حنبل وسأله رجل عما جرى بين علي ومعاوية فأعرض عنه. فقيل له: يا أبا عبد الله هو رجل من بني هاشم فأقبل عليه. فقال: أقرأ ? تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ?.
* وروى ابن عدي في « الكامل » (4/34) ومن طريقه ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (22/215) عن شهاب بن خراش بن حوشب بن أخي العوام بن حوشب قال: أدركت من أدركت من صدر هذه الأمة وهم يقولون: أذكروا محاسن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تأتلف عليه القلوب، ولا تذكروا الذي شجر بينهم فتحرشوا الناس عليهم. وله طريق آخر.
فرواه الخلال في « السنة » (ص513) عن العوام بن حوشب قال: اذكروا محاسن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - تأتلف عليه قلوبكم، ولا تذكروا غيره فتحرشوا الناس عليهم.
* قال اللالكائي في « أصول اعتقاد أهل السنة » (321) أخبرنا محمد بن المظفر المقري قال: حدثنا الحسين بن محمد بن حبش المقري قال: حدثنا أبو محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم قال: سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك. فقالا: « أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازاً وعراقاً وشاماً ويمناً فكان من مذهبهم الإيمان قول وعمل يزيد وينقص والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته والقدر خيره وشره من الله - عز وجل - وخير هذه الأمة بعد نبيها - عليه الصلاة والسلام - أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب - عليهم السلام - وهم الخلفاء الراشدون المهديون وأن العشرة الذين سماهم رسول الله وشهد لهم بالجنة على ما شهد به رسول الله وقوله الحق والترحم على جميع أصحاب محمد والكف عما شجر بينهم... ».
* روى الإمام أحمد في « فضائل الصحابة » (19) (1739) عن وكيع حدثنا جعفر يعني بن برقان عن ميمون بن مهران قال: ثلاث ارفضوهن: سب أصحاب محمد، والنظر في النجوم، والنظر في القدر. وسنده صحيح (7).
* أخرج ابن عساكر في « تاريخه » (59/141) في ترجمة معاوية - رضي الله عنه - من طريق ابن منده ثم من طريق أبي القاسم ابن أخي أبي زرعة الرازي قال: جاء رجل إلى عمي فقال له: إني أبغض معاوية. فقال له: لم؟ قال: لأنه قاتل علياً بغير حق. فقال له أبو زرعة: رب معاوية رب رحيم، وخصم معاوية خصم كريم فما دخولك بينهما؟
* و في « السنة » للخلال بسند صحيح (512) قيل للإمام أحمد: « ما تقول فيمن زعم أنه مباح له أن يتكلم في مساوي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال أبو عبدالله: هذا كلام رديء يجانبون هؤلاء القوم ولا يجالسون ويبين أمرهم للناس ».
* وقال البربهاري في « شرح السنة » (102): « والكف عن حرب علي ومعاوية وعائشة وطلحة والزبير - رحمهم الله - أجمعين ومن كان معهم ولا تخاصم فيهم وكل أمرهم إلى الله- تبارك وتعالى -».
* قال الإمام الصابوني في « عقيدة السلف وأصحاب الحديث » (294): « ويرون الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيباً لهم ونقصاً فيهم »
* قال أبو الحسن الأشعري في « الإبانة » (78): « فأما ما جرى بين علي والزبير وعائشة - رضي الله عنهم - فإنما كان على تأويل واجتهاد وعلي الإمام وكلهم من أهل الاجتهاد وقد شهد لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة والشهادة فدل على أنهم كلهم على حق في اجتهادهم وكذلك ما جرى بين علي ومعاوية - رضي الله عنهما - كان على تأويل واجتهاد وكل الصحابة أئمة مأمونون غير متهمين في الدين، وقد أثنى الله ورسوله على جميعهم وتعبدنا بتوقيرهم وتعظيمهم وموالاتهم والتبري ممن ينقص أحدا منهم رضي الله عن جميعهم ».
* قال ابن أبي زيد القيرواني في « عقيدته » (23): « وأن لا يذكر أحد من صحابة الرسول إلا بأحسن ذكر والإمساك عما شجر بينهم وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ويظن بهم أحسن المذاهب ».
* قال القرطبي - رحمه الله - في « الجامع لأحكام القرآن » (16/321): « لا يجوز أن ينسب على أحد من الصحابة خطأ مقطوع به إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه وأرادوا الله - عز وجل - وهم كلهم لنا أئمة، وقد تعبدنا بالكف عما شجر بينهم وألا نذكرهم إلا بأحسن الذكر لحرمة الصحبة ولنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن سبهم وان الله غفر لهم وأخبر بالرضا عنهم ».
* قال الآجري - رحمه الله - في « كتاب الشريعة » (5/2458-2491) في الرد على من جوز الخوض فيما وقع بين الصحابة: « باب ذكر الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورحمة الله عليهم أجمعين: ينبغي لمن تدبر ما رسمنا من فضائل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفضائل أهل بيته - رضي الله عنهم - أجمعين أن يحبهم ويترحم عليهم ويستغفر لهم ويتوسل إلى الله الكريم لهم أي بالدعاء والترحم والاستغفار والترضي ويشكر الله العظيم إذ وفقه لهذا ولا يذكر ما شجر بينهم ولا ينقر عنه ولا يبحث فإن عارضنا جاهل مفتون قد خطي به عن طريق الرشاد فقال: لم قاتل فلان لفلان، ولم قتل فلان لفلان وفلان؟!
قيل له: ما بنا وبك إلى ذكر هذا حاجة تنفعنا ولا تضرنا إلى علمها.
فإن قال قائل: ولم؟
قيل: لأنها فتن شاهدها الصحابة - رضي الله عنهم - فكانوا فيها على حسب ما أراهم العلم بها وكانوا أعلم بتأويلها من غيرهم، وكانوا أهدى سبيلاً ممن جاء بعدهم لأنهم أهل الجنة، عليهم نزل القرآن وشاهدوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجاهدوا معه وشهد لهم الله - عز وجل - بالرضوان والمغفرة والأجر العظيم وشهد لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنهم خير القرون فكانوا بالله - عز وجل - أعرف وبرسوله - صلى الله عليه وسلم - وبالقرآن وبالسنة، ومنهم يؤخذ العلم وفي قولهم نعيش وبأحكامهم نحكم وبأدبهم نتأدب ولهم نتبع وبهذا أمرنا.
فإن قال قائل: وأيش الذي يضرنا من معرفتنا لما جرى بينهم والبحث عنه؟
قيل له: لا شك فيه، وذلك أن عقول القوم كانت أكبر من عقولنا وعقولنا أنقص بكثير ولا نأمن أن نبحث عما شجر بينهم فنزل عن طريق الحق ونتخلف عما أمرنا فيهم.
فإن قال قائل: وبم أمرنا فيهم؟
قيل: أمرنا بالاستغفار لهم والترحم عليهم والمحبة لهم والاتباع لهم دل على ذلك الكتاب والسنة وقول أئمة المسلمين وما بنا حاجة إلى ذكر ما جرى بينهم قد صحبوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصاهرهم وصاهروه فبالصحبة له يغفر الله الكريم لهم وقد ضمن الله - عز وجل - لهم في كتابه ألا يخزي منهم واحدا وقد ذكر لنا الله - تعالى -في كتابه أن وصفهم في التوراة والإنجيل فوصفهم بأجمل الوصف ونعتهم بأحسن النعت وأخبرنا مولانا الكريم أنه قد تاب عليهم وإذا تاب عليهم لم يعذب واحدا منهم أبدا - رضي الله عنهم - ورضوا عنه ? أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ?.
فإن قال قائل: إنما مرادي من ذلك لأن أكون عالماً بما جرى بينهم فأكون لم يذهب علي ما كانوا فيه لأني أحب ذلك ولا أجهله.
قيل له: أنت طالب فتنة لأنك تبحث عما يضرك ولا ينفعك ولو اشتغلت بإصلاح ما لله - عز وجل - عليك فيما تعبدك به من أداء فراضه واجتناب محارمه كان أولى بك وقيل له ولاسيما في زماننا هذا مع قبح ما قد ظهر فيه من الأهواء الضالة - فما يقول - رحمه الله - لو رأى ما يحدث ويقال في زمننا هذا -.
وقيل له: اشتغالك بمطعمك وملبسك من أين؟ هو أولى بك، وتمسكك بدرهمك من أين هو؟ وفيم تنفقه؟ أولى بك.
وقيل: لا نأمل أن تكون بتنقيرك وبحثك عما شجر بين القوم إلى أن يميل قلبك فتهوى ما يصلح لك أن تهواه ويلعب بك الشيطان فتسب وتبغض من أمرك الله بمحبته والاستغفار له وباتباعه، فتزل عن طريق الحق وتسلك طريق الباطل.
فإن قال: فاذكر لنا من الكتاب والسنة عمن سلف من علماء المسلمين ما يدل على ما قلت لنرد نفوسنا عما تهواه من البحث عما شجر بين الصحابة - رضي الله عنهم -.
قيل له: قد تقدم ذكرنا لما ذكرته مما فيه بلاغ وحجة لمن عقل، ونعيد بعض ما ذكرناه ليتيقظ به المؤمن المسترشد إلى طريق الحق.
قال الله - عز وجل -: \" محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلا من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار \" ثم وعدهم بعد ذلك المغفرة والأجر العظيم: \" وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً \" وقال الله - عز وجل -: \" لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين أتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم \"، وقال الله - عز وجل -: \" والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين أتبعوهم بإحسان - رضي الله عنهم - ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم \"، وقال - عز وجل -: \" يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبإيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير \"، وقال الله - عز وجل -: \" كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون على المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن من أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون \"، وقال - عز وجل -: \" لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً \" ثم إن الله - عز وجل - أثنى على من جاء من بعد الصحابة فاستغفر للصحابة وسأل مولاه الكريم ألا يجعل في قلبه غلا لهم فأثنى الله - عز وجل - عليه بأحسن ما يكون من الثناء فقال - عز وجل -: \" والذين جاءوا من بعدهم.. \" إلى قوله: \" رؤوف رحيم \" وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: « خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ».
وقال ابن مسعود: « إن الله - عز وجل - نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه وبعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد يعني من غير الأنبياء والمرسلين كما هو معلوم فجعلهم وزراء نبيه - صلى الله عليه وسلم - يقاتلون عن دينه ».
ثم قال الآجري - رحمه الله -: يقال: لمن سمع هذا من الله - عز وجل - ومن رسوله - صلى الله عليه وسلم -: إن كنت عبداً موفقاً للخير اتعظت بما وعظك الله - عز وجل - به وإن كنت متبعا لهواك خشيت عليك أن تكون ممن قال الله - عز وجل - فيهم: \" ومن أضل ممن أتبع هواه بغير هدى من الله \"، وكنت ممن قال الله - عز وجل – \" ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون \".
ويقال له: من جاء إلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يطعن في بعضهم ويهوى بعضهم ويذم بعضاً ويمدح بعضاً، فهذا رجل طالب فتنة وفي الفتنة وقع لأنه واجب عليه محبة الجميع والاستغفار للجميع - رضي الله عنهم - ونفعنا بحبهم ».
* قال ابن قدامة المقدسي في « لمعة الاعتقاد » (150): « ومن السنة تولي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومحبتهم وذكر محاسنهم والترحم عليهم والاستغفار لهم والكف عن ذكر مساوئهم وما شجر بينهم واعتقاد فضلهم ومعرفة سابقتهم قال الله - تعالى -: \" والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا \"، وقال - تعالى -: \" محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ? وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: « لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ».
* قال النووي في « شرحه على مسلم » (18/219-220): « ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم والإمساك عما شجر بينهم وتأويل قتالهم وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا بل اعتقد لك فريق أنه المحق ومخالفه باغ فوجب عليه قتاله ليرجع إلى الله وكان بعضهم مصيبا وبعضهم مخطئا معذورا في الخطأ لأنه اجتهاد والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه ».
* وقال شيخ الإسلام في « منهاج السنة » (4/448): « كان من مذاهب أهل السنة الإمساك عما شجر بين الصحابة فإنه قد ثبت فضائلهم ووجبت موالاتهم ومحبتهم وما وقع منه ما يكون لهم فيه عذر يخفى على الإنسان ومنه ما تاب صاحبه منه ومنه ما يكون مغفوراً فالخوض فيما شجر يوقع في نفوس كثير من الناس بغضاً وذماً، ويكون هو في ذلك مخطئاً، بل عاصياً فيضر نفسه ومن خاض معه في ذلك كما جرى لأكثر من تكلم في ذلك فإنهم بكلام لا يحيه الله ولا رسوله إما من ذم من لا يستحق الذم وإما من مدح أمور لا تستحق المدح ولهذا كان الإمساك طريقة أفاضل السلف ».
وقال أيضاً في « مجموع الفتاوى » (3/406): « وكذلك نؤمن بالإمساك عما شجر بينهم ونعلم أن بعض المنقول في ذلك كذب وهم كانوا مجتهدين إما مصيبين لهم أجران أو مثابين على عملهم الصالح مغفور لهم خطؤهم وما كان لهم من السيئات وقد سبق لهم من الله الحسنى فإن الله يغفر لهم إما بتوبة أو بحسنات ماحية أو مصائب مكفرة وما شجر بينهم من خلاف فقد كانوا - رضي الله عنهم - يطالبون فيه الحق ويدافعون فيه عن الحق فاختلفت فيه اجتهاداتهم ولكنهم عند الله - عز وجل - من العدول المرضي عنهم ومن هنا كان منهج أهل السنة والجماعة هو حفظ اللسان عما شجر بينهم فلا نقول عنهم إلا خيرا ونتأول ونحاول أن نجد الأعذار للمخطئ منهم ولا نطعن في نياتهم فهي عند الله وقد أفضوا إلى ما قدموا فنترضى عنهم جميعا ونترحم عليهم ونحرص على أن تكون القلوب سليمة تجاههم ».
* ويقول الإمام الذهبي - رحمه الله - في « السير » (10/92-93): « كما تقرر الكف عن كثير مما تشجر بينهم وقتالهم - رضي الله عنهم - أجمعين وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف وبعضه كذب... فينبغي طيه وإخفاءه بل إعدامه لتصفوا القلوب وتتوفر على حب الصحابة والترضي عنهم وكتمان ذلك متعين عن العامة وآحاد العلماء ». إلى أن قال: « فأما ما نقله أهل البدع في كتبهم من ذلك فلا نعرج عليه ولا كرامة فأكثره باطل وكذب وافتراء » وقال أيضاً في « السير » (3/128): « فبالله كيف يكون حال من نشأ في إقليم لا يكاد يشاهد فيه إلا غالياً في الحب مفرطاً في البغض ومن أين يقع له الإنصاف والاعتدال؟! فنحمد الله على العافية الذين أوجدنا في زمان قد أنمحص فيه الحق وأتضح من الطرفين وعرفنا مآخذ كل واحد من الطائفتين وتبصرنا فعذرنا واستغفرنا وأحببنا باقتصاد وترحمنا على البغاة بتأويل سائغ في الجملة أو بخطأ إن شاء الله مغفور وقلنا كما علمنا الله ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا وترضينا أيضا عمن اعتزل الفريقين كسعد بن أبي وقاص وابن عمر ومحمد بن مسلمة وسعيد بن زيد وخلق وتبرأنا من الخوارج الذين حاربوا علياً وكفروا الفريقين ».
* قال ابن حجر في « الفتح » (13/37): « واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك ولو عرف المحق منهم لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد وقد عفا الله - تعالى -عن المخطئ في الاجتهاد بل ثبت أنه يؤجر أجراً واحداً وأن المصيب يؤجر أجرين »
وأقوال أهل العلم وآثار السلف في ذلك أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تعد، وإن رغمت أنوف فقل يا رب لا ترغم سواها!
وهذه النقولات التي ذكرتها عن السلف وأهل العلم غيض من فيض ولعل فيما نقل منها مقنع لمن طلب الحق ولم يتبع هواه والله الموعد.
4/11/1425هـ
------------------
(1) انظر الواسطية لابن تيمية.
(2) قال الإمام ابن تيمية في منهاج السنة (2/22).
(3) في الأصل (معاوية) وهو خطأ.
(4) فضائل الصحابة للإمام أحمد (1/69)، (2/1152) لكن جاء في الأصل عن أبي معاوية عن رجل! وأظنه تصحيف.
وانظر: الصارم المسلول (3/1071)، والإبانة لابن بطة (294).
(5) رواه الخلال في السنة (1/261) (717) من طريق أخر وهذه الطريق يشد بعضها بعضًا فالإسناد حسن.
(6)انظر تنزيه خال المؤمنين لأبي يعلى - رحمه الله - (86).
(7) وذكره ابن بطة في الإبانة (181).
منقول موقع مداد
السؤال
هل صحيح أن علي بن أبي طالب وعثمان رضي عنهما قتلهما أشخاص مسلمون ؟ وهل يمكن توضيح ما المشكلة التي دارت بين الصحابة في تلك الحقبة وما هي الكتب التي تحدثت عن هذا الموضوع ؟
الجواب
الحمد لله.
اعلم يا أخي – وقانا الله وإياك الفتن ، ما ظهر منها وما بطن – أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم هم أفضل أصحاب لأفضل نبي ، وخاصة الخلفاء الأربعة الراشدين المهديين .
قال الله تعالى : وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ التوبة/100 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" قد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ، فيا ويل من أبغضهم أو سَبَّهم أو أبغض أو سبَّ بعضهم " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (4/203) .
وقال الله تعالى عن المهاجرين : لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ الحشر/8 ،
وقال سبحانه عن الأنصار : وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ الحشر/9 .
وقال عن الذين جاءوا من بعدهم من المؤمنين : وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ
الحشر/10 .
أما ما حصل بين الصحابة من الاختلاف والاقتتال : فيجب علينا الكف عنه ، مع اعتقاد أنهم أفضل الأمة ، ومحبتهم والترضي عنهم ، وعلى هذا تتابعت كلمة أهل السنة والجماعة .
سئل عمر بن عبد العزيز رحمه الله عن علي وعثمان والجمل وصفين وما كان بينهم ؟
فقال : " تلك دماء كف الله يدي عنها ، وأنا أكره أن أغمس لساني فيها " .
"الطبقات الكبرى" (5/394) .
وسأل رجل الإمام أحمد بن حنبل عما جرى بين علي ومعاوية ؟ فأعرض عنه ، فقيل له : يا أبا عبد الله ، هو رجل من بني هاشم ، فأقبل عليه فقال : اقرأ : تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ .
"مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزي (ص126) .
وقال الإمام أحمد أيضا بعد أن قيل له : ما تقول فيما كان بين علي ومعاوية ؟ قال : "ما أقول فيهم إلا الحسنى" .
"مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزي (ص164) .
وقال الميموني : " قال لي أحمد بن حنبل : يا أبا الحسن ، إذا رأيت رجلا يذكر أحدا من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام . وقال الفضل بن زياد : سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل تنقص معاوية وعمرو بن العاص أيقال له رافضي ؟ فقال إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئة سوء ، ما انتقص أحد أحدا من الصحابة إلا وله داخلة سوء " انتهى .
"البداية والنهاية" (8/139) .
وقال أبو زرعة الرازي :
" إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق ؛ وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق والقرآن حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى وهم زنادقة " انتهى .
"الكفاية في علم الرواية" (ص 49) .
وقال القرطبي :
" لا يجوز أن ينسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به ، إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه وأرادوا الله عز وجل ، وهم كلهم لنا أئمة ، وقد تعبدنا بالكف عما شجر بينهم ، وألا نذكرهم إلا بأحسن الذكر ، لحرمة الصحبة ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سبهم ، وأن الله غفر لهم ، وأخبر بالرضا عنهم " انتهى .
"تفسير القرطبي" (16/321) .
وقال ابن أبي زيد القيرواني وهو بصدد عرضه لما يجب أن يعتقده المسلم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ينبغي أن يذكروا به قال : " وأن لا يذكر أحد من صحابة الرسول إلا بأحسن ذكر ، والإمساك عما شجر بينهم ، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ، ويظن بهم أحسن المذاهب " انتهى .
"عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام" (2/734) .
وقال أبو عبد الله بن بطة - رحمه الله - أثناء عرضه لعقيدة أهل السنة والجماعة : " ومن بعد ذلك نكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقد شهدوا المشاهد معه وسبقوا الناس بالفضل ، فقد غفر الله لهم وأمرك بالاستغفار لهم والتقرب إليه بمحبتهم ، وفرض ذلك على لسان نبيه وهو يعلم ما سيكون منهم وأنهم سيقتتلون ، وإنما فضلوا على سائر الخلق لأن الخطأ والعمد قد وضع عنهم ، وكل ما شجر بينهم مغفور لهم " .
"كتاب الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة" (ص/268) .
وقال أبو عثمان الصابوني وهو بصدد عرض عقيدة السلف وأصحاب الحديث :
" ويرون الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيباً ونقصاً فيهم ، ويرون الترحم على جميعهم والموالاة لكافتهم " .
"عقيدة السلف وأصحاب الحديث - ضمن مجموعة الرسائل المنيرية" (1/129) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" من أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما وصفهم الله به في قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) الحشر/10 .
وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ ) .
ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم .
ولا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره ، بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة ، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر حتى إنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم ؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم .
ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه أو أتى بحسنات تمحوه أو غفر له بفضل سابقته أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذي هم أحق الناس بشفاعته ، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه ، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطأوا فلهم أجر واحد والخطأ مغفور لهم ؟
ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح .
ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما من الله به عليهم من الفضائل علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء ، لا كان ولا يكون مثلهم ، وأنهم هم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله تعالى " انتهى باختصار من"مجموع الفتاوى" (3/152- 156) .
وقال الحافظ ابن حجر :
" اتَّفَقَ أَهْل السُّنَّة عَلَى وُجُوب مَنْع الطَّعْن عَلَى أَحَد مِنْ الصَّحَابَة بِسَبَبِ مَا وَقَعَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ عَرَفَ الْمُحِقّ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقَاتِلُوا فِي تِلْكَ الْحُرُوب إِلَّا عَنْ اِجْتِهَاد ، وَقَدْ عَفَا اللَّه تَعَالَى عَنْ الْمُخْطِئ فِي الِاجْتِهَاد , بَلْ ثَبَتَ أَنَّهُ يُؤْجَر أَجْرًا وَاحِدًا وَأَنَّ الْمُصِيب يُؤْجَر أَجْرَيْنِ " انتهى .
"فتح الباري" (13/34) .
ومثل هذا كثير في كلام أهل العلم ، وهو المتعين الأخذ به ؛ لأن فيه العصمة من الزلل ، والتعريف بحق أفضل الناس بعد النبيين .
أما عن مقتل عثمان وعلي رضي الله عنهما ، فلا شك أنهما قتلا مظلومين ، ونشهد لهما بالجنة ، ونشهد على من تلبس بهذا الأمر أو شارك فيه أو رضيه ، أو علمه ولم ينكره بأنه ضال مضل خبيث الطوية ، متبع غير سبيل المؤمنين ، والله يحاسبه يوم القيامة على صنيعه ، وسيحكم الله تعالى بينهم يوم القيامة . قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ .
منقول اسلام سؤال
الآثار المروية فيما وقع بين الصحابة - رضي الله عنهم - تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- منها ما هو كذب.
2- ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهته.
3- والصحيح منها هم فيه معذورون أما مجتهدون مصيبون وإما مجتهدون مخطئون (1).
ولهم - رضي الله عنهم - من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما صدر منهم.
وقد أثنى الله - عز وجل - عليهم مع أنه سبق في علمه ما سيكون منهم.
فقد روى ابن بطة بالإسناد الصحيح (2) عن عبدالله بن أحمد قال حدثني أبي حدثنا أبو معاوية (3) حدثنا رجاء عن مجاهد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لا تسبوا أصحاب محمد فإن الله أمر بالاستغفار لهم وهو يعلم أنهم سيقتتلون (4).
قال الإمام الذهبي - رحمه الله - في « السير » (10/92): « كما تقرر الكف عن كثير مما شجر بينهم وقتالهم - رضي الله عنهم - أجمعين وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف وبعضه كذب..».
قال ابن بطة في كتاب « الإبانة » (294): « ومن بعد ذلك نكف عما شجر بين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد شهدوا المشاهد معه، وسبقوا الناس بالفضل فقد غفر الله لهم وأمرك بالاستغفار لهم والتقرب إليه بمحبتهم وفرض ذلك على لسان نبيه وهو يعلم ما سيكون منهم وأنهم سيقتتلون وإنما فضلوا على سائر الخلق لأن الخطأ والعمد قد وضع عنهم وكل ما شجر بينهم مغفور لهم ولا تنظر في كتاب صفين والجمل ووقعة الدار وسائر المنازعات التي جرت بينهم ولا تكتبه لنفسك ولا لغيرك ولا تروه عن أحد ولا تقرأه على غيرك ولا تسمعه ممن يرويه فعلى ذلك اتفق سادات علماء هذه الأمة من النهي عما وصفناه منهم: حماد بن زيد ويونس بن عبيد وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وعبدالله بن إدريس ومالك بن أنس وابن أبي ذئب وابن المنكدر وابن المبارك وشعيب بن حرب وأبو إسحاق الفزاري ويوسف بن أسباط وأحمد بن حنبل وبشر بن الحارث وعبدالوهاب الوراق.كل هؤلاء قد رأوا: النهي عنها والنظر فيها والاستماع إليها وحذروا من طلبها والاهتمام بجمعها.
وقد روى عنهم فيمن فعل ذلك أشياء كثيرة بألفاظ مختلفة المعاني على كراهية ذلك والإنكار على من رواها واستمع إليها ».
وقد أجمع السلف على عدم الخوض فيما شجر بينهم رضى الله عنهم أجمعين
* روى الخطابي في كتاب « العزلة » (44) من طريق حمزة بن الحارث الدهان قال: حدثنا عبدالله بن روح المدائني قال: حدثنا يحيى بن الصامت قال: حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن الأعمش عن أبي راشد قال: جاء رجل من أهل البصرة إلى عبيد الله بن عمر فقال: إن رسول إخوانك من أهل البصرة إليك فإنهم يقرءونك السلام ويسألونك عن أمر هذين الرجلين علي وعثمان وما قولك فيهما. فقال: هل غير. قال: لا. قال: جهزوا الرجل فلما فرغ من جهازه قال: أقرأ - عليهم السلام - وأخبرهم أن قولي فيهم: ? تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ?.
* وروى الخطابي في « العزلة » (44)، وأبو نعيم في « الحلية » (9/144) من طريق يونس بن عبد الأعلى يقول: حدثنا الشافعي قال: قيل لعمر بن عبد العزيز: ما تقول في أهل صفين. فقال: تلك دماء طهر الله يدي منها فلا أحب أن أخضب لساني بها. وسنده منقطع.
* ورواه ابن سعد في « الطبقات الكبرى » (5/394)، وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (65/133) من طرق خالد بن يزيد بن بشر عن أبيه قال: سئل عمر بن عبد العزيز عن علي وعثمان والجمل صفين وما كان بينهم فقال: تلك دماء كف الله يدي عنها وأنا أكره أنا أطره أن أعمس لساني فيها (5)
* روى الخلال في « السنة » (2/460)، وابن الجوزي في « مناقب الإمام أحمد » (164): قيل للإمام أحمد: ما تقول فيما كان بين علي ومعاوية - رحمهما الله -؟ قال: ما أقول فيها إلا الحسنى - رحمهم الله - أجمعين (6) وسنده صحيح.
* وفي ترجمة الحسن بن إسماعيل الربعي في طبقات الحنابلة (1/349): قال. قال لي أحمد بن حنبل إمام أهل السنة والصابر تحت المحنة: - أجمع تسعون رجلًا من التابعين وأئمة الملمين، وأئمة السلف، وفقهاء الأمصار على:.... والكف عما شجر بين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأفضل الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والترحم على جميع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه، وأصهاره، رضوان الله عليهم أجمعين فهذه السنة الزموها، تلموا أخذها هدى، وتركها ضلالة »
* روى الخطيب في « تاريخ بغداد » (6/44)، وابن عساكر في « تاريخ مدينة دمشق » (59/141)، وابن أبي يعلى في « طبقات الحنابلة » (1/251) من طريق الحسن بن محمد الخلال حدثنا عبدالله بن عثمان الصفار حدثنا أبو القاسم إسحاق بن إبراهيم بن آزر الفقيه حدثني أبي قال: حضرت أحمد بن حنبل وسأله رجل عما جرى بين علي ومعاوية فأعرض عنه. فقيل له: يا أبا عبد الله هو رجل من بني هاشم فأقبل عليه. فقال: أقرأ ? تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ?.
* وروى ابن عدي في « الكامل » (4/34) ومن طريقه ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (22/215) عن شهاب بن خراش بن حوشب بن أخي العوام بن حوشب قال: أدركت من أدركت من صدر هذه الأمة وهم يقولون: أذكروا محاسن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تأتلف عليه القلوب، ولا تذكروا الذي شجر بينهم فتحرشوا الناس عليهم. وله طريق آخر.
فرواه الخلال في « السنة » (ص513) عن العوام بن حوشب قال: اذكروا محاسن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - تأتلف عليه قلوبكم، ولا تذكروا غيره فتحرشوا الناس عليهم.
* قال اللالكائي في « أصول اعتقاد أهل السنة » (321) أخبرنا محمد بن المظفر المقري قال: حدثنا الحسين بن محمد بن حبش المقري قال: حدثنا أبو محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم قال: سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك. فقالا: « أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازاً وعراقاً وشاماً ويمناً فكان من مذهبهم الإيمان قول وعمل يزيد وينقص والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته والقدر خيره وشره من الله - عز وجل - وخير هذه الأمة بعد نبيها - عليه الصلاة والسلام - أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب - عليهم السلام - وهم الخلفاء الراشدون المهديون وأن العشرة الذين سماهم رسول الله وشهد لهم بالجنة على ما شهد به رسول الله وقوله الحق والترحم على جميع أصحاب محمد والكف عما شجر بينهم... ».
* روى الإمام أحمد في « فضائل الصحابة » (19) (1739) عن وكيع حدثنا جعفر يعني بن برقان عن ميمون بن مهران قال: ثلاث ارفضوهن: سب أصحاب محمد، والنظر في النجوم، والنظر في القدر. وسنده صحيح (7).
* أخرج ابن عساكر في « تاريخه » (59/141) في ترجمة معاوية - رضي الله عنه - من طريق ابن منده ثم من طريق أبي القاسم ابن أخي أبي زرعة الرازي قال: جاء رجل إلى عمي فقال له: إني أبغض معاوية. فقال له: لم؟ قال: لأنه قاتل علياً بغير حق. فقال له أبو زرعة: رب معاوية رب رحيم، وخصم معاوية خصم كريم فما دخولك بينهما؟
* و في « السنة » للخلال بسند صحيح (512) قيل للإمام أحمد: « ما تقول فيمن زعم أنه مباح له أن يتكلم في مساوي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال أبو عبدالله: هذا كلام رديء يجانبون هؤلاء القوم ولا يجالسون ويبين أمرهم للناس ».
* وقال البربهاري في « شرح السنة » (102): « والكف عن حرب علي ومعاوية وعائشة وطلحة والزبير - رحمهم الله - أجمعين ومن كان معهم ولا تخاصم فيهم وكل أمرهم إلى الله- تبارك وتعالى -».
* قال الإمام الصابوني في « عقيدة السلف وأصحاب الحديث » (294): « ويرون الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيباً لهم ونقصاً فيهم »
* قال أبو الحسن الأشعري في « الإبانة » (78): « فأما ما جرى بين علي والزبير وعائشة - رضي الله عنهم - فإنما كان على تأويل واجتهاد وعلي الإمام وكلهم من أهل الاجتهاد وقد شهد لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة والشهادة فدل على أنهم كلهم على حق في اجتهادهم وكذلك ما جرى بين علي ومعاوية - رضي الله عنهما - كان على تأويل واجتهاد وكل الصحابة أئمة مأمونون غير متهمين في الدين، وقد أثنى الله ورسوله على جميعهم وتعبدنا بتوقيرهم وتعظيمهم وموالاتهم والتبري ممن ينقص أحدا منهم رضي الله عن جميعهم ».
* قال ابن أبي زيد القيرواني في « عقيدته » (23): « وأن لا يذكر أحد من صحابة الرسول إلا بأحسن ذكر والإمساك عما شجر بينهم وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ويظن بهم أحسن المذاهب ».
* قال القرطبي - رحمه الله - في « الجامع لأحكام القرآن » (16/321): « لا يجوز أن ينسب على أحد من الصحابة خطأ مقطوع به إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه وأرادوا الله - عز وجل - وهم كلهم لنا أئمة، وقد تعبدنا بالكف عما شجر بينهم وألا نذكرهم إلا بأحسن الذكر لحرمة الصحبة ولنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن سبهم وان الله غفر لهم وأخبر بالرضا عنهم ».
* قال الآجري - رحمه الله - في « كتاب الشريعة » (5/2458-2491) في الرد على من جوز الخوض فيما وقع بين الصحابة: « باب ذكر الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورحمة الله عليهم أجمعين: ينبغي لمن تدبر ما رسمنا من فضائل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفضائل أهل بيته - رضي الله عنهم - أجمعين أن يحبهم ويترحم عليهم ويستغفر لهم ويتوسل إلى الله الكريم لهم أي بالدعاء والترحم والاستغفار والترضي ويشكر الله العظيم إذ وفقه لهذا ولا يذكر ما شجر بينهم ولا ينقر عنه ولا يبحث فإن عارضنا جاهل مفتون قد خطي به عن طريق الرشاد فقال: لم قاتل فلان لفلان، ولم قتل فلان لفلان وفلان؟!
قيل له: ما بنا وبك إلى ذكر هذا حاجة تنفعنا ولا تضرنا إلى علمها.
فإن قال قائل: ولم؟
قيل: لأنها فتن شاهدها الصحابة - رضي الله عنهم - فكانوا فيها على حسب ما أراهم العلم بها وكانوا أعلم بتأويلها من غيرهم، وكانوا أهدى سبيلاً ممن جاء بعدهم لأنهم أهل الجنة، عليهم نزل القرآن وشاهدوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجاهدوا معه وشهد لهم الله - عز وجل - بالرضوان والمغفرة والأجر العظيم وشهد لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنهم خير القرون فكانوا بالله - عز وجل - أعرف وبرسوله - صلى الله عليه وسلم - وبالقرآن وبالسنة، ومنهم يؤخذ العلم وفي قولهم نعيش وبأحكامهم نحكم وبأدبهم نتأدب ولهم نتبع وبهذا أمرنا.
فإن قال قائل: وأيش الذي يضرنا من معرفتنا لما جرى بينهم والبحث عنه؟
قيل له: لا شك فيه، وذلك أن عقول القوم كانت أكبر من عقولنا وعقولنا أنقص بكثير ولا نأمن أن نبحث عما شجر بينهم فنزل عن طريق الحق ونتخلف عما أمرنا فيهم.
فإن قال قائل: وبم أمرنا فيهم؟
قيل: أمرنا بالاستغفار لهم والترحم عليهم والمحبة لهم والاتباع لهم دل على ذلك الكتاب والسنة وقول أئمة المسلمين وما بنا حاجة إلى ذكر ما جرى بينهم قد صحبوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصاهرهم وصاهروه فبالصحبة له يغفر الله الكريم لهم وقد ضمن الله - عز وجل - لهم في كتابه ألا يخزي منهم واحدا وقد ذكر لنا الله - تعالى -في كتابه أن وصفهم في التوراة والإنجيل فوصفهم بأجمل الوصف ونعتهم بأحسن النعت وأخبرنا مولانا الكريم أنه قد تاب عليهم وإذا تاب عليهم لم يعذب واحدا منهم أبدا - رضي الله عنهم - ورضوا عنه ? أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ?.
فإن قال قائل: إنما مرادي من ذلك لأن أكون عالماً بما جرى بينهم فأكون لم يذهب علي ما كانوا فيه لأني أحب ذلك ولا أجهله.
قيل له: أنت طالب فتنة لأنك تبحث عما يضرك ولا ينفعك ولو اشتغلت بإصلاح ما لله - عز وجل - عليك فيما تعبدك به من أداء فراضه واجتناب محارمه كان أولى بك وقيل له ولاسيما في زماننا هذا مع قبح ما قد ظهر فيه من الأهواء الضالة - فما يقول - رحمه الله - لو رأى ما يحدث ويقال في زمننا هذا -.
وقيل له: اشتغالك بمطعمك وملبسك من أين؟ هو أولى بك، وتمسكك بدرهمك من أين هو؟ وفيم تنفقه؟ أولى بك.
وقيل: لا نأمل أن تكون بتنقيرك وبحثك عما شجر بين القوم إلى أن يميل قلبك فتهوى ما يصلح لك أن تهواه ويلعب بك الشيطان فتسب وتبغض من أمرك الله بمحبته والاستغفار له وباتباعه، فتزل عن طريق الحق وتسلك طريق الباطل.
فإن قال: فاذكر لنا من الكتاب والسنة عمن سلف من علماء المسلمين ما يدل على ما قلت لنرد نفوسنا عما تهواه من البحث عما شجر بين الصحابة - رضي الله عنهم -.
قيل له: قد تقدم ذكرنا لما ذكرته مما فيه بلاغ وحجة لمن عقل، ونعيد بعض ما ذكرناه ليتيقظ به المؤمن المسترشد إلى طريق الحق.
قال الله - عز وجل -: \" محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلا من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار \" ثم وعدهم بعد ذلك المغفرة والأجر العظيم: \" وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً \" وقال الله - عز وجل -: \" لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين أتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم \"، وقال الله - عز وجل -: \" والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين أتبعوهم بإحسان - رضي الله عنهم - ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم \"، وقال - عز وجل -: \" يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبإيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير \"، وقال الله - عز وجل -: \" كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون على المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن من أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون \"، وقال - عز وجل -: \" لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً \" ثم إن الله - عز وجل - أثنى على من جاء من بعد الصحابة فاستغفر للصحابة وسأل مولاه الكريم ألا يجعل في قلبه غلا لهم فأثنى الله - عز وجل - عليه بأحسن ما يكون من الثناء فقال - عز وجل -: \" والذين جاءوا من بعدهم.. \" إلى قوله: \" رؤوف رحيم \" وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: « خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ».
وقال ابن مسعود: « إن الله - عز وجل - نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه وبعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد يعني من غير الأنبياء والمرسلين كما هو معلوم فجعلهم وزراء نبيه - صلى الله عليه وسلم - يقاتلون عن دينه ».
ثم قال الآجري - رحمه الله -: يقال: لمن سمع هذا من الله - عز وجل - ومن رسوله - صلى الله عليه وسلم -: إن كنت عبداً موفقاً للخير اتعظت بما وعظك الله - عز وجل - به وإن كنت متبعا لهواك خشيت عليك أن تكون ممن قال الله - عز وجل - فيهم: \" ومن أضل ممن أتبع هواه بغير هدى من الله \"، وكنت ممن قال الله - عز وجل – \" ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون \".
ويقال له: من جاء إلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يطعن في بعضهم ويهوى بعضهم ويذم بعضاً ويمدح بعضاً، فهذا رجل طالب فتنة وفي الفتنة وقع لأنه واجب عليه محبة الجميع والاستغفار للجميع - رضي الله عنهم - ونفعنا بحبهم ».
* قال ابن قدامة المقدسي في « لمعة الاعتقاد » (150): « ومن السنة تولي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومحبتهم وذكر محاسنهم والترحم عليهم والاستغفار لهم والكف عن ذكر مساوئهم وما شجر بينهم واعتقاد فضلهم ومعرفة سابقتهم قال الله - تعالى -: \" والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا \"، وقال - تعالى -: \" محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ? وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: « لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ».
* قال النووي في « شرحه على مسلم » (18/219-220): « ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم والإمساك عما شجر بينهم وتأويل قتالهم وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا بل اعتقد لك فريق أنه المحق ومخالفه باغ فوجب عليه قتاله ليرجع إلى الله وكان بعضهم مصيبا وبعضهم مخطئا معذورا في الخطأ لأنه اجتهاد والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه ».
* وقال شيخ الإسلام في « منهاج السنة » (4/448): « كان من مذاهب أهل السنة الإمساك عما شجر بين الصحابة فإنه قد ثبت فضائلهم ووجبت موالاتهم ومحبتهم وما وقع منه ما يكون لهم فيه عذر يخفى على الإنسان ومنه ما تاب صاحبه منه ومنه ما يكون مغفوراً فالخوض فيما شجر يوقع في نفوس كثير من الناس بغضاً وذماً، ويكون هو في ذلك مخطئاً، بل عاصياً فيضر نفسه ومن خاض معه في ذلك كما جرى لأكثر من تكلم في ذلك فإنهم بكلام لا يحيه الله ولا رسوله إما من ذم من لا يستحق الذم وإما من مدح أمور لا تستحق المدح ولهذا كان الإمساك طريقة أفاضل السلف ».
وقال أيضاً في « مجموع الفتاوى » (3/406): « وكذلك نؤمن بالإمساك عما شجر بينهم ونعلم أن بعض المنقول في ذلك كذب وهم كانوا مجتهدين إما مصيبين لهم أجران أو مثابين على عملهم الصالح مغفور لهم خطؤهم وما كان لهم من السيئات وقد سبق لهم من الله الحسنى فإن الله يغفر لهم إما بتوبة أو بحسنات ماحية أو مصائب مكفرة وما شجر بينهم من خلاف فقد كانوا - رضي الله عنهم - يطالبون فيه الحق ويدافعون فيه عن الحق فاختلفت فيه اجتهاداتهم ولكنهم عند الله - عز وجل - من العدول المرضي عنهم ومن هنا كان منهج أهل السنة والجماعة هو حفظ اللسان عما شجر بينهم فلا نقول عنهم إلا خيرا ونتأول ونحاول أن نجد الأعذار للمخطئ منهم ولا نطعن في نياتهم فهي عند الله وقد أفضوا إلى ما قدموا فنترضى عنهم جميعا ونترحم عليهم ونحرص على أن تكون القلوب سليمة تجاههم ».
* ويقول الإمام الذهبي - رحمه الله - في « السير » (10/92-93): « كما تقرر الكف عن كثير مما تشجر بينهم وقتالهم - رضي الله عنهم - أجمعين وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف وبعضه كذب... فينبغي طيه وإخفاءه بل إعدامه لتصفوا القلوب وتتوفر على حب الصحابة والترضي عنهم وكتمان ذلك متعين عن العامة وآحاد العلماء ». إلى أن قال: « فأما ما نقله أهل البدع في كتبهم من ذلك فلا نعرج عليه ولا كرامة فأكثره باطل وكذب وافتراء » وقال أيضاً في « السير » (3/128): « فبالله كيف يكون حال من نشأ في إقليم لا يكاد يشاهد فيه إلا غالياً في الحب مفرطاً في البغض ومن أين يقع له الإنصاف والاعتدال؟! فنحمد الله على العافية الذين أوجدنا في زمان قد أنمحص فيه الحق وأتضح من الطرفين وعرفنا مآخذ كل واحد من الطائفتين وتبصرنا فعذرنا واستغفرنا وأحببنا باقتصاد وترحمنا على البغاة بتأويل سائغ في الجملة أو بخطأ إن شاء الله مغفور وقلنا كما علمنا الله ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا وترضينا أيضا عمن اعتزل الفريقين كسعد بن أبي وقاص وابن عمر ومحمد بن مسلمة وسعيد بن زيد وخلق وتبرأنا من الخوارج الذين حاربوا علياً وكفروا الفريقين ».
* قال ابن حجر في « الفتح » (13/37): « واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك ولو عرف المحق منهم لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد وقد عفا الله - تعالى -عن المخطئ في الاجتهاد بل ثبت أنه يؤجر أجراً واحداً وأن المصيب يؤجر أجرين »
وأقوال أهل العلم وآثار السلف في ذلك أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تعد، وإن رغمت أنوف فقل يا رب لا ترغم سواها!
وهذه النقولات التي ذكرتها عن السلف وأهل العلم غيض من فيض ولعل فيما نقل منها مقنع لمن طلب الحق ولم يتبع هواه والله الموعد.
4/11/1425هـ
------------------
(1) انظر الواسطية لابن تيمية.
(2) قال الإمام ابن تيمية في منهاج السنة (2/22).
(3) في الأصل (معاوية) وهو خطأ.
(4) فضائل الصحابة للإمام أحمد (1/69)، (2/1152) لكن جاء في الأصل عن أبي معاوية عن رجل! وأظنه تصحيف.
وانظر: الصارم المسلول (3/1071)، والإبانة لابن بطة (294).
(5) رواه الخلال في السنة (1/261) (717) من طريق أخر وهذه الطريق يشد بعضها بعضًا فالإسناد حسن.
(6)انظر تنزيه خال المؤمنين لأبي يعلى - رحمه الله - (86).
(7) وذكره ابن بطة في الإبانة (181).
منقول موقع مداد
اليوم في 12:53 pm من طرف صادق النور
» إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن الشرك سيظهر في هذه الأمة بعد إخفائه واندحاره
أمس في 2:19 pm من طرف عبدالله الآحد
» فضل توحيد الله سبحانه
الجمعة نوفمبر 22, 2024 3:20 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب الدعوة إلى توحيد الله سبحانه
الخميس نوفمبر 21, 2024 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد