آل راشد



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

آل راشد

آل راشد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
آل راشد

ثقافى-اجتماعى

*** - اللَّهُمَّ اَنَكَ عَفْوٍ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعِفُو عَنَّا - *** - اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك . *** - اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا تَوْبَةً نَصُوحًا قَبْلَ الْمَوْتِ وَ ارْزُقْنَا حُسْنَ الْخَاتِمَةِ . *** -

إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا شَابَتْ عَبِيدَهُمْ.. .. فِي رِقِّهِمْ عَتَقُوهُمْ عِتْقَ أَبْرَارٍ .. .. وَأَنْتَ يَا خَالِقِيُّ أوْلَى بِذَا كَرَمًا.. .. قَدْ شُبْتُ فِي الرِّقِّ فَأَعْتَقَنِي مِنَ النَّارِ .

المواضيع الأخيرة

» إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن الشرك سيظهر في هذه الأمة بعد إخفائه واندحاره
 المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :: أنواعُ الصِّفاتِ :صِفاتُ اللهِ الواردةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ : الآخِرِيَّةُ : الإبداءُ والإعادةُ. :الإتيانُ والمجيءُ. : الإِجَابَةُ. :الأَحَدُ والأحَدِيَّةُ.                  Ooou110أمس في 2:19 pm من طرف عبدالله الآحد

» فضل توحيد الله سبحانه
 المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :: أنواعُ الصِّفاتِ :صِفاتُ اللهِ الواردةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ : الآخِرِيَّةُ : الإبداءُ والإعادةُ. :الإتيانُ والمجيءُ. : الإِجَابَةُ. :الأَحَدُ والأحَدِيَّةُ.                  Ooou110الجمعة نوفمبر 22, 2024 3:20 pm من طرف عبدالله الآحد

» وجوب الدعوة إلى توحيد الله سبحانه
 المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :: أنواعُ الصِّفاتِ :صِفاتُ اللهِ الواردةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ : الآخِرِيَّةُ : الإبداءُ والإعادةُ. :الإتيانُ والمجيءُ. : الإِجَابَةُ. :الأَحَدُ والأحَدِيَّةُ.                  Ooou110الخميس نوفمبر 21, 2024 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد

» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
 المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :: أنواعُ الصِّفاتِ :صِفاتُ اللهِ الواردةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ : الآخِرِيَّةُ : الإبداءُ والإعادةُ. :الإتيانُ والمجيءُ. : الإِجَابَةُ. :الأَحَدُ والأحَدِيَّةُ.                  Ooou110الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد

» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
 المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :: أنواعُ الصِّفاتِ :صِفاتُ اللهِ الواردةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ : الآخِرِيَّةُ : الإبداءُ والإعادةُ. :الإتيانُ والمجيءُ. : الإِجَابَةُ. :الأَحَدُ والأحَدِيَّةُ.                  Ooou110الأربعاء نوفمبر 20, 2024 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد

» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
 المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :: أنواعُ الصِّفاتِ :صِفاتُ اللهِ الواردةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ : الآخِرِيَّةُ : الإبداءُ والإعادةُ. :الإتيانُ والمجيءُ. : الإِجَابَةُ. :الأَحَدُ والأحَدِيَّةُ.                  Ooou110الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد

» العبادة وأركانها
 المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :: أنواعُ الصِّفاتِ :صِفاتُ اللهِ الواردةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ : الآخِرِيَّةُ : الإبداءُ والإعادةُ. :الإتيانُ والمجيءُ. : الإِجَابَةُ. :الأَحَدُ والأحَدِيَّةُ.                  Ooou110الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد

» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
 المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :: أنواعُ الصِّفاتِ :صِفاتُ اللهِ الواردةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ : الآخِرِيَّةُ : الإبداءُ والإعادةُ. :الإتيانُ والمجيءُ. : الإِجَابَةُ. :الأَحَدُ والأحَدِيَّةُ.                  Ooou110الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد

» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
 المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :: أنواعُ الصِّفاتِ :صِفاتُ اللهِ الواردةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ : الآخِرِيَّةُ : الإبداءُ والإعادةُ. :الإتيانُ والمجيءُ. : الإِجَابَةُ. :الأَحَدُ والأحَدِيَّةُ.                  Ooou110الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور

» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
 المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :: أنواعُ الصِّفاتِ :صِفاتُ اللهِ الواردةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ : الآخِرِيَّةُ : الإبداءُ والإعادةُ. :الإتيانُ والمجيءُ. : الإِجَابَةُ. :الأَحَدُ والأحَدِيَّةُ.                  Ooou110الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد

اهلا بكم

الثلاثاء نوفمبر 08, 2011 2:32 am من طرف mohamed yousef

 المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :: أنواعُ الصِّفاتِ :صِفاتُ اللهِ الواردةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ : الآخِرِيَّةُ : الإبداءُ والإعادةُ. :الإتيانُ والمجيءُ. : الإِجَابَةُ. :الأَحَدُ والأحَدِيَّةُ.                  Ooousu10

المتواجدون الآن ؟

ككل هناك 31 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 31 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الأربعاء سبتمبر 15, 2021 4:26 am

احصائيات

أعضاؤنا قدموا 10132 مساهمة في هذا المنتدى في 3408 موضوع

هذا المنتدى يتوفر على 311 عُضو.

آخر عُضو مُسجل هو Pathways فمرحباً به.

دخول

لقد نسيت كلمة السر

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع


    المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :: أنواعُ الصِّفاتِ :صِفاتُ اللهِ الواردةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ : الآخِرِيَّةُ : الإبداءُ والإعادةُ. :الإتيانُ والمجيءُ. : الإِجَابَةُ. :الأَحَدُ والأحَدِيَّةُ.

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

     المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :: أنواعُ الصِّفاتِ :صِفاتُ اللهِ الواردةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ : الآخِرِيَّةُ : الإبداءُ والإعادةُ. :الإتيانُ والمجيءُ. : الإِجَابَةُ. :الأَحَدُ والأحَدِيَّةُ.                  Empty المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :: أنواعُ الصِّفاتِ :صِفاتُ اللهِ الواردةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ : الآخِرِيَّةُ : الإبداءُ والإعادةُ. :الإتيانُ والمجيءُ. : الإِجَابَةُ. :الأَحَدُ والأحَدِيَّةُ.

    مُساهمة من طرف صادق النور الخميس ديسمبر 28, 2023 9:51 am

    : المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :

    : : أنواعُ الصِّفاتِ :


    يُمكِنُ تقسيمُ صِفاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ إلى ثلاثةِ أقسامٍ :
    أوَّلًا: باعتبارِ إثباتِها ونَفْيِها.
    ثانيًا: باعتبارِ تعلُّقِها بذاتِ اللهِ وأفعالِه.
    ثالثًا: باعتبارِ ثُبوتِها وأدلَّتِها.
    وكلُّ قسمٍ مِن هذه الأقسامِ الثَّلاثةِ ينقسِمُ إلى نوعينِ:
    أولًا: باعتبارِ إثباتِها ونَفْيِها
    أ - صِفاتٌ ثُبوتيَّةٌ:
    هي ما أثبَتَه اللهُ سُبحانَه وتعالى لنَفْسِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ كالاستواءِ، والنُّزولِ، والوجهِ، واليَدِ، وكلُّها صِفاتُ مَدْحٍ وكَمالٍ، وهي أغلَبُ الصِّفاتِ المنصوصِ عليها في الكِتابِ والسُّنَّةِ، ويجبُ إثباتُها.

    قال عبدُ العزيز الكنانيُّ: (إنَّ على النَّاسِ كُلِّهم جميعًا أن يُثبِتوا ما أثبت اللهُ، ويَنفُوا ما نفى الله، ويُمسِكوا عمَّا أمسك اللهُ عنه) .
    وقال ابنُ تَيميَّةَ: (الرَّبُّ تعالى موصوفٌ بالصِّفاتِ الثُّبوتيَّةِ المُتَضَمِّنةِ لكَمالِه) .
    ب- صِفاتٌ سَلبيَّةٌ (مَنفيَّةٌ):
    هي ما نفاه اللهُ عن نَفْسه، أو نفاه عنه رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكلُّها صِفاتُ نَقْصٍ؛ كالموتِ، والسِّنَةِ، والنَّومِ، والظُّلمِ...
    وغالبًا تأتي في الكِتاب أو السُّنَّة مسبوقةً بأداةِ نَفْيٍ، مِثلُ: (لا)، و(ما)، و(ليس)، وهذه تُنفَى عنِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ويُثبَتُ ضِدُّها مِن الكَمالِ.
    قال ابنُ تَيميَّةَ: (اللهُ موصوفٌ بصِفاتِ الكَمالِ الثُّبوتيَّةِ، كالحياةِ، والعِلْمِ، والقُدرةِ، فيَلزَمُ من ثُبوتِها سَلبُ صِفاتِ النَّقصِ، وهو سُبحانَه لا يُمدَحُ بالصِّفاتِ السَّلبيَّةِ إلَّا لتضَمُّنِها المعانيَ الثُّبوتيَّةَ، فإنَّ العَدَمَ المحْضَ والسَّلْبَ الصِّرْفَ لا مَدْحَ فيه ولا كَمالَ؛ إذ كان المعدومُ يُوصَفُ بالعَدَمِ المحْضِ، والعَدَمُ نَفيٌ مَحْضٌ لا كَمالَ فيه، إنَّما الكَمالُ في الوُجودِ.
    ولهذا جاء كتابُ اللهِ تعالى على هذا الوَجهِ، فيَصِفُ سُبحانَه نَفْسَه بالصِّفاتِ الثُّبوتيَّةِ؛ صِفاتِ الكَمالِ، وبصِفاتِ السَّلبِ المُتَضَمِّنةِ للثُّبوتِ، كقَولِه: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة: 255] ،
    فنَفيُ أخذِ السِّنَةِ والنَّومِ يَتضَمَّنُ كَمالَ حياتِه وقَيُّومِيَّتِه؛ إذ النَّومُ أخو الموتِ؛ ولهذا كان أهلُ الجَنَّةِ لا ينامونَ، مع كَمالِ الرَّاحةِ،
    كما لا يموتونَ. والقَيُّومُ: القائِمُ المُقيمُ لِما سِواه، فلو جُعِلَت له سِنَةٌ أو نومٌ، لنقَصَت حياتُه وقَيُّوميَّتُه، فلم يكُنْ قائِمًا، ولا قيُّومًا) .
    وقال ابنُ عَرَفةَ المالكيُّ: (إنَّ الصِّفاتِ قِسمان: ثبوتيَّةٌ وسَلبيَّةٌ، والصِّفاتُ السَّلبيَّةُ أسهَلُ من الصِّفاتِ الثبوتيَّةِ، ولأجْلِ هذا لم يخالِفْ أحدٌ في السَّلبيَّةِ، واختلفوا في الثُّبوتيَّة؛ فأنكرها المعتَزِلةُ، وأثبتها أهلُ السُّنَّةِ) .

    وقال محمود الألوسي في تفسيرِ سورةِ الإخلاصِ: (ذكَرَ بَعضُهم أنَّ الاسمَ الجليلَ اللَّهُ يدُلُّ على جميعِ صِفاتِ الكَمالِ، وهي الصِّفاتُ الثبوتيَّةُ، ويقالُ لها صفاتُ الإكرامِ أيضًا، والأحَدُ يدُلُّ على جميعِ صفاتِ الجَلالِ، وهي الصِّفاتُ السَّلبيَّةُ) .
    وقال ابنُ عُثَيمين: (الصِّفاتُ قِسمانِ:
    1 - صِفاتٌ مُثبَتةٌ: وتُسَمَّى عندهم: الصِّفاتِ الثُّبوتيَّةَ.
    2 - وصِفاتٌ مُنفيَّةٌ: ويُسَمُّونَها: الصِّفاتِ السَّلبيَّةَ، من السَّلبِ، وهو النَّفيُ، ولا حَرَجَ من أن نسَمِّيَها سَلبيَّةً، وإن كان بعضُ النَّاسِ توقَّفَ، وقال: لا نُسَمِّيها سَلبيَّةً، بل نقولُ: مَنفيَّةٌ.
    فنقولُ: ما دام السَّلبُ في اللُّغةِ بمعنى النَّفيِ، فالاختِلافُ في اللَّفظِ، ولا يَضُرُّ) .
    ثانيًا: باعتبارِ تعلُّقِها بذاتِ اللهِ وأفعالِه
    أ - صِفاتٌ ذاتِيَّةٌ:
    هي الَّتي لم يَزَلْ ولا يَزالُ اللهُ متَّصِفًا بها؛ كالعِلمِ، والقُدرةِ، والحياةِ، والوَجْهِ، واليدينِ.
    قال الطحاوي: (ما زال بصِفاتِه قديمًا قَبلَ خَلْقِه، لم يَزدَدْ بكَونهِم شيئًا لم يكُنْ قَبْلَهم مِن صِفاتِه، وكما كان بصِفاتِه أزَلِيًّا كذلك لا يَزالُ عليها أبدِيًّا، ليس بعد خَلْقِ الخَلقِ استفادَ اسمَ الخالِقِ، ولا بإحداثِ البَريَّةِ استفادَ اسمَ الباري) .
    وقال ابنُ تَيميَّةَ: (الرَّبُّ تعالى لم يَزَلْ ولا يَزالُ موصوفًا بصِفاتِ الكَمالِ، مَنعوتًا بنُعوتِ الجَلالِ والإكرامِ، وكَمالُه مِن لوازمِ ذاتِه، فيمتَنِعُ أن يَزولَ عنه شيءٌ من صِفاتِ كَمالِه، ويمتَنِعُ أن يصيرَ ناقصًا بعد كَمالِه. وهذا الأصلُ عليه قَولُ السَّلَفِ وأهلِ السُّنَّةِ: أنَّه لم يَزَلْ متكَلِّمًا إذا شاء، ولم يَزَلْ قادِرًا، ولم يَزَلْ موصوفًا بصِفاتِ الكَمالِ، ولا يزالُ كذلك، فلا يكونُ متغَيِّرًا) .
    وقال ابنُ القَيِّمِ: (لا رَيبَ أنَّ اللهَ تبارك وتعالى لم يَزَلْ ولا يَزالُ موصوفًا بصِفاتِ الكَمالِ المشتَقَّةِ أسماؤُه منها، فلم يَزَلْ بأسمائِه وصِفاتِه، وهو إلهٌ واحِدٌ، له الأسماءُ الحُسْنى والصِّفاتُ العُلا، وأسماؤُه وصِفاتُه داخِلةٌ في مُسَمَّى اسمِه، وإن كان لا يُطلَقُ على الصِّفةِ أنَّها إلهٌ يَخلُقُ ويَرزُقُ، فليست صِفاتُه وأسماؤُه غَيرَه، وليست هي نَفْسَ الإلهِ،
    وبَلاءُ القَومِ مِن لَفظةِ الغَيرِ؛ فإنَّه يُرادُ بها مَعنَيَينِ؛ أحدُهما: المغايِرُ لتلك الذَّاتِ المسَمَّاةِ باللهِ، وكُلُّ ما غايَرَ اللهَ مُغايرةً مَحْضةً بهذا الاعتبارِ فلا يكونُ إلَّا مخلوقًا. ويُرادُ به مُغايرةُ الصِّفةِ للذَّاتِ إذا خرَجَت عنها،
    فإذا قيل: عِلمُ اللهِ وكلامُ اللهِ غَيرُه، بمعنى: أنَّه غيرُ الذَّاتِ المجَرَّدةِ عن العِلْمِ والكلامِ؛
    كان المعنى صحيحًا، ولكِنَّ الإطلاقَ باطِلٌ، وإذا أُريدَ أنَّ العِلْمَ والكلامَ مُغايِرٌ لحقيقتِه المختَصَّةِ التي امتاز بها عن غَيرِه، كان باطِلًا لفظًا ومعنًى) .
    وقال ابنُ القَيِّمِ: (هو الإلهُ الحَقُّ الكامِلُ في أسمائِه وصِفاتِه، الغَنيُّ عمَّا سِواه، الحميدُ المجيدُ بذاتِه قبل أن يَخلُقَ مَن يَحمَدُه ويَعبُدُه ويُمَجِّدُه، فهو معبودٌ محمودٌ حيٌّ قيُّومٌ، له المُلكُ وله الحمدُ في الأَزَلِ والأَبَدِ، لم يَزَلْ ولا يزالُ موصوفًا بصِفاتِ الجَلالِ، مَنعوتًا بنعوتِ الكَمالِ، وكُلُّ شَيءٍ سِواه فإنَّما كان به، وهو تعالى بنَفْسِه ليس بغَيرِه، فهو القيُّومُ الذي قيامُ كُلِّ شَيءٍ به، ولا حاجةَ به في قيوميَّتِه إلى غيرِه بوَجهٍ مِن الوجوهِ) .
    وقال ابنُ أبي العِزِّ: (اللهُ سُبحانَه وتعالى لم يَزَلْ متَّصِفًا بصِفاتِ الكَمالِ: صِفاتِ الذَّاتِ وصِفاتِ الفِعْلِ، ولا يجوزُ أن يُعتَقَدَ أنَّ اللهَ وُصِفَ بصفةٍ بعد أنْ لم يكُنْ متَّصِفًا بها؛ لأنَّ صِفاتِه سُبحانَه صِفاتُ كَمالٍ، وفَقْدُها صِفةُ نَقصٍ، ولا يجوزُ أن يكونَ قد حَصَل له الكَمالُ بعد أن كان متَّصِفًا بضِدِّه، ولا يَرِدُ على هذه صِفاتُ الفِعلِ والصِّفاتُ الاختياريَّةُ ونحوُها، كالخَلْقِ والتَّصويرِ، والإماتةِ والإحياءِ، والقَبضِ والبَسْطِ والطَّيِّ، والاستواءِ والإتيانِ والمجيءِ، والنُّزولِ، والغَضَبِ والرِّضا، ونحوِ ذلك مِمَّا وَصَف به نَفْسَه ووَصَفه به رَسولُه، وإن كُنَّا لا نُدرِكُ كُنْهَه وحقيقتَه التي هي تأويلُه، ولا ندخُلُ في ذلك متأوِّلينَ بآرائِنا، ولا متوَهِّمينَ بأهوائِنا، ولكِنَّ أصلَ معناه مَعْلُومٌ لنا،
    كما قال الإمامُ مالِكٌ رَضِيَ اللهُ عنه لَمَّا سُئِلَ عن قَولِه تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: 54] : كيف استوى؟ فقال: الاستواءُ مَعْلُومٌ، والكيفُ مَجهولٌ. وإن كانت هذه الأحوالُ تحدُثُ في وقتٍ دونَ وَقتٍ،
    كما في حديثِ الشَّفاعةِ: ((إنَّ رَبِّي قد غَضِبَ اليومَ غَضَبًا لم يَغضَبْ قَبْلَه مِثْلَه، ولن يَغضَبَ بَعْدَه مِثْلَه ))؛ لأنَّ هذا الحُدوثَ بهذا الاعتبارِ غيرُ ممتَنِعٍ، ولا يُطلَقُ عليه أنَّه حَدَث بعد أن لم يكُنْ، ألا ترى أنَّ من تكَلَّم اليَومَ وكان متكَلِّمًا بالأمسِ، لا يقالُ: إنَّه حَدَث له الكلامُ. ولو كان غيرَ مُتكَلِّمٍ لآفةٍ، كالصِّغَرِ والخَرَسِ، ثمَّ تكَلَّمَ، يُقالُ: حَدَث له الكلامُ؛ فالسَّاكِتُ لغيرِ آفةٍ يُسَمَّى مُتكَلِّمًا بالقُوَّةِ، بمعنى أنَّه يتكَلَّمُ إذا شاء، وفي حالِ تكَلُّمِه يُسَمَّى متكَلِّمًا بالفِعلِ، وكذلك الكاتِبُ في حالِ الكِتابةِ هو كاتِبٌ بالفِعلِ، ولا يخرجُ عن كَونِه كاتِبًا في حالِ عَدَمِ مُباشَرتِه للكِتابةِ.
    وحُلولُ الحوادثِ بالرَّبِّ تعالى، المنفيُّ في عِلمِ الكلامِ المذمومِ، لم يَرِدْ نَفيُه ولا إثباتُه في كتابٍ ولا سُنَّةٍ، وفيه إجمالٌ؛
    فإن أريدَ بالنَّفيِ أنَّه سُبحانَه لا يَحُلُّ في ذاتِه المقدَّسةِ شَيءٌ مِن مخلوقاتِه المُحْدَثةِ، أو لا يَحدُثُ له وَصفٌ متجَدِّدٌ لم يكُنْ؛ فهذا نفيٌ صَحيحٌ. وإن أريدَ به نَفيُ الصِّفاتِ الاختياريَّةِ، مِن أنَّه لا يَفعَلُ ما يريدُ، ولا يتكَلَّمُ بما شاء إذا شاء، ولا أنَّه يَغضَبُ ويرضى لا كأحَدٍ مِنَ الوَرَى، ولا يُوصَفُ بما وَصَف به نَفْسَه من النُّزولِ والاستواءِ والإتيانِ، كما يَليقُ بجلالِه وعَظَمتِه؛ فهذا نَفيٌ باطِلٌ.
    وأهلُ الكَلامِ المذمومِ يُطلِقونَ نَفيَ حُلولِ الحوادِثِ، فيُسَلِّمُ السُّنِّيُّ للمتكَلِّمِ ذلك، على ظَنِّ أنَّه نفى عنه سُبحانَه ما لا يَليقُ بجلالِه، فإذا سَلَّم له هذا النَّفيَ ألزَمَه نَفيَ الصِّفاتِ الاختياريَّةِ وصِفاتِ الفِعلِ، وهو لازمٌ له، وإنَّما أُتِيَ السُّنِّيُّ مِن تسليمِ هذا النَّفيِ المُجمَلِ، وإلَّا فلو استفسَرَ واستَفصَلَ لم ينقَطِعْ معه.
    وكذلك مسألةُ الصِّفةِ: هل هي زائدةٌ على الذَّاتِ أم لا؟ لفظُها مُجْمَلٌ...
    والتَّحقيقُ: أن يُفَرَّقَ بين قَولِ القائِلِ: الصِّفاتُ غيرُ الذَّاتِ، وبين قَولِه: صِفاتُ اللهِ غيرُ اللهِ؛ فإنَّ الثَّانيَ باطِلٌ؛ لأنَّ مُسَمَّى اللهِ يدخُلُ فيه صِفتُه، بخِلافِ مُسَمَّى الذَّاتِ؛ فإنَّه لا يدخُلُ فيه الصِّفاتُ؛ لأنَّ المرادَ أنَّ الصِّفاتِ زائدةٌ على ما أثبَتَه المثبِتونَ مِنَ الذَّاتِ، واللهُ تعالى هو الموصوفُ بالذَّاتِ الموصوفةِ بصِفاتِه اللَّازِمةِ) .
    فاللهُ تعالى لم يَزَلْ له يدانِ ووَجهٌ وعَينانِ، لم يَحدُثْ له شَيءٌ من ذلك بعد أنْ لم يكُنْ، ولن ينفَكَّ عن شَيءٍ منه، كما أنَّ اللهَ لم يَزَلْ حَيًّا ولا يزالُ حَيًّا، لم يَزَلْ عالِمًا ولا يزالُ عالِمًا، ولم يَزَل قادِرًا ولا يزالُ قادِرًا، وهكذا، فهو موصوفٌ بذلك أزَلًا وأبَدًا، وتجَدُّدُ المسموعِ لا يَستلزِمُ تجَدُّدَ السَّمعِ، فالإنسانُ مثلًا عندما يَسمَعُ الأذانَ الآن فهذا ليس معناه أنَّه حَدَث له سَمعٌ جديدٌ عند سماعِ الأذانِ، بل سَمْعُه موجودٌ منذ خَلَقَه اللهُ، ولكِنَّ الأشياءَ المسموعةَ هي التي تحدُثُ وتتجَدَّدُ .
    ب- صِفاتٌ فِعليَّةٌ:
    هي الصِّفاتُ المُتعلِّقةُ بمشيئةِ اللهِ وقُدرتِه؛ إنْ شاء فعَلَ، وإنْ شاء لم يفعَلْ؛ كالمَجيءِ، والنُّزولِ، والغضَبِ، والفَرَحِ، والضَّحِكِ.
    قال الباقِلَّاني: (بابُ تفصيلِ صِفاتِ الذَّاتِ مِن صِفاتِ الأفعالِ؛ فإن قال قائلٌ: ففَصِّلوا لي صفاتِ ذاتِه من صِفاتِ أفعالِه؛ لأعرِفَ ذلك.
    قيل له: صفاتُ ذاتِه هي: التي لم يَزَلْ ولا يزالُ موصوفًا بها، وهي: الحياةُ، والعِلمُ، والقُدرةُ، والسَّمعُ، والبَصَرُ، والكلامُ، والإرادةُ، والبقاءُ، والوَجهُ، والعينانِ، واليَدانِ...
    وصفاتُ فِعْلِه هي: الخَلقُ، والرِّزقُ، والعَدلُ، والإحسانُ، والتفَضُّلُ، والإنعامُ، والثَّوابُ، والعِقابُ، والحَشرُ، والنَّشرُ، وكُلُّ صِفةٍ كان موجودًا قبل فِعْلِه لها) .

    وقال البيهقيُّ: (بابٌ: بيانُ صِفةِ الذَّاتِ وصِفةِ الفِعلِ؛ قال اللهُ جَلَّ ثناؤُه: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم [الحشر: 22 - 24] ،
    فأشار في هذه الآياتِ إلى فَصلِ أسماءِ الذَّاتِ من أسماءِ الفِعلِ على ما نُبَيِّنهُ، إلى سائِرِ ما ذَكَر في كتابِه من أسماءِ الذَّاتِ وأسماءِ الفِعلِ؛ فلله -عزَّ اسمُه- أسماءٌ وصِفاتٌ، وأسماؤُه صِفاتُه، وصِفاتُه أوصافُه، وهي على قِسمَينِ: أحَدُهما صِفاتُ ذاتٍ، والآخَرُ صِفاتُ فِعلٍ) .
    وقال الرازي: (النَّوعُ الثَّالِثُ في تقسيمِ أسماءِ اللهِ: أنَّ صِفاتِ اللهِ تعالى إمَّا أن تكونَ ذاتيَّةً، أو معنويَّةً، أو كانت من صفاتِ الأفعالِ) .

    وقال ابنُ حَجَرٍ: (قال ابنُ بَطَّال: أسماءُ اللهِ تعالى على ثلاثةِ أضرُبٍ؛ أحَدُها: يرجِعُ إلى ذاتِه، وهو اللهُ، والثاني: يرجِعُ إلى صفةٍ قائمةٍ به كالحَيِّ، والثالثُ: يرجِعُ إلى فِعْلِه كالخالِقِ، وطريقُ إثباتِها السَّمعُ، والفَرقُ بين صِفاتِ الذَّاتِ وصِفاتِ الفِعلِ أنَّ صِفاتِ الذَّاتِ قائِمةٌ به، وصفاتِ الفِعلِ ثابتةٌ له بالقُدرةِ، ووجودِ المفعولِ بإرادتِه جَلَّ وعلا) .

    وقال علي القاري: (هو مَولانا، نِعْمَ المَولى، ونِعْمَ النَّصيرُ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ، وهو متَّصِفٌ بأوصافِ الكَمالِ مِن نُعوتِ الجَلالِ وصِفاتِ الجَمالِ الذَّاتيَّةِ والأفعاليَّةِ، والثبوتيَّة والسَّلبيَّة، فهو كما أنَّه موصوفٌ بأوصافِ الكَمالِ مُنَزَّهٌ عن صفاتِ النُّقصانِ والزَّوالِ) .

    وقال ابنُ عُثَيمين: (الصِّفاتُ الثُّبوتيَّةُ تَنقَسِمُ إلى قِسمَينِ: ذاتيَّةٍ، وفِعليَّةٍ.
    فالذاتيَّةُ: هي التي لم يَزَلْ ولا يزالُ متَّصِفًا بها؛ كالعِلْمِ، والقُدرةِ، والسَّمعِ، والبَصَرِ، والعِزَّةِ، والحِكمةِ، والعُلُوِّ، والعَظَمةِ. ومنها الصِّفاتُ الخَبَريَّةُ: كالوَجهِ واليَدَينِ والعَينَينِ.
    والفِعليَّةُ: هي التي تتعَلَّقُ بمشيئتِه؛ إن شاء فعَلَها، وإن شاء لم يفعَلْها، كالاستواءِ على العَرْشِ، والنُّزولِ إلى السَّماءِ الدُّنيا) .
    وأفعالُه سُبحانَه وتعالى نوعانِ:
    1- لازمةٌ: كالاستواءِ، والنُّزولِ، والإتيان.
    2- مُتعدِّيَةٌ:كالخَلْقِ، والإعطاءِ.
    وأفعالُه سُبحانَه وتعالى لا مُنتهَى لها، وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم: 27] ، ومِن ثَمَّ فصِفاتُ اللهِ الفِعليَّةُ لا حَصْرَ لها.
    قال ابنُ تَيميَّةَ: (مِن أعظَمِ الأُصولِ مَعرِفةُ الإنسانِ بما نَعَت اللهُ به نَفْسَه؛ منه الصِّفاتُ الفِعليَّةُ كقَولِه في هذه السُّورةِ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ [العلق: 2] ، و«الخَلْقُ» مذكورٌ في مواضِعَ كثيرةٍ، وكذلك غيرُه مِن الأفعالِ،
    وهو نوعانِ: فعلٌ متعَدٍّ إلى مفعولٍ به؛ مِثلُ «خَلَقَ»؛ فإنَّه يقتضي مخلوقًا، وكذلك «رَزقَ»، كقَولِه: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ [الروم: 40] ،
    وكذلك الهُدى والإضلالُ والتعليمُ والبَعثُ والإرسالُ والتكليمُ، وكذلك ما أخبَرَ به مِن قَولِه: فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ، فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ [فصلت: 12] ،
    وقَولِه: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ [الذاريات: 47]،
    وقَولِه: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ [البقرة: 22] ،
    وقَولِه في الآيةِ الأخرى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ [غافر: 64] ،
    وهذا في القُرآنِ كثيرٌ جِدًّا. والأفعالُ اللَّازِمةُ، كقَولِه: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [فصلت: 11] ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: 54] ،
    هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ [البقرة: 210] ،
    هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام: 158] ، وقوله: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] ) .

    وقال السَّعْديُّ: (يَصِفونَه بما وَصَف به نَفْسَه، ووصَفَه به رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن الصِّفاتِ الذَّاتيَّةِ؛ كالحياةِ الكامِلةِ، والسَّمعِ والبَصَرِ، وكَمالِ القُدرةِ، والعَظمةِ والكِبرياءِ، والمجْدِ والجَلالِ والجَمالِ، والحَمدِ المُطلَقِ، ومن صِفاتِ الأفعالِ المتعَلِّقةِ بمَشيئتِه وقُدرتِه؛ كالرَّحمةِ، والرِّضا، والسَّخَطِ، والكَلامِ، وأنَّه يتكَلَّمُ بما يشاء كيف يَشاءُ، وكَلِماتُه لا تنفَدُ، ولا تَبِيدُ) .
    والصِّفاتُ الفِعليَّةُ مِن حيثُ قيامُها بالذَّاتِ تُسمَّى: صِفاتِ ذاتٍ، ومِن حيث تعلُّقُها بما ينشَأُ عنها مِن الأقوالِ والأفعالِ تُسمَّى: صِفاتِ أفعالٍ، ومِن أمثلةِ ذلك: صفةُ الكلامِ؛ فكلامُ اللهِ عزَّ وجلَّ باعتبارِ أصلِه ونوعِه: صفةُ ذاتٍ، وباعتبارِ آحادِ الكلامِ وأفرادِه: صفةُ فِعلٍ .
    ثالثًا: باعتبارِ ثُبوتِها وأدلَّتِها:
    أ - صِفاتٌ خَبَريَّةٌ:
    هي الصِّفاتُ الَّتي لا سبيلَ إلى إثباتِها إلَّا السَّمعُ والخبَرُ عنِ اللهِ، أو عن رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتُسمَّى: (صِفاتٍ سَمعيَّةً أو نَقليَّةً)، وقد تكونُ ذاتِيَّةً؛ كالوجهِ، واليدَينِ، وقد تكونُ فِعليَّةً؛ كالفرَحِ، والضَّحِكِ.
    قال ابنُ عُثَيمين: (الصِّفاتُ الخَبَريَّةُ: هي التي نعتَمِدُ فيها على مجَرَّدِ الخبَرِ، وليست من المعاني المعقولةِ، بل هي من الأمورِ المدرَكةِ بالسَّمعِ المجَرَّدِ فقط، ونظيرُها أو نظيرُ مُسَمَّاها بالنِّسبةِ إلينا أبعاضٌ وأجزاءٌ؛ مِثلُ اليَدِ، والوَجهِ، والعَينِ، والقَدَمِ، والإِصبَعِ، فهذه نُسَمِّيها الصِّفاتِ الخَبَريَّةَ؛ لأنَّها ليست معنًى من المعاني، فاليَدُ غيرُ القُوَّةِ؛ القُوَّةُ معنًى، واليَدُ صِفةٌ مِن نوعٍ آخَرَ، مُسَمَّاها بالنِّسبةِ إلينا أبعاضٌ وأجزاءٌ، فاليَدُ بَعضٌ مِنَّا أو جزءٌ مِنَّا، والوَجهُ كذلك، والعَينُ كذلك.
    ولكِنْ بالنِّسبةِ للهِ لا نَقولُ: إنَّها جزءٌ أو بعضٌ؛ لأنَّ البَعضيَّةَ والجُزئيَّةَ لم تَرِدْ بالنِّسبةِ إلى اللهِ لا نفيًا ولا إثباتًا) .
    ب - صِفاتٌ سمعيَّةٌ عقليَّةٌ:
    هي الصِّفاتُ الَّتي يَشترِكُ في إثباتِها الدَّليلُ السَّمعيُّ (النَّقليُّ)، والدَّليلُ العقليُّ، وقد تكونُ ذاتيَّةً؛ كالحياةِ، والعِلمِ، والقُدرةِ، وقد تكونُ فِعليَّةً؛ كالخَلْقِ، والإعطاءِ.
    قال ابنُ عُثَيمين: (مِثالُ ذلك: الرَّحمةُ التي أثبَتَها اللهُ تعالى لنَفْسِه في قَولِه: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ [الكهف: 58] ،
    وقَولِه: وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس: 107] ؛ فإنَّه يمكِنُ إثباتُها بالعَقلِ، كما دَلَّ عليها السَّمعُ، فيقالُ: الإحسانُ إلى الخَلقِ بما ينفَعُهم ويَدفَعُ عنهم الضَّرَرَ يَدُلُّ على الرَّحمةِ، كدَلالةِ التَّخصيصِ على الإرادةِ، بل هو أبيَنُ وأوضَحُ؛ لظُهورهِ لكُلِّ أحَدٍ) .

    : صِفاتُ اللهِ الواردةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ :


    أولاً : الصِّفاتُ الثَّابتةُ بالكِتابِ أو السُّنَّةِ :

    : - الآخِرِيَّةُ - :


    صِفةٌ ذاتيَّةٌ للهِ عزَّ وجلَّ، وذلِك مِثلُ اسمِه (الآخِر)، وهو ثابتٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.
    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    قولُ اللهِ تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد: 3] .

    قال ابنُ جريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه: هُوَ الْأَوَّلُ [الحديد: 3] قَبلَ كُلِّ شَيءٍ بغيرِ حَدٍّ، وَالْآخِرُ [الحديد: 3] يقولُ: والآخِرُ بعدَ كُلِّ شَيءٍ بغيرِ نهايةٍ، وإنَّما قيل ذلك كذلك؛ لأنَّه كان ولا شيءَ موجودٌ سِواه، وهو كائِنٌ بعد فَناءِ الأشياءِ كُلِّها،
    كما قال جَلَّ ثناؤه: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: 88] .
    وقَولُه: وَالظَّاهِرُ [الحديد: 3] يقولُ: وهو الظَّاهِرُ على كُلِّ شَيءٍ دونَه، وهو العالي فوقَ كُلِّ شيءٍ؛ فلا شيءَ أعلى منه وَالْبَاطِنُ [الحديد: 3] يقولُ: وهو الباطِنُ جميعَ الأشياءِ؛
    فلا شيءَ أقرَبُ إلى شيءٍ منه، كما قال: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16] ) .

    وقال البَغَويُّ: (يعني: هو الأوَّلُ قبل كُلِّ شَيءٍ بلا ابتداءٍ، بل كان هو، ولم يكُنْ شَيءٌ موجودًا، والآخِرُ بعد فَناءِ كُلِّ شَيءٍ، بلا انتهاءٍ، تفنى الأشياءُ ويبقى هو، والظَّاهِرُ: الغالِبُ العالي على كُلِّ شَيءٍ، والباطِنُ: العالِمُ بكُلِّ شَيءٍ) .
    الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:
    حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اللهمَّ ربَّ السَّمواتِ، وربَّ الأرضِ، وربَّ العرشِ العَظيمِ، ربَّنا وربَّ كُلِّ شَيءٍ، فالقَ الحَبِّ والنَّوى، ومُنْزِلَ التَّوراةِ والإنجيلِ والفُرقانِ،
    أعوذُ بِكَ مِن شرِّ كُلِّ شَيءٍ أنتَ آخِذٌ بناصيتِه، اللهمَّ أنتَ الْأَوَّلُ فليسَ قَبْلَك شيءٌ، وأنتَ الآخِرُ فليس بعدَك شَيءٌ، وأنتَ الظَّاهرُ فليس فوقَكَ شَيءٌ، وأنتَ الباطنُ فليسَ دُونَك شَيءٌ؛ اقْضِ عنَّا الدَّيْنَ، وأَغِنْنا من الفَقرِ
    )) .

    قال ابنُ باز: (الأوَّلُ والظَّاهِرُ هو اللهُ وَحْدَه سُبحانَه، وهو الذي قَبلَ كُلِّ شَيءٍ وبعد كُلِّ شَيءٍ سُبحانَه وتعالى. وهو الظَّاهِرُ فوقَ جميعِ خَلْقِه، والباقي بَعْدَهم) .
    وقال ابنُ عُثَيمين: (من الأسماءِ: الأوَّلُ، والآخِرُ، والظَّاهِرُ، والباطِنُ. ومن الصِّفاتِ: الأوَّلِيَّةُ والآخِريَّةُ، وفيهما الإحاطةُ الزَّمانيَّةُ. والظَّاهريَّةُ والباطنيَّةُ، وفيهما الإحاطةُ المكانيَّةُ) .

    :: الإبداءُ والإعادةُ ::


    صِفَتانِ فِعليَّتانِ ثابِتَتانِ لله عزَّ وجلَّ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، وذكَرَ بَعضُ العُلَماءِ مِن الأسماءِ الحُسنى (المُبدِئَ) و(المُعيدَ)، ولا يَصِحُّ ذلك.
    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    قولُه تعالَى: إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ [يونس: 4] .
    قولُه: اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [الروم: 11] .
    قَولُه: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ [البروج: 13] .

    قال ابنُ جَريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه: إنَّ رَبَّكم يبدأُ إنشاءَ الخَلْقِ وإحداثَه وإيجادَه، ثمَّ يعيدُه، فيُوجِدُه حَيًّا كهيئتِه يومَ ابتدَأَه بعد فَنائِه وبلائِه) .
    وقال السَّمعانيُّ: (قَولُه: قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ [يونس: 34] معناه: يُنشِئُ الخَلْقَ ثم يُعيدُه، ومعنى الإعادةِ: هي الإحياءُ للبَعثِ يومَ القيامةِ) .
    الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:
    حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((قال اللهُ تعالى: يَشتُمُني ابنُ آدَمَ، وما ينبغي له أن يَشتُمَني، ويُكَذِّبُني وما ينبغي له؛ أمَّا شَتْمُه فقَولُه: إنَّ لي ولَدًا، وأمَّا تكذيبُه فقَولُه: ليس يُعيدُني كما بدَأَني )) .

    قال الزَّجَّاجُ: (المُبدِي هو الذي ابتدَأَ الأشياءَ كُلَّها لا عن شَيءٍ، فأوجَدَها،
    ويقال: بدأ وأبدأ، وهو بادئٌ ومُبدِئٌ... المُعيدُ: هو الذي أعاد الخلائِقَ كُلَّهم ليومِ الحِسابِ كما أبدَأَهم، كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم: 27] ) .

    وقال الزَّجَّاجيُّ: (المُبدِئُ المُعيدُ: اللهُ عَزَّ وجَلَّ، كما قال: المبدِئُ المعيدُ، وبارِئُ الخَلْقِ ومُبتَدِئُهم ابتداءً مِن غيرِ أصلٍ، ومُعيدُهم بعد الفَناءِ للبَعثِ، لا شَكَّ في ذلك ولا مِرْيةَ، وقد دَلَّ عليه بضُروبٍ مِنَ الدَّلائِلِ والآياتِ) .
    وقال الأزهريُّ: (مِن صِفاتِ اللهِ سُبحانَه وتعالى: المبدئُ المعيدُ: بدأ اللهُ الخَلْقَ أحياءً ثمَّ يميتُهم ثمَّ يحييهم كما كانوا.
    قال اللهُ جَلَّ وعَزَّ: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم: 27] ،
    وقال: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ [البروج: 13] ، بدأ وأبدأ: بمعنًى واحدٍ) .

    وقال الخطَّابيُّ: (المُبدِي المُعيدُ: المبدئُ الذي أبدأ الأشياءَ، أي: ابتدَأَها مختَرِعًا فأوجَدَها عن عَدَمٍ. يقال: بدأ وأبدأ: بمعنًى واحدٍ. والمعيدُ: هو الذي يُعيدُ الخَلْقَ بعد الحياةِ إلى المماتِ،
    ثمَّ يُعيدُهم بعد الموتِ إلى الحياةِ، كقَولِه: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة: 28] ،
    وكقَولِه تعالى: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ [البروج: 13] ) .

    :: الإتيانُ والمجيءُ ::


    صفتانِ فِعليَّتانِ ثابتتانِ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.
    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    1- قَولُه تعالَى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام: 158] .

    قال ابنُ جَريرٍ: (يَقولُ جَلَّ ثناؤُه: هل ينتَظِرُ هؤلاء العادِلونَ برَبِّهم الأوثانَ والأصنامَ إلَّا أن تأتيَهم الملائِكةُ بالموتِ، فتَقبِضَ أرواحَهم، أو أن يأتيَهم رَبُّك -يا محمَّدُ- بين خَلْقِه في مَوقِفِ القيامةِ، أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَقولُ: أو أن يأتيَهم بعضُ آياتِ رَبِّك؟ وذلك فيما قال أهلُ التَّأويلِ: طُلوعُ الشَّمسِ مِن مَغرِبِها) .

    وقال البَغَويُّ: (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ بلا كيفٍ؛ لفَصلِ القَضاءِ بيْن خَلْقِه في موقِفِ القيامةِ) .
    2- قولُه تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ [البقرة: 210] .

    قال ابنُ جَريرٍ: (اختُلِفَ في صفةِ إتيانِ الرَّبِّ تبارَك وتعالى، الَّذي ذكَرَه في قَولُه:
    هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ [البقرة: 210] ؛ فقال بعضُهم: لا صفةَ لذلك غيرُ الَّذي وصَفَ به نفسَه عزَّ وجلَّ مِن المَجيءِ والإتيانِ والنُّزولِ، وغيرُ جائزٍ تكلُّفُ القولِ في ذلك لأحَدٍ إلَّا بخبرٍ مِن اللهِ جلَّ جلالُه، أو مِن رسولٍ مُرسَلٍ؛ فأمَّا القولُ في صِفات اللهِ وأسمائِه فغيرُ جائزٍ لأحَدٍ مِن جهةِ الاستخراجِ إلَّا بما ذكَرْنا، وقال آخَرون:...)، ثم رجَّحَ القولَ الأوَّلَ .
    وقال البَغَويُّ: (قَولُه تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ أي: هل ينتَظِرُ التَّاركونَ الدُّخولَ في السِّلمِ، والمتَّبِعونَ خُطُواتِ الشَّيطانِ، يقالُ: نَظَرْتُه وانتظَرْتُه: بمعنًى واحٍد، فإذا كان النَّظَرُ مقرونًا بذِكرِ الوَجهِ أو إلى، لم يكُنْ إلَّا بمعنى الرُّؤيةِ، إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ جمعُ ظُلَّةٍ، مِنَ الْغَمَامِ وهو السَّحابُ الأبيضُ الرَّقيقُ، سُمِّيَ غمامًا؛ لأنَّه يَغُمُّ، أي: يَسْتُرُ،...
    وَالْمَلَائِكَةُ قرأ أبو جَعفَرٍ بالخَفْضِ عَطفًا على "الغمامِ"، تقديرُه: مع الملائكةِ،
    تقولُ العَرَبُ: أقبَلَ الأميرُ في العَسكَرِ، أي: مع العَسكَرِ، وقرأ الباقون بالرَّفعِ، على معنى: إلَّا أن يأتيَهم اللهُ والملائِكةُ في ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ، والأَولى في هذه الآيةِ وما شاكَلَها أن يؤمِنَ الإنسانُ بظاهِرِها، ويَكِلَ عِلْمَها إلى اللهِ تعالى، ويعتَقِدَ أنَّ اللهَ عزَّ اسمُه مُنَزَّهٌ عن سماتِ الحُدوثِ. على ذلك مَضَت أئِمَّةُ السَّلَفِ وعُلَماءُ السُّنَّةِ،
    قال الكَلبيُّ: هذا من العِلمِ المكتومِ الذي لا يُفَسَّرُ، واللهُ أعلَمُ بمرادِه منه، وكان مكحولٌ، والزُّهريُّ، والأوزاعيُّ، ومالِكٌ، وابنُ المبارَكِ، وسُفيانُ الثَّوريُّ، واللَّيثُ بنُ سَعدٍ، وأحمدُ، وإسحاقُ؛ يَقولُون فيه وفي أمثالِه: «أَمِرُّوها كما جاءت بلا كيفٍ»،
    قال سُفيانُ بنُ عُيَينةَ: كُلُّ ما وَصَف اللهُ به نَفْسَه في كِتابه فتَفسيرُه قراءتُه، والسُّكوتُ عنه، ليس لأحَدٍ أن يُفَسِّرَه إلَّا اللهِ تعالى ورَسولِه) .
    وقال الشِّنقيطيُّ: (قَولُه تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ [الأنعام: 158] الآية، ذكَرَ تعالى في هذه الآيةِ الكريمةِ إتيانَ اللهِ جَلَّ وعلا وملائكتِه يومَ القيامةِ،
    وذَكَرَ ذلك في موضِعٍ آخَرَ، وزاد فيه أنَّ الملائكةَ يَجيئون صفوفًا، وهو قَولُه تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] ، وذَكَرَه في موضِعٍ آخَرَ، وزاد فيه أنَّه جَلَّ وعلا يأتي في ظُلَلٍ مِنَ الغمامِ،
    وهو قَولُه تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ [البقرة: 210] ، ومِثلُ هذا مِن صِفاتِ اللهِ تعالى التي وَصَف بها نَفْسَه يُمَرُّ كما جاء ويُؤمَنُ بها، ويُعتَقَدُ أنَّه حَقٌّ، وأنَّه لا يُشبِهُ شيئًا من صِفاتِ المخلوقينَ) .
    الدَّليلُ مِن السُّنَّةِ:
    1- حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((... وإنْ تقرَّبَ إليَّ ذِراعًا تقرَّبْتُ إليه باعًا، وإنْ أتاني يمشي أتَيْتُه هَرْولةً )) .
    2- حديثُ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه في الرُّؤيةِ: ((... قال: فيأتيه الجبَّارُ في صورةٍ غيرِ صورتِه الَّتي رأَوْه فيها أوَّلَ مرَّةٍ، فيَقولُ: أنا ربُّكم ...)) .
    قال حمَّادُ بنُ أبي حنيفة: (قُلْنا لهؤلاء أي: نفاةِ الصِّفاتِ مِن الجَهميَّةِ ونَحوِهم: أرأيتُم قَولَ اللهِ عزَّ وجَلَّ: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] ،
    وقَولَه عَزَّ وجَلَّ: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ [البقرة: 210] فهل يجيءُ ربُّنا كما قال؟ وهل يجيءُ الملائكةُ صَفًّا صَفًّا؟
    قالوا: أمَّا الملائكةُ فيَجيئون صفًّا صفًّا، وأمَّا الرَّبُّ تعالى فإنَّا لا ندري ما عنى بذلك؟ ولا ندري كيف جِيئتُه؟
    فقُلْنا لهم: إنَّا لم نُكَلِّفْكم أن تَعلَموا كيف جيئتُه، ولكِنَّا نُكَلِّفُكم أن تؤمنوا بمجيئِه، أرأيتُم من أنكر أن المَلَكَ لا يجيءُ صفًّا صفًّا، ما هو عندكم؟ قالوا: كافِرٌ مُكَذِّبٌ، قلنا: فكذلك من أنكر أنَّ اللهَ سُبحانَه لا يجيءُ، فهو كافِرٌ مُكَذِّبٌ) .

    وقال أبو الحسَنِ الأشعريُّ: (أجمَعوا على أنَّه عزَّ وجلَّ يجيءُ يومَ القيامةِ والمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ...) .
    وقال ابنُ أبي زيدٍ القيرواني: (ممَّا أجمعت عليه الأئِمَّةُ مِن أمورِ الدِّيانةِ، ومن السُّنَنِ التي خلافُها بِدعةٌ وضَلالةٌ... أنَّه يجيءُ يومَ القيامةِ بَعْدَ أن لم يكُنْ جائيًا، والمَلَكُ صَفًّا صفًّا؛ لعَرضِ الأُمَمِ وحِسابهِا وعُقوبتِها وثوابِها... وكُلُّ ما قدَّمْنا ذِكْرَه فهو قَولُ أهلِ السُّنَّةِ وأئمَّةِ النَّاسِ في الفِقهِ والحديثِ على ما بيَّنَّاه، وكُلُّه قَولُ مالكٍ؛ فمنه منصوصٌ مِن قَولِه، ومنه معلومٌ مِن مَذهَبِه) .
    قال أبو يعلى: (قَولُه: وَجَاءَ رَبُّكَ [الفجر: 22] ، معناه: مجيءُ ذاتِه؛ لأنَّ حَمْلَه على مجيءِ الأمرِ والمَلَكِ يُسقِطُ فائدةَ التَّخصيصِ بذلك اليومِ؛ لأنَّ أَمْرَه سابِقٌ، ولأنَّ هذا يوجِبُ تأويلَ «تَرَونَ رَبَّكم») .
    وقال أبو عُثمانَ الصَّابونيُّ: (وكذلك يُثبِتون ما أنزله اللهُ عزَّ اسمُه في كِتابه؛ مِن ذِكرِ المجيءِ والإتيانِ المذكورينِ في قَولِه عزَّ وجَلَّ: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ [البقرة: 210] ، وقَولِه عزَّ اسمهُ: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] ) .
    وقد جاءَتْ صِفَتا الإتيانِ والمَجيءِ مُقترنتينِ في حديثٍ واحدٍ، مِن حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((إذا تَلقَّاني عبدي بشِبرٍ تَلقَّيْتُه بذِراعٍ، وإذا تَلقَّاني بذِراعٍ تلقَّيْتُه بباعٍ، وإذا تَلقَّاني بباعٍ جِئتُه أتَيْتُه بأسرَعَ)) .
    وقال النَّوويُّ: (هكذا هو في أكثَرِ النُّسَخِ: «جِئْتُه أتَيْتُه»، وفي بعضِها «جِئْتُه بأسرَعَ» فقط، وفي بعضِها: «أتَيْتُه»، وهاتانِ ظاهرتانِ، والأوَّلُ صحيحٌ أيضًا، والجمعُ بينهما للتَّوكيدِ، وهو حَسَنٌ، لا سيَّما عند اختلافِ اللَّفظِ، واللهُ أعلَمُ) .
    وقال محمد طاهر الفتني: (قَولُه: جِئْتُه أتَيتُه، كُرِّرَا تأكيدًا) .

    :: الإِجَابَةُ ::


    صفةٌ فِعليَّةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، و(المُجيبُ) اسمٌ مِن أسمائِه تعالى.
    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    1- قولُه تعالى: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ [آل عمران: 195] .
    2- قَولُه: إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ [هود: 61] .
    3- قَولُه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة: 186] .

    قال ابنُ جَريرٍ: (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ [هود: 61] يَقولُ: إنَّ رَبِّي قريبٌ ممَّن أخلَصَ له العبادةَ ورَغِبَ إليه في التَّوبةِ، مجيبٌ له إذا دعاه) .

    وقال السَّعْديُّ: (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ [هود: 61] أي: قريبٌ ممَّن دعاه دعاءَ مسألةٍ، أو دُعاءَ عِبادةٍ، يُجيبُه بإعطائِه سُؤلَه، وقَبولِ عِبادتِه، وإثابتِه عليها أجَلَّ الثَّوابِ،
    واعلَمْ أنَّ قُربَه تعالى نوعانِ: عامٌّ وخاصٌّ؛ فالقُربُ العامُّ: قُربُه بعِلْمِه من جميعِ الخَلْقِ، وهو المذكورُ في قَولِه تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16] .
    والقُربُ الخاصُّ: قُرْبُه من عابِدِيه وسائِلِيه ومُحِبِّيه، وهو المذكورُ في قَولِه تعالى: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق: 19] .
    وفي هذه الآيةِ، وفي قَولِه تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ [البقرة: 186] ، وهذا النَّوعُ قُربٌ يقتضي إلطافَه تعالى، وإجابتَه لدعواتِهم، وتحقيقَه لمُراداتِهم؛ ولهذا يُقرَنُ باسمِه «القريبِ» اسمُه «المجيبُ») .
    الدَّليلُ مِن السُّنَّةِ:
    1- حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يزالُ يُستجابُ للعبدِ -ما لم يَدْعُ بإثمٍ أو قَطيعةِ رحِمٍ- ما لم يَستعجِلْ، قيل: يا رسولَ اللهِ، ما الاستِعجالُ؟ قال: يَقولُ: قد دعَوْتُ وقد دعَوْتُ، فلم أرَ يَستجيبُ لي، فيستحسِرُ عند ذلك، ويَدَعُ الدُّعاءَ )) .

    2- حديثُ عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما مرفوعًا: ((... ألَا وإنِّي نُهِيتُ أن أقرَأَ القُرآنَ راكعًا أو ساجدًا؛ فأمَّا الرُّكوعُ فعَظِّموا فيه الرَّبَّ عزَّ وجلَّ، وأمَّا السُّجودُ فاجتَهِدوا في الدُّعاءِ؛ فَقَمِنٌ أن يُستجابَ لكم )) .
    قال ابنُ القيِّمِ:(وَهُوَ المُجِيبُ يَقُولُ: مَن يَدْعُو أُجِبْــهُ أَنَا المُجِيبُ لِكُلِّ مَنْ نَادَانِي وَهُوَ المُجِيبُ لِدَعْوَةِ المُضْطَرِّ إذْ يَدْعُوهُ في سِرٍّ وَفِي إِعْلَانِ) .

    قال محمد خليل هرَّاس في شرحِ هذه الأبياتِ: (ومِن أسمائِه سُبحانَه: «المُجيبُ»، وهو اسمُ فاعلٍ مِن الإجابةِ، وإجابتُه تعالى نوعانِ: إجابةٌ عامَّةٌ لكلِّ مَن دعاه دعاءَ عبادةٍ، أو دعاءَ مسألةٍ) .
    وقال السَّعْديُّ: (مِن آثارِه: الإجابةُ للدَّاعينَ، والإنابةُ للعابدينَ؛ فهو المُجيبُ إجابةً عامَّةً للدَّاعينَ مهمَا كانوا، وأين كانوا، وعلى أيِّ حالٍ كانوا، كما وعَدَهم بهذا الوعدِ المُطلَقِ، وهو المُجيبُ إجابةً خاصَّةً للمُستجيبينَ له، المُنقادينَ لشَرعِه، وهو المُجيبُ أيضًا للمُضْطَرِّينَ، ومَنِ انقطَعَ رجاؤُهم مِن المخلوقينَ، وقوِيَ تعلُّقُهم به طمَعًا ورجاءً وخوفًا) .
    وممَّن أَثبَتَ اسمَ (المُجِيب) للهِ عزَّ وجلَّ أيضًا: الخَطَّابيُّ ، وابنُ حزمٍ ، وأبو القاسم الأصبهانيُّ ، وابنُ حَجَر ، وابنُ عُثَيمين وغَيرُهم.
    ------------------------------------------------------------------------------
    التالي : -
    -
    :: الأَحَدُ والأحَدِيَّةُ ::

    -
    وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

     المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :: أنواعُ الصِّفاتِ :صِفاتُ اللهِ الواردةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ : الآخِرِيَّةُ : الإبداءُ والإعادةُ. :الإتيانُ والمجيءُ. : الإِجَابَةُ. :الأَحَدُ والأحَدِيَّةُ.                  Empty :: الأَحَدُ والأحَدِيَّةُ ::

    مُساهمة من طرف صادق النور الجمعة ديسمبر 29, 2023 1:48 pm

    يتبع ما قبله : -

    :: صِفاتُ اللهِ الواردةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ :: الصِّفاتُ الثَّابتةُ بالكِتابِ أو السُّنَّةِ ::

    ::
    الأَحَدُ والأحَدِيَّةُ
    ::


    يُوصَفُ اللهُ جلَّ وعلا بالأحَدِيَّةِ، وهي صِفةٌ ذاتيَّةٌ له، والأحَدُ اسمٌ له سُبحانَه وتعالى.
    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    قولُه تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1] .

    قال السَّمعانيُّ
    : (أي: قُلْ: هو اللهُ الواحِدُ. أحَدٌ: بمعنى الواحِدِ، وقد فُرِّق بيْن الأحَدِ والواحِدِ.
    وقيل: إنَّ الأحَدَ أبلَغُ مِنَ الواحِدِ، يقالُ: فلانٌ لا يُقاوِمُه أحدٌ، نفيًا للكُلِّ، ويقالُ: لا يقاوِمُه واحِدٌ، ويجوزُ أن يقاوِمَه اثنانِ، وأيضًا فإنَّ الواحِدَ يكونُ الذي يليه الثَّاني والثَّالِثُ في العَدَدِ، والأحَدُ لا يكونُ بمعنى هذا الحالِ، وأكثَرُ المفَسِّرينَ أنَّه بمعنى الواحِدِ) .

    وقال ابنُ كثير: (يعني: هو الواحِدُ الأحَدُ، الذي لا نظيرَ له ولا وَزيرَ، ولا نَدِيدَ ولا شَبيهَ ولا عديلَ، ولا يُطلَقُ هذا اللَّفظُ على أحَدٍ في الإثباتِ إلَّا على اللهِ عَزَّ وجَلَّ؛ لأنَّه الكامِلُ في جميعِ صِفاتِه وأفعالِه) .
    الدَّليلُ مِن السُّنَّةِ:
    الحديثُ القُدسيُّ: ((... وأمَّا شَتْمُه إيَّايَ، فقَولُه: اتَّخَذَ اللهُ ولَدًا، وأنا اللهُ الأحَدُ الصَّمَدُ، لم ألِدْ ولم أُولَدْ، ولم يكُنْ لي كُفُوًا أحَدٌ )) .

    قال الأزهريُّ: (وأمَّا اسمُ اللهِ جلَّ ثناؤه أَحَدٌ، فإنَّه لا يُوصَفُ شَيءٌ بالأحَدِيَّةِ غيرُه؛ .
    لا يُقالُ: رَجُلٌ أَحَدٌ، ولا دِرْهَمٌ أَحَدٌ، كما يقالُ: رَجلٌ وَحَدٌ، أي: فَرْدٌ؛ لأنَّ أحَدًا صفةٌ من صِفات اللهِ التي استأثَرَ بها، فلا يَشْرَكُه فيها شَيءٌ) .
    ومعناه: (الَّذي لا نظيرَ له، ولا وزيرَ، ولا نديدَ، ولا شبيهَ، ولا عديلَ، ولا يُطلَقُ هذا اللَّفظُ على أحَدٍ في الإثباتِ إلَّا على اللهِ عزَّ وجلَّ؛ لأنَّه الكاملُ في جميعِ صِفاته وأفعالِه) .
    والفَرْقُ بيْن الواحِدِ والأحَدِ في صِفات اللهِ: أنَّ (الواحِدَ في صِفةِ اللهِ معناه: أنَّه لا ثانيَ له، ويجوزُ أن يُنْعَتَ الشَّيءُ بأنَّه واحِدٌ، فأمَّا أَحَدٌ فلا يوصَفُ به غيرُ الله؛ لِخُلوصِ هذا الاسمِ الشَّريفِ له جَلَّ ثَنَاؤُه) .
    قال البَيهقيُّ: (الأحَدُ: الذي لا شَبيهَ له ولا نظيرَ. والواحِدُ: الذي لا شَريكَ له ولا عَديلَ، وعَبَّرَ عنه بعبارةٍ أُخرى فقيل: الأحَدُ، وهو المنفَرِدُ بالمعنى لا يُشارِكُه فيه أحدٌ، والواحِدُ المنفَرِدُ بالذَّاتِ لا يُضامُّه أحَدٌ، وهما من الصِّفاتِ التي يَستَحِقُّها بذاتِه) .
    وقال أبو العبَّاسِ القُرطبيُّ: (الأحَدُ في أسمائِه تعالى مُشعِرٌ بوجودِه الخاصِّ به، الذي لا يُشارِكُه فيه غَيرُه) .
    وقال أبو عبدِ الله القُرْطبيُّ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1] أي: الواحِدُ الوِتْرُ، الذي لا شبيهَ له، ولا نظيرَ ولا صاحِبةَ، ولا وَلَدَ ولا شَريكَ) .

    وقال ابنُ رجبٍ
    : (إنَّ الأحَدَ هو الذي لا كُفُوَ له ولا نظيرَ، فيمتَنِعُ أن يكونَ له صاحبةٌ. والتوَلُّدُ إنما يكونُ بيْن شيئينِ، وكونُه تعالى أحدًا ليس أحَدٌ كُفُوًا له، يستلزِمُ أنَّه لم يَلِدْ ولم يُولَدْ؛ لأنَّ الوالِدَ والوَلَدَ متماثلانِ مُتَكافئانِ، وهو تعالى أحَدٌ لا كفُوَ له، وأيضًا فالتولُّدُ يحتاجُ إلى زوجةٍ، وهي مكافِئةٌ لزَوجِها مِن وَجْهٍ، وذلك أيضًا ممتَنِعٌ)

    :: الإِحْسَانُ ::

    صفةٌ مِن صِفاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ الذَّاتيَّةِ الفِعليَّةِ الثَّابتةِ بالكِتابِ العَزيزِ.
    والإحسانُ يأتي بمَعنيينِ:
    1- الإنعامُ على الغيرِ، وهو زائدٌ على العَدْلِ.
    2- الإتقانُ والإحكامُ.
    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:

    1- قولُه تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ [السجدة: 7] .

    قال البَغَويُّ: (أي: أحسَنَ خَلْقَ كُلِّ شيءٍ، قال ابنُ عبَّاسٍ: أتقَنَه وأحكَمَه. قال قتادةُ: حَسَّنه. وقال مقاتِلٌ: عَلِمَ كيف يخلُقُ كُلَّ شيءٍ، من قَولِك: فُلانٌ يُحسِنُ كذا: إذا كان يَعلَمُه. وقيل: خَلَق كُلَّ حيوانٍ على صورتِه، ثمَّ يخلُقُ البَعضَ على صورةِ البَعضِ، فكُلُّ حيوانٍ كاملٍ في خَلْقِه حَسَنٌ، وكُلُّ عُضوٍ من أعضائِه مُقَدَّرٌ بما يَصلُحُ به معاشُه) .
    وقال الشَّوكانيُّ: (معنى الآيةِ: أنَّه أتقَنَ وأحكَمَ خَلْقَ مخلوقاتِه، فبعضُ المخلوقاتِ وإن لم تكُنْ حَسَنةً في نَفْسِها، فهي مُتقَنةٌ مُحكَمةٌ، فتكونُ هذه الآيةِ معناها معنى: أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَه أي: لم يَخلُقِ الإنسانَ على خَلْقِ البهيمةِ، ولا خَلَق البهيمةَ على خَلْقِ الإنسانِ، وقيل: هو عمومٌ في اللَّفظِ خُصوصٌ في المعنى، أي: أحسَنَ خَلْقَ كُلِّ شَيءٍ حَسَنٍ) .

    2- قَولُه: وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ [التغابن: 3] .

    قال السَّعْدي: (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ [غافر: 64] كما قال تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين: 4] فالإنسانُ أحسَنُ المخلوقاتِ صورةً، وأبهاها مَنظَرًا) .
    3- قَولُه: قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا [الطلاق: 11] .
    4- قَولُه: وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص: 77] .
    وقد أثبَتَ بعضُ العُلَماء اسمَ المُحسِنِ للهِ عزَّ وجلَّ .
    وممَّن أَثبَتَه اسمًا للهِ عزَّ وجلَّ: القُرطبيُّ ، وابنُ تيميَّةَ ، وابنُ القيِّمِ ، وابنُ بازٍ ، وأثبَته ابنُ عُثَيمين تارةً ، وتردَّدَ فيه تارةً أخرى .

    الأَخْذُ بِاليَدِ صفةٌ فِعليَّةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.


    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:

    قولُه تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الأعراف: 172] .

    قال الواحديُّ: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الأعراف: 172] أخرجَ اللهُ تعالى ذُرِّيَّةَ آدَمَ بعضَهم من ظهورِ بعضٍ، على نحوِ ما يتوالَدُ الأبناءُ من الآباءِ، وجميعُ ذلك أخرَجَه من صُلْبِ آدَمَ مِثْلَ الذَّرِّ، وأخَذَ عليهم الميثاقَ أنَّه خالِقُهم وأنَّهم مصنوعون، فاعتَرَفوا بذلك، وقَبِلوا ذلك بعد أن رَكَّبَ فيهم عقولًا، وذلك قَولُه: وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ أي: قال: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى [الأعراف: 172] فأقَرُّوا له بالرُّبوبيَّةِ) .
    وقال الشَّوكانيُّ: (قيل: المرادُ ببني آدَمَ هنا: آدَمُ نَفْسُه، كما وَقَع في غيرِ هذا الموضِعِ. والمعنى: أنَّ اللهَ سُبحانَه لَمَّا خَلَق آدَمَ مَسَح ظَهْرَه فاستخرج منه ذريَّتَه وأخَذَ عليهم العَهْدَ، وهؤلاء هم عالَمُ الذَّرِّ، وهذا هو الحَقُّ الذي لا ينبغي العدولُ عنه ولا المصيرُ إلى غيرِه؛ لثُبوتِه مرفوعًا إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وموقوفًا على غيرِه من الصَّحابةِ، ولا مُلْجئَ للمصيرِ إلى المجازِ) .

    وقال الشِّنقيطيُّ: (اختَلَف العُلَماءُ في معنى هذا الأخْذِ -أخذِ الذُّرِّيَّةِ- من ظهورِ بني آدَمَ على قَولَينِ؛ فذَهَبت جماعةٌ مِن المفَسِّرين إلى أنَّ معنى أخْذِهم من ظهورِ بني آدَمَ هو وجودُهم قرنًا بعد قَرنٍ، وجيلًا بعد جيلٍ، على طريقِ التناسُلِ...
    القَولُ الثَّاني: وعليه أكثَرُ المتقَدِّمين من السَّلَفِ، وهو الذي يدُلُّ له بعضُ الأحاديثِ الصَّحيحةِ، والقرآنُ قد يُرشِدُ إليه: أنَّه هو الأخذُ يومَ الميثاقِ المعروفِ؛ أنَّ اللهَ تبارك وتعالى أخَذَ مِن ظَهرِ آدَمَ ومِن ظهورِ ذُرِّياتِه كُلَّ نَسَمةٍ سَبَق في عِلْمِه أنَّها مخلوقةٌ إلى يومِ القيامةِ، فأخَذَهم بيَدِه جَلَّ وعلا، بعضُهم للجَنَّةِ وبعضُهم للنَّارِ، وجَعَل فيهم إدراكًا،
    وقال لهم: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف: 172] فقالوا: بلى. إلَّا أنَّ هذا العهدَ لا يُولَدُ أحدٌ إلَّا وهو ناسٍ له، واللهُ جَلَّ وعلا أرسَلَ الرُّسُلَ يُذكِّرونَ بهذا العهدِ،
    وما ثبت عن الرُّسُلِ هو وما حضره الإنسانُ في التَّحقيقِ واحِدٌ؛ لأنَّ ما قاله رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نحن نجزِمُ بوقوعِه أشَدَّ ممَّا نجزِمُ بما شاهَدْناه ولاحَظْناه وتذَكَّرْناه.
    وهذا القَولُ قال به كثيرٌ مِن السَّلَفِ، ودلَّت عليه أحاديثُ كثيرةٌ؛ مِن أصَحِّها وأدَلِّها عليه ما ثبت... أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يَقولُ اللهُ لأَهْوَنِ أهلِ النَّارِ عذابًا يومَ القيامةِ: أرأيتَ لو كان عندك كُلُّ شَيءٍ، أكنتَ مُفتَدِيًا به؟ فيَقولُ: نعم. فيَقولُ الله: أردتُ منك أهونَ من ذلك، أخذتُ عليك في ظَهرِ آدَمَ ألَّا تُشرِكَ بي، فأبيتَ إلَّا أن تُشرِكَ بي )) فهذا الحديثُ...
    قد ذكر فيه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ عَدَمَ الإشراكِ أُخِذَ عليهم وهم في ظَهرِ آدَمَ، فدَلَّ ذلك على أنَّ قَولَه: وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف: 172] أنَّه استخراجُ اللهِ لهم، وإشهادُه عليهم، ثمَّ رَدَّهم في ظَهرِ أبيهم آدَمَ) .

    الدَّليلُ مِن السُّنَّةِ:

    1- حديثُ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما مرفوعًا: ((يأخُذُ اللهُ عزَّ وجلَّ سمواتِه وأرَضِيَه بيدَيْهِ، فيَقولُ: أنا اللهُ -ويقبِضُ أصابِعَه ويبسُطُها- أنا المَلِكُ )) .

    قال ابنُ هُبَيرةَ: (هذا الحديثُ يوافِقُ قَولَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر: 67] إلَّا أنَّه قد تقَدَّم في مُسنَدِ ابنِ مَسعودٍ القَولَ في هذا الكلامِ يتناوَلُ جميعَ أحاديثِ الصِّفاتِ، وبَيَّنَّا أنَّ الإجماعَ انعقد على جوازِ روايةِ هذه الأحاديثِ وإمرارِها كما جاءت، مع الإيمانِ بأنَّ اللهَ تعالى ليس كمِثْلِه شَيءٌ وهو السَّميعُ البصيرُ، وأنَّه أحَدٌ صَمَدٌ، لم يَلِدْ ولم يُولَدْ، ولم يكُنْ له كُفُوًا أحَدٌ، وينبغي لكُلِّ مؤمنٍ أن يكونَ مُثبِتًا لله سُبحانَه من الصِّفاتِ ما أثبَتَه له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ونافيًا عنه من مُشابهةِ الأجسامِ ما نفاه القرآنُ والسُّنَّةُ. والقاعِدةُ في هذا الحديثِ أنَّ السَّمواتِ والأرضَ في يَدِ اللهِ سُبحانَه وفي قَبضتِه لا يفوتُه منها شَيءٌ، ولا يخفى عن عِلْمِه منها شيءٌ، ولا يَعزُبُ عن قُدرتِه منها قليلٌ ولا كثيرٌ) .

    2- حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((وما تَصدَّقَ أحَدٌ بصدقةٍ مِن طيِّبٍ -ولا يقبَلُ اللهُ إلَّا الطَّيِّبَ- إلَّا أخَذَها الرَّحمنُ بيمينِه ... )) .

    قال ابنُ فارسٍ: (الهمزةُ والخاءُ والذَّالُ: أصلٌ واحدٌ، تتفرَّعُ منه فروعٌ متقاربةٌ في المعنى، أمَّا «أخْذ» فالأصلُ حَوْزُ الشَّيءِ وجَبْيُه وجَمْعُه، تقولُ: أخَذْتُ الشَّيءَ آخُذُه أَخْذًا، قال الخليلُ: هو خِلافُ العطاءِ، وهو التَّناولُ) .

    فالأَخْذُ إمَّا أن يكونَ خِلافَ العطاءِ، وهو ما كان باليدِ كالعطاءِ، وإمَّا أخْذَ قهرٍ؛ كقولِه تعالى: فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى [النازعات: 25] ،
    وقولِه تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى [هود: 102] ، ومنه: أَخْذُ الأرواحِ، وأَخْذُ العهودِ والمواثيقِ، وانظُرْ: (مُفرَداتِ الرَّاغبِ) ، وهذا المعنى ظاهرٌ، والمعنيُّ هنا المعنَى الأوَّلُ، وكلاهما صفةٌ للهِ تعالى.

    قال ابنُ القيِّمِ: (ورَد لفظُ اليدِ في القُرآنِ والسُّنَّةِ وكلامِ الصَّحابةِ والتَّابعينَ في أكثرَ مِن مِئةِ موضعٍ وُرودًا متنوِّعًا متصرَّفًا فيه، مقرونًا بما يدُلُّ على أنَّها يدٌ حقيقةً؛ مِن الإمساكِ، والطَّيِّ، والقَبْضِ، والبَسْطِ... وأَخْذِ الصَّدقةِ بيمينِه... وأنَّه يَطوي السَّمواتِ يومَ القيامةِ، ثمَّ يأخُذُهنَّ بيدِه اليُمْنى ...) .

    وقال ابنُ عُثَيمين: (مِن صِفات اللهِ تعالى: المَجيءُ، والإتيانُ، والأَخْذُ، والإمساكُ، والبَطْشُ، إلى غيرِ ذلك مِن الصِّفاتِ... فنَصِفُ اللهَ تعالى بهذه الصِّفاتِ على الوَجهِ الواردِ) .
    وقال عبد العزيز السلمان في شرحِ حديثِ: ((... اللَّهمَّ أعُوذُ بكَ مِن شرِّ نَفْسي، ومِن شرِّ كُلِّ دابَّةٍ أنتَ آخِذٌ بناصيتِها، أنتَ الأوَّلُ فليس قبْلَك شيءٌ... )) : (ممَّا يُستفادُ مِن الحديثِ: «صفةُ الأَخْذِ») .

    :: الإِخْزَاءُ للكافِرينَ ::


    مِن الصِّفاتِ الفِعليَّةِ الثَّابتةِ للهِ عزَّ وجلَّ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.
    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:

    1- قولُه تعالى: رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [آل عمران: 192] .
    2- قَولُه: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ [التوبة: 2] .

    قال الشنقيطي: (المُخْزي: اسمُ فاعِلِ أَخْزى، ومعنى إخزائِه للكافرينَ: أنَّه مُذِلُّهم ومُهينُهم، يُذِلُّهم في الدُّنيا بالقَتلِ والأسْرِ، ويُهينُهم بذلك، وفي الآخِرةِ بعذابِ اللهِ، كما سيأتي في قَولِه: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنينَ [التوبة: 14] ) .
    3- قَولُه: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ [النحل: 27] .
    الدَّليلُ مِن السُّنَّةِ:

    قَولُ خديجةَ رَضِيَ اللهُ عنها للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -في حديثِ بَدءِ الوَحْيِ-: ((كَلَّا، أبشِرْ؛ فواللهِ لا يُخزِيكَ اللهُ أبدًا )) .
    والخِزيُ: الذُّلُّ والهَوانُ والانكِسارُ، وأخزاه اللهُ: أذَلَّه وأهانَه ومَقَتَه وأبعَدَه .
    فالإخزاءُ مِن اللهِ: إيقاعُ الخِزيِ والذُّلِّ والهوَانِ على الكافرينَ مِن أهلِ النَّارِ.

    :: الأَذَنُ (بمعنى الاستِماعِ) ::


    صفةٌ فِعليَّةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالحديثِ الصَّحيحِ.
    الدَّليلُ:
    حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((ما أَذِنَ اللهُ لشيءٍ كأَذَنِه لنبيٍّ يتغنَّى بالقُرآنِ يجهَرُ به )) .
    قال أبو عُبَيدٍ القاسمُ بنُ سلَّامٍ: (قَولُه: «كأَذَنِه» يعني: ما استَمَع اللهُ لشيءٍ كاستماعِه لنبيٍّ يتغنَّى بالقُرآنِ،
    حدَّثناه حجَّاجٌ عنِ ابنِ جُرَيجٍ عن مجاهدٍ في قولِه تعالى: وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ [الإنشقاق: 2]، قال: استَمَعَت أو سَمِعَت -شكَّ أبو عُبَيدٍ- يُقالُ: أذِنْتُ للشَّيءِ آذَنُ له أَذَنًا: إذا استمَعْتُ أو سَمِعتُ له...) .
    وقالَ البَغَويُّ: (قَولُه: «ما أَذِنَ اللهُ لشيءٍ كأَذَنِه» يعني: ما استمَعَ اللهُ لشيءٍ كاستماعِه، واللهُ لا يَشغَلُه سَمْعٌ عن سَمْعٍ، يُقالُ: أذِنْتُ للشَّيءِ آذَنُ أَذَنًا، بفتحِ الذَّالِ: إذا سمِعْتُ له...) .

    وقال الخطَّابيُّ: (قَولُه: ((ما أَذِنَ اللهُ لشيءٍ كأَذَنِه لنبيٍّ يتغنَّى بالقُرآنِ)) الألِفُ والذَّالُ مفتوحتانِ، مصدرُ أَذِنْتُ للشَّيءِ أَذَنًا: إذا استمَعْتَ له، ومَن قال: كإِذْنِه فقد وهِمَ) .

    وقال ابنُ كثيرٍ: (معناه: أنَّ اللهَ تعالى ما استمَع لشيءٍ كاستماعِه لقراءةِ نبيٍّ يجهَرُ بقراءتِه ويُحسِّنُها؛ وذلك أنَّه يجتمِعُ في قراءةِ الأنبياءِ طِيبُ الصَّوتِ؛ لكمالِ خَلْقِهم، وتمامُ الخشيةِ،
    وذلك هو الغايةُ في ذلك، وهو سُبحانَه وتعالى يسمَعُ أصواتَ العبادِ كلِّهم؛ بَرِّهم وفاجِرِهم؛
    كما قالت عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها: سُبحانَ الَّذي وسِعَ سَمعُه الأصواتَ .
    ولكنِ استماعُه لقراءةِ عبادِه المؤمِنينَ أعظَمُ، كما قال تعالى: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ [يونس: 61] الآيةَ،
    ثمَّ استماعُه لقراءةِ أنبيائِه أبلَغُ، كما دلَّ عليه هذا الحديثُ العظيمُ، ومنهم مَن فسَّرَ الأَذَنَ هاهنا بالأمرِ، والأوَّلُ أَوْلى؛ لقَولِه: ((ما أَذِنَ اللهُ لشيءٍ كأَذَنِه لنبيٍّ يتغنَّى بالقُرآنِ)) أي: يجهَرُ به، والأَذَنُ: الاستماعُ؛ لدلالةِ السِّياقِ عليه.) .

    وقال ابنُ فارسٍ: (ويُقالُ للرَّجُلِ السَّامعِ مِن كُلِّ أحَدٍ: أُذُنٌ؛
    قال اللهُ تعالى: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ [التوبة: 61] ... والأَذَنُ: الاستِماعُ، وقيل: أَذَنٌ؛ لأنَّه بالأُذُنِ يكونُ) .
    وهذا في حقِّ المخلوقينَ، أمَّا الخالقُ سُبحانَه وتعالى فشأنُه أعظَمُ؛ حيث قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ، فنقولُ: إنَّ اللهَ يأذَنُ أَذَنًا، أي: يستمعُ استماعًا بلا كيفٍ.
    وقال ابنُ عُثَيمين: (قَولُه: ((ما أَذِنَ اللهُ لشيءٍ ما أَذِنَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) ومعنى هذا الأَذَنِ: الاستماعُ للشَّيءِ، يعني: ما استمَعَ اللهُ لشيءٍ كاستماعِه لنبيٍّ حسَنِ الصَّوتِ، وفي روايةٍ أخرى: يتغنَّى بالقُرآنِ، يعني: يجهَرُ به) .

    وقال البرَّاكُ: فمعنى: («ما أَذِنَ اللهُ» أي: ما استمَعَ... فإنَّ الاستماعَ -وفي معناه الأَذَنُ- مِن الصِّفاتِ الفِعليَّةِ) .

    :: الإِرَادَةُ والمَشِيئَةُ ::


    صفتانِ ذاتيَّتانِ فِعليَّتانِ ثابتتانِ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.
    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    1- قولُه تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا الآية [الأنعام: 125] .
    2- قَولُه: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ [المائدة: 1] .

    قال ابنُ جَريرٍ: (قَولُه تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ يعني بذلك جَلَّ ثناؤُه: إنَّ اللهَ يقضي في خَلْقِه ما يشاءُ مِن تحليلِ ما أراد تحليلَه، وتحريمِ ما أراد تحريمَه، وإيجابِ ما شاء إيجابَه عليهم، وغيرِ ذلك من أحكامِه وقَضاياه) .
    3- قَولُه: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الإنسان: 30] .

    قال السَّمعانيُّ: (قَولُه: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ردَّ مشيئتَهم إلى مشيئتِه، والمعنى: لا يريدونَ إلَّا بإرادةِ اللهِ، وهو موافِقٌ لعقائِدِ أهلِ السُّنَّةِ، أنَّه لا يفعَلُ أحدٌ شيئًا ولا يختارُه ولا يشاؤُه إلَّا بمشيئةِ اللهِ) .
    4- قَولُه: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ [آل عمران: 26] .

    الدَّليلُ مِن السُّنَّةِ:

    1- حديثُ أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((وكَّلَ اللهُ بالرَّحِمِ مَلَكًا... فإذا أراد اللهُ أن يقضيَ خَلْقَها، قال... )) .
    2- حديثُ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((إذا أراد اللهُ بقومٍ عذابًا، أصاب العذابُ مَن كان فيهم، ثم بُعِثُوا على أعمالِهم )) .
    3- حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: ((... إنَّكِ الجنَّةُ رَحْمتي، أرحَمُ بكِ مَن أشاءُ، وإنَّكِ النَّارُ عذابي، أُعذِّبُ بكِ مَن أشاءُ )) .
    4- حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((... ذلك فضلُ اللهِ يؤتيه مَن يشاءُ)) .
    قال أبو الحسَنِ الأشعريُّ: (أجمَعوا على إثباتِ حياةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، لم يزَلْ بها حيًّا...) إلى أن قال: (وإرادةٍ لم يزَلْ بها مُرِيدًا...) .
    وقال ابنُ تيميَّةَ- بعد أن سرَدَ بعضَ الآياتِ السابقةِ وغيرَها-: (... وكذلك وصَفَ نَفْسَه بالمشيئةِ، ووصَفَ عبدَه بالمشيئةِ... وكذلك وصَفَ نَفْسَه بالإرادةِ، ووصَفَ عبدَه بالإرادةِ... ومعلومٌ أنَّ مشيئةَ اللهِ ليست مِثلَ مشيئةِ العبدِ، ولا إرادتُه مِثلَ إرادتِه...) .

    ويجِبُ إثباتُ صفةِ الإرادةِ بقِسمَيْها: الكَونيِّ والشَّرعيِّ؛ فالإرادةُ الكَونيَّةُ بمعنى المشيئةِ، والشَّرعيَّةُ بمعنى المَحبَّةِ .
    قال أبو القاسِمِ الأصبهانيُّ: (الإرادةُ غيرُ المحبَّةِ والرِّضا؛ فقد يريدُ ما لا يحِبُّه ولا يرضاه، بل يَكرَهُه ويَسخَطُه ويُبغِضُه. قال بعضُ السَّلَف: إنَّ اللهَ يُقَدِّرُ ما لا يرضاه ؛
    بدليلِ قَولِه: وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [الزمر: 7] ، وقال قومٌ من المتكَلِّمين: من أراد شيئًا فقد أحبَّه ورَضِيَه، وإنَّ اللهَ تعالى رَضِيَ المعصيةَ والكُفرَ. ودليلُنا: أنَّه قد ثبت إرادتُه للكُفرِ ونَفيُ رِضاه به،
    فقال تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ [الأنعام: 125] ،
    وقال: وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [الزمر: 7] ؛ فأثبت الإرادةَ ونفى الرِّضا) .

    وقال ابنُ تيميَّةَ: (الإرادةُ في كِتابِ اللهِ نوعانِ: إرادةٌ شَرعيَّةٌ دينيَّةٌ تتضَمَّنُ محبَّتَه ورضاه، وإرادةٌ كَونيَّةٌ قَدَريَّةٌ تتضَمَّنُ خَلْقَه وتقديرَه) .
    وقال أيضًا: (أئِمَّةُ أصحابِ مالكٍ والشَّافعيِّ وأحمدَ وعامَّةِ أصحابِ أبي حنيفةَ يَقولُون بما اتَّفَق عليه السَّلَفُ من أنَّه سُبحانَه ما شاء كان، وما لم يشَأْ لم يكُنْ، ويُثبِتون الفَرْقَ بيْن مَشيئتِه وبين محبَّتِه ورِضاه،
    فيَقولُون: إنَّ الكُفرَ والفُسوقَ والعِصيانَ، وإن وقَعَ بمشيئتِه؛ فهو لا يحِبُّه ولا يرضاه،
    بل يَسخَطُه ويُبغِضُه، ويَقولُون: إرادةُ اللهِ في كِتابِه نوعان: نوعٌ بمعنى المشيئةِ لِما خَلَق،
    كقَولِه: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام: 125] ، ونوعٌ بمعنى محبَّتِه ورِضاه لِما أمَرَ به وإن لم يخلُقْه،
    كقَولِه: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة: 185] ،
    مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة: 6] ،
    يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [النساء: 26] ، وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا [النساء: 27 - 28] ) .

    وقال ابنُ أبي العِزِّ: (أمَّا أهلُ السُّنَّةِ فيَقولُونَ: إنَّ اللهَ وإن كان يريدُ المعاصيَ قَدَرًا فهو لا يحبُّها ولا يرضاها ولا يأمُرُ بها، بل يُبغِضُها ويَسخَطُها ويَكرَهُها وينهى عنها.
    وهذا قَولُ السَّلَفِ قاطِبةً، فيَقولُون: ما شاء اللهُ كان، وما لم يشَأْ لم يكُنْ؛ ولهذا اتَّفق الفُقَهاءُ على أنَّ الحالِفَ لو قال: واللهِ لأفعلَنَّ كذا إن شاء اللهُ، لم يحنَثْ إذا لم يفعَلْه، وإن كان واجِبًا أو مُستحَبًّا.
    ولو قال: إنْ أحَبَّ اللهُ، حَنِثَ إذا كان واجِبًا أو مُستحَبًّا.
    والمحَقِّقون من أهلِ السُّنَّةِ يَقولُون: الإرادةُ في كِتابِ اللهِ نوعان:
    إرادةٌ قَدَريَّةٌ كونيَّةٌ خَلْقيَّةٌ، وإرادةٌ دينيَّةٌ أمْريَّةٌ شرعيَّةٌ؛ فالإرادةُ الشَّرعيَّةُ هي المتضَمِّنةُ للمَحبَّةِ والرِّضا، والكونيَّةُ هي المشيئةُ الشَّامِلةُ لجميعِ الحوادِثِ.
    وهذا كقَولِه تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام: 125] ،
    وقَولِه تعالى عن نوحٍ عليه السلام: وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ [هود: 34] ،
    وقَولِه تعالى: وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة: 253] .

    وأمَّا الإرادةُ الدِّينيَّةُ الشَّرعيَّةُ الأمْريَّةُ فكقَولِه تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة: 185] ،
    وقَولِه تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا [النساء: 26 - 27] ،
    وقَولِه تعالى: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ [المائدة: 6] ،
    وقَولِه تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب: 33] .

    فهذه الإرادةُ هي المذكورةُ في مِثلِ قَولِ النَّاسِ لِمن يَفعَلُ القبائِحَ: هذا يَفعَلُ ما لا يريدُه اللهُ، أي: لا يُحِبُّه ولا يرضاه ولا يأمُرُ به، وأمَّا الإرادةُ الكونيَّةُ فهي الإرادةُ المذكورةُ في قَولِ المسلِمينَ: ما شاء الله كان، وما لم يشَأْ لم يكُنْ) .
    وقال محمَّدُ بنُ إبراهيمَ آل الشَّيخِ: (المشيئةُ لم تَرِدْ مُستعمَلةً في الدِّينيَّةِ، إنَّما جاءت مُستعمَلةً في الكَونيَّةِ، فلا تَنقَسِمُ، ولا أعلَمُ أنَّها تنقَسِمُ، بخلافِ الإرادةِ) .
    وقال ابنُ باز: (مِن مراتِبِ الإيمانِ بالقَدَرِ: أنَّه سُبحانَه وتعالى لا يُوجَدْ في مُلْكِه ما لا يُريدُ، ولا يَقَعُ شَيءٌ في السَّماءِ والأرضِ إلَّا بمشيئتِه،
    كما قال تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير: 28، 29]،
    وقال تعالى: فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ [المدثر: 55، 56]،
    وقال تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ [الأنعام: 112]،
    وقال تعالى: مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الأنعام: 39] ،
    وقال عَزَّ وجَلَّ: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ [الأنعام: 125] ،
    والآياتُ في هذا المعنى كثيرةٌ جِدًّا معلومةٌ من كِتابِ اللهِ، والإرادةُ في هذه الآيةِ بمعنى المشيئةِ، وهي إرادةٌ كونيَّةٌ قَدَريَّةٌ، بخلافِ الإرادةِ في قَولِه تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا [النساء: 26- 28] ؛
    فالإرادةُ في هذه الآياتِ الثَّلاثِ إرادةُ شَرعيَّةٌ أو دينيَّةٌ، بمعنى المحبَّةِ، والفَرقُ بيْن الإرادتينِ: الأُولى: لا يتخَلَّفُ مرادُها أبدًا، بل ما أراده اللهُ كونًا فلا بدَّ من وقوعِه،
    كما قال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82] ،
    أمَّا الإرادةُ الشَّرعيَّةُ فقد يُوجَدُ مرادُها من بعضِ النَّاسِ، وقد يتخَلَّفُ) .
    وقال ابنُ عُثَيمين: (الإرادةُ الشَّرعيَّةُ لا يلزَمُ منها وقوعُ المرادِ، وهي التي بمعنى المحبَّةِ؛ قال تعالى: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ [النساء: 27] بمعنى: يحِبُّ، ولو كانت بمعنى: يشاءُ، لتاب اللهُ على جميعِ النَّاسِ. والإرادةُ الكونيَّةُ يلزَمُ منها وقوعُ المرادِ،
    كما قال اللهُ تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة: 253] ) .
    ----------------------------------------------------------------------------------
    التالي : -
    -
    :: الإِزَاغَةُ ::

    -
    وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

     المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :: أنواعُ الصِّفاتِ :صِفاتُ اللهِ الواردةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ : الآخِرِيَّةُ : الإبداءُ والإعادةُ. :الإتيانُ والمجيءُ. : الإِجَابَةُ. :الأَحَدُ والأحَدِيَّةُ.                  Empty المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :: الصِّفاتُ الثَّابتةُ بالكِتابِ أو السُّنَّةِ ::الإِزَاغَةُ ::

    مُساهمة من طرف صادق النور السبت ديسمبر 30, 2023 8:42 pm

    يتبع ما قبله : -

    :: المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :: الصِّفاتُ الثَّابتةُ بالكِتابِ أو السُّنَّةِ ::

    :: ألإِزَاغَةُ ::


    مِن الصِّفاتِ الفِعليَّةِ الثَّابتةِ للهِ عزَّ وجلَّ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.
    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    1- قولُه تعالى: رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا [آل عمران: 8] .

    قال ابنُ جريرٍ: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا [آل عمران: 8] : يعني: أنَّهم يَقولُون رغبةً منهم إلى رَبِّهم في أن يَصرِفَ عنهم ما ابتَلى به الذين زاغت قلوبُهم من اتِّباعِ مُتشابِهِ آيِ القُرآنِ؛ ابتغاءَ الفِتنةِ، وابتغاءَ تأويلِه الذي لا يَعلَمُه غيرُ الله: يا رَبَّنا لا تجعَلْنا مِثلَ هؤلاء الذين زاغت قُلوبُهم عن الحَقِّ، فصَدُّوا عن سَبيلِك، لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا لا تُمِلْها فتَصرِفَها عن هُداك) .

    وقال البَغَويُّ: (قَولُه تعالى: رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا، أي: ويَقولُ الرَّاسِخونَ في العِلمِ: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلوبَنا، أي: لا تُمِلْها عن الحَقِّ والهدى كما أزَغْتَ قلُوبَ الذين في قُلوبِهم زَيغٌ، فضَلُّوا وأضَلُّوا) .

    2- قَولُه: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف: 5] .

    قال ابنُ جَريرٍ: (قَولُه: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ يَقولُ: فلمَّا عَدَلوا وجاروا عن قَصْدِ السَّبيلِ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ يَقولُ: أمال اللهُ قُلوبَهم عنه) .
    وقال السَّعْديُّ: (في قَولِه عن المنافقينَ: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا [البقرة: 10] بيانٌ لحِكمتِه تعالى في تقديرِ المعاصي على العاصينَ، وأنَّه بسَبَبِ ذُنوبِهم السَّابقةِ يبتليهم بالمعاصي اللَّاحِقةِ المُوجِبةِ لعُقوباتِها،
    كما قال تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام: 110] ، وقال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف: 5] ،
    وقال تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة: 125] فعقوبةُ المعصيةِ المعصيةُ بَعْدَها، كما أنَّ مِن ثوابِ الحَسَنةِ الحَسَنةَ بَعْدَها؛
    قال تعالى: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى [مريم: 76] ) .

    الدَّليلُ من السُّنَّةِ:

    عن النواس بن سمعان الكلابي قال: سمعت رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((ما من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه ))
    وكان رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك )) .

    قال ابنُ منظورٍ: (الزَّيْغُ: المَيْلُ، زاغَ يَزِيغُ زَيْغًا وزَيَغانًا وزُيُوغًا وزَيْغُوغةً، وأَزَغْتُه أَنا إِزَاغَةً) .
    فالزَّيغُ: المَيلُ عنِ الحقِّ.

    وقال أبو هِلالٍ العَسكريُّ: (الفَرقُ بيْن الزَّيغِ والمَيلِ: أنَّ الزَّيغَ مُطلَقًا لا يكونُ إلَّا المَيلَ عنِ الحقِّ، يُقالُ: فلانٌ مِن أهلِ الزَّيغِ، ويُقالُ أيضًا: زاغَ عنِ الحقِّ، ولا أعرِفُ زاغَ عنِ الباطلِ) .

    والإزاغةُ: مصدرُ أزاغَ، وأزاغَه: أي: أمالَه.
    قال ابنُ جَريرٍ: (قَولُه: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف: 5] يَقولُ: فلمَّا عدَلوا وجارُوا عن قصدِ السَّبيلِ أزاغَ اللهُ قلوبَهم، يَقولُ: أمالَ اللهُ قلوبَهم عنه) فالزَّيغُ مِن العبدِ، والإزاغةُ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ.

    ::
    الاسْتِدْرَاجُ
    ::


    صفةٌ فِعليَّةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالكِتابِ العزيز.
    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    1- قولُه تعالى: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ [الأعراف: 182] .
    2- قَولُه: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ [القلم: 44] .

    قال ابنُ جَريرٍ
    : (يَقولُ تعالى ذِكْرُه: والذين كَذَّبوا بأدِلَّتِنا وأعلامِنا، فجَحَدوها ولم يتذَكَّروا بها، سنُمهِلُه بغِرَّتِه ونُزَيِّنُ له سوءَ عَمَلِه، حتى يَحسَبَ أنَّه هو فيما عليه مِن تكذيبِه بآياتِ اللهِ إلى نفسِه محسِنٌ، وحتى يَبلُغَ الغايةَ التي كَتَبَ له من المَهلِ، ثم يأخُذَه بأعمالِه السَّيِّئةِ، فيُجازيَه بها مِن العُقوبةِ ما قد أعَدَّ له، وذلك استدراجُ اللهِ إيَّاه. وأصلُ الاستدراجِ اغتِرارُ المُستَدرَجِ بلُطفٍ مِن حيثُ يرى المستَدرَجُ أنَّ المُستَدرِجَ إليه محسِنٌ، حتى يُوَرِّطَه مَكروهًا!) .
    وقال الشِّنقيطيُّ: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ [الأعراف: 182] هذا وعيدُ اللهِ.
    والسِّينُ: حرفُ تنفيسٍ، وقَولُه: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ أصلُه: (نَستَفعِلُهم)، ومنه: الاستِدراجُ، والاستدراجُ: استِفعالٌ من الدَّرَجةِ،
    والدَّرَجةُ: واحِدةُ طَبَقاتِ السُّلَّمِ على أصَحِّ الأقوالِ. والمعنى: أنَّه يَستَنزِلُهم درجةً درجةً ومَرتبةً مَرتبةً، حتى يُدنِيَهم إلى ما يشاءُ من إهلاكِهم! فالعَرَبُ تقولُ: استدرَجَه: إذا أنزَلَه درجةً درجةً إلى أن وَصَل إلى ما يَقصِدُه منه، أو استَعْلاه درجةً درجةً، وهذا معروفٌ في كلامِ العَرَبِ أنَّ الاستدراجَ هو الاستِنزالُ دَرَجةً بعْدَ دَرَجةٍ حتى يَصِلَ الإنسانُ إلى السُّوءِ الذي يُرادُ منه؛ لأنَّ الكُفَّارَ أراد اللهُ جَلَّ وعلا أن يُهلِكَهم بعَذابِه المُستأصِلِ، ويُدخِلَهم النَّارَ لَمَّا كَذَّبوا بآياتِه، فمعنى استدراجِه لهم: أنَّه يُرسِلُ عليهم هذه النِّعمةَ فيُكثِّرُ خِصْبَ بِلادِهم وأرزاقَهم وعافِيَتَهم، وتَلِدُ نِساؤُهم ذُكورًا، وتتزايدُ عليهم النِّعَمُ وتتواتَرُ؛ فعند ذلك يزدادون بَطَرًا وكُفرًا، فيَقرُبون من الهلاكِ دَرَجةً،
    ثمَّ إنَّ اللهَ جَلَّ وعلا يُغدِقُ عليهم نِعَمًا أُخرى فتَزيدُهم بَطَرًا إلى بَطَرِهم، وكُفرًا إلى كُفْرِهم، وغَفلةً إلى غَفلتِهم، فيَقرُبونَ درجةً أخرى إلى هلاكِهم، حتى إذا انتَهَت تلك الدَّرَجاتُ التي يَسْتدنيهم اللهُ فيها لِما يُريدُ منهم، جاءهم عذابُ اللهِ فأهلَكَهم وصاروا منه إلى الخُلودِ في النَّارِ، كما قال جَلَّ وعلا: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [الأنعام: 44] ) .

    قال البَغَويُّ: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ، قال عطاءٌ: سنمكُرُ بهم مِن حيث لا يعلَمونَ، وقيل: نأتيهم مِن مأمَنِهم،
    كما قال: فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا [الحشر: 2] ،
    قال الكَلبيُّ: نُزَيِّنُ لهم أعمالَهم فنُهلِكُهم بها.
    وقال الضَّحَّاكُ: كلَّما جدَّدوا معصيةً جدَّدْنا لهم نعمةً،
    قال سُفيانُ الثَّوريُّ: نُسبِغُ عليهم النِّعمةَ، ونُنسِيهم الشُّكرَ،
    قال أهلُ المعاني: الاستدراجُ: أن يتدرَّجَ إلى الشَّيءِ في خُفيةٍ قليلًا قليلًا، فلا يباغِتَ ولا يُجاهِرَ، ومنه: درَجَ الصَّبيُّ: إذا قارَبُ بيْن خُطاهُ في المشيِ، ومنه: درَجَ الكِتابَ: إذا طَواه شيئًا بعد شيءٍ) .

    ::
    اسْتِطَابَةُ الرَّوَائِحِ
    ::


    صفةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالسُّنَّة الصَّحيحةِ.
    الدَّليلُ:
    حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((ولَخُلُوفُ فَمِ الصَّائمِ أطيبُ عندَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ )) .
    قال ابنُ القيِّمِ: (مِن المعلومِ أنَّ أطيَبَ ما عند النَّاسِ مِن الرَّائحةِ رائحةُ المِسْكِ؛
    فمثَّلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا الخُلُوفَ عند اللهِ تعالى بطِيبِ رائحةِ المِسْكِ عندنا وأعْظَمَ، ونسبةُ استطابةِ ذلك إليه سُبحانَه وتعالى كنسبةِ سائرِ صِفاته وأفعالِه إليه؛ فإنَّها استطابةٌ لا تُماثِلُ استطابةَ المخلوقينَ، كما أنَّ رضاه وغَضَبَه وفرَحَه وكراهيَتَه وحُبَّه وبُغْضَه لا تُماثِلُ ما للمخلوقِ مِن ذلك، كما أنَّ ذاتَه سُبحانَه وتعالى لا تُشبِهُ ذواتِ خَلْقِه، وصِفاتِه لا تُشبِهُ صِفاتِهم وأفعالَهم،
    وهو سُبحانَه وتعالى يستطيبُ الكلِمَ الطَّيِّبَ فيصعَدُ إليه، والعمَلَ الصَّالحَ فيرفَعُه، وليست هذه الاستطابةُ كاستطابتِنا، ثمَّ إنَّ تأويلَه لا يرفَعُ الإشكالَ؛ إذ ما استشكَلَه هؤلاء مِن الاستطابةِ يلزَمُ مِثلُه في الرِّضا، فإن قال: رضًا ليس كرضَا المخلوقينَ، فقولوا: استطابةٌ ليسَتْ كاستطابةِ المخلوقينَ، وعلى هذا جميعُ ما يجيءُ مِن هذا البابِ) .
    وقد أقرَّ ابنُ باز تعليقَ عليٍّ الشِّبلِ على تأويلِ ابنِ حَجَرٍ، الذي يَقولُ فيه: (الاستطابةُ لرائحةِ خُلوفِ فمِ الصائمِ من جنسِ سائرِ الصِّفات العُلا، يجبُ الإيمانُ بها مع عدمِ مماثلةِ صِفاتِ المخلوقينَ، ومع عدمِ التكلُّفِ بتأويلِها بآراءِ العُقولِ ومُستبعَداتِ النُّقولِ، والذي يُفضي بها إلى تعطِيلِها عن اللهِ.
    فالواجِبُ الإيمانُ بها كسائرِ الصِّفاتِ على الوَجهِ اللائقِ باللهِ مِن غيرِ تكييفٍ ولا تمثيلٍ، ومِن غَيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ) .
    وقد أثبَتَ بعضُ العُلَماءِ صفةَ الشَّمِّ للهِ عزَّ وجلَّ بهذا الحديثِ، وهو ليس صريحًا في ذلك؛ فالحديثُ فيه إثباتُ استطابةِ الرَّوائحِ للهِ عزَّ وجلَّ، أمَّا الكيفُ فمَجهولٌ.
    قال البرَّاكُ: (ما ثبَتَ للهِ تعالى مِن الصِّفاتِ يَثبُتُ له على ما يَليقُ به ويختَصُّ به،
    كما يُقالُ ذلك في سَمعِه وبصَرِه وعِلمِه، وسائرِ صِفاته، وصفةُ الشَّمِّ ليس في العَقلِ ما يقتضي نفيَها، فإذا قام الدَّليلُ السَّمعيُّ على إثباتِها وجَبَ إثباتُها على الوجهِ اللَّائقِ به سُبحانَه، وهذا الحديثُ -
    وهو قَولُه: ((لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائمِ أطيَبُ عند اللهِ مِن رِيحِ المِسكِ))- ليس نصًّا في إثباتِ الشَّمِّ، بل هو محتمِلٌ لذلك؛ فلا يجوزُ نَفيُه مِن غيرِ حُجَّةٍ، وحينئذٍ فقد يُقالُ: إنَّ صِفةَ الشَّمِّ للهِ تعالى ممَّا يجِبُ التَّوقُّفُ فيه؛ لعدمِ الدَّليلِ البَيِّنِ على النَّفيِ أو الإثباتِ، فليُتدبَّرْ. واللهُ أعلَمُ بمرادِه ومرادِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) .
    ::
    الاسْتِهْزَاءُ بِالكَافِرِينَ
    ::


    صفةٌ فِعليَّةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ في كِتابِه العزيزِ.
    الدَّليلُ:
    قولُه تعالى: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة: 14-15] .

    قال ابنُ فارسٍ: (الهُزْءُ: السُّخريَّةُ، يُقالُ: هزِئَ به واستهزَأَ) .
    وقال ابنُ جَريرٍ في تفسيرِ الآيةِ -بعد أن ذكَرَ الاختلافَ في صفةِ الاستهزاءِ-: (الصَّوابُ في ذلك مِن القولِ والتَّأويلِ عندنا: أنَّ معنى الاستهزاءِ في كلامِ العرَبِ: إظهارُ المستهزِئِ للمستَهْزَأِ به مِن القَولِ والفِعلِ ما يُرضيه ويوافِقُه ظاهِرًا، وهو بذلك مِن قِيلِه وفِعلِه به مُورِّثُه مَساءَةً باطنًا،
    وكذلك معنى الخِداعِ والسُّخريَّةِ والمَكْرِ... وأمَّا الَّذين زعَموا أنَّ قولَ اللهِ تعالى ذِكْرُه
    : اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة: 15] إنَّما هو على وجهِ الجوابِ، وأنَّه لم يكُنْ مِن اللهِ استهزاءٌ ولا مَكْرٌ ولا خديعةٌ؛ فنافُونَ عنِ اللهِ عزَّ وجلَّ ما قد أثبَتَه اللهُ عزَّ وجلَّ لنَفْسِه وأوجَبَه لها، وسواءٌ
    قال قائلٌ: لم يكُنْ مِن اللهِ جلَّ ذِكرُه استهزاءٌ ولا مَكْرٌ ولا خديعةٌ ولا سُخريَّةٌ بمَن أخبَرَ أنَّه يستهزِئُ ويسخَرُ ويمكُرُ به، أو قال: لم يخسِفِ اللهُ بمَن أخبَرَ أنَّه خسَفَ به مِن الأُمَمِ، ولم يُغرِقْ مَن أخبَرَ أنَّه أغرَقَه منهم.
    ويُقالُ لقائلِ ذلك: إنَّ اللهَ جلَّ ثناؤُه أخبَرَنا أنَّه مكَرَ بقومٍ مضَوْا قبْلَنا لم نَرَهم،
    وأخبَرَ عن آخَرينَ أنَّه خسَفَ بهم، وعن آخَرينَ أنَّه أغرَقَهم، فصدَّقْنا اللهَ تعالى ذِكْرُه فيما أخبَرَنا به مِن ذلك، ولم نُفرِّقْ بيْن شيءٍ منه، فما بُرهانُكَ على تفريقِكَ ما فرَّقْتَ بينَه، بزعمِكَ: أنَّه قد أغرَقَ وخسَفَ بمَنْ أخبَرَ أنَّه أغرَقَه وخسَفَ به، ولم يمكُرْ بمَن أخبَرَ أنَّه قد مكَرَ به؟!) .
    وقال أبو القاسِمِ الأصبهانيُّ: (وتولَّى الذَّبَّ عنهم «أي: عنِ المؤمنينَ» حين قالوا: إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة: 14] ، فقال: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة: 15] ، وقال: فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ [التوبة: 79] ،
    وأجاب عنهم فقال: أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ [البقرة: 13] ؛ فأجَلَّ أقدارَهم أن يُوصَفوا بصفةِ عيبٍ، وتولَّى المجازاةَ لهم، فقال: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة: 15] ، وقال: سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ [التوبة: 79] ؛ لأنَّ هاتينِ الصِّفتينِ إذا كانتا مِن اللهِ لم تكُنْ سَفَهًا؛ لأنَّ اللهَ حكيمٌ، والحكيمُ لا يفعَلُ السَّفَهَ، بل ما يكونُ منه يكونُ صوابًا وحِكمةً) .

    وقال ابنُ تيميَّةَ ردًّا على الَّذين يدَّعون أنَّ هناك مَجازًا في القُرآنِ: (وكذلك ما ادَّعَوْا أنَّه مجازٌ في القُرآنِ كلفظِ «المَكْرِ» و«الاستهزاءِ» و«السُّخريَّةِ» المُضافِ إلى اللهِ، وزعَموا أنَّه مُسمًّى باسمِ ما يُقابِلُه على طريقِ المَجازِ،
    وليس كذلك، بل مُسمَّياتُ هذه الأسماءِ إذا فُعِلَتْ بمَن لا يستحِقُّ العقوبةَ، كانت ظُلمًا له، وأمَّا إذا فُعِلَتْ بمَن فعَلَها بالمَجنيِّ عليه؛ عقوبةً له بمِثلِ فِعْلِه، كانت عَدْلًا،
    كما قال تعالى: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ [يوسف: 76] ، فكادَ له كما كادَتْ إخوتُه
    لَمَّا قال له أبوه: لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا [يوسف: 5] ،
    وقال تعالى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق: 15-16] ،
    وقال تعالى: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ [النمل: 5051]،
    وقال تعالى: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ [التوبة: 79] .
    ولهذا كان الاستهزاءُ بهم فِعلًا يستحِقُّ هذا الاسمَ، كما رُوِيَ عنِ ابنِ عبَّاسٍ: أنَّه يُفتَحُ لهم بابٌ مِن الجنَّةِ وهم في النَّارِ، فيُسرِعونَ إليه، فيُغلَقُ، ثم يُفتَحُ لهم بابٌ آخَرُ، فيُسرِعونَ إليه، فيُغلَقُ، فيضحَكُ منهم المؤمنونَ.
    قال تعالى: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المطففين: 34-36] .

    وعنِ الحسَنِ البَصريِّ: إذا كان يومُ القيامةِ خَمَدَتِ النَّارُ لهم كما تخمُدُ الإِهالةُ مِن القِدرِ، فيَمشُونَ، فيُخسَفُ بهم.
    وعن مُقاتِلٍ: إذا ضُرِبَ بينهم وبين المؤمنينَ بسُورٍ له بابٌ باطنُه فيه الرَّحمةُ، وظاهِرُه مِن قِبَلِه العذابُ، فيَبقَونَ في الظُّلمةِ، فيُقالُ لهم: ارجِعوا وراءَكم فالتمِسوا نورًا.
    وقال بعضُهم: استهزاؤُه: استدراجُه لهم. وقيل: إيقاعُ استهزائِهم، وردُّ خِداعِهم ومَكْرِهم عليهم. وقيل: إنَّه يُظهِرُ لهم في الدُّنيا خلافَ ما أبطَنَ في الآخِرةِ. وقيل: هو تجهيلُهم وتخطئتُهم فيما فعَلوه. وهذا كلُّه حقٌّ، وهو استهزاءٌ بهم حقيقةً) .

    :: الاسْتِوَاءُ عَلَى العَرْشِ ::


    صفةٌ فِعليَّةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.
    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    1- قولُه تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] .
    2- قَولُه: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: 54، يونس: 3، الرعد: 2، الفرقان: 59، السجدة: 4، الحديد: 4].
    عن أبي العاليةِ في قَولِه: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [البقرة: 29] : (يَقولُ: ارتَفَع) .
    وعن مجاهِدٍ في قَولِه تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: 54] قال: (علا على العَرْشِ) .
    قال السَّمعانيُّ: (أهلُ السُّنَّةِ يَقولُون: إنَّ الاستواءَ على العَرْشِ صِفةٌ لله تعالى بلا كَيفٍ، والإيمانُ به واجِبٌ، كذلك يُحكى عن مالِكِ بنِ أنَسٍ وغَيرِه مِنَ السَّلَفِ أنَّهم قالوا في هذه الآيةِ: الإيمانُ به واجِبٌ، والسُّؤالُ عنه بِدعةٌ) .

    وقال البَغَويُّ: (ثمَّ استوى على العَرْشِ، قال الكَلبيُّ ومُقاتِلٌ: استقَرَّ. وقال أبو عُبَيدةَ: صَعِدَ.
    وأوَّلت المُعتَزِلةُ الاستواءَ بالاستيلاءِ، فأمَّا أهلُ السُّنَّةِ يَقولُون: الاستواءُ على العَرْشِ صِفةٌ لله تعالى بلا كَيفٍ، يجِبُ على الرَّجُلِ الإيمانُ به، ويَكِلُ العِلمَ فيه إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ.

    وسأل رجُلٌ مالِكَ بنَ أنَسٍ عن قَولِه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] كيف استوى؟ فأطرَقَ رأسَه مَلِيًّا وعَلاه الرُّحَضاءُ ثمَّ قال: الاستواءُ غيرُ مجهولٍ، والكيفُ غيرُ معقولٍ، والإيمانُ به واجِبٌ، والسُّؤالُ عنه بِدعةٌ، وما أظنُّك إلَّا ضالًّا، ثمَّ أمَرَ به فأُخرِجَ.

    ورُوِيَ عن سُفيانَ الثَّوريِّ، والأوزاعيِّ، واللَّيثِ بنِ سَعدٍ، وسُفيانَ بنِ عُيَينةَ، وعبدِ اللهِ بنِ المبارَكِ، وغَيرهِم من عُلَماءِ السُّنَّةِ، في هذه الآياتِ التي جاءت في الصِّفاتِ المتشابِهاتِ: أَمِرُّوها كما جاءت بلا كَيفٍ.
    والعَرشُ في اللُّغةِ: هو السَّريرُ. وقيل: هو ما علا فأظَلَّ، ومنه عَرشُ الكُرومِ) .
    وقال ابنُ رشدٍ: (أمَّا من قال: إنَّ الاستواءَ بمعنى الاستيلاءِ فقد أخطَأَ؛ لأنَّ الاستيلاءَ لا يكونُ إلَّا بعد المغالَبةِ والمقاهَرةِ، واللهُ يتعالى عن أن يُغالِبَه أحَدٌ. وحَمْلُ الاستواءِ على العُلُوِّ والارتفاعِ أَولى ما قيلَ،
    كما يقالُ: استَوَت الشَّمسُ في كَبِدِ السَّماءِ، أي: عَلَت) .

    وقال ابنُ كثيرٍ: (قَولُه تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: 54] للنَّاسِ في هذا المقامِ مقالاتٌ كثيرةٌ جِدًّا، ليس هذا مَوضِعَ بَسْطِها،
    وإنما يُسلَكُ في هذا المقامِ مَذهَبُ السَّلَفِ الصَّالحِ: مالِكٍ، والأوزاعيِّ، والثَّوريِّ، واللَّيثِ بنِ سَعدٍ، والشَّافعيِّ، وأحمَدَ بنِ حَنبلٍ، وإسحاقَ بنِ راهَوَيهِ، وغَيرِهم مِن أئِمَّةِ المسلِمينَ قديمًا وحديثًا، وهو إمرارُها كما جاءت مِن غيرِ تكييفٍ ولا تشبيهٍ ولا تعطيلٍ. والظَّاهِرُ المتبادِرُ إلى أذهانِ المشَبِّهينَ مَنفيٌّ عن اللهِ؛ فإنَّ اللهَ لا يُشبِهُه شَيءٌ من خَلْقِه،
    و لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] ، بل الأمرُ كما قال الأئِمَّةُ -منهم نعيمُ بنُ حَمَّادٍ الخُزاعيُّ؛ شيخُ البُخاريِّ-: «مَن شَبَّه اللهَ بخَلْقِه فقد كَفَر، ومن جَحَد ما وَصَف اللهُ به نَفْسَه فقد كَفَر. وليس فيما وَصَف اللهُ به نَفْسَه ولا رَسولُه تشبيهٌ»، فمن أثبَتَ للهِ تعالى ما ورَدَت به الآياتُ الصَّريحةُ والأخبارُ الصَّحيحةُ على الوَجهِ الذي يَليقُ بجَلالِ اللهِ تعالى، ونفى عن اللهِ تعالى النَّقائِصَ، فقد سَلَك سبيلَ الهُدى) .
    ومِن أقوالِ العُلَماءِ في إثباتِ صِفةِ الاستواءِ للهِ عزَّ وجَلَّ:
    قال أبو حنيفةَ: (نُقِرُّ بأنَّ اللهَ تعالى على العَرْشِ استوى من غيرِ أن يكونَ له حاجةٌ) .
    وقال الشَّافعيُّ في وصيَّتِه: (هذه وصيَّةُ محمَّدِ بنِ إدريسَ الشَّافعيُّ، أوصى أنَّه يَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَبدُه ورَسولُه... وأنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ يُرى في الآخرةِ، يَنظُرُ إليه المؤمنون عِيانًا جِهارًا، ويَسمَعونَ كَلامَه، وأنَّه فوقَ العَرشِ...) .
    وقال أيضًا: (القَولُ في السُّنَّةِ التي أنا عليها، ورأيتُ أصحابَنا عليها أهلَ الحديثِ الذين رأيتُهم فأخذتُ عنهم؛ مِثلُ: سُفيانَ ومالكٍ وغَيرِهما: الإقرارُ بشَهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا رَسولُ اللهِ، وأنَّ اللهَ على عَرْشِه في سمائِه يَقرُبُ مِن خَلْقِه كيف شاء) .

    وقال أحمدُ بنُ حَنبَلٍ: (وقد عَرَف أهلُ العِلمِ أنَّه فوقَ السَّمَواتِ السَّبعِ: الكُرسيِّ، والعَرشِ، واللَّوحِ المحفوظِ، والحُجُبِ، وأشياءَ كثيرةٍ لم يُسَمِّها) .
    وقال الدارمي: (انتَدَبْتَ أيُّها المِرِّيسيِّ مُكَذِّبًا بعَرشِ اللهِ وكُرسيِّه، مُطنِبًا في التكذيبِ بجَهْلِك، متأوِّلًا في تكذيبِه بخِلافِ ما تعقِلُه العُلَماءُ، فرَوَيتَ عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما قال: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ [البقرة: 255] : عِلْمُه) ، قلتَ: فمعنى الكُرسيِّ: العِلمُ، فمن ذهب إلى غيِر العِلمِ أكذَبَه كتابُ اللهِ تعالى.

    فيقالُ لهذا المِرِّيسيِّ: أمَّا ما رويتَ عن ابنِ عَبَّاسٍ فإنَّه من روايةِ جَعفَرٍ الأحمَرِ، وليس جعفَرٌ ممَّن يُعتَمَدُ على روايتهِ؛ إذ قد خالفَتْه الرُّواةُ الثِّقاتُ المتقِنون، وقد روى مسلِمٌ البطينُ، عن سعيدِ بنِ جُبَيرٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ في الكُرسيِّ خِلافَ ما ادَّعَيتَ على ابنِ عَبَّاسٍ.
    حَدَّثَنا يحيى وأبو بكرِ بنُ أبي شَيبةَ، عن وكيعٍ، عن سُفيانَ، عن عَمَّارِ الدهنيِّ، عن مسلمٍ البطينِ، عن سعيدِ بنِ جُبَيرٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما قال: (الكرسيُّ مَوضِعُ القَدَمينِ، والعَرشُ لا يَقدُرُ قَدرَه إلَّا اللُه) ،
    فأقرَّ المرِّيسي بهذا الحديثِ وصَحَّحه، وزعم أنَّ وكيعًا رواه،
    إلَّا أنَّ تفسيرَ القَدَمينِ هاهنا في دعواه: الثَّقَلينِ، قال: يضَعُ اللهُ عِلْمَه وقضاءَه للثَّقَلينِ يومَ القيامةِ، فيَحكُمُ به فيهم، فهل سَمِع سامِعٌ من العالَمينَ بمِثلِ ما ادَّعى هذا المِرِّيسي؟
    وَيْلَك! عَمَّن أخَذْتَه؟ ومن أيِّ شيطانٍ تلقَّيْتَه؟ فإنَّه ما سبقك إليها آدميٌّ نَعلَمُه. أيحتاجُ الرَّبُّ عزَّ وجَلَّ أن يَضَعَ محاسبةَ العبادِ على كِتابِ عِلْمِه وأقضِيَتِه يحكُمُ بما فيه بينهم؟ ولا أراك مع كثرةِ جَهْلِك إلَّا وستَعلَمُ أنَّك احتجَجْتَ بباطِلٍ جعَلْتَه أغلوطةً تغالِطُ بها أغمارَ النَّاسِ وجُهَّالَهم) .
    وقال أبو حاتمٍ الرازيُّ: (مَذهَبُنا واختيارُنا اتِّباعُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابِه والتَّابعين ومَن بَعْدَهم بإحسانٍ، وتَرْكُ النَّظَرِ في موضِعِ بِدَعِهم، والتمسُّكُ بمذهَبِ أهلِ الأثَرِ؛ مِثلُ أبي عبدِ اللهِ أحمدَ بنِ حَنبَلٍ، وإسحاقَ بنِ إبراهيمَ، وأبي عبيدٍ القاسِمِ بنِ سَلَّامٍ، والشَّافعيِّ، ولُزومُ الكتابِ والسُّنَّةِ،
    والذَّبُّ عن الأئمَّةِ المتَّبِعةِ لآثارِ السَّلَفِ، واختيارُ ما اختاره أهلُ السُّنَّةِ مِن الأئمَّةِ في الأمصارِ؛ مِثلُ: مالكِ بنِ أنَسٍ في المدينةِ، والأوزاعيِّ بالشَّامِ، واللَّيثِ بنِ سَعدٍ بمصرَ، وسُفيانَ الثَّوريِّ وحمَّادِ بن زيادٍ بالعراقِ...
    أنَّ اللهَ على عرشِه بائنٌ مِن خَلْقِه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ) .
    وقال الطَّحاويُّ: (العَرشُ والكُرسيُّ حَقٌّ، وهو مُستغنٍ عن العَرشِ وما دونَه، محيطٌ بكُلِّ شَيءٍ وفوقَه) .
    وقال أبو بكرٍ الإسماعيليُّ: (اعلَموا -رَحِمنا اللهُ وإيَّاكم- أنَّ مَذهَبَ أهلِ الحَديثِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ:... يَعتَقِدون أنَّ اللهَ مَدعوٌّ بأسمائِه الحُسنى، وموصوفٌ بصِفاتِه التي سمَّى ووَصَف بها نَفْسَه، ووصَفَه بها نبيُّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم... وأنَّه عزَّ وجَلَّ استوى على العَرشِ، بلا كيفٍ؛ فإنَّ اللهَ تعالى انتهى من ذلك إلى أنَّه استوى على العَرشِ ولم يذكُرْ كيف كان استواؤُه) .
    وقال ابنُ أبي زيد القيروانيُّ: (إنَّ اللهَ إلهٌ واحدٌ، لا إلهَ غيرُه، ولا شبيهَ له، ولا نظيرَ له،
    ولا وَلَدَ له، ولا والِدَ له، ولا صاحِبةَ له، ولا شريكَ له... وأنَّه فوقَ عَرشِه المجيدِ بذاتِه) .
    وقال أيضًا: (ممَّا أجمعت عليه الأئمَّةُ مِن أمورِ الدِّيانةِ، ومن السُّنَنِ التي خلافُها بدعةٌ وضَلالةٌ... أنَّه فوقَ سماواتِه على عَرْشِه دونَ أَرْضِه، وأنَّه في كُلِّ مكانٍ بعِلْمِه، وأنَّ للهِ سُبحانه وتعالى كرسِيًّا
    كما قال عزَّ وجَلَّ: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ [البقرة: 255] . وممَّا جاءت به الأحاديثُ أنَّ اللهَ سُبحانَه يَضَعُ كُرسِيَّه يومَ القيامةِ لفَصلِ القَضاءِ.
    قال مجاهِدٌ: كانوا يقولون: ما السَّمَواتُ والأرضُ في الكُرسيِّ إلَّا كحَلْقةٍ مُلقاةٍ في فَلاةٍ... وكُلُّ ما قَدَّمْنا ذِكْرَه فهو قَولُ أهلِ السُّنَّةِ وأئمَّةِ النَّاسِ في الفِقهِ والحديثِ على ما بَيَّنَّاه، وكُلُّه قَولُ مالكٍ؛ فمنه منصوصٌ من قَولِه، ومنه معلومٌ مِن مَذهَبِه) .
    وقال ابنُ أبي زمنين: (من قَولِ أهلِ السُّنَّةِ: أنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ خَلَق العَرشَ واختَصَّه بالعُلُوِّ والارتفاعِ فَوقَ جميعِ ما خَلَق، ثم استوى عليه كيف شاء، كما أخبَرَ عن نَفْسِه في قَولِه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] ... ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا [الحديد: 4] ) .
    وقال أبو عَمرٍو الدَّاني: (مِن قَولِهم: إنَّ اللهَ سُبحانه خَلَق العَرْشَ، واختَصَّه بالعُلُوِّ والارتفاعِ فَوقَ جميعِ ما خَلَق، ثمَّ استوى عليه كيف شاء، من غيرِ أن يُحدِثَ تَغيُّرًا في ذاتِه، لا إلهَ إلَّا هو الكَبيرُ، وأنَّه تباركَ وتعالى خَلَق الكُرسيَّ، وهو بين يَدَيِ العَرْشِ) .
    وقال أبو يَعْلى: (نصُّ القُرآنِ والأخبارِ الصِّحاحِ أنَّه في السَّماءِ، مُستوٍ على عَرْشِه، بائنٌ مِن خَلْقِه) .
    وقال ابنُ عبدِ البَرِّ في شرحِ حديثِ النُّزولِ: (فيه دليلٌ على أنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ في السَّماءِ على العَرشِ مِن فوقِ سَبعِ سَماواتٍ، كما قالت الجماعةُ، وهو من حُجَّتِهم على المعتَزِلةِ والجَهميَّةِ في قَولِهم: إنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ في كُلِّ مكانٍ، وليس على العَرشِ) .
    ومعنى الاستواءِ: العُلوُّ، والارتفاعُ، والاستقرارُ، والصُّعودُ،
    كما قال ابنُ القيِّمِ:
    (فَلَهُمْ عِبَارَاتٌ عَلَيْهَا أَرْبَعٌ قَدْ حُصِّلَتْ لِلْفَارِسِ الطَّعَّانِ
    وَهِيَ اسْتَقَرَّ وَقَدْ عَلَا وَكَذَلِكَ ارْ تَفَعَ الَّذِي مَا فِيهِ مِنْ نُكْرَانِ
    وَكَذَاكَ قَدْ صَعِدَ الَّذِي هُوَ رابِعٌ وَأَبُو عُبَيْدَةَ صَاحِبُ الشَّيْبَانِي
    يَخْتَارُ هَذَا القَوْلَ فِي تَفْسِيرِهِ أَدْرَى مِنَ الجَهْمِيِّ بِالقُرْآنِ) .
    --------------------------------------------------------------
    التالي : -
    :: الأَسَفُ (بمعنى الغَضَب) ::
    -
    تابعونا أحبابنا جزاكم الله خيرا ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

     المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :: أنواعُ الصِّفاتِ :صِفاتُ اللهِ الواردةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ : الآخِرِيَّةُ : الإبداءُ والإعادةُ. :الإتيانُ والمجيءُ. : الإِجَابَةُ. :الأَحَدُ والأحَدِيَّةُ.                  Empty :: الأَسَفُ (بمعنى الغَضَب) ::

    مُساهمة من طرف صادق النور السبت ديسمبر 30, 2023 10:00 pm

    يتبع ما قبله : -

    :: الأَسَفُ (بمعنى الغَضَب) ::


    صفةٌ فِعليَّةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالكِتابِ العزيزِ.
    الدَّليلُ:
    قولُه تعالى: فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ [الزخرف: 55] .

    قال ابنُ قُتَيبةَ: (فَلَمَّا آَسَفُونَا، أي: أغضَبُونا، والأسَفُ: الغضَبُ، يُقالُ: أَسِفْتُ آسَفُ أَسَفًا، أي: غضِبْتُ) .
    ونقَلَ هذا المعنى ابنُ جَريرٍ في (التَّفسيرِ) بإسنادِه: عنِ ابنِ عبَّاسٍ، ومُجاهدٍ، وقتادةَ، والسُّدِّيِّ، وابنِ زيدٍ .
    قال الأزهريُّ: (قال اللهُ تعالى: فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ [الزخرف: 55] معنى: آسَفُونا: أغضَبُونا) .
    قال السَّمعانيُّ: (قَولُه تعالى: فَلَمَّا آسَفُونَا أي: أغضَبونا وأسخَطونا. فإن قيل: الأسَفُ إنَّما يكونُ على شَيءٍ فائتٍ، واللهُ تعالى لا يفوتُه شيءٌ؟ والجوابُ عنه: أنَّ معناه الغَضَبُ) .
    وقد استَشهَدَ بها ابنُ تيميَّةَ في (العَقيدة الواسطيَّة) على إثْباتِ صِفةِ الأَسَفِ للهِ عزَّ وجلَّ .
    وقال الشِّنقيطيُّ: (من إطلاقِ الأَسَفِ على الغَضَبِ في القُرآنِ قَولُه تعالى في الزُّخرف: فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ [الزخرف: 55] أي: فلمَّا أغضَبونا بتماديهم في الكُفرِ مع توالي الآياتِ عليهم انتقَمْنا منهم) .
    قال محمد خليل هرَّاس: (الأسَفُ: يُستعمَلُ بمعنى شِدَّةِ الحُزنِ، وبمعنى شِدَّةِ الغضَبِ والسَّخَطِ، وهو المرادُ في الآيةِ) .
    وقال ابنُ عُثَيمين: (الأَسَفُ له معنيانِ: أحَدُهما: الغَضَبُ، وهذا جائِزٌ على اللهِ، والدَّليلُ قَولُه: فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ [الزخرف: 55] . أي: أغضَبونا. والثَّاني: الحُزنُ، وهذا لا يجوزُ على اللهِ، ولا يَصِحُّ أن يُوصَفَ به؛ لأنَّ الحُزنَ صِفةُ نَقصٍ، واللهُ مُنَزَّهٌ عن النَّقصِ) .

    :: الأَصَابعُ ::


    صفةٌ ذاتيَّةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالسُّنَّة الصَّحيحةِ.
    الدَّليلُ:
    1- حديثُ عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه سمِعَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((إنَّ قلوبَ بني آدَمَ كلَّها بينَ إِصبَعينِ مِن أَصَابعِ الرَّحمنِ... )) .
    2- حديثُ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((جاء رجُلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن أهلِ الكِتابِ، فقال: يا أبا القاسِمِ، إنَّ اللهَ يُمسِكُ السَّمواتِ على إِصبَعٍ، والأرَضينَ على إِصبَعٍ... إلى أن قال: فرأَيْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ضحِكَ حتَّى بَدَتْ نواجِذُه، ثمَّ قرَأَ: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الزمر: 67] )) .

    قال الشَّافعيُّ: (للهِ تبارَك وتعالى أسماءٌ وصِفاتٌ جاء بها كِتابُه، وأخبَرَ بها نبيُّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَّتَه... وأنَّ له إِصبَعًا بقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما مِن قلبٍ إلَّا وهو بينَ إِصبَعينِ مِن أصابعِ الرَّحمنِ عزَّ وجلَّ ))...) .
    وقال ابنُ قُتَيبةَ بعد أن ذكَرَ حديثَ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو السَّابقَ: (ونحنُ نقولُ: إنَّ هذا الحديثَ صحيحٌ، وإنَّ الَّذي ذهَبوا إليه في تأويلِ الإِصبَعِ لا يُشبِهُ الحديثَ؛
    لأنَّه عليه السَّلامُ قال في دعائِه: ((يا مُقلِّبَ القلوبِ، ثبِّتْ قلبي على دِينِكَ))،
    فقالت له إحدى أزواجِه: أوَتخافُ يا رسولَ اللهِ على نفسِكَ؟ فقال: ((إنَّ قلبَ المُؤمنِ بينَ إِصبَعينِ مِن أصابعِ اللهِ عزَّ وجلَّ )) ،
    فإنْ كان القلبُ عندهم بينَ نعمتينِ مِن نِعَمِ اللهِ تعالى، فهو محفوظٌ بتَيْنِكَ النِّعمتينِ؛ فلأيِّ شيءٍ دعا بالتَّثبيتِ؟ ولِمَ احتَجَّ على المرأةِ الَّتي قالت له: «أتخافُ على نفسِكَ؟» بما يُؤكِّدُ قولَها؟ وكان ينبغي ألَّا يخافَ إذا كان القلبُ محروسًا بنِعمتينِ.
    فإنْ قال لنا: ما الإِصبَعُ عندَك هاهنا؟
    قُلْنا: هو مِثلُ قولِه في الحديثِ الآخَرِ: ((يحمِلُ الأرضَ على إِصبَعٍ))، وكذا على إِصبَعينِ، ولا يجوزُ أن تكونَ الإِصبَعُ هاهنا نِعمةً،
    وكقولِه تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر: 67] ، ولم يجُزْ ذلك.
    ولا نقولُ: إِصبَعٌ كأصابِعِنا، ولا يَدٌ كأيدينا، ولا قَبْضَةٌ كقَبضاتِنا؛ لأنَّ كُلَّ شيءٍ منه عزَّ وجلَّ لا يُشبِهُ شيئًا منَّا) .
    وقال ابنُ خُزَيمةَ: (بابُ إثباتِ الأَصَابعِ للهِ عزَّ وجلَّ) ، وذكَرَ بأسانيدِه ما يُثبِتُ ذلك.
    وقال الآجُرِّيُّ: (بابُ الإيمانِ بأنَّ قلوبَ الخلائقِ بينَ إِصبَعينِ مِن أَصَابعِ الرَّبِّ عزَّ وجلَّ، بلا كَيْفٍ) .
    وقال أبو القاسِمِ الأصبهانيُّ: (مِن مَذهَبِ أهلِ السُّنَّةِ: الإيمانُ بجَميعِ ما ثبت عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في صِفةِ اللهِ تعالى، كحَديثِ: ((ما من قَلبٍ إلَّا وهو بيْن إِصبَعَينِ من أصابِعِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ)) .، والإيمانُ بما ورد في القرآنِ من صِفاتِ اللهِ تعالى، كاليَدِ، والإتيانِ، والمجيءِ، وإمرارُها على ما جاءت لا تُكَيَّفُ، ولا تُتَأوَّلُ) .
    وقال البَغَويُّ بعد ذِكرِ الحديثِ السَّابقِ: (الإِصبَعُ المذكورةُ في الحديثِ صفةٌ مِن صِفات اللهِ عزَّ وجلَّ) .
    وقال ابنُ عُثَيمين: (أخَذَ السَّلَفُ أهلُ السُّنَّةِ بظاهِرِ الحديثِ، وقالوا: إنَّ لله تعالى أصابِعَ حقيقةً، نُثبِتُها له كما أثبتها له رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا يَلزَمُ من كونِ قُلوبِ بني آدمَ بيْن إصبَعَينِ منها أن تكونَ مُماسَّةً لها حتَّى يقال: إنَّ الحديثَ مُوهِمٌ للحُلولِ، فيَجِبُ صَرفُه عن ظاهِرِه؛ فهذا السَّحابُ مُسَخَّرٌ بيْن السَّماءِ والأرضِ وهو لا يَمَسُّ السَّماءَ ولا الأرضَ. ويقالُ: بَدرٌ بيْن مكَّةَ والمدينةِ، مع تباعُدِ ما بينها وبينهما. فقلوبُ بني آدَمَ كُلُّها بيْن إصبعَينِ من أصابِعِ الرَّحمنِ حقيقةً، ولا يَلزَمُ من ذلك مماسَّةٌ ولا حلولٌ) .

    وقال البرَّاكُ: (هذا الحديثُ يَستدِلُّ به أهلُ السُّنَّة على إثباتِ الأصابعِ للهِ عزَّ وجلَّ، وأنَّها مِن صفةِ يدَيْهِ؛ لأنَّ هذا هو المفهومُ مِن لفظِ الإصبَعِ في هذا السِّياقِ، وقد أقَرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اليهوديَّ على قولِه،
    كما فهِمَ ابنُ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه بقَولِه: «فضحِكَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تعجُّبًا وتصديقًا له»،
    ويؤيِّدُ ذلك قراءةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لقولِه تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الزمر: 67] .
    وقولُ أهلِ السُّنَّة في الأَصابعِ للهِ تعالى كقولِهم في اليدَينِ والوجهِ وغيرِ ذلك مِن الصِّفاتِ، وهو الإثباتُ مع نَفْيِ مُماثَلةِ المخلوقاتِ، ونَفْيِ العِلمِ بالكيفيَّةِ) .
    فأهلُ السُّنَّة والجماعةِ يُثبِتونَ للهِ تعالى أَصَابعَ تَليقُ به فـلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] .

    :: الاطِّلَاعُ ::


    صفةٌ فِعليَّةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالسُّنَّةِ الصَّحيحةِ.

    الدَّليلُ:
    1- حديثُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((ما يُدرِيكَ لعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ على أهلِ بَدْرٍ فقال: اعمَلوا ما شِئْتُم )) .
    2- حديثُ: ((يجمَعُ اللهُ النَّاسَ يومَ القيامةِ في صعيدٍ واحدٍ، ثمَّ يطَّلِعُ عليهم ربُّ العالَمينَ، فيَقولُ: ألَا يَتبَعُ كُلُّ إنسانٍ ما كانوا يعبُدونَ، فيُمثَّلُ لصاحبِ الصَّليبِ صليبُه، ولصاحبِ التَّصاويرِ تصاويرُه، ولصاحبِ النَّارِ نارُه، فيتبَعونَ ما كانوا يعبُدونَ، ويبقى المُسلِمونَ، فيطَّلِعُ عليهم ربُّ العالَمينَ، فيَقولُ: ألَا تتبَعونَ النَّاسَ؟ فيَقولُونَ: نعُوذُ باللهِ منكَ، نعُوذُ باللهِ منكَ، اللهُ ربُّنا، وهذا مكانُنا حتَّى نرى ربَّنا، وهو يأمُرُهم ويُثبِّتُهم، قالوا: وهل نراه يا رسولَ اللهِ؟ قال: وهل تُضارُّونَ في رؤيةِ القمرِ ليلةَ البَدْرِ؟ قالوا: لا يا رسولَ اللهِ،
    قال: فإنَّكم لا تُضارُّونَ في رؤيتِه تلك السَّاعةَ، ثمَّ يتوارَى، ثم يطَّلِعُ فيُعرِّفُهم نَفْسَه، ثمَّ يَقولُ: أنا ربُّكم فاتبَعوني، فيقومُ المُسلِمونَ، ويُوضَعُ الصِّراطُ... )) .
    وقد بوَّبَ ابنُ المُحِبِّ الصَّامِت في كِتابه (صِفات رَبِّ العالمينَ) بابَ: اطِّلاعِ اللهِ على خَلْقِه.
    والاطِّلاعُ: البُدُوُّ والظُّهورُ مِن عُلْوٍ .
    و(كلُّ بادٍ لك مِن عُلْوٍ فقد طَلَعَ عليكَ) .

    :: الإِعْرَاضُ ::


    صفةٌ فِعليَّةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالسُّنَّةِ الصَّحيحةِ.
    الدَّليلُ:
    حديثُ أبي واقدٍ اللَّيثيِّ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((… وأمَّا الآخَرُ فاستَحْيَا، فاستَحْيَا اللهُ منه، وأمَّا الآخَرُ فأعرَضَ، فأعرَضَ اللهُ عنه )) .
    علَّق البرَّاكُ على تأويلِ ابنِ حَجَرٍ لهذه الصِّفةِ في (فتحِ الباري)، بقَولِه: (القولُ في الاستحياءِ والإعراضِ كالقولِ في سائرِ ما أثبَتَه اللهُ عزَّ وجلَّ لنَفْسِه، وأثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن الصِّفاتِ، والواجبُ في جميعِ ذلك هو الإثباتُ مع نَفْيِ مُماثَلةِ المخلوقاتِ) .
    وقد أقرَّ ابنُ باز تعليقَ عليٍّ الشِّبلِ على تأويلِ ابنِ حَجَرٍ، الذي يَقولُ فيه: (يُوصَفُ ربُّنا سُبحانَه وتعالى بالاستحياءِ والإعراضِ-
    كما في النُّصوصِ الشَّرعيَّةِ- على وجهٍ لا نَقْصَ فيه، بل على الوجهِ اللَّائقِ، مِن غيرِ تكييفٍ ولا تعطيلٍ، ولا تحريفٍ ولا تمثيلٍ، ولا يجوزُ تأويلُهما بغيرِ معناهما الظَّاهرِ مِن لوازِمِهما، وغيرِ ذلك) .

    :: الإِلَهِيَّةُ والأُلُوهِيَّةُ ::


    صِفةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ، مِن اسمِه: (اللهِ)، واسمِه: (الإِلَهِ)، وهما اسمانِ ثابتانِ في مواضِعَ عديدةٍ مِن كِتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ.

    وعلى القَولِ بِاشْتِقاقِ اسمِ اللهِ سُبحانَه فأصلُ كلمةِ (اللهِ): إِلَاهٌ، كما رجَّحَه ابنُ القيِّمِ في (بدائعِ الفوائدِ) ، وإِلَاهٌ بمعنى مَألوهٍ، أي: معبودٍ، ككِتابٍ بمعنى مكتوبٍ.
    والإِلهيَّةُ أو الأُلوهيَّةٌ: صفةٌ مأخوذةٌ مِن هذينِ الاسمَيْنِ.

    وقال ابنُ جَريرٍ: (الأُلوهيَّةُ ليست لغَيرِه جَلَّ ثناؤُه بوَجهٍ مِن الوُجوهِ؛ لا مِن جِهةِ التسَمِّي به، ولا مِن جهةِ المعنى، وذلك أنَّا قد بَيَّنَّا أنَّ معنى اللهِ هو المعبودُ، ولا معبودَ غَيرُه جَلَّ جَلالُه) .
    وقال في تفسيرِ قَولِه تعالى: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران: 2] : (خَبَرٌ من اللهِ جَلَّ وعَزَّ، أخبَرَ عبادَه أنَّ الألوهيَّةَ خاصَّةٌ به دونَ ما سِواه من الآلهةِ والأندادِ، وأنَّ العِبادةَ لا تَصلُحُ ولا تجوزُ إلَّا له؛ لانفرادِه بالرُّبوبيَّةِ، وتوَحُّدِه بالأُلوهِيَّةِ) .
    وقال السَّمعانيُّ: (لا يَستَحِقُّ الإلهيَّةَ إلَّا من يَقدِرُ على الإحياءِ والإيجادِ مِنَ العَدَمِ؛ لأنَّه الإنعامُ بأبلَغِ وُجوهِ النِّعَمِ، وهذا لا يليقُ بوَصفِ البَشَرِ وكُلِّ مُحدَثٍ) .

    وقال ابنُ القيِّمِ عندَ الحديثِ عن أسماءِ اللهِ تعالى (اللهِ)، (الرَّبِّ)، (الرَّحمنِ قال: (... فالدِّينُ والشَّرعُ والأمرُ والنَّهيُ مظهَرُه وقيامُه مِن صفةِ الإلهيَّةِ، والخَلْقُ والإيجادُ والتَّدبيرُ والفِعلُ مِن صفةِ الرُّبوبيَّةِ، والجزاءُ بالثَّوابِ والعقابِ والجنَّةِ والنَّارِ مِن صفةِ المُلْكِ) .
    وقال ابنُ كثيرٍ: (قَولُه: وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [القصص: 88] أي: لا تليقُ العبادةَ إلَّا له، ولا تنبغي الإلهيَّةُ إلَّا لعَظَمتِه) .
    وقال السَّعْديُّ: (اللهُ: هو المألوهُ المعبودُ ذو الأُلوهيَّةِ والعُبوديَّةِ على خَلْقِه أجمعينَ؛ لِمَا اتَّصَفَ به مِن صِفات الأُلوهيَّةِ الَّتي هي صِفاتُ الكَمالِ) .

    :: الأَمْرُ ::


    صفةٌ للهِ عزَّ وجلَّ، كما قالَ في مُحكَمِ تَنزيلِه: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف: 54] ، إلَّا أنَّ هذا لا يعني أنَّه كلَّما ذُكِرَتْ كلمةُ (الأَمْرِ) في الكِتابِ أو السُّنَّةِ مُضافةً إلى اللهِ، مِثلُ: (أَمْرِ اللهِ) أو (الأَمْرِ للهِ)؛ أنَّها صفةٌ له.

    قال ابنُ جَريرٍ: (ألَا للهِ الخَلْقُ كُلُّه، والأمرُ الذي لا يخالَفُ، ولا يُرَدُّ أمرُه دونَ ما سِواه من الأشياءِ كُلِّها، ودونَ ما عَبَده المشرِكونَ مِن الآلهةِ والأوثانِ التي لا تضُرُّ ولا تنفَعُ، ولا تخلُقُ ولا تأمُرُ) .

    وقال البَغَويُّ: (له الخَلقُ؛ لأنَّه خلَقَهم، وله الأمرُ يأمُرُ في خَلْقِه بما يشاء؛ قال سُفْيانُ بنُ عُيَينةَ: فَرَّق اللهُ بيْن الخَلقِ والأمرِ، فمن جمع بينهما فقد كَفَر) .
    وقال أبو الحسَنِ الأشعريُّ: (أجمَعوا على أنَّ أمرَه عزَّ وجلَّ وقولَه غيرُ مُحدَثٍ ولا مخلوقٍ، وقد دلَّ اللهُ تعالى على صِحَّةِ ذلك بقولِه تعالى: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف: 54] ) .

    وقال ابنُ تَيميَّةَ مُثبِتًا لهذه الصِّفةِ ومُنبِّهًا على هذِه القاعدةِ: (فإنَّ اللهَ تعالى لَمَّا أخبَرَ
    بقَولِه: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82] ،
    وقال: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف: 54] ،
    واستدَلَّ طوائفُ مِن السَّلَفِ على أنَّ الأمرَ غيرُ مخلوقٍ، بل هو كلامُه، وصفةٌ مِن صِفاته، بهذه الآيةِ وغيرِها- صار كثيرٌ مِن النَّاسِ يطرُدُ ذلك في لفظِ الأمرِ حيث ورَدَ، فيجعَلُه صفةً؛ طَرْدًا للدَّلالةِ، ويجعَلُ دلالتَه على غيرِ الصِّفةِ نَقْضًا لها، وليس الأمرُ كذلك؛
    فبيَّنْتُ في بعضِ رسائلي أنَّ الأمرَ وغيرَه مِن الصِّفاتِ يُطلَقُ على الصِّفةِ تارةً، وعلى متعلِّقِها أخرى؛ فالرَّحمةُ صفةٌ للهِ،
    ويُسمَّى ما خُلِقَ رحمةً، والقُدرةُ مِن صِفاتِ اللهِ تعالى، ويُسمَّى المقدورُ قُدرةً، ويُسمَّى تعلُّقُها بالمقدورِ قُدرةً،
    والخَلْقُ مِن صِفاتِ اللهِ تعالى، ويُسمَّى المخلوقُ خَلْقًا، والعِلمُ مِن صِفاتِ اللهِ، ويُسمَّى المعلومُ أو المُتعلِّقُ عِلمًا؛ فتارةً يُرادُ الصِّفةُ، وتارةً يُرادُ مُتعلِّقُها، وتارةً يُرادُ نَفْسُ التَّعلُّقِ) .
    وقال: (أمَّا ما كان صِفةً لا تقومُ بنَفسِها ولم يُذكَرْ لها مَحلٌّ غيرُ اللهِ كان صِفةً له،
    فكالقولِ والعِلم، والأمْرُ إذا أُريد به المصدرُ، كان المصدرُ مِن هذا البابِ، كقَولِه تعالى: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف: 54] ، وإنْ أُريدَ به المخلوقُ المكوَّنُ بالأمْرِ، كانَ من الأوَّلِ،
    كقولِه تعالى: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ [النحل: 1] ) .
    -----------------------------------------------------------------------
    التالي : -
    -
    :: الإِمْسَاكُ على الأَصَابعِ ::

    -
    وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

     المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :: أنواعُ الصِّفاتِ :صِفاتُ اللهِ الواردةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ : الآخِرِيَّةُ : الإبداءُ والإعادةُ. :الإتيانُ والمجيءُ. : الإِجَابَةُ. :الأَحَدُ والأحَدِيَّةُ.                  Empty :: الإِمْسَاكُ على الأَصَابعِ ::

    مُساهمة من طرف صادق النور الأحد ديسمبر 31, 2023 5:14 pm

    يتبع ما قبله : - المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ -
    : الصِّفاتُ الثَّابتةُ بالكِتابِ أو السُّنَّةِ :

    :: الإِمْسَاكُ على الأَصَابعِ ::


    يُوصَفُ اللهُ عزَّ وجلَّ بأنَّه يُمسِكُ السَّمواتِ والأرضَ وغيرَهما عَلى أَصَابِعِه إمساكًا يَليقُ بجَلالِه وعَظَمتِه،
    وهو صفةٌ فِعليَّةٌ ثابتةٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.

    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    1- قولُه تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا [فاطر: 41] .
    2- قَولُه: وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ [الحج: 65] .
    الدَّليلُ من السُّنَّةِ:
    حديثُ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ يهوديًّا جاء إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا مُحمَّدُ، إنَّ اللهَ يُمسِكُ السَّمواتِ على إِصبَعٍ، والأرَضينَ على إِصبَعٍ، والجبالَ على إِصبَعٍ، والشَّجَرَ على إِصبَعٍ، والخلائقَ على إِصبَعٍ، ثمَّ يَقولُ: أنا المَلِكُ: فضحِكَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى بَدَتْ نواجِذُه، ثمَّ قرَأَ: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الزمر: 67] ))، وفي روايةٍ: ((فضحِكَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ تعجُّبًا وتصديقًا له)) .
    والإمساكُ يأتي بمَعانٍ عدَّةٍ؛ منها:
    1- الكَفُّ والمنعُ، كما في قولِه تعالى: أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ [الملك: 21] .
    2- الحَبْسُ، ويُقابِلُه الإرسالُ، كما في قولِه تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر:42] .
    3- الإمساكُ على الأَصَابعِ، وهو غيرُ القَبْضِ بها.
    قال ابنُ خُزَيمةَ: (بابُ ذِكْرِ إمساكِ اللهِ -تبارَك وتعالى اسمُه وجَلَّ ثناؤُه- السَّمواتِ والأرضَ وما عليها على أَصَابِعِه) .
    ثمَّ أورَدَ حديثَ ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه بإسنادِه مِن عدَّةِ طُرقٍ، ثمَّ قال: (أمَّا خبَرُ ابنِ مسعودٍ، فمعناه: أنَّ اللهَ جلَّ وعلا يُمسِكُ ما ذُكِرَ في الخبرِ على أَصَابِعِه، على ما في الخبَرِ سَواءً، قبْلَ تبديلِ اللهِ الأرضَ غيرَ الأرضِ؛ لأنَّ الإمساكَ على الأَصَابعِ غيرُ القَبْضِ على الشَّيءِ، وهو مفهومٌ في اللُّغةِ الَّتي خُوطِبْنا بها ...) .
    وقال أبو بكرٍ الآجُرِّيُّ: (بابُ الإيمانِ بأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُمسِكُ السَّمواتِ على إِصبَعٍ، والأرَضينَ على إِصبَعٍ ...) .
    وقال ابنُ القيِّمِ: (ورَدَ لفظُ اليدِ في القُرآنِ والسُّنَّة وكلامِ الصَّحابةِ والتَّابعينَ في أكثرَ مِن مِئةِ موضعٍ، وُرودًا مُتنوِّعًا مُتصرَّفًا فيه، مقرونًا بما يدُلُّ على أنَّها يَدٌ حقيقةً، مِن: الإِمساكِ، والطَّيِّ، والقَبْضِ، والبَسْطِ ...) .
    وقال ابنُ عُثَيمين: (من صِفاتِ اللهِ تعالى: المجيءُ، والإتيانُ، والأخذُ، والإمساكُ، والبَطشُ، إلى غيرِ ذلك من الصِّفاتِ التي لا تُحصى)

    :: الأَنَامِلُ ::

    صِفةٌ ذاتيَّةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالحديثِ الصَّحيحِ.
    الدَّليلُ:
    حديثُ مُعاذِ بنِ جَبلٍ رَضِيَ اللهُ عنه مَرفوعًا: ((... فإذا أنا برَبِّي تبارك وتعالى في أحسَنِ صُورةٍ، فقال: يا محمَّدُ، قُلْتُ: لَبَّيكَ رَبِّ. قال: فيم يختَصِمُ الملَأُ الأَعلَى؟ قُلْتُ لا أدري. قالها ثلاثًا. قال: فرأيتُه وَضَعَ كَفَّه بين كَتِفَيَّ حتَّى وجَدْتُ بَرْدَ أنامِلِه... )) .
    والأَنامِلُ في اللُّغةِ: أطرافُ الأَصَابعِ.
    وأوردَه ابنُ مَنْدَهْ في كِتابِ: ((الرَّدِّ على الجَهميَّةِ)) تحت باب: (ذِكرُ خَبَرٍ يدُلُّ على ما تقَدَّمَ من ذِكرِ الأصابِعِ)، وليس في الحديثِ ذِكرُ الأصابِعِ، إنَّما هي الأنامِلُ.
    وأورده عُثمانُ بنُ سعيدٍ الدارميُّ في رَدِّه على المِرِّيسيِّ، وظاهِرُ كلامِه أنَّه يثبِتُ الصِّفةَ .
    وأورده أبو يَعْلَى في كِتابِ ((إبطالِ التَّأويلاتِ)) في فَصلِ: وَضْعُ الكَفِّ بيْن كَتِفَيه، وقال: (فإنْ قيل: قَولُه: (فوجَدْتُ بَرْدَ أنامِلِه) يحتَمِلُ آثارَ إحسانِه ونِعَمِه ورحمتِه في صدري، فتجَلَّى لي ما بيْن السَّماءِ والأرضِ.
    قيل: هذا غَلَطٌ؛ لِما بَيَّنَّا مِن أنَّ إحسانَه ونِعَمَه لا يختَصُّ القَلبَ والكَفَّ والأنامِلَ، ولأنَّه إن جاز تأويلُ الأنامِلِ على ذلك جاز تأويلُ اليدينِ على النِّعمتَينِ، والوَجهِ على الذَّاتِ) .
    وقال ابنُ تيميَّةَ: (فقولُه أيِ: الرَّازيِّ: وجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِه، معناه: وجَدْتُ أثَرَ تلك العنايةِ، يُقالُ له: أثَرُ تلك العنايةِ كان حاصلًا على ظهرِه
    وفي فؤادِه وصَدرِه، فتخصيصُ أثَرِ العنايةِ بالصَّدرِ لا يجوزُ؛ إذ عنده لم يُوضَعْ بيْن الكَتِفينِ شيءٌ قطُّ،
    وإنَّما المعنى أنَّه صرَفَ الرَّبُّ عنايتَه إليه، فكان يجِبُ أن يُبيِّنَ أنَّ أثَرَ تلك العنايةِ مُتعلِّقٌ بما يعُمُّ، أو بأشرَفِ الأعضاءِ،
    وما بينَ الثَّديَيْنِ كذلك، بخلافِ ما إذا أقرَّ الحديثَ على وجهِه؛ فإنَّه إذا وُضِعَتِ الكَفُّ على ظهرِه،
    نَفَذَ بردُها إلى النَّاحيةِ الأُخرى، وهو الصَّدرُ، ومِثلُ هذا يعلَمُه النَّاسُ بالإحساسِ، وأيضًا فقولُ القائلِ: وضَعَ يدَه بيْن كَتِفيَّ حتَّى وجَدْتُ بَرْدَ أنامِلِه بيْن ثَدْيَيَّ: نصٌّ لا يحتمِلُ التَّأويلَ، والتَّعبيرُ بمِثْلِ هذا اللَّفظِ عن مجرَّدِ الاعتناءِ أمرٌ يُعلَمُ بُطلانُه بالضَّرورةِ مِن اللُّغةِ، وهو مِن غَثِّ كلامِ القَرامطةِ والسُّوفسطائيَّةِ ...).
    ثمَّ قال: (... إنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذكَرَ ثلاثةَ أشياءَ؛ حيث قال: ((فوضَعَ يدَه بيْن كَتِفَيَّ حتَّى وجَدْتُ بَرْدَها))، وفي روايةٍ: ((بَرْدَ أنامِلِه على صدري، فعلِمْتُ ما بيْن المشرِقِ والمغرِبِ))، فذكَرَ وَضْعَ يدِه بيْن كتِفَيْه، وذكَرَ غايةَ ذلك: أنَّه وجَدَ بَرْدَ أنامِلِه بيْن ثَدْيَيْهِ، وهذا معنًى ثانٍ، وهو وجودُ هذا البَرْدِ عن شيءٍ مخصوصٍ في محَلٍّ مخصوصٍ، وعقَّبَ ذلك بِأثَرِ الوضعِ الموجودِ، وكلُّ هذا يُبيِّنُ أنَّ أحَدَ هذه المعاني ليس هو الآخَرَ) .
    وقال ابنُ رجبٍ في شرحِ حديثِ معاذٍ ((وجدتُ بَرْدَ أنامِلِه في صَدْري)): (وأمَّا وَصفُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لرَبِّه عَزَّ وجَلَّ بما وصَفَه به، فكُلُّ ما وَصَف النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم به رَبَّه عَزَّ وجَلَّ فهو حَقٌّ وصِدقٌ يجِبُ الإيمانُ والتَّصديقُ به،
    كما وصَفَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ به نَفْسَه، مع نَفيِ التَّمثيلِ عنه، ومَن أشكَلَ عليه فَهمُ شَيءٍ من ذلك واشتَبهَ عليه، فلْيَقُلْ كما مدَحَ اللهُ تعالى به الرَّاسخينَ في العِلمِ وأخبَرَ عنهم أنَّهم يَقولُون عند المُتشابِهِ: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِن عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران: 7] ) .

    :: الانْتِقَامُ مِنَ المُجْرِمِينَ ::


    يُوصَفُ اللهُ عزَّ وجلَّ بأنَّه (ذُو انتقامٍ)، وأنَّه ينتقِمُ مِن المُجرمينَ، كما يَليقُ به سُبحانَه،
    وهو صفةٌ فِعليَّةٌ ثابتةٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، وليس (المُنتقِمُ) مِن أسماءِ اللهِ تعالى.
    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    1- قولُ الله تعالى: وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [المائدة: 95] .
    2- قولُه سُبحانَه: فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ [الأعراف: 136] .
    3- قولُه عَزَّ وجَلَّ: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ [السجدة: 22] .
    الدَّليلُ من الأثر:
    عَنْ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه قالَ عن قريشٍ: ((فكشَفَ عنهم، فعادُوا، فانتَقَمَ اللهُ منهم يومَ بَدْرٍ؛ فذلك قولُه تعالى: يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ إلى قولِه جلَّ ذِكرُه:
    إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [الدخان: 10-16] )) .

    قال الأزهريُّ: (قال أبو إسحاقَ: معنى «نَقَمْتُ»: بالَغْتُ في كراهةِ الشَّيءِ) .
    وقال الخطَّابيُّ: (الانتقامُ: افتِعالٌ مِن نَقَمَ يَنْقِمُ: إذا بلَغَتْ به الكراهةُ حَدَّ السُّخْطِ) .
    وقال ابنُ تَيميَّةَ: (... ولا في أسمائِه الثَّابتةِ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اسمُ المُنتقِمِ،
    وإنَّما جاء المُنتقِمُ في القُرآنِ مُقيَّدًا، كقَولِه: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ [السجدة: 22] ، وجاء معناه مُضافًا إلى اللهِ في قَولِه: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [إبراهيم: 47] ) .
    وقال ابنُ عُثَيمين: (لدَلالةِ الكِتابِ والسُّنَّةِ على ثُبوتِ الصِّفةِ ثلاثةُ أوجُهٍ:... الثَّالثُ: التَّصريحُ بفعلٍ أو وَصْفٍ دالٍّ عليها؛ كالاستواءِ على العَرشِ، والنُّزولِ إلى السَّماءِ الدُّنيا، والمَجيءِ للفَصلِ بيْن العبادِ يومَ القيامةِ، والانتقامِ مِن المُجرمينَ)،
    ثمَّ استدَلَّ للصِّفةِ الأخيرةِ بقولِه تعالى: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ [السجدة: 22] .
    وقال ابنُ عُثَيمين: (المنتَقِمُ ليس من أسماءِ اللهِ؛ لأنَّ الاسمَ مِن أسماءِ اللهِ يكونُ مُطلَقًا دالًّا على المعنى الأحسَنِ على كُلِّ تقديرٍ؛ لِقَولِه تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الأعراف: 180] ، فكُلُّ كَلِمةٍ تحتَمِلُ هذا وهذا، فإنَّها لا تكونُ مِن أسماءِ اللهِ؛ لأنَّ اللهَ يَقولُ: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الأعراف: 180] ، والانتِقامُ لا شَكَّ أنَّه حَسَنٌ في محَلِّه، وعليه فلا يَصِحُّ أن يُوصَفَ اللهُ به على سَبيلِ الإطلاقِ) .

    :: الأوَّلِيَّةُ ::


    صِفةٌ ذاتيَّةٌ للهِ عزَّ وجلَّ، وذلك مِن اسمِه: (الأوَّلِ) الثَّابتِ في الكِتابِ والسُّنَّةِ، ومعناه: الَّذي ليس قبْلَه شيءٌ.
    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    قولُه تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد: 3] .

    قال ابنُ جَريرٍ: (يَقولُ تعالى ذِكْرُه: هُوَ الْأَوَّلُ قبلَ كُلِّ شَيءٍ بغيرِ حَدٍّ وَالْآخِرُ يَقولُ: والآخِرُ بعد كُلِّ شَيءٍ بغيرِ نهايةٍ، وإنَّما قيل ذلك كذلك؛ لأنَّه كان ولا شَيءَ موجودٌ سِواه، وهو كائِنٌ بعد فَناءِ الأشياءِ كُلِّها،
    كما قال جَلَّ ثناؤُه: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: 88] .
    وقَولُه: وَالظَّاهِرُ يَقولُ: وهو الظَّاهِرُ على كُلِّ شَيءٍ دونَه، وهو العالي فوق كُلِّ شيءٍ؛
    فلا شَيءَ أعلى منه، وَالْبَاطِنُ يَقولُ: وهو الباطِنُ جميعَ الأشياءِ؛ فلا شَيءَ أقرَبُ إلى شَيءٍ منه، كما قال: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16] ) .

    وقال البَغَويُّ: (يعني: هو الأوَّلُ قبلَ كُلِّ شَيءٍ بلا ابتداءٍ، بل كان هو، ولم يكُنْ شَيءٌ موجودًا، والآخِرُ بعد فناءِ كُلِّ شَيءٍ بلا انتهاءٍ، تفنى الأشياءُ ويبقى هو، والظَّاهِرُ: الغالِبُ العالي على كُلِّ شَيءٍ، والباطِنُ: العالِمُ بكُلِّ شَيءٍ) .
    الدَّليلُ من السُّنَّةِ:

    حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((... اللَّهمَّ أنتَ الأوَّلُ؛ فليس قبْلَك شَيءٌ ...)) .
    قال الزَّجَّاجُ: (معنى وَصْفِنا اللهَ تعالى بأنَّه أوَّلٌ: هو مُتقَدِّمٌ للحوادِثِ بأوقاتٍ لا نهايةَ لها، فالأشياءُ كُلُّها وُجِدَت بَعْدَه، وقد سبَقَها كُلَّها، وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ في دعائِه: ((أنت الأوَّلُ فليس قَبْلَك شَيءٌ، وأنت الآخِرُ فليس بَعْدَك شيءٌ ))، الآخِرُ هو المتأخِّرُ عن الأشياءِ كُلِّها ويبقى بَعْدَها) .
    وقال ابنُ القيِّمِ: (فأوَّليَّةُ اللهِ عزَّ وجلَّ سابقةٌ على أوَّليَّةِ كُلِّ ما سِواه، وآخِريَّتُه ثابتةٌ بعد آخِريَّةِ كُلِّ ما سِواه؛ فأوَّليَّتُه: سَبْقُه لكلِّ شيءٍ، وآخِريَّتُه: بقاؤُه بعد كُلِّ شيءٍ، وظاهريَّتُه سُبحانَه: فوقيَّتُه وعُلوُّه على كُلِّ شَيءٍ، ومعنى الظُّهورِ يقتضي العُلوَّ، وظاهرُ الشَّيءِ: هو ما علا منه وأحاطَ بباطنِه، وبُطونُه سُبحانَه: إحاطتُه بكلِّ شيءٍ، بحيث يكونُ أقرَبَ إليه مِن نفسِه،
    وهذا قُربٌ غيرُ قُربِ المُحبِّ مِن حبيبِه، هذا لونٌ، وهذا لونٌ؛ فمدارُ هذه الأسماءِ الأربعةِ على الإحاطةِ،
    وهي إحاطتانِ: زمانيَّةٌ، ومكانيَّةٌ؛ فأحاطت أوَّليَّتُه وآخِريَّتُه بالقَبْلِ والبَعْدِ؛ فكلُّ سابقٍ انتهى إلى أوَّليَّتِه، وكلُّ آخرٍ انتهى إلى آخِريَّتِه؛ فأحاطَتْ أوَّليَّتُه وآخِريَّتُه بالأوائلِ والأواخِرِ، وأحاطَتْ ظاهريَّتُه وباطنيَّتُه بكلِّ ظاهرٍ وباطنٍ،
    فما مِن ظاهرٍ إلَّا واللهُ فوقَه، وما مِن باطنٍ إلَّا واللهُ دونَه، وما مِن أوَّلٍ إلَّا واللهُ قبْلَه، وما مِن آخِرٍ إلَّا واللهُ بعدَه؛
    فالأوَّل:ُ قِدَمُه، والآخِرُ: دوامُه وبقاؤُه، والظَّاهرُ: عُلوُّه وعَظَمتُه، والباطنُ: قُربُه ودُنُوُّه؛ فسبَقَ كُلَّ شيءٍ بأوَّليَّتِه، وبقِيَ بعد كُلِّ شيءٍ بآخِريَّتِه، وعلا على كُلِّ شَيءٍ بظُهورِه، ودنا مِن كُلِّ شيءٍ ببطونِه، فلا تُوارِي منه سماءٌ سماءً، ولا أرضٌ أرضًا، ولا يحجُبُ عنه ظاهرٌ باطنًا، بل الباطنُ له ظاهرٌ، والغيبُ عنده شَهادةٌ، والبعيدُ منه قريبٌ، والسِّرُّ عنده علانيَةٌ؛ فهذه الأسماءُ الأربعةُ تشتملُ على أركانِ التَّوحيدِ؛ فهو الأوَّلُ في آخِريَّتِه، والآخِرُ في أوَّليَّتِه، والظَّاهرُ في بُطونِه، والباطنُ في ظُهورِه، لم يزَلْ أوَّلًا وآخِرًا، وظاهرًا وباطنًا)

    :: الإِيجَابُ والتَّحْلِيلُ والتَّحْرِيمُ ::


    صِفات فِعليَّةٌ ثابتةٌ للهِ تعالى بالكِتابِ والسُّنَّةِ.
    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    قولُه تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة: 275] .

    قال الشَّوكاني: (التَّحليلُ والتَّحريمُ هو إلى اللهِ سُبحانَه لا إلى غَيرِه) .
    الدَّليلُ من السُّنَّةِ:
    1- حديثُ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((مَن أكَلَ مِن هذه الشَّجَرةِ الخبيثةِ شيئًا، فلا يقرَبَنَّا في المسجدِ، فقال النَّاسُ: حرُمَتْ حرُمَتْ، فبلَغَ ذاك النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: أيُّها النَّاسُ، إنَّه ليس بي تحريمُ ما أحَلَّ اللهُ لي، ولكنَّها شجَرةٌ أكرَهُ رِيحَها )) .
    2- حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: خطَبَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: ((أيُّها النَّاسُ، قد فرَضَ اللهُ عليكم الحَجَّ فحُجُّوا، فقال رجُلٌ: أكلَّ عامٍ يا رسولَ اللهِ؟ فسكَتَ، حتَّى قالها ثلاثًا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لو قُلْتُ: نَعَمْ، لوجَبَتْ، ولَمَا استطَعْتُم... )) .
    وقَولُه: لوجَبَتْ، أي: لأوجَبَها اللهُ عزَّ وجلَّ.
    قال ابنُ تيميَّةَ: (الحَلِفُ بالنَّذرِ والطَّلاقِ ونحوِهما هو حَلِفٌ بصِفات اللهِ،
    فإنَّه إذا قال: إن فعَلْتُ كذا فعلَيَّ الحَجُّ، فقد حلَفَ بإيجابِ الحجِّ عليه، وإيجابُ الحَجِّ عليه حُكْمٌ مِن أحكامِ اللهِ تعالى، وهو مِن صِفاتِه، وكذلك لو قال: فعلَيَّ تحريرُ رقبةٍ، وإذا قال: فامرأتي طالقٌ وعَبْدي حرٌّ، فقد حلَفَ بإزالةِ مِلْكِه الَّذي هو تحريمُه عليه، والتَّحريمُ مِن صِفاتِ اللهِ، كما أنَّ الإيجابَ مِن صِفاتِ اللهِ) .

    :: الإيعَاءُ والوَعْيُ (بمعنى الجَمعِ والإمساكِ) ::


    هذا ثابتٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالحديثِ الصَّحيحِ.
    الدَّليلُ:
    حديثُ أسماءَ بنتِ أبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: أنَّها جاءَتْ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالت: يا نبيَّ اللهِ، ليس لي شيءٌ إلَّا ما أدخَلَ علَيَّ الزُّبَيرُ، فهل علَيَّ جُناحٌ أن أرضَخَ ممَّا يُدخِلُ علَيَّ؟ فقال: ((ارضَخِي ما استطَعْتِ، ولا تُوعِي فيُوعِيَ اللهُ عليكِ )) .

    قال ابنُ حَجَرٍ: (يُقالُ: أوعَيْتُ المتاعَ في الوِعاءِ، أُوعِيهِ: إذا جعَلْتُه فيه، ووعَيْتُ الشَّيءَ: حفِظْتُه، وإسنادُ الوَعْيِ إلى اللهِ مَجازٌ عنِ الإمساكِ) .
    فتعقَّبَه ابنُ بازٍ بقَولِه: (هذا خطأٌ لا يَليقُ بالشَّارحِ، والصَّوابُ: إثباتُ وَصْفِ اللهِ بذلك حقيقةً على الوجهِ اللَّائقِ به سُبحانَه وتعالى، كسائرِ الصِّفاتِ، وهو سُبحانَه يُجازي العاملَ بمِثْلِ عمَلِه؛ فمَن مكَرَ مكَرَ به، ومَن خادَعَ خدَعَه، وهكذا مَن أوعَى أوعَى اللهُ عليه، وهذا قولُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ؛ فالزَمْه تفُزْ بالنَّجاةِ والسَّلامةِ، واللهُ المُوفِّقُ) .

    ::.. البَارِئُ ..::


    يُوصَفُ اللهُ عزَّ وجلَّ بأنَّه البارئُ، وهو اسمٌ له سُبحانَه وتعالى، وهذه الصِّفةُ ثابتةٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.
    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    1- قولُه تعالى: هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ [الحشر: 24] .
    2- قَولُه: فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [البقرة: 54] .
    الدَّليلُ من السُّنَّةِ:
    حديثُ أبي جُحَيفةَ قال: سأَلْتُ عَليًّا رَضِيَ اللهُ عنه: هل عندكم شيءٌ ما ليس في القُرآنِ؟ فقال: (والَّذي فلَقَ الحَبَّةَ، وبَرَأَ النَّسَمَةَ، ما عندنا إلَّا ما في القُرآنِ، إلَّا فَهْمًا ...) .
    قال ابنُ قُتَيبةَ: (ومِن صِفاته: البارئُ، ومعنى البارئِ: الخالقُ، يُقال: بَرَأَ اللهُ الخَلْقَ يَبْرَؤُهم، والبَرِيَّةُ: الخَلْقُ) .
    وقال ابنُ جَريرٍ: (البارِئُ: الذي برَأَ الخَلْقَ، فأوجَدَهم بقُدرتِه) .
    وقال الزَّجَّاجُ: (البَرْءُ: خَلْقٌ على صِفةٍ، فكلُّ مَبْروءٍ: مخلوقٌ، وليس كُلُّ مخلوقٍ مَبْرُوءًا) .
    وقال ابنُ الأنباريِّ: (البارئُ معناه في كلامِ العَرَبِ: الخالِقُ؛ يقالُ: برَأَ اللهُ عبادَه يَبرَؤُهم بَرْءًا: إذا خَلَقَهم. من ذلك قَولُ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه في يمينِه: «والذي فَلَق الحَبَّةَ وبَرَأ النَّسَمةَ») .

    وقال الحليميُّ: (هذا الاسمُ يحتَمِلُ معنيينِ: أحَدُهما: المُوجِدُ لِما كان في معلومِه من أصنافِ الخلائِقِ، وهذا هو الذي يشيرُ إليه قَولُه عَزَّ وجَلَّ: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّنْ قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا [الحديد: 22] ، ولا شَكَّ أنَّ إثباتَ الإبداعِ والاعترافَ به للباري عَزَّ وجَلَّ ليس يكونُ على أنَّه أَبدَعَ بَغتةً من غيرِ عِلمٍ سَبَق له بما هو مُبدِعُه، لكِنْ على أنَّه كان عالِمًا بما أبدَعَ قبل أن يُبدِعَ، فكما وَجَب عند الإبداعِ اسمُ البديعِ، وَجَب له اسمُ الباري.
    والآخَرُ: أنَّ المرادَ بالباري قالِبُ الأعيانِ، أي: أنَّه أبدَعَ الماءَ والتُّرابَ والنَّارَ والهواءَ
    لا مِن شَيءٍ، ثمَّ خَلَق منها الأجسامَ المختَلِفةَ، كما قال عَزَّ وجَلَّ: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء: 30] ، وقال: إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ [ص: 71] ،
    وقال: وَمِنْ آيَاتِه أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ [الروم: 20] ،
    وقال: خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ [النحل: 4] ،
    وقال: خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَارِجٍ مِنْ نَارٍ [الرحمن: 14-15].
    وقال: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ [المؤمنون: 12 - 14] ،
    فيكونُ هذا مِن قَولِهم: بَرَأ القَوَّاسُ القَوسَ: إذا صَنعَها مِن مَوادِّها التي كانت لها، فجاءت منها لا كهيئتِها، والاعترافُ للهِ عَزَّ وجَلَّ بالإبداعِ يَقتَضي الاعترافَ له بالبَرْءِ، وكان المعتَرِفُ يَعلَمُ مِن نَفْسِه أنَّه منقولٌ من حالٍ إلى حالٍ إلى أن صار ممَّن يَقدِرُ على الاعتِقادِ والاعترافِ) .

    وقال ابنُ سِيْدَهْ: (البارئُ يقالُ: بَرَأ اللهُ الخَلْقَ يَبْرَؤُهم ويَبْرُؤُهم، أي: خَلَقَهم، والبَرِيَّةُ الخَلْقُ منه) .
    وقال ابنُ الأثيرِ: (البارئُ: هو الَّذي خَلَقَ الخَلْقَ لا عن مثالٍ، إلَّا أنَّ لهذه اللَّفظةِ مِن الاختصاصِ بالحيوان ما ليس لها بغيرِه مِن المخلوقاتِ، وقلَّما تُستعمَلُ في غيرِ الحيوانِ،
    فيُقالُ: بَرَأَ اللهُ النَّسَمَةَ، وخَلَقَ السَّمواتِ والأرضَ) .
    ------------------------------------------------------------
    االتالي : -
    -
    :: .. البَاطِنِيَّةُ والبُطُونُ .. ::

    -
    وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

     المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :: أنواعُ الصِّفاتِ :صِفاتُ اللهِ الواردةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ : الآخِرِيَّةُ : الإبداءُ والإعادةُ. :الإتيانُ والمجيءُ. : الإِجَابَةُ. :الأَحَدُ والأحَدِيَّةُ.                  Empty :: .. البَاطِنِيَّةُ والبُطُونُ .. ::

    مُساهمة من طرف صادق النور الأحد ديسمبر 31, 2023 5:57 pm

    يتبع ما قبله : -
    :: .. المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ .. ::

    :: الصِّفاتُ الثَّابتةُ بالكِتابِ أو السُّنَّةِ .. ::

    :: .. البَاطِنِيَّةُ والبُطُونُ .. ::

    صفةٌ ذاتيَّةٌ للهِ عزَّ وجلَّ، مِن اسمِه (الباطِن) الثَّابتِ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.
    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    قولُه تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ [الحديد: 3] .
    الدَّليلُ من السُّنَّةِ:
    حديثُ أبي هُرَيرةَ المُتقدِّمُ: ((... اللَّهمَّ أنتَ الأوَّلُ؛ فليس قبْلَك شيءٌ... وأنتَ الباطنُ؛ فليس دُونَك شيءٌ )) .
    والمعنى -كما قال ابنُ جَريرٍ-: (هو الباطنُ جميعَ الأشياءِ؛ فلا شيءَ أقربُ إلى شيءٍ منه، كما قال تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16] ) .
    وقال الزَّجَّاجُ: (الباطِنُ هو العالِمُ ببِطانةِ الشَّيءِ؛ يقالُ: بَطَنْتُ فُلانًا وخَبَرْتُه: إذا عرَفْتَ باطِنَه وظاهِرَه، واللهُ تعالى عارِفٌ ببواطِنِ الأُمورِ وظواهِرِها، فهو ذو الظَّاهِرِ وذو الباطِنِ) .
    وقال الزَّجَّاجيُّ: (الباطِنُ أيضًا في كلامِ العَرَبِ: الخَبيرُ العالِمُ بما بَطَن من أمورِ بَعضِ من يَصحَبُه ويُداخِلُه، كقَولِك: «قد بَطَن فلانٌ أمرَ فُلانٍ»: أي: اختبَرَ باطِنَه ووقَفَ منه على ما لم يَقِفْ عليه غيرُه) .
    وقال ابنُ مَنْدَهْ: (الباطِنُ: المُحتجِبُ عن ذوي الألبابِ كُنْهُ ذاتِهِ، وكيفيَّةُ صِفاتهِ عزَّ وجلَّ) .
    وقال البيهقيُّ: (الباطِنُ بمعنى المطَّلِعِ على ما بَطَن من الغيوبِ، وهما أي: الظَّاهِرُ والباطِنُ من صِفاتِ الذَّاتِ) .
    وقال البَغَويُّ في التَّفسيرِ: (الباطنُ: العالمُ بكلِّ شيءٍ) .
    وقال ابنُ القيِّمِ: (... فأحاطَتْ أوَّليَّتُه وآخِريَّتُه بالأوائلِ والأواخِرِ، وأحاطَتْ ظاهريَّتُه وباطنيَّتُه بكلِّ ظاهرٍ وباطنٍ،
    فما مِن ظاهرٍ إلَّا واللهُ فوقَه، وما مِن باطنٍ إلَّا واللهُ دونَه، ... وعلا على كُلِّ شَيءٍ بظُهورِه، ودنا مِن كُلِّ شيءٍ ببطونِه، فلا تُوارِي منه سماءٌ سماءً، ولا أرضٌ أرضًا، ولا يحجُبُ عنه ظاهرٌ باطنًا، بل الباطنُ له ظاهرٌ، والغيبُ عنده شَهادةٌ، والبعيدُ منه قريبٌ، والسِّرُّ عنده علانيَةٌ؛ فهذه الأسماءُ الأربعةُ تشتملُ على أركانِ التَّوحيدِ؛ فهو الأوَّلُ في آخِريَّتِه، والآخِرُ في أوَّليَّتِه، والظَّاهرُ في بُطونِه، والباطنُ في ظُهورِه، لم يزَلْ أوَّلًا وآخِرًا، وظاهرًا وباطنًا) .
    وقال ابنُ عُثَيمين: (من الأسماءِ: الأوَّلُ، والآخِرُ، والظَّاهِرُ، والباطِنُ. ومن الصِّفاتِ: الأوَّلِيَّةُ والآخِريَّةُ، وفيهما الإحاطةُ الزَّمانيَّةُ. والظَّاهريَّةُ والباطنيَّةُ، وفيهما الإحاطةُ المكانيَّةُ) .

    :: .. بَدِيعُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ .. ::


    يُوصَفُ اللهُ عزَّ وجلَّ بأنَّه بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، وهذا ثابتٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.
    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    1- قولُه تعالى: بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [البقرة: 117] .
    2- قَولُه: بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ [الأنعام: 101] .

    قال ابنُ كثيرٍ: (بديعُ السَّمواتِ والأرضِ: مُبدِعُ السَّمَواتِ والأرضِ، وخالقُهما، ومُنشِئُهما، ومُحدِثُها على غير مِثَالٍ سَبَقَ) .
    وقال السَّعْديُّ: (بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، أي: خالقُهما ومُبدِعُهما في غايةِ ما يكونُ مِن الحُسنِ، والخَلْقِ البديعِ، والنِّظامِ العجيبِ المُحكَمِ) .
    الدَّليلُ من السُّنَّةِ:
    حديثُ أنسِ بنِ مالكٍ رضِي اللهُ عنه قال: سمِعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلًا يَقولُ: اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ بأنَّ لكَ الحمدَ، لا إلهَ إلَّا أنتَ وحدَكَ لا شريكَ لك، المَنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ذُو الجَلالِ والإكرامِ، فقال: ((لقد سأَلَ اللهَ باسمِه الأعظمِ، الَّذي إذا سُئِلَ به أَعطَى، وإذا دُعِيَ به أجابَ )) .
    المعنى:
    قال الأزهريُّ: (قَولُ اللهِ تعالى: بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ [البقرة: 117] بمعنى: مُبدِعِهما، إلَّا أنَّ (بديع) من بدَعَ لا من أبدَعَ. وأبدَعَ أكثَرُ في الكلامِ من بَدَع، ولو استُعمِلَ بَدَع لم يكُنْ خطَأً، فبديعٌ فعيلٌ بمعنى فاعلٍ، مِثلُ قديرٍ بمعنى قادِرٍ. وهو صفةٌ مِن صِفاتِ اللهِ؛ لأنَّه بدأ الخَلْقَ على ما أراد على غيرِ مثالٍ تقَدَّمَه) .
    وقال البيهقيُّ: (البديعُ: هو الذي فَطَر الخَلْقَ مُبدِعًا له لا على مثالٍ سَبَق، وهو من صِفاتِ الفِعلِ، وقد يكونُ بمعنى: لا مِثْلَ له، فيكونُ صِفةً يَستحِقُّها بذاتِه) .
    وقال ابنُ سِيْدَهْ: (البَديعُ: الذي ابتَدَع الخَلْقَ على غيرِ مِثالٍ، يقالُ: ابتَدَع اللهُ الخَلْقَ، ومنه قيل: بِدعةٌ، للأمرِ المختَلَقِ الذي لم تجْرِ به عادةٌ ولا سُنَّةٌ) .
    وقال البَغَويُّ: (قوله عَزَّ وجَلَّ: بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ [البقرة: 117] ، أي: مُبدِعُهما ومُنشِئُهما من غيرِ مثالٍ سَبَقَ) .
    وعدَّ بعضُهم (البديعَ) مِن أسماءِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وفي هذا نظَرٌ.

    :: ... البِرُّ ... ::


    صفةٌ ذاتيَّةٌ فِعليَّةٌ للهِ عزَّ وجلَّ ثابتةٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، و(البَرُّ) مِن أسمائِه تعالى.
    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    قولُه تعالى: إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [الطور: 28].
    قال ابنُ جَريرٍ: (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ [الطور: 28] يعني: اللَّطيفَ بعِبادِه) .
    الدَّليلُ من السُّنَّةِ:
    حديثُ أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((إنَّ مِن عبادِ اللهِ تعالى مَن لو أقسَمَ على اللهِ لَأَبَرَّهُ )) .
    ومعنى (البَرِّ):
    1- اللَّطيفُ بعبادِه. قاله ابنُ جَريرٍ في تفسيرِ الآيةِ السَّابقةِ .
    2- العَطُوفُ على عبادِه ببِرِّه ولُطفِه .
    3- وقال ابنُ القيِّمِ:
    (وَالْبِرُّ في أَوْصَافِهِ سُبحانَهُ هُوَ كَثْرةُ الْخَيْرَاتِ وَالْإِحْسَانِ) .

    وقال الأزهريُّ: (البَرُّ مِن صِفاتِ اللهِ: العَطُوفُ الرَّحيمُ اللَّطيفُ الكريمُ) .
    وقال الخطَّابي: (البَرُّ: هو العَطُوفُ على عبادِه، المحسِنُ إليهم، عمَّ ببِرِّه جميعَ خَلْقِه، فلم يبخَلْ عليهم برِزْقِه، وهو البَرُّ بأوليائِه؛ إذ خَصَّهم بولايتِه واصطفاهم لعبادتِه، وهو البَرُّ بالمحسِنِ في مُضاعفةِ الثَّوابِ له، والبَرُّ بالمُسيءِ في الصَّفحِ والتَّجاوُزِ عنه) .
    وقال الحليميُّ: (البَرُّ: ومعناه الرَّفيقُ بعبادِه، يريدُ بهم اليُسرَ ولا يُريدُ بهم العُسرَ، ويعفو عن كثيرٍ مِن سَيِّئاتِهم، لا يؤاخِذُهم بجَميعِ جِناياتِهم، ويَجْزيهم بالحَسَنةِ عَشْرَ أمثالِها، ولا يَجْزِيهم بالسَّيِّئةِ إلَّا مِثْلَها، ويَكتُبُ لهم الهَمَّ بالحَسَنةِ، ولا يكتُبُ الهمَّ بالسَّيِّئةِ، والوَلَدُ البَرُّ بأبيه هو الرَّفيقُ به، المتحَرِّي لمحابِّه، المتوقِّي لمَكارِهِه) .
    وقال البَيهقيُّ: (البَرُّ: هو المحسِنُ إلى خَلْقِه، عَمَّهم برِزْقِه، وخَصَّ من شاء منهم بولايتِه، ومضاعفةِ الثَّوابِ له على طاعتِه، والتجاوُزِ عن معصيتِه) .
    وقال السَّمعانيُّ: (البَرُّ: هو البارُّ اللَّطيفُ بعِبادِه، ولُطْفُه بعبادِه هو إنعامُه عليهم مع عِظَمِ جُرْمِهم وذَنْبِهم) .
    وقال ابنُ منظور: (البَرُّ: الصَّادقُ، وفي التَّنزيلِ العزيزِ: إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [الطور: 28]، والبَرُّ مِن صِفاتِ اللهِ تعالى وتَقَدَّسَ: العَطُوفُ الرَّحيمُ اللَّطيفُ الكريمُ،
    قال ابنُ الأثيرِ: في أسماءِ اللهِ تعالى البَرُّ دونَ البارِّ، وهو العَطُوفُ على عبادِه ببِرِّه ولُطْفِه) .
    :: ... البَرَكَةُ والتَّبَارُكُ ... ::

    صفةٌ ذاتيَّةٌ وفِعليَّةٌ للهِ عزَّ وجلَّ، ثابتةٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.
    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    1- قولُه تعالى: رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ [هود: 73] .
    2- قَولُه: تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف: 54] .
    ووردَتْ لفظةُ (تبارَكَ) في مواضِعَ أخرى مِن القُرآنِ الكريمِ: [الزخرف: 85] ، [الرحمن: 78]، [الملك: 1] ، وفي ثلاثةِ مواضِعَ مِن سورةِ الفُرقانِ.
    الدَّليلُ من السُّنَّةِ:
    حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((بَيْنَا أيُّوبُ عليه السَّلامُ يغتسِلُ عُريانًا... فناداه ربُّه عزَّ وجلَّ: يا أيُّوبُ، ألم أكُنْ أَغنَيْتُك عمَّا تَرَى؟ قال: بلى وعزَّتِكَ، ولكن لا غِنَى بي عن بركتِكَ )) .
    ويكفي استِدلالًا لذلك تحيَّةُ الإسلامِ: (السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه).
    المعنى:
    قال ابنُ الأنباريِّ: (قَولُهم: تبارك اسمُك فيه قولانِ: قال قومٌ: معنى تبارك: تقَدَّسَ، أي: تطَهَّرَ. وقال قومٌ: معنى: تبارك اسمُك: تفاعَلَ مِنَ البرَكةِ، أي: البرَكةُ تُكسَبُ وتُنالُ بذِكرِ اسمِك) .
    وقال البَغَويُّ: (تبارَكَ اللهُ، أي: تعالى اللهُ وتعَظَّمَ. وقيل: ارتَفَع. والمبارَكُ: المرتَفِعُ.
    وقيل: تبارَكَ: تفاعَلَ مِنَ البرَكةِ، وهي النَّماءُ والزِّيادةُ، أي: البَرَكةُ تُكتَسَبُ وتُنالُ بذِكْرِه. وعن ابنِ عبَّاسٍ قال: جاء بكُلِّ بركةٍ. وقال الحَسَنُ: تجيءُ البرَكةُ مِن عِندِه. وقيل: تبارَكَ: تقَدَّس، والقُدسُ: الطَّهارةُ. وقيل: تبارك اللهُ، أي: باسمِه يُتبَرَّكُ في كُلِّ شيءٍ.
    وقال المحقِّقون: معنى هذه الصِّفةِ: ثَبَت ودامَ، كما لم يَزَل ولا يَزالُ. وأصلُ البَرَكةِ: الثُّبوتُ. ويقالُ: تبارَكَ اللهُ، ولا يقالُ: مُتبارَكٌ ولا مُبارَكٌ؛ لأنَّه لم يَرِدْ به التَّوقيفُ) .
    قال ابنُ القيِّمِ: (... وأمَّا صفتُه تبارَك، فمُختصَّةٌ به تعالى، كما أطلَقَها على نَفْسِه...) .
    وقال أيضًا: (... فتبارُكُه سُبحانَه وَصْفُ ذاتٍ له، وصفةُ فِعلٍ...) .
    وقال عبدُ العزيزِ السَّلمانُ: (... والنَّوعُ الثَّاني، بركةٌ: هي صفتُه تُضافُ إليه إضافةَ الرَّحمةِ والعِزَّةِ، والفِعلُ منها: تبارَكَ؛ ولهذا لا يُقالُ لغيرِه كذلك، ولا يصلُحُ إلَّا له عزَّ وجلَّ؛ فهو سُبحانَه المُبارِكُ، وعبدُه ورسولُه المُبارَكُ، كما قال المَسيحُ: وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا [مريم: 31] ، فمَن بارَكَ اللهُ فيه، فهو المُبارَكُ،
    وأمَّا صفتُه فمُختصَّةٌ به، كما أطلَقَ على نَفْسِه بقولِه تعالى: تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف: 54] ) .

    :: ... البَسْطُ والقَبْضُ ... ::


    يُوصَفُ اللهُ عزَّ وجلَّ بالبَسْطِ، وتُوصَفُ يدُه بالبَسْطِ، وهو صفةٌ فِعليَّةٌ ثابتةٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، و(الباسطُ): اسمٌ مِن أسمائِه سُبحانَه وتعالى.
    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    1- قولُه تعالى: وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة: 245] .
    2 - قَولُه: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة: 64] .
    3- قَولُه: إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ [الإسراء: 30] .
    الدَّليلُ من السُّنَّةِ:
    1- حديثُ أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((... إنَّ اللهَ هو المُسَعِّرُ القابِضُ الباسِطُ الرَّازقُ، وإنِّي لَأرجو أنْ ألقَى اللهَ وليس أحَدٌ مِنكم يُطالِبُني بمَظلَمةٍ في دمٍ ولا مالٍ )) .
    2- حديثُ نزولِ الرَّبِّ تبارَك وتعالى إلى السَّماءِ الدُّنيا، مِن حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((... ثمَّ يبسُطُ يدَيْهِ تبارَك وتعالى، يَقولُ: مَن يُقرِضُ غيرَ عَدُومٍ ولا ظَلُومٍ؟ )) .
    3- حديثُ أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه: ((إنَّ اللهَ يبسُطُ يدَه باللَّيلِ ليتوبَ مُسيءُ النَّهارِ، ويبسُطُ يدَه بالنَّهارِ ليتوبَ مُسيءُ اللَّيلِ... )) .
    قال ابنُ مَنْدَهْ: (مِن أسماءِ اللهِ عزَّ وجلَّ: الباسِطُ، صفةً له) .
    قال ابنُ جَريرٍ في تفسيرِ الآيةِ الأُولى: (يعني بقَولِه: يقبِضُ: يُقَتِّرُ بقَبْضِه الرِّزقَ عمَّن يشاءُ مِن خَلْقِه، ويعني بقَولِه: ويبسُطُ: يُوسِّعُ ببَسْطِه الرِّزقَ على مَن يشاءُ) .

    فالبَسْطُ: نقيضُ القَبْضِ، وبَسْطُ الشَّيءِ: نَشْرُه، ويدٌ بِسْطٌ، أي: مُطلَ

    والبَسْطةُ: الزِّيادةُ والسَّعةُ، ومنه قولُه تعالى: وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِقةٌ،[البقرة: 247] ،
    والباسطُ: هو الَّذي يبسُطُ الرِّزقَ لعبادِه، ويُوسِّعُه عليهم بجُودِه ورحمتِه، ويبسُطُ الأرواحَ في الأجسادِ عند الحياةِ .
    قال ابنُ تيميَّةَ: (وصَفَ نَفْسَه ببَسْطِ اليدَيْنِ، فقال: ... بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة: 64] ، ووصَفَ بعضَ خَلْقِه ببَسْطِ اليدِ في قولِه تعالى: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ [الإسراء: 29] ، وليس اليَدُ كاليَدِ، ولا البَسْطُ كالبَسْطِ...) .

    :: ... البَشْبَشَةُ أو البَشَاشَةُ ... ::


    صفةٌ فِعليَّةٌ للهِ عزَّ وجلَّ، ثابتةٌ بالحديثِ الصَّحيحِ.
    الدَّليلُ:
    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((ما من رجل يتوطن المساجد فيحبسه عنها مرض أو علة ثم عاد إلا تبشبش الله به ... )) .
    قال ابنُ قُتَيبةَ: (قَولُه: يَتَبَشْبَشُ، هو مِن البَشاشةِ، وهو يتفَعَّلُ) .
    قال أبو يَعْلى الفرَّاءُ تعقيبًا على كلامِ ابنِ قُتَيبةَ: (فحمَلَ الخبَرَ على ظاهرِه، ولم يتأوَّلْه) .

    وقال قبْلَ ذلك -بعد أن تكلَّمَ عن إثباتِ صفةِ الفَرَحِ للهِ تعالى-: (... وكذلك القولُ فيالبَشْبَشَةِ؛ لأنَّ معناه يُقارِبُ معنى الفَرَحِ، والعرَبُ تقولُ: رأَيْتُ لفلانٍ بَشاشةً وهَشاشةً وفَرَحًا، ويَقولُون: فلانٌ هَشٌّ بَشٌّ فَرِحٌ، إذا كان مُنطَلِقًا، فيجوزُ إطلاقُ ذلك، كما جاز إطلاقُ الفَرَحِ) .

    قال أبو سعيدٍ الدَّارميُّ: (وبلَغَنا أنَّ بعضَ أصحابِ المرِّيسيِّ قال له: كيف تصنَعُ بهذه الأسانيدِ الجِيادِ الَّتي يحتجُّونَ بها علينا في ردِّ مذاهبِنا ممَّا لا يُمكِنُ التَّكذيبُ بها،
    مِثلُ: سُفيانُ عن منصورٍ عن الزُّهريِّ، والزُّهريُّ عن سالمٍ، وأيُّوبُ وَابْنُ عَوْنٍ عن ابنِ سِيرينَ، وعمرُو بنِ دينارٍ عن جابرٍ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم... وما أشبَهَها؟،
    قال: فقال المرِّيسيُّ: لا ترُدُّوه تُفتَضَحوا، ولكن غالِطُوهم بالتَّأويلِ، فتكونوا قد ردَدْتُموها بلُطْفٍ؛ إذ لم يُمكِنْكم ردُّها بعُنفٍ، كما فعَلَ هذا المُعارِضُ سواءً.
    وسنقُصُّ عليه بعضَ ما رُوِيَ في بعضِ هذه الأبوابِ مِن الحُبِّ والبُغْضِ والسَّخَطِ والكراهيَةِ وما أشبَهَه... ثمَّ ذكَرَ أحاديثَ في صفةِ الحُبِّ، ثمَّ البُغْضِ، ثمَّ السَّخَطِ، ثمَّ الكُرْهِ، ثمَّ العَجَبِ، ثمَّ الفَرَحِ، ثمَّ حديثَ أبي هُرَيرةَ السَّابقَ في البَشاشةِ، ثمَّ قال: وفي هذه الأبوابِ رواياتٌ كثيرةٌ أكثَرُ ممَّا ذُكِرَ، لم نَأْتِ بها مخافةَ التَّطويلِ) .
    وقال ابنُ تَيميَّةَ: (لفظُ البَشْبَشْةِ: جاء أيضًا: أنَّه يَتبشبَشُ للدَّاخلِ إلى المسجدِ كما يَتبشبَشُ أهلُ الغائبِ بغائبِهم إذا قدِمَ، وجاء في الكِتابِ والسُّنَّةِ ما يُلائمُ ذلك ويُناسِبُه شيءٌ كثيرٌ) .
    وقد ذَكَر حديثَ البَشْبَشةِ مُقبِلٌ الوادعيُّ في كِتابِه ((الجامِع الصَّحيح ممَّا ليس في الصَّحيحينِ)) في كِتابِ التوحيدِ، وبوَّبَ عليه: (يَتبَشْبَشُ اللهُ لِمن توَطَّنَ المساجِدَ) .

    :: ... البَصَرُ ... ::


    صفةٌ ذاتيَّةٌ فِعليَّةٌ لِلهِ عزَّ وجلَّ، ثابتةٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، و(البَصيرُ): اسمٌ مِن أسمائِه تعالى.
    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    1- قولُه تعالى: إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء: 58] .
    2- قَولُه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] .
    3- قَولُه: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ [الكهف: 26] .
    أي: ما أبصَرَ اللهَ لكُلِّ مَوجودٍ، وما أسمَعَه لكُلِّ صَوتٍ، فلا يخفى عليه شَيءٌ من ذلك !

    عن قتادة: (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ فلا أحَدَ أبصَرُ مِنَ اللهِ ولا أسمَعَ، تبارك وتعالى) .
    قال الزَّجَّاجُ: (أجمَعَت العُلَماءُ أنَّ معناه: ما أسمَعَه وأبصَرَه! أي: هو عالمٌ بقصَّةِ أصحابِ الكَهفِ وغَيرِهم) .
    وقال السَّعْديُّ: (قَولُه: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ تعجُّبٌ مِن كمالِ سَمعِه وبَصَرِه، وإحاطتِهما بالمسموعاتِ والمُبصَراتِ، بعد ما أخبَر بإحاطة عِلمِه بالمعلوماتِ) .
    الدَّليلُ من السُّنَّةِ:
    حديثُ أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((يا أيُّها النَّاسُ، ارْبَعُوا على أنفُسِكم؛ إنَّكم لا تَدْعونَ أصَمَّ ولا غائبًا، ولكن تَدْعونَ سميعًا بَصيرًا، إنَّ الَّذي تدعون أقرَبُ إلى أحَدِكم مِن عُنُقِ راحلتِه )) .
    قال الكَلاباذيُّ: (أجمعوا على أنَّ للهِ صِفاتٍ على الحَقيقةِ هو بها موصوفٌ؛ مِن العِلْمِ، والقُدرةِ، والقُوَّةِ، والعِزِّ، والحِلمِ، والحِكمةِ، والكبرياءِ، والجَبَروتِ، والقِدَمِ، والحياةِ، والإرادةِ، والمشيئةِ، والكلامِ ... وأنَّ له سمعًا وبَصَرًا ووَجهًا ويَدًا على الحقيقةِ، ليس كالأسماعِ والأبصارِ والأيدي والوُجوهِ) .
    وقال الخَطَّابيُّ: (البصيرُ: هو المبصِرُ؛ فعيلٌ بمعنى مُفعِلٍ، كقَولِهم، أليمٌ: بمعنى: مُؤلمٍ، وكقَولِ عَمرِو بنِ مَعدِ يْكَرِبَ:
    أَمِنْ ريحانةِ الدَّاعي السَّميعِ
    يريدُ: المُسمِعَ. ويقالُ: البَصيرُ: العالمُ بخَفِيَّاتِ الأُمورِ) .
    وقال الباقِلَّانيُّ: (يجِبُ أن يُعلَمَ: أنَّه سميعٌ لجميعِ المسموعاتِ، بصيرٌ لجميعِ المبصَراتِ... فإنَّه لو لم يُوصَفْ بالسَّمعِ والبَصَرِ، لوَجَب أن يُوصَفَ بضِدِّ ذلك من الصَّمَمِ والعَمَى، واللهُ يتعالى عن ذلك عُلوًّا كبيرًا) .
    وقال البَيهقيُّ: (البصيرُ: مَن له بَصَرٌ يرى به المرئيَّاتِ، والبَصَرُ له صِفةٌ قائمةٌ بذاتِه) .
    وقال البزدوي: (قد ذكَرْنا أنَّ صانِعَ العالَمِ واحدٌ حيٌّ قادِرٌ عالمٌ، وكذلك سميعٌ بصيرٌ، يسمَعُ كَلامَه وكَلامَ غَيرِه، ويبصِرُ نَفْسَه ويُبصِرُ غَيرَه، عند أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ...؛ فإنَّ اللهَ تعالى وَصَف نَفْسَه بكَونِه سميعًا بصيرًا في كتابِه في مواضِعَ كثيرةٍ؛ قال اللهُ تعالى: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء: 1] ) .
    وقال ابنُ القيِّمِ: (قد تقَرَّرَ عقلًا ونقلًا أنَّ لله تعالى صفةَ البَصَرِ ثابتةً له، كصِفةِ السَّمعِ) .
    وقال ابنُ أبي العِزِّ: (فالمخلوقُ وإن كان يُوصَفُ بأنَّه سميعٌ بصيرٌ، فليس سَمْعُه وبَصَرُه كسَمْعِ الرَّبِّ وبَصَرِه، ولا يلزَمُ من إثباتِ الصِّفةِ تشبيهٌ؛ إذ صِفاتُ المخلوقِ كما يليقُ به، وصِفاتُ الخالِقِ كما يليقُ به) .
    وقال السَّعْديُّ: (البصيرُ: الذي يُبصِرُ كُلَّ شَيءٍ وإن دَقَّ وصَغُر، فيُبصِرُ دبيبَ النَّملةِ السَّوداءِ في اللَّيلةِ الظَّلماءِ على الصَّخرةِ الصَّمَّاءِ، ويُبصِرُ ما تحت الأَرَضينَ السَّبعِ، كما يُبصِرُ ما فوقَ السَّمَواتِ السَّبعِ) .
    وقال ابنُ عُثَيمين: (اللهُ تبارك وتعالى يُبصِرُ كُلَّ شيءٍ، يُبصِرُ دبيبَ النَّملةِ السَّوداءِ على الصَّخرةِ السَّوداءِ في ظُلمةِ اللَّيلِ، ويُبصِرُ ما لا تُدرِكُه أعْينُ النَّاسِ ممَّا هو أخفى وأدَقُّ) .
    -----------------------------------------------------------------------------
    التالي : -
    -
    :: ... البَطْشُ ... ::

    -
    وما زلنا أحبابنا - تابعونا جزاكم الله خير - ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

     المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :: أنواعُ الصِّفاتِ :صِفاتُ اللهِ الواردةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ : الآخِرِيَّةُ : الإبداءُ والإعادةُ. :الإتيانُ والمجيءُ. : الإِجَابَةُ. :الأَحَدُ والأحَدِيَّةُ.                  Empty :: ... البَطْشُ ... ::

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين يناير 01, 2024 8:13 pm

    يتبع ما قبله : -

    ا: - لمسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ - :

    : - الصِّفاتُ الثَّابتةُ بالكِتابِ أو السُّنَّةِ - :

    :: ... البَطْشُ ... ::


    صفةٌ فِعليَّةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالكِتابِ العزيزِ، ومعناه: الانتقامُ، والأَخْذُ القويُّ الشَّديدُ.
    وقد ورَدَ البَطْشُ مُضافًا إلى اللهِ تعالى في ثلاثةِ مواضِعَ مِن القُرآنِ الكريمِ:

    1- قولُه تعالى: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [الدخان: 16] .
    2- قولُه سُبحانَه: وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ [القمر: 36].
    3- قولُه عَزَّ وجَلَّ: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ [البروج: 12] .

    قال ابنُ جَريرٍ: (يَقولُ تعالى ذِكْرُه لنبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ بَطْشَ رَبِّك يا محمَّدُ لِمَن بَطَش به مِن خَلْقِه -وهو انتِقامُه ممَّن انتَقَم منه- لَشديدٌ، وهو تحذيرٌ مِنَ اللهِ لِقَومِ رَسولِه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يحُلَّ بهم مِن عَذابِه ونِقمتِه نظيرُ الذي حَلَّ بأصحابِ الأخدودِ على كُفْرِهم به، وتكذيبِهم رَسولَه، وفِتْنتِهم المؤمنينَ والمؤمناتِ منهم) .
    وقال ابنُ عَطيَّةَ: (البَطْشُ: الأخذُ بقُوَّةٍ وسُرعةٍ) .
    وقال ابنُ القيِّمِ: (قال تعالى في آلهةِ المُشركينَ المُعطَّلينَ: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا [الأعراف: 195] ، فجعَل سُبحانَه عدَمَ البَطْشِ والمَشْيِ والسَّمعِ والبصَرِ دليلًا على عدمِ إلهيَّةِ مَن عُدِمَتْ فيه هذه الصِّفاتُ؛ فالبَطْشُ والمَشْيُ مِن أنواعِ الأفعالِ، والسَّمعُ والبصَرُ مِن أنواعِ الصِّفاتِ، وقد وصَفَ نَفْسَه سُبحانَه بضِدِّ صفةِ أربابِهم، وبضِدِّ ما وصَفَه به المُعطِّلةُ والجَهميَّةُ) .

    وقال أيضًا: (ذكَرَ سُبحانَه جزاءَ أوليائِه المُؤمنينَ، ثمَّ ذكَرَ شِدَّةَ بَطْشِه، وأنَّه لا يُعجِزُه شيءٌ؛ فإنَّه هو المُبدئُ المُعيدُ، ومَن كان كذلك فلا أشَدَّ مِن بَطْشِه، وهو مع ذلك الغفورُ الوَدُودُ، يغفِرُ لِمَن تاب إليه ويَوَدُّه ويُحِبُّه؛ فهو سُبحانَه الموصوفُ بشِدَّةِ البَطْشِ،
    ومع ذلك هو الغفورُ الوَدُودُ المُتودِّدُ إلى عبادِه بنِعَمِه، الَّذي يَوَدُّ مَن تاب إليه وأقبَلَ عليه) .

    وقال ابنُ عُثَيمين: (مِن صِفاتِ اللهِ تعالى: المَجيءُ، والإتيانُ، والأَخْذُ، والإمساكُ، والبَطْشُ، إلى غيرِ ذلك مِن الصِّفاتِ... فنَصِفُ اللهَ تعالى بهذه الصِّفاتِ على الوَجهِ الواردِ) .

    :: -- البُغْضُ -- ::


    صفةٌ فِعليَّةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالأحاديثِ الصَّحيحةِ.


    الدَّليلُ من السُّنَّةِ:
    1- حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ اللهَ تعالى إذا أحَبَّ عبدًا... وإذا أبغَضَ عبدًا، دعا جِبريلَ، فيَقولُ: إنِّي أُبغِضُ فلانًا، فأَبغِضْه، فيُبغِضُه جِبريلُ، ثمَّ يُنادي في أهلِ السَّماءِ: إنَّ اللهَ يُبغِضُ فلانًا، فأَبغِضُوه، فيُبغِضُه أهلُ السَّماءِ، ثمَّ تُوضَعُ له البَغضاءُ في الأرضِ )) .
    2 - حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أحَبُّ البلادُ إلى اللهِ مساجِدُها، وأبغَضُ البلادِ إلى اللهِ أسواقُها )) .
    قال الأزهَريُّ: (قال اللَّيثُ: البُغْضُ: نقيضُ الحُبِّ) .
    وقال عبدُ الغني المقدسيُّ: (فمِن صِفاتِ اللهِ تعالى التي وَصَف بها نَفْسَه، ونَطَق بها كِتابُه، وأخبَرَ بها نبيُّه ...)، ثمَّ عَدَّد كثيرًا من الصِّفاتِ الثَّابتةِ إلى أن قال: (والبُغضُ والسَّخَطُ، والكُرهُ والرِّضا، وسائِرُ ما صَحَّ عن اللهِ ورَسولِه، وإن نَبَتْ عنها أسماعُ بعضِ الجاهِلينَ، واستوحَشَت منها نفوسُ المعَطِّلينَ) .
    وقال ابنُ القيِّمِ: (إنَّ ما وصَفَ اللهُ سُبحانَه به نَفْسَه مِن المحبَّةِ والرِّضا والفَرَحِ والغضَبِ والبُغْضِ والسَّخَطِ: مِن أعظَمِ صِفاتِ الكَمالِ) .
    وقال الشِّنقيطيُّ في تفسيرِ قَولِه تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ [الأنفال: 58] : (كُلُّ شَيءٍ لا يُحِبُّه اللهُ دَلَّ على أنَّ صاحِبَه مُرتَكِبٌ جريمةً وذنبًا عظيمًا...
    فاللهُ جَلَّ وعلا يُبغِضُ الخائِنينَ) .
    وانظُرْ كلامَ ابنِ أبي العِزِّ في صفةِ: (الغضَبِ)، وابنِ كثيرٍ في صفةِ: (السَّمعِ).

    :: -- البَقَاءُ -- ::


    صفةٌ ذاتيَّةٌ خاصَّةٌ باللهِ عزَّ وجلَّ، ثابتةٌ بالكِتابِ العزيزِ.

    الدَّليلُ:
    قولُه تعالى: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن: 27].

    قال الزَّجَّاجُ: (الباقي هو اللهُ تعالى المستأثِرُ بالبقاءِ، وكَتَب على خَلْقِه الفَناءَ) .
    وقال أبو القاسِمِ الأصبهانيُّ: (معنى الباقي: الدَّائمُ، الموصوفُ بالبقاءِ، الَّذي لا يستولي عليه الفَناءُ، وليست صفةُ بقائِه ودوامِه كبقاءِ الجنَّةِ والنَّارِ ودوامِهما؛ وذلك أنَّ بقاءَه أبدِيٌّ أزَليٌّ، وبقاءَ الجنَّةِ والنَّارِ أبدِيٌّ غيرُ أزَلِيِّ؛ فالأزَليُّ ما لم يزَلْ، والأبدِيُّ ما لا يزالُ، والجنَّةُ والنَّارُ كائنتانِ بعدَ أنْ لم تَكُونا) .
    وقال أبو بكرٍ الباقِلَّانيُّ: (صِفاتُ ذاتِه هي الَّتي لم يزَلْ ولا يزالُ موصوفًا بها،
    وهي: الحياةُ، والعِلمُ ... والبَقاءُ، والوَجهُ، والعَينانِ ...) .
    وقال ابنُ حجَرٍ: (قَولُه: «بابُ قولِ الرَّجُلِ: لَعَمْرُ اللهِ»، أي: هَلْ يكونُ يَمينًا؟ وهو مبنيٌّ على تفسيرِ: لَعَمْرُ...
    وقال أبو القَاسِمِ الزَّجَّاجُ: العَمْرُ: الحياةُ، فمَن قال لَعَمْرُ اللهِ، كأنَّه حلَفَ ببقاءِ اللهِ، واللَّامُ للتَّوكيدِ، والخبرُ محذوفٌ، أي: ما أُقسِمُ به، ومِن ثَمَّ قال المالكيَّةُ والحَنفيَّةُ: تنعَقِدُ بها اليَمينُ؛ لأنَّ بقاءَ اللهِ مِن صفةِ ذاتِه) .
    وقال محمَّدُ بنُ إبراهيمَ الوزيرُ مُبَيِّنًا الواجِبَ على المسلمينَ: (إثباتُ كُلِّ كمالٍ للهِ جَلَّ جلالُه، ونفيُ كُلِّ نَقصٍ وعيبٍ عنه سُبحانَه، وتخصيصُه دونَ خَلْقِه بوجوبِ الوُجودِ، والقِدَمِ، والبقاءِ، وعَدَمِ التَّشبيهِ، والتَّشريكِ، والنِّدِّ والكُفْءِ) .
    وقال السفارينيُّ: (البَقاءُ: صِفةٌ واجِبةٌ له تعالى كما وَجَب له القِدَمُ؛ لأنَّ ما ثَبَت قِدَمُه استحالَ عَدَمُه؛ لأنَّه سُبحانَه لو قُدِّرَ لحوقُ العَدَمِ له لكانت نِسبةُ الوُجودِ والعَدَمِ إلى ذاتِه تعالى سواءً، فيلزَمُ افتِقارُ وُجودِه إلى مُوجِدٍ يختَرِعُه بدَلًا عن العَدَمِ الجائِزِ عليه -تقَدَّسَ وتعالى عن ذلك- فيكونُ حادِثًا، واللَّازِمُ باطِلٌ، فكذا الملزومُ) .
    وقال مُحمَّدُ بنُ إبراهيمَ آل الشَّيخِ: (البَقاءُ مِن صِفاتِ اللهِ، فإذا أُسنِدَ إلى إنسانٍ فهو مِن الشِّركِ) .
    وقد عَدَّ بعضُهم (الباقيَ) مِن أسماءِ اللهِ تعالى، ولا دليلَ عليه؛ منهم: ابنُ مَنْدَهْ ، والزَّجَّاجيُّ ، وأبو القاسم الأصبهانيُّ .

    :: -- التَّجَلِّي -- ::

    صِفةٌ فِعليَّةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، ومعناه: الظُّهورُ للعِيانِ، لا كما تقولُ الصُّوفيةُ: التَّجَلِّي: ما ينكشِفُ للقُلوبِ مِن أنوارِ الغُيوبِ.
    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:

    قولُه تعالى: قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا [الأعراف: 143] .

    قال الخليلُ بنُ أحمَدَ الفَراهِيديُّ: (قال اللهُ عزَّ وجلَّ: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ، أي: ظهَر وبانَ) .
    وقال ابنُ جَريرٍ: (قَولُه تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا يَقولُ تعالى ذِكْرُه: فلمَّا اطَّلَع الرَّبُّ للجَبَلِ جَعَل اللهُ الجَبَلَ دَكًّا، أي: مُستويًا بالأرضِ. وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا، أي: مَغْشِيًّا عليه) .
    وقال الزَّجَّاجُ: (تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ، أي: ظهَر وبانَ،... وهو قولُ أهلِ العِلمِ وأهلِ السُّنَّة والجماعةِ) .
    وقال السَّمعانيُّ: (وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي معناه: اجعَلِ الجَبَلَ بيني وبيْنَك؛ فإنَّه أقوى منك، فإنِ استقَرَّ مَكانَه فسوف تراني،
    وفي هذا دليلٌ على أنَّه يجوزُ أن يُرى؛ لأنَّه لم يُعَلِّقِ الرُّؤيةَ بما يستحيلُ وُجودُه؛ لأنَّ استِقرارَ الجَبَلِ مع تجلِّيه له غيرُ مُستحيلٍ،
    بأن يجعَلَ له قُوَّةَ الاستقرارِ مع التجَلِّي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ أي: ظَهَر للجَبَلِ، قيل: إنَّه جَعَل للجَبَلِ بَصَرًا وخَلَق فيه حياةً، ثمَّ تجَلَّى له؛ فتدَكْدَكَ على نَفْسِه) .

    الدَّليلُ من السُّنَّةِ:
    1- حديثُ ثابتٍ البُنانيِّ عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في قولِه تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ، قال: ((قال هكذا، يعني أنَّه أخرَجَ طَرَفَ الخِنصِرِ،
    قال: فقال له حُمَيدٌ الطَّويلُ: ما تُريدُ إلى هذا يا أبا مُحمَّدٍ؟ قال: فضرَب صدرَه ضربةً شديدةً،
    وقال: مَن أنتَ يا حُمَيدُ؟ وما أنتَ يا حُمَيدُ؟ يُحدِّثُني به أنسُ بنُ مالكٍ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فتقولُ أنتَ: ما تُريدُ إليه؟!)) .
    2- حديثُ تجلِّي اللهِ عزَّ وجلَّ لعبادِه يومَ القيامةِ المشهورُ .
    قال التِّرمذيُّ: (هذا حديثٌ حسَنٌ، وقد رُوِيَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رواياتٌ كثيرةٌ، مِثلُ هذا ما يُذكَرُ فيه أمرُ الرُّؤيةِ؛ أنَّ النَّاسَ يرَوْنَ ربَّهم، وذِكرُ القدَمِ، وما أشبَهَ هذه الأشياءَ، والمذهبُ في هذا عند أهلِ العِلمِ مِن الأئمَّةِ -
    مِثلُ: سُفيانَ الثَّوريِّ، ومالكِ بنِ أنسٍ، وابنِ المُبارَكِ، وابنِ عُيَينةَ، ووكيعٍ، وغيرِهم-
    أنَّهم روَوْا هذه الأشياءَ، ثمَّ قالوا: تُروَى هذه الأحاديثُ، ونؤمِنُ بها، ولا يُقالُ: كيفَ؟ وهذا الَّذي اختاره أهلُ الحديثِ؛ أنْ تُروى هذه الأشياءُ كما جاءَتْ، ويُؤمَنُ بها،
    ولا تُفَسَّرُ، ولا تُتَوَهَّمُ، ولا يُقالُ: كيفَ؟ وهذا أمرُ أهلِ العِلمِ الَّذي اختاروه وذهَبوا إليه،
    ومعنى قولِه في الحديثِ: ((فيُعرِّفُهم نَفْسَه)) يعني: يَتجَلَّى لهم) .

    وقال أحمَدُ بنُ حَنبَلٍ: (وهو الَّذي خلَقَ السَّمواتِ والأرضَ وما بينهما في ستَّةِ أيَّامٍ ثمَّ استوى على العرشِ، وهو الَّذي كَلَّم موسى تكليمًا، وتَجَلَّى للجبلِ فجعَله دَكًّا، ولا يُماثِلُه شيءٌ مِن الأشياءِ في شيءٍ مِن صِفاتِه، فليس كَعِلْمِه علمُ أحَدٍ، ولا كقدرتِه قُدرةُ أحَدٍ، ولا كرحمتِه رحمةُ أحَدٍ، ولا كاستوائِه استواءُ أحَدٍ، ولا كسَمعِه وبصَرِه سمعُ أحَدٍ ولا بصَرُه، ولا كتكليمِه تكليمُ أحَدٍ، ولا كتجَلِّيهِ تَجَلِّي أحَدٍ) .
    وقال أبو عمرٍو الدَّاني: (إنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى يتجَلَّى لعبادِه المؤمِنين في المعادِ، فيَرَونَه بالأبصار، على ما نطق به القُرآنُ، وتواترت به أخبارُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) .
    وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: (قولُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يَنزِلُ ربُّنا إلى السَّماءِ الدُّنيا )) عندَهم: مِثْلُ قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ [الأعراف: 143] ، ومِثلُ قَولُه: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] ،
    كلُّهم يَقولُ: يَنزِلُ ويَتجَلَّى ويجيءُ، بلا كيفٍ، لا يَقولُون: كيفَ يجيءُ؟ وكيفَ يَتجَلَّى؟ وكيفَ يَنزِلُ، ولا مِن أينَ جاء؟ ولا مِن أينَ تَجلَّى؟ ولا مِن أينَ يَنزِلُ؟
    لأنَّه ليس كشيءٍ مِن خَلْقِه، وتعالى عنِ الأشياءِ، ولا شريكَ له،
    وفي قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ دَلالةٌ واضحةٌ أنَّه لم يكُنْ قبْلَ ذلك متجلِّيًا للجبلِ، وفي ذلك ما يُفسِّرُ معنى حديثِ التَّنزيلِ، ومَن أراد أن يقِفَ على أقاويلِ العُلَماءِ في قولِه عزَّ وجلَّ: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ فلينظُرْ في تفسيرِ بَقِيِّ بنِ مَخلَدٍ ومحمَّدِ بنِ جَريرٍ، وليقِفْ على ما ذكَرا مِن ذاك، ففيما ذكَرا منه كفايةٌ، وباللهِ العِصمةُ والتَّوفيقُ) .

    وقال ابنُ تَيميَّةَ: (اللهُ تعالى في القُرآنِ يُثبِتُ الصِّفاتِ على وجهِ التَّفصيلِ، ويَنفي عنه -
    على طريقِ الإجمالِ- التَّشبيهَ والتَّمثيلَ؛ فهو في القُرآنِ يُخبِرُ أنَّه بكلِّ شيءٍ عليمٌ، وعلى كُلِّ شَيءٍ قديرٌ، وأنَّه عزيزٌ حكيمٌ، غفورٌ رحيمٌ، وأنَّه سميعٌ بصيرٌ، وأنَّه غفورٌ وَدودٌ، وأنَّه تعالى -على عِظَمِ ذاتِه- يُحِبُّ المُؤمنينَ، ويَرضى عنهم، ويغضَبُ على الكفَّارِ، ويَسخَطُ عليهم، وأنَّه خلَقَ السَّمواتِ والأرضَ في ستَّةِ أيَّامٍ، ثمَّ استوى على العرشِ، وأنَّه كلَّم موسى تكليمًا، وأنَّه تَجلَّى للجبلِ فجعَله دَكًّا، وأمثال ذلك) .
    وقال: (ثبَتَ في الأحاديثِ الصَّحيحةِ: أنَّه إذا تَجلَّى لهم يومَ القيامةِ سجَد له المُؤمنونَ، ومَن كان يسجُدُ في الدُّنيا رياءً يصيرُ ظَهرُه مِثلَ الطَّبَقِ) .
    وقال حافظ الحَكَميُّ: (قَولُه: «فتنظُرونَ إليه، وينظُرُ إليكم» فيه إثباتُ صفةِ التَّجلِّي للهِ عزَّ وجلَّ، وإثباتُ النَّظرِ له، وإثباتُ رؤيتِه في الآخرةِ ونظَرِ المُؤمنينَ إليه) .

    :: -- التَّرَدُّدُ فِي قَبْضِ نَفْسِ المُؤْمِنِ -- ::


    صفةٌ فِعليَّةٌ ثابتةٌ للهِ تعالى على ما يَليقُ به؛ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] .

    الدَّليلُ:
    حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((إنَّ اللهَ قال: مَن عادَى لي وليًّا فقد آذَنْتُه بالحربِ... وما تردَّدْتُ عن شيءٍ أنا فاعِلُه ترَدُّدي عن نَفْسِ المُؤمِنِ؛ يكرَهُ الموتَ، وأنا أكرَهُ مَسَاءَتَه )) .
    سُئِلَ ابنُ تيميَّةَ عن معنى تردُّدِ اللهِ في هذا الحَديثِ؟ فأجاب:
    (هذا حديثٌ شريفٌ، قد رواه البُخاريُّ مِن حديثِ أبي هُرَيرةَ، وهو أشرفُ حديثٍ رُوِيَ في صفةِ الأولياءِ، وقد ردَّ هذا الكلامَ طائفةٌ،
    وقالوا: إنَّ اللهَ لا يُوصَفُ بالتَّردُّدِ، وإنَّما يتردَّدُ مَن لا يعلَمُ عواقِبَ الأمورِ، واللهُ أعلَمُ بالعواقبِ،
    وربَّما قال بعضُهم: إنَّ اللهَ يُعامِلُ مُعامَلةَ المُتردِّدِ.
    والتَّحقيقُ: أنَّ كلامَ رَسولِه حقٌّ، وليس أحدٌ أعلَمَ باللهِ مِن رَسولِه، ولا أنصَحَ للأمَّةِ منه،
    ولا أفصَحَ ولا أحسَنَ بيانًا منه، فإذا كان كذلك كان المُتحَذْلِقُ والمُنكِرُ عليه مِن أضَلِّ النَّاسِ وأجهَلِهم وأسوَئِهم أدبًا، بل يجِبُ تأديبُه وتَعزيرُه، ويجِبُ أن يُصانَ كلامُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الظُّنونِ الباطلةِ، والاعتقاداتِ الفاسدةِ،
    ولكنِ المُتردِّدُ منَّا وإنْ كان تردُّدُه في الأمرِ لأجلِ كونِه ما يعلَمُ عاقبةَ الأمورِ، لا يكونُ ما وصَفَ اللهُ به نَفْسَه بمنزلةِ ما يُوصَفُ به الواحدُ منَّا؛ فإنَّ اللهَ ليس كمِثلِه شيءٌ، لا في ذاتِه، ولا في صِفاتِه، ولا في أفعالِه، ثمَّ هذا باطِلٌ؛ فإنَّ الواحدَ منَّا يتردَّدُ تارةً لعدمِ العِلمِ بالعواقبِ، وتارةً لِما في الفِعلينِ مِن المَصالحِ والمفاسدِ، فيُريدُ الفِعلَ لِما فيه مِن المصلحةِ، ويكرَهُه لِما فيه مِن المَفسَدةِ، لا لجهلٍ منه بالشَّيءِ الواحدِ الَّذي يُحَبُّ مِن وجهٍ، ويُكرَهُ مِن وجهٍ، كما قيل:
    الشَّيْبُ كُرْهٌ، وكُرْهٌ أَنْ أُفَارِقَهُ
    فاعْجَبْ لِشَيْءٍ عَلَى البَغْضَاءِ مَحْبُوبُ

    وهذا مِثلُ إرادةِ المريضِ لدوائِه الكَريهِ، بل جميعُ ما يُريدُه العبدُ مِن الأعمالِ الصَّالحةِ الَّتي تكرَهُها النَّفسُ هو مِن هذا البابِ،
    وفي الصَّحيحِ: ((حُفَّتِ النَّارُ بالشَّهواتِ، وحُفَّتِ الجنَّةُ بالمَكارِهِ ))،
    وقال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ [البقرة: 216] الآيةَ.

    ومِن هذا البابِ يظهَرُ معنى التَّردُّدِ المذكورِ في هذا الحديثِ؛ فإنَّه قال: (لا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحِبَّه)؛ فإنَّ العبدَ الَّذي هذا حالُه صار محبوبًا للحقِّ، مُحبًّا له، يتقرَّبُ إليه أوَّلًا بالفرائضِ وهو يُحِبُّها،
    ثمَّ اجتهَدَ في النَّوافلِ الَّتي يُحِبُّها ويُحِبُّ فاعِلَها، فأتى بكلِّ ما يقدِرُ عليه مِن محبوبِ الحقِّ؛ فأحَبَّه الحقُّ لفِعلِ محبوبِه مِن الجانبينِ بقَصدِ اتِّفاقِ الإرادةِ؛ بحيث يُحِبُّ ما يُحِبُّه محبوبُه، ويكرَهُ ما يكرَهُه محبوبُه، والرَّبُّ يكرَهُ أن يسوءَ عبدَه ومحبوبَه،
    فلزِمَ مِن هذا أن يكرَهَ الموتَ؛ ليزدادَ مِن مَحابِّ محبوبِه، واللهُ سُبحانَه وتعالى قد قضى بالموتِ، فكلُّ ما قضى به فهو يُريدُه،
    ولا بدَّ منه؛ فالرَّبُّ مُريدٌ لموتِه؛ لِما سبَقَ به قضاؤُه، وهو مع ذلك كارهٌ لِمَساءَةِ عبدِه، وهي المَساءَةُ الَّتي تحصُلُ له بالموتِ، فصار الموتُ مُرادًا للحقِّ مِن وجهٍ، مكروهًا له مِن وجهٍ، وهذا حقيقةُ التَّردُّدِ، وهو أن يكونَ الشَّيءُ الواحدُ مُرادًا مِن وجهٍ، مكروهًا مِن وجهٍ، وإنْ كان لا بدَّ مِن ترجُّحِ أحَدِ الجانبينِ، كما تُرجَّحُ إرادةُ الموتِ، لكن مع وجودِ كراهةِ مَساءَةِ عبدهِ، وليس إرادتُه لموتِ المُؤمنِ الَّذي يُحِبُّه ويكرَهُ مَساءَتَه كإرادتِه لموتِ الكافرِ الَّذي يُبغِضُه ويُريدُ مَساءَتَه) .

    ثمَّ قال: (والمقصودُ هنا: التَّنبيهُ على أنَّ الشيءَ المُعيَّنَ يكونُ محبوبًا مِن وجهٍ مكروهًا مِن وجهٍ، وأنَّ هذا حقيقةُ التَّردُّدِ، وكما أنَّ هذا في الأفعالِ فهو في الأشخاصِ. واللهُ أعلَمُ) .

    وقال ابنُ باز: (الترَدُّدُ وَصفٌ يليقُ باللهِ تعالى، لا يَعلَمُ كيفيَّتَه إلَّا هو سُبحانَه، وليس كترَدُّدِنا، والترَدُّدُ المنسوبُ للهِ لا يشابِهُ تَرُدَّدَ المخلوقينَ، بل هو ترَدُّدٌ يليقُ به سُبحانَه كسائِرِ صِفاتِه جَلَّ وعلا) .
    وقال ابنُ عُثَيمين: (إثباتُ التَّردُّدِ للهِ عزَّ وجلَّ على وجهِ الإطلاقِ لا يجوزُ؛ لأنَّ اللهَ تعالى ذكَر التَّردُّدَ في هذه المسألةِ: ((ما تردَّدْتُ عن شيءٍ أنا فاعِلُه كتَردُّدي عن قَبْضِ نَفْسِ عبدي المُؤمِنِ ))، وليس هذا التَّردُّدُ مِن أجلِ الشَّكِّ في المصلحةِ، ولا مِن أجلِ الشَّكِّ في القُدرةِ على فِعلِ الشَّيءِ،
    بل هو مِن أجلِ رحمةِ هذا العبدِ المُؤمِنِ؛
    ولهذا قال في نَفْسِ الحديثِ: ((يكرَهُ الموتَ، وأكرَهُ إساءَتَه، ولا بدَّ له منه))، وهذا لا يعني أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ موصوفٌ بالتَّردُّدِ في قُدرتِه أو في عِلمِه، بخلافِ الآدَميِّ،
    فهو إذا أراد أن يفعَلَ الشَّيءَ يتردَّدُ؛ إمَّا لشَكِّه في نتائجِه ومصلحتِه، وإمَّا لشكِّه في قُدرتِه عليه: هل يقدِرُ أو لا يقدِرُ؟ أمَّا الرَّبُّ عزَّ وجلَّ فلا) .

    :: -- التَّرْكُ -- ::


    صِفةٌ فِعليَّةٌ لله عزَّ وجلَّ، ثابتةٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.

    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    1- قولُه تعالى: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ [البقرة: 17] .

    قال ابنُ عَرَفةَ: (قال الآمِديُّ: مَنَعَ المعتَزِلةُ إطلاقَ صِفةِ التَّركِ على اللهِ تعالى، وأجازها أهلُ السُّنَّةِ بقَولِه تعالى: وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ [البقرة: 17] ) .
    2- قولُه تعالى: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ [فاطر: 45] .
    الدَّليلُ من السُّنَّةِ:
    حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((قال اللهُ تبارَك وتعالى: أنا أغنَى الشُّركاءِ عنِ الشِّركِ، مَن عمِلَ عمَلًا أشرَكَ فيه معيَ غيري، ترَكْتُه وشِرْكَه )) .

    قال ابنُ عُثَيمين: (تَرْكُه سُبحانَه للشَّيءِ صفةٌ مِن صِفاتِه الفِعليَّةِ الواقعةِ بمشيئتِه التَّابعةِ لحكمتِه؛ قال اللهُ تعالى: وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ [البقرة: 17] ،
    وقال تعالى: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ [الكهف: 99] ،
    وقال: وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً [العنكبوت: 35] .
    والنُّصوصُ في ثُبوتِ التَّركِ وغيرِه مِن أفعالِه المُتعلِّقةِ بمشيئتِه: كثيرةٌ معلومةٌ، وهي دالَّةٌ على كمالِ قُدرتِه وسُلطانِه.
    وقيامُ هذه الأفعالِ به سُبحانَه لا يُماثِلُ قيامَها بالمخلوقينَ، وإنْ شارَكوه في أصلِ المعنى، كما هو معلومٌ عند أهلِ السُّنَّةِ) .
    وانظُرْ صفةَ: (النِّسيانِ).
    --------------------------------------------------------------
    التالي : -
    -
    :: -- التَّشْرِيعُ -- ::

    -
    ومت زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

     المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :: أنواعُ الصِّفاتِ :صِفاتُ اللهِ الواردةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ : الآخِرِيَّةُ : الإبداءُ والإعادةُ. :الإتيانُ والمجيءُ. : الإِجَابَةُ. :الأَحَدُ والأحَدِيَّةُ.                  Empty التَّشْرِيعُ

    مُساهمة من طرف صادق النور الإثنين يناير 01, 2024 9:13 pm

    يتبع ما قبله : -

    :: - -  المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ   -- ::

    :: -- توحيدُ الأسماءِ والصِّفاتِ  -- ::


    :: -- التَّشْرِيعُ  -- ::


    صفةٌ فِعليَّةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، مِن خصائصِ رُبوبيَّتِه، مَن نازَعه فيها فقد كفَرَ، واللهُ هو (الشَّارعُ)، وهو (المُشَرِّعُ)، وليسا مِن أسمائِه سُبحانَه.
    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    قولُه تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ... الآيةَ [الشورى: 13] .
    قال السَّمعانيُّ: (قَولُه تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ أي: بيَّن لكم من الدِّينِ، والشَّرعُ هو البَيانُ، ويقالُ: أظهَرَ لكم وأمَرَكم) .
    وقال البَغَويُّ: (قَولُه عَزَّ وجَلَّ: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ بيَّن لكم وسَنَّ لكم) .
    وقال الشَّوكاني: (الخِطابُ في قَولِه: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ لأمَّةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: بيَّن وأوضَحَ لكم من الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا من التوحيدِ ودينِ الإسلامِ وأُصولِ الشَّرائعِ التي لم يختَلِفْ فيها الرُّسُلُ، وتوافَقَت عليها الكُتُبُ) .
    الدَّليلُ من الأثَر:
    عَنْ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (مَن سَرَّهُ أنْ يلقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحافِظْ على هؤلاء الصَّلَواتِ حيثُ يُنادَى بهنَّ؛ فإنَّ اللهَ شَرَعَ لِنبيِّكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سُنَنَ الهُدَى، وإنَّهُنَّ مِن سُنَنِ الهُدَى ...) .
    وقد كثُرَ في أقوالِ العُلَماء إضافةُ التَّشريعِ للهِ سُبحانَه وتعالى، ومِن ذلك:
    1- قَولُ الشَّاطبيِّ: (الشَّارِعُ وَضَع الشَّرائِعَ وألزمَ الخَلْقَ الجَرْيَ على سَنَنِها،
    وصار هو المنفَرِدَ بذلك؛ لأنَّه حَكَم بيْن الخَلْقِ فيما كانوا فيه يختَلِفونَ، وإلَّا فلو كان التَّشريعُ مِن مُدرَكاتِ الخَلْقِ لم تُنزَلِ الشَّرائعُ، ولم يَبْقَ الخِلافُ بيْن النَّاسِ، ولا احتِيجَ إلى بَعثِ الرُّسُلِ عليهم السَّلامُ، فهذا الذي ابتَدَع في دينِ اللهِ قد صَيَّرَ نَفْسَه نظيرًا ومضاهيًا؛ حيث شَرَع مع الشَّارعِ، وفَتَح للاختِلافِ بابًا، ورَدَّ قَصْدَ الشَّارعِ في الانفرادِ بالتَّشريعِ، وكفى بذلك شَرًّا) .

    2- قَولُ الدهلويِّ في كَلامِه على قَولِه تعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ [النحل: 116] : (المقصودُ النَّهيُ عن الاستِبدادِ والافتِياتِ في التَّحليلِ والتحريمِ، والإباحةِ والمَنْعِ، اعتمادًا على الأهواءِ والأعرافِ، والتقاليدِ والعاداتِ؛ فإنَّ هذا من التَّشريعِ في الدِّينِ، والتَّشريعُ مِن حَقِّ اللهِ سُبحانَه وَحْدَه) .
    3- قولُ مُحمَّدٍ الأمينِ الشِّنقيطيِّ: (العجَبُ ممَّن يحكِّمُ غيرَ تشريعِ اللهِ، ثمَّ يدَّعي الإسلامَ!) .
    وقولُه أيضًا: (بهذه النُّصوصِ السَّماويةِ الَّتي ذكَرْنا يظهَرُ غايةَ الظُّهورِ: أنَّ الَّذينَ يتَّبِعونَ القوانينَ الوضعيَّةَ الَّتي شرَعها الشَّيطانُ على ألسِنةِ أوليائِه مخالِفةً لِما شرَعه اللهُ جلَّ وعلا على ألسِنَةِ رُسلِه صلَّى اللهُ عليهم وسلَّمَ؛ أنَّه لا يَشُكُّ في كُفرِهم وشِرْكِهم إلَّا مَن طمَسَ اللهُ بصيرتَه، وأعماه عن نُورِ الوَحْيِ مِثْلَهم) .
    وقَولُه: (لَمَّا كان التَّشريعُ وجميعُ الأحكامِ -شرعيَّةً كانت أو كَوْنيَّةً قدَريَّةً- مِن خصائصِ الرُّبوبيَّةِ، كمَّا دلَّت عليه الآياتُ المذكورةُ: كان كُلُّ مَن اتَّبَع تشريعًا غيرَ تشريعِ اللهِ قد اتَّخَذ ذلك المُشرِّعَ ربًّا، وأشرَكَه مع اللهِ) .
    وقَولُه: (اعلَموا أيُّها الإخوانُ: أنَّ الإشراكَ باللهِ في حُكمِه، والإشراكَ به في عبادتِه كِلاهما بمعنًى واحدٍ، لا فَرْقَ بينهما ألبتَّةَ؛ فالَّذي يتَّبِعُ نظامًا غيرَ نظامِ اللهِ، وتشريعًا غيرَ ما شرَّعه اللهُ وقانونًا مخالِفًا لشرعِ اللهِ مِن وَضْعِ البشَرِ، مُعْرِضًا عن نورِ السَّماءِ الَّذي أنزَله اللهُ على لسانِ رسولِه، مَن كان يفعَلُ هذا، هو ومَن كان يعبُدُ الصَّنمَ ويسجُدُ للوثَنِ، لا فَرْقَ بينهما ألبتَّةَ بوجهٍ مِن الوجوهِ، فهما واحدٌ، فكلاهما مُشرِكٌ باللهِ، هذا أشرَكَ به في عبادتِه، وهذا أشرَكَ به في حُكمِه، كِلاهما سواءٌ) .
    4- قولُ اللَّجنةِ الدَّائمةِ للبُحوثِ العِلميَّةِ والإفتاءِ بالسُّعوديَّةِ: (الشِّركُ الأكبرُ: أن يجعَلَ الإنسانُ للهِ نِدًّا؛ إمَّا في أسمائِه وصِفاته ... وإمَّا أن يجعَلَ له نِدًّا في العبادةِ... وإمَّا أن يجعَلَ للهِ نِدًّا في التَّشريعِ بأن يتَّخِذَ مُشرِّعًا له سوى اللهِ، أو شريكًا للهِ في التَّشريعِ يرتضي حُكمَه ويَدِينُ به في التَّحليلِ والتَّحريمِ؛ عبادةً وتقرُّبًا، وقضاءً وفصلًا في الخصوماتِ، أو يَستحِلُّه وإنْ لم يُرِدْهُ دِينًا) .
    كما كثُرَ إطلاقُهم لكلمةِ (الشَّارعِ) و(المُشَرِّعِ) على اللهِ عزَّ وجلَّ مِن بابِ الصِّفةِ.
    وانظُرْ صِفاتِ: (الإيجابِ والتَّحريمِ والتَّحليلِ).


    :: - - التَّقْدِيمُ والتَّأْخِيرُ -- ::


    صفتانِ مِن صِفاتِ الذَّاتِ والأفعالِ للهِ عزَّ وجلَّ ثابتتانِ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، والمُقدِّمُ والمُؤخِّرُ اسمانِ للهِ تعالى.
    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    1- قولُه تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا [المنافقون: 11] .
    2- قَولُه: إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ [إبراهيم: 41] .
    الدَّليلُ من السُّنَّةِ:
    1- حديثُ عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما مرفوعًا: ((... أنت المُقدِّمُ، وأنتَ المُؤخِّرُ، لا إلهَ إلَّا أنتَ )) .
    2- حديثُ أبي هُريرةَ رضي الله عنه مرفوعًا: ((أعذَرَ اللهُ إلى امرِئٍ أخَّرَ أجَلَه حتَّى بلَغَ سِتِّينَ سنةً )) .
    3- حديثُ أبي سعيدٍ الخُدْري رضي الله عنه مرفوعًا: ((... لا يزالُ قومٌ يتأخَّرونَ حتَّى يُؤخِّرَهم اللهُ )) .
    قال الخَطَّابيُّ: (المقَدِّمُ المؤَخِّرُ: هو المُنزِلُ الأشياءَ مَنازِلَها، يُقَدِّمُ ما يشاءُ منها ويؤخِّرُ ما شاء، قَدَّم المقاديرَ قبل أن يخلُقَ الخَلْقَ، وقَدَّم من أحَبَّ من أوليائِه على غيرِهم مِن عَبيدِه، ورَفَع الخَلْقَ بَعْضَهم فوقَ بَعضٍ دَرَجاتٍ، وقَدَّم من شاء بالتوفيقِ إلى مقاماتِ السَّابِقينَ، وأخَّرَ من شاء عن مراتِبِهم وثَبَّطَهم عنها، وأخَّرَ الشَّيءَ عن حينِ توقُّعِه؛ لعِلْمِه بما في عواقِبِه من الحِكمةِ، لا مُقَدِّمَ لِما أخَّر، ولا مُؤَخِّرَ لِما قَدَّم) .
    وقال ابنُ هُبَيرةَ: (قَولُه: ((أنت المقَدِّمُ وأنت المؤَخِّرُ)) أي: إنَّك المستَحِقُّ أن يُقَدِّمَ ويؤخِّرَ، فلا أُقَدِّمُ أنا ولا أُؤخِّرُ) .
    وقال ابنُ القيِّمِ:
    (وَهُوَ المُقَدِّمُ وَالمُؤخِّرُ ذَانِكَ الصْـ              ـصِفَتَانِ لِلأفْعَالِ تَابِعَتَانِ
    وَهُمَا صِفاتُ الذَّاتِ أَيْضًا إِذْ هُمَا            بِالذَّاتِ لا بِالغَيْرِ قَائِمَتَانِ
    ) .
    قال مُحمَّد خليل هرَّاس في شرحِه للأبياتِ: (التَّقديمُ والتَّأخيرُ صفتانِ مِن صِفاتِ الأفعالِ التَّابعةِ لمشيئتِه تعالى وحِكمتِه، وهما أيضًا صفتانِ للذَّاتِ؛ إذْ قِيامُهما بالذَّاتِ لا بغيرِها، وهكذا كُلُّ صِفاتِ الأفعالِ هي مِن هذا الوَجهِ صِفاتُ ذاتٍ؛ حيث إنَّ الذَّاتَ متَّصِفةٌ بها، ومِن حيثُ تعلُّقُها بما ينشَأُ عنها مِن الأقوالِ والأفعالِ تُسمَّى صِفاتِ أفعالٍ) .

    :: -- التَّقَرُّبُ والقُرْبُ والدُّنُوُّ  -- ::


    التَّقرُّبُ أو القُرْبُ والدُّنوُّ: مِن صِفاتِ اللهِ الفِعليَّةِ الثَّابتةِ له بالكِتابِ والسُّنَّةِ، و(القَريبُ) اسمٌ مِن أسمائِه تعالى.

    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    1- قولُه تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة: 186] .
    2- قولُه تعالى: فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ [هود: 61] .

    قال ابنُ جَريرٍ: (يَقولُ: إنَّ رَبِّي قريبٌ ممَّن أخلَصَ له العبادةَ ورَغِبَ إليه في التَّوبةِ، مُجيبٌ له إذا دعاه) .
    وقال السَّعْديُّ: (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ أي: قريبٌ ممَّن دعاه دعاءَ مسألةٍ، أو دُعاءَ عِبادةٍ، يُجيبُه بإعطائِه سُؤلَه، وقَبولِ عِبادتِه، وإثابتِه عليها أجَلَّ الثَّوابِ،
    واعلَمْ أنَّ قُربَه تعالى نوعانِ: عامٌّ وخاصٌّ؛ فالقُربُ العامُّ: قُربُه بعِلْمِه من جميعِ الخَلْقِ،
    وهو المذكورُ في قَولِه تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16] .
    والقُربُ الخاصُّ: قُرْبُه من عابِدِيه وسائِلِيه ومُحِبِّيه، وهو المذكورُ في .
    قَولِه تعالى: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق: 19] . وفي هذه الآيةِ،
    وفي قَولِه تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ [البقرة: 186] ، وهذا النَّوعُ قُربٌ يقتضي إلطافَه تعالى، وإجابتَه لدعواتِهم، وتحقيقَه لمُراداتِهم؛ ولهذا يُقرَنُ باسمِه "القريبِ" اسمُه "المجيبُ") .
    الدَّليلُ من السُّنَّةِ:
    1- حديثُ أبي ذرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:... وَمَن تقرَّبَ منِّي شِبرًا تقرَّبتُ منه ذِراعًا، ومَن تقرَّبَ منِّي ذِراعًا تقرَّبتُ منه بَاعًا...  )) .
    2- حديثُ أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((أيُّها النَّاسُ، اربَعُوا على أنفُسِكم؛ إنَّكم لا تَدْعُونَ أصَمَّ ولا غائبًا، ولكن تَدْعُونَ سَميعًا قريبًا، إنَّ الَّذي تَدْعُونَ أقرَبُ إلى أحَدِكم مِن عُنُقِ راحلتِه )) .
    3- حديثُ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها مرفوعًا: ((ما مِن يومٍ أكثَرَ مِن أن يُعتِقَ اللهُ فيه عبدًا مِن النَّارِ مِن يومِ عَرَفةَ، وإنَّه لَيَدْنُو ثمَّ يُباهي بهم الملائكةَ  )) .
    إنَّ أهلَ السُّنَّةِ والجماعةِ مِن السَّلَفِ وأهْلِ الحديثِ يَعتَقِدونَ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قريبٌ مِن عبادِه حقيقةً، كما يَليقُ بجَلالِه وعظَمتِه،
    وهو مُسْتَوٍ على عرشِه، بائنٌ مِن خَلْقِه، وأنَّه يتقرَّبُ إليهم حقيقةً، ويَدْنو منهم حقيقةً، ولكنَّهم لا يُفسِّرونَ كُلَّ قُرْبٍ وَرَدَ لفظُه في القُرآنِ أو السُّنَّةِ بقُرْبِ ذاتِه؛ فقد يكونُ القُربُ قُرْبَه بعِلْمِه وإجابتِه، أو قُرْبَ الملائكةِ، وذلك حسَبَ سياقِ اللَّفظِ.
    قال ابنُ تيميَّةَ: (أمَّا دُنُوُّهُ نَفْسه وتقرُّبُه مِن بعضِ عبادِه، فهذا يُثبِتُه مَن يُثبِتُ قيامَ الأفعالِ الاختياريَّةِ بنَفْسِه، ومَجيئَه يومَ القيامةِ، ونزولَه، واستواءَه على العرشِ، وهذا مذهبُ أئمَّةِ السَّلَفِ وأئمَّةِ الإسلامِ المشهورينَ وأهلِ الحديثِ، والنَّقلُ عنهم بذلك متواتِرٌ) .
    وقال أيضًا: (... لا يلزَمُ مِن جوازِ القُربِ عليه أن يكونَ كُلُّ مَوضعٍ ذكَرَ فيه قُربَه يُرادُ به قُربُه بنَفْسِه، بل يبقى هذا مِن الأمورِ الجائزةِ، ويُنظَرُ في النَّصِّ الواردِ؛ فإنْ دلَّ على هذا حُمِلَ عليه، وإنْ دلَّ على هذا حُمِلَ عليه، وهذا كما تقدَّمَ في لفظِ الإتيانِ والمَجيءِ) .
    وقد أطال ابنُ تيميَّةَ الكلامَ على هذه المسألةِ بما لا مَزيدَ عليه .
    قال ابنُ رَجَبٍ: (قد دَلَّ القرآنُ على هذا المعنى في مواضِعَ متعَدِّدةٍ... وقد وردت الأحاديثُ الصَّحيحةُ بالنَّدبِ إلى استِحضارِ هذا القُربِ في حالِ العِباداتِ... ومَن فَهِمَ من شَيءٍ مِن هذه النُّصوصِ تشبيهًا أو حلولًا أو اتِّحادًا، فإنَّما أُتِيَ مِن جَهْلِه، وسوءِ فَهمِه عن اللهِ ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، واللهُ ورَسولُه بَريئانِ مِن ذلك كُلِّه، فسُبحانَ من ليس كمِثلِه شَيءٌ، وهو السَّميعُ البَصيرُ) .
    وممَّن أَثبَتَ اسمَ (الْقَرِيِب) للهِ عزَّ وجلَّ: الخَطابيُّ  ، وابنُ مَنْدَه  ، وابنُ حزمٍ  ، وابنُ القيِّمِ  ، وابنُ حَجَرٍ  ، وابنُ عُثَيمين .

    :: -- التَّوْبُ  -- ::


    صفةٌ فِعليَّةٌ ثابتةٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، و(التَّوَّابُ) مِن أسمائِه تعالى.

    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    1- قولُه تعالى: فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة: 37] .
    قال ابنُ جَريرٍ: (تأويلُ قَولِه: إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ أنَّ اللهَ جَلَّ ثناؤُه هو التَّوَّابُ على من تاب إليه من عبادِه المُذنِبينَ مِن ذُنوبِه، التَّارِكُ مجازاتَه بإنابتِه إلى طاعتِه بعد معصيتِه بما سَلَف من ذَنْبِه. وقد ذكَرْنا أنَّ معنى التَّوبةِ مِن العَبدِ إلى رَبِّه: إنابتُه إلى طاعتِه، وأَوْبتُه إلى ما يُرضيه بتَرْكِه ما يُسخِطُه من الأُمورِ التي كان عليها مُقيمًا ممَّا يَكرَهُه رَبُّه، فكذلك توبةُ اللهِ على عَبْدِه هو أن يَرزُقَه ذلك، ويتوبَ مِن غَضَبِه عليه إلى الرِّضا عنه، ومِن العُقوبةِ إلى العَفْوِ والصَّفحِ عنه) .
    وقال السَّعْديُّ: (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ لِمن تاب إليه وأناب. وتوبتُه نوعان: توفيقُه أوَّلًا، ثمَّ قَبولُه للتَّوبةِ إذا اجتَمَعَت شُروطُها ثانيًا) .
    2- قَولُه: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ [النساء: 27] .
    الدَّليلُ من السُّنَّةِ:
    1- حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((مَن تاب قبْلَ أن تطلُعَ الشَّمسُ مِن مَغربِها، تابَ اللهُ عليه )) .
    2- حديثُ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما مرفوعًا: ((لو أنَّ لابنِ آدَمَ واديًا مِن ذهَبٍ، أحَبَّ أن يكونَ له واديانِ، ولن يملَأَ فاه إلَّا التُّرابُ، ويتوبُ اللهُ على مَن تابَ  )) .  

    قال الزَّجَّاجيُّ
    : (التَّوَّابُ فَعَّالٌ مِن «تاب يتوبُ» أي: يَقبَلُ توبةَ عِبادِه، كما قال عَزَّ وجَلَّ: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ [الشورى: 25] ، وقال: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ [غافر: 3]  فاللهُ تعالى يَقبَلُ توبةَ عِبادِه.
    و «فَعَّال» من أبنيةِ المبالغةِ، مِثلُ ضَرَّابٍ: للكثيرِ الضَّربِ، وقَتَّالٍ: للكثيرِ القَتلِ... فجاء توَّابٌ على أبنيةِ المبالَغةِ؛ لقَبولِه توبةَ عبادِه، وتكريرِ الفِعلِ منهم دفعةً بعد دفعةٍ، وواحدًا بعد واحدٍ على طولِ الزَّمانِ، وقَبولِه عَزَّ وجَلَّ ممَّن يشاءُ أن يَقبَلَ منه؛ فلذلك جاء على أبنيةِ المبالغةِ، فالعَبدُ يتوبُ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، ويُقلِعُ عن ذُنوبِه، واللهُ يتوبُ عليه، أي: يَقبَلُ توبتَه، فالعبدُ تائبٌ، واللهُ توَّابٌ.
    فإن قال قائِلٌ: أفيجوزُ أن يُقالَ: اللهُ عَزَّ وجَلَّ تائِبٌ على عبادِه، أي: يَقبَلُ توبتَهم، كما قيل له عَزَّ وجَلَّ: توَّابٌ؟
    قيل له: ليس لنا أن نُطلِقَ على اللهِ عَزَّ وجَلَّ من الصِّفاتِ إلَّا ما أطلقه جماعةُ المسلمينَ،
    وجاء في الكِتابِ، وإن كان في اللُّغةِ مُحتَمِلًا. وقد قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ [التوبة: 117] ، وقال في مَوضِعٍ آخَرَ: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ [الشورى: 25] ؛
    فقد جاء الفِعلُ منه على فَعَل يَفعُل، وما نطق منه بفَعَل يَفعُل فاسمُ الفاعِلِ منه قياسًا فاعِلٌ، كقولك: ضَرَب زيدٌ يَضرِبُ فهو ضارِبٌ، وذَهَب يَذهَب فهو ذاهِبٌ،
    فكذلك يُقالُ قياسًا: تاب زيدٌ يتوبُ، فهو تائِبٌ. فإن كانت الأُمَّةُ تُطلِقُ ذلك على اللهِ عَزَّ وجَلَّ فقياسُه في اللُّغةِ مُستقيمٌ، وإن لم تُطلِقْ ذلك على اللهِ عَزَّ وجَلَّ فلا يجوزُ الإقدامُ عليه وإن كان في اللُّغةِ جائزًا،
    على أنَّه إنَّما قيل للهِ عَزَّ وجَلَّ: توَّابٌ؛ لمبالغةِ الفِعلِ، وكَثرةِ قَبولِه توبةَ عِبادِه، ولكثرةِ من يتوبُ إليه. وترَدُّدُ هذا الفِعلِ وتَكرارُه وقَبولُه منهم ليَدُلَّ على هذا المعنى، فلا يجاوَزُ هذا) .
    وقال الأزهريُّ: (التَّوَّابُ مِن صِفاتِ اللهِ تعالى: هو الذي يتوبُ على عبادِه، والتوَّابُ مِن النَّاسِ: هو الذي يتوبُ إلى رَبِّه) .
    وقال الخطَّابيُّ: (التوَّابُ: هو الذي يتوبُ على عَبدِه، ويَقبَلُ توبتَه، كُلَّما تكَرَّرَت التوبةُ تكَرَّر القَبولُ، وهو حرفٌ يكونُ لازمًا ويكونُ متعدِّيًا. ي
    قال: تاب اللهُ على العبدِ -بمعنى: وفَّقه للتَّوبةِ- فتاب العَبدُ،
    كقَولِه تعالى: ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا [التوبة: 118] ، ومعنى التوبةِ: عَودُ العبدِ إلى الطَّاعةِ بعد المعصيةِ) .
    قال ابنُ القيِّمِ:
    (وَكَذَلِكَ التَّوَّابُ مِنْ أَوْصَافِهِ                وَالتَّوْبُ فِي أَوْصَافِهِ نَوْعَانِ
    إِذْنٌ بِتَوْبَةِ عَبْدهِ وَقَبُولُهَا             بَعْدَ المَتَابِ بِمِنَّةِ المَنَّانِ)
    .
    قال محمد خليل هرَّاس في شرحِ هذينِ البيْتَيْنِ: (أمَّا التَّوَّابُ فهو الكثيرُ التَّوْبِ،
    بمعنى: الرُّجوعِ على عبدِه بالمغفرةِ، وقَبولِ التَّوبةِ... وتوبتُه سُبحانَه على عبدِه نوعانِ:
    أحدُهما: أنَّه يُلهِمُ عبدَه التَّوبةَ إليه، ويُوفِّقُه لتحصيلِ شروطِها؛ مِن النَّدمِ، والاستغفارِ، والإقلاعِ عن المعصيةِ، والعزمِ على عدمِ العودِ إليها، واستبدالِها بعمَلِ الصَّالحاتِ.
    والثَّاني: توبتُه على عبدِه بقَبولِها، وإجابتِها، ومَحْوِ الذُّنوبِ بها؛ فإنَّ التَّوبةَ النَّصوحَ تجُبُّ ما قبْلَها) .

    ::  -- الجَبْرُ والجَبَرُوتُ  --   ::


    صِفةٌ ذاتيَّةٌ فِعْليَّةٍ للهِ عزَّ وجلَّ، ثابتةٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، و(الجَبَّارِ) اسمٌ له سُبحانَه وتَعالَى.
    الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
    قولُه تعالى: الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ [الحشر: 23] .

    قال ابنُ جَريرٍ: (قَولُه: الْجَبَّارُ [الحشر: 23]  يعني: المصلِحَ أمورَ خَلْقِه، المُصَرِّفَهم فيما فيه صلاحُهم. وكان قَتادةُ يَقولُ: جَبَرَ خَلْقَه على ما يشاءُ مِن أَمْرِه) .
    وقال السَّعْديُّ: (الجَبَّارُ: هو بمعنى العَلِيِّ الأعلى، وبمعنى القَهَّارِ، وبمعنى الرُّؤوفِ الجابِرِ للقُلوبِ المنكَسِرةِ، وللضَّعيفِ العاجِزِ، ولِمن لاذ به ولجأَ إليه) .

    الدَّليلُ من السُّنَّةِ:
    1- حديثُ عوفِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قُمْتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليلةً، فلمَّا ركَعَ مكَثَ قَدْرَ سورةِ البقَرةِ، يَقولُ في ركوعِه: ((سُبحانَ ذي الجَبُروتِ والمَلكوتِ والكِبْرياءِ والعَظَمةِ )) .
    2- حديثُ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه في الرُّؤيةِ مرفوعًا: ((... قال: فيأتيهم الجبَّارُ في صورةٍ غيرِ صورتِه الَّتي رأَوْه فيها أوَّلَ مرَّةٍ ...)) .
    قال ابنُ قُتَيبةَ: (جَبَروتُه: تجبُّرُه، أي: تعَظُّمُه) .
    وقال الزَّجَّاجُ: (الجَبَّارُ: أصلُ جَبَرَ في الكلامِ إنَّما وُضِع للنَّماءِ والعُلُوِّ، ويقال: جبَرَ اللهُ العَظْمَ: إذا نَمَّاه... واللهُ تعالى عالٍ على خَلْقِه بصِفاتِه العاليةِ وآياتِه القاهِرةِ، وهو المستَحِقُّ للعُلُوِّ والجَبَروتِ تعالى) .
    وقال ابنُ الأنباريِّ: (الجَبَّارُ في كلامِ العَرَبِ: ذو الجَبَريَّةِ، وهو القَهَّارُ) .

    وقال الزَّجَّاجيُّ
    : (الجَبَّارُ والجَبَريَّةُ: العَظَمةُ، يقال: قومٌ فيهم جَبَرَّيةٌ بفتحِ الباءِ: أي: عَظَمةٌ وكِبْرٌ، وقومُ جَبْريَّةٌ بإسكانِ الباء: خِلافُ القَدَريَّةِ. فاللهُ عَزَّ وجَلَّ الجَبَّارُ ذو الجَبَريَّةِ والكبرياءِ والعَظَمةِ،
    وتقولُ العَرَبُ: ناقةٌ جَبَّارةٌ بالهاء: عظيمةٌ سَمينةٌ، وجمعُها جبابيرُ، ونخلةٌ جَبَّارٌ بغيرِ هاء: إذا فاتت الأيدي طُولًا وارتفاعًا، فكأنَّ اشتقاقَ الجَبَّارِ يَصلُحُ أن يكونَ من هذا) .
    وقال الخَطَّابيُّ: (الجَبَّارُ: هو الذي جَبَر الَخْلَق على ما أراد من أَمْرِه ونَهْيِه؛ يقال: جَبَرَه السُّلطانُ وأجبَرَه بالألف. ويقالُ: هو الذي جَبَرَ مفاقِرَ الخَلْقِ وكفاهم أسبابَ المعاشِ والرِّزقِ، ويقالُ: بل الجَبَّارُ: العالي فوقَ خَلْقِه؛ مِن قَولِهم: تَجَّبَر النَّباتُ: إذا علا واكتَهَل.
    ويقالُ للنَّخلةِ التي لا تنالُها اليَدُ طُولًا: الجَبَّارةُ. ويقال: جَبَّارٌ بيِّنُ الجَبَريَّةِ، والجَبَرُوَّةِ والجَبَروتِ) .

    وقال البَيهقيُّ: (الجَبَّارُ: هو الذي لا تنالُه الأيدي،
    ولا يجري في مُلكِه غيرُ ما أراد، وهو من الصِّفاتِ التي يَستحِقُّها بذاتِه، وقيل: هو الذي جَبَر الخَلْقَ على ما أراد، وقيل: هو الذي جَبَرَ مفاقِرَ الخَلْقِ، وهو على هذا المعنى من صِفاتِ فِعْلِه) .
    وقال ابنُ سِيْدَهْ: (الجَبَّارُ: تأويلُه الذي جَبَرَ الخَلْقَ على ما أراد مِن أمْرِه، وقيل: الجَبَّارُ: العَظيمُ الشَّأنِ في المُلْكِ والسُّلطانِ، ولا يَستحِقُّ أن يُوصَفَ به على هذا الإطلاقِ إلَّا اللهُ تعالى؛ فإنْ وُصِف به العبدُ فإنَّما هو على وَضْعِ نَفْسِه في غيرِ مَوضِعِها، وهو ذَمٌّ على هذا المعنى) .
    وقال ابنُ القيِّمِ:
    (وَكَذَلِكَ الجَبَّارُ مِن أَوْصَافِهِ                 وَالْجَبْرُ فِي أَوْصَافِهِ نوعانِ
    جَبْرُ الضَّعِيفِ وكُلُّ قَلْبٍ قَدْ غَدَا            ذَا كَسْرَةٍ فَالجَبْرُ مِنْهُ دَانِ
    والثَّانِ جَبْرُ القَهْرِ بِالعِزِّ الَّذِي               لا يَنْبَغِي لِسِوَاهُ مِنْ إِنْسَانِ
    وَلَهُ مُسَمًّى ثَالِثٌ وَهْوَ العُلُــــ                 ـوُّ فَلَيْسَ يَدْنُو مِنْهُ مِنْ إِنْسَانِ
    )
    قال محمد خليل هرَّاس في شرحِه لهذه الأبياتِ: (ذكَرَ المؤلِّفُ هنا لاسمِه الجبَّارِ ثلاثةَ مَعانٍ، كلُّها داخلةٌ فيه، بحيث يصِحُّ إرادتُها منه:
    أحدُها: أنَّه الَّذي يجبُرُ ضعفَ الضُّعفاءِ مِن عبادِه، ويجبُرُ كَسْرَ القلوبِ المنكسرةِ مِن أجلِه، الخاضعةِ لعظَمتِه وجلالِه؛ فكم جبَرَ سُبحانَه مِن كَسيرٍ، وأغنَى مِن فقيرٍ، وأعزَّ مِن ذَليلٍ، وأزال مِن شدَّةٍ، ويسَّرَ مِن عَسيرٍ! وكم جبَرَ مِن مُصابٍ، فوفَّقَه للثَّباتِ والصَّبرِ، وأعاضه مِن مُصابِه أعظَمَ الأجرِ! فحقيقةُ هذا الجَبْرِ هو إصلاحُ حالِ العبدِ بتخليصِه مِن شِدَّتِه، ودَفْعِ المَكارِهِ عنه.
    المعنى الثَّاني: أنَّه القهَّارُ، دانَ كُلُّ شيءٍ لعظَمتِه، وخضَعَ كُلُّ مخلوقٍ لجَبُروتِه وعزَّتِه؛ فهو يُجْبِرُ عبادَه على ما أراد ممَّا اقتضَتْه حِكمتُه ومَشيئتُه، فلا يستطيعون الفَكاكَ منه.
    والثَّالثُ: أنَّه العَليُّ بذاتِه فوقَ جميعِ خَلْقِه؛ فلا يستطيعُ أحَدٌ منهم أن يدنُوَ منه) .
    وأكَّدَ هذه المعانيَ السَّعْديُّ، فقال: (الجَبَّارُ الذي قَهَر جميعَ العبادِ، وأذعَنَ له سائِرُ الخَلْقِ، الذي يَجبُرُ الكسيرَ، ويُغني الفَقيرَ) .
    -----------------------------------------------------------------------
    التالي  : -
    -
    :: --    الجَلَالُ  --   ::

    -
    وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

      مواضيع مماثلة

      -
      »  المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ : قواعِدُ في صِفاتِ اللهِ تعالى : إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه في كتابِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم
      » المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالأسماءِ الحُسْنى :قواعِدُ في أسْماءِ اللهِ تعالى :من قواعِدِ أسْماءِ اللهِ أنَّ أسماءَه كُلَّها حُسْنى : أسْماءُ اللهِ الحُسْنى : أدِلَّةُ تفاضُلِ أسْماءِ اللهِ :وجوهُ تفاضُلِ أسماءِ اللهِ :
      » الشَّهادتانِ - شهادةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ - شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ - معنى الشَهادةِ -فَضائِلُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ- شُروطِ لا إلهَ إلَّا الله مَراتِبُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ -
      » أحكامُ توحيدِ الأسماءِ والصِّفاتِ :: أحكامٌ مُتعَلِّقةٌ بالوَصفِ والتَّسميةِ والإخبارِ عن اللهِ :حُكمُ اشتقاقِ المصدَرِ والفِعلِ والإخبارِ بهما عن اللهِ.: حُكمُ اشتِقاقِ أسماءٍ وصِفاتٍ للهِ مِن أفعالِه المقيَّدةِ.
      » الإيمانُ باللهِ: (توحيدُ الرُّبوبيَّةِ، والأُلُوهيَّةِ، والأسماءِ والصِّفاتِ) الإيمانِ بوُجودِ اللهِ تعالى وأقسامِ التَّوحيدِ - توحيدُ الرُّبوبيَّةِ - توحيدُ الأُلوهيَّةِ - توحيدُ الأسماءِ والصِّفاتِ

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد نوفمبر 24, 2024 11:17 am