يُمكِنُ تقسيمُ صِفاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ إلى ثلاثةِ أقسامٍ :
أوَّلًا: باعتبارِ إثباتِها ونَفْيِها.
ثانيًا: باعتبارِ تعلُّقِها بذاتِ اللهِ وأفعالِه.
ثالثًا: باعتبارِ ثُبوتِها وأدلَّتِها.
وكلُّ قسمٍ مِن هذه الأقسامِ الثَّلاثةِ ينقسِمُ إلى نوعينِ:
أولًا: باعتبارِ إثباتِها ونَفْيِها
أ - صِفاتٌ ثُبوتيَّةٌ:
هي ما أثبَتَه اللهُ سُبحانَه وتعالى لنَفْسِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ كالاستواءِ، والنُّزولِ، والوجهِ، واليَدِ، وكلُّها صِفاتُ مَدْحٍ وكَمالٍ، وهي أغلَبُ الصِّفاتِ المنصوصِ عليها في الكِتابِ والسُّنَّةِ، ويجبُ إثباتُها.
قال عبدُ العزيز الكنانيُّ: (إنَّ على النَّاسِ كُلِّهم جميعًا أن يُثبِتوا ما أثبت اللهُ، ويَنفُوا ما نفى الله، ويُمسِكوا عمَّا أمسك اللهُ عنه) .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (الرَّبُّ تعالى موصوفٌ بالصِّفاتِ الثُّبوتيَّةِ المُتَضَمِّنةِ لكَمالِه) .
ب- صِفاتٌ سَلبيَّةٌ (مَنفيَّةٌ):
هي ما نفاه اللهُ عن نَفْسه، أو نفاه عنه رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكلُّها صِفاتُ نَقْصٍ؛ كالموتِ، والسِّنَةِ، والنَّومِ، والظُّلمِ...
وغالبًا تأتي في الكِتاب أو السُّنَّة مسبوقةً بأداةِ نَفْيٍ، مِثلُ: (لا)، و(ما)، و(ليس)، وهذه تُنفَى عنِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ويُثبَتُ ضِدُّها مِن الكَمالِ.
قال ابنُ تَيميَّةَ: (اللهُ موصوفٌ بصِفاتِ الكَمالِ الثُّبوتيَّةِ، كالحياةِ، والعِلْمِ، والقُدرةِ، فيَلزَمُ من ثُبوتِها سَلبُ صِفاتِ النَّقصِ، وهو سُبحانَه لا يُمدَحُ بالصِّفاتِ السَّلبيَّةِ إلَّا لتضَمُّنِها المعانيَ الثُّبوتيَّةَ، فإنَّ العَدَمَ المحْضَ والسَّلْبَ الصِّرْفَ لا مَدْحَ فيه ولا كَمالَ؛ إذ كان المعدومُ يُوصَفُ بالعَدَمِ المحْضِ، والعَدَمُ نَفيٌ مَحْضٌ لا كَمالَ فيه، إنَّما الكَمالُ في الوُجودِ.
ولهذا جاء كتابُ اللهِ تعالى على هذا الوَجهِ، فيَصِفُ سُبحانَه نَفْسَه بالصِّفاتِ الثُّبوتيَّةِ؛ صِفاتِ الكَمالِ، وبصِفاتِ السَّلبِ المُتَضَمِّنةِ للثُّبوتِ، كقَولِه: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة: 255] ،
فنَفيُ أخذِ السِّنَةِ والنَّومِ يَتضَمَّنُ كَمالَ حياتِه وقَيُّومِيَّتِه؛ إذ النَّومُ أخو الموتِ؛ ولهذا كان أهلُ الجَنَّةِ لا ينامونَ، مع كَمالِ الرَّاحةِ،
كما لا يموتونَ. والقَيُّومُ: القائِمُ المُقيمُ لِما سِواه، فلو جُعِلَت له سِنَةٌ أو نومٌ، لنقَصَت حياتُه وقَيُّوميَّتُه، فلم يكُنْ قائِمًا، ولا قيُّومًا) .
وقال ابنُ عَرَفةَ المالكيُّ: (إنَّ الصِّفاتِ قِسمان: ثبوتيَّةٌ وسَلبيَّةٌ، والصِّفاتُ السَّلبيَّةُ أسهَلُ من الصِّفاتِ الثبوتيَّةِ، ولأجْلِ هذا لم يخالِفْ أحدٌ في السَّلبيَّةِ، واختلفوا في الثُّبوتيَّة؛ فأنكرها المعتَزِلةُ، وأثبتها أهلُ السُّنَّةِ) .
وقال محمود الألوسي في تفسيرِ سورةِ الإخلاصِ: (ذكَرَ بَعضُهم أنَّ الاسمَ الجليلَ اللَّهُ يدُلُّ على جميعِ صِفاتِ الكَمالِ، وهي الصِّفاتُ الثبوتيَّةُ، ويقالُ لها صفاتُ الإكرامِ أيضًا، والأحَدُ يدُلُّ على جميعِ صفاتِ الجَلالِ، وهي الصِّفاتُ السَّلبيَّةُ) .
وقال ابنُ عُثَيمين: (الصِّفاتُ قِسمانِ:
1 - صِفاتٌ مُثبَتةٌ: وتُسَمَّى عندهم: الصِّفاتِ الثُّبوتيَّةَ.
2 - وصِفاتٌ مُنفيَّةٌ: ويُسَمُّونَها: الصِّفاتِ السَّلبيَّةَ، من السَّلبِ، وهو النَّفيُ، ولا حَرَجَ من أن نسَمِّيَها سَلبيَّةً، وإن كان بعضُ النَّاسِ توقَّفَ، وقال: لا نُسَمِّيها سَلبيَّةً، بل نقولُ: مَنفيَّةٌ.
فنقولُ: ما دام السَّلبُ في اللُّغةِ بمعنى النَّفيِ، فالاختِلافُ في اللَّفظِ، ولا يَضُرُّ) .
ثانيًا: باعتبارِ تعلُّقِها بذاتِ اللهِ وأفعالِه
أ - صِفاتٌ ذاتِيَّةٌ:
هي الَّتي لم يَزَلْ ولا يَزالُ اللهُ متَّصِفًا بها؛ كالعِلمِ، والقُدرةِ، والحياةِ، والوَجْهِ، واليدينِ.
قال الطحاوي: (ما زال بصِفاتِه قديمًا قَبلَ خَلْقِه، لم يَزدَدْ بكَونهِم شيئًا لم يكُنْ قَبْلَهم مِن صِفاتِه، وكما كان بصِفاتِه أزَلِيًّا كذلك لا يَزالُ عليها أبدِيًّا، ليس بعد خَلْقِ الخَلقِ استفادَ اسمَ الخالِقِ، ولا بإحداثِ البَريَّةِ استفادَ اسمَ الباري) .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (الرَّبُّ تعالى لم يَزَلْ ولا يَزالُ موصوفًا بصِفاتِ الكَمالِ، مَنعوتًا بنُعوتِ الجَلالِ والإكرامِ، وكَمالُه مِن لوازمِ ذاتِه، فيمتَنِعُ أن يَزولَ عنه شيءٌ من صِفاتِ كَمالِه، ويمتَنِعُ أن يصيرَ ناقصًا بعد كَمالِه. وهذا الأصلُ عليه قَولُ السَّلَفِ وأهلِ السُّنَّةِ: أنَّه لم يَزَلْ متكَلِّمًا إذا شاء، ولم يَزَلْ قادِرًا، ولم يَزَلْ موصوفًا بصِفاتِ الكَمالِ، ولا يزالُ كذلك، فلا يكونُ متغَيِّرًا) .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (لا رَيبَ أنَّ اللهَ تبارك وتعالى لم يَزَلْ ولا يَزالُ موصوفًا بصِفاتِ الكَمالِ المشتَقَّةِ أسماؤُه منها، فلم يَزَلْ بأسمائِه وصِفاتِه، وهو إلهٌ واحِدٌ، له الأسماءُ الحُسْنى والصِّفاتُ العُلا، وأسماؤُه وصِفاتُه داخِلةٌ في مُسَمَّى اسمِه، وإن كان لا يُطلَقُ على الصِّفةِ أنَّها إلهٌ يَخلُقُ ويَرزُقُ، فليست صِفاتُه وأسماؤُه غَيرَه، وليست هي نَفْسَ الإلهِ،
وبَلاءُ القَومِ مِن لَفظةِ الغَيرِ؛ فإنَّه يُرادُ بها مَعنَيَينِ؛ أحدُهما: المغايِرُ لتلك الذَّاتِ المسَمَّاةِ باللهِ، وكُلُّ ما غايَرَ اللهَ مُغايرةً مَحْضةً بهذا الاعتبارِ فلا يكونُ إلَّا مخلوقًا. ويُرادُ به مُغايرةُ الصِّفةِ للذَّاتِ إذا خرَجَت عنها،
فإذا قيل: عِلمُ اللهِ وكلامُ اللهِ غَيرُه، بمعنى: أنَّه غيرُ الذَّاتِ المجَرَّدةِ عن العِلْمِ والكلامِ؛
كان المعنى صحيحًا، ولكِنَّ الإطلاقَ باطِلٌ، وإذا أُريدَ أنَّ العِلْمَ والكلامَ مُغايِرٌ لحقيقتِه المختَصَّةِ التي امتاز بها عن غَيرِه، كان باطِلًا لفظًا ومعنًى) .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (هو الإلهُ الحَقُّ الكامِلُ في أسمائِه وصِفاتِه، الغَنيُّ عمَّا سِواه، الحميدُ المجيدُ بذاتِه قبل أن يَخلُقَ مَن يَحمَدُه ويَعبُدُه ويُمَجِّدُه، فهو معبودٌ محمودٌ حيٌّ قيُّومٌ، له المُلكُ وله الحمدُ في الأَزَلِ والأَبَدِ، لم يَزَلْ ولا يزالُ موصوفًا بصِفاتِ الجَلالِ، مَنعوتًا بنعوتِ الكَمالِ، وكُلُّ شَيءٍ سِواه فإنَّما كان به، وهو تعالى بنَفْسِه ليس بغَيرِه، فهو القيُّومُ الذي قيامُ كُلِّ شَيءٍ به، ولا حاجةَ به في قيوميَّتِه إلى غيرِه بوَجهٍ مِن الوجوهِ) .
وقال ابنُ أبي العِزِّ: (اللهُ سُبحانَه وتعالى لم يَزَلْ متَّصِفًا بصِفاتِ الكَمالِ: صِفاتِ الذَّاتِ وصِفاتِ الفِعْلِ، ولا يجوزُ أن يُعتَقَدَ أنَّ اللهَ وُصِفَ بصفةٍ بعد أنْ لم يكُنْ متَّصِفًا بها؛ لأنَّ صِفاتِه سُبحانَه صِفاتُ كَمالٍ، وفَقْدُها صِفةُ نَقصٍ، ولا يجوزُ أن يكونَ قد حَصَل له الكَمالُ بعد أن كان متَّصِفًا بضِدِّه، ولا يَرِدُ على هذه صِفاتُ الفِعلِ والصِّفاتُ الاختياريَّةُ ونحوُها، كالخَلْقِ والتَّصويرِ، والإماتةِ والإحياءِ، والقَبضِ والبَسْطِ والطَّيِّ، والاستواءِ والإتيانِ والمجيءِ، والنُّزولِ، والغَضَبِ والرِّضا، ونحوِ ذلك مِمَّا وَصَف به نَفْسَه ووَصَفه به رَسولُه، وإن كُنَّا لا نُدرِكُ كُنْهَه وحقيقتَه التي هي تأويلُه، ولا ندخُلُ في ذلك متأوِّلينَ بآرائِنا، ولا متوَهِّمينَ بأهوائِنا، ولكِنَّ أصلَ معناه مَعْلُومٌ لنا،
كما قال الإمامُ مالِكٌ رَضِيَ اللهُ عنه لَمَّا سُئِلَ عن قَولِه تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: 54] : كيف استوى؟ فقال: الاستواءُ مَعْلُومٌ، والكيفُ مَجهولٌ. وإن كانت هذه الأحوالُ تحدُثُ في وقتٍ دونَ وَقتٍ،
كما في حديثِ الشَّفاعةِ: ((إنَّ رَبِّي قد غَضِبَ اليومَ غَضَبًا لم يَغضَبْ قَبْلَه مِثْلَه، ولن يَغضَبَ بَعْدَه مِثْلَه ))؛ لأنَّ هذا الحُدوثَ بهذا الاعتبارِ غيرُ ممتَنِعٍ، ولا يُطلَقُ عليه أنَّه حَدَث بعد أن لم يكُنْ، ألا ترى أنَّ من تكَلَّم اليَومَ وكان متكَلِّمًا بالأمسِ، لا يقالُ: إنَّه حَدَث له الكلامُ. ولو كان غيرَ مُتكَلِّمٍ لآفةٍ، كالصِّغَرِ والخَرَسِ، ثمَّ تكَلَّمَ، يُقالُ: حَدَث له الكلامُ؛ فالسَّاكِتُ لغيرِ آفةٍ يُسَمَّى مُتكَلِّمًا بالقُوَّةِ، بمعنى أنَّه يتكَلَّمُ إذا شاء، وفي حالِ تكَلُّمِه يُسَمَّى متكَلِّمًا بالفِعلِ، وكذلك الكاتِبُ في حالِ الكِتابةِ هو كاتِبٌ بالفِعلِ، ولا يخرجُ عن كَونِه كاتِبًا في حالِ عَدَمِ مُباشَرتِه للكِتابةِ.
وحُلولُ الحوادثِ بالرَّبِّ تعالى، المنفيُّ في عِلمِ الكلامِ المذمومِ، لم يَرِدْ نَفيُه ولا إثباتُه في كتابٍ ولا سُنَّةٍ، وفيه إجمالٌ؛
فإن أريدَ بالنَّفيِ أنَّه سُبحانَه لا يَحُلُّ في ذاتِه المقدَّسةِ شَيءٌ مِن مخلوقاتِه المُحْدَثةِ، أو لا يَحدُثُ له وَصفٌ متجَدِّدٌ لم يكُنْ؛ فهذا نفيٌ صَحيحٌ. وإن أريدَ به نَفيُ الصِّفاتِ الاختياريَّةِ، مِن أنَّه لا يَفعَلُ ما يريدُ، ولا يتكَلَّمُ بما شاء إذا شاء، ولا أنَّه يَغضَبُ ويرضى لا كأحَدٍ مِنَ الوَرَى، ولا يُوصَفُ بما وَصَف به نَفْسَه من النُّزولِ والاستواءِ والإتيانِ، كما يَليقُ بجلالِه وعَظَمتِه؛ فهذا نَفيٌ باطِلٌ.
وأهلُ الكَلامِ المذمومِ يُطلِقونَ نَفيَ حُلولِ الحوادِثِ، فيُسَلِّمُ السُّنِّيُّ للمتكَلِّمِ ذلك، على ظَنِّ أنَّه نفى عنه سُبحانَه ما لا يَليقُ بجلالِه، فإذا سَلَّم له هذا النَّفيَ ألزَمَه نَفيَ الصِّفاتِ الاختياريَّةِ وصِفاتِ الفِعلِ، وهو لازمٌ له، وإنَّما أُتِيَ السُّنِّيُّ مِن تسليمِ هذا النَّفيِ المُجمَلِ، وإلَّا فلو استفسَرَ واستَفصَلَ لم ينقَطِعْ معه.
وكذلك مسألةُ الصِّفةِ: هل هي زائدةٌ على الذَّاتِ أم لا؟ لفظُها مُجْمَلٌ...
والتَّحقيقُ: أن يُفَرَّقَ بين قَولِ القائِلِ: الصِّفاتُ غيرُ الذَّاتِ، وبين قَولِه: صِفاتُ اللهِ غيرُ اللهِ؛ فإنَّ الثَّانيَ باطِلٌ؛ لأنَّ مُسَمَّى اللهِ يدخُلُ فيه صِفتُه، بخِلافِ مُسَمَّى الذَّاتِ؛ فإنَّه لا يدخُلُ فيه الصِّفاتُ؛ لأنَّ المرادَ أنَّ الصِّفاتِ زائدةٌ على ما أثبَتَه المثبِتونَ مِنَ الذَّاتِ، واللهُ تعالى هو الموصوفُ بالذَّاتِ الموصوفةِ بصِفاتِه اللَّازِمةِ) .
فاللهُ تعالى لم يَزَلْ له يدانِ ووَجهٌ وعَينانِ، لم يَحدُثْ له شَيءٌ من ذلك بعد أنْ لم يكُنْ، ولن ينفَكَّ عن شَيءٍ منه، كما أنَّ اللهَ لم يَزَلْ حَيًّا ولا يزالُ حَيًّا، لم يَزَلْ عالِمًا ولا يزالُ عالِمًا، ولم يَزَل قادِرًا ولا يزالُ قادِرًا، وهكذا، فهو موصوفٌ بذلك أزَلًا وأبَدًا، وتجَدُّدُ المسموعِ لا يَستلزِمُ تجَدُّدَ السَّمعِ، فالإنسانُ مثلًا عندما يَسمَعُ الأذانَ الآن فهذا ليس معناه أنَّه حَدَث له سَمعٌ جديدٌ عند سماعِ الأذانِ، بل سَمْعُه موجودٌ منذ خَلَقَه اللهُ، ولكِنَّ الأشياءَ المسموعةَ هي التي تحدُثُ وتتجَدَّدُ .
ب- صِفاتٌ فِعليَّةٌ:
هي الصِّفاتُ المُتعلِّقةُ بمشيئةِ اللهِ وقُدرتِه؛ إنْ شاء فعَلَ، وإنْ شاء لم يفعَلْ؛ كالمَجيءِ، والنُّزولِ، والغضَبِ، والفَرَحِ، والضَّحِكِ.
قال الباقِلَّاني: (بابُ تفصيلِ صِفاتِ الذَّاتِ مِن صِفاتِ الأفعالِ؛ فإن قال قائلٌ: ففَصِّلوا لي صفاتِ ذاتِه من صِفاتِ أفعالِه؛ لأعرِفَ ذلك.
قيل له: صفاتُ ذاتِه هي: التي لم يَزَلْ ولا يزالُ موصوفًا بها، وهي: الحياةُ، والعِلمُ، والقُدرةُ، والسَّمعُ، والبَصَرُ، والكلامُ، والإرادةُ، والبقاءُ، والوَجهُ، والعينانِ، واليَدانِ...
وصفاتُ فِعْلِه هي: الخَلقُ، والرِّزقُ، والعَدلُ، والإحسانُ، والتفَضُّلُ، والإنعامُ، والثَّوابُ، والعِقابُ، والحَشرُ، والنَّشرُ، وكُلُّ صِفةٍ كان موجودًا قبل فِعْلِه لها) .
وقال البيهقيُّ: (بابٌ: بيانُ صِفةِ الذَّاتِ وصِفةِ الفِعلِ؛ قال اللهُ جَلَّ ثناؤُه: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم [الحشر: 22 - 24] ،
فأشار في هذه الآياتِ إلى فَصلِ أسماءِ الذَّاتِ من أسماءِ الفِعلِ على ما نُبَيِّنهُ، إلى سائِرِ ما ذَكَر في كتابِه من أسماءِ الذَّاتِ وأسماءِ الفِعلِ؛ فلله -عزَّ اسمُه- أسماءٌ وصِفاتٌ، وأسماؤُه صِفاتُه، وصِفاتُه أوصافُه، وهي على قِسمَينِ: أحَدُهما صِفاتُ ذاتٍ، والآخَرُ صِفاتُ فِعلٍ) .
وقال الرازي: (النَّوعُ الثَّالِثُ في تقسيمِ أسماءِ اللهِ: أنَّ صِفاتِ اللهِ تعالى إمَّا أن تكونَ ذاتيَّةً، أو معنويَّةً، أو كانت من صفاتِ الأفعالِ) .
وقال ابنُ حَجَرٍ: (قال ابنُ بَطَّال: أسماءُ اللهِ تعالى على ثلاثةِ أضرُبٍ؛ أحَدُها: يرجِعُ إلى ذاتِه، وهو اللهُ، والثاني: يرجِعُ إلى صفةٍ قائمةٍ به كالحَيِّ، والثالثُ: يرجِعُ إلى فِعْلِه كالخالِقِ، وطريقُ إثباتِها السَّمعُ، والفَرقُ بين صِفاتِ الذَّاتِ وصِفاتِ الفِعلِ أنَّ صِفاتِ الذَّاتِ قائِمةٌ به، وصفاتِ الفِعلِ ثابتةٌ له بالقُدرةِ، ووجودِ المفعولِ بإرادتِه جَلَّ وعلا) .
وقال علي القاري: (هو مَولانا، نِعْمَ المَولى، ونِعْمَ النَّصيرُ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ، وهو متَّصِفٌ بأوصافِ الكَمالِ مِن نُعوتِ الجَلالِ وصِفاتِ الجَمالِ الذَّاتيَّةِ والأفعاليَّةِ، والثبوتيَّة والسَّلبيَّة، فهو كما أنَّه موصوفٌ بأوصافِ الكَمالِ مُنَزَّهٌ عن صفاتِ النُّقصانِ والزَّوالِ) .
وقال ابنُ عُثَيمين: (الصِّفاتُ الثُّبوتيَّةُ تَنقَسِمُ إلى قِسمَينِ: ذاتيَّةٍ، وفِعليَّةٍ.
فالذاتيَّةُ: هي التي لم يَزَلْ ولا يزالُ متَّصِفًا بها؛ كالعِلْمِ، والقُدرةِ، والسَّمعِ، والبَصَرِ، والعِزَّةِ، والحِكمةِ، والعُلُوِّ، والعَظَمةِ. ومنها الصِّفاتُ الخَبَريَّةُ: كالوَجهِ واليَدَينِ والعَينَينِ.
والفِعليَّةُ: هي التي تتعَلَّقُ بمشيئتِه؛ إن شاء فعَلَها، وإن شاء لم يفعَلْها، كالاستواءِ على العَرْشِ، والنُّزولِ إلى السَّماءِ الدُّنيا) .
وأفعالُه سُبحانَه وتعالى نوعانِ:
1- لازمةٌ: كالاستواءِ، والنُّزولِ، والإتيان.
2- مُتعدِّيَةٌ:كالخَلْقِ، والإعطاءِ.
وأفعالُه سُبحانَه وتعالى لا مُنتهَى لها، وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم: 27] ، ومِن ثَمَّ فصِفاتُ اللهِ الفِعليَّةُ لا حَصْرَ لها.
قال ابنُ تَيميَّةَ: (مِن أعظَمِ الأُصولِ مَعرِفةُ الإنسانِ بما نَعَت اللهُ به نَفْسَه؛ منه الصِّفاتُ الفِعليَّةُ كقَولِه في هذه السُّورةِ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ [العلق: 2] ، و«الخَلْقُ» مذكورٌ في مواضِعَ كثيرةٍ، وكذلك غيرُه مِن الأفعالِ،
وهو نوعانِ: فعلٌ متعَدٍّ إلى مفعولٍ به؛ مِثلُ «خَلَقَ»؛ فإنَّه يقتضي مخلوقًا، وكذلك «رَزقَ»، كقَولِه: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ [الروم: 40] ،
وكذلك الهُدى والإضلالُ والتعليمُ والبَعثُ والإرسالُ والتكليمُ، وكذلك ما أخبَرَ به مِن قَولِه: فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ، فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ [فصلت: 12] ،
وقَولِه: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ [الذاريات: 47]،
وقَولِه: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ [البقرة: 22] ،
وقَولِه في الآيةِ الأخرى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ [غافر: 64] ،
وهذا في القُرآنِ كثيرٌ جِدًّا. والأفعالُ اللَّازِمةُ، كقَولِه: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [فصلت: 11] ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: 54] ،
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ [البقرة: 210] ،
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام: 158] ، وقوله: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] ) .
وقال السَّعْديُّ: (يَصِفونَه بما وَصَف به نَفْسَه، ووصَفَه به رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن الصِّفاتِ الذَّاتيَّةِ؛ كالحياةِ الكامِلةِ، والسَّمعِ والبَصَرِ، وكَمالِ القُدرةِ، والعَظمةِ والكِبرياءِ، والمجْدِ والجَلالِ والجَمالِ، والحَمدِ المُطلَقِ، ومن صِفاتِ الأفعالِ المتعَلِّقةِ بمَشيئتِه وقُدرتِه؛ كالرَّحمةِ، والرِّضا، والسَّخَطِ، والكَلامِ، وأنَّه يتكَلَّمُ بما يشاء كيف يَشاءُ، وكَلِماتُه لا تنفَدُ، ولا تَبِيدُ) .
والصِّفاتُ الفِعليَّةُ مِن حيثُ قيامُها بالذَّاتِ تُسمَّى: صِفاتِ ذاتٍ، ومِن حيث تعلُّقُها بما ينشَأُ عنها مِن الأقوالِ والأفعالِ تُسمَّى: صِفاتِ أفعالٍ، ومِن أمثلةِ ذلك: صفةُ الكلامِ؛ فكلامُ اللهِ عزَّ وجلَّ باعتبارِ أصلِه ونوعِه: صفةُ ذاتٍ، وباعتبارِ آحادِ الكلامِ وأفرادِه: صفةُ فِعلٍ .
ثالثًا: باعتبارِ ثُبوتِها وأدلَّتِها:
أ - صِفاتٌ خَبَريَّةٌ:
هي الصِّفاتُ الَّتي لا سبيلَ إلى إثباتِها إلَّا السَّمعُ والخبَرُ عنِ اللهِ، أو عن رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتُسمَّى: (صِفاتٍ سَمعيَّةً أو نَقليَّةً)، وقد تكونُ ذاتِيَّةً؛ كالوجهِ، واليدَينِ، وقد تكونُ فِعليَّةً؛ كالفرَحِ، والضَّحِكِ.
قال ابنُ عُثَيمين: (الصِّفاتُ الخَبَريَّةُ: هي التي نعتَمِدُ فيها على مجَرَّدِ الخبَرِ، وليست من المعاني المعقولةِ، بل هي من الأمورِ المدرَكةِ بالسَّمعِ المجَرَّدِ فقط، ونظيرُها أو نظيرُ مُسَمَّاها بالنِّسبةِ إلينا أبعاضٌ وأجزاءٌ؛ مِثلُ اليَدِ، والوَجهِ، والعَينِ، والقَدَمِ، والإِصبَعِ، فهذه نُسَمِّيها الصِّفاتِ الخَبَريَّةَ؛ لأنَّها ليست معنًى من المعاني، فاليَدُ غيرُ القُوَّةِ؛ القُوَّةُ معنًى، واليَدُ صِفةٌ مِن نوعٍ آخَرَ، مُسَمَّاها بالنِّسبةِ إلينا أبعاضٌ وأجزاءٌ، فاليَدُ بَعضٌ مِنَّا أو جزءٌ مِنَّا، والوَجهُ كذلك، والعَينُ كذلك.
ولكِنْ بالنِّسبةِ للهِ لا نَقولُ: إنَّها جزءٌ أو بعضٌ؛ لأنَّ البَعضيَّةَ والجُزئيَّةَ لم تَرِدْ بالنِّسبةِ إلى اللهِ لا نفيًا ولا إثباتًا) .
ب - صِفاتٌ سمعيَّةٌ عقليَّةٌ:
هي الصِّفاتُ الَّتي يَشترِكُ في إثباتِها الدَّليلُ السَّمعيُّ (النَّقليُّ)، والدَّليلُ العقليُّ، وقد تكونُ ذاتيَّةً؛ كالحياةِ، والعِلمِ، والقُدرةِ، وقد تكونُ فِعليَّةً؛ كالخَلْقِ، والإعطاءِ.
قال ابنُ عُثَيمين: (مِثالُ ذلك: الرَّحمةُ التي أثبَتَها اللهُ تعالى لنَفْسِه في قَولِه: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ [الكهف: 58] ،
وقَولِه: وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس: 107] ؛ فإنَّه يمكِنُ إثباتُها بالعَقلِ، كما دَلَّ عليها السَّمعُ، فيقالُ: الإحسانُ إلى الخَلقِ بما ينفَعُهم ويَدفَعُ عنهم الضَّرَرَ يَدُلُّ على الرَّحمةِ، كدَلالةِ التَّخصيصِ على الإرادةِ، بل هو أبيَنُ وأوضَحُ؛ لظُهورهِ لكُلِّ أحَدٍ) .
: صِفاتُ اللهِ الواردةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ :
أولاً : الصِّفاتُ الثَّابتةُ بالكِتابِ أو السُّنَّةِ :
صِفةٌ ذاتيَّةٌ للهِ عزَّ وجلَّ، وذلِك مِثلُ اسمِه (الآخِر)، وهو ثابتٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
قولُ اللهِ تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد: 3] .
قال ابنُ جريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه: هُوَ الْأَوَّلُ [الحديد: 3] قَبلَ كُلِّ شَيءٍ بغيرِ حَدٍّ، وَالْآخِرُ [الحديد: 3] يقولُ: والآخِرُ بعدَ كُلِّ شَيءٍ بغيرِ نهايةٍ، وإنَّما قيل ذلك كذلك؛ لأنَّه كان ولا شيءَ موجودٌ سِواه، وهو كائِنٌ بعد فَناءِ الأشياءِ كُلِّها،
كما قال جَلَّ ثناؤه: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: 88] .
وقَولُه: وَالظَّاهِرُ [الحديد: 3] يقولُ: وهو الظَّاهِرُ على كُلِّ شَيءٍ دونَه، وهو العالي فوقَ كُلِّ شيءٍ؛ فلا شيءَ أعلى منه وَالْبَاطِنُ [الحديد: 3] يقولُ: وهو الباطِنُ جميعَ الأشياءِ؛
فلا شيءَ أقرَبُ إلى شيءٍ منه، كما قال: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16] ) .
وقال البَغَويُّ: (يعني: هو الأوَّلُ قبل كُلِّ شَيءٍ بلا ابتداءٍ، بل كان هو، ولم يكُنْ شَيءٌ موجودًا، والآخِرُ بعد فَناءِ كُلِّ شَيءٍ، بلا انتهاءٍ، تفنى الأشياءُ ويبقى هو، والظَّاهِرُ: الغالِبُ العالي على كُلِّ شَيءٍ، والباطِنُ: العالِمُ بكُلِّ شَيءٍ) .
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:
حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اللهمَّ ربَّ السَّمواتِ، وربَّ الأرضِ، وربَّ العرشِ العَظيمِ، ربَّنا وربَّ كُلِّ شَيءٍ، فالقَ الحَبِّ والنَّوى، ومُنْزِلَ التَّوراةِ والإنجيلِ والفُرقانِ،
أعوذُ بِكَ مِن شرِّ كُلِّ شَيءٍ أنتَ آخِذٌ بناصيتِه، اللهمَّ أنتَ الْأَوَّلُ فليسَ قَبْلَك شيءٌ، وأنتَ الآخِرُ فليس بعدَك شَيءٌ، وأنتَ الظَّاهرُ فليس فوقَكَ شَيءٌ، وأنتَ الباطنُ فليسَ دُونَك شَيءٌ؛ اقْضِ عنَّا الدَّيْنَ، وأَغِنْنا من الفَقرِ )) .
قال ابنُ باز: (الأوَّلُ والظَّاهِرُ هو اللهُ وَحْدَه سُبحانَه، وهو الذي قَبلَ كُلِّ شَيءٍ وبعد كُلِّ شَيءٍ سُبحانَه وتعالى. وهو الظَّاهِرُ فوقَ جميعِ خَلْقِه، والباقي بَعْدَهم) .
وقال ابنُ عُثَيمين: (من الأسماءِ: الأوَّلُ، والآخِرُ، والظَّاهِرُ، والباطِنُ. ومن الصِّفاتِ: الأوَّلِيَّةُ والآخِريَّةُ، وفيهما الإحاطةُ الزَّمانيَّةُ. والظَّاهريَّةُ والباطنيَّةُ، وفيهما الإحاطةُ المكانيَّةُ) .
صِفَتانِ فِعليَّتانِ ثابِتَتانِ لله عزَّ وجلَّ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، وذكَرَ بَعضُ العُلَماءِ مِن الأسماءِ الحُسنى (المُبدِئَ) و(المُعيدَ)، ولا يَصِحُّ ذلك.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
قولُه تعالَى: إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ [يونس: 4] .
قولُه: اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [الروم: 11] .
قَولُه: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ [البروج: 13] .
قال ابنُ جَريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه: إنَّ رَبَّكم يبدأُ إنشاءَ الخَلْقِ وإحداثَه وإيجادَه، ثمَّ يعيدُه، فيُوجِدُه حَيًّا كهيئتِه يومَ ابتدَأَه بعد فَنائِه وبلائِه) .
وقال السَّمعانيُّ: (قَولُه: قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ [يونس: 34] معناه: يُنشِئُ الخَلْقَ ثم يُعيدُه، ومعنى الإعادةِ: هي الإحياءُ للبَعثِ يومَ القيامةِ) .
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:
حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((قال اللهُ تعالى: يَشتُمُني ابنُ آدَمَ، وما ينبغي له أن يَشتُمَني، ويُكَذِّبُني وما ينبغي له؛ أمَّا شَتْمُه فقَولُه: إنَّ لي ولَدًا، وأمَّا تكذيبُه فقَولُه: ليس يُعيدُني كما بدَأَني )) .
قال الزَّجَّاجُ: (المُبدِي هو الذي ابتدَأَ الأشياءَ كُلَّها لا عن شَيءٍ، فأوجَدَها،
ويقال: بدأ وأبدأ، وهو بادئٌ ومُبدِئٌ... المُعيدُ: هو الذي أعاد الخلائِقَ كُلَّهم ليومِ الحِسابِ كما أبدَأَهم، كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم: 27] ) .
وقال الزَّجَّاجيُّ: (المُبدِئُ المُعيدُ: اللهُ عَزَّ وجَلَّ، كما قال: المبدِئُ المعيدُ، وبارِئُ الخَلْقِ ومُبتَدِئُهم ابتداءً مِن غيرِ أصلٍ، ومُعيدُهم بعد الفَناءِ للبَعثِ، لا شَكَّ في ذلك ولا مِرْيةَ، وقد دَلَّ عليه بضُروبٍ مِنَ الدَّلائِلِ والآياتِ) .
وقال الأزهريُّ: (مِن صِفاتِ اللهِ سُبحانَه وتعالى: المبدئُ المعيدُ: بدأ اللهُ الخَلْقَ أحياءً ثمَّ يميتُهم ثمَّ يحييهم كما كانوا.
قال اللهُ جَلَّ وعَزَّ: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم: 27] ،
وقال: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ [البروج: 13] ، بدأ وأبدأ: بمعنًى واحدٍ) .
وقال الخطَّابيُّ: (المُبدِي المُعيدُ: المبدئُ الذي أبدأ الأشياءَ، أي: ابتدَأَها مختَرِعًا فأوجَدَها عن عَدَمٍ. يقال: بدأ وأبدأ: بمعنًى واحدٍ. والمعيدُ: هو الذي يُعيدُ الخَلْقَ بعد الحياةِ إلى المماتِ،
ثمَّ يُعيدُهم بعد الموتِ إلى الحياةِ، كقَولِه: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة: 28] ،
وكقَولِه تعالى: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ [البروج: 13] ) .
صفتانِ فِعليَّتانِ ثابتتانِ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
1- قَولُه تعالَى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام: 158] .
قال ابنُ جَريرٍ: (يَقولُ جَلَّ ثناؤُه: هل ينتَظِرُ هؤلاء العادِلونَ برَبِّهم الأوثانَ والأصنامَ إلَّا أن تأتيَهم الملائِكةُ بالموتِ، فتَقبِضَ أرواحَهم، أو أن يأتيَهم رَبُّك -يا محمَّدُ- بين خَلْقِه في مَوقِفِ القيامةِ، أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَقولُ: أو أن يأتيَهم بعضُ آياتِ رَبِّك؟ وذلك فيما قال أهلُ التَّأويلِ: طُلوعُ الشَّمسِ مِن مَغرِبِها) .
وقال البَغَويُّ: (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ بلا كيفٍ؛ لفَصلِ القَضاءِ بيْن خَلْقِه في موقِفِ القيامةِ) .
2- قولُه تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ [البقرة: 210] .
قال ابنُ جَريرٍ: (اختُلِفَ في صفةِ إتيانِ الرَّبِّ تبارَك وتعالى، الَّذي ذكَرَه في قَولُه:
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ [البقرة: 210] ؛ فقال بعضُهم: لا صفةَ لذلك غيرُ الَّذي وصَفَ به نفسَه عزَّ وجلَّ مِن المَجيءِ والإتيانِ والنُّزولِ، وغيرُ جائزٍ تكلُّفُ القولِ في ذلك لأحَدٍ إلَّا بخبرٍ مِن اللهِ جلَّ جلالُه، أو مِن رسولٍ مُرسَلٍ؛ فأمَّا القولُ في صِفات اللهِ وأسمائِه فغيرُ جائزٍ لأحَدٍ مِن جهةِ الاستخراجِ إلَّا بما ذكَرْنا، وقال آخَرون:...)، ثم رجَّحَ القولَ الأوَّلَ .
وقال البَغَويُّ: (قَولُه تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ أي: هل ينتَظِرُ التَّاركونَ الدُّخولَ في السِّلمِ، والمتَّبِعونَ خُطُواتِ الشَّيطانِ، يقالُ: نَظَرْتُه وانتظَرْتُه: بمعنًى واحٍد، فإذا كان النَّظَرُ مقرونًا بذِكرِ الوَجهِ أو إلى، لم يكُنْ إلَّا بمعنى الرُّؤيةِ، إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ جمعُ ظُلَّةٍ، مِنَ الْغَمَامِ وهو السَّحابُ الأبيضُ الرَّقيقُ، سُمِّيَ غمامًا؛ لأنَّه يَغُمُّ، أي: يَسْتُرُ،...
وَالْمَلَائِكَةُ قرأ أبو جَعفَرٍ بالخَفْضِ عَطفًا على "الغمامِ"، تقديرُه: مع الملائكةِ،
تقولُ العَرَبُ: أقبَلَ الأميرُ في العَسكَرِ، أي: مع العَسكَرِ، وقرأ الباقون بالرَّفعِ، على معنى: إلَّا أن يأتيَهم اللهُ والملائِكةُ في ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ، والأَولى في هذه الآيةِ وما شاكَلَها أن يؤمِنَ الإنسانُ بظاهِرِها، ويَكِلَ عِلْمَها إلى اللهِ تعالى، ويعتَقِدَ أنَّ اللهَ عزَّ اسمُه مُنَزَّهٌ عن سماتِ الحُدوثِ. على ذلك مَضَت أئِمَّةُ السَّلَفِ وعُلَماءُ السُّنَّةِ،
قال الكَلبيُّ: هذا من العِلمِ المكتومِ الذي لا يُفَسَّرُ، واللهُ أعلَمُ بمرادِه منه، وكان مكحولٌ، والزُّهريُّ، والأوزاعيُّ، ومالِكٌ، وابنُ المبارَكِ، وسُفيانُ الثَّوريُّ، واللَّيثُ بنُ سَعدٍ، وأحمدُ، وإسحاقُ؛ يَقولُون فيه وفي أمثالِه: «أَمِرُّوها كما جاءت بلا كيفٍ»،
قال سُفيانُ بنُ عُيَينةَ: كُلُّ ما وَصَف اللهُ به نَفْسَه في كِتابه فتَفسيرُه قراءتُه، والسُّكوتُ عنه، ليس لأحَدٍ أن يُفَسِّرَه إلَّا اللهِ تعالى ورَسولِه) .
وقال الشِّنقيطيُّ: (قَولُه تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ [الأنعام: 158] الآية، ذكَرَ تعالى في هذه الآيةِ الكريمةِ إتيانَ اللهِ جَلَّ وعلا وملائكتِه يومَ القيامةِ،
وذَكَرَ ذلك في موضِعٍ آخَرَ، وزاد فيه أنَّ الملائكةَ يَجيئون صفوفًا، وهو قَولُه تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] ، وذَكَرَه في موضِعٍ آخَرَ، وزاد فيه أنَّه جَلَّ وعلا يأتي في ظُلَلٍ مِنَ الغمامِ،
وهو قَولُه تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ [البقرة: 210] ، ومِثلُ هذا مِن صِفاتِ اللهِ تعالى التي وَصَف بها نَفْسَه يُمَرُّ كما جاء ويُؤمَنُ بها، ويُعتَقَدُ أنَّه حَقٌّ، وأنَّه لا يُشبِهُ شيئًا من صِفاتِ المخلوقينَ) .
الدَّليلُ مِن السُّنَّةِ:
1- حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((... وإنْ تقرَّبَ إليَّ ذِراعًا تقرَّبْتُ إليه باعًا، وإنْ أتاني يمشي أتَيْتُه هَرْولةً )) .
2- حديثُ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه في الرُّؤيةِ: ((... قال: فيأتيه الجبَّارُ في صورةٍ غيرِ صورتِه الَّتي رأَوْه فيها أوَّلَ مرَّةٍ، فيَقولُ: أنا ربُّكم ...)) .
قال حمَّادُ بنُ أبي حنيفة: (قُلْنا لهؤلاء أي: نفاةِ الصِّفاتِ مِن الجَهميَّةِ ونَحوِهم: أرأيتُم قَولَ اللهِ عزَّ وجَلَّ: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] ،
وقَولَه عَزَّ وجَلَّ: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ [البقرة: 210] فهل يجيءُ ربُّنا كما قال؟ وهل يجيءُ الملائكةُ صَفًّا صَفًّا؟
قالوا: أمَّا الملائكةُ فيَجيئون صفًّا صفًّا، وأمَّا الرَّبُّ تعالى فإنَّا لا ندري ما عنى بذلك؟ ولا ندري كيف جِيئتُه؟
فقُلْنا لهم: إنَّا لم نُكَلِّفْكم أن تَعلَموا كيف جيئتُه، ولكِنَّا نُكَلِّفُكم أن تؤمنوا بمجيئِه، أرأيتُم من أنكر أن المَلَكَ لا يجيءُ صفًّا صفًّا، ما هو عندكم؟ قالوا: كافِرٌ مُكَذِّبٌ، قلنا: فكذلك من أنكر أنَّ اللهَ سُبحانَه لا يجيءُ، فهو كافِرٌ مُكَذِّبٌ) .
وقال أبو الحسَنِ الأشعريُّ: (أجمَعوا على أنَّه عزَّ وجلَّ يجيءُ يومَ القيامةِ والمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ...) .
وقال ابنُ أبي زيدٍ القيرواني: (ممَّا أجمعت عليه الأئِمَّةُ مِن أمورِ الدِّيانةِ، ومن السُّنَنِ التي خلافُها بِدعةٌ وضَلالةٌ... أنَّه يجيءُ يومَ القيامةِ بَعْدَ أن لم يكُنْ جائيًا، والمَلَكُ صَفًّا صفًّا؛ لعَرضِ الأُمَمِ وحِسابهِا وعُقوبتِها وثوابِها... وكُلُّ ما قدَّمْنا ذِكْرَه فهو قَولُ أهلِ السُّنَّةِ وأئمَّةِ النَّاسِ في الفِقهِ والحديثِ على ما بيَّنَّاه، وكُلُّه قَولُ مالكٍ؛ فمنه منصوصٌ مِن قَولِه، ومنه معلومٌ مِن مَذهَبِه) .
قال أبو يعلى: (قَولُه: وَجَاءَ رَبُّكَ [الفجر: 22] ، معناه: مجيءُ ذاتِه؛ لأنَّ حَمْلَه على مجيءِ الأمرِ والمَلَكِ يُسقِطُ فائدةَ التَّخصيصِ بذلك اليومِ؛ لأنَّ أَمْرَه سابِقٌ، ولأنَّ هذا يوجِبُ تأويلَ «تَرَونَ رَبَّكم») .
وقال أبو عُثمانَ الصَّابونيُّ: (وكذلك يُثبِتون ما أنزله اللهُ عزَّ اسمُه في كِتابه؛ مِن ذِكرِ المجيءِ والإتيانِ المذكورينِ في قَولِه عزَّ وجَلَّ: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ [البقرة: 210] ، وقَولِه عزَّ اسمهُ: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] ) .
وقد جاءَتْ صِفَتا الإتيانِ والمَجيءِ مُقترنتينِ في حديثٍ واحدٍ، مِن حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: ((إذا تَلقَّاني عبدي بشِبرٍ تَلقَّيْتُه بذِراعٍ، وإذا تَلقَّاني بذِراعٍ تلقَّيْتُه بباعٍ، وإذا تَلقَّاني بباعٍ جِئتُه أتَيْتُه بأسرَعَ)) .
وقال النَّوويُّ: (هكذا هو في أكثَرِ النُّسَخِ: «جِئْتُه أتَيْتُه»، وفي بعضِها «جِئْتُه بأسرَعَ» فقط، وفي بعضِها: «أتَيْتُه»، وهاتانِ ظاهرتانِ، والأوَّلُ صحيحٌ أيضًا، والجمعُ بينهما للتَّوكيدِ، وهو حَسَنٌ، لا سيَّما عند اختلافِ اللَّفظِ، واللهُ أعلَمُ) .
وقال محمد طاهر الفتني: (قَولُه: جِئْتُه أتَيتُه، كُرِّرَا تأكيدًا) .
صفةٌ فِعليَّةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، و(المُجيبُ) اسمٌ مِن أسمائِه تعالى.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ:
1- قولُه تعالى: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ [آل عمران: 195] .
2- قَولُه: إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ [هود: 61] .
3- قَولُه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة: 186] .
قال ابنُ جَريرٍ: (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ [هود: 61] يَقولُ: إنَّ رَبِّي قريبٌ ممَّن أخلَصَ له العبادةَ ورَغِبَ إليه في التَّوبةِ، مجيبٌ له إذا دعاه) .
وقال السَّعْديُّ: (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ [هود: 61] أي: قريبٌ ممَّن دعاه دعاءَ مسألةٍ، أو دُعاءَ عِبادةٍ، يُجيبُه بإعطائِه سُؤلَه، وقَبولِ عِبادتِه، وإثابتِه عليها أجَلَّ الثَّوابِ،
واعلَمْ أنَّ قُربَه تعالى نوعانِ: عامٌّ وخاصٌّ؛ فالقُربُ العامُّ: قُربُه بعِلْمِه من جميعِ الخَلْقِ، وهو المذكورُ في قَولِه تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16] .
والقُربُ الخاصُّ: قُرْبُه من عابِدِيه وسائِلِيه ومُحِبِّيه، وهو المذكورُ في قَولِه تعالى: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق: 19] .
وفي هذه الآيةِ، وفي قَولِه تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ [البقرة: 186] ، وهذا النَّوعُ قُربٌ يقتضي إلطافَه تعالى، وإجابتَه لدعواتِهم، وتحقيقَه لمُراداتِهم؛ ولهذا يُقرَنُ باسمِه «القريبِ» اسمُه «المجيبُ») .
الدَّليلُ مِن السُّنَّةِ:
1- حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يزالُ يُستجابُ للعبدِ -ما لم يَدْعُ بإثمٍ أو قَطيعةِ رحِمٍ- ما لم يَستعجِلْ، قيل: يا رسولَ اللهِ، ما الاستِعجالُ؟ قال: يَقولُ: قد دعَوْتُ وقد دعَوْتُ، فلم أرَ يَستجيبُ لي، فيستحسِرُ عند ذلك، ويَدَعُ الدُّعاءَ )) .
2- حديثُ عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما مرفوعًا: ((... ألَا وإنِّي نُهِيتُ أن أقرَأَ القُرآنَ راكعًا أو ساجدًا؛ فأمَّا الرُّكوعُ فعَظِّموا فيه الرَّبَّ عزَّ وجلَّ، وأمَّا السُّجودُ فاجتَهِدوا في الدُّعاءِ؛ فَقَمِنٌ أن يُستجابَ لكم )) .
قال ابنُ القيِّمِ:(وَهُوَ المُجِيبُ يَقُولُ: مَن يَدْعُو أُجِبْــهُ أَنَا المُجِيبُ لِكُلِّ مَنْ نَادَانِي وَهُوَ المُجِيبُ لِدَعْوَةِ المُضْطَرِّ إذْ يَدْعُوهُ في سِرٍّ وَفِي إِعْلَانِ) .
قال محمد خليل هرَّاس في شرحِ هذه الأبياتِ: (ومِن أسمائِه سُبحانَه: «المُجيبُ»، وهو اسمُ فاعلٍ مِن الإجابةِ، وإجابتُه تعالى نوعانِ: إجابةٌ عامَّةٌ لكلِّ مَن دعاه دعاءَ عبادةٍ، أو دعاءَ مسألةٍ) .
وقال السَّعْديُّ: (مِن آثارِه: الإجابةُ للدَّاعينَ، والإنابةُ للعابدينَ؛ فهو المُجيبُ إجابةً عامَّةً للدَّاعينَ مهمَا كانوا، وأين كانوا، وعلى أيِّ حالٍ كانوا، كما وعَدَهم بهذا الوعدِ المُطلَقِ، وهو المُجيبُ إجابةً خاصَّةً للمُستجيبينَ له، المُنقادينَ لشَرعِه، وهو المُجيبُ أيضًا للمُضْطَرِّينَ، ومَنِ انقطَعَ رجاؤُهم مِن المخلوقينَ، وقوِيَ تعلُّقُهم به طمَعًا ورجاءً وخوفًا) .
وممَّن أَثبَتَ اسمَ (المُجِيب) للهِ عزَّ وجلَّ أيضًا: الخَطَّابيُّ ، وابنُ حزمٍ ، وأبو القاسم الأصبهانيُّ ، وابنُ حَجَر ، وابنُ عُثَيمين وغَيرُهم.
------------------------------------------------------------------------------
التالي : -
-
-
وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا ولا تنسونا من صالح دعائكم
أمس في 2:19 pm من طرف عبدالله الآحد
» فضل توحيد الله سبحانه
الجمعة نوفمبر 22, 2024 3:20 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب الدعوة إلى توحيد الله سبحانه
الخميس نوفمبر 21, 2024 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد