آل راشد



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

آل راشد

آل راشد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
آل راشد

ثقافى-اجتماعى

*** - اللَّهُمَّ اَنَكَ عَفْوٍ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعِفُو عَنَّا - *** - اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك . *** - اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا تَوْبَةً نَصُوحًا قَبْلَ الْمَوْتِ وَ ارْزُقْنَا حُسْنَ الْخَاتِمَةِ . *** -

إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا شَابَتْ عَبِيدَهُمْ.. .. فِي رِقِّهِمْ عَتَقُوهُمْ عِتْقَ أَبْرَارٍ .. .. وَأَنْتَ يَا خَالِقِيُّ أوْلَى بِذَا كَرَمًا.. .. قَدْ شُبْتُ فِي الرِّقِّ فَأَعْتَقَنِي مِنَ النَّارِ .

المواضيع الأخيرة

» وجوب الدعوة إلى توحيد الله سبحانه
 المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ  : قواعِدُ في صِفاتِ اللهِ تعالى  : إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه في كتابِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم Ooou110اليوم في 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد

» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
 المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ  : قواعِدُ في صِفاتِ اللهِ تعالى  : إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه في كتابِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم Ooou110أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد

» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
 المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ  : قواعِدُ في صِفاتِ اللهِ تعالى  : إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه في كتابِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم Ooou110أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد

» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
 المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ  : قواعِدُ في صِفاتِ اللهِ تعالى  : إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه في كتابِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم Ooou110الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد

» العبادة وأركانها
 المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ  : قواعِدُ في صِفاتِ اللهِ تعالى  : إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه في كتابِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم Ooou110الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد

» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
 المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ  : قواعِدُ في صِفاتِ اللهِ تعالى  : إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه في كتابِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم Ooou110الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد

» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
 المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ  : قواعِدُ في صِفاتِ اللهِ تعالى  : إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه في كتابِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم Ooou110الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور

» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
 المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ  : قواعِدُ في صِفاتِ اللهِ تعالى  : إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه في كتابِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم Ooou110الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد

» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
 المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ  : قواعِدُ في صِفاتِ اللهِ تعالى  : إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه في كتابِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم Ooou110السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد

» هيئات السجود المسنونة
 المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ  : قواعِدُ في صِفاتِ اللهِ تعالى  : إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه في كتابِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم Ooou110الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد

اهلا بكم

الثلاثاء نوفمبر 08, 2011 2:32 am من طرف mohamed yousef

 المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ  : قواعِدُ في صِفاتِ اللهِ تعالى  : إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه في كتابِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم Ooousu10

المتواجدون الآن ؟

ككل هناك 35 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 35 زائر :: 3 عناكب الفهرسة في محركات البحث

لا أحد


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الأربعاء سبتمبر 15, 2021 4:26 am

احصائيات

أعضاؤنا قدموا 10129 مساهمة في هذا المنتدى في 3406 موضوع

هذا المنتدى يتوفر على 311 عُضو.

آخر عُضو مُسجل هو Pathways فمرحباً به.

دخول

لقد نسيت كلمة السر

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع


    المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ : قواعِدُ في صِفاتِ اللهِ تعالى : إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه في كتابِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

     المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ  : قواعِدُ في صِفاتِ اللهِ تعالى  : إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه في كتابِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم Empty المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ : قواعِدُ في صِفاتِ اللهِ تعالى : إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه في كتابِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم

    مُساهمة من طرف صادق النور الأربعاء ديسمبر 27, 2023 9:56 am

    [right] : المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :
    -
    : قواعِدُ في صِفاتِ اللهِ تعالى :


    أولاً : - : من قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه في كتابِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم، مِن غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ومِن غيرِ تكييفٍ ولا تمثيلٍ :

    فاللهُ تعالى أعلَمُ بنَفْسِه مِن غيرِه، ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعلَمُ الخَلْقِ بربِّه، ومِن بعدِه أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم .
    قال اللهُ تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] .
    وقال اللهُ سُبحانَه: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل: 74] .
    قال ابنُ جرير: (قَولُه: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ [النحل: 74]  يَقولُ: فلا تُمثِّلوا لله الأمثالَ، ولا تُشَبِّهوا له الأشباهَ؛ فإنَّه لا مِثْلَ له ولا شِبْهَ) .

    وقال البَغَويُّ: (فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ يعني: الأشباهَ، فتُشَبِّهونَه بخَلْقِه، وتجعَلونَ له شركاءَ؛ فإنَّه واحِدٌ لا مِثْلَ له) .

    قال مالِكُ بنُ أَنَسٍ: إيَّاكم والبِدَعَ، قيل: وما البِدَعُ؟ قال: (أهلُ البِدَعِ هم الذين يتكَلَّمونَ في أسْماءِ اللهِ وصِفاتِه وكَلامِه وعِلْمِه وقُدرتِه، ولا يَسكُتونَ عَمَّا سَكَت عنه الصَّحابةُ والتَّابِعونَ لهم بإحسانٍ) .

    وعن جَعفَرِ بنِ عبدِ اللهِ، قال: جاء رجُلٌ إلى مالِكِ بنِ أنَسٍ، فقال: يا أبا عَبدِ اللهِ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5]  كيف استوى؟ قال: فما رأيتُ مالِكًا وَجَد مِن شَيءٍ كمَوْجِدَتِه من مقالتِه، وعلاه الرُّحَضاءُ -يعني العَرَقَ- قال: وأطرَقَ القَومُ، وجَعَلوا ينتَظِرونَ ما يأتي منه فيه، قال: فسُرِّيَ عن مالكٍ، فقال: الكَيفُ غيرُ مَعقولٍ، والاستواءُ منه غيرُ مَجهولٍ، والإيمانُ به واجِبٌ، والسُّؤالُ عنه بِدعةٌ؛ فإنِّي أخافُ أن تكونَ ضالًّا، وأَمَر به فأُخرِجَ .

    وقال الوَليدُ بنُ مُسلِمٍ: سألتُ سُفيانَ، والأوزاعيَّ، ومالِكَ بنَ أنَسٍ، واللَّيثَ بنَ سَعدٍ، عن هذه الأحاديثِ؟ فقالوا: (نُمِرُّها كما جاءت) .
    وقال الشَّافِعيُّ: (آمَنْتُ باللهِ، وبما جاء عن اللهِ على مُرادِ اللهِ، وآمَنتُ برَسولِ اللهِ وبما جاء عن رَسولِ اللهِ على مُرادِ رَسولِ اللهِ) .
    وقال نعيمُ بنُ حَمَّادٍ الخُزاعيُّ: (مَن شَبَّه اللهَ بخَلْقِه فقد كَفَر، ومن أنكَرَ ما وَصَف اللهُ به نَفْسَه فقد كَفَر، وليس ما وَصَف اللهُ به نَفْسَه تشبيهًا) .
    وقال عبدُ الرَّحمنِ بنُ القاسِمِ: (لا ينبغي لأحَدٍ أن يَصِفَ اللهَ إلَّا بما وصف به نَفْسَه في القرآنِ، ولا يُشَبِّهَ يَدَيه بشَيءٍ، ولا وَجْهَه بشَيءٍ، ولكِنْ يقولُ: له يدانِ كما وصف نَفْسَه في القرآنِ، وله وَجهٌ كما وصف نَفْسَه، يقِفُ عند ما وَصَف به نَفْسَه في الكتابِ؛ فإنَّه -تبارك وتعالى- لا مِثْلَ له ولا شبيهَ،
    ولكِنْ هو اللهُ لا إلهَ إلَّا اللهُ كما وَصَف نَفْسَه، ويداه مبسوطتانِ كما وصَفَها: وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر: 67] ، كما وصف نَفْسَه) .

    وقال ابنُ خُزَيمةَ: (إنَّ الأخبارَ في صِفاتِ اللهِ مُوافِقةٌ لكِتابِ اللهِ تعالى، نقَلَها الخَلَفُ عن السَّلَفِ قَرنًا بعد قَرنٍ مِن لَدُنِ الصَّحابةِ والتَّابعينَ إلى عَصْرِنا هذا، على سَبيلِ الصِّفاتِ للهِ تعالى، والمعرفةِ والإيمانِ به، والتَّسليمِ لِما أخبَرَ اللهُ تعالى في تنزيلِه، ونَبيُّه الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن كتابِه، مع اجتِنابِ التَّأويلِ والجُحودِ، وتَرْكِ التَّمثيلِ والتَّكييفِ) .

    وقال الكَلاباذيُّ: (أجمعوا على أنَّ للهِ صِفاتٍ على الحَقيقةِ هو بها موصوفٌ؛ مِن العِلْمِ، والقُدرةِ، والقُوَّةِ، والعِزِّ، والحِلمِ، والحِكمةِ، والكبرياءِ، والجَبَروتِ، والقِدَمِ، والحياةِ، والإرادةِ، والمشيئةِ، والكلامِ... وأنَّ له سمعًا وبَصَرًا ووَجهًا ويَدًا على الحقيقةِ، ليس كالأسماعِ والأبصارِ والأيدي والوُجوهِ) .

    وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: (أهلُ السُّنَّةِ مُجمِعونَ على الإقرارِ بالصِّفاتِ الوارِدةِ كُلِّها في القُرآنِ والسُّنَّةِ، والإيمانِ بها، وحَمْلِها على الحقيقةِ لا على المجازِ، إلَّا أنَّهم لا يُكَيِّفونَ شَيئًا مِن ذلك ولا يَحُدُّونَ فيه صِفةً مَحصورةً،
    وأمَّا أهلُ البِدَعِ والجَهْميَّةُ والمعتَزِلةُ كُلُّها والخوارجُ، فكُلُّهم يُنكِرُها ولا يَحمِلُ شيئًا منها على الحقيقةِ، ويَزعُمونَ أنَّ مَن أقَرَّ بها مُشَبِّهٌ، وهم عند مَن أثبَتَها نافونَ للمَعبودِ، والحَقُّ فيما قاله القائِلونَ بما نَطَق به كِتابُ اللهِ وسُنَّةُ رَسولِه، وهم أئمَّةُ الجَماعةِ، والحَمدُ لله) .
    وقال ابنُ تَيميَّةَ: (مَذهَبُ السَّلَفِ أنَّهم يَصِفونَ اللهَ بما وَصَف به نَفْسَه، وما وَصَفه به رَسولُه من غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ومِن غيرِ تكييفٍ ولا تمثيلٍ، فلا يَنْفُونَ عنه ما أثبَتَه لنَفْسِه مِن الصِّفاتِ، ولا يُمَثِّلونَ صِفاتِه بصِفاتِ المخلوقينَ؛ فالنَّافي مُعَطِّلٌ، والمعَطِّلُ يَعبُدُ عَدَمًا، والمشَبِّهُ مُمَثِّلٌ، والممَثِّلُ يَعبُدُ صَنَمًا، ومَذهَبُ السَّلَفِ إثباتٌ بلا تمثيلٍ، وتنزيهٌ بلا تعطيلٍ، كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وهذا رَدٌّ على الممَثِّلةِ. وقَولُه: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ رَدٌّ على المعَطِّلةِ) .
    وقال أيضًا: (جِماعُ القَولِ في إثباتِ الصِّفاتِ هو القَولُ بما كان عليه سَلَفُ الأُمَّةِ وأئِمَّتُها، وهو أن يُوصَفَ اللهُ بما وَصَف به نَفْسَه، وبما وصَفَه به رَسولُه، ويُصانَ ذلك عن التَّحريفِ والتَّمثيلِ، والتَّكييفِ والتَّعطيلِ؛
    فإنَّ اللهَ لَيسَ كمِثْلِه شَيءٌ؛ لا في ذاتِه، ولا في صِفاتِه، ولا في أفعالِه. فمن نفى صِفاتِه كان مُعَطِّلًا، ومَن مَثَّل صِفاتِه بصِفاتِ مخلوقاتِه كان مُمَثِّلًا، والواجِبُ إثباتُ الصِّفاتِ، ونَفْيُ مُماثلتِها لصِفاتِ المخلوقاتِ؛ إثباتًا بلا تشبيهٍ، وتنزيهًا بلا تعطيلٍ،
    كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فهذا رَدٌّ على الممَثِّلةِ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11]  رَدٌّ على المعَطِّلةِ، فالمُمَثِّلُ يَعبُدُ صنمًا، والمعَطِّلُ يَعبُدُ عَدَمًا) .

    وقال: (هو سُبحانَه مع ذلك لَيسَ كمِثْلِه شَيءٌ؛ لا في نَفْسِه المقَدَّسةِ المذكورةِ بأسمائِه وصِفاتِه، ولا في أفعالِه، فكما يتيَقَّنُ أنَّ اللهَ سُبحانَه له ذاتٌ حقيقيةٌ، وله أفعالٌ حقيقيَّةٌ، فكذلك له صِفاتٌ حقيقيَّةٌ، وهو لَيسَ كمِثْلِه شَيءٌ؛ لا في ذاتِه، ولا في صِفاتِه، ولا في أفعالِه، وكُلُّ ما أوجَبَ نَقصًا أو حُدوثًا؛ فإنَّ اللهَ مُنَزَّهٌ عنه حقيقةً؛ فإنَّه سُبحانَه مُستَحِقٌّ للكَمالِ الذي لا غايةَ فَوقَه... ومَذهَبُ السَّلَفِ بين التَّعْطيلِ وبين التَّمْثيلِ، فلا يمَثِّلونَ صِفاتِ اللهِ بصِفاتِ خَلْقِه، كما لا يُمَثِّلونَ ذاتَه بذاتِ خَلْقِه، ولا يَنفُونَ عنه ما وَصَف به نَفْسَه، أو وصَفَه به رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيُعَطِّلونَ أسماءَه الحُسْنى وصِفاتِه العُلا، ويُحَرِّفونَ الكَلِمَ عن مَواضِعِه، ويُلحِدونَ في أسْماءِ اللهِ وآياتِه) .

    وقال ابنُ القَيِّمِ: (قد تنازع الصَّحابةُ في كثيرٍ مِن مسائِلِ الأحكامِ، وهم ساداتُ المؤمِنينَ، وأكمَلُ الأُمَّةِ إيمانًا، ولكِنْ بحَمدِ اللهِ لم يتنازَعوا في مسألةٍ واحدةٍ مِن مسائِلِ الأسماءِ والصِّفاتِ والأفعالِ، بل كُلُّهم على إثباتِ ما نطق به الكِتابُ والسُّنَّةُ كَلِمةً واحِدةً، من أوَّلِهم إلى آخِرِهم، لم يَسُوموها تأويلًا، ولم يُحَرِّفُوها عن مواضِعِها تبديلًا، ولم يُبْدوا لشَيءٍ منها إبطالًا، ولا ضَرَبوا لها أمثالًا، ولم يَدْفَعُوا في صُدورِها وأعجازِها، ولم يَقُلْ أحَدٌ منهم: يجِبُ صَرْفُها عن حقائقِها، وحَمْلُها على مجازِها، بل تَلَقَّوْها بالقَبُولِ والتَّسليمِ، وقابَلوها بالإيمانِ والتَّعظيمِ، وجَعَلوا الأمرَ فيها كُلِّها أمرًا واحِدًا، وأجْرَوْها على سَنَنٍ واحِدٍ، ولم يَفعَلوا كما فَعَل أهلُ الأهواءِ والبِدَعِ؛ حيث جَعَلوها عِضِينَ، وأقَرُّوا ببَعْضِها، وأنكَروا بَعْضَها من غيرِ فُرْقَانٍ مُبِينٍ، مع أنَّ اللَّازِمَ لهم فيما أنكَروه كاللَّازِمِ فيما أقَرُّوا به وأثبَتوه) .

    وقال ابنُ أبي العِزِّ: (اتَّفَق أهلُ السُّنَّةِ على أنَّ اللهَ لَيسَ كمِثْلِه شَيءٌ؛ لا في ذاتِه، ولا في صِفاتِه، ولا في أفعالِه، ولكِنْ لَفظُ التَّشبيهِ قد صار في كلامِ النَّاسِ لَفظًا مُجمَلًا يرادُ به المعنى الصَّحيحُ، وهو ما نفاه القُرآنُ ودَلَّ عليه العَقلُ؛ من أنَّ خصائِصَ الرَّبِّ تعالى لا يُوصَفُ بها شيءٌ من المخلوقاتِ، ولا يماثِلُه شَيءٌ من المخلوقاتِ في شَيءٍ مِن صِفاتِه: لَيْسَ كمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11]  ردٌّ على المُمَثِّلةِ المشَبِّهةِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11]  ردٌّ على النُّفاةِ المعَطِّلةِ؛ فمَن جَعَل صِفاتِ الخالِقِ مِثلَ صِفاتِ المخلوقِ، فهو المشَبِّهُ المبطِلُ المذمومُ، ومن جَعَل صِفاتِ المخلوقِ مِثلَ صِفاتِ الخالِقِ، فهو نظيرُ النَّصارى في كُفْرِهم) .

    وقال السَّفارينيُّ: (الصَّوابُ إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه، ووصَفَه به نبيُّه حَسَبَما وَرَد، مِن غيرِ إلحادٍ ولا رَدٍّ، فهو إثباتُ وجودٍ بلا تكييفٍ) .
    وقال عبدُ الرَّحمنِ بنُ حَسَن آل الشَّيخِ بعد أن ذَكَر إثباتَ عُلُوِّ اللهِ تعالى واستوائِه على العَرْشِ وأدِلَّةَ ذلك: (وهذا مذهَبُ سَلَفِ الأمَّةِ وأئمَّتِها ومن تَبِعَهم من أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ: يُثبِتون لله ما أثبت لنَفْسِه، وما أثبَتَه له رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، من صفاتِ كَمالِه، ونُعوتِ جَلالِه، على ما يليقُ بجلالِ اللهِ وعظَمتِه؛ إثباتًا بلا تمثيلٍ، وتنزيهًا بلا تعطيلٍ، تعالى اللهُ عمَّا يقولُ المحَرِّفون المخَرِّفون عن الحَقِّ عُلُوًّا كبيرًا) .

    وقال السَّعْديُّ: (لَيْسَ كمِثْلِهِ شَيْءٌ أي: ليس يُشبِهُه تعالى ولا يماثِلُه شَيءٌ من مخلوقاتِه؛ لا في ذاتِه، ولا في أسمائِه، ولا في صِفاتِه، ولا في أفعالِه؛ لأنَّ أسماءَه كُلَّها حُسْنى، وصِفاتِه صفاتُ كمالٍ وعَظَمةٍ، وأفعالَه تعالى أوجَدَ بها المخلوقاتِ العظيمةَ مِن غيرِ مُشارِكٍ، فلَيسَ كمِثْلِه شَيءٌ؛ لانفرادِه وتوحُّدِه بالكَمالِ مِن كُلِّ وَجهٍ. وَهُوَ السَّمِيعُ لجميعِ الأصواتِ، باختلافِ اللُّغاتِ، على تفَنُّنِ الحاجاتِ. الْبَصِيرُ يرى دبيبَ النَّملةِ السَّوداءِ، في اللَّيلةِ الظَّلماءِ، على الصَّخرةِ الصَّمَّاءِ، ويرى سَرَيانَ القُوتِ في أعضاءِ الحيواناتِ الصَّغيرةِ جِدًّا، وسَرَيانَ الماءِ في الأغصانِ الدَّقيقةِ.
    وهذه الآيةُ ونحوُها دليلٌ لمذهَبِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ؛ من إثباتِ الصِّفاتِ، ونَفيِ مماثلةِ المخلوقاتِ. وفيها رَدٌّ على المشَبِّهةِ في قَولِه: لَيْسَ كمِثْلِهِ شَيْءٌ، وعلى المعَطِّلةِ في قَولِه: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) .

    وقال الشِّنقيطيُّ: (من نفى عن اللهِ وَصفًا أثبَتَه لنَفْسِه في كتابِه العزيزِ، أو أثبَتَه له رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، زاعِمًا أنَّ ذلك الوَصفَ يَلزَمُه ما لا يليقُ باللهِ جَلَّ وعلا؛ فقد جعل نَفْسَه أعلَمَ مِن اللهِ ورَسولِه بما يليقُ باللهِ جَلَّ وعلا! سُبحانَك هذا بهتانٌ عظيمٌ! ومن اعتَقَد أنَّ وَصْفَ اللهِ يُشابِهُ صِفاتِ الخَلقِ، فهو مُشَبِّه مُلحِدٌ ضالٌّ، ومن أثبَتَ للهِ ما أثبَتَه لنَفْسِه، أو أثبَتَه له رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، مع تنزيهِه جَلَّ وعلا عن مشابهةِ الخَلْقِ؛ فهو مؤمِنٌ جامِعٌ بين الإيمانِ بصِفاتِ الكمالِ والجَلالِ، والتَّنزيهِ عن مُشابهةِ الخَلْقِ، سالمٌ مِن ورطةِ التَّشبيهِ والتَّعْطيلِ،
    والآيةُ التي أوضَحَ اللهُ بها هذا هي قَولُه تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ، فنفى عن نَفْسِه جَلَّ وعلا مماثَلةَ الحوادِثِ بقَولِه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وأثبت لنَفْسِه صِفاتِ الكَمالِ والجَلالِ بقَولِه: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فصَرَّح في هذه الآيةِ الكريمةِ بنَفْيِ المماثَلةِ مع الاتِّصافِ بصِفاتِ الكَمالِ والجَلالِ) .
    وتشبيهُ اللهِ بخَلْقِه إشراكٌ باللهِ تعالى يَستلزِمُ تحريفَ النُّصوصِ، أو تكذيبَها، مع تنقُّصِ اللهِ تعالى بتَمثيلِه بالمخلوقِ النَّاقِصِ.

    وقال ابنُ باز: (من الإيمانِ باللهِ أيضًا الإيمانُ بأسمائِه الحُسْنى وصِفاتِه العلا الواردةِ في كتابِه العزيزِ، والثَّابتةِ عن رَسولِه الأمينِ، مِن غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ، بل يجِبُ أن تُمَرَّ كما جاءت بلا كيفٍ، مع الإيمانِ بما دَلَّت عليه من المعاني العظيمةِ التي هي أوصافٌ للهِ عزَّ وجَلَّ يجِبُ وَصْفُه بها على الوَجهِ اللَّائِقِ به، من غيرِ أن يُشابِهَ به خَلْقَه في شَيءٍ مِن صِفاتِه، كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ، وقال عزَّ وجَلَّ: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل:74] ) .

    وقال ابنُ عُثَيمين: (السَّلَفُ الصَّالحُ مِن صَدْرِ هذه الأُمَّةِ، وهم الصَّحابةُ الذين هم خيرُ القُرونِ، والتَّابعون لهم بإحسانٍ، وأئمَّةُ الهُدى مِن بَعْدِهم: كانوا مجمِعينَ على إثباتِ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه، أو أثبَتَه له رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الأسماءِ والصِّفاتِ، وإجراءِ النُّصوصِ على ظاهِرِها اللَّائِقِ باللهِ تعالى، من غير تحريفٍ، ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ، ولا تمثيلٍ، وهم خيرُ القُرونِ بنَصِّ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإجماعُهم حُجَّةٌ مُلزِمةٌ؛ لأنَّه مُقتَضى الكِتابِ والسُّنَّةِ) .

    ثانياً : : من قَواعِدِ صِفاتِ اللهِ: نَفْيُ ما نفاه اللهُ عن نَفْسِه في كتابِه، أو نفاه عنه رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم، مع اعتقادِ ثُبوتِ كَمالِ ضِدِّه للهِ تعالى :


    فاللهُ تعالى أعلَمُ بنَفْسِه مِن خَلْقِه، ورسولُه أعلَمُ النَّاسِ بربِّه، ومِن بعدِه أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم؛ فنَفْيُ الموتِ عنه يتضمَّنُ كمالَ حياتِه، ونَفْيُ الظُّلمِ يتضمَّنُ كمالَ عَدْلِه، ونَفْيُ النَّومِ يتضمَّنُ كمالَ قيُّوميَّتِه .
    قال الحليميُّ: (نَفْيُ المذَامِّ إثباتٌ للمَدائِحِ، كقَولِنا: لا شَريكَ له ولا شَبيهَ له: إثباتٌ أنَّه واحِدٌ أحَدٌ، وكقَولِنا: لا يُعجِزُه شَيءٌ: إثباتٌ أنَّه قادِرٌ قَوِيٌّ، وكقَولِنا: إنَّه لا يَظلِمُ أحدًا: إثباتٌ أنَّه عَدلٌ في حُكمِه، وإثباتُ المدائِحِ له نفيٌ للمَذَامِّ عنه، كقَولِنا: إنَّه عالمٌ: نَفيٌ للجَهلِ عنه، وقَوِلنا: إنَّه قادِرٌ: نَفيٌ للعَجزِ عنه) .

    وقال ابنُ تَيميَّةَ: (المدحُ إنَّما يكونُ بالأُمورِ الثُّبوتيَّةِ لا بالأمورِ العدَميَّةِ، وإنَّما يحصُلُ المدحُ بالعَدَمِ إذا تضَمَّنَ ثُبوتًا، كقَولِه تعالى: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة: 255] ، فنَزَّه نَفْسَه عن السِّنةِ والنَّومِ؛ لأنَّ ذلك يتضَمَّنُ كَمالَ حياتِه وقيُّوميَّتِه،
    كما قال تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ [الفرقان: 58] ، فهو سُبحانَه حيٌّ لا يموتُ، قيُّومٌ لا ينامُ،
    وكذلك قَولُه تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق: 38] ، فنَزَّه نَفْسَه المقَدَّسةَ عن مَسِّ اللُّغوبِ -وهو الإعياءُ والتَّعَبُ-؛ ليتبيَّنَ كمالُ قُدرتِه.
    فهو سُبحانَه موصوفٌ بصِفاتِ الكَمالِ، مُنَزَّهٌ عن كُلِّ نَقصٍ وعَيبٍ، موصوفٌ بالحياةِ والعِلْمِ والقُدرةِ والسَّمعِ والبَصَرِ والكَلامِ، مُنَزَّهٌ عن الموتِ والجَهلِ والعَجزِ والصَّمَمِ والعَمى والبَكَمِ، وهو سُبحانَه لا مِثْلَ له في شيءٍ مِن صِفاتِ الكَمالِ، وهو مُنَزَّهٌ عن كُلِّ نَقصٍ وعَيبٍ؛ فإنَّه قُدُّوسٌ سلامٌ يمتَنِعُ عليه النَّقائِصُ والعُيوبُ بوَجهٍ مِن الوُجوهِ، وهو سُبحانَه لا مِثْلَ له في شيءٍ مِن صِفاتِ كَمالِه، بل هو الأحَدُ الصَّمَدُ الذي لم يَلِدْ ولم يُولَدْ، ولم يكُنْ له كُفُوًا أحَدٌ) .
    وقال أيضًا: (الصِّفاتُ السَّلبيَّةُ إنَّما تكونُ كَمالًا إذا تضَمَّنَت أمورًا وُجوديَّةً؛ ولهذا كان تَسبيحُ الرَّبِّ يَتضَمَّنُ تنزيهَه وتعظيمَه جميعًا، فقَولُ العَبدِ: «سُبحانَ اللهِ» يَتضَمَّنُ تنزيهَ اللهِ وبَراءتَه مِنَ السُّوءِ، وهذا المعنى يَتضَمَّنُ عَظَمتَه في نَفْسِه، ليس هو عَدَمًا مَحْضًا لا يَتضَمَّنُ وجودًا؛ فإنَّ هذا لا مَدْحَ فيه ولا تعظيمَ، وكذلك سائِرُ ما تنَزَّهَ الرَّبُّ عنه مِنَ الشُّرَكاء والأولادِ وغيرِ ذلك) .
    وقال ابنُ أبي العِزِّ: (كُلُّ نفيٍ يأتي في صِفاتِ اللهِ تعالى في الكِتابِ والسُّنَّةِ إنَّما هو لثُبوتِ كَمالِ ضِدِّه؛ كقَولِه تعالى: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: 49]
    لكَمالِ عَدْلِه، لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ [سبأ: 3]  لكَماِل عِلْمِه،
    وقَولِه تعالى: وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق: 38]  
    لكَمالِ قُدرتِه، لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة: 255]
    لكَمالِ حياتِه وقيومِيَّتِه، لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ [الأنعام: 103]  لكَمالِ جَلالِه وعَظَمتِه وكِبريائِه، وإلَّا فالنَّفيُ الصِّرفُ لا مَدْحَ فيه) .
    وقال ابنُ الوزيرِ: (اللهُ سُبحانَه موصوفٌ بالإثباتِ والنَّفيِ؛ فالإثباتُ كإخبارِه سُبحانَه أنَّه بكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ، وعلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، وأنَّه سميعٌ بصيرٌ، ونحوِ ذلك.
    والنَّفيُ كقَولِه: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة: 255] ، وينبغي أن يُعلَمَ أنَّ النَّفيَ ليس فيه مدحٌ ولا كمالٌ إلَّا إذا تضَمَّن إثباتًا؛ لأنَّ النَّفيَ المحضَ عَدَمٌ محضٌ، والعَدَمُ المحْضُ ليس بشَيءٍ،
    وما ليس بشَيءٍ هو كما قيل: ليس بشَيءٍ، فضلًا عن أن يكونَ مَدحًا وكمالًا، ولأنَّ النَّفيَ المحْضَ يُوصَفُ به المعدومُ والممتَنِعُ، وهما لا يُوصَفانِ بمَدحٍ ولا كمالٍ؛ فلهذا كان عامَّةُ ما وَصَف اللهُ به نَفْسَه مِن النَّفيِ مُتَضَمِّنًا لإثباتِ مَدحٍ،
    كقَولِه: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة: 255] ؛ فإنَّه يَتضَمَّنُ كمالَ الحياةِ والقيامِ،
    وقَولِه: وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا [البقرة: 255] ؛ فإنَّه مُستلزِمٌ لكَمالِ قُدرتِه،
    وقَولِه: لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ [سبأ: 3]  مُستلزمٌ لعِلْمِه بكُلِّ ذرَّةٍ،
    وقَولِه: وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق: 38]  مُستلزِمٌ كمالَ القُدرةِ ونهايةَ القُوَّةِ،
    وقَولِه: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ [الأنعام: 103]  نفى الإدراكَ الذي هو الإحاطةُ، كما قال أكثَرُ العُلَماءِ، ولم يَنْفِ مجَرَّدَ الرَّؤيةِ؛ لأنَّ المعدومَ لا يُرى، وليس في كَونِه لا يُرى مدحٌ، وإلَّا لكان المعدومُ ممدوحًا، وإنَّما المدحُ في كونِه لا يحاطُ به وإنْ رُئِيَ، كما أنَّه لا يُحاطُ به وإن عُلِمَ، فكما أنَّه إذا عُلِمَ لا يحاطُ به عِلْمًا، فكذلك إذا رُئِيَ لا يحاطُ به رؤيةً، فكان في نَفيِ الإدراكِ مِن إثباتِ عَظَمتِه ما يكونُ مَدحًا وصِفةَ كَمالٍ.
    وإذا تأمَّلْتَ وجَدْتَ كُلَّ نَفيٍ لا يستلزِمُ ثُبوتًا هو مِمَّا لم يَصِفِ اللهُ به نَفْسَه؛ فالذين لا يَصِفونَه إلَّا بالسُّلُوبِ لم يُثبِتوا في الحقيقةِ إلهًا محمودًا، بل ولا موجودًا، وكذلك من شاركَهم في بعضِ ذلك، كالذين قالوا: إنَّه لا يتكَلَّمُ ولا يَرى، أو ليس فوقَ العالمِ، أو لم يَسْتَوِ على العَرشِ، ويَقولون: ليس بداخِلِ العالَمِ ولا خارِجِه، ولا مبايِنٍ للعالَمِ ولا مُحايثٍ له؛ إذ هذه الصِّفاتُ يمكِنُ أن يُوصَفَ بها المعدومُ، وليست هي مستلزِمةً صفةَ ثُبوتٍ؛ ولهذا قيل لِمن ادَّعى ذلك في الخالِقِ: مَيِّزْ لنا بين هذا الرَّبِّ الذي تُثبِتُه، وبين المعدومِ!) .
    وقال ابنُ باز: (الواجِبُ على جميعِ المكَلَّفينَ الإيمانُ بأسمائِه وصِفاتِه، والإيمانُ بكُلِّ ما أخبَرَ اللهُ به ورَسولُه، من غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ، ومن دونِ زيادةٍ أو نَقصٍ، بل يجِبُ إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ ورَسولُه، ونَفْيُ ما نفاه اللهُ ورَسولُه) .
    وقال ابنُ عُثَيمين: (الضَّابِطُ في الصِّفاتِ التي نفاها اللهُ تعالى عن نَفْسِه أنَّها تدُلُّ على نفيِ تلك الصِّفةِ، وعلى ثُبوتِ كَمالِ ضِدِّها) .
    وقال أيضًا: (ما نفاه اللهُ تعالى عن نَفْسِه فالمرادُ به بيانُ انتفائِه لثُبوتِ كَمالِ ضِدِّه، لا لمجَرَّدِ نَفْيِه؛ لأنَّ النَّفيَ ليس بكَمالٍ إلَّا أن يَتضَمَّنَ ما يَدُلُّ على الكَمالِ؛ وذلك لأنَّ النَّفيَ عَدَمٌ، والعَدَمُ ليس بشيءٍ فَضلًا عن أن يكونَ كَمالًا، ولأنَّ النَّفيَ قد يكونُ لعدَمِ قابليَّةِ المحَلِّ له، فلا يكونُ كَمالًا، كما لو قُلتَ: الجِدارُ لا يَظلِمُ، وقد يكونُ للعَجزِ عن القيامِ به، فيكونُ نَقصًا، كما في قَولِ الشَّاعِرِ:
    قُبَيِّلةٌ لا يَغدِرونَ بذِمَّةٍ ... ولا يَظلِمونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَرْدَلِ
    وقولِ الآخَرِ:
    لكِنَّ قومي وإنْ كانوا ذَوِي حَسَبٍ ... لَيسُوا مِنَ الشَّرِّ في شَيءٍ وإنْ هانَا
    مِثالُ ذلك: قَولُه تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ [الفرقان: 58] ، فنفيُ الموتِ عنه يَتضَمَّنُ كَمالَ حياتِه.
    مثالٌ آخَرُ: قَولُه تعالى: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: 49]  نفيُ الظُّلمِ عنه يَتضَمَّنُ كمالَ عَدْلِه.
    مثالٌ ثالِثٌ: قَولُه تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ فنَفيُ العَجزِ عنه يَتضَمَّنُ كَمالَ عِلْمِه وقُدرتِه؛ ولهذا قال بَعْدَه: إِنَّه كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا [فاطر: 44] ؛ لأنَّ العَجْزَ سَبَبُه: إمَّا الجَهلُ بأسبابِ الإيجادِ، وإمَّا قُصورُ القُدرةِ عنه؛ فلكَمالِ عِلمِ اللهِ تعالى وقُدرتِه لم يكُنْ لِيُعجِزَه شَيءٌ في السَّمَواتِ ولا في الأرضِ.
    وبهذا المثالِ عَلِمْنا أنَّ الصِّفةَ السَّلبيَّةَ قد تتضَمَّنُ أكثَرَ مِن كمالٍ) .

    ثالثاً : : من قَواعدِ صِفاتِ اللهِ: صِفاتُ اللهِ عزَّ وجلَّ توقيفيَّةٌ، فلا يُثبَتُ منها إلَّا ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا يُنفى عنِ اللهِ عزَّ وجلَّ إلَّا ما نفاه عن نَفْسِه، أو نفاه عنه رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :

    فلا تُثبَتُ إلَّا بما ورد في الكِتابِ والسُّنَّةِ، لا بغَيرِهما؛ إذ لا أحدَ أعلَمُ باللهِ من اللهِ، ولا أحَدَ أعلَمُ به مِن خَلْقِه مِن رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم .
    فلا يجوزُ تسميةُ اللهِ تعالى، أو وَصْفُه بما لم يأتِ في الكِتابِ والسُّنَّةِ؛ لأنَّ ذلك قَولٌ على اللهِ تعالى بلا عِلمٍ.
    فاللهُ تعالى أعلَمُ بنَفْسِه؛ حيث قال: أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة: 140] .
    ونفى إحاطةَ النَّاسِ بالعِلْمِ به، فقال: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه: 110] .
    ووصَفَ كَلامَه بأنَّه أحسَنُ الحَديثِ وأصدَقُ الحَديثِ، فقال: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء: 87] ، وقال: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ [الزمر: 23] . ووصفُه بذلك يقتضي سلامتَه من الخَطَأِ في الأخبارِ والأحكامِ، ويقتضي كذلك اشتِمالَه على أحسَنِ الطُّرُقِ لدَلالةِ النَّاسِ وهِدايتِهم.

    قال أبو حنيفة: (لا ينبغي لأحَدٍ أن ينطِقَ في ذاتِ اللهِ بشَيءٍ، بل يَصِفُه بما وصف به نَفْسَه، ولا يقولَ فيه برأيِه شيئًا، تبارك اللهُ رَبُّ العالَمينَ) .
    وقال الشَّافعي عن صفاتِ اللهِ عزَّ وجَلَّ: (حرامٌ على العقولِ أن تمثِّلَ اللهَ عزَّ وجَلَّ، وعلى الأوهامِ أن تحُدَّه، وعلى الظُّنونِ أن تقطَعَ، وعلى النُّفوسِ أن تفَكِّرَ، وعلى الضَّمائِرِ أن تَعمَّقَ، وعلى الخواطِرِ أن تحيطَ، وعلى العُقولِ أن تَعقِلَ، إلَّا ما وصف به نَفْسَه، أو على لسانِ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) .

    وقال أحمدُ بنُ حَنبَلٍ: (لا يُوصَفُ اللهُ تعالى بأكثَرَ مِمَّا وَصَف به نَفْسَه، أو وصَفَه به رَسولُه بلا حَدٍّ ولا غايةٍ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى 11] ولا يبلُغُ الواصفونَ صِفَتَه، وصِفاتُه منه، ولا نتعَدَّى القُرآنَ والحديثَ، فنقولُ كما قال، ونَصِفُه كما وَصَفَ نَفْسَه، ولا نتعَدَّى ذلك، نؤمِنُ بالقُرآنِ كُلِّه؛ مُحكَمِه ومُتشابِهِه) .
    وقال عُثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّارميُّ: (لا نُجيزُ اجتهادَ الرَّأيِ في كثيرٍ مِن الفرائِضِ والأحكامِ التي نراها بأعيُنِنا، وتُسمَعُ في آذانِنا، فكيف في صِفاتِ اللهِ التي لم تَرَها العيونُ، وقَصُرَت عنها الظُّنونُ؟!) ..

    وقال البَربهاريُّ: (اعلَمْ -رَحِمَك اللهُ- أنَّ الكلامَ في الرَّبِّ مُحْدَثٌ، وهو بِدعةٌ وضَلالةٌ، ولا يُتكَلَّمُ في الرَّبِّ إلَّا بما وَصَف به نَفْسَه في القُرآنِ، وما بَيَّن رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأصحابِه) .

    وقال الأزهريُّ: (لا يجوزُ عند أهلِ العِلمِ أن يُوصَفَ اللهُ جَلَّ وعَزَّ بصِفةٍ لم يُنزِلْها في كتابِه، ولم يُبَيِّنْها على لسانِ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) .
    وقال ابنُ أبي زمنين: (اعلَمْ أنَّ أهلَ العِلمِ باللهِ وبما جاءت به أنبياؤه ورسُلُه يَرَونَ الجَهلَ بما لم يخبِرْ به -تبارك وتعالى- عن نَفْسِه عِلمًا، والعَجْزَ عمَّا لم يَدْعُ إيمانًا، وأنَّهم إنما ينتهون من وَصْفِه بصفاتِه وأسمائِه إلى حيثُ انتهى في كتابِه، وعلى لسانِ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) .
    وقال أبو نصرٍ السجزيُّ: (قد اتَّفَقَت الأئمَّةُ على أنَّ الصِّفاتِ لا تؤخَذُ إلَّا توقيفًا، وكذلك شَرْحُها لا يجوزُ إلَّا بتوقيفٍ) .
    وقال البيهقيُّ: (لا يجوزُ وَصْفُه تعالى إلَّا بما دَلَّ عليه كتابُ اللهِ تعالى، أو سُنَّةُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أجمعَ عليه سَلَفُ هذه الأمَّةِ) .
    وقال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (ما غاب عن العُيونِ فلا يَصِفُه ذَوُو العُقولِ إلَّا بخَبَرٍ، ولا خَبَرَ في صِفاتِ اللهِ إلَّا ما وَصَفَ نَفْسَه به في كتابِه، أو على لسانِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلا نتعَدَّى ذلك إلى تشبيهٍ أو قياسٍ أو تمثيلٍ أو تنظيرٍ؛ فإنَّه لَيسَ كمِثْلِه شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. قال أبو عُمَرَ: أهلُ السُّنَّةِ مُجموعون على الإقرارِ بالصِّفاتِ الواردةِ كُلِّها في القُرآنِ والسُّنَّةِ، والإيمانِ بها، وحَمْلِها على الحقيقةِ لا على المجازِ) .
    وقال أيضًا: (ليس في الاعتقادِ كُلِّه في صِفاتِ اللهِ وأسمائِه إلَّا ما جاء منصوصًا في كتابِ اللهِ، أو صَحَّ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أجمعَت عليه الأُمَّةُ، وما جاء من أخبارِ الآحادِ في ذلك كُلِّه أو نحوِه يُسَلَّمُ له ولا يُناظَرُ فيه) .
    وقال أيضًا: (لا نُسَمِّيه ولا نَصِفُه ولا نُطلِقُ عليه إلَّا ما سَمَّى به نَفْسَه، على ما تقَدَّم ذِكْرُنا له مِن وَصْفِه لنَفْسِه لا شريكَ له، ولا ندفَعُ ما وَصَف به نَفْسَه؛ لأنَّه دَفعٌ للقُرآنِ) .

    ونَقَل ابنُ رُشدٍ عن مالكٍ أنَّه قال: (لا ينبغي لأحَدٍ أن يَصِفَ اللهَ إلَّا بما وَصَف به نَفْسَه في القُرآنِ، ولا يُشَبِّهَ يَدَيه بشَيءٍ، ولا وَجْهَه تبارك وتعالى بشَيءٍ، ولكِنَّه يَقولُ: له يدانِ كما وَصَف به نَفْسَه، وله وَجهٌ كما وَصَفَ نَفْسَه، تَقِفُ عند ما وَصَف به نَفْسَه في الكِتابِ؛ فإنَّه تبارك وتعالى لا مِثْلَ له ولا شَبيهَ ولا نظيرَ...
    قال محمَّدُ بنُ رُشدٍ: قَولُه: لا ينبغي لأحَدٍ أن يَصِفَ اللهَ إلَّا بما وَصَف به نَفْسَه في القُرآنِ. يريدُ: أو وَصَفَه به رَسولُه في مُتواتِرِ الآثارِ، واجتَمَعَت الأُمَّةُ على جوازِ وَصْفِه به، وكذلك لا ينبغي عنده على قَولِه هذا أن يُسَمَّى اللهُ تعالى إلَّا بما سَمَّى به نَفْسَه في كتابِه، أو سَمَّاه به رَسولُه، أو اجتَمَعَت الأُمَّةُ عليه) .

    وقال ابنُ تَيميَّةَ: (القَولُ الشَّامِلُ في جميعِ هذا البابِ: أن يُوصَفَ اللهُ بما وَصَف به نَفْسَه، أو وصَفَه به رَسولُه، وبما وصفه به السَّابِقون الأوَّلونَ، لا يتجاوَزُ القُرآنَ والحَديثَ؛ قال الإمامُ أحمَدُ رَضِيَ اللهُ عنه: لا يُوصَفُ اللهُ إلَّا بما وَصَف به نَفْسَه، أو وصفه به رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، لا يَتجاوَزُ القُرآنَ والحَديثَ) .
    وقال ابنُ القَيِّمِ: (ما يُطلَقُ عليه في بابِ الأسماءِ والصِّفاتِ توقيفيٌّ، وما يُطلَقُ عليه من الإخبارِ لا يجِبُ أن يكونَ توقيفيًّا؛ كالقديمِ، والشَّيءِ، والموجودِ، والقائِمِ بنَفْسِه) .
    وقال الدهلويُّ: (الحَقُّ أنَّ صِفاتِه وأسماءَه توفيقيَّةٌ) .
    وقال السَّعْديُّ: (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 169] في أسمائِه وصِفاتِه وأفعالِه وشَرْعِه، فكُلُّ هذه قد حَرَّمها اللهُ، ونهى العِبادَ عن تعاطيها؛ لِما فيها من المفاسِدِ الخاصَّةِ والعامَّةِ، ولِما فيها من الظُّلمِ والتجَرِّي على اللهِ، والاستطالةِ على عبادِ اللهِ، وتغييرِ دينِ اللهِ وشَرْعِه) .

    وقال ابنُ باز: (الواجِبُ على جميعِ المُسلِمينَ هو الإيمانُ بأسمائِه وصِفاتِه الواردةِ في الكِتابِ العزيزِ والسُّنَّةِ الصَّحيحةِ، وإثباتُها له سُبحانَه على الوَجهِ اللَّائِقِ بجَلالِه، مِن غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ، كما قال سُبحانَه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ، وقال عزَّ وجَلَّ: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل: 74] ، وقال سُبحانَه: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُوْلَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: 4] ،
    وهي توقيفيَّةٌ لا يجوزُ إثباتُ شَيءٍ منها للهِ إلَّا بنَصٍّ من القُرآنِ، أو من السُّنَّةِ الصَّحيحةِ؛ لأنَّه سُبحانَه أعلَمُ بنَفْسِه، وأعلَمُ بما يليقُ به، ورَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هو أعلَمُ به، وهو المبَلِّغُ عنه، ولا يَنطِقُ عن الهوى،
    كما قال اللهُ سُبحانَه: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى* وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 1-4] ) .
    وقال ابن عثيمين: (لا يجوزُ تسميةُ اللهِ تعالى أو وَصْفُه بما لم يأتِ في الكِتابِ والسُّنَّةِ؛ لأنَّ ذلك قَولٌ على اللهِ تعالى بلا عِلمٍ، وقد قال اللهُ تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33] ، وقال: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء: 36] .
    ولا يجوزُ إثباتُ اسمٍ أو صفةٍ لله تعالى مع التَّمْثيلِ؛ لِقَولِه تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ، وقَولِه: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل:74] ، ولأنَّ ذلك إشراكٌ باللهِ تعالى يستلزِمُ تحريفَ النُّصوصِ أو تكذيبَها، مع تنقُّصِ اللهِ تعالى بتمثيلِه بالمخلوقِ النَّاقِصِ.
    ولا يجوزُ إثباتُ اسمٍ أو صفةٍ لله تعالى مع التكييفِ؛ لأنَّ ذلك قَولٌ على اللهِ تعالى بلا عِلمٍ، يستلزِمُ الفوضى والتخَبُّطَ في صِفاتِ اللهِ تعالى؛ إذ كُلُّ واحدٍ يتخَيَّلُ كيفيَّةً مُعَيَّنةً غيرَ ما تخَيَّله الآخَرُ، ولأنَّ ذلك محاوَلةٌ لإدراكِ ما لا يمكِنُ إدراكُه بالعقولِ، فإنَّك مهما قدَّرْتَ من كيفيَّةٍ، فاللهُ أعلى وأعظَمُ) .
    وقال ابنُ عُثَيمين أيضًا: (أسْماءُ اللهِ تعالى توقيفيَّةٌ لا مجالَ للعَقلِ فيها، وعلى هذا فيَجِبُ الوقوفُ فيها على ما جاء به الكِتابُ والسُّنَّةُ، فلا يُزادُ فيها ولا يُنقَصُ؛ لأنَّ العَقْلَ لا يُمكِنُه إدراكُ ما يَستَحِقُّه تعالى من الأسماءِ، فوَجَب الوقوفُ في ذلك على النَّصِّ؛
    لِقَولِه تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا [الإسراء:36] ،
    وقَولِه: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33] ، ولأنَّ تَسميتَه تعالى بما لم يُسَمِّ به نَفْسَه،
    أو إنكارَ ما سَمَّى به نَفْسَه: جنايةٌ في حَقِّه سُبحانَه، فوَجَب سُلوكُ الأدَبِ في ذلك، والاقتِصارُ على ما جاء به النَّصُّ) .
    ------------------------------------------------------------------------------------
    التالي  : -
    رابعاً : : من قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: التَّوقُّفُ في الألفاظِ المُجمَلةِ الَّتي لم يرِدْ إثباتُها ولا نَفْيُها :
    -
    : وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا ولا تنسونا من صالح دعائكم  :

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

     المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ  : قواعِدُ في صِفاتِ اللهِ تعالى  : إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه في كتابِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم Empty من قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: التَّوقُّفُ في الألفاظِ المُجمَلةِ الَّتي لم يرِدْ إثباتُها ولا نَفْيُها

    مُساهمة من طرف صادق النور الخميس ديسمبر 28, 2023 7:00 am

    يتبع ما قبله : -

    رابعاً : : من قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: التَّوقُّفُ في الألفاظِ المُجمَلةِ الَّتي لم يرِدْ إثباتُها ولا نَفْيُها :

    أمَّا معناها فَيُسْتفصَلُ عنه؛ فإنْ أُريدَ به باطلٌ يُنَزَّهُ اللهُ عنه، رُدَّ، وإنْ أُريدَ به حقٌّ لا يمتنِعُ على اللهِ، قُبِلَ، مع بيانِ ما يدُلُّ على المعنى الصَّوابِ مِن الألفاظِ الشَّرعيَّةِ، والدَّعوةِ إلى استعمالِه مكانَ هذا اللَّفظِ المُجمَلِ الحادِثِ .
    مثالُه: لفظةُ (الجِهة): نتوقَّفُ في إثباتِها ونَفْيِها، ونسأَلُ قائلَها: ماذا تَعني بالجِهةِ؟ فإنْ قال: أَعني أنَّه في مكانٍ يَحويه، قُلْنا: هذا معنًى باطلٌ يُنَزَّهُ اللهُ عنه، وردَدْناه، وإنْ قال: أَعني جِهةَ العُلوِّ المُطلَقِ، قُلْنا: هذا حقٌّ لا يمتنِعُ على اللهِ، وقبِلْنا منه المعنى، وقُلْنا له: لكِنِ الأَوْلى أن تقولَ: هو في السَّماءِ، أو في العُلوِّ؛ كما ورَدَتْ به الأدِلَّة الصَّحيحةُ، وأمَّا لفظةُ (جِهة)، فهي مُجمَلةٌ حادثةٌ، الأَوْلى تَركُها.

    قال المَقْدسيُّ: (من السُّنَّةِ اللَّازمةِ السُّكوتُ عَمَّا لم يَرِدْ فيه نَصٌّ عن اللهِ ورَسولِه، أو يتَّفِقِ المُسلِمون على إطلاقِه، وتَرْكُ التعَرُّضِ له بنفيٍ أو إثباتٍ، فكما لا يُثبَتُ إلَّا بنَصٍّ شَرعيٍّ، كذلك لا يُنفى إلَّا بدَليلٍ سَمعيٍّ) .

    وقال ابنُ تَيميَّةَ: (من الأُصولِ الكُلِّيَّةِ أن يُعلَمَ أنَّ الألفاظَ نوعانِ: نوعٌ جاء به الكِتابُ والسُّنَّةُ، فيَجِبُ على كُلِّ مؤمِنٍ أن يُقِرَّ بموجِبِ ذلك، فيُثبِتُ ما أثبَتَه اللهُ ورَسولُه، ويَنفي ما نفاه اللهُ ورَسولُه، فاللَّفظُ الذي أثبَتَه اللهُ أو نفاه حَقٌّ؛ فإنَّ اللهَ يَقولُ الحَقَّ وهو يهدي السَّبيلَ، والألفاظُ الشَّرعيَّةُ لها حُرمةٌ. ومِن تمامِ العِلْمِ أن يَبحَثَ عن مرادِ رَسولِه بها؛ لِيُثبِتَ ما أثبَتَه، ويَنفيَ ما نفاه من المعاني؛ فإنَّه يجِبُ علينا أن نُصَدِّقَه في كُلِّ ما أخبَرَ، ونطيعَه في كُلِّ ما أوجَبَ وأمَرَ، ثمَّ إذا عرَفْنا تفصيلَ ذلك كان ذلك مِن زيادةِ العِلْمِ والإيمانِ،
    وقد قال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة: 11] ، وأمَّا الألفاظُ التي ليست في الكِتابِ والسُّنَّةِ ولا اتَّفَق السَّلَفُ على نَفْيِها أو إثباتِها، فهذه ليس على أحَدٍ أن يُوافِقَ مَن نفاها أو أثبَتَها حتَّى يَستفسِرَ عن مُرادِه؛ فإن أراد بها معنًى يوافِقُ خَبَرَ الرَّسولِ، أَقَرَّ به، وإن أراد بها معنًى يخالِفُ خَبَرَ الرَّسولِ، أنكَرَه. ثمَّ التعبيرُ عن تلك المعاني إن كان في ألفاظِه اشتِباهٌ أو إجمالٌ، عَبَّرَ بغيرها، أو بَيَّن مرادَه بها، بحيث يحصُلُ تعريفُ الحَقِّ بالوَجهِ الشَّرعيِّ؛ فإنَّ كثيرًا مِن نزاعِ النَّاسِ سَبَبُه ألفاظٌ مُجمَلةٌ مُبتَدَعةٌ ومعانٍ مُشتَبِهةٌ، حتى تجِدَ الرَّجُلَينِ يتخاصَمانِ ويتعاديانِ على إطلاقِ ألفاظٍ ونَفْيِها، ولو سُئِلَ كُلٌّ منهما عن معنى ما قاله لم يتصَوَّرْه فَضلًا عن أن يَعرِفَ دليلَه! ولو عَرَف دَليلَه لم يلزَمْ أنَّ مَن خالَفَه يكونُ مُخطِئًا، بل يكونُ في قَولِه نَوعٌ مِنَ الصَّوابِ، وقد يكونُ هذا مُصيبًا مِن وَجهٍ، وهذا مصيبًا مِن وَجهٍ، وقد يكونُ الصَّوابُ في قَولٍ ثالثٍ) .
    وقال ابنُ تَيميَّةَ أيضًا: (أئِمَّةُ السُّنَّةِ كأحمَدَ بنِ حَنبَلٍ وغَيرِه كانوا إذا ذَكَرت لهم أهلُ البِدَعِ الألفاظَ المُجمَلةَ؛ كلَفظِ الجِسمِ والجوهَرِ والحَيِّزِ ونَحوِها، لم يوافِقوهم؛ لا على إطلاقِ الإثباتِ، ولا على إطلاقِ النَّفيِ، وأهلُ البِدَعِ بالعَكسِ؛ ابتَدَعوا ألفاظًا ومعانيَ إمَّا في النَّفيِ وإمَّا في الإثباتِ، وجَعَلوها هي الأصلَ المعقولَ المحْكَمَ الذي يجِبُ اعتقادُه والبناءُ عليه، ثمَّ نَظَروا في الكِتابِ والسُّنَّةِ، فما أمكَنَهم أن يتأوَّلوه على قَولِهم تأوَّلوه، وإلَّا قالوا: هذا من الألفاظِ المُتشابِهةِ المُشكِلةِ التي لا ندري ما أُريدَ بها، فجَعَلوا بِدَعَهم أصلًا مُحكَمًا، وما جاء به الرَّسولُ فَرعًا له، ومُشكِلًا إذا لم يُوافِقْه! وهذا أصلُ الجَهْميَّةِ والقَدَريَّةِ وأمثالِهم، وأصلُ الملاحِدةِ مِن الفلاسِفةِ الباطِنيَّةِ، جميعُ كُتُبِهم توجَدُ على هذا الطَّريقِ، ومَعرِفةُ الفَرقِ بين هذا وهذا من أعظَمِ ما يُعلَمُ به الفَرقُ بين الصِّراطِ المستَقيمِ الذي بَعَث اللهُ به رَسولَه وبين السُّبُلِ المخالِفةِ له، وكذلك الحُكمُ في المسائِلِ العِلْميَّةِ الفِقهيَّةِ ومَسائِلِ أعمالِ القُلوبِ وحَقائِقِها وغيرِ ذلك، كُلُّ هذه الأمورِ قد دَخَل فيها ألفاظٌ ومَعانٍ مُحدَثةٌ، وألفاظٌ ومعانٍ مُشتَرَكةٌ؛ فالواجِبُ أن يُجعَلَ ما أنزَلَه اللهُ مِنَ الكِتابِ والحِكمةِ أصلًا في جميعِ هذه الأمورِ، ثمَّ يُرَدَّ ما تكَلَّم فيه النَّاسُ إلى ذلك، ويُبَيَّنَ ما في الألفاظِ المجمَلةِ مِن المعاني الموافِقةِ للكِتابِ والسُّنَّةِ، فتُقَبُلَ، وما فيها من المعاني المخالِفةِ للكِتابِ والسُّنَّةِ فتُرَدَّ) .
    وقال أيضًا: (يَجِبُ أن تُفَسَّرَ الألفاظُ المُجمَلةُ بالألفاظِ المفَسَّرةِ المَبَّينةِ، وكُلُّ لَفظٍ يَحتَمِلُ حَقًّا وباطِلًا فلا يُطلَقُ إلَّا مُبَيَّنًا به المرادُ الحَقُّ دونَ الباطِلِ؛ فقد قيل: أكثَرُ اختلافِ العُقلاءِ مِن جِهةِ اشتراكِ الأسماءِ. وكثيرٌ مِن نزاعِ النَّاسِ في هذا البابِ هو مِن جِهةِ الألفاظِ المجمَلةِ التي يَفهَمُ منها هذا معنًى يُثبِتُه، ويَفهَمُ منها الآخَرُ معنًى يَنفِيه، ثمَّ النُّفاةُ يَجمَعونَ بين حَقٍّ وباطلٍ، والمثبِتةُ يَجَمعونَ بينَ حَقٍّ وباطِلٍ) .

    وقال محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ: (إنَّ مَذهَبَ الإمامِ أحمدَ وغَيرِه من السَّلَفِ: أنَّهم لا يتكَلَّمون في هذا النوعِ إلَّا بما يتكَلَّمُ اللهُ به ورسولُه؛ فما أثبته اللهُ لنَفْسِه أو أثبَتَه رَسولُه، أثبتوه، مثلُ الفوقيَّةِ والاستواءِ والكلامِ والمجيءِ وغيرِ ذلك، وما نفاه اللهُ عن نَفْسِه ونفاه عنه رسولُه، نَفَوه، مِثلُ المِثْلِ والنِّدِّ والسَّمِيِّ وغَيرِ ذلك، وأمَّا ما لا يُوجَدُ عن اللهِ ورَسولِه إثباتُه ونَفْيُه، مِثلُ الجَوهَرِ والجِسمِ والعَرَضِ والجِهةِ وغيرِ ذلك، لا يُثبِتونَه ولا يَنفُونَه) .
    خامساً : : من قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: كُلُّ صِفةٍ ثبتَتْ بالنَّقلِ الصَّحيحِ، وافَقَتِ العَقْلَ الصَّريحَ ولا بُدَّ :

    قال ابنُ تَيميَّةَ: (كُلُّ ما يَدُلُّ عليه الكِتابُ والسُّنَّةُ فإنَّه مُوافِقٌ لصَريحِ المعقولِ، وإنَّ العَقلَ الصَّريحَ لا يخالِفُ النَّقلَ الصَّحيحَ، ولكِنَّ كثيرًا مِنَ النَّاسِ يَغلَطونَ إمَّا في هذا وإمَّا في هذا، فمَن عَرَف قَولَ الرَّسولِ ومُرادَه به كان عارِفًا بالأدِلَّةِ الشَّرعيَّةِ، وليس في المعقولِ ما يخالِفُ المنقولَ) .
    وقال أيضًا: (من ادَّعى أنَّ العَقلَ يُعارِضُ السَّمعَ ويُخالِفُه فدَعْواه باطِلةٌ؛ لأنَّ العَقلَ الصَّريحَ
    لا يُتصَوَّرُ أن يخالِفَ النَّقلَ الصَّحيحَ، وإنَّما المخالِفونَ للكِتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ، والمُدَّعونَ حُصولَ القواطِعِ العَقليَّةِ إنَّما معهم شُبَهُ المعقولاتِ لا حقائِقُها) .
    وقال ابنُ القَيِّمِ: (ثَبَت بالعَقلِ الصَّريحِ والنَّقلِ الصَّحيحِ ثُبوتُ صِفاتِ الكَمالِ للرّبِّ سُبحانَه، وأنَّه أحَقُّ بالكَمالِ مِن كُلِّ ما سِواه، وأنَّه يجِبُ أن تكونَ القوَّةُ كُلُّها له، والعِزَّةُ كُلُّها له، والعِلْمُ كُلُّه له، والقُدرةُ كُلُّها له، والجَمالُ كُلُّه له، وكذلك سائِرُ صِفاتِ الكَمالِ) .
    وقال السَّفارينيُّ: (مَذهَبُ السَّلَفِ مِن الفِرقةِ النَّاجيةِ بين التَّعْطيلِ وبين التَّمْثيلِ؛ فلا يُمَثِّلونَ صِفاتِ اللهِ تعالى بصِفاتِ خَلْقِه، كما لا يُمَثِّلونَ ذاتَه بذَواتِ خَلْقِه، ولا يَنْفُونَ ما وَصَف به نَفْسَه، أو وصَفَه به رَسولُه، فيُعَطِّلونَ أسماءَه الحُسْنى وصِفاتِه العُلا، ويُحَرِّفونَ الكَلِمَ عن مواضِعِه، ويُلحِدونَ في أسْماءِ اللهِ تعالى وآياتِه، وليس في العَقلِ الصَّريحِ ولا في النَّقلِ الصَّحيحِ ما يُوجِبُ مخالَفةَ الطَّريقةِ السَّلَفِيَّةِ أصلًا) .
    وقال فالحُ بنُ مَهديٍّ: (لا اختِلافَ بين العَقلِ الصَّريحِ، والنَّقلِ الصَّحيحِ، بل هما مُتَّفِقانِ تمامَ الاتِّفاقِ) .
    وقال ابنُ عُثَيمين: (العَقلُ الصَّريحُ لا يمكِنُ أن يناقِضَ النَّقلَ الصَّحيحَ مِن الكِتابِ والسُّنَّةِ أبدًا، وهذه قاعِدةٌ مُطَّرِدةٌ) .

    سادساً : مِن قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: قَطْعُ الطَّمَعِ عن إدراكِ حقيقةِ الكيفيَّةِ :


    ينبغي على المسلم أن يقطع أمله في إدراك حقيقة كيفية صفات الله عز وجل وألا يشغل باله بذلك فإنه لا يعلم حقيقة ذلك إلا الله سبحانه .
    قال اللهُ تعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه: 110] .

    عن سُفيانَ بنِ عُيَينةَ قال: سُئِلَ ربيعةُ بنُ أبي عبدِ الرَّحمنِ عن قَولِه: اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: 54] : كيف استوى؟ قال: (الاستواءُ غيرُ مجهولٍ، والكيفُ غيرُ مَعقولٍ، ومِنَ اللهِ الرِّسالةُ، وعلى الرَّسولِ البَلاغُ، وعلينا التَّصديقُ) .
    وعن يحيى بنِ يحيى قال: كُنَّا عند مالِكِ بنِ أنَسٍ، فجاء رجُلٌ فقال: يا أبا عبدِ اللهِ، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] فكيف استوى؟ قال: فأطرَقَ مالِكٌ برأسَه حتى علاه الرُّحَضاءُ، ثمَّ قال: (الاستِواءُ غيرُ مجهولٍ، والكَيفُ غيرُ مَعقولٍ، والإيمانُ به واجِبٌ، والسُّؤالُ عنه بِدعةٌ، وما أراك إلَّا مُبتَدِعًا، فأمَرَ به أن يُخرَجَ) .

    وعن محمَّدِ بنِ الحسَنِ الشَّيباني قال: (نؤمِنُ بما جاء من عندِ اللهِ تعالى، ولا نشتَغِلُ بكيفيَّتِه على ما أراد اللهُ تعالى، وبما جاء مِن عندِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على ما أراد به رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) .

    وعن العَبَّاسِ بنِ محمَّدٍ الدُّوريِّ قال: سَمِعتُ أبا عُبَيدٍ القاسِمَ بنَ سَلامٍ، وذكَرَ البابَ الذي يُروى فيه حديثُ الرُّؤيةِ والكُرسيِّ ومَوضِعِ القدَمينِ، وضَحِكِ رَبِّنا مِن قُنوطِ عِبادِه وقُرْبِ غِيَرِه، وأين كان رَبُّنا قبل أن يَخلُقَ السَّماءَ، وأنَّ جَهنَّمَ لا تمتلِئُ حتى يضَعَ رَبُّك عزَّ وجَلَّ قَدَمَه فيها، فتقولُ: قَطْ قَطْ، وأشباهُ هذه الأحاديثِ، فقال: (هذه الأحاديثُ صِحَاحٌ، حمَلَها أصحابُ الحَديثِ والفُقَهاءُ بعضُهم عن بعضٍ، وهي عندنا حَقٌّ لا نَشُكُّ فيها، ولكِنْ إذا قيل: كيف وَضَعَ قَدَمَه؟ وكيف ضَحِكَ؟ قُلْنا: لا يُفَسَّرُ هذا، ولا سَمِعْنا أحَدًا يُفَسِّرُه) .

    وقال أحمدُ بنُ حَنبَلٍ: (من صفةِ المؤمِنِ من أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ: إرجاءُ ما غاب عنه من الأمورِ إلى اللهِ، كما جاءت الأحاديثُ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ أهلَ الجنَّةِ يَرَونَ رَبَّهم)) فيُصَدِّقُها، ولا يضرِبُ لها الأمثالَ، هذا ما اجتمع عليه العُلَماءُ في الآفاقِ) .

    وقال ابنُ القَيِّمِ: (العَقلُ قد يَئِسَ مِن تعَرُّفِ كُنْهِ الصِّفةِ وكَيفيَّتِها؛ فإنَّه لا يَعلَمُ كيف اللهُ إلَّا اللهُ، وهذا معنى قَولِ السَّلَفِ: بلا كَيفٍ، أي: بلا كَيفٍ يَعقِلُه البَشَرُ،
    فإنَّ مَن لا تَعلَمُ حَقيقةَ ذاتِه وماهيَّتِه، كيف تَعرِفُ كيفيَّةَ نُعوتِه وصِفاتِه؟ ولا يَقدَحُ ذلك في الإيمانِ بها، ومَعرفةِ مَعانيها، فالكيفيَّةُ وراءَ ذلك، كما أنَّا نَعرِفُ معانيَ ما أخبَرَ اللهُ به من حقائِقِ ما في اليَومِ الآخِرِ، ولا نعرِفُ حقيقةَ كيفيَّتِه، مع قُربِ ما بين المخلوقِ والمخلوقِ، فعَجْزُنا عن معرفةِ كيفيَّةِ الخالِقِ وصِفاتِه أعظَمُ وأعظَمُ! فكيف يَطمَعُ العَقلُ المخلوقُ المحصورُ المحدودُ في مَعرفةِ كيفيَّةِ مَن له الكَمالُ كُلُّه، والجَمالُ كُلُّه، والعِلْمُ كُلُّه، والقُدرةُ كُلُّها، والعَظَمةُ كُلُّها، والكِبرياءُ كُلُّها؟!)

    سابعاً : : مِن قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: صِفاتُ اللهِ عزَّ وجلَّ تُثبَتُ على وجهِ التَّفصيلِ، وتُنفَى على وجهِ الإجمالِ :

    الإثباتُ المُفصَّلُ: كإثباتِ السَّمعِ والبصَرِ وسائرِ الصِّفاتِ، والنَّفيُ المُجمَلُ: كنَفْيِ المِثليَّةِ في قولِه تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] .
    قال ابنُ تَيميَّةَ: (الرُّسُلُ جاؤوا بالإثباتِ المفَصَّلِ في صِفاتِ اللهِ، وبالنَّفيِ المجمَلِ؛ فوَصَفوه بالعِلْمِ والرَّحمةِ، والقُدرةِ والحِكمةِ، والكلامِ والعُلُوِّ، وغيرِ ذلك من الصِّفاتِ، وفي النَّفيِ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: 4] ،
    وأمَّا الخارجونَ عن حقيقةِ الرِّسالةِ؛ مِنَ الصَّابئةِ والفَلاسِفةِ والمُشرِكينَ وغيرِهم، ومَن تَجَهَّمَ من أتباعِ الأنبياءِ؛ فطَريقتُهم النَّفيُ المفَصَّلُ، ليس كذا، ليس كذا، وفي الإثباتِ أمرٌ مُجمَلٌ) .

    وقال ابنُ أبي العِزِّ: (النَّفيُ الصِّرفُ لا مَدْحَ فيه، ألَا ترى أنَّ قَولَ الشَّاعرِ:
    قُبَيِّلةٌ لا يَغدِرونَ بذِمَّةٍ ... ولا يَظلِمونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَرْدَلِ
    لَمَّا اقتَرَن بنَفيِ الغَدرِ والظُّلمِ عنهم ما ذَكَرَه قبل هذا البَيتِ وبَعْدَه، وتصغيرِهم بقولِه: قُبَيِّلةٌ؛ عُلِمَ أنَّ المرادَ عَجزُهم وضَعْفُهم، لا كَمالُ قُدرتِهم. وقَولَ الآخَرِ:
    لكِنَّ قَومي وإن كانوا ذَوِي عَدَدٍ ... ليسُوا مِنَ الشَّرِّ في شَيءٍ وإن هانَا
    لَمَّا اقتَرَن بنَفيِ الشَّرِّ عنهم ما يَدُلُّ على ذَمِّهم، عُلِمَ أنَّ المرادَ عَجْزُهم وضَعْفُهم أيضًا.
    ولهذا يأتي الإثباتُ للصِّفاتِ في كتابِ اللهِ مُفَصَّلًا، والنَّفيُ مُجمَلًا، عَكْسُ طريقةِ أهلِ الكلامِ المذمومِ؛ فإنَّهم يأتونَ بالنَّفيِ المفَصَّلِ والإثباتِ المجمَلِ، يَقولونَ: ليس بجِسمٍ، ولا شَبَحٍ، ولا جُثَّةٍ، ولا صورةٍ، ولا لحمٍ، ولا دَمٍ، ولا شَخصٍ، ولا جَوهَرٍ، ولا عَرَضٌ،
    ولا بذِي لَونٍ ولا رائحةٍ، ولا طَعْمٍ ولا مجسَّةٍ، ولا بذي حَرارةٍ ولا بُرودةٍ، ولا رُطوبةٍ ولا يُبُوسةٍ، ولا طُولٍ ولا عَرْضٍ ولا عُمقٍ، ولا اجتِماعٍ ولا افتِراقٍ، ولا يتحَرَّكُ، ولا يَسْكُنُ، ولا يتبعَّضُ، وليس بذي أبعاضٍ وأجزاءٍ وجوارِحَ وأعضاءٍ، وليس بذي جِهاتٍ،
    ولا بذي يمينٍ ولا شِمالٍ، وأمامٍ وخَلفٍ وفَوقٍ وتحتٍ، ولا يُحيطُ به مكانٌ، ولا يجري عليه زَمانٌ، ولا يجوزُ عليه المماسَّةُ
    ولا العُزلةُ ولا الحُلولُ في الأماكِنِ، ولا يُوصَفُ بشَيءٍ مِن صِفاتِ الخَلقِ الدَّالَّةِ على حُدوثِهم، ولا يُوصَفُ بأنَّه مُتناهٍ، ولا يُوصَفُ بمساحةٍ، ولا ذَهابٍ في الجِهاتِ، وليس بمحدودٍ، ولا والدٍ ولا مولودٍ، ولا تحيطُ به الأقدارُ، ولا تحجُبُه الأستارُ..
    إلى آخِرِ ما نَقَله أبو الحَسَنِ الأشعريُّ رحمه الله عن المُعْتَزِلةِ.
    وفي هذه الجُملةِ حَقٌّ وباطِلٌ، ويَظهَرُ ذلك لِمَن يَعرِفُ الكِتابَ والسُّنَّةَ، وهذا النَّفيُ المجَرَّدُ مع كونِه لا مَدْحَ فيه، فيه إساءةُ أدَبٍ؛
    فإنَّك لو قُلتَ للسُّلطانِ: أنت لستَ بزَبَّالٍ ولا كَسَّاحٍ ولا حَجَّامٍ ولا حائِكٍ، لأدَّبَك على هذا الوَصفِ وإنْ كنتَ صادِقًا، وإنما تكونُ مادِحًا إذا أجمَلْتَ النَّفيَ فقُلتَ: أنت لستَ مِثلَ أحَدٍ مِن رعيَّتِك، أنت أعلى منهم وأشرَفُ وأجَلُّ، فإذا أجمَلْتَ في النَّفيِ أجمَلْتَ في الأدَبِ) .

    ثامناً :: مِن قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: كلُّ اسمٍ ثبَتَ للهِ عزَّ وجلَّ، فهو مُتَضَمِّن لصفةٍ، ولا عكسَ :

    كل اسم من أسماء الله تعالى يدل على الصفة التي يتضمنها هذا الاسم، أما الصفات فلا نشتق منها أسماء لله عز وجل
    مثالُه: اسمُ الرَّحمنِ مُتَضَمِّن صفةَ الرَّحمةِ، والكريمِ يَتضَمَّنُ صفةَ الكرَمِ، واللَّطيفِ يَتضَمَّنُ صفةَ اللُّطْفِ، وهكذا، لكنَّ صِفاتِ: الإرادةِ، والإتيانِ، والاستواءِ، لا نشتَقُّ منها أسماءً لله، فلا نقولُ: مِن أسمائِه: المُريدُ، والآتِي، والمُستوِي، وهكذا.
    قال ابنُ تَيميَّةَ: (كُلُّ اسمٍ مِن أسمائِه يَدُلُّ على الذَّاتِ المُسَمَّاةِ، وعلى الصِّفةِ التي تضَمَّنَها الاسمُ، كالعَليمِ: يَدُلُّ على الذَّاتِ والعِلْمِ، والقَديرِ: يَدُلُّ على الذَّاتِ والقُدرةِ، والرَّحيمِ: يَدُلُّ على الذَّاتِ والرَّحمةِ) .

    وقال ابنُ القَيِّمِ: (لا يَلزَمُ مِن الإخبارِ عنه بالفِعلِ مُقَيَّدًا أن يُشتَقَّ له منه اسمٌ مُطلَقٌ، كما غَلِطَ فيه بَعضُ المتأخِّرينَ، فجَعَل من أسمائِه الحُسْنى المضِلَّ الفاتِنَ الماكِرَ! تعالى اللهُ عن قَولِه؛ فإنَّ هذه الأسماءَ لم يُطلَقْ عليه سُبحانَه منها إلَّا أفعالٌ مخصوصةٌ مُعَيَّنةٌ، فلا يجوزُ أن يُسَمَّى بأسمائِها) .
    وقال أيضًا: (جميعُ ما أطلَقَه على نَفْسِه من صِفاتِه العُلا أكمَلُ مَعنًى ولَفظًا مِمَّا لم يُطلِقْه. فالعَليمُ الخبيرُ أكمَلُ مِن الفَقيهِ والعارِفِ، والكريمُ الجَوَادُ أكمَلُ مِنَ السَّخِيِّ، والخالِقُ البارِئُ المصَوِّرُ أكمَلُ مِنَ الصَّانِعِ الفاعِلِ؛ ولهذا لم تجِئْ هذه في أسمائِه الحُسْنى، والرَّحيمُ والرَّؤوفُ أكمَلُ من الشَّفيقِ والمُشفِقِ؛ فعليك بمراعاةِ ما أطلقَه سُبحانَه على نَفْسِه من الأسماءِ والصِّفاتِ، والوُقوفِ معها، وعَدَمِ إطلاقِ ما لم يُطلِقْه على نَفْسِه ما لم يكُنْ مُطابِقًا لِمعنى أسمائِه وصِفاتِه، وحينَئذٍ فيُطلَقُ المعنى لمطابقَتِه له دونَ اللَّفظِ، ولا سِيَّما إذا كان مُجمَلًا أو مُنقَسِمًا إلى ما يُمدَحُ به وغَيرِه؛ فإنَّه لا يجوزُ إطلاقُه إلَّا مُقَيَّدًا،
    وهذا كلَفظِ الفاعِلِ والصَّانِعِ؛ فإنَّه لا يُطلَقُ عليه في أسمائِه الحُسْنى إلَّا إطلاقًا مُقَيَّدًا أطلَقَه على نَفْسِه،
    كقَولِه تعالى: فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [البروج: 16] ، وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم: 27] ، وقَولِه: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ [النمل: 88] ، فإنَّ اسمَ الفاعِلِ والصَّانِعِ مُنقَسِمُ المعنى إلى ما يُمدَحُ عليه ويُذَمُّ.
    ولهذا المعنى -واللهُ أعلَمُ- لم يَجِئْ في الأسماءِ الحُسْنى المريدُ، كما جاء فيها السَّميعُ البَصيرُ، ولا المتكَلِّمُ، ولا الآمِرُ النَّاهي؛ لانقِسامِ مُسَمَّى هذه الأسماءِ، بل وَصَفَ نَفْسَه بكَمالاتِها، وأشرَفِ أنواعِها.
    ومِن هنا يُعلَمُ غَلَطُ بَعضِ المتأخِّرينِ وزَلَقُه الفاحِشُ في اشتِقاقِه له سُبحانَه مِن كُلِّ فِعلٍ أخبَرَ به عن نَفْسِه اسمًا مُطلَقًا،
    فأدخَلَه في أسمائِه الحُسْنى، فاشتَقَّ له اسمَ الماكِرِ، والخادِعِ، والفاتِنِ، والمضِلِّ، والكاتِبِ، ونَحوِها؛ مِن قَولِه: وَيَمْكُرُ اللَّهُ [الأنفال: 30] ، ومِن قَولِه: وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء: 142] ، ومِن قَولِه: لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ [طه: 131] ، ومِن قَولِه: يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ [الرعد: 27] [النحل: 93] [فاطر: 8] ، وقَولِه تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ [المجادلة: 21] ، وهذا خطَأٌ مِن وُجوهٍ:
    أحَدُها: أنَّه سُبحانَه لم يُطلِقْ على نَفْسِه هذه الأسماءَ؛ فإطلاقُها عليه لا يجوزُ.
    الثَّاني: أنَّه سُبحانَه أخبَرَ عن نَفْسِه بأفعالٍ مُختَصَّةٍ مُقَيَّدةٍ؛ فلا يجوزُ أن يُنسَبَ إليه مُسَمَّى الاسمِ عند الإطلاقِ.
    الثَّالِثُ: أنَّ مُسَمَّى هذه الأسماءِ مُنقَسِمٌ إلى ما يُمدَحُ عليه المسَمَّى به، وإلى ما يُذَمُّ، فيَحسُنُ في مَوضِعٍ، ويَقبُحُ في مَوضِعٍ؛ فيَمتَنِعُ إطلاقُه عليه سُبحانَه من غيرِ تَفصيلٍ.
    الرَّابِعُ: أنَّ هذه ليست من الأسماءِ الحُسْنى التي يُسَمَّى بها سُبحانَه فلا يجوزُ أن يُسَمَّى بها؛
    فإنَّ أسماءَ الرَّبِّ تعالى كُلَّها حُسْنى، كما قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنى [الأعراف: 180] ، وهي التي يُحِبُّ سُبحانَه أن يُثنَى عليه ويُحمَدَ بها دونَ غَيرِها.
    الخامِسُ: أنَّ هذا القائِلَ لو سُمِّيَ بهذه الأسماءِ، وقيل له: هذه مِدْحَتُك وثَناءٌ عليك، فأنت الماكِرُ الفاتِنُ المخادِعُ المضِلُّ اللَّاعِنُ الفاعِلُ الصَّانِعُ، ونَحوُها؛ لَمَا كان يَرضى بإطلاقِ هذه الأسماءِ عليه ويَعُدُّها مِدْحةً، ولله المثَلُ الأعلى سُبحانَه وتعالى عمَّا يَقولُ الجاِهلونَ به عُلُوًّا كَبيرًا.
    السَّادِسُ: أنَّ هذا القائِلَ يَلزَمُه أن يَجعَلَ مِن أسمائِه اللَّاعِنَ والجائِيَ والآتِيَ والذَّاهِبَ والتَّارِكَ والمقاتِلَ والصَّادِقَ والمُنَزِّلَ والنَّازِلَ والمُدَمْدِمَ والمدَمِّرَ، وأضعافَ أضعافِ ذلك، فيَشتَقُّ له اسمًا مِن كُلِّ فِعلٍ أخبَرَ به عن نَفْسِه،
    وإلَّا تناقَضَ تناقُضًا بَيِّنًا، ولا أحدَ مِن العُقَلاءِ طَرَدَ ذلك؛ فعُلِمَ بُطلانُ قَولِه، والحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ) .

    وقال محمَّدُ بنُ إبراهيمَ آل الشَّيخِ
    في قَولِه تعالى: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ [النساء: 176] : (إسنادُ الإفتاءِ بصِيغةِ الفِعلِ المقَيَّدِ إلى اللهِ تعالى في القُرآنِ لا يَستَلزِمُ تَسميةَ اللهِ عزَّ وجَلَّ باسمِ المُفْتي؛ فإنَّ بابَ الأفعالِ أوسَعُ مِن بابِ الأسماءِ) .

    وقال ابنُ عُثَيمين: (كُلُّ اسمٍ مِن أسْماءِ اللهِ يَدُلُّ على صِفةٍ مِن صِفاتِه، بل على صفتينِ أحيانًا أو أكثَرَ -ما يَلزَمُ مِن إثباتِ الصِّفةِ التي يَدُلُّ عليها الاسمُ-، مِثالُ ذلك: الخالِقُ دَلَّ على صِفةِ الخَلْقِ، وصِفةُ الخَلقِ تَستلزِمُ ثُبوتَ صِفةِ العِلْمِ والقُدرةِ، وقد يَدُلُّ الاسمُ على الأثَرِ إذا كان ذلك الاسمُ مُتعَدِّيًا، مِثالُه: السَّمِيعُ يَدُلُّ على صِفةِ السَّمعِ، ويدُلُّ على أنَّ اللهَ يَسمَعُ كُلَّ صوتٍ يَحدُثُ) .
    -----------------------------------------------------------------------------------------
    التالي : -
    -
    تاسعاً : - : من قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: صِفاتُ اللهِ تعالى كلُّها صِفاتُ كَمالٍ، لا نَقْصَ فيها بوجهٍ مِن الوجوهِ :
    وما زلنا أحبابنا تابعونا وجزاكم الله خيرا

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

     المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ  : قواعِدُ في صِفاتِ اللهِ تعالى  : إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه في كتابِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم Empty تاسعاً : - : من قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: صِفاتُ اللهِ تعالى كلُّها صِفاتُ كَمالٍ، لا نَقْصَ فيها بوجهٍ مِن الوجوهِ :

    مُساهمة من طرف صادق النور الخميس ديسمبر 28, 2023 7:31 am

    يتبع ما قبله : -

    تاسعاً : - : من قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: صِفاتُ اللهِ تعالى كلُّها صِفاتُ كَمالٍ، لا نَقْصَ فيها بوجهٍ مِن الوجوهِ :
    الله تبارك وتعالى متصف بصفات الكمال ونعوت الجمال وهو منزه عن كل عيب ونقص
    قال ابنُ بَطَّال: (صفاتُ اللهِ تعالى لا نَقْصَ فيها) .

    وقال ابنُ تَيميَّةَ: (ما جاء به الرَّسولُ هو الحَقُّ الذي يَدُلُّ عليه المعقولُ، وإنَّ أَولى النَّاسِ بالحَقِّ أتبَعُهم له وأعظَمُهم له مُوافَقةً، وهم سَلَفُ الأُمَّةِ وأئمَّتُها الذين أثبَتوا ما دَلَّ عليه الكِتابُ والسُّنَّةُ مِن الصِّفاتِ، ونَزَّهوه عن مماثلةِ المخلوقاتِ؛ فإنَّ الحياةَ والعِلْمَ والقُدرةَ والسَّمعَ والبَصَرَ والكَلامَ: صِفاتُ كَمالٍ مُمكِنةٌ بالضَّرورةِ، ولا نَقْصَ فيها، فإنَّ ما اتَّصَف بهذه فهو أكمَلُ مِمَّا لا يتَّصِفُ بها، والنَّقصُ في انتفائِها لا في ثُبوتهِا، والقابِلُ للاتِّصافِ بها -كالحَيوانِ- أكمَلُ مِمَّن لا يَقبَلُ الاتِّصافَ بها، كالجَمادِ) .
    وقال ابنُ القَيِّمِ: (ذاتُه تعالى مُنَزَّهةٌ عن كُلِّ شَرٍّ، وصِفاتُه كذلك؛ إذ كُلُّها صِفاتُ كَمالٍ ونُعوتُ جلالٍ، لا نَقْصَ فيها بوَجهٍ مِن الوُجوهِ، وأسماؤُه كُلُّها حُسْنى ليس فيها اسمُ ذَمٍّ ولا عَيبٍ) .

    وقال علي القاري
    : (هو مولانا، نِعْمَ المولى، ونِعْمَ النَّصيرُ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ، وهو متَّصِفٌ بأوصافِ الكَمالِ مِن نعوتِ الجَلالِ، وصِفاتِ الجَمالِ الذَّاتيَّةِ والأفعاليَّةِ، والثُّبوتيَّةِ والسَّلبيَّةِ، فهو كما أنَّه موصوفٌ بأوصافِ الكَمالِ، مُنَزَّهٌ عن صفاتِ النُّقصانِ والزَّوالِ) .

    وقال الزُّرقانيُّ: (أسماءُ اللهِ وصِفاتُه وكَلامُه لا نَقْصَ فيها) .
    وقال سُلَيمانُ بنُ عبدِ الله آل الشَّيخ: (لا يضافُ الشَّرُّ إلى ذاتِه وصِفاتِه، ولا أسمائِه ولا أفعالِه؛ فإنَّ ذاتَه مُنزَّهةٌ عن كُلِّ شَرٍّ، وصِفاتُه كذلك؛ إذ كُلُّها صِفاتُ كَمالٍ، ونُعوتُ جَلالٍ، لا نَقْصَ فيها بوَجهٍ مِن الوُجوهِ) .

    وقال ابنُ باز: (كُلُّ أسْماءِ اللهِ سُبحانَه مُشتَمِلةٌ على صِفاتٍ له سُبحانَه تليقُ به وتُناسِبُ كَمالَه، ولا يُشبِهُه فيها شيءٌ؛ فأسماؤه سُبحانَه أعلامٌ عليه ونعوتٌ له عزَّ وجَلَّ، ومنها: الرَّحمنُ، الرَّحيمُ، العزيزُ، الحكيمُ، المَلِكُ، القُدُّوسُ، السَّلامُ، المؤمِنُ، المُهَيمِنُ، إلى غيرِ ذلك من أسمائِه سُبحانَه الواردةِ في كتابِه الكريمِ، وفي سُنَّةِ رَسولِه الأمينِ؛ فالواجِبُ إثباتُها له سُبحانَه على الوَجهِ اللَّائِقِ بجَلالِه مِن غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ومن غيرِ تكييفٍ ولا تمثيلٍ) .

    وقال ابنُ عُثَيمين: (صِفاتُ اللهِ تعالى كُلُّها صِفاتُ كَمالٍ لا نَقْصَ فيها بوَجهٍ مِنَ الوُجوهِ؛ كالحياةِ، والعِلْمِ، والقُدرةِ، والسَّمعِ، والبَصَرِ، والرَّحمةِ، والعِزَّةِ، والحِكمةِ، والعُلُوِّ، والعَظَمةِ، وغيرِ ذلك. وقد دَلَّ على هذا: السَّمعُ والعَقلُ والفِطرةُ) .
    وقال ابنُ عُثَيمين أيضًا: (صِفاتُ اللهِ عزَّ وجَلَّ قِسْمانِ: ثُبوتيَّةٌ وسَلْبيَّةٌ، أو إنْ شِئتَ فقُلْ: مُثبَتةٌ ومَنفيَّةٌ، والمعنى واحِدٌ؛ فالمُثبَتةُ: كُلُّ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه، وكُلُّها صِفاتُ كَمالٍ، ليس فيها نَقصٌ بوَجهٍ مِنَ الوُجوهِ، ومِن كَمالِها أنَّه لا يمكِنُ أن يكونَ ما أثبَتَه دالًّا على التَّمْثيلِ؛ لأنَّ المُماثلةَ للمَخلوقِ نَقْصٌ) .

    عاشراً : : من قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: صِفاتُ اللهِ عزَّ وجلَّ ذاتِيَّةٌ وفِعليَّةٌ، والصِّفاتُ الفِعليَّةُ مُتعلِّقةٌ بأفعالِه، وأفعالُه لا مُنتهَى لها :

    قال اللهُ تعالى: وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم: 27] .
    قال ابنُ تَيميَّةَ: (مَعْلُومٌ أنَّ الإجماعَ على تنزيهِ اللهِ تعالى عن صِفاتِ النَّقصِ، مُتناوِلٌ لتَنزيهِه عن كُلِّ نَقصٍ مِن صِفاتِه الفِعليَّةِ وغَيرِ الفِعليَّةِ، وجميعُ الطَّوائِفِ يُقَسِّمونَ الصِّفاتِ إلى صِفاتٍ ذاتيَّةٍ وصِفاتٍ فِعليَّةٍ، ومُتَّفِقونَ على تَنزيهِه عن النَّقصِ في هذا وفي هذا) .
    وقال ابنُ عُثَيمين: (الصِّفاتُ الثُّبوتيَّةُ تَنقَسِمُ إلى قِسمَينِ: ذاتيَّةٍ، وفِعليَّةٍ.
    فالذاتيَّةُ: هي التي لم يَزَلْ ولا يزالُ متَّصِفًا بها؛ كالعِلْمِ، والقُدرةِ، والسَّمعِ، والبَصَرِ، والعِزَّةِ، والحِكمةِ، والعُلُوِّ، والعَظَمةِ. ومنها الصِّفاتُ الخَبَريَّةُ: كالوَجهِ واليَدَينِ والعَينَينِ.
    والفِعليَّةُ: هي التي تتعَلَّقُ بمشيئتِه؛ إن شاء فعَلَها، وإن شاء لم يفعَلْها، كالاستواءِ على العَرْشِ، والنُّزولِ إلى السَّماءِ الدُّنيا.
    وقد تكونُ الصِّفةُ ذاتيَّةً فِعليَّةً باعتبارينِ، كالكلامِ؛ فإنَّه باعتبارِ أصلِه صِفةٌ ذاتيَّةٌ؛ لأنَّ اللهَ تعالى لم يَزَلْ ولا يَزالُ مُتكَلِّمًا،
    وباعتبارِ آحادِ الكلامِ صِفةٌ فِعليَّةٌ؛ لأنَّ الكلامَ يتعَلَّقُ بمشيئتِه، يتكَلَّمُ متى شاء بما شاء،
    كما في قَولِه تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82] ، وكُلُّ صِفةٍ تعلَّقَت بمشيئتِه تعالى فإنَّها تابِعةٌ لحِكمتِه.
    وقد تكونُ الحِكمةُ مَعْلُومةً لنا، وقد نَعجِزُ عن إدراكِها، ولكِنَّنا نَعلَمُ عِلمَ اليَقينِ أنَّه سُبحانَه لا يشاءُ شَيئًا إلَّا وهو موافِقٌ للحِكمةِ،
    كما يشيرُ إليه قَولُه تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [الإنسان: 30] ) .

    الحادي عشر : : من قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: دَلالةُ الكِتابِ والسُّنَّةِ على ثُبوتِ الصِّفةِ: إمَّا بالتَّصريحِ بها، أو تضمُّنِ الاسمِ لها، أو التَّصريحِ بفِعلٍ أو وَصْفٍ دالٍّ عليها :

    قال ابنُ عُثَيمين: (لدَلالةِ الكِتابِ والسُّنَّةِ على ثُبوتِ الصِّفةِ ثلاثةُ أوجُهٍ:
    الأَوَّلُ: التَّصريحُ بالصِّفةِ؛ كالعِزَّةِ، والقُوَّةِ، والرَّحمةِ، والبَطْشِ، والوَجهِ، واليَدَينِ، ونَحوِها.
    الثَّاني: تضَمُّنُ الاسمِ لها، مِثلُ: الغَفورُ مُتَضَمِّنٌ للمَغفرةِ، والسَّميعُ مُتَضَمِّنٌ للسَّمعِ، ونحوُ ذلك.
    الثَّالِثُ: التَّصريحُ بفِعلٍ أو وَصفٍ دالٍّ عليها، كالاستواءِ على العَرشِ، والنُّزولِ إلى السَّماءِ الدُّنيا، والمجيءِ للفَصلِ بين العِبادِ يومَ القيامةِ، والانتقامِ مِن المجرِمينَ؛ الدَّالِّ عليها على الترتيبِ .
    قَولُه تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [الشورى: 11] ، وقَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يَنزِلُ رَبُّنا إلى السَّماءِ الدُّنيا )) الحديث .
    وقَولُ اللهِ تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا، وقَولُه: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ [السجدة: 22] ) .

    الثَّاني عَشَرَ: مِن قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: صِفاتُ اللهِ عزَّ وجلَّ يُستعاذُ بها، ويُحلَفُ بها :

    الحلف أو الاستعاذة بصفة من صفات الله عز وجل هو كالحلف أو الاستعاذة بالله تعالى
    قال البُخاريُّ في صَحِيحِه في كتابِ الأَيْمانِ والنُّذورِ: (بابٌ: الحَلِفُ بعزَّةِ اللهِ وصِفاتِه وكلِماتِه، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقُولُ: ((أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ)) ،
    وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا)) ،
    وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((قَالَ اللَّهُ: لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ)) ، وَقَالَ أَيُّوبُ: ((وَعِزَّتِكَ لاَ غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ )) .

    وعن عائشة رضي الله عنها قالت: فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ، فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ: ((اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ )) .

    قال ابنُ تَيميَّةَ
    : (الحَلِفُ بصِفاتِ اللهِ سُبحانَه كالحَلِفِ به، كما لو قال: وعِزَّةِ اللهِ، أو: لَعَمْرُ اللهِ، أو: والقُرآنِ العَظيمِ؛ فإنَّه قد ثبت جوازُ الحَلِفِ بهذه الصِّفاتِ ونَحوِها عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والصَّحابةِ،
    ولأنَّ الحَلِفَ بصِفاتِه كالاستِعاذةِ بها، وإن كانت الاستِعاذةُ لا تكونُ إلَّا باللهِ وصِفاتِه في مِثلِ قَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أعوذُ بوَجْهِك )) ، و((أعوذُ بكَلِماتِ اللهِ التَّامَّاتِ )) ، و((أعوذُ برِضاك مِن سَخَطِك)) ، ونحوِ ذلك. وهذا أمرٌ مُقَرَّرٌ عند العُلَماءِ) .

    وقال ابنُ باز: (إذا حَلَف بالمُصحَفِ قَصْدُه القُرآنُ كلامُ اللهِ، فلا بأسَ؛ لأنَّ القُرآنَ كلامُ اللهِ، فإذا قال: وعِزَّةِ اللهِ، أو: كلامِ اللهِ، أو: بالمصحَفِ، وقَصْدُه القُرآنُ؛ لأنَّه كُلُّه كَلامُ اللهِ عزَّ وجَلَّ، فهذه يمينٌ لا بأسَ بها، ولا حَرَجَ في ذلك، والحَمدُ لله. مِثلُ لو قال: وعِزَّةِ اللهِ،
    وعِلمِ اللهِ، وكلامِ اللهِ، لا بَأْسَ أن يَحلِفَ بصِفةٍ مِن صِفاتِ اللهِ سُبحانَه، كما لو قال: والرَّحمنِ، والرَّحيمِ، والعَليمِ، والعَزيزِ، والحَكيمِ، وهكذا لو قال: وعِزَّةِ اللهِ، ورَحمةِ اللهِ، وعِلمِ اللهِ، وكَلامِ اللهِ- فلا بَأْسَ) .
    وقال ابنُ عُثَيمين: (الاستِعاذةُ بصِفةٍ، ككَلامِه، وعَظَمتِه، وعِزَّتِه، ونحوِ ذلك. ودليلُ ذلك قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أعوذُ بكَلِماتِ اللهِ التامَّاتِ مِن شَرِّ ما خَلَق ))، وقَولُه: ((أعوذُ بعَظَمتِك أن أُغتالَ من تحتي )) ، وقولُه في دُعاءِ الألَمِ: ((أعوذُ بعِزَّةِ اللهِ وقُدرتِه مِن شَرِّ ما أجِدُ وأحاذِرُ )) ، وقَولُه: ((أعوذُ برِضاك مِن سَخَطِك))، وقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حين نَزَل قَولُه تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ [الأنعام: 65] فقال: ((أعوذُ بوَجْهِك )) .

    وقال ابنُ عُثَيمين أيضًا: (الصَّحيحُ أنَّ الحَلِفَ بصِفاتِ اللهِ جائِزٌ ومُنعَقِدٌ، أمَّا الحَلِفُ بآياتِ اللهِ ففيه تفصيلٌ؛ إن كان مرادُ الحالِفِ بآياتِ اللهِ الكونيَّةَ، فهذا لا يجوزُ ولا يَنعَقِدُ به اليَمينُ، مِثلُ أن يَقولَ: والشَّمسِ، والقَمَرِ، واللَّيلِ، والنَّهارِ، فهذا كُلُّه حرامٌ، مع أنَّها مِن آياتِ اللهِ، لكِنْ لكَونِها من آياتِ اللهِ الكَونيَّةِ حُرِّمَ على الإنسانِ الحَلِفُ بها، أمَّا إذا كانت من آياتِ اللهِ الشَّرعيَّةِ، كالقُرآنِ -فالقُرآنُ صِفةٌ مِن صِفاتِ اللهِ؛ لأنَّه كلامُ اللهِ- فيَجوزُ الحَلِفُ بذلك) .

    وقال بكر أبو زيد: (قاعِدةُ الشَّريعةِ المطَّرِدةُ: أنَّه لا يجوزُ الحَلِفُ والقَسَمُ إلَّا باللهِ تعالى، أو باسمٍ من أسمائِه، أو صفةٍ مِن صِفاتِه سُبحانَه؛ لأنَّ الحَلِفَ يقتضي التَّعظيمَ الذي لا يُشارِكُه فيه أحدٌ، وهذا لا يُصرَفُ إلَّا للهِ تعالى؛ ولهذا كان الحَلِفُ بغيرِ اللهِ تعالى من المخلوقينَ كافَّةً- شِركًا باللهِ...
    إذا عُلِمَ هذا فإنَّ الحَلِفَ بالمُصحَفِ أو بلَفظِ: "والقُرآنِ الكريمِ" هو حَلِفٌ بصِفةٍ مِن صِفاتِ اللهِ سُبحانَه؛ إذ القُرآنُ مُشتَمِلٌ على كلامِ اللهِ، وكلامُ اللهِ مِن صِفاتِه، فصار كما لو قال الحالِفُ: "وكلامِ اللهِ"، فهذا حَلِفٌ جائِزٌ، وقد أقام هذا أهلُ السُّنَّةِ على أهلِ البِدعةِ مَقامَ الحُجَّةِ عليهم في قَولِهم الباطِلِ بخَلْقِ القُرآنِ.
    ولا يُشكِلُ عليك أنَّ الحالِفَ بالمُصحَفِ قد يريدُ الحَلِفَ بالوَرَقِ والجِلْدِ؛ لأنَّ المصحَفَ الكريمَ لا يُسَمَّى مُصحَفًا إلَّا بما فيه مِن كلامِ اللهِ المجيدِ.
    واعلَمْ أيضًا: أنَّ الحَلِفَ بآياتِ اللهِ الجائِزَ، هو الحَلِفُ بآياتِ اللهِ الشَّرعيَّةِ؛ القُرآنِ الكريمِ،
    أمَّا الحَلِفُ بآياتِ اللهِ الكونيَّةِ القَدَريَّةِ -وهي مخلوقاتُه مِن إنسٍ وجِنٍّ- فلا يجوزُ قَولًا واحِدًا) .

    الثَّالِثَ عَشَرَ: مِن قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: الكلامُ في الصِّفاتِ كالكَلامِ في الذَّاتِ :

    كما أنَّ ذاتَ اللهِ سُبْحَانَه حقيقيَّةٌ لا تُشبِهُ الذَّواتِ، فهي متَّصفةٌ بصِفاتٍ حقيقيَّةٍ لا تُشبِهُ الصِّفاتِ، وكما أنَّ إثباتَ الذَّاتِ إثباتُ وجودٍ لا إثباتُ كيفيَّةٍ، كذلك إثباتُ الصِّفاتِ إثباتُ وجودٍ لا إثباتُ كيفيَّةٍ .
    قال الخطيبُ البغداديُّ: (أمَّا الكلامُ في الصِّفاتِ فإنَّ ما رُوِيَ منها في السُّنَنِ الصِّحاحِ مَذهَبُ السَّلَفِ رَضِيَ اللهُ عنهم إثباتُها وإجراؤُها على ظاهِرِها، ونَفيُ الكيفيَّةِ والتَّشبيهِ عنها، والأصلُ في هذا أنَّ الكلامَ في الصِّفاتِ فَرعٌ على الكلامِ في الذَّاتِ، ويُحتذَى في ذلك حَذْوُه ومِثالُه، فإذا كان مَعْلُومًا أنَّ إثباتَ رَبِّ العالَمينَ عزَّ وجَلَّ إنَّما هو إثباتُ وُجودٍ
    لا إثباتُ تحديدٍ وتكييفٍ، فكذلك إثباتُ صِفاتِه إنَّما هو إثباتُ وُجودٍ لا إثباتُ تحديدٍ وتكييفٍ، فإذا قُلْنا: لله تعالى يَدٌ وسَمعٌ وبَصَرٌ، فإنَّما هو إثباتُ صِفاتٍ أثبَتَها اللهُ تعالى لنَفْسِه، ولا نقولُ: إنَّ معنى اليَدِ: القُدرةُ، ولا أنَّ معنى السَّمعِ والبَصَرِ: العِلْمُ، ولا نقولُ: إنَّها الجوارحُ، ولا نُشَبِّهُها بالأيدي والأسماعِ والأبصارِ التي هي جوارِحُ وأدواتُ الفِعلِ. ونقولُ: إنَّما ورد إثباتُها؛ لأنَّ التَّوقيفَ وَرَد بها، ووَجَب نَفيُ التَّشبيهِ عنها؛ لِقَولِه تبارك وتعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى 11]، وقَولِه عزَّ وجَلَّ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص 4]) .

    وقال أبو القاسِمِ الأصبهانيُّ: (الكلامُ في صِفاتِ اللهِ عزَّ وجَلَّ، ما جاء منها في كتابِ اللهِ،
    أو رُوِيَ بالأسانيدِ الصَّحيحةِ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فمَذهَبُ السَّلَفِ رحمةُ اللهِ عليهم أجمعينَ إثباتُها،
    وإجراؤُها على ظاهِرِها، ونَفيُ الكيفيَّةِ عنها، وقد نفاها قومٌ فأبطَلوا ما أثبَتَه اللهُ، وذَهَب قَومٌ مِن المُثبِتينَ إلى البَحثِ عن التَّكييفِ، والطَّريقةُ المحمودةُ هي الطَّريقةُ المتوسِّطةُ بين الأمرَينِ، وهذا لأنَّ الكلامَ في الصِّفاتِ فَرعٌ على الكلامِ في الذَّاتِ، وإثباتُ الذَّاتِ إثباتُ وُجودٍ، لا إثباتُ كيفيَّةٍ، فكذلك إثباتُ الصِّفاتِ، وإنَّما أثبَتْناها لأنَّ التَّوقيفَ ورد بها، وعلى هذا مضى السَّلَفُ؛

    قال مكحولٌ والزُّهريُّ: «أَمِرُّوا هذه الأحاديثَ كما جاءت». فإنْ قيل: كيف يَصِحُّ الإيمانُ بما لا نحيطُ عِلمًا بحقيقتِه؟ قيل: إنَّ إيمانَنا صحيحٌ بحَقِّ من كُلِّفْناه، وعِلْمُنا محيطٌ بالأمرِ الذي أُلزِمْناه، وإن لم نَعرِفْ ما تحتَها حقيقةَ كيفيَّتِه، وقد أُمِرْنا بأن نؤمِنَ بملائِكةِ اللهِ وكُتُبِه ورُسُلِه وباليومِ الآخِرِ، وبالجنَّةِ ونَعيمِها، وبالنَّارِ وعَذابِها، ومعلوٌم أنَّا لا نحيطُ عِلمًا بكُلِّ شيءٍ منها على التفصيلِ، وإنَّ ما كُلِّفْناه الإيمانُ بها جملةً) .

    وقال القُرطبي: (فإذا كان معلومًا أنَّ إثباتَ الباري سبحانَه إنَّما هو إثباتُ وُجودٍ بما ذكَرْنا،
    لا إثباتُ كيفيَّةٍ، فكذلك إثباتُ صِفاتِه على ما يأتي إنَّما هو إثباتُ وُجودٍ، لا إثباتُ تحديدٍ وتكييفٍ. فإذا قُلْنا: يدٌ وسَمعٌ وبصَرٌ ونَحْوُها، فإنَّما هي صفاتٌ أثبَتَها اللهُ تعالى لنَفْسِه، لا نقولُ: إنَّ معنى اليدِ: القُوَّةُ والنِّعمةُ، ولا معنى السَّمعِ والبَصَرِ: العِلمُ، ولا نقولُ: إنَّها جوارحُ وأدواتٌ للفِعلِ، ذهب إلى هذا القَولِ جماعةٌ من الأئمَّةِ فلم يتأوَّلوا، وكذلك جميعُ الصِّفاتِ أَجْرَوها على ظاهِرِها، ونَفَوُا الكيفيَّةَ والتَّشبيهَ عنها) .
    وقال ابنُ تَيميَّةَ: (القَولُ في الصِّفاتِ كالقَولِ في الذَّاتِ؛ فإنَّ اللهَ لَيسَ كمِثْلِه شَيءٌ؛ لا في ذاتِه، ولا في صِفاتِه، ولا في أفعالِه، فإذا كان له ذاتٌ حقيقيَّةٌ لا تماثِلُ الذَّواتِ، فالذَّاتُ مُتَّصِفةٌ بصِفاتِ حقيقيةٍ لا تماثِلُ صِفاتِ سائِرِ الذَّواتِ) .
    وقال محمَّدُ بنُ إبراهيمَ آل الشَّيخِ: (كما نتيقَّنُ أنَّ اللهَ سُبحانَه له ذاتٌ حقيقيَّةٌ، وله أفعالٌ حقيقيَّةٌ؛ فكذلك له صِفاتٌ وأسماءٌ حقيقيَّةٌ، وكُلُّ ما أوجَبَ نَقصًا أو حُدوثًا فإنَّ اللهَ مُنَزَّهٌ عنه حقيقةً؛ فإنَّه سُبحانَه مُستَحِقٌّ للكَمالِ الذي لا غايةَ فَوقَه) .
    وقال الشِّنقيطيُّ: (إنَّ الذَّاتَ والصِّفاتِ مِن بابٍ واحدٍ أيضًا، فكما أنَّه جَلَّ وعلا له ذاتٌ مخالِفةٌ لجميعِ ذواتِ الخَلْقِ، فله تعالى صفاتٌ مخالِفةٌ لجَميعِ صِفاتِ الخَلْقِ) .
    وقال ابنُ باز: (كما أنَّ له سُبحانَه ذاتًا حقيقيَّةً لا تُشبِهُ ذواتِ خَلْقِه، فكذلك له صِفاتٌ حقيقيَّةٌ
    لا تُشبِهُ صِفاتِ خَلْقِه، ولا يَلزَمُ مِن إثباتِ الصِّفةِ للخالِقِ سُبحانَه مُشابهتُها لصِفةِ المخلوقِ، وهذا هو مَذهَبُ سَلَفِ الأُمَّةِ من الصَّحابةِ والتابعينَ ومَن سار على نَهْجِهم في القُرونِ الثَّلاثةِ المفَضَّلةِ) .
    وقال ابنُ باز أيضًا: (يجِبُ أن تُمَرَّ كما جاءت، مع الإيمانِ بها واعتقادِ أنَّه سُبحانَه لا مَثيلَ له، ولا شَبيهَ له، ولا كُفُوَ له سُبحانَه وتعالى، ولكِنْ لا نُكَيِّفُها؛ لأنَّه لا يَعلَمُ كيفيَّةَ صِفاتِه إلَّا هو، فكما أنَّه سُبحانَه له ذاتٌ لا تُشبِهُ الذَّواتِ، ولا يجوزُ تكييفُها، فكذلك له صِفاتٌ لا تُشبِهُ الصِّفاتِ، ولا يجوزُ تكييفُها. فالقَولُ في الصِّفاتِ كالقَولِ في الذَّاتِ، يُحتَذى حَذْوُه، ويُقاسُ عليه، هكذا قال أهلُ السُّنَّةِ جميعًا مِن أصحابِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومَن بَعْدَهم رَضِيَ اللهُ عنهم جميعًا) .
    وقال ابنُ عُثَيمين: (القَولُ في الصِّفاتِ كالقَولِ في الذَّاتِ، فكما أنَّنا نُثبِتُ للهِ عزَّ وجَلَّ ذاتًا
    لا تُشبِهُ ذاتَ المخلوقينَ، فإنَّنا نُثبِتُ له صِفاتٍ لا تُشبِهُ صِفاتٍ المخلوقينَ) .

    الرَّابعَ عَشَرَ: مِن قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: القولُ في بعضِ الصِّفاتِ كالقولِ في البَعضِ الآخَرِ :

    مَن أقرَّ بصِفاتِ اللهِ -كالسَّمعِ، والبصَرِ، والإرادةِ- يلزَمُه أن يُقِرَّ بمحبَّةِ اللهِ، ورِضاهُ، وغضَبِه، وكراهيَتِه .
    قال ابنُ تيميَّةَ: (ومَن فرَّقَ بين صفةٍ وصفةٍ، مع تساوِيهما في أسبابِ الحقيقةِ والمَجازِ-
    كان مُتناقِضًا في قولِه، مُتهافِتًا في مَذهَبِه، مُشابِهًا لِمَن آمَنَ ببعضِ الكِتاب وكفَرَ ببعضٍ) .

    وقال ابنُ تَيميَّةَ: (القَولُ في بَعضِ صِفاتِ اللهِ كالقَولِ في سائِرِها، وأنَّ القَولَ في صِفاتِه كالقَولِ في ذاتِه، وأنَّ من أثبَتَ صِفةً دونَ صِفةٍ مِمَّا جاء به الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مع مشاركةِ إحْداهما الأخرى فيما به نفاها، كان مُتناقِضًا) .
    وقال محمَّدُ بنُ إبراهيمَ آل الشَّيخِ: (اعلَمْ أنَّ القَولَ في الصِّفاتِ كالقَولِ في الذَّاتِ، وأنَّ القَولَ في بَعضِ الصِّفاتِ كالقَولِ في بَعضِ؛ فإثباتُ صفةٍ أو صِفاتٍ لله مِمَّا يليقُ بجَلالِه وعَظَمتِه -كالعُلُوِّ، والاستواءِ، والضَّحِكِ، والفَرَحِ- يَلزَمُ منه إثباتُ الذَّاتِ وإثباتُ سائِرِ الصِّفاتِ؛ لأنَّه لا يُعقَلُ وُجودُ ذاتٍ للباري جَلَّ وعلا غيرِ متَّصِفةٍ بصِفاتِ الجَلالِ والكَمالِ، وكذلك في النَّفيِ؛ فنَفيُ صِفةٍ أو صِفاتٍ يَلزَمُ منه نفيُ الذَّاتِ، ونفيُ سائرِ الصِّفاتِ) .

    وقال الشِّنقيطيُّ: (إنَّ جميعَ الصِّفاتِ مِن بابٍ واحدٍ؛ لأنَّ الموصوفَ بها واحدٌ، ولا يجوزُ في حَقِّه مشابهةُ الحوادِثِ في شَيءٍ مِن صِفاتِهم؛ فمن أثبَتَ مَثَلًا أنَّه سميعٌ بصيرٌ، وسَمعُه وبصَرُه مخالفانِ لأسماعِ الحوادِثِ وأبصارِهم، لَزِمَه مِثلُ ذلك في جميعِ الصِّفاتِ؛ كالاستواءِ، واليَدِ، ونحوِ ذلك من صفاتِه جَلَّ وعلا، ولا يمكِنُ الفَرقُ بين ذلك بحالٍ) .

    وقال ابنُ عُثَيمين: (القَولُ في بَعضِ الصِّفاتِ كالقَولِ في بَعضٍ، أي: أنَّ من أثبت شيئًا مِمَّا أثبتَه اللهُ لنَفْسِه مِن الصِّفاتِ أُلزِمَ بإثباتِ الباقي، ومن نفى شيئًا منه أُلزِمَ بنَفيِ ما أثبتَه، وإلَّا كان متناقِضًا) .
    --------------------------------------------------------------------------------
    التالي : -
    -
    الخامِسَ عَشَرَ: من قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: ما أُضيفَ إلى اللهِ ممَّا هو غيرُ بائنٍ عنه، فهو صفةٌ له غيرُ مخلوقةٍ، وكلُّ شيءٍ أُضيفَ إلى اللهِ بائنٌ عنه، فهو مخلوقٌ :
    -
    وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

     المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ  : قواعِدُ في صِفاتِ اللهِ تعالى  : إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه في كتابِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم Empty الخامِسَ عَشَرَ: من قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: ما أُضيفَ إلى اللهِ ممَّا هو غيرُ بائنٍ عنه، فهو صفةٌ له غيرُ مخلوقةٍ، وكلُّ شيءٍ أُضيفَ إلى اللهِ بائنٌ عنه، فهو مخلوقٌ :

    مُساهمة من طرف صادق النور الخميس ديسمبر 28, 2023 8:28 am

    يتبع ما قبله : -

    الخامِسَ عَشَرَ: من قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: ما أُضيفَ إلى اللهِ ممَّا هو غيرُ بائنٍ عنه، فهو صفةٌ له غيرُ مخلوقةٍ، وكلُّ شيءٍ أُضيفَ إلى اللهِ بائنٌ عنه، فهو مخلوقٌ :

    فليس كلُّ ما أُضيفَ إلى اللهِ يَستلزِمُ أن يكونَ صفةً له .
    مثالُ الأوَّلِ: سَمْعُ اللهِ، وبصَرُ اللهِ، ورِضاه، وسَخَطُه.
    ومثالُ الثَّاني: بيتُ اللهِ، وناقةُ اللهِ، ونارُ اللهِ.
    قال المُزنيُّ: (كَلِماتُ اللهِ وقُدرةُ اللهِ ونَعْتُه وصِفاتُه كامِلاتٌ غيرُ مخلوقاتٍ، دائِماتٌ أَزَليَّاتٌ، وليست بمُحْدَثاتٍ فتَبيدَ، ولا كان رَبُّنا ناقِصًا فيزيدَ!) .
    وقال ابنُ عَبدِ البَرِّ في شرحِ حَديثِ: ((أعوذُ بعِزَّةِ اللهِ وقُدرتِه مِن شَرِّ ما أجِدُ )): (في هذا الحديثِ دليلٌ واضِحٌ على أنَّ صِفاتِ اللهِ غيرُ مخلوقةٍ؛ لأنَّ الاستِعاذةَ لا تكونُ بمخلوقٍ) .

    وقال ابنُ تَيميَّةَ: (ما أُضيفَ إلى اللهِ مِن صِفاتِ فِعْلِه مِمَّا هو غيرُ بائنٍ عن اللهِ: فغيرُ مخلوقٍ، وكُلُّ شيءٍ أُضيفَ إلى اللهِ بائِنٌ عنه دونَه: مخلوقٌ) .
    وقال أيضًا: (إضافةُ الرُّوحِ إلى اللهِ إضافةُ مِلكٍ لا إضافةُ وَصفٍ؛ إذ كُلُّ ما يُضافُ إلى اللهِ إن كان عينًا قائِمةً بنَفْسِها، فهو مِلكٌ له، وإن كان صِفةً قائِمةً بغَيرِها ليس لها محَلٌّ تقومُ به، فهو صِفةٌ للهِ) .
    وقال ابنُ تَيميَّةَ أيضًا: (مَا أُضيفَ إلى اللهِ، أو قِيلَ: هو منه؛ فعلى وَجهَينِ: إنْ كان عَينًا قائِمةً بنَفْسِها فهو مملوكٌ له، ومِن: لابتداءِ الغايةِ، كما قال تعالى: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا [مريم: 17] ، وقال في المسيحِ: وَرُوحٌ مِنْهُ [النساء: 171] ، وما كان صفةً لا يقومُ بنَفْسِه، كالعِلْمِ، والكلامِ؛ فهو صِفةٌ له، كما يُقالُ: كلامُ اللهِ وعِلمُ اللهِ، وكما قال تعالى: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [النحل: 102] ، وقال: وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [الأنعام: 114] ) .
    وقال: (المضافُ إلى اللهِ نوعانِ؛ فإنَّ المضافَ إمَّا أن يكونَ صِفةً لا تقومُ بنَفْسِها، كالعِلْمِ والقُدرةِ، والكلامِ، والحياةِ، وإمَّا أن يكونَ عَينًا قائِمةً بنَفْسِها؛ فالأوَّلُ إضافةُ صفةٍ،
    كقَولِه: وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ [البقرة: 255] ،
    وقَولِه: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات: 58]،
    وقَولِه: أَوَلْمَ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً [فصلت: 15] ،
    وقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الحديثِ الصَّحيحِ، حديثِ الاستخارةِ: ((إذا هَمَّ أحَدُكم بالأمرِ فلْيركَعْ ركعتَينِ مِن غيرِ الفَريضةِ، ثمَّ لْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إنِّي أستَخيرُك بعِلْمِك، وأستَقدِرُك بقُدرتِك، وأسألُك مِن فَضْلِك )) ،
    وقَولِه تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام: 115] ،
    وقَولِه: ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ [الممتحنة: 10] ،
    وقَولِه: ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ [الطلاق: 5] ،
    والثَّاني: إضافةُ عينٍ، كقَولِه تعالى: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ [الحج: 26] ،
    وقَولِه: نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا [الشمس: 13] ،
    وقَولِه: عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ [الإنسان: 6] ،
    فالمضافُ في الأوَّلِ صِفةٌ لله قائمةٌ به، ليست مخلوقةً له بائِنةً عنه.
    والمضافُ في الثَّاني: مملوكٌ للهِ، مخلوقٌ له، بائِنٌ عنه، لكِنَّه مُفَضَّلٌ مُشَرَّفٌ؛ لِما خَصَّه اللهُ به من الصِّفاتِ التي اقتَضَت إضافتَه إلى اللهِ تبارك وتعالى؛ كما خَصَّ ناقةَ صالحٍ مِن بينِ النُّوقِ، وكما خَصَّ بيتَه بمكَّةَ مِن البيوتِ، وكما خَصَّ عبادَه الصَّالحينَ من بينِ الخَلْقِ،
    ومن هذا البابِ قَولُه تعالى: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا [مريم: 17] ؛ فإنَّه وَصَف هذا الرُّوحَ بأنَّه تمثَّلَ لها بَشَرًا سَوِيًّا، وأنَّها استعاذت باللهِ منه إنْ كان تقِيًّا،
    وأنَّه قال: إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ [مريم: 19] ، وهذا كُلُّه يَدُلُّ على أنَّها عينٌ قائِمةٌ بنَفْسِها، وهي التي تُسَمَّى في اصطِلاحِ النُّظَّارِ جَوهرًا، وقد تُسَمَّى جِسمًا إذا كانت مُشارًا إليها،
    مع اختلافِ النَّاسِ في الجِسمِ: هل هو مركَّبٌ من الجواهِرِ المفرَدةِ، أم من المادَّةِ والصُّورةِ، أم ليس مُرَكَّبًا لا مِن هذا ولا مِن هذا؟ وإذا كان اللهُ قد بَيَّنَ أنَّ المضافَ هنا ليس مِنَ الصِّفاتِ القائِمةِ بغَيرِها، بل من الأعيانِ القائِمةِ بنَفْسِها، عُلِمَ أنَّ المضافَ مملوكٌ لله مخلوقٌ له، لكِنْ إضافتُه إلى اللهِ تَدُلُّ على تخصيصِ اللهِ له مِن الاصطِفاءِ والإكرامِ بما أوجَبَ التَّخصيصَ بالإضافةِ) .
    وفي فتاوى اللَّجنةِ الدَّائِمةِ: (صِفاتُ اللهِ غيرُ مخلوقةٍ، فهي مِن صِفاتِ ذاتِه سُبحانَه، وهو سُبحانَه بصِفاتِه خالِقٌ غيرُ مخلوقٍ) .

    السَّادِسَ عَشَرَ: مِن قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: معاني صِفاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ الثَّابتةِ بالكِتاب أو السُّنَّة: مَعْلُومةٌ، وتُفسَّرُ على الحقيقةِ، لا مجازَ ولا استعارةَ فيها البتَّةَ، أمَّا الكَيفيَّةُ فمَجهولةٌ :

    إن الصفات الواردة في القرآن والسُّنَّة، يجب حَملها على الحقيقة لا على المجاز، ودون تكييف شيءٍ منها ‏‏
    قال الكلاباذيُّ: (أجمعوا على أنَّ للهِ صِفاتٍ على الحَقيقةِ هو بها موصوفٌ؛ مِن العِلْمِ، والقُدرةِ، والقُوَّةِ، والعِزِّ، والحِلمِ، والحِكمةِ، والكبرياءِ، والجَبَروتِ، والقِدَمِ، والحياةِ، والإرادةِ، والمشيئةِ، والكلامِ... وأنَّ له سمعًا وبَصَرًا ووَجهًا ويَدًا على الحقيقةِ، ليس كالأسماعِ والأبصارِ والأيدي والوُجوهِ) .
    وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: (أهلُ السُّنَّةِ مُجمِعونَ على الإقرارِ بالصِّفاتِ الوارِدةِ كُلِّها في القُرآنِ والسُّنَّةِ، والإيمانِ بها، وحَمْلِها على الحقيقةِ لا على المجازِ، إلَّا أنَّهم لا يُكَيِّفونَ شَيئًا مِن ذلك، ولا يَحُدُّونَ فيه صِفةً مَحصورةً،
    وأمَّا أهلُ البِدَعِ والجَهْميَّةُ والمعتَزِلةُ كُلُّها والخوارجُ، فكُلُّهم يُنكِرُها، ولا يَحمِلُ شيئًا منها على الحقيقةِ، ويَزعُمونَ أنَّ مَن أقَرَّ بها مُشَبِّهٌ، وهم عند مَن أثبَتَها نافونَ للمَعبودِ، والحَقُّ فيما قاله القائِلونَ بما نَطَق به كِتابُ اللهِ وسُنَّةُ رَسولِه، وهم أئمَّةُ الجَماعةِ، والحَمدُ لله) .
    وقال ابنُ العطَّارِ: (إذا نَطَق الكِتابُ العزيزُ وورَدَت الأخبارُ الصَّحيحةُ بإثباتِ السَّمعِ، والبَصَرِ، والعَينِ، والوَجهِ، والعِلْمِ، والقُوَّةِ، والقُدرةِ، والعَظَمةِ، والمَشيئةِ، والإرادةِ، والقَولِ، والكَلامِ، والرِّضا، والسَّخَطِ، والحُبِّ، والبُغضِ، والفَرَحِ، والضَّحِكِ- وجَبَ اعتِقادُ حَقيقتِه مِن غيرِ تَشبيهٍ لشَيءٍ مِن ذلك بصِفاتِ المربوبينَ المخلوقينَ، والانتهاءُ إلى ما قاله اللهُ سُبحانَه ورَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، من غيرِ إضافةٍ ولا زيادةٍ عليه، ولا تكييفٍ ولا تشبيهٍ، ولا تحريفٍ ولا تبديلٍ ولا تغييرٍ، ولا إزالةِ لَفظٍ عمَّا تَعرِفُه العَرَبُ وتَضَعُه عليه، والإمساكُ عَمَّا سوى ذلك) .
    وقال ابنُ القَيِّمِ: (العَقلُ قد يَئِسَ مِن تعَرُّفِ كُنْهِ الصِّفةِ وكَيفيَّتِها؛ فإنَّه لا يَعلَمُ كيف اللهُ إلَّا اللهُ، وهذا معنى قَولِ السَّلَفِ: بلا كَيفٍ، أي: بلا كَيفٍ يَعقِلُه البَشَرُ، فإنَّ مَن لا تَعلَمُ حَقيقةَ ذاتِه وماهيَّتِه، كيف تَعرِفُ كيفيَّةَ نُعوتِه وصِفاتِه؟ ولا يَقدَحُ ذلك في الإيمانِ بها، ومَعرفةِ مَعانيها، فالكيفيَّةُ وراءَ ذلك، كما أنَّا نَعرِفُ معانيَ ما أخبَرَ اللهُ به من حقائِقِ ما في اليَومِ الآخِرِ، ولا نعرِفُ حقيقةَ كيفيَّتِه، مع قُربِ ما بين المخلوقِ والمخلوقِ، فعَجْزُنا عن معرفةِ كيفيَّةِ الخالِقِ وصِفاتِه أعظَمُ وأعظَمُ!) .
    وقال محمَّدُ بنُ إبراهيمَ آل الشَّيخِ: (طريقةُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ في هذا البابِ: أن يُوصَفَ اللهُ بما وَصَف به نَفْسَه ووصَفَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، لا يتجاوَزُ القُرآنَ والحديثَ، مِن غَيرِ تحريفٍ ولا تعطيل،ٍ ومن غيرِ تكييفٍ ولا تمثيلٍ، ويَعلَمونَ أنَّ ما وصَفَ اللهُ به نَفْسَه أو وصَفَه به رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليس فيه لُغزٌ ولا أحاجِيُّ، بل معناه يُعرَفُ مِن حيثُ يُعرَفُ مقصودُ المتكَلِّمِ بكلامِه، لا سِيَّما إذا كان المتكَلِّمُ هو اللهَ جَلَّ وعلا، أو الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الذي هو أفصَحُ الخَلقِ مُطلقًا مِن جميعِ الوُجوهِ، وأعمَلُهم بما يَقولُ، وهو سُبحانَه مع ذلك لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] لا في ذاتِه، ولا في أسمائِه وصِفاتِه، ولا في أفعالِه) .
    وقال ابنُ باز: (السَّلَفُ رَحِمَهم اللهُ ومن سار على نهجِهم إلى يومِنا هذا، يُثبِتونَ للهِ ما أثبَتَه لنَفْسِه من صِفاتِ الكَمالِ، أو أثبَتَه له رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويَعتَقِدونَ حقيقتَها اللَّائِقةَ بجَلالِه، من غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ، ولا تأويلٍ لها عن ظاهِرِها، ولا تفويضٍ) .

    السَّابِعَ عَشَرَ: مِن قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: ما جاء في الكِتابِ أو السُّنَّةِ وجَبَ على كلِّ مؤمنٍ القَولُ بموجِبِه، والإيمانُ به، وإنْ لم يُفهَمْ معناه :

    قال ابنُ تَيميَّةَ: (علينا أن نُؤمِنَ بما قاله اللهُ ورَسولُه، فكُلُّ ما ثبت أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قاله فعلينا أن نصَدِّقَ به، وإن لم نَفهَمْ معناه؛ لأنَّا قد عَلِمْنا أنَّه الصَّادِقُ المصدوقُ الذي لا يَقولُ على اللهِ إلَّا الحَقَّ) .
    وقال ابنُ تَيميَّةَ أيضًا: (ما أخبَرَ به الرَّسولُ عن رَبِّه عزَّ وجَلَّ فإنَّه يجِبُ الإيمانُ به، سواءٌ عَرَفْنا معناه أو لم نَعْرِفْ؛ لأنَّه الصَّادِقُ المصدوقُ، فما جاء في الكِتابِ والسُّنَّةِ وَجَب على كُلِّ مؤمنٍ الإيمانُ به وإن لم يَفهَمْ معناه، وكذلك ما ثَبَت باتِّفاقِ سَلَفِ الأُمَّةِ وأئمَّتِها، مع أنَّ هذا البابَ يوجَدُ عامَّتُه مَنصوصًا في الكِتابِ والسُّنَّةِ، مُتَّفَقًا عليه بين سَلَفِ الأُمَّةِ) .

    وقال ابنُ باز: (واجِبٌ على المؤمِنِ أن يُؤمِنَ بكُلِّ ما أخبَرَ اللهُ عنه ورَسولُه مِن أسْماءِ اللهِ وصِفاتِه، ويَعرِفُها كما جاءت، لا يُغَيِّرُ ولا يبدِّلُ، ولا يزيدُ ولا يَنقُصُ، بل يَعرِفُها كما جاءت من غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ،
    ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ، بل تُثبَتُ كما أثبَتَها السَّلَفُ الصَّالحُ، فمن ذلك الاستواءُ، والنُّزولُ، والوَجهُ، واليَدُ، والرَّحمةُ، والعِلْمُ، والغَضَبُ، والإرادةُ، وغيرُ ذلك من صِفاتِ اللهِ عزَّ وجَلَّ؛ فتُثبَتُ له سُبحانَه كما جاء في الكِتابِ العزيزِ، وكما جاء في السُّنَّة الصَّحيحةِ، نُثبِتُها له كما أثبَتَها السَّلَفُ الصَّالحُ من أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، كما أثبتتها الرُّسُلُ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ) .

    الثَّامِنَ عَشَرَ: مِن قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: بابُ الأخبارِ أوسَعُ مِن بابِ الصِّفاتِ :

    فما يُطلَقُ عليه مِن الأخبارِ لا يجِبُ أن يكونَ توقيفيًّا؛ كالقديمِ، والشَّيءِ، والموجودِ
    قال الغزالي: (اسمُ كُلِّ أحدٍ ما سَمَّى به نَفْسَه، أو سَمَّاه به وَلِيُّه من أبيه أو سَيِّده، والتَّسميةُ -أعني: وَضْعَ الاسمِ- تَصَرُّفٌ في المسَمَّى، وَيستَدعي ذلك وِلايةً، والوِلايةُ للإنسانِ على نَفْسِه أو على عَبدِه أو على وَلَدِه؛ فلذلك تكونُ التَّسمياتُ إلى هؤلاء؛ ولذلك لو وَضَع غَيرُ هؤلاء اسمًا على مُسَمًّى رُبَّما أنَكَره المسَمَّى، وغَضِبَ على المسَمِّي، وإذا لم يكُنْ لنا أن نُسَمِّيَ إنسانًا -أي: لا نَضَعُ له اسمًا- فكيف نَضَعُ لله تعالى اسمًا؟! وكذلك أسماءُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم معدودةٌ،
    وقد عَدَها وقال: ((إنَّ لي أسماءً: أحمَدُ، ومحمَّدٌ، والمقَفِّي، والماحي، والعاقِبُ، ونبيُّ التَّوبةِ، ونبيُّ الرَّحمةِ، ونبيُّ المَلْحَمةِ )) .

    وليس لنا أن نَزيدَ على ذلك في مَعرِضِ التَّسميةِ، بل في مَعرِضِ الإخبارِ عن وَصْفِه، فيجوزُ أن نقولَ: إنَّه عالمٌ ومُرشِدٌ ورَشيدٌ وهادٍ وما يجري مجراه، كما نقولُ لزَيدٍ: إنَّه أبيَضُ طويلٌ، لا في مَعرِضِ التَّسميةِ، بل في مَعرِضِ الإخبارِ عن صِفتِه، وعلى الجُملةِ فهذه مَسألةٌ فِقهيَّةٌ؛ إذ هو نَظَرٌ في إباحةِ لَفظٍ وتحريمِه، فنقولُ: أمَّا الدَّليلُ على المنعِ مِن وَضعِ اسمٍ لله سُبحانَه وتعالى: هو المنعُ مِن وَضعِ اسمٍ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُسَمِّ به نَفْسَه، ولا سَمَّاه به رَبُّه تعالى، ولا أبواه، وإذا مُنِعَ في حَقِّ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بل في حَقِّ آحادِ الخَلْقِ، فهو في حَقِّ اللهِ أَولى، وهذا نوعُ قياسٍ فِقهيٍّ تُبنى على مِثْلِه الأحكامُ الشَّرعيَّةُ.

    وأمَّا دليلُ إباحةِ الوَصفِ فهو أنَّه خَبَرٌ عن أمرٍ، والخَبَرُ ينقَسِمُ إلى صِدقٍ وكَذِبٍ، والشَّرعُ قد دَلَّ على تحريمِ الكَذِبِ في الأصلِ، فالكَذِبُ حرامٌ إلَّا بعارضٍ، ودَلَّ على إباحةِ الصِّدقِ، فالصِّدقُ حَلالٌ إلَّا بعارضٍ، وكما أنَّه يجوزُ لنا أن نقولَ في زيدٍ: إنَّه موجودٌ، فكذلك في حَقِّ اللهِ تعالى ورَدَ به الشَّرعُ أو لم يَرِدْ، ونقولُ: إنَّه قديمٌ، وإنْ قَدَّرْنا أنَّ الشَّرعَ لم يَرِدْ به، وكما أنَّا لا نقولُ لزيدٍ: إنَّه طويلٌ أشقَرُ؛ لأنَّ ذلك ربَّما يَبلُغُ زَيدًا فيَكرَهُه؛ لأنَّ فيه إيهامَ نَقصٍ، فكذلك لا نقولُ في حَقِّ اللهِ سُبحانَه وتعالى ما يُوهِمُ نَقصًا البتَّةَ، فأمَّا ما لا يُوهِمُ نَقصًا أو يَدُلُّ على مَدحٍ، فذلك مُطلَقٌ ومباحٌ بالدَّليلِ الذي أباح الصِّدقَ مع السَّلامةِ عن العوارِضِ المحَرَّمةِ) .
    وقال ابنُ القَيِّمِ: (ما يُطلَقُ عليه في بابِ الأسماءِ والصِّفاتِ توقيفيٌّ، وما يُطلَقُ عليه من الأخبارِ لا يجِبُ أن يكونَ توقيفًا؛ كالقديمِ، والشَّيءِ، والموجودِ، والقائِمِ بنَفْسِه) .
    وقال ابنُ عُثَيمين: (كُلُّ اسمٍ مِن أسْماءِ اللهِ فهو مُتَضَمِّنٌ لصِفةٍ؛ فالعزيزُ مُتَضَمِّنٌ لصِفةِ العِزَّةِ، والعَليمُ مُتَضَمِّنٌ لصِفةِ العِلْمِ، وليس كُلُّ صفةٍ يُشتَقُّ منها اسمٌ؛ ولهذا نقولُ: إنَّ بابَ الصِّفاتِ أوسَعُ مِن بابِ الأسماءِ؛ لأنَّه يُوجَدُ صِفاتٌ ليس لله منها أسماءٌ، لكِنْ لا يُوجَدُ اسمٌ إلَّا ومنه صِفةٌ، واللهُ أعلَمُ) .
    وقال ابنُ عُثَيمين أيضًا: (لا يُسَمَّى اللهُ تعالى باسمٍ يَتضَمَّنُ نقصًا ولو في بعضِ الأحوالِ؛ ولهذا لا يُسَمَّى اللهُ بالمتكَلِّمِ، مع أنَّ اللهَ يُخبِرُ بأنَّه متكَلِّمٌ، ويُوصَفُ بذلك، فلا تقولُ: يا متكَلِّمُ اغفِرْ لي، وكذلك يُوصَفُ اللهُ بالإرادةِ، لكِنْ لا يُسَمَّى بالمُريدِ، فلْيُنتَبَهْ للفَرقِ: وهو أنَّ الأسماءَ الحُسْنَى مِن القِسمِ الأوَّلِ فقط، أي: أنَّها مِنَ الكَمالِ المطلَقِ فقط، فلا تتضَمَّنُ كَمالًا ونقصًا في حالٍ دونَ حالٍ، بل هي كَمالٌ مُطلَقٌ، والدَّليلُ على ذلك وَصفُ اللهِ تعالى إيَّاها بأنَّها حُسْنى.
    بخلافِ الصِّفاتِ التي -كما سَبَق- منها الكَمالُ المُطلَقُ الذي يُوصَفُ اللهُ به على سَبيلِ الإطلاقِ، والنَّقصُ المُطلَقُ، وهذا لا يُوصَفُ اللهُ به مُطلَقًا، والكَمالُ في حالٍ دونَ حالٍ، وهذا يُوصَفُ به اللهُ حالَ كَونِه كَمالًا، ولا يُوصَفُ به حالَ كونِه نَقصًا) .

    التَّاسِعَ عَشَرَ: مِن قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: صِفاتُ اللهِ عزَّ وجلَّ لا يُقاسُ عليها :

    لا يُقاسُ الجَلَدُ على القوَّةِ، ولا الاستِطاعةُ على القُدرةِ، ولا الرِّقَّةُ على الرَّحمةِ والرَّأفةِ، ولا المعرفةُ على العِلمِ...
    وهكذا؛ لأنَّ صِفاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ لا يُتجاوَزُ فيها التَّوقيفُ .
    قال ابنُ خُزَيمةَ: (لا نَصِفُ مَعبودَنا إلَّا بما وصف به نَفْسَه، إمَّا في كتابِ اللهِ، أو على لسانِ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، بنَقْلِ العَدلِ عن العَدلِ مَوصولًا إليه، لا نحتَجُّ بالمراسيلِ، ولا بالأخبارِ الواهيةِ، ولا نحتَجُّ أيضًا في صفاتِ مَعبودِنا بالآراءِ والمقاييسِ) .
    وقال الخَطَّابيُّ: (مِن عِلمِ هذا البابِ -أعني: الأسماءَ والصِّفاتِ- وممَّا يدخُلُ في أحكامِه ويتعَلَّقُ به مِن شرائِطَ: أنَّه لا يُتجاوَزُ فيها التَّوقيفُ، ولا يُستعمَلُ فيها القياسُ، فيَلحَقَ بالشَّيءِ نظيرُه في ظاهِرِ وَضعِ اللُّغةِ، ومُتعارَفِ الكلامِ؛ فالجَوادُ: لا يجوزُ أن يُقاسَ عليه السَّخِيُّ، وإن كانا متقارِبَينِ في ظاهِرِ الكلامِ؛ وذلك أنَّ السَّخِيَّ لم يَرِدْ به التَّوقيفُ كما ورد بالجَوادِ، ثمَّ إنَّ السَّخاوةَ مَوضوعةٌ في بابِ الرَّخاوةِ واللِّينِ، يقالُ: أرضٌ سَخِيَّةٌ وسَخاويَّةٌ؛ إذا كان فيها لِينٌ ورَخاوةٌ، وكذلك لا يُقاسُ عليه السَّمْحُ؛ لِما يَدخُلُ السَّماحةَ مِن معنى اللِّينِ والسُّهولةِ، وأمَّا الجُودُ فإنَّما هو سَعةُ العطاءِ؛ مِن قَولِك: جادَ السَّحابُ: إذا أمطَرَ فأغزَرَ، ومَطَرٌ جُودٌ، وفَرَسٌ جَوادٌ؛ إذا: بَذَل ما في وُسْعِه من الجَرْيِ.
    وقد جاء في الأسماءِ: «القَوِيُّ»، ولا يقاسُ عليه الجَلْدُ، وإن كانا يتقاربانِ في نُعوتِ الآدمِيِّينَ؛ لأنَّ بابَ التجَلُّدِ يدخُلُه التكَلُّفُ والاجتِهادُ.
    ولا يُقاسُ على «القادِرِ» المُطيقُ ولا المستطيعُ؛ لأنَّ الطَّاقةَ والاستطاعةَ إنَّما تُطلَقانِ على معنى قوَّةِ البِنْيةِ، وتركيبِ الخِلْقةِ، ولا يقاسُ على «الرَّحيمِ» الرَّقيقُ، وإن كانت الرَّحمةُ في نُعوتِ الآدمِيِّينَ نوعًا مِن رِقَّةِ القَلبِ وضَعْفِه عن احتمالِ القَسْوةِ.
    وفي صِفاتِ اللهِ سُبحانَه: «الحَليمُ» و «الصَّبورُ»، فلا يجوزُ أن يقاسَ عليها الوَقورُ والرَّزينُ.
    وفي أسمائِه «العليمُ»، ومن صِفَتِه العِلْمُ، فلا يجوزُ قياسُه عليه أن يُسَمَّى «عارِفًا»؛ لِما تَقتَضيه المعرفةُ من تقديمِ الأسبابِ التي بها يُتوصَّلُ إلى عِلمِ الشَّيءِ، وكذلك لا يُوصَفُ بالعاقِلِ. وهذا البابُ يجِبُ أن يُراعى، ولا يُغفَلُ؛ فإنَّ عائدتَه عَظيمةٌ، والجَهلَ به ضارٌّ، وباللهِ التَّوفيقُ) .

    وقال أبو يَعْلى: (إثباتُ الصِّفاتِ لا يُؤخَذُ إلَّا توقيفًا؛ لأنْ لا مجالَ للعَقلِ والقياسِ فيها) .

    وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: (اللهُ عزَّ وجَلَّ لا يُوصَفُ عند الجَماعةِ أهلِ السُّنَّةِ إلَّا بما وصف به نَفْسَه أو وصفه به رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أجمعت الأمَّةُ عليه، وليس كمِثْلِه شَيءٌ، فيُدرَكَ بقياسٍ أو بإمعانِ نَظَرٍ، وقد نُهِينا عن التفَكُّرِ في اللهِ، وأُمِرْنا بالتفَكُّرِ في خَلْقِه الدَّالِّ عليه) .
    وقال أيضًا عن اللهِ عزَّ وجَلَّ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ مِنْ خلقِه، ولا يقاسُ بشَيءٍ مِن بَرِيَّتِه، لا يُدرَكُ بقياسٍ، ولا يقاسُ بالنَّاسِ، لا إلهَ إلَّا هو، كان قبل كلِّ شَيءٍ، ثمَّ خَلَق الأمكِنةَ والسَّمَواتِ والأرضَ وما بينهما، وهو الباقي بعد كُلِّ شَيءٍ، وخالِقُ كُلِّ شَيءٍ، لا شريكَ له) .
    وقال ابنُ تَيميَّةَ: (الغالِبُ على أهلِ القياسِ مِن أهلِ الفَلْسَفةِ والكلامِ في جانبِ الرُّبوبيَّةِ: إنَّما هي المعارِفُ السَّلبيَّةُ، ثمَّ لم يَقتَصِروا على مِقدارِ ما يَعلَمُه العَقلُ مِن القياسِ، بل تعَدَّوا ذلك، فنَفَوا أشياءَ مُشْبِهةً القياسَ الفاسِدَ،
    مِثلُ: نَفْيِ الصِّفاتِ النبَوِيَّةِ الخَبَريَّةِ، بل ونَفْيِ الفلاسِفةِ والمُعْتَزِلةِ للصِّفاتِ التي يُثبِتُها متكَلِّمو أهلِ الإثباتِ، ويُسَمُّونَها الصِّفاتِ العَقليَّةَ؛ لإثباتِهم إيَّاها بالقياسِ العَقليِّ. ومَعْلُومٌ أنَّ العَقلَ لا ينفي بالقياسِ إلَّا القَدْرَ المشتَرَكَ الذي هو مدلولُ القَضِيَّةِ الكُلِّيَّةِ التي لا بُدَّ منها في القياسِ، مِثلُ أن يَنفيَ الإرادةَ أو الرَّحمةَ أو العِلْمَ المشتَرَكَ بين مُسَمَّياتِ هذا الاسمِ، والقَدْرُ المُشتَرَكُ في المخلوقينَ تَلحَقُه صِفاتٌ لا تَثبُتُ للهِ تعالى، فيَنفُونَ المعنى المشتَرَكَ المطلَقَ على صِفاتِ الحَقِّ وصِفاتِ الخَلْقِ، تَبَعًا لانتفاءِ ما يختَصُّ به الخَلْقُ، فيُعَطِّلونَ، كما أنَّ أهلَ التَّمْثيلِ يُثبِتونَ ما يختَصُّ به الخَلْقُ تَبَعًا للقَدْرِ المُشتَرَكِ، وكلاهما قياسٌ خَطَأٌ، ففي هذه الصِّفاتِ بل وفي الذَّواتِ ثلاثةُ اعتباراتٍ:
    أحَدُها: ما تختَصُّ به ذاتُ الرَّبِّ وصِفاتُه.
    والثَّاني: ما يختَصُّ به المخلوقُ وصِفاتُه.
    والثَّالِثُ: المعنى المطلَقُ الجامِعُ.
    فاستِعمالُ القياسِ الجامِعِ في نَفْيِ الأوَّلِ خَطَأٌ، وكذلك استِعمالُه في إثباتِ الثَّاني، وأمَّا استعمالُه في إثباتِ الثَّالِثِ فيحتاجُ إلى إدراكِ العَقلِ لثبوتِ المعنى الجامِعِ الكُلِّيِّ، وهذا أصلُ القياسِ والدَّليلِ، فإنْ لم يَعرِفِ العَقلُ بنَفْسِه أو بواسِطةِ قياسٍ آخَرَ ثبوتَ هذا، وإلَّا لم يَستَقِمِ القياسُ، وكذلك في معارِفِهم الثُّبوتيَّةِ، لا يأتونَ إلَّا بمعانٍ مُطلَقةٍ مُجمَلةٍ، مِثلُ ثُبوتِ الوُجودِ، ووُجوبِ الوُجودِ، أو كونِه رَبًّا أو صانِعًا، أو أوَّلًا أو مُبدِئًا أو قديمًا، ونحو ذلك من المعاني الكُلِّيَّةِ التي لا يُعلَمُ بها خصوصُ الرَّبِّ تعالى؛ إذ القياسُ لا يَدُلُّ على الخُصوصِ؛ فإنَّه إذا استدَلَّ بأنَّ كُلَّ ممكنٍ فلا بُدَّ له من موجِبٍ، وبأنَّ كُلَّ مُحدَثٍ فلا بدَّ له مِن مُحدِثٍ- كان مدلولُ هذا القياسِ أمرًا عامًّا) .
    وقال ابنُ الموصليِّ: (يُقالُ لِمن أثبت شيئًا مِن الصِّفاتِ بالعَقلِ، فلا بدَّ أن يأتيَ في الدَّلالةِ على ذلك بقياسٍ شُموليٍّ، أو قياسٍ تخييليٍّ، فتقولُ في الشُّمولي: كُلُّ فِعلٍ مُتقَنٍ محكَمٍ فإنَّه يَدُلُّ على عِلمِ فاعِلِه وقُدرتِه وإرادتِه، وهذه المخلوقاتُ كذلك، فهي دالَّةٌ على عِلمِ الرَّبِّ تعالى وقُدرتِه ومَشيئتِه، وتقولُ في التَّمْثيلِ: الفِعلُ المُتقَنُ يَدُلُّ على عِلمِ فاعِلِه وقُدرتِه في الشَّاهِدِ، فكان دليلًا في الغائِبِ، والدَّلالةُ العقليَّةُ لا تختَلِفُ شاهِدًا وغائبًا، فلا يمكِنُك أن تُثبِتَ له سُبحانَه بالعَقلِ صِفةً أو فِعلًا إلَّا بالقياسِ المُتَضَمِّنِ قضيَّةً كلِّيَّةً، إمَّا لفظًا كما في قياسِ الشُّمولِ، وإمَّا معنًى كما في قياسِ التَّمْثيلِ.
    فإذا كنتَ لا يُمكِنُك إثباتُ الصَّانِعِ ولا صِفاتِه إلَّا بالقياسِ الذي لا بدَّ فيه من إثباتِ قَدْرٍ مُشتَرَكٍ بين المقِيسِ والمقِيسِ عليه، وبين أفرادِ القَضِيَّةِ الكُلِّيَّةِ، ولم يكُنْ هذا عندك تشبيهًا ممتنعًا، فكيف تُنكِرُ معانيَ ما وصف اللهُ به نَفْسَه ووصفه به رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وحقائِقَه، بزَعْمِك أنَّه يَتضَمَّنُ تشبيهًا؟! وهذا من أنفعِ الأشياءِ لِمن له فَهمٌ؛ فإنَّ اللهَ أخبَرَ في كتابِه بما هو عليه من أسمائِه وصِفاتِه، ولا بدَّ في الأسماءِ المشتَقَّةِ المتواطِئةِ مِن معنًى مُشتَرَكٍ بين أفرادِها، فجَحَد المعَطِّلةُ حقائِقَها لِمَا زَعَموا فيها من التَّشبيهِ، وهم لا يمكِنُهم إثباتُ شَيءٍ يعتَقِدونَه إلَّا بنوعٍ من القياسِ المُتَضَمِّنِ التشبيهَ الذي فَرُّوا منه، لا في جانِبِ النَّفيِ، ولا في جانبِ الإثباتِ، فهم مُنكِرونَ ما جاءت به الرُّسُلُ بما هو من نَوعِه أو دونَه، وهذا غايةُ الضَّلالِ، فلْيُتأَمَّلْ ذلك) .

    وقال العيني: (إنَّ مَعرِفةَ أسماءِ اللهِ تعالى وصفاتِه توقيفيَّةٌ، تُعلَمُ من طريقِ الوَحيِ والسُّنَّةِ، ولم يكُنْ لنا أن نتصَرَّفَ فيها بما لم يهتَدِ إليه مبلَغُ عِلْمِنا، ومنتهى عُقولِنا، وقد مُنِعْنا عن إطلاقِ ما لم يَرِدْ به التوقيفُ في ذلك، وإن جَوَّزه العَقلُ، وحَكَم به القياسُ، كان الخطَأُ في ذلك غيرَ هَيِّنٍ، والمخطِئُ فيه غيرَ مَعذورٍ، والنُّقصانُ عنه كالزيادةِ فيه غيرَ مَرضِيٍّ) .
    العِشرونَ: مِن قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: صِفاتُ اللهِ عزَّ وجلَّ لا حَصْرَ لها :

    صِفاتُ اللهِ عزَّ وجلَّ لا حَصْرَ لها؛ لأنَّ كلَّ اسمٍ يَتضَمَّنُ صفةً، وأسماءُ اللهِ لا حَصْرَ لها؛ فمنها ما استأثَرَ اللهُ به في عِلمِ الغَيبِ عِندَه.
    عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
    ((ما أصاب أحدًا قَطُّ هَمٌّ ولا حَزَنٌ، فقال: اللَّهُمَّ إنِّي عَبدُك، ابنُ عَبدِك، ابنُ أَمَتِك، ناصيتي بيَدِك، ماضٍ فيَّ حُكمُك، عَدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألُك بكُلِّ اسمٍ هو لك، سَمَّيتَ به نَفْسَك، أو علَّمْتَه أحدًا من خَلْقِك، أو أنزَلْتَه في كتابِك، أو استأثَرْتَ به في عِلمِ الغَيبِ عِندَك: أن تجعَلَ القُرآنَ رَبيعَ قَلبي، ونورَ صَدْري، وجَلاءَ حَزَني، وذَهابَ هَمِّي، إلَّا أذهَبَ اللهُ هَمَّه وحَزَنَه، وأبدَلَه مكانَه فَرَحًا، قال: فقيل: يا رسولَ اللهِ، ألا نتعَلَّمُها ؟ فقال: بلى، ينبغي لِمن سَمِعَها أن يتعَلَّمَها )) .

    قال ابنُ القَيِّمِ: (قَولُه: أو استأثَرْتَ به في عِلمِ الغَيبِ عِندَك دَليلٌ على أنَّ أسماءَه أكثَرُ مِن تِسعةٍ وتِسعينَ، وأنَّ له أسماءً وصِفاتٍ استأثَرَ بها في عِلمِ الغَيبِ عِندَه لا يَعلَمُها غَيرُه، وعلى هذا فقَولُه: ((إنَّ للهِ تسعةً وتِسعينَ اسمًا مَن أحصاها دخل الجنَّةَ ))،
    لا ينفي أن يكونَ له غيرُها، والكلامُ جملةٌ واحِدةٌ، أي: له أسماءٌ مَوصوفةٌ بهذه الصِّفةِ، كما يُقالُ: لفُلانٍ مائةُ عَبدٍ أعَدَّهم للتِّجارةِ، وله مائةُ فَرَسٍ أعَدَّها للجِهادِ، وهذا قَولُ الجُمْهورِ، وخالَفَهم ابنُ حَزمٍ، فزَعَم أنَّ أسماءَه تَنحَصِرُ في هذا العَدَدِ) .
    وقال أيضًا: (لله تعالى أسماءٌ وصِفاتٌ استأثَرَ بها في عِلمِ الغَيبِ عِندَه، لا يَعلَمُها مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولا نبيٌّ مُرسَلٌ، كما في الحديثِ الصَّحيحِ: ((أسألُك بكُلِّ اسمٍ هو لك، سَمَّيتَ به نَفْسَك، أو أنزَلْتَه في كتابِك، أو أستأثَرْتَ به في عِلمِ الغَيبِ عِندَك ))، فجعل أسماءَه ثلاثةَ أقسامٍ:
    قِسمٌ: سَمَّى به نَفْسَه، فأظهَرَه لِمن شاء من ملائكَتِه أو غَيرِهم، ولم يُنزِلْ به كِتابَه.
    وقِسمٌ: أَنزَلَ به كتابَه، فتعَرَّفَ به إلى عِبادِه.
    وقِسمٌ: استأثَرَ به في عِلمِ غَيبِه، فلم يُطلِعْ عليه أحدًا مِن خَلْقِه؛ ولهذا قال: «استأثَرْتَ به» أي: انفرَدْتَ بعِلْمِه، وليس المرادُ انفرادَه بالتَّسمِّي به؛ لأنَّ هذا الانفرادَ ثابتٌ في الأسماءِ التي أَنزَلَ بها كِتابَه.
    ومن هذا قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حديثِ الشَّفاعةِ: ((فيَفتَحُ عَلَيَّ مِن محامِدِه بما لا أُحسِنُه الآنَ)) ، وتلك المحامِدُ هي بأسمائِه وصِفاتِه تبارك وتعالى.
    ومنه قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا أُحصي ثَناءً عليك، أنت كما أثنَيتَ على نَفْسِك )) .
    وقال سُلَيمانُ بنُ عبدِ اللهِ آل الشَّيخِ: (اعلَمْ أنَّ الأسماءَ الحُسْنى لا تَدخُلُ تحتَ حَصرٍ،
    ولا تُحَدُّ بعَدَدٍ؛ فإنَّ للهِ تعالى أسماءً وصِفاتٍ استأثَرَ بها في عِلمِ الغَيبِ عِندَه، ولا يَعلَمُها مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، ولا نَبيٌّ مُرسَلٌ) .
    --------------------------------------------------------------------------------
    التالي : -
    : المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :
    : : أنواعُ الصِّفاتِ :

    -
    تابعونا أحبابنا جزاكم الله خيرا ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

      مواضيع مماثلة

      -
      » المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالأسماءِ الحُسْنى :قواعِدُ في أسْماءِ اللهِ تعالى :من قواعِدِ أسْماءِ اللهِ أنَّ أسماءَه كُلَّها حُسْنى : أسْماءُ اللهِ الحُسْنى : أدِلَّةُ تفاضُلِ أسْماءِ اللهِ :وجوهُ تفاضُلِ أسماءِ اللهِ :
      » الشَّهادتانِ - شهادةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ - شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ - معنى الشَهادةِ -فَضائِلُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ- شُروطِ لا إلهَ إلَّا الله مَراتِبُ شَهادةِ لا إلهَ إلَّا اللهُ -
      »  المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :: أنواعُ الصِّفاتِ :صِفاتُ اللهِ الواردةُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ : الآخِرِيَّةُ : الإبداءُ والإعادةُ. :الإتيانُ والمجيءُ. : الإِجَابَةُ. :الأَحَدُ والأحَدِيَّةُ.
      » أحكامُ توحيدِ الأسماءِ والصِّفاتِ :: أحكامٌ مُتعَلِّقةٌ بالوَصفِ والتَّسميةِ والإخبارِ عن اللهِ :حُكمُ اشتقاقِ المصدَرِ والفِعلِ والإخبارِ بهما عن اللهِ.: حُكمُ اشتِقاقِ أسماءٍ وصِفاتٍ للهِ مِن أفعالِه المقيَّدةِ.
      » الإيمانُ باللهِ: (توحيدُ الرُّبوبيَّةِ، والأُلُوهيَّةِ، والأسماءِ والصِّفاتِ) الإيمانِ بوُجودِ اللهِ تعالى وأقسامِ التَّوحيدِ - توحيدُ الرُّبوبيَّةِ - توحيدُ الأُلوهيَّةِ - توحيدُ الأسماءِ والصِّفاتِ

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 4:08 pm