[right] : المسائِلُ المتعَلِّقةُ بالصِّفاتِ :
-
: قواعِدُ في صِفاتِ اللهِ تعالى :
أولاً : - : من قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه في كتابِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم، مِن غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ومِن غيرِ تكييفٍ ولا تمثيلٍ :
فاللهُ تعالى أعلَمُ بنَفْسِه مِن غيرِه، ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعلَمُ الخَلْقِ بربِّه، ومِن بعدِه أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم .
قال اللهُ تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] .
وقال اللهُ سُبحانَه: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل: 74] .
قال ابنُ جرير: (قَولُه: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ [النحل: 74] يَقولُ: فلا تُمثِّلوا لله الأمثالَ، ولا تُشَبِّهوا له الأشباهَ؛ فإنَّه لا مِثْلَ له ولا شِبْهَ) .
وقال البَغَويُّ: (فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ يعني: الأشباهَ، فتُشَبِّهونَه بخَلْقِه، وتجعَلونَ له شركاءَ؛ فإنَّه واحِدٌ لا مِثْلَ له) .
قال مالِكُ بنُ أَنَسٍ: إيَّاكم والبِدَعَ، قيل: وما البِدَعُ؟ قال: (أهلُ البِدَعِ هم الذين يتكَلَّمونَ في أسْماءِ اللهِ وصِفاتِه وكَلامِه وعِلْمِه وقُدرتِه، ولا يَسكُتونَ عَمَّا سَكَت عنه الصَّحابةُ والتَّابِعونَ لهم بإحسانٍ) .
وعن جَعفَرِ بنِ عبدِ اللهِ، قال: جاء رجُلٌ إلى مالِكِ بنِ أنَسٍ، فقال: يا أبا عَبدِ اللهِ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] كيف استوى؟ قال: فما رأيتُ مالِكًا وَجَد مِن شَيءٍ كمَوْجِدَتِه من مقالتِه، وعلاه الرُّحَضاءُ -يعني العَرَقَ- قال: وأطرَقَ القَومُ، وجَعَلوا ينتَظِرونَ ما يأتي منه فيه، قال: فسُرِّيَ عن مالكٍ، فقال: الكَيفُ غيرُ مَعقولٍ، والاستواءُ منه غيرُ مَجهولٍ، والإيمانُ به واجِبٌ، والسُّؤالُ عنه بِدعةٌ؛ فإنِّي أخافُ أن تكونَ ضالًّا، وأَمَر به فأُخرِجَ .
وقال الوَليدُ بنُ مُسلِمٍ: سألتُ سُفيانَ، والأوزاعيَّ، ومالِكَ بنَ أنَسٍ، واللَّيثَ بنَ سَعدٍ، عن هذه الأحاديثِ؟ فقالوا: (نُمِرُّها كما جاءت) .
وقال الشَّافِعيُّ: (آمَنْتُ باللهِ، وبما جاء عن اللهِ على مُرادِ اللهِ، وآمَنتُ برَسولِ اللهِ وبما جاء عن رَسولِ اللهِ على مُرادِ رَسولِ اللهِ) .
وقال نعيمُ بنُ حَمَّادٍ الخُزاعيُّ: (مَن شَبَّه اللهَ بخَلْقِه فقد كَفَر، ومن أنكَرَ ما وَصَف اللهُ به نَفْسَه فقد كَفَر، وليس ما وَصَف اللهُ به نَفْسَه تشبيهًا) .
وقال عبدُ الرَّحمنِ بنُ القاسِمِ: (لا ينبغي لأحَدٍ أن يَصِفَ اللهَ إلَّا بما وصف به نَفْسَه في القرآنِ، ولا يُشَبِّهَ يَدَيه بشَيءٍ، ولا وَجْهَه بشَيءٍ، ولكِنْ يقولُ: له يدانِ كما وصف نَفْسَه في القرآنِ، وله وَجهٌ كما وصف نَفْسَه، يقِفُ عند ما وَصَف به نَفْسَه في الكتابِ؛ فإنَّه -تبارك وتعالى- لا مِثْلَ له ولا شبيهَ،
ولكِنْ هو اللهُ لا إلهَ إلَّا اللهُ كما وَصَف نَفْسَه، ويداه مبسوطتانِ كما وصَفَها: وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر: 67] ، كما وصف نَفْسَه) .
وقال ابنُ خُزَيمةَ: (إنَّ الأخبارَ في صِفاتِ اللهِ مُوافِقةٌ لكِتابِ اللهِ تعالى، نقَلَها الخَلَفُ عن السَّلَفِ قَرنًا بعد قَرنٍ مِن لَدُنِ الصَّحابةِ والتَّابعينَ إلى عَصْرِنا هذا، على سَبيلِ الصِّفاتِ للهِ تعالى، والمعرفةِ والإيمانِ به، والتَّسليمِ لِما أخبَرَ اللهُ تعالى في تنزيلِه، ونَبيُّه الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن كتابِه، مع اجتِنابِ التَّأويلِ والجُحودِ، وتَرْكِ التَّمثيلِ والتَّكييفِ) .
وقال الكَلاباذيُّ: (أجمعوا على أنَّ للهِ صِفاتٍ على الحَقيقةِ هو بها موصوفٌ؛ مِن العِلْمِ، والقُدرةِ، والقُوَّةِ، والعِزِّ، والحِلمِ، والحِكمةِ، والكبرياءِ، والجَبَروتِ، والقِدَمِ، والحياةِ، والإرادةِ، والمشيئةِ، والكلامِ... وأنَّ له سمعًا وبَصَرًا ووَجهًا ويَدًا على الحقيقةِ، ليس كالأسماعِ والأبصارِ والأيدي والوُجوهِ) .
وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: (أهلُ السُّنَّةِ مُجمِعونَ على الإقرارِ بالصِّفاتِ الوارِدةِ كُلِّها في القُرآنِ والسُّنَّةِ، والإيمانِ بها، وحَمْلِها على الحقيقةِ لا على المجازِ، إلَّا أنَّهم لا يُكَيِّفونَ شَيئًا مِن ذلك ولا يَحُدُّونَ فيه صِفةً مَحصورةً،
وأمَّا أهلُ البِدَعِ والجَهْميَّةُ والمعتَزِلةُ كُلُّها والخوارجُ، فكُلُّهم يُنكِرُها ولا يَحمِلُ شيئًا منها على الحقيقةِ، ويَزعُمونَ أنَّ مَن أقَرَّ بها مُشَبِّهٌ، وهم عند مَن أثبَتَها نافونَ للمَعبودِ، والحَقُّ فيما قاله القائِلونَ بما نَطَق به كِتابُ اللهِ وسُنَّةُ رَسولِه، وهم أئمَّةُ الجَماعةِ، والحَمدُ لله) .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (مَذهَبُ السَّلَفِ أنَّهم يَصِفونَ اللهَ بما وَصَف به نَفْسَه، وما وَصَفه به رَسولُه من غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ومِن غيرِ تكييفٍ ولا تمثيلٍ، فلا يَنْفُونَ عنه ما أثبَتَه لنَفْسِه مِن الصِّفاتِ، ولا يُمَثِّلونَ صِفاتِه بصِفاتِ المخلوقينَ؛ فالنَّافي مُعَطِّلٌ، والمعَطِّلُ يَعبُدُ عَدَمًا، والمشَبِّهُ مُمَثِّلٌ، والممَثِّلُ يَعبُدُ صَنَمًا، ومَذهَبُ السَّلَفِ إثباتٌ بلا تمثيلٍ، وتنزيهٌ بلا تعطيلٍ، كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وهذا رَدٌّ على الممَثِّلةِ. وقَولُه: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ رَدٌّ على المعَطِّلةِ) .
وقال أيضًا: (جِماعُ القَولِ في إثباتِ الصِّفاتِ هو القَولُ بما كان عليه سَلَفُ الأُمَّةِ وأئِمَّتُها، وهو أن يُوصَفَ اللهُ بما وَصَف به نَفْسَه، وبما وصَفَه به رَسولُه، ويُصانَ ذلك عن التَّحريفِ والتَّمثيلِ، والتَّكييفِ والتَّعطيلِ؛
فإنَّ اللهَ لَيسَ كمِثْلِه شَيءٌ؛ لا في ذاتِه، ولا في صِفاتِه، ولا في أفعالِه. فمن نفى صِفاتِه كان مُعَطِّلًا، ومَن مَثَّل صِفاتِه بصِفاتِ مخلوقاتِه كان مُمَثِّلًا، والواجِبُ إثباتُ الصِّفاتِ، ونَفْيُ مُماثلتِها لصِفاتِ المخلوقاتِ؛ إثباتًا بلا تشبيهٍ، وتنزيهًا بلا تعطيلٍ،
كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فهذا رَدٌّ على الممَثِّلةِ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] رَدٌّ على المعَطِّلةِ، فالمُمَثِّلُ يَعبُدُ صنمًا، والمعَطِّلُ يَعبُدُ عَدَمًا) .
وقال: (هو سُبحانَه مع ذلك لَيسَ كمِثْلِه شَيءٌ؛ لا في نَفْسِه المقَدَّسةِ المذكورةِ بأسمائِه وصِفاتِه، ولا في أفعالِه، فكما يتيَقَّنُ أنَّ اللهَ سُبحانَه له ذاتٌ حقيقيةٌ، وله أفعالٌ حقيقيَّةٌ، فكذلك له صِفاتٌ حقيقيَّةٌ، وهو لَيسَ كمِثْلِه شَيءٌ؛ لا في ذاتِه، ولا في صِفاتِه، ولا في أفعالِه، وكُلُّ ما أوجَبَ نَقصًا أو حُدوثًا؛ فإنَّ اللهَ مُنَزَّهٌ عنه حقيقةً؛ فإنَّه سُبحانَه مُستَحِقٌّ للكَمالِ الذي لا غايةَ فَوقَه... ومَذهَبُ السَّلَفِ بين التَّعْطيلِ وبين التَّمْثيلِ، فلا يمَثِّلونَ صِفاتِ اللهِ بصِفاتِ خَلْقِه، كما لا يُمَثِّلونَ ذاتَه بذاتِ خَلْقِه، ولا يَنفُونَ عنه ما وَصَف به نَفْسَه، أو وصَفَه به رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيُعَطِّلونَ أسماءَه الحُسْنى وصِفاتِه العُلا، ويُحَرِّفونَ الكَلِمَ عن مَواضِعِه، ويُلحِدونَ في أسْماءِ اللهِ وآياتِه) .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (قد تنازع الصَّحابةُ في كثيرٍ مِن مسائِلِ الأحكامِ، وهم ساداتُ المؤمِنينَ، وأكمَلُ الأُمَّةِ إيمانًا، ولكِنْ بحَمدِ اللهِ لم يتنازَعوا في مسألةٍ واحدةٍ مِن مسائِلِ الأسماءِ والصِّفاتِ والأفعالِ، بل كُلُّهم على إثباتِ ما نطق به الكِتابُ والسُّنَّةُ كَلِمةً واحِدةً، من أوَّلِهم إلى آخِرِهم، لم يَسُوموها تأويلًا، ولم يُحَرِّفُوها عن مواضِعِها تبديلًا، ولم يُبْدوا لشَيءٍ منها إبطالًا، ولا ضَرَبوا لها أمثالًا، ولم يَدْفَعُوا في صُدورِها وأعجازِها، ولم يَقُلْ أحَدٌ منهم: يجِبُ صَرْفُها عن حقائقِها، وحَمْلُها على مجازِها، بل تَلَقَّوْها بالقَبُولِ والتَّسليمِ، وقابَلوها بالإيمانِ والتَّعظيمِ، وجَعَلوا الأمرَ فيها كُلِّها أمرًا واحِدًا، وأجْرَوْها على سَنَنٍ واحِدٍ، ولم يَفعَلوا كما فَعَل أهلُ الأهواءِ والبِدَعِ؛ حيث جَعَلوها عِضِينَ، وأقَرُّوا ببَعْضِها، وأنكَروا بَعْضَها من غيرِ فُرْقَانٍ مُبِينٍ، مع أنَّ اللَّازِمَ لهم فيما أنكَروه كاللَّازِمِ فيما أقَرُّوا به وأثبَتوه) .
وقال ابنُ أبي العِزِّ: (اتَّفَق أهلُ السُّنَّةِ على أنَّ اللهَ لَيسَ كمِثْلِه شَيءٌ؛ لا في ذاتِه، ولا في صِفاتِه، ولا في أفعالِه، ولكِنْ لَفظُ التَّشبيهِ قد صار في كلامِ النَّاسِ لَفظًا مُجمَلًا يرادُ به المعنى الصَّحيحُ، وهو ما نفاه القُرآنُ ودَلَّ عليه العَقلُ؛ من أنَّ خصائِصَ الرَّبِّ تعالى لا يُوصَفُ بها شيءٌ من المخلوقاتِ، ولا يماثِلُه شَيءٌ من المخلوقاتِ في شَيءٍ مِن صِفاتِه: لَيْسَ كمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] ردٌّ على المُمَثِّلةِ المشَبِّهةِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ردٌّ على النُّفاةِ المعَطِّلةِ؛ فمَن جَعَل صِفاتِ الخالِقِ مِثلَ صِفاتِ المخلوقِ، فهو المشَبِّهُ المبطِلُ المذمومُ، ومن جَعَل صِفاتِ المخلوقِ مِثلَ صِفاتِ الخالِقِ، فهو نظيرُ النَّصارى في كُفْرِهم) .
وقال السَّفارينيُّ: (الصَّوابُ إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه، ووصَفَه به نبيُّه حَسَبَما وَرَد، مِن غيرِ إلحادٍ ولا رَدٍّ، فهو إثباتُ وجودٍ بلا تكييفٍ) .
وقال عبدُ الرَّحمنِ بنُ حَسَن آل الشَّيخِ بعد أن ذَكَر إثباتَ عُلُوِّ اللهِ تعالى واستوائِه على العَرْشِ وأدِلَّةَ ذلك: (وهذا مذهَبُ سَلَفِ الأمَّةِ وأئمَّتِها ومن تَبِعَهم من أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ: يُثبِتون لله ما أثبت لنَفْسِه، وما أثبَتَه له رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، من صفاتِ كَمالِه، ونُعوتِ جَلالِه، على ما يليقُ بجلالِ اللهِ وعظَمتِه؛ إثباتًا بلا تمثيلٍ، وتنزيهًا بلا تعطيلٍ، تعالى اللهُ عمَّا يقولُ المحَرِّفون المخَرِّفون عن الحَقِّ عُلُوًّا كبيرًا) .
وقال السَّعْديُّ: (لَيْسَ كمِثْلِهِ شَيْءٌ أي: ليس يُشبِهُه تعالى ولا يماثِلُه شَيءٌ من مخلوقاتِه؛ لا في ذاتِه، ولا في أسمائِه، ولا في صِفاتِه، ولا في أفعالِه؛ لأنَّ أسماءَه كُلَّها حُسْنى، وصِفاتِه صفاتُ كمالٍ وعَظَمةٍ، وأفعالَه تعالى أوجَدَ بها المخلوقاتِ العظيمةَ مِن غيرِ مُشارِكٍ، فلَيسَ كمِثْلِه شَيءٌ؛ لانفرادِه وتوحُّدِه بالكَمالِ مِن كُلِّ وَجهٍ. وَهُوَ السَّمِيعُ لجميعِ الأصواتِ، باختلافِ اللُّغاتِ، على تفَنُّنِ الحاجاتِ. الْبَصِيرُ يرى دبيبَ النَّملةِ السَّوداءِ، في اللَّيلةِ الظَّلماءِ، على الصَّخرةِ الصَّمَّاءِ، ويرى سَرَيانَ القُوتِ في أعضاءِ الحيواناتِ الصَّغيرةِ جِدًّا، وسَرَيانَ الماءِ في الأغصانِ الدَّقيقةِ.
وهذه الآيةُ ونحوُها دليلٌ لمذهَبِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ؛ من إثباتِ الصِّفاتِ، ونَفيِ مماثلةِ المخلوقاتِ. وفيها رَدٌّ على المشَبِّهةِ في قَولِه: لَيْسَ كمِثْلِهِ شَيْءٌ، وعلى المعَطِّلةِ في قَولِه: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) .
وقال الشِّنقيطيُّ: (من نفى عن اللهِ وَصفًا أثبَتَه لنَفْسِه في كتابِه العزيزِ، أو أثبَتَه له رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، زاعِمًا أنَّ ذلك الوَصفَ يَلزَمُه ما لا يليقُ باللهِ جَلَّ وعلا؛ فقد جعل نَفْسَه أعلَمَ مِن اللهِ ورَسولِه بما يليقُ باللهِ جَلَّ وعلا! سُبحانَك هذا بهتانٌ عظيمٌ! ومن اعتَقَد أنَّ وَصْفَ اللهِ يُشابِهُ صِفاتِ الخَلقِ، فهو مُشَبِّه مُلحِدٌ ضالٌّ، ومن أثبَتَ للهِ ما أثبَتَه لنَفْسِه، أو أثبَتَه له رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، مع تنزيهِه جَلَّ وعلا عن مشابهةِ الخَلْقِ؛ فهو مؤمِنٌ جامِعٌ بين الإيمانِ بصِفاتِ الكمالِ والجَلالِ، والتَّنزيهِ عن مُشابهةِ الخَلْقِ، سالمٌ مِن ورطةِ التَّشبيهِ والتَّعْطيلِ،
والآيةُ التي أوضَحَ اللهُ بها هذا هي قَولُه تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ، فنفى عن نَفْسِه جَلَّ وعلا مماثَلةَ الحوادِثِ بقَولِه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وأثبت لنَفْسِه صِفاتِ الكَمالِ والجَلالِ بقَولِه: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فصَرَّح في هذه الآيةِ الكريمةِ بنَفْيِ المماثَلةِ مع الاتِّصافِ بصِفاتِ الكَمالِ والجَلالِ) .
وتشبيهُ اللهِ بخَلْقِه إشراكٌ باللهِ تعالى يَستلزِمُ تحريفَ النُّصوصِ، أو تكذيبَها، مع تنقُّصِ اللهِ تعالى بتَمثيلِه بالمخلوقِ النَّاقِصِ.
وقال ابنُ باز: (من الإيمانِ باللهِ أيضًا الإيمانُ بأسمائِه الحُسْنى وصِفاتِه العلا الواردةِ في كتابِه العزيزِ، والثَّابتةِ عن رَسولِه الأمينِ، مِن غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ، بل يجِبُ أن تُمَرَّ كما جاءت بلا كيفٍ، مع الإيمانِ بما دَلَّت عليه من المعاني العظيمةِ التي هي أوصافٌ للهِ عزَّ وجَلَّ يجِبُ وَصْفُه بها على الوَجهِ اللَّائِقِ به، من غيرِ أن يُشابِهَ به خَلْقَه في شَيءٍ مِن صِفاتِه، كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ، وقال عزَّ وجَلَّ: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل:74] ) .
وقال ابنُ عُثَيمين: (السَّلَفُ الصَّالحُ مِن صَدْرِ هذه الأُمَّةِ، وهم الصَّحابةُ الذين هم خيرُ القُرونِ، والتَّابعون لهم بإحسانٍ، وأئمَّةُ الهُدى مِن بَعْدِهم: كانوا مجمِعينَ على إثباتِ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه، أو أثبَتَه له رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الأسماءِ والصِّفاتِ، وإجراءِ النُّصوصِ على ظاهِرِها اللَّائِقِ باللهِ تعالى، من غير تحريفٍ، ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ، ولا تمثيلٍ، وهم خيرُ القُرونِ بنَصِّ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإجماعُهم حُجَّةٌ مُلزِمةٌ؛ لأنَّه مُقتَضى الكِتابِ والسُّنَّةِ) .
ثانياً : : من قَواعِدِ صِفاتِ اللهِ: نَفْيُ ما نفاه اللهُ عن نَفْسِه في كتابِه، أو نفاه عنه رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم، مع اعتقادِ ثُبوتِ كَمالِ ضِدِّه للهِ تعالى :
فاللهُ تعالى أعلَمُ بنَفْسِه مِن خَلْقِه، ورسولُه أعلَمُ النَّاسِ بربِّه، ومِن بعدِه أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم؛ فنَفْيُ الموتِ عنه يتضمَّنُ كمالَ حياتِه، ونَفْيُ الظُّلمِ يتضمَّنُ كمالَ عَدْلِه، ونَفْيُ النَّومِ يتضمَّنُ كمالَ قيُّوميَّتِه .
قال الحليميُّ: (نَفْيُ المذَامِّ إثباتٌ للمَدائِحِ، كقَولِنا: لا شَريكَ له ولا شَبيهَ له: إثباتٌ أنَّه واحِدٌ أحَدٌ، وكقَولِنا: لا يُعجِزُه شَيءٌ: إثباتٌ أنَّه قادِرٌ قَوِيٌّ، وكقَولِنا: إنَّه لا يَظلِمُ أحدًا: إثباتٌ أنَّه عَدلٌ في حُكمِه، وإثباتُ المدائِحِ له نفيٌ للمَذَامِّ عنه، كقَولِنا: إنَّه عالمٌ: نَفيٌ للجَهلِ عنه، وقَوِلنا: إنَّه قادِرٌ: نَفيٌ للعَجزِ عنه) .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (المدحُ إنَّما يكونُ بالأُمورِ الثُّبوتيَّةِ لا بالأمورِ العدَميَّةِ، وإنَّما يحصُلُ المدحُ بالعَدَمِ إذا تضَمَّنَ ثُبوتًا، كقَولِه تعالى: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة: 255] ، فنَزَّه نَفْسَه عن السِّنةِ والنَّومِ؛ لأنَّ ذلك يتضَمَّنُ كَمالَ حياتِه وقيُّوميَّتِه،
كما قال تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ [الفرقان: 58] ، فهو سُبحانَه حيٌّ لا يموتُ، قيُّومٌ لا ينامُ،
وكذلك قَولُه تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق: 38] ، فنَزَّه نَفْسَه المقَدَّسةَ عن مَسِّ اللُّغوبِ -وهو الإعياءُ والتَّعَبُ-؛ ليتبيَّنَ كمالُ قُدرتِه.
فهو سُبحانَه موصوفٌ بصِفاتِ الكَمالِ، مُنَزَّهٌ عن كُلِّ نَقصٍ وعَيبٍ، موصوفٌ بالحياةِ والعِلْمِ والقُدرةِ والسَّمعِ والبَصَرِ والكَلامِ، مُنَزَّهٌ عن الموتِ والجَهلِ والعَجزِ والصَّمَمِ والعَمى والبَكَمِ، وهو سُبحانَه لا مِثْلَ له في شيءٍ مِن صِفاتِ الكَمالِ، وهو مُنَزَّهٌ عن كُلِّ نَقصٍ وعَيبٍ؛ فإنَّه قُدُّوسٌ سلامٌ يمتَنِعُ عليه النَّقائِصُ والعُيوبُ بوَجهٍ مِن الوُجوهِ، وهو سُبحانَه لا مِثْلَ له في شيءٍ مِن صِفاتِ كَمالِه، بل هو الأحَدُ الصَّمَدُ الذي لم يَلِدْ ولم يُولَدْ، ولم يكُنْ له كُفُوًا أحَدٌ) .
وقال أيضًا: (الصِّفاتُ السَّلبيَّةُ إنَّما تكونُ كَمالًا إذا تضَمَّنَت أمورًا وُجوديَّةً؛ ولهذا كان تَسبيحُ الرَّبِّ يَتضَمَّنُ تنزيهَه وتعظيمَه جميعًا، فقَولُ العَبدِ: «سُبحانَ اللهِ» يَتضَمَّنُ تنزيهَ اللهِ وبَراءتَه مِنَ السُّوءِ، وهذا المعنى يَتضَمَّنُ عَظَمتَه في نَفْسِه، ليس هو عَدَمًا مَحْضًا لا يَتضَمَّنُ وجودًا؛ فإنَّ هذا لا مَدْحَ فيه ولا تعظيمَ، وكذلك سائِرُ ما تنَزَّهَ الرَّبُّ عنه مِنَ الشُّرَكاء والأولادِ وغيرِ ذلك) .
وقال ابنُ أبي العِزِّ: (كُلُّ نفيٍ يأتي في صِفاتِ اللهِ تعالى في الكِتابِ والسُّنَّةِ إنَّما هو لثُبوتِ كَمالِ ضِدِّه؛ كقَولِه تعالى: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: 49]
لكَمالِ عَدْلِه، لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ [سبأ: 3] لكَماِل عِلْمِه،
وقَولِه تعالى: وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق: 38]
لكَمالِ قُدرتِه، لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة: 255]
لكَمالِ حياتِه وقيومِيَّتِه، لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ [الأنعام: 103] لكَمالِ جَلالِه وعَظَمتِه وكِبريائِه، وإلَّا فالنَّفيُ الصِّرفُ لا مَدْحَ فيه) .
وقال ابنُ الوزيرِ: (اللهُ سُبحانَه موصوفٌ بالإثباتِ والنَّفيِ؛ فالإثباتُ كإخبارِه سُبحانَه أنَّه بكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ، وعلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، وأنَّه سميعٌ بصيرٌ، ونحوِ ذلك.
والنَّفيُ كقَولِه: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة: 255] ، وينبغي أن يُعلَمَ أنَّ النَّفيَ ليس فيه مدحٌ ولا كمالٌ إلَّا إذا تضَمَّن إثباتًا؛ لأنَّ النَّفيَ المحضَ عَدَمٌ محضٌ، والعَدَمُ المحْضُ ليس بشَيءٍ،
وما ليس بشَيءٍ هو كما قيل: ليس بشَيءٍ، فضلًا عن أن يكونَ مَدحًا وكمالًا، ولأنَّ النَّفيَ المحْضَ يُوصَفُ به المعدومُ والممتَنِعُ، وهما لا يُوصَفانِ بمَدحٍ ولا كمالٍ؛ فلهذا كان عامَّةُ ما وَصَف اللهُ به نَفْسَه مِن النَّفيِ مُتَضَمِّنًا لإثباتِ مَدحٍ،
كقَولِه: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة: 255] ؛ فإنَّه يَتضَمَّنُ كمالَ الحياةِ والقيامِ،
وقَولِه: وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا [البقرة: 255] ؛ فإنَّه مُستلزِمٌ لكَمالِ قُدرتِه،
وقَولِه: لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ [سبأ: 3] مُستلزمٌ لعِلْمِه بكُلِّ ذرَّةٍ،
وقَولِه: وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق: 38] مُستلزِمٌ كمالَ القُدرةِ ونهايةَ القُوَّةِ،
وقَولِه: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ [الأنعام: 103] نفى الإدراكَ الذي هو الإحاطةُ، كما قال أكثَرُ العُلَماءِ، ولم يَنْفِ مجَرَّدَ الرَّؤيةِ؛ لأنَّ المعدومَ لا يُرى، وليس في كَونِه لا يُرى مدحٌ، وإلَّا لكان المعدومُ ممدوحًا، وإنَّما المدحُ في كونِه لا يحاطُ به وإنْ رُئِيَ، كما أنَّه لا يُحاطُ به وإن عُلِمَ، فكما أنَّه إذا عُلِمَ لا يحاطُ به عِلْمًا، فكذلك إذا رُئِيَ لا يحاطُ به رؤيةً، فكان في نَفيِ الإدراكِ مِن إثباتِ عَظَمتِه ما يكونُ مَدحًا وصِفةَ كَمالٍ.
وإذا تأمَّلْتَ وجَدْتَ كُلَّ نَفيٍ لا يستلزِمُ ثُبوتًا هو مِمَّا لم يَصِفِ اللهُ به نَفْسَه؛ فالذين لا يَصِفونَه إلَّا بالسُّلُوبِ لم يُثبِتوا في الحقيقةِ إلهًا محمودًا، بل ولا موجودًا، وكذلك من شاركَهم في بعضِ ذلك، كالذين قالوا: إنَّه لا يتكَلَّمُ ولا يَرى، أو ليس فوقَ العالمِ، أو لم يَسْتَوِ على العَرشِ، ويَقولون: ليس بداخِلِ العالَمِ ولا خارِجِه، ولا مبايِنٍ للعالَمِ ولا مُحايثٍ له؛ إذ هذه الصِّفاتُ يمكِنُ أن يُوصَفَ بها المعدومُ، وليست هي مستلزِمةً صفةَ ثُبوتٍ؛ ولهذا قيل لِمن ادَّعى ذلك في الخالِقِ: مَيِّزْ لنا بين هذا الرَّبِّ الذي تُثبِتُه، وبين المعدومِ!) .
وقال ابنُ باز: (الواجِبُ على جميعِ المكَلَّفينَ الإيمانُ بأسمائِه وصِفاتِه، والإيمانُ بكُلِّ ما أخبَرَ اللهُ به ورَسولُه، من غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ، ومن دونِ زيادةٍ أو نَقصٍ، بل يجِبُ إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ ورَسولُه، ونَفْيُ ما نفاه اللهُ ورَسولُه) .
وقال ابنُ عُثَيمين: (الضَّابِطُ في الصِّفاتِ التي نفاها اللهُ تعالى عن نَفْسِه أنَّها تدُلُّ على نفيِ تلك الصِّفةِ، وعلى ثُبوتِ كَمالِ ضِدِّها) .
وقال أيضًا: (ما نفاه اللهُ تعالى عن نَفْسِه فالمرادُ به بيانُ انتفائِه لثُبوتِ كَمالِ ضِدِّه، لا لمجَرَّدِ نَفْيِه؛ لأنَّ النَّفيَ ليس بكَمالٍ إلَّا أن يَتضَمَّنَ ما يَدُلُّ على الكَمالِ؛ وذلك لأنَّ النَّفيَ عَدَمٌ، والعَدَمُ ليس بشيءٍ فَضلًا عن أن يكونَ كَمالًا، ولأنَّ النَّفيَ قد يكونُ لعدَمِ قابليَّةِ المحَلِّ له، فلا يكونُ كَمالًا، كما لو قُلتَ: الجِدارُ لا يَظلِمُ، وقد يكونُ للعَجزِ عن القيامِ به، فيكونُ نَقصًا، كما في قَولِ الشَّاعِرِ:
قُبَيِّلةٌ لا يَغدِرونَ بذِمَّةٍ ... ولا يَظلِمونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَرْدَلِ
وقولِ الآخَرِ:
لكِنَّ قومي وإنْ كانوا ذَوِي حَسَبٍ ... لَيسُوا مِنَ الشَّرِّ في شَيءٍ وإنْ هانَا
مِثالُ ذلك: قَولُه تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ [الفرقان: 58] ، فنفيُ الموتِ عنه يَتضَمَّنُ كَمالَ حياتِه.
مثالٌ آخَرُ: قَولُه تعالى: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: 49] نفيُ الظُّلمِ عنه يَتضَمَّنُ كمالَ عَدْلِه.
مثالٌ ثالِثٌ: قَولُه تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ فنَفيُ العَجزِ عنه يَتضَمَّنُ كَمالَ عِلْمِه وقُدرتِه؛ ولهذا قال بَعْدَه: إِنَّه كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا [فاطر: 44] ؛ لأنَّ العَجْزَ سَبَبُه: إمَّا الجَهلُ بأسبابِ الإيجادِ، وإمَّا قُصورُ القُدرةِ عنه؛ فلكَمالِ عِلمِ اللهِ تعالى وقُدرتِه لم يكُنْ لِيُعجِزَه شَيءٌ في السَّمَواتِ ولا في الأرضِ.
وبهذا المثالِ عَلِمْنا أنَّ الصِّفةَ السَّلبيَّةَ قد تتضَمَّنُ أكثَرَ مِن كمالٍ) .
ثالثاً : : من قَواعدِ صِفاتِ اللهِ: صِفاتُ اللهِ عزَّ وجلَّ توقيفيَّةٌ، فلا يُثبَتُ منها إلَّا ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا يُنفى عنِ اللهِ عزَّ وجلَّ إلَّا ما نفاه عن نَفْسِه، أو نفاه عنه رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :
فلا تُثبَتُ إلَّا بما ورد في الكِتابِ والسُّنَّةِ، لا بغَيرِهما؛ إذ لا أحدَ أعلَمُ باللهِ من اللهِ، ولا أحَدَ أعلَمُ به مِن خَلْقِه مِن رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم .
فلا يجوزُ تسميةُ اللهِ تعالى، أو وَصْفُه بما لم يأتِ في الكِتابِ والسُّنَّةِ؛ لأنَّ ذلك قَولٌ على اللهِ تعالى بلا عِلمٍ.
فاللهُ تعالى أعلَمُ بنَفْسِه؛ حيث قال: أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة: 140] .
ونفى إحاطةَ النَّاسِ بالعِلْمِ به، فقال: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه: 110] .
ووصَفَ كَلامَه بأنَّه أحسَنُ الحَديثِ وأصدَقُ الحَديثِ، فقال: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء: 87] ، وقال: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ [الزمر: 23] . ووصفُه بذلك يقتضي سلامتَه من الخَطَأِ في الأخبارِ والأحكامِ، ويقتضي كذلك اشتِمالَه على أحسَنِ الطُّرُقِ لدَلالةِ النَّاسِ وهِدايتِهم.
قال أبو حنيفة: (لا ينبغي لأحَدٍ أن ينطِقَ في ذاتِ اللهِ بشَيءٍ، بل يَصِفُه بما وصف به نَفْسَه، ولا يقولَ فيه برأيِه شيئًا، تبارك اللهُ رَبُّ العالَمينَ) .
وقال الشَّافعي عن صفاتِ اللهِ عزَّ وجَلَّ: (حرامٌ على العقولِ أن تمثِّلَ اللهَ عزَّ وجَلَّ، وعلى الأوهامِ أن تحُدَّه، وعلى الظُّنونِ أن تقطَعَ، وعلى النُّفوسِ أن تفَكِّرَ، وعلى الضَّمائِرِ أن تَعمَّقَ، وعلى الخواطِرِ أن تحيطَ، وعلى العُقولِ أن تَعقِلَ، إلَّا ما وصف به نَفْسَه، أو على لسانِ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) .
وقال أحمدُ بنُ حَنبَلٍ: (لا يُوصَفُ اللهُ تعالى بأكثَرَ مِمَّا وَصَف به نَفْسَه، أو وصَفَه به رَسولُه بلا حَدٍّ ولا غايةٍ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى 11] ولا يبلُغُ الواصفونَ صِفَتَه، وصِفاتُه منه، ولا نتعَدَّى القُرآنَ والحديثَ، فنقولُ كما قال، ونَصِفُه كما وَصَفَ نَفْسَه، ولا نتعَدَّى ذلك، نؤمِنُ بالقُرآنِ كُلِّه؛ مُحكَمِه ومُتشابِهِه) .
وقال عُثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّارميُّ: (لا نُجيزُ اجتهادَ الرَّأيِ في كثيرٍ مِن الفرائِضِ والأحكامِ التي نراها بأعيُنِنا، وتُسمَعُ في آذانِنا، فكيف في صِفاتِ اللهِ التي لم تَرَها العيونُ، وقَصُرَت عنها الظُّنونُ؟!) ..
وقال البَربهاريُّ: (اعلَمْ -رَحِمَك اللهُ- أنَّ الكلامَ في الرَّبِّ مُحْدَثٌ، وهو بِدعةٌ وضَلالةٌ، ولا يُتكَلَّمُ في الرَّبِّ إلَّا بما وَصَف به نَفْسَه في القُرآنِ، وما بَيَّن رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأصحابِه) .
وقال الأزهريُّ: (لا يجوزُ عند أهلِ العِلمِ أن يُوصَفَ اللهُ جَلَّ وعَزَّ بصِفةٍ لم يُنزِلْها في كتابِه، ولم يُبَيِّنْها على لسانِ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) .
وقال ابنُ أبي زمنين: (اعلَمْ أنَّ أهلَ العِلمِ باللهِ وبما جاءت به أنبياؤه ورسُلُه يَرَونَ الجَهلَ بما لم يخبِرْ به -تبارك وتعالى- عن نَفْسِه عِلمًا، والعَجْزَ عمَّا لم يَدْعُ إيمانًا، وأنَّهم إنما ينتهون من وَصْفِه بصفاتِه وأسمائِه إلى حيثُ انتهى في كتابِه، وعلى لسانِ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) .
وقال أبو نصرٍ السجزيُّ: (قد اتَّفَقَت الأئمَّةُ على أنَّ الصِّفاتِ لا تؤخَذُ إلَّا توقيفًا، وكذلك شَرْحُها لا يجوزُ إلَّا بتوقيفٍ) .
وقال البيهقيُّ: (لا يجوزُ وَصْفُه تعالى إلَّا بما دَلَّ عليه كتابُ اللهِ تعالى، أو سُنَّةُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أجمعَ عليه سَلَفُ هذه الأمَّةِ) .
وقال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (ما غاب عن العُيونِ فلا يَصِفُه ذَوُو العُقولِ إلَّا بخَبَرٍ، ولا خَبَرَ في صِفاتِ اللهِ إلَّا ما وَصَفَ نَفْسَه به في كتابِه، أو على لسانِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلا نتعَدَّى ذلك إلى تشبيهٍ أو قياسٍ أو تمثيلٍ أو تنظيرٍ؛ فإنَّه لَيسَ كمِثْلِه شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. قال أبو عُمَرَ: أهلُ السُّنَّةِ مُجموعون على الإقرارِ بالصِّفاتِ الواردةِ كُلِّها في القُرآنِ والسُّنَّةِ، والإيمانِ بها، وحَمْلِها على الحقيقةِ لا على المجازِ) .
وقال أيضًا: (ليس في الاعتقادِ كُلِّه في صِفاتِ اللهِ وأسمائِه إلَّا ما جاء منصوصًا في كتابِ اللهِ، أو صَحَّ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أجمعَت عليه الأُمَّةُ، وما جاء من أخبارِ الآحادِ في ذلك كُلِّه أو نحوِه يُسَلَّمُ له ولا يُناظَرُ فيه) .
وقال أيضًا: (لا نُسَمِّيه ولا نَصِفُه ولا نُطلِقُ عليه إلَّا ما سَمَّى به نَفْسَه، على ما تقَدَّم ذِكْرُنا له مِن وَصْفِه لنَفْسِه لا شريكَ له، ولا ندفَعُ ما وَصَف به نَفْسَه؛ لأنَّه دَفعٌ للقُرآنِ) .
ونَقَل ابنُ رُشدٍ عن مالكٍ أنَّه قال: (لا ينبغي لأحَدٍ أن يَصِفَ اللهَ إلَّا بما وَصَف به نَفْسَه في القُرآنِ، ولا يُشَبِّهَ يَدَيه بشَيءٍ، ولا وَجْهَه تبارك وتعالى بشَيءٍ، ولكِنَّه يَقولُ: له يدانِ كما وَصَف به نَفْسَه، وله وَجهٌ كما وَصَفَ نَفْسَه، تَقِفُ عند ما وَصَف به نَفْسَه في الكِتابِ؛ فإنَّه تبارك وتعالى لا مِثْلَ له ولا شَبيهَ ولا نظيرَ...
قال محمَّدُ بنُ رُشدٍ: قَولُه: لا ينبغي لأحَدٍ أن يَصِفَ اللهَ إلَّا بما وَصَف به نَفْسَه في القُرآنِ. يريدُ: أو وَصَفَه به رَسولُه في مُتواتِرِ الآثارِ، واجتَمَعَت الأُمَّةُ على جوازِ وَصْفِه به، وكذلك لا ينبغي عنده على قَولِه هذا أن يُسَمَّى اللهُ تعالى إلَّا بما سَمَّى به نَفْسَه في كتابِه، أو سَمَّاه به رَسولُه، أو اجتَمَعَت الأُمَّةُ عليه) .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (القَولُ الشَّامِلُ في جميعِ هذا البابِ: أن يُوصَفَ اللهُ بما وَصَف به نَفْسَه، أو وصَفَه به رَسولُه، وبما وصفه به السَّابِقون الأوَّلونَ، لا يتجاوَزُ القُرآنَ والحَديثَ؛ قال الإمامُ أحمَدُ رَضِيَ اللهُ عنه: لا يُوصَفُ اللهُ إلَّا بما وَصَف به نَفْسَه، أو وصفه به رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، لا يَتجاوَزُ القُرآنَ والحَديثَ) .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (ما يُطلَقُ عليه في بابِ الأسماءِ والصِّفاتِ توقيفيٌّ، وما يُطلَقُ عليه من الإخبارِ لا يجِبُ أن يكونَ توقيفيًّا؛ كالقديمِ، والشَّيءِ، والموجودِ، والقائِمِ بنَفْسِه) .
وقال الدهلويُّ: (الحَقُّ أنَّ صِفاتِه وأسماءَه توفيقيَّةٌ) .
وقال السَّعْديُّ: (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 169] في أسمائِه وصِفاتِه وأفعالِه وشَرْعِه، فكُلُّ هذه قد حَرَّمها اللهُ، ونهى العِبادَ عن تعاطيها؛ لِما فيها من المفاسِدِ الخاصَّةِ والعامَّةِ، ولِما فيها من الظُّلمِ والتجَرِّي على اللهِ، والاستطالةِ على عبادِ اللهِ، وتغييرِ دينِ اللهِ وشَرْعِه) .
وقال ابنُ باز: (الواجِبُ على جميعِ المُسلِمينَ هو الإيمانُ بأسمائِه وصِفاتِه الواردةِ في الكِتابِ العزيزِ والسُّنَّةِ الصَّحيحةِ، وإثباتُها له سُبحانَه على الوَجهِ اللَّائِقِ بجَلالِه، مِن غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ، كما قال سُبحانَه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ، وقال عزَّ وجَلَّ: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل: 74] ، وقال سُبحانَه: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُوْلَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: 4] ،
وهي توقيفيَّةٌ لا يجوزُ إثباتُ شَيءٍ منها للهِ إلَّا بنَصٍّ من القُرآنِ، أو من السُّنَّةِ الصَّحيحةِ؛ لأنَّه سُبحانَه أعلَمُ بنَفْسِه، وأعلَمُ بما يليقُ به، ورَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هو أعلَمُ به، وهو المبَلِّغُ عنه، ولا يَنطِقُ عن الهوى،
كما قال اللهُ سُبحانَه: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى* وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 1-4] ) .
وقال ابن عثيمين: (لا يجوزُ تسميةُ اللهِ تعالى أو وَصْفُه بما لم يأتِ في الكِتابِ والسُّنَّةِ؛ لأنَّ ذلك قَولٌ على اللهِ تعالى بلا عِلمٍ، وقد قال اللهُ تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33] ، وقال: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء: 36] .
ولا يجوزُ إثباتُ اسمٍ أو صفةٍ لله تعالى مع التَّمْثيلِ؛ لِقَولِه تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ، وقَولِه: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل:74] ، ولأنَّ ذلك إشراكٌ باللهِ تعالى يستلزِمُ تحريفَ النُّصوصِ أو تكذيبَها، مع تنقُّصِ اللهِ تعالى بتمثيلِه بالمخلوقِ النَّاقِصِ.
ولا يجوزُ إثباتُ اسمٍ أو صفةٍ لله تعالى مع التكييفِ؛ لأنَّ ذلك قَولٌ على اللهِ تعالى بلا عِلمٍ، يستلزِمُ الفوضى والتخَبُّطَ في صِفاتِ اللهِ تعالى؛ إذ كُلُّ واحدٍ يتخَيَّلُ كيفيَّةً مُعَيَّنةً غيرَ ما تخَيَّله الآخَرُ، ولأنَّ ذلك محاوَلةٌ لإدراكِ ما لا يمكِنُ إدراكُه بالعقولِ، فإنَّك مهما قدَّرْتَ من كيفيَّةٍ، فاللهُ أعلى وأعظَمُ) .
وقال ابنُ عُثَيمين أيضًا: (أسْماءُ اللهِ تعالى توقيفيَّةٌ لا مجالَ للعَقلِ فيها، وعلى هذا فيَجِبُ الوقوفُ فيها على ما جاء به الكِتابُ والسُّنَّةُ، فلا يُزادُ فيها ولا يُنقَصُ؛ لأنَّ العَقْلَ لا يُمكِنُه إدراكُ ما يَستَحِقُّه تعالى من الأسماءِ، فوَجَب الوقوفُ في ذلك على النَّصِّ؛
لِقَولِه تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا [الإسراء:36] ،
وقَولِه: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33] ، ولأنَّ تَسميتَه تعالى بما لم يُسَمِّ به نَفْسَه،
أو إنكارَ ما سَمَّى به نَفْسَه: جنايةٌ في حَقِّه سُبحانَه، فوَجَب سُلوكُ الأدَبِ في ذلك، والاقتِصارُ على ما جاء به النَّصُّ) .
------------------------------------------------------------------------------------
التالي : -
رابعاً : : من قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: التَّوقُّفُ في الألفاظِ المُجمَلةِ الَّتي لم يرِدْ إثباتُها ولا نَفْيُها :
-
: وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا ولا تنسونا من صالح دعائكم :
-
: قواعِدُ في صِفاتِ اللهِ تعالى :
أولاً : - : من قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه في كتابِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم، مِن غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ومِن غيرِ تكييفٍ ولا تمثيلٍ :
فاللهُ تعالى أعلَمُ بنَفْسِه مِن غيرِه، ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعلَمُ الخَلْقِ بربِّه، ومِن بعدِه أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم .
قال اللهُ تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] .
وقال اللهُ سُبحانَه: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل: 74] .
قال ابنُ جرير: (قَولُه: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ [النحل: 74] يَقولُ: فلا تُمثِّلوا لله الأمثالَ، ولا تُشَبِّهوا له الأشباهَ؛ فإنَّه لا مِثْلَ له ولا شِبْهَ) .
وقال البَغَويُّ: (فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ يعني: الأشباهَ، فتُشَبِّهونَه بخَلْقِه، وتجعَلونَ له شركاءَ؛ فإنَّه واحِدٌ لا مِثْلَ له) .
قال مالِكُ بنُ أَنَسٍ: إيَّاكم والبِدَعَ، قيل: وما البِدَعُ؟ قال: (أهلُ البِدَعِ هم الذين يتكَلَّمونَ في أسْماءِ اللهِ وصِفاتِه وكَلامِه وعِلْمِه وقُدرتِه، ولا يَسكُتونَ عَمَّا سَكَت عنه الصَّحابةُ والتَّابِعونَ لهم بإحسانٍ) .
وعن جَعفَرِ بنِ عبدِ اللهِ، قال: جاء رجُلٌ إلى مالِكِ بنِ أنَسٍ، فقال: يا أبا عَبدِ اللهِ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] كيف استوى؟ قال: فما رأيتُ مالِكًا وَجَد مِن شَيءٍ كمَوْجِدَتِه من مقالتِه، وعلاه الرُّحَضاءُ -يعني العَرَقَ- قال: وأطرَقَ القَومُ، وجَعَلوا ينتَظِرونَ ما يأتي منه فيه، قال: فسُرِّيَ عن مالكٍ، فقال: الكَيفُ غيرُ مَعقولٍ، والاستواءُ منه غيرُ مَجهولٍ، والإيمانُ به واجِبٌ، والسُّؤالُ عنه بِدعةٌ؛ فإنِّي أخافُ أن تكونَ ضالًّا، وأَمَر به فأُخرِجَ .
وقال الوَليدُ بنُ مُسلِمٍ: سألتُ سُفيانَ، والأوزاعيَّ، ومالِكَ بنَ أنَسٍ، واللَّيثَ بنَ سَعدٍ، عن هذه الأحاديثِ؟ فقالوا: (نُمِرُّها كما جاءت) .
وقال الشَّافِعيُّ: (آمَنْتُ باللهِ، وبما جاء عن اللهِ على مُرادِ اللهِ، وآمَنتُ برَسولِ اللهِ وبما جاء عن رَسولِ اللهِ على مُرادِ رَسولِ اللهِ) .
وقال نعيمُ بنُ حَمَّادٍ الخُزاعيُّ: (مَن شَبَّه اللهَ بخَلْقِه فقد كَفَر، ومن أنكَرَ ما وَصَف اللهُ به نَفْسَه فقد كَفَر، وليس ما وَصَف اللهُ به نَفْسَه تشبيهًا) .
وقال عبدُ الرَّحمنِ بنُ القاسِمِ: (لا ينبغي لأحَدٍ أن يَصِفَ اللهَ إلَّا بما وصف به نَفْسَه في القرآنِ، ولا يُشَبِّهَ يَدَيه بشَيءٍ، ولا وَجْهَه بشَيءٍ، ولكِنْ يقولُ: له يدانِ كما وصف نَفْسَه في القرآنِ، وله وَجهٌ كما وصف نَفْسَه، يقِفُ عند ما وَصَف به نَفْسَه في الكتابِ؛ فإنَّه -تبارك وتعالى- لا مِثْلَ له ولا شبيهَ،
ولكِنْ هو اللهُ لا إلهَ إلَّا اللهُ كما وَصَف نَفْسَه، ويداه مبسوطتانِ كما وصَفَها: وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر: 67] ، كما وصف نَفْسَه) .
وقال ابنُ خُزَيمةَ: (إنَّ الأخبارَ في صِفاتِ اللهِ مُوافِقةٌ لكِتابِ اللهِ تعالى، نقَلَها الخَلَفُ عن السَّلَفِ قَرنًا بعد قَرنٍ مِن لَدُنِ الصَّحابةِ والتَّابعينَ إلى عَصْرِنا هذا، على سَبيلِ الصِّفاتِ للهِ تعالى، والمعرفةِ والإيمانِ به، والتَّسليمِ لِما أخبَرَ اللهُ تعالى في تنزيلِه، ونَبيُّه الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن كتابِه، مع اجتِنابِ التَّأويلِ والجُحودِ، وتَرْكِ التَّمثيلِ والتَّكييفِ) .
وقال الكَلاباذيُّ: (أجمعوا على أنَّ للهِ صِفاتٍ على الحَقيقةِ هو بها موصوفٌ؛ مِن العِلْمِ، والقُدرةِ، والقُوَّةِ، والعِزِّ، والحِلمِ، والحِكمةِ، والكبرياءِ، والجَبَروتِ، والقِدَمِ، والحياةِ، والإرادةِ، والمشيئةِ، والكلامِ... وأنَّ له سمعًا وبَصَرًا ووَجهًا ويَدًا على الحقيقةِ، ليس كالأسماعِ والأبصارِ والأيدي والوُجوهِ) .
وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: (أهلُ السُّنَّةِ مُجمِعونَ على الإقرارِ بالصِّفاتِ الوارِدةِ كُلِّها في القُرآنِ والسُّنَّةِ، والإيمانِ بها، وحَمْلِها على الحقيقةِ لا على المجازِ، إلَّا أنَّهم لا يُكَيِّفونَ شَيئًا مِن ذلك ولا يَحُدُّونَ فيه صِفةً مَحصورةً،
وأمَّا أهلُ البِدَعِ والجَهْميَّةُ والمعتَزِلةُ كُلُّها والخوارجُ، فكُلُّهم يُنكِرُها ولا يَحمِلُ شيئًا منها على الحقيقةِ، ويَزعُمونَ أنَّ مَن أقَرَّ بها مُشَبِّهٌ، وهم عند مَن أثبَتَها نافونَ للمَعبودِ، والحَقُّ فيما قاله القائِلونَ بما نَطَق به كِتابُ اللهِ وسُنَّةُ رَسولِه، وهم أئمَّةُ الجَماعةِ، والحَمدُ لله) .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (مَذهَبُ السَّلَفِ أنَّهم يَصِفونَ اللهَ بما وَصَف به نَفْسَه، وما وَصَفه به رَسولُه من غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ومِن غيرِ تكييفٍ ولا تمثيلٍ، فلا يَنْفُونَ عنه ما أثبَتَه لنَفْسِه مِن الصِّفاتِ، ولا يُمَثِّلونَ صِفاتِه بصِفاتِ المخلوقينَ؛ فالنَّافي مُعَطِّلٌ، والمعَطِّلُ يَعبُدُ عَدَمًا، والمشَبِّهُ مُمَثِّلٌ، والممَثِّلُ يَعبُدُ صَنَمًا، ومَذهَبُ السَّلَفِ إثباتٌ بلا تمثيلٍ، وتنزيهٌ بلا تعطيلٍ، كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وهذا رَدٌّ على الممَثِّلةِ. وقَولُه: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ رَدٌّ على المعَطِّلةِ) .
وقال أيضًا: (جِماعُ القَولِ في إثباتِ الصِّفاتِ هو القَولُ بما كان عليه سَلَفُ الأُمَّةِ وأئِمَّتُها، وهو أن يُوصَفَ اللهُ بما وَصَف به نَفْسَه، وبما وصَفَه به رَسولُه، ويُصانَ ذلك عن التَّحريفِ والتَّمثيلِ، والتَّكييفِ والتَّعطيلِ؛
فإنَّ اللهَ لَيسَ كمِثْلِه شَيءٌ؛ لا في ذاتِه، ولا في صِفاتِه، ولا في أفعالِه. فمن نفى صِفاتِه كان مُعَطِّلًا، ومَن مَثَّل صِفاتِه بصِفاتِ مخلوقاتِه كان مُمَثِّلًا، والواجِبُ إثباتُ الصِّفاتِ، ونَفْيُ مُماثلتِها لصِفاتِ المخلوقاتِ؛ إثباتًا بلا تشبيهٍ، وتنزيهًا بلا تعطيلٍ،
كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فهذا رَدٌّ على الممَثِّلةِ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] رَدٌّ على المعَطِّلةِ، فالمُمَثِّلُ يَعبُدُ صنمًا، والمعَطِّلُ يَعبُدُ عَدَمًا) .
وقال: (هو سُبحانَه مع ذلك لَيسَ كمِثْلِه شَيءٌ؛ لا في نَفْسِه المقَدَّسةِ المذكورةِ بأسمائِه وصِفاتِه، ولا في أفعالِه، فكما يتيَقَّنُ أنَّ اللهَ سُبحانَه له ذاتٌ حقيقيةٌ، وله أفعالٌ حقيقيَّةٌ، فكذلك له صِفاتٌ حقيقيَّةٌ، وهو لَيسَ كمِثْلِه شَيءٌ؛ لا في ذاتِه، ولا في صِفاتِه، ولا في أفعالِه، وكُلُّ ما أوجَبَ نَقصًا أو حُدوثًا؛ فإنَّ اللهَ مُنَزَّهٌ عنه حقيقةً؛ فإنَّه سُبحانَه مُستَحِقٌّ للكَمالِ الذي لا غايةَ فَوقَه... ومَذهَبُ السَّلَفِ بين التَّعْطيلِ وبين التَّمْثيلِ، فلا يمَثِّلونَ صِفاتِ اللهِ بصِفاتِ خَلْقِه، كما لا يُمَثِّلونَ ذاتَه بذاتِ خَلْقِه، ولا يَنفُونَ عنه ما وَصَف به نَفْسَه، أو وصَفَه به رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيُعَطِّلونَ أسماءَه الحُسْنى وصِفاتِه العُلا، ويُحَرِّفونَ الكَلِمَ عن مَواضِعِه، ويُلحِدونَ في أسْماءِ اللهِ وآياتِه) .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (قد تنازع الصَّحابةُ في كثيرٍ مِن مسائِلِ الأحكامِ، وهم ساداتُ المؤمِنينَ، وأكمَلُ الأُمَّةِ إيمانًا، ولكِنْ بحَمدِ اللهِ لم يتنازَعوا في مسألةٍ واحدةٍ مِن مسائِلِ الأسماءِ والصِّفاتِ والأفعالِ، بل كُلُّهم على إثباتِ ما نطق به الكِتابُ والسُّنَّةُ كَلِمةً واحِدةً، من أوَّلِهم إلى آخِرِهم، لم يَسُوموها تأويلًا، ولم يُحَرِّفُوها عن مواضِعِها تبديلًا، ولم يُبْدوا لشَيءٍ منها إبطالًا، ولا ضَرَبوا لها أمثالًا، ولم يَدْفَعُوا في صُدورِها وأعجازِها، ولم يَقُلْ أحَدٌ منهم: يجِبُ صَرْفُها عن حقائقِها، وحَمْلُها على مجازِها، بل تَلَقَّوْها بالقَبُولِ والتَّسليمِ، وقابَلوها بالإيمانِ والتَّعظيمِ، وجَعَلوا الأمرَ فيها كُلِّها أمرًا واحِدًا، وأجْرَوْها على سَنَنٍ واحِدٍ، ولم يَفعَلوا كما فَعَل أهلُ الأهواءِ والبِدَعِ؛ حيث جَعَلوها عِضِينَ، وأقَرُّوا ببَعْضِها، وأنكَروا بَعْضَها من غيرِ فُرْقَانٍ مُبِينٍ، مع أنَّ اللَّازِمَ لهم فيما أنكَروه كاللَّازِمِ فيما أقَرُّوا به وأثبَتوه) .
وقال ابنُ أبي العِزِّ: (اتَّفَق أهلُ السُّنَّةِ على أنَّ اللهَ لَيسَ كمِثْلِه شَيءٌ؛ لا في ذاتِه، ولا في صِفاتِه، ولا في أفعالِه، ولكِنْ لَفظُ التَّشبيهِ قد صار في كلامِ النَّاسِ لَفظًا مُجمَلًا يرادُ به المعنى الصَّحيحُ، وهو ما نفاه القُرآنُ ودَلَّ عليه العَقلُ؛ من أنَّ خصائِصَ الرَّبِّ تعالى لا يُوصَفُ بها شيءٌ من المخلوقاتِ، ولا يماثِلُه شَيءٌ من المخلوقاتِ في شَيءٍ مِن صِفاتِه: لَيْسَ كمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] ردٌّ على المُمَثِّلةِ المشَبِّهةِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ردٌّ على النُّفاةِ المعَطِّلةِ؛ فمَن جَعَل صِفاتِ الخالِقِ مِثلَ صِفاتِ المخلوقِ، فهو المشَبِّهُ المبطِلُ المذمومُ، ومن جَعَل صِفاتِ المخلوقِ مِثلَ صِفاتِ الخالِقِ، فهو نظيرُ النَّصارى في كُفْرِهم) .
وقال السَّفارينيُّ: (الصَّوابُ إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه، ووصَفَه به نبيُّه حَسَبَما وَرَد، مِن غيرِ إلحادٍ ولا رَدٍّ، فهو إثباتُ وجودٍ بلا تكييفٍ) .
وقال عبدُ الرَّحمنِ بنُ حَسَن آل الشَّيخِ بعد أن ذَكَر إثباتَ عُلُوِّ اللهِ تعالى واستوائِه على العَرْشِ وأدِلَّةَ ذلك: (وهذا مذهَبُ سَلَفِ الأمَّةِ وأئمَّتِها ومن تَبِعَهم من أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ: يُثبِتون لله ما أثبت لنَفْسِه، وما أثبَتَه له رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، من صفاتِ كَمالِه، ونُعوتِ جَلالِه، على ما يليقُ بجلالِ اللهِ وعظَمتِه؛ إثباتًا بلا تمثيلٍ، وتنزيهًا بلا تعطيلٍ، تعالى اللهُ عمَّا يقولُ المحَرِّفون المخَرِّفون عن الحَقِّ عُلُوًّا كبيرًا) .
وقال السَّعْديُّ: (لَيْسَ كمِثْلِهِ شَيْءٌ أي: ليس يُشبِهُه تعالى ولا يماثِلُه شَيءٌ من مخلوقاتِه؛ لا في ذاتِه، ولا في أسمائِه، ولا في صِفاتِه، ولا في أفعالِه؛ لأنَّ أسماءَه كُلَّها حُسْنى، وصِفاتِه صفاتُ كمالٍ وعَظَمةٍ، وأفعالَه تعالى أوجَدَ بها المخلوقاتِ العظيمةَ مِن غيرِ مُشارِكٍ، فلَيسَ كمِثْلِه شَيءٌ؛ لانفرادِه وتوحُّدِه بالكَمالِ مِن كُلِّ وَجهٍ. وَهُوَ السَّمِيعُ لجميعِ الأصواتِ، باختلافِ اللُّغاتِ، على تفَنُّنِ الحاجاتِ. الْبَصِيرُ يرى دبيبَ النَّملةِ السَّوداءِ، في اللَّيلةِ الظَّلماءِ، على الصَّخرةِ الصَّمَّاءِ، ويرى سَرَيانَ القُوتِ في أعضاءِ الحيواناتِ الصَّغيرةِ جِدًّا، وسَرَيانَ الماءِ في الأغصانِ الدَّقيقةِ.
وهذه الآيةُ ونحوُها دليلٌ لمذهَبِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ؛ من إثباتِ الصِّفاتِ، ونَفيِ مماثلةِ المخلوقاتِ. وفيها رَدٌّ على المشَبِّهةِ في قَولِه: لَيْسَ كمِثْلِهِ شَيْءٌ، وعلى المعَطِّلةِ في قَولِه: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) .
وقال الشِّنقيطيُّ: (من نفى عن اللهِ وَصفًا أثبَتَه لنَفْسِه في كتابِه العزيزِ، أو أثبَتَه له رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، زاعِمًا أنَّ ذلك الوَصفَ يَلزَمُه ما لا يليقُ باللهِ جَلَّ وعلا؛ فقد جعل نَفْسَه أعلَمَ مِن اللهِ ورَسولِه بما يليقُ باللهِ جَلَّ وعلا! سُبحانَك هذا بهتانٌ عظيمٌ! ومن اعتَقَد أنَّ وَصْفَ اللهِ يُشابِهُ صِفاتِ الخَلقِ، فهو مُشَبِّه مُلحِدٌ ضالٌّ، ومن أثبَتَ للهِ ما أثبَتَه لنَفْسِه، أو أثبَتَه له رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، مع تنزيهِه جَلَّ وعلا عن مشابهةِ الخَلْقِ؛ فهو مؤمِنٌ جامِعٌ بين الإيمانِ بصِفاتِ الكمالِ والجَلالِ، والتَّنزيهِ عن مُشابهةِ الخَلْقِ، سالمٌ مِن ورطةِ التَّشبيهِ والتَّعْطيلِ،
والآيةُ التي أوضَحَ اللهُ بها هذا هي قَولُه تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ، فنفى عن نَفْسِه جَلَّ وعلا مماثَلةَ الحوادِثِ بقَولِه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وأثبت لنَفْسِه صِفاتِ الكَمالِ والجَلالِ بقَولِه: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فصَرَّح في هذه الآيةِ الكريمةِ بنَفْيِ المماثَلةِ مع الاتِّصافِ بصِفاتِ الكَمالِ والجَلالِ) .
وتشبيهُ اللهِ بخَلْقِه إشراكٌ باللهِ تعالى يَستلزِمُ تحريفَ النُّصوصِ، أو تكذيبَها، مع تنقُّصِ اللهِ تعالى بتَمثيلِه بالمخلوقِ النَّاقِصِ.
وقال ابنُ باز: (من الإيمانِ باللهِ أيضًا الإيمانُ بأسمائِه الحُسْنى وصِفاتِه العلا الواردةِ في كتابِه العزيزِ، والثَّابتةِ عن رَسولِه الأمينِ، مِن غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ، بل يجِبُ أن تُمَرَّ كما جاءت بلا كيفٍ، مع الإيمانِ بما دَلَّت عليه من المعاني العظيمةِ التي هي أوصافٌ للهِ عزَّ وجَلَّ يجِبُ وَصْفُه بها على الوَجهِ اللَّائِقِ به، من غيرِ أن يُشابِهَ به خَلْقَه في شَيءٍ مِن صِفاتِه، كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ، وقال عزَّ وجَلَّ: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل:74] ) .
وقال ابنُ عُثَيمين: (السَّلَفُ الصَّالحُ مِن صَدْرِ هذه الأُمَّةِ، وهم الصَّحابةُ الذين هم خيرُ القُرونِ، والتَّابعون لهم بإحسانٍ، وأئمَّةُ الهُدى مِن بَعْدِهم: كانوا مجمِعينَ على إثباتِ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه، أو أثبَتَه له رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الأسماءِ والصِّفاتِ، وإجراءِ النُّصوصِ على ظاهِرِها اللَّائِقِ باللهِ تعالى، من غير تحريفٍ، ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ، ولا تمثيلٍ، وهم خيرُ القُرونِ بنَصِّ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإجماعُهم حُجَّةٌ مُلزِمةٌ؛ لأنَّه مُقتَضى الكِتابِ والسُّنَّةِ) .
ثانياً : : من قَواعِدِ صِفاتِ اللهِ: نَفْيُ ما نفاه اللهُ عن نَفْسِه في كتابِه، أو نفاه عنه رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم، مع اعتقادِ ثُبوتِ كَمالِ ضِدِّه للهِ تعالى :
فاللهُ تعالى أعلَمُ بنَفْسِه مِن خَلْقِه، ورسولُه أعلَمُ النَّاسِ بربِّه، ومِن بعدِه أصحابُه رَضِيَ اللهُ عنهم؛ فنَفْيُ الموتِ عنه يتضمَّنُ كمالَ حياتِه، ونَفْيُ الظُّلمِ يتضمَّنُ كمالَ عَدْلِه، ونَفْيُ النَّومِ يتضمَّنُ كمالَ قيُّوميَّتِه .
قال الحليميُّ: (نَفْيُ المذَامِّ إثباتٌ للمَدائِحِ، كقَولِنا: لا شَريكَ له ولا شَبيهَ له: إثباتٌ أنَّه واحِدٌ أحَدٌ، وكقَولِنا: لا يُعجِزُه شَيءٌ: إثباتٌ أنَّه قادِرٌ قَوِيٌّ، وكقَولِنا: إنَّه لا يَظلِمُ أحدًا: إثباتٌ أنَّه عَدلٌ في حُكمِه، وإثباتُ المدائِحِ له نفيٌ للمَذَامِّ عنه، كقَولِنا: إنَّه عالمٌ: نَفيٌ للجَهلِ عنه، وقَوِلنا: إنَّه قادِرٌ: نَفيٌ للعَجزِ عنه) .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (المدحُ إنَّما يكونُ بالأُمورِ الثُّبوتيَّةِ لا بالأمورِ العدَميَّةِ، وإنَّما يحصُلُ المدحُ بالعَدَمِ إذا تضَمَّنَ ثُبوتًا، كقَولِه تعالى: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة: 255] ، فنَزَّه نَفْسَه عن السِّنةِ والنَّومِ؛ لأنَّ ذلك يتضَمَّنُ كَمالَ حياتِه وقيُّوميَّتِه،
كما قال تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ [الفرقان: 58] ، فهو سُبحانَه حيٌّ لا يموتُ، قيُّومٌ لا ينامُ،
وكذلك قَولُه تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق: 38] ، فنَزَّه نَفْسَه المقَدَّسةَ عن مَسِّ اللُّغوبِ -وهو الإعياءُ والتَّعَبُ-؛ ليتبيَّنَ كمالُ قُدرتِه.
فهو سُبحانَه موصوفٌ بصِفاتِ الكَمالِ، مُنَزَّهٌ عن كُلِّ نَقصٍ وعَيبٍ، موصوفٌ بالحياةِ والعِلْمِ والقُدرةِ والسَّمعِ والبَصَرِ والكَلامِ، مُنَزَّهٌ عن الموتِ والجَهلِ والعَجزِ والصَّمَمِ والعَمى والبَكَمِ، وهو سُبحانَه لا مِثْلَ له في شيءٍ مِن صِفاتِ الكَمالِ، وهو مُنَزَّهٌ عن كُلِّ نَقصٍ وعَيبٍ؛ فإنَّه قُدُّوسٌ سلامٌ يمتَنِعُ عليه النَّقائِصُ والعُيوبُ بوَجهٍ مِن الوُجوهِ، وهو سُبحانَه لا مِثْلَ له في شيءٍ مِن صِفاتِ كَمالِه، بل هو الأحَدُ الصَّمَدُ الذي لم يَلِدْ ولم يُولَدْ، ولم يكُنْ له كُفُوًا أحَدٌ) .
وقال أيضًا: (الصِّفاتُ السَّلبيَّةُ إنَّما تكونُ كَمالًا إذا تضَمَّنَت أمورًا وُجوديَّةً؛ ولهذا كان تَسبيحُ الرَّبِّ يَتضَمَّنُ تنزيهَه وتعظيمَه جميعًا، فقَولُ العَبدِ: «سُبحانَ اللهِ» يَتضَمَّنُ تنزيهَ اللهِ وبَراءتَه مِنَ السُّوءِ، وهذا المعنى يَتضَمَّنُ عَظَمتَه في نَفْسِه، ليس هو عَدَمًا مَحْضًا لا يَتضَمَّنُ وجودًا؛ فإنَّ هذا لا مَدْحَ فيه ولا تعظيمَ، وكذلك سائِرُ ما تنَزَّهَ الرَّبُّ عنه مِنَ الشُّرَكاء والأولادِ وغيرِ ذلك) .
وقال ابنُ أبي العِزِّ: (كُلُّ نفيٍ يأتي في صِفاتِ اللهِ تعالى في الكِتابِ والسُّنَّةِ إنَّما هو لثُبوتِ كَمالِ ضِدِّه؛ كقَولِه تعالى: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: 49]
لكَمالِ عَدْلِه، لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ [سبأ: 3] لكَماِل عِلْمِه،
وقَولِه تعالى: وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق: 38]
لكَمالِ قُدرتِه، لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة: 255]
لكَمالِ حياتِه وقيومِيَّتِه، لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ [الأنعام: 103] لكَمالِ جَلالِه وعَظَمتِه وكِبريائِه، وإلَّا فالنَّفيُ الصِّرفُ لا مَدْحَ فيه) .
وقال ابنُ الوزيرِ: (اللهُ سُبحانَه موصوفٌ بالإثباتِ والنَّفيِ؛ فالإثباتُ كإخبارِه سُبحانَه أنَّه بكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ، وعلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، وأنَّه سميعٌ بصيرٌ، ونحوِ ذلك.
والنَّفيُ كقَولِه: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة: 255] ، وينبغي أن يُعلَمَ أنَّ النَّفيَ ليس فيه مدحٌ ولا كمالٌ إلَّا إذا تضَمَّن إثباتًا؛ لأنَّ النَّفيَ المحضَ عَدَمٌ محضٌ، والعَدَمُ المحْضُ ليس بشَيءٍ،
وما ليس بشَيءٍ هو كما قيل: ليس بشَيءٍ، فضلًا عن أن يكونَ مَدحًا وكمالًا، ولأنَّ النَّفيَ المحْضَ يُوصَفُ به المعدومُ والممتَنِعُ، وهما لا يُوصَفانِ بمَدحٍ ولا كمالٍ؛ فلهذا كان عامَّةُ ما وَصَف اللهُ به نَفْسَه مِن النَّفيِ مُتَضَمِّنًا لإثباتِ مَدحٍ،
كقَولِه: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة: 255] ؛ فإنَّه يَتضَمَّنُ كمالَ الحياةِ والقيامِ،
وقَولِه: وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا [البقرة: 255] ؛ فإنَّه مُستلزِمٌ لكَمالِ قُدرتِه،
وقَولِه: لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ [سبأ: 3] مُستلزمٌ لعِلْمِه بكُلِّ ذرَّةٍ،
وقَولِه: وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق: 38] مُستلزِمٌ كمالَ القُدرةِ ونهايةَ القُوَّةِ،
وقَولِه: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ [الأنعام: 103] نفى الإدراكَ الذي هو الإحاطةُ، كما قال أكثَرُ العُلَماءِ، ولم يَنْفِ مجَرَّدَ الرَّؤيةِ؛ لأنَّ المعدومَ لا يُرى، وليس في كَونِه لا يُرى مدحٌ، وإلَّا لكان المعدومُ ممدوحًا، وإنَّما المدحُ في كونِه لا يحاطُ به وإنْ رُئِيَ، كما أنَّه لا يُحاطُ به وإن عُلِمَ، فكما أنَّه إذا عُلِمَ لا يحاطُ به عِلْمًا، فكذلك إذا رُئِيَ لا يحاطُ به رؤيةً، فكان في نَفيِ الإدراكِ مِن إثباتِ عَظَمتِه ما يكونُ مَدحًا وصِفةَ كَمالٍ.
وإذا تأمَّلْتَ وجَدْتَ كُلَّ نَفيٍ لا يستلزِمُ ثُبوتًا هو مِمَّا لم يَصِفِ اللهُ به نَفْسَه؛ فالذين لا يَصِفونَه إلَّا بالسُّلُوبِ لم يُثبِتوا في الحقيقةِ إلهًا محمودًا، بل ولا موجودًا، وكذلك من شاركَهم في بعضِ ذلك، كالذين قالوا: إنَّه لا يتكَلَّمُ ولا يَرى، أو ليس فوقَ العالمِ، أو لم يَسْتَوِ على العَرشِ، ويَقولون: ليس بداخِلِ العالَمِ ولا خارِجِه، ولا مبايِنٍ للعالَمِ ولا مُحايثٍ له؛ إذ هذه الصِّفاتُ يمكِنُ أن يُوصَفَ بها المعدومُ، وليست هي مستلزِمةً صفةَ ثُبوتٍ؛ ولهذا قيل لِمن ادَّعى ذلك في الخالِقِ: مَيِّزْ لنا بين هذا الرَّبِّ الذي تُثبِتُه، وبين المعدومِ!) .
وقال ابنُ باز: (الواجِبُ على جميعِ المكَلَّفينَ الإيمانُ بأسمائِه وصِفاتِه، والإيمانُ بكُلِّ ما أخبَرَ اللهُ به ورَسولُه، من غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ، ومن دونِ زيادةٍ أو نَقصٍ، بل يجِبُ إثباتُ ما أثبَتَه اللهُ ورَسولُه، ونَفْيُ ما نفاه اللهُ ورَسولُه) .
وقال ابنُ عُثَيمين: (الضَّابِطُ في الصِّفاتِ التي نفاها اللهُ تعالى عن نَفْسِه أنَّها تدُلُّ على نفيِ تلك الصِّفةِ، وعلى ثُبوتِ كَمالِ ضِدِّها) .
وقال أيضًا: (ما نفاه اللهُ تعالى عن نَفْسِه فالمرادُ به بيانُ انتفائِه لثُبوتِ كَمالِ ضِدِّه، لا لمجَرَّدِ نَفْيِه؛ لأنَّ النَّفيَ ليس بكَمالٍ إلَّا أن يَتضَمَّنَ ما يَدُلُّ على الكَمالِ؛ وذلك لأنَّ النَّفيَ عَدَمٌ، والعَدَمُ ليس بشيءٍ فَضلًا عن أن يكونَ كَمالًا، ولأنَّ النَّفيَ قد يكونُ لعدَمِ قابليَّةِ المحَلِّ له، فلا يكونُ كَمالًا، كما لو قُلتَ: الجِدارُ لا يَظلِمُ، وقد يكونُ للعَجزِ عن القيامِ به، فيكونُ نَقصًا، كما في قَولِ الشَّاعِرِ:
قُبَيِّلةٌ لا يَغدِرونَ بذِمَّةٍ ... ولا يَظلِمونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَرْدَلِ
وقولِ الآخَرِ:
لكِنَّ قومي وإنْ كانوا ذَوِي حَسَبٍ ... لَيسُوا مِنَ الشَّرِّ في شَيءٍ وإنْ هانَا
مِثالُ ذلك: قَولُه تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ [الفرقان: 58] ، فنفيُ الموتِ عنه يَتضَمَّنُ كَمالَ حياتِه.
مثالٌ آخَرُ: قَولُه تعالى: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: 49] نفيُ الظُّلمِ عنه يَتضَمَّنُ كمالَ عَدْلِه.
مثالٌ ثالِثٌ: قَولُه تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ فنَفيُ العَجزِ عنه يَتضَمَّنُ كَمالَ عِلْمِه وقُدرتِه؛ ولهذا قال بَعْدَه: إِنَّه كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا [فاطر: 44] ؛ لأنَّ العَجْزَ سَبَبُه: إمَّا الجَهلُ بأسبابِ الإيجادِ، وإمَّا قُصورُ القُدرةِ عنه؛ فلكَمالِ عِلمِ اللهِ تعالى وقُدرتِه لم يكُنْ لِيُعجِزَه شَيءٌ في السَّمَواتِ ولا في الأرضِ.
وبهذا المثالِ عَلِمْنا أنَّ الصِّفةَ السَّلبيَّةَ قد تتضَمَّنُ أكثَرَ مِن كمالٍ) .
ثالثاً : : من قَواعدِ صِفاتِ اللهِ: صِفاتُ اللهِ عزَّ وجلَّ توقيفيَّةٌ، فلا يُثبَتُ منها إلَّا ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا يُنفى عنِ اللهِ عزَّ وجلَّ إلَّا ما نفاه عن نَفْسِه، أو نفاه عنه رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :
فلا تُثبَتُ إلَّا بما ورد في الكِتابِ والسُّنَّةِ، لا بغَيرِهما؛ إذ لا أحدَ أعلَمُ باللهِ من اللهِ، ولا أحَدَ أعلَمُ به مِن خَلْقِه مِن رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم .
فلا يجوزُ تسميةُ اللهِ تعالى، أو وَصْفُه بما لم يأتِ في الكِتابِ والسُّنَّةِ؛ لأنَّ ذلك قَولٌ على اللهِ تعالى بلا عِلمٍ.
فاللهُ تعالى أعلَمُ بنَفْسِه؛ حيث قال: أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة: 140] .
ونفى إحاطةَ النَّاسِ بالعِلْمِ به، فقال: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه: 110] .
ووصَفَ كَلامَه بأنَّه أحسَنُ الحَديثِ وأصدَقُ الحَديثِ، فقال: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء: 87] ، وقال: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ [الزمر: 23] . ووصفُه بذلك يقتضي سلامتَه من الخَطَأِ في الأخبارِ والأحكامِ، ويقتضي كذلك اشتِمالَه على أحسَنِ الطُّرُقِ لدَلالةِ النَّاسِ وهِدايتِهم.
قال أبو حنيفة: (لا ينبغي لأحَدٍ أن ينطِقَ في ذاتِ اللهِ بشَيءٍ، بل يَصِفُه بما وصف به نَفْسَه، ولا يقولَ فيه برأيِه شيئًا، تبارك اللهُ رَبُّ العالَمينَ) .
وقال الشَّافعي عن صفاتِ اللهِ عزَّ وجَلَّ: (حرامٌ على العقولِ أن تمثِّلَ اللهَ عزَّ وجَلَّ، وعلى الأوهامِ أن تحُدَّه، وعلى الظُّنونِ أن تقطَعَ، وعلى النُّفوسِ أن تفَكِّرَ، وعلى الضَّمائِرِ أن تَعمَّقَ، وعلى الخواطِرِ أن تحيطَ، وعلى العُقولِ أن تَعقِلَ، إلَّا ما وصف به نَفْسَه، أو على لسانِ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) .
وقال أحمدُ بنُ حَنبَلٍ: (لا يُوصَفُ اللهُ تعالى بأكثَرَ مِمَّا وَصَف به نَفْسَه، أو وصَفَه به رَسولُه بلا حَدٍّ ولا غايةٍ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى 11] ولا يبلُغُ الواصفونَ صِفَتَه، وصِفاتُه منه، ولا نتعَدَّى القُرآنَ والحديثَ، فنقولُ كما قال، ونَصِفُه كما وَصَفَ نَفْسَه، ولا نتعَدَّى ذلك، نؤمِنُ بالقُرآنِ كُلِّه؛ مُحكَمِه ومُتشابِهِه) .
وقال عُثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّارميُّ: (لا نُجيزُ اجتهادَ الرَّأيِ في كثيرٍ مِن الفرائِضِ والأحكامِ التي نراها بأعيُنِنا، وتُسمَعُ في آذانِنا، فكيف في صِفاتِ اللهِ التي لم تَرَها العيونُ، وقَصُرَت عنها الظُّنونُ؟!) ..
وقال البَربهاريُّ: (اعلَمْ -رَحِمَك اللهُ- أنَّ الكلامَ في الرَّبِّ مُحْدَثٌ، وهو بِدعةٌ وضَلالةٌ، ولا يُتكَلَّمُ في الرَّبِّ إلَّا بما وَصَف به نَفْسَه في القُرآنِ، وما بَيَّن رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأصحابِه) .
وقال الأزهريُّ: (لا يجوزُ عند أهلِ العِلمِ أن يُوصَفَ اللهُ جَلَّ وعَزَّ بصِفةٍ لم يُنزِلْها في كتابِه، ولم يُبَيِّنْها على لسانِ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) .
وقال ابنُ أبي زمنين: (اعلَمْ أنَّ أهلَ العِلمِ باللهِ وبما جاءت به أنبياؤه ورسُلُه يَرَونَ الجَهلَ بما لم يخبِرْ به -تبارك وتعالى- عن نَفْسِه عِلمًا، والعَجْزَ عمَّا لم يَدْعُ إيمانًا، وأنَّهم إنما ينتهون من وَصْفِه بصفاتِه وأسمائِه إلى حيثُ انتهى في كتابِه، وعلى لسانِ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) .
وقال أبو نصرٍ السجزيُّ: (قد اتَّفَقَت الأئمَّةُ على أنَّ الصِّفاتِ لا تؤخَذُ إلَّا توقيفًا، وكذلك شَرْحُها لا يجوزُ إلَّا بتوقيفٍ) .
وقال البيهقيُّ: (لا يجوزُ وَصْفُه تعالى إلَّا بما دَلَّ عليه كتابُ اللهِ تعالى، أو سُنَّةُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أجمعَ عليه سَلَفُ هذه الأمَّةِ) .
وقال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (ما غاب عن العُيونِ فلا يَصِفُه ذَوُو العُقولِ إلَّا بخَبَرٍ، ولا خَبَرَ في صِفاتِ اللهِ إلَّا ما وَصَفَ نَفْسَه به في كتابِه، أو على لسانِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلا نتعَدَّى ذلك إلى تشبيهٍ أو قياسٍ أو تمثيلٍ أو تنظيرٍ؛ فإنَّه لَيسَ كمِثْلِه شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. قال أبو عُمَرَ: أهلُ السُّنَّةِ مُجموعون على الإقرارِ بالصِّفاتِ الواردةِ كُلِّها في القُرآنِ والسُّنَّةِ، والإيمانِ بها، وحَمْلِها على الحقيقةِ لا على المجازِ) .
وقال أيضًا: (ليس في الاعتقادِ كُلِّه في صِفاتِ اللهِ وأسمائِه إلَّا ما جاء منصوصًا في كتابِ اللهِ، أو صَحَّ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو أجمعَت عليه الأُمَّةُ، وما جاء من أخبارِ الآحادِ في ذلك كُلِّه أو نحوِه يُسَلَّمُ له ولا يُناظَرُ فيه) .
وقال أيضًا: (لا نُسَمِّيه ولا نَصِفُه ولا نُطلِقُ عليه إلَّا ما سَمَّى به نَفْسَه، على ما تقَدَّم ذِكْرُنا له مِن وَصْفِه لنَفْسِه لا شريكَ له، ولا ندفَعُ ما وَصَف به نَفْسَه؛ لأنَّه دَفعٌ للقُرآنِ) .
ونَقَل ابنُ رُشدٍ عن مالكٍ أنَّه قال: (لا ينبغي لأحَدٍ أن يَصِفَ اللهَ إلَّا بما وَصَف به نَفْسَه في القُرآنِ، ولا يُشَبِّهَ يَدَيه بشَيءٍ، ولا وَجْهَه تبارك وتعالى بشَيءٍ، ولكِنَّه يَقولُ: له يدانِ كما وَصَف به نَفْسَه، وله وَجهٌ كما وَصَفَ نَفْسَه، تَقِفُ عند ما وَصَف به نَفْسَه في الكِتابِ؛ فإنَّه تبارك وتعالى لا مِثْلَ له ولا شَبيهَ ولا نظيرَ...
قال محمَّدُ بنُ رُشدٍ: قَولُه: لا ينبغي لأحَدٍ أن يَصِفَ اللهَ إلَّا بما وَصَف به نَفْسَه في القُرآنِ. يريدُ: أو وَصَفَه به رَسولُه في مُتواتِرِ الآثارِ، واجتَمَعَت الأُمَّةُ على جوازِ وَصْفِه به، وكذلك لا ينبغي عنده على قَولِه هذا أن يُسَمَّى اللهُ تعالى إلَّا بما سَمَّى به نَفْسَه في كتابِه، أو سَمَّاه به رَسولُه، أو اجتَمَعَت الأُمَّةُ عليه) .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (القَولُ الشَّامِلُ في جميعِ هذا البابِ: أن يُوصَفَ اللهُ بما وَصَف به نَفْسَه، أو وصَفَه به رَسولُه، وبما وصفه به السَّابِقون الأوَّلونَ، لا يتجاوَزُ القُرآنَ والحَديثَ؛ قال الإمامُ أحمَدُ رَضِيَ اللهُ عنه: لا يُوصَفُ اللهُ إلَّا بما وَصَف به نَفْسَه، أو وصفه به رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، لا يَتجاوَزُ القُرآنَ والحَديثَ) .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (ما يُطلَقُ عليه في بابِ الأسماءِ والصِّفاتِ توقيفيٌّ، وما يُطلَقُ عليه من الإخبارِ لا يجِبُ أن يكونَ توقيفيًّا؛ كالقديمِ، والشَّيءِ، والموجودِ، والقائِمِ بنَفْسِه) .
وقال الدهلويُّ: (الحَقُّ أنَّ صِفاتِه وأسماءَه توفيقيَّةٌ) .
وقال السَّعْديُّ: (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 169] في أسمائِه وصِفاتِه وأفعالِه وشَرْعِه، فكُلُّ هذه قد حَرَّمها اللهُ، ونهى العِبادَ عن تعاطيها؛ لِما فيها من المفاسِدِ الخاصَّةِ والعامَّةِ، ولِما فيها من الظُّلمِ والتجَرِّي على اللهِ، والاستطالةِ على عبادِ اللهِ، وتغييرِ دينِ اللهِ وشَرْعِه) .
وقال ابنُ باز: (الواجِبُ على جميعِ المُسلِمينَ هو الإيمانُ بأسمائِه وصِفاتِه الواردةِ في الكِتابِ العزيزِ والسُّنَّةِ الصَّحيحةِ، وإثباتُها له سُبحانَه على الوَجهِ اللَّائِقِ بجَلالِه، مِن غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ، كما قال سُبحانَه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ، وقال عزَّ وجَلَّ: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل: 74] ، وقال سُبحانَه: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُوْلَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: 4] ،
وهي توقيفيَّةٌ لا يجوزُ إثباتُ شَيءٍ منها للهِ إلَّا بنَصٍّ من القُرآنِ، أو من السُّنَّةِ الصَّحيحةِ؛ لأنَّه سُبحانَه أعلَمُ بنَفْسِه، وأعلَمُ بما يليقُ به، ورَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هو أعلَمُ به، وهو المبَلِّغُ عنه، ولا يَنطِقُ عن الهوى،
كما قال اللهُ سُبحانَه: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى* وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 1-4] ) .
وقال ابن عثيمين: (لا يجوزُ تسميةُ اللهِ تعالى أو وَصْفُه بما لم يأتِ في الكِتابِ والسُّنَّةِ؛ لأنَّ ذلك قَولٌ على اللهِ تعالى بلا عِلمٍ، وقد قال اللهُ تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33] ، وقال: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء: 36] .
ولا يجوزُ إثباتُ اسمٍ أو صفةٍ لله تعالى مع التَّمْثيلِ؛ لِقَولِه تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ، وقَولِه: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل:74] ، ولأنَّ ذلك إشراكٌ باللهِ تعالى يستلزِمُ تحريفَ النُّصوصِ أو تكذيبَها، مع تنقُّصِ اللهِ تعالى بتمثيلِه بالمخلوقِ النَّاقِصِ.
ولا يجوزُ إثباتُ اسمٍ أو صفةٍ لله تعالى مع التكييفِ؛ لأنَّ ذلك قَولٌ على اللهِ تعالى بلا عِلمٍ، يستلزِمُ الفوضى والتخَبُّطَ في صِفاتِ اللهِ تعالى؛ إذ كُلُّ واحدٍ يتخَيَّلُ كيفيَّةً مُعَيَّنةً غيرَ ما تخَيَّله الآخَرُ، ولأنَّ ذلك محاوَلةٌ لإدراكِ ما لا يمكِنُ إدراكُه بالعقولِ، فإنَّك مهما قدَّرْتَ من كيفيَّةٍ، فاللهُ أعلى وأعظَمُ) .
وقال ابنُ عُثَيمين أيضًا: (أسْماءُ اللهِ تعالى توقيفيَّةٌ لا مجالَ للعَقلِ فيها، وعلى هذا فيَجِبُ الوقوفُ فيها على ما جاء به الكِتابُ والسُّنَّةُ، فلا يُزادُ فيها ولا يُنقَصُ؛ لأنَّ العَقْلَ لا يُمكِنُه إدراكُ ما يَستَحِقُّه تعالى من الأسماءِ، فوَجَب الوقوفُ في ذلك على النَّصِّ؛
لِقَولِه تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا [الإسراء:36] ،
وقَولِه: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33] ، ولأنَّ تَسميتَه تعالى بما لم يُسَمِّ به نَفْسَه،
أو إنكارَ ما سَمَّى به نَفْسَه: جنايةٌ في حَقِّه سُبحانَه، فوَجَب سُلوكُ الأدَبِ في ذلك، والاقتِصارُ على ما جاء به النَّصُّ) .
------------------------------------------------------------------------------------
التالي : -
رابعاً : : من قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: التَّوقُّفُ في الألفاظِ المُجمَلةِ الَّتي لم يرِدْ إثباتُها ولا نَفْيُها :
-
: وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا ولا تنسونا من صالح دعائكم :
اليوم في 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد