الكعبة في اللغة العربية
الكعبة من الشيء المكعّب، وتسمى الكعبة بهذا الاسم لتكعيبها وهو تربيعها وقيل لعلوها ونتوئها، وتسمى بالبيت العتيق، والبيت الحرام.
سُمِّيت الكعبة كعبةً لكونها بناءً مُربَّعاً ومكعباً تقريباً.
وقد ذُكِرَت لفظة «الكعبة» في القرآن في موضعين:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ |
جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ |
أسماء الكعبة في القرآن
للكعبة عدة أسماء تُعرَفُ بها، وهذه الأسماء وردت في القرآن، وهي:
الكعبة:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ |
البيت:
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ |
البيت العتيق: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (سورة الحج، الآية 29).
المسجد الحرام:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ |
البيت المحرم:
رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ |
أول بيت:
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ |
أسماء أخرى
للكعبة عدة أسماء اختلف عليها، وهي:
بكة: ورد عن إبراهيم أن بكة موضع البيت (أي الأرض التي بنيت عليها الكعبة)، وما حول البيت مكة.
البنية: بباء موحدة ونون وياء مثناة من تحت مشددة، ذكر هذا الاسم القاضي عياض في المشارق. وذكر ابن الأثير، حيث قال: وكانت تدعى بنية إبراهيم؛ لأنه بناها.
قادس و نادر، القرية القديمة وهي أسماء مذكورة في تاريخ الأزرقي.
الدُّوَّار، بضم الدال المهملة وفتحها وتشديد الواو، وبعدها ألف وراء مهملة، ذكر ذلك ياقوت الحموي في مختصره لمعجم البلدان
عَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: كَانَت الْكَعْبَة غثاء على المَاء قبل أَن يخلق الله السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِأَرْبَعِينَ سنة، وَمِنْهَا دحيت الأَرْض.
وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما كَانَ الْعَرْش على المَاء قبل أَن يخلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض، بعث الله ريحًا هفافة فصفقت المَاء فأبرزت عَن خشفة. فِي مَوضِع الْبَيْت كَأَنَّهَا قبَّة، فدحى الله الأَرْض من تحتهَا فمادت ثمَّ مادت فأوتدها بالجبال، وَكَانَ أول جبل وضع فِيهَا أَبُو قبيس فَلذَلِك سميت مَكَّة أم الْقرى.
وَفِي رِوَايَة: خلق الله مَوضِع الْبَيْت قبل أَن يخلق الأَرْض بألفي سنة، وَإِن قَوَاعِده لفي الأَرْض السَّابِعَة السُّفْلى.
وَأجْمع الْعلمَاء على أَن الْكَعْبَة أول بَيت وضع للعباد، وَاخْتلفُوا هَل هُوَأول بَيت وضع لغَيْرهَا أم لَا؟
فَقيل: كَانَت قبله بيُوت. وَجُمْهُور الْعلمَاء على أَنه أول بَيت وضع مُطلقًا.
وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: "
الْبَيْت الْمَعْمُور الَّذِي فِي السَّمَاء يُقَال لَهُ: الضراح، وَهُوَ على الْبَيْت الْحَرَام لَو سقط سقط عَلَيْهِ يعمره كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك لم يروه قطّ، وَإِن فِي السَّمَاء السَّابِعَة حرما على قدر حرمه |
وَفِي رِوَايَة "
يدْخلهُ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف دحْيَة مَعَ كل دحْيَة سَبْعُونَ ألف ملك |
وَعَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: "
هذَا الْبَيْت خَامِس خَمْسَة عشر بَيْتا، سَبْعَة مِنْهَا فِي السَّمَاء إِلَى الْعَرْش، وَسَبْعَة مِنْهَا إِلَى تخوم الأَرْض، وأعلاها الَّذِي يَلِي الْعَرْش الْبَيْت الْمَعْمُور، لكل بَيت مِنْهَا حرم كحرم هَذَا الْبَيْت، لَو سقط مِنْهَا بَيت لسقط بَعْضهَا إِلَى تخوم الأَرْض السُّفْلى، وَلكُل بَيت من أهل السَّمَاء وَمن أهل الأَرْض من يعمره، كَمَا يعمر هَذَا الْبَيْت |
عَن عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا وَقد سُئِلَ عَن بَدْء الطّواف بِالْبَيْتِ: إِن الله تَعَالَى قَالَ: "
إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة |
قَالَت الْمَلَائِكَة: أَي رب أخليفة من غَيرنَا مِمَّن يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء، فَغَضب عَلَيْهِم فلاذوا بالعرش وَرفعُوا رؤوسهم وأشاروا بالأصابع يَتَضَرَّعُونَ ويبكون إشفاقاً لغضبه، فطافوا بالعرش ثَلَاث سَاعَات.
وَفِي رِوَايَة: سَبْعَة أطواف يسترضون رَبهم فَرضِي عَنْهُم، وَقَالَ لَهُم:
ابْنُوا لي فِي الأَرْض بَيْتا يعوذ بِهِ كل من سخطت عَلَيْهِ من خلقي فيطوف حوله كَمَا فَعلْتُمْ بعرشي فَأغْفِر لَهُ كَمَا غفرت لكم فبنوا الْبَيْت |
ويروى: أَن الله تَعَالَى بعث مَلَائِكَة، فَقَالَ:
ابْنُوا لي بَيْتا على مِثَال الْبَيْت الْمَعْمُور وَقدره |
وَإِن هَذَا كَانَ قبل خلق آدم عَلَيْهِ السَّلَام، وَقبل خلق الأَرْض بألفي عَام، وَإِن الأَرْض دحيت من تَحْتَهُ، وَلذَلِك سميت مَكَّة أم الْقرى أَي أصل الْقرى.
ويروى: أَنه كَانَ قبل هبوط آدم ياقوتة من يَوَاقِيت الْجنَّة، وَكَانَ لَهُ بَابَانِ من زمرد أَخْضَر شَرْقي وَغَرْبِيٌّ وَفِيه قناديل من قناديل الْجنَّة.
ذكر هبوط آدم عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الأَرْض وبنائه الْكَعْبَة وحجه وطوافه بِالْبَيْتِ
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أهبط آدم إِلَى الأَرْض كَانَ رَأسه فِي السَّمَاء وَرجلَاهُ فِي الأَرْض وَهُوَ مثل الْفلك من رعدته.
قَالَ: فطأطأ الله عز وَجل مِنْهُ إِلَى سِتِّينَ ذِرَاعا، فَقَالَ:
يَا رب مَا لي لَا أسمع أصوات الْمَلَائِكَة وَلَا حسهم |
خطيئتك يَا آدم |
وَلَكِن اذْهَبْ فَابْن لي بَيْتا فَطُفْ بِهِ، واذكرني حوله كنحو مَا رَأَيْت الْمَلَائِكَة تصنع حول عَرْشِي. |
قَالَ: فَأقبل آدم يتخطى فطويت لَهُ الأَرْض وَصَارَت كل مفازة يمر بهَا خطْوَة، وقيض لَهُ مَا كَانَ من مَخَاض أَو بَحر فَجعل لَهُ خطْوَة
وَفِي رِوَايَة: أَن خطوه مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام وَلم تقع قدمه فِي شَيْء من الأَرْض إِلَّا صَار عمراناً وبركة حَتَّى انْتهى إِلَى مَكَّة فَبنى الْبَيْت الْحَرَام،
وَأَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام ضرب بجناحه الأَرْض فأبرز عَن أس ثَابت فِي الأَرْض السُّفْلى فَقَذَفْتُ فِيهِ الْمَلَائِكَة الصخر " مَا يُطيق " الصَّخْرَة مِنْهَا ثَلَاثُونَ رجلا،
وبناه من خَمْسَة أجبل من: لبنان وطور زيتاً وطور سيناء والجودي وحراء حَتَّى اسْتَوَى على وَجه الأَرْض.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: فَكَانَ أول من أسس الْبَيْت وَصلى فِيهِ وَطَاف بِهِ أَدَم عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى بعث الله الطوفان، وَكَانَ غَضبا ورجساً فَحَيْثُ مَا انْتهى الطوفان ذهب ريح آدم، وَلم يقرب الطوفان أَرض السَّنَد والهند.
قَالَ: فدرس مَوضِع الْبَيْت فِي الطوفان حَتَّى بعث الله تَعَالَى إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل فرفعا قَوَاعِده وأعلامه، وبنته قُرَيْش بعد ذَلِك.
ويروى أَنه لما هَبَط إِلَى الأَرْض بِأَرْض الْهِنْد وَاشْتَدَّ بكاؤه وحزنه وَتَابَ الله عَلَيْهِ أَمر بالسير إِلَى مَكَّة حَتَّى انْتهى إِلَيْهَا، فَعَزاهُ الله بخيمة من خيام الْجنَّة ووضعها لَهُ مَوضِع الْكَعْبَة، وَتلك الْخَيْمَة ياقوتة حَمْرَاء من يَوَاقِيت الْجنَّة، فِيهَا ثَلَاث قناديل من ذهب من تبر الْجنَّة، فِيهَا نور يلتهب من نور الْجنَّة، وَنزل مَعَه الرُّكْن ياقوتة بَيْضَاء من ربض الْجنَّة وَكَانَ كرسياً لآدَم عَلَيْهِ السَّلَام يجلس عَلَيْهِ،
فَلَمَّا صَار آدم بِمَكَّة حرسه الله وحرس لَهُ تِلْكَ الْخَيْمَة بِالْمَلَائِكَةِ، كَانُوا يحرسونها ويذودون عَنْهَا سَاكِني الأَرْض، وسكانها يَوْمئِذٍ الْجِنّ وَالشَّيَاطِين، وَلَا يَنْبَغِي لَهُم أَن ينْظرُوا إِلَى شَيْء من الْجنَّة؛ لِأَنَّهُ من نظر إِلَى شَيْء من الْجنَّة وَجَبت لَهُ، وَالْأَرْض يَوْمئِذٍ طَاهِرَة نقية لم تنجس وَلم تسفك فِيهَا الدِّمَاء وَلم يعْمل فِيهَا الْخَطَايَا،
فَلذَلِك جعلهَا الله مسكن الْمَلَائِكَة وجعلهم فِيهَا كَمَا كَانُوا فِي السَّمَاء يسبحون اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يفترون،
وَكَانَ وقوفهم فِي أَعْلَام الْحرم صفا وَاحِدًا مستديرين بِالْحرم كُله، الْحل من خَلفهم وَالْحرم كُله من أمامهم فَلَا يجوز بهم جني وَلَا شَيْطَان، فَمن أجل مقَام الْمَلَائِكَة حرم الْحرم حَتَّى الْيَوْم وَوضعت أَعْلَامه حَيْثُ كَانَ مقَام الْمَلَائِكَة،
وَحرم الله على حَوَّاء دُخُول الْحرم وَالنَّظَر إِلَى خيمة آدم من أجل خطيئتها فَلم تنظر إِلَيْهَا حَتَّى قبضت، وَكَانَ آدم إِذا أَرَادَ أَن يلم بَقَاء للْوَلَد خرج من الْحرم كُله حَتَّى يلقاها، فَلم تزل خيمة آدم مَكَانهَا حَتَّى قَبضه الله ورفعها، وَبنى بَنو آدم من بعْدهَا مَكَانهَا بَيْتا بالطين وَالْحِجَارَة فَلم يزل معموراً يعمرونه وَمن بعدهمْ حَتَّى كَانَ زمن نوح فنسفه الْغَرق وخفى مَكَانَهُ،
فَلَمَّا بعث الله إِبْرَاهِيم طلب الأساس فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ ظلل الله مَكَان الْبَيْت بغمامة فَكَانَت حفاف الْبَيْت الأول،
وَلم تزل راكدة على حفافه تظل إِبْرَاهِيم وتهديه مَكَان الْبَيْت حَتَّى رفع الْقَوَاعِد قامة ثمَّ انكشفت الغمامة.
ويروى أَنه لما أهبطه الله إِلَى الأَرْض أهبطه إِلَى مَوضِع الْبَيْت الْحَرَام واشتاق إِلَى الْجنَّة فَأنْزل الله عَلَيْهِ الْحجر الْأسود وَهُوَ ياقوتة من يَوَاقِيت الْجنَّة فَأَخذه آدم فضمه إِلَيْهِ استئناساً بِهِ، فَقيل لَهُ: تخطى يَا آدم فتخطا فَإِذا هُوَ بِأَرْض الْهِنْد فَمَكثَ مَا شَاءَ الله ثمَّ استوحش إِلَى الرُّكْن، فَقيل لَهُ: احجج فحج فَلَقِيته الْمَلَائِكَة فَقَالُوا: بر حجك يَا آدم فقد حجَجنَا هَذَا الْبَيْت قبلك بألفي عَام.
وَذكر الْأَزْرَقِيّ أَن الْمَلَائِكَة لَقيته بالمأزمين وَفِي رِوَايَة بالردم، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى فِي الطّواف ويروى: أَنه أَقَامَ بِمَكَّة يعبد الله عِنْد الْبَيْت فَلم تزل دَاره حَتَّى قَبضه الله بهَا
ويروى: أَن الله تَعَالَى أنزل الْبَيْت الْحَرَام ياقوتة مجوفة مَعَ آدم فَقيل لَهُ: إِن هَذَا بَيْتِي أنزلته مَعَك يُطَاف حوله كَمَا يُطَاف حول عَرْشِي، وَنزلت مَعَه الْمَلَائِكَة فَرفعُوا قَوَاعِده من حِجَارَة فَوضع الْبَيْت عَلَيْهِ فَلَمَّا أغرق الله قوم نوح رَفعه إِلَى السَّمَاء وَبقيت قَوَاعِده.
وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ آدم أول من أسس الْبَيْت وَصلى فِيهِ. وَعنهُ قَالَ: حج آدم فَطَافَ بِالْبَيْتِ سبعا فَلَقِيته الْمَلَائِكَة فِي الطّواف، فَقَالُوا: بر حجك يَا آدم أما إِنَّا قد حجَجنَا قبلك هَذَا الْبَيْت بألفي عَام.
قَالَ: فَمَا كُنْتُم تَقولُونَ فِي الطّواف؟ قَالُوا: كُنَّا نقُول:
سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر. |
ثمَّ حج إِبْرَاهِيم بعد بنائِهِ الْبَيْت فَلَقِيته الْمَلَائِكَة فِي الطّواف فَسَلمُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُم إِبْرَاهِيم: مَاذَا كُنْتُم تَقولُونَ فِي طوافكم؟ قَالُوا: كُنَّا نقُول قبل أَبِيك آدم: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر. فَقَالَ آدم: زيدوا فِيهَا وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه.
فَقَالَ إِبْرَاهِيم: زيدوا فِيهَا الْعلي الْعَظِيم فَفعلت الْمَلَائِكَة ذَلِك.
وَعَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: إِن آدم عَلَيْهِ السَّلَام لما أهبط إِلَى الأَرْض استوحش لما رأى من شعثها، وَلم ير فِيهَا أحدا غَيره،
فَقَالَ: يَا رب أما لأرضك هَذِه عَامر يسبحك فِيهَا ويقدس لَك غَيْرِي. قَالَ: سأجعل فِيهَا من ذريتك من يسبح بحمدي ويقدس لي، وسأجعل فِيهَا بُيُوتًا ترفع لذكري ويسبحني فِيهَا خلقي، وسأبوئك فِيهَا بَيْتا أختاره لنَفْسي وأختصه بكرامتي وأوثره على بيُوت الأَرْض كلهَا، باسمي فأسميه بَيْتِي وأنطقه بعظمتي وأحوزه بحرماتي وأجعله أَحَق بيُوت الأَرْض كلهَا وأولاها بذكري، وأضعها فِي الْبقْعَة الَّتِي اخْتَرْت لنَفْسي فَإِنِّي اخْتَرْت مَكَانَهُ يَوْم خلقت السَّمَاوَات وَالْأَرْض، وَقبل ذَلِك قد كَانَ بغيتي، فَهُوَ صفوتي من الْبيُوت وَلست أسْكنهُ، وَلَيْسَ يَنْبَغِي لي أَن أسكن الْبيُوت وَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَن تسعني، وَلَكِنِّي على كرْسِي الْكِبْرِيَاء والجبروت وَهُوَ الَّذِي يسْتَقلّ بعرشي وَعَلِيهِ وضعت عظمتي، ثمَّ هُوَ بعد ذَلِك ضَعِيف عني لَوْلَا قوتي، أجعَل ذَلِك الْبَيْت لَك وَلمن بعْدك حرما وَأمنا، أحرم بحرماته مَا فَوْقه وَمَا تَحْتَهُ، فَمن حرمه بحرماتي فقد عظم حرماتي، وَمن أحله فقد أَبَاحَ حرماتي، وَمن آمن أَهله فقد اسنوجب بذلك أماني وَمن أَخَافهُم فقد أخفرني فِي ذِمَّتِي وَمن عظم شَأْنه عظم فِي عَيْني، وَمن تهاون بِهِ صغر فِي عَيْني،
وَلكُل ملك حِيَازَة مَا حواليه وبطن مَكَّة خيرتي وحيازتي وجيران بَيْتِي، وعمارها وفدي وأضيافي فِي كنفي ضامنون عليّ فِي ذِمَّتِي وجواري، فأجعله أول بَيت وضع للنَّاس وأعمره بِأَهْل السَّمَاء وَالْأَرْض، يأتونه أَفْوَاجًا شعثاً غبراً على كل ضامر يَأْتِين من كل فج عميق، يعجون بِالتَّكْبِيرِ عجيجاً، ويرجّون بِالتَّكْبِيرِ رجيجاً، وينتحبون بالبكاء نحيباً، فَمن اعتمره لَا يُرِيد غَيره فقد زارني ووفد إليّ وَنزل بِي، وَمن نزل بِي فحقيق على أَن أتحفه بكرامتي، وَحقّ على الْكَرِيم أَن يكرم وفده وأضيافه وَأَن يسعف كل وَاحِد مِنْهُم بحاجته، تعمره يَا آدم مَا كنت حيّاً ثمَّ تعمره من بعْدك الْأُمَم والقرون والأنبياء،
أمة بعد أمة وَقرن بعد قرن وَنَبِي بعد نَبِي حَتَّى يَنْتَهِي ذَلِك إِلَى نَبِي من ولدك وَهُوَ خَاتم النَّبِيين فأجعله من عماره وسكانه وحماته وولاته وسقاته يكون أميني عَلَيْهِ مَا كَانَ حَيا،
وَأَجْعَل اسْم ذَلِك الْبَيْت وَذكره وشرفه لنَبِيّ من ولدك قبل هَذَا النَّبِي وَهُوَ وَأَبوهُ يُقَال لَهُ: إِبْرَاهِيم، أرفع لَهُ قَوَاعِده وأقضي على يَدَيْهِ عِمَارَته وأنيط لَهُ سقايته، وأريه حلّه وَحرمه وأعلمه مَنَاسِكه ومشاعره وأجعله أمة وَاحِدَة قَانِتًا إليّ، بأَمْري أجتبيه وأهديه إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم، أستجيب لَهُ فِي وَلَده وَذريته من بعده وأشفعه فيهم فأجعلهم أهل ذَلِك الْبَيْت وولاته وحماته، وسقاته وخدّامه وخزانه وحجابه، حَتَّى يبتدعوا ويغيروا، فَإِذا فعلوا ذَلِك فَأَنا أقدر القادرين على أَن أستبدل من أَشَاء بِمن أَشَاء،
أجعَل إِبْرَاهِيم أهل ذَلِك الْبَيْت وَأهل تِلْكَ الشَّرِيعَة يأتم بِهِ من حضر تِلْكَ المواطن من جَمِيع الْإِنْس وَالْجِنّ يطأون فِيهَا آثاره ويتبعون فِيهَا سنته ويقتدون فِيهَا بهديه، فَمن فعل ذَلِك مِنْهُم أوفى نَذره واستكمل نُسكه،
وَمن لم يفعل ضيع نُسكه وَأَخْطَأ بغيته، فَمن سَأَلَ عني يَوْمئِذٍ فِي تِلْكَ المواطن أَيْن أَنا؟ فَأَنا مَعَ الشعث الغبر الْمُوفينَ بنذورهم المستكملين مناسكهم المستهدين إِلَى رَبهم، وَلَيْسَ هَذَا الْأَمر الَّذِي قصصت عَلَيْك يَا آدم شَأْنه يزايدني فِي ملكي وَلَا عظمتي وسلطاني، إِلَّا كَمَا زَادَت قَطْرَة من رشاش وَقعت فِي سَبْعَة أبحر تمدها من بعْدهَا سَبْعَة أبحر لَا تحصى بل القطرة أَزِيد فِي الْبَحْر من هَذَا الْأَمر فِي شَيْء مِمَّا عِنْدِي من الْغنى وَالسعَة. الحَدِيث رَوَاهُ الْأَزْرَقِيّ
ويروى عَن عَطاء أَنه أهبط آدم عَلَيْهِ السَّلَام مَعَه بَيت وَكَانَ يطوف بِهِ والمؤمنون من وَلَده كَذَلِك إِلَى زمَان الْغَرق ثمَّ رَفعه الله فَصَارَ فِي السَّمَاء وَهُوَ الَّذِي يدعى الْبَيْت الْمَعْمُور
ذكره الْحَلِيمِيّ فِي كتاب " منهاج الدّين " لَهُ، وَقَالَ: يجوز أَن يكون معنى مَا قَالَه قَتَادَة: من أَنه أهبط مَعَ آدم بَيت. أَي: أهبط مَعَه مِقْدَار الْبَيْت الْمَعْمُور طولا وعرضاً وسمطاً ثمَّ قيل لَهُ: ابْن بِقَدرِهِ وخياله فَكَانَ خياله مَوضِع الْكَعْبَة فبناها فِيهِ،
وَأما الْخَيْمَة فقد يجوز أَن تكون أنزلت وَضربت فِي مَوضِع الْكَعْبَة فَلَمَّا أَمر ببنائها فبناها كَانَت حول الْكَعْبَة؛ طمأنينة لقلب آدم مَا عَاشَ ثمَّ رفعت. فتتفق هَذِه الْأَخْبَار.
وَفِي رِوَايَة: لما فرغ آدم من بِنَاء الْبَيْت خرج بِهِ الْملك إِلَى عَرَفَات، فَأرَاهُ الْمَنَاسِك كلهَا الَّتِي يَفْعَلهَا النَّاس الْيَوْم،
ثمَّ قدم بِهِ مَكَّة وَطَاف بِالْبَيْتِ أسبوعاً، ثمَّ رَجَعَ إِلَى أَرض الْهِنْد.فصل مَا جَاءَ فِي رفع الْبَيْت الْمَعْمُور من الْغَرق وَبِنَاء ولد آدم الْبَيْت بعده وَطواف سفينة نوح بِالْبَيْتِ، وَأثر الْكَعْبَة بَين نوح وَإِبْرَاهِيم وَاخْتِيَار إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مَوضِع الْبَيْت
عَن مُجَاهِد قَالَ: بَلغنِي أَنه لما خلق الله السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَ أول شَيْء وَضعه فِيهَا الْبَيْت الْحَرَام، وَهُوَ يَوْمئِذٍ ياقوتة حَمْرَاء لَهَا بَابَانِ شَرْقي وَغَرْبِيٌّ، فَجعله مُسْتَقْبل الْبَيْت الْمَعْمُور، فَلَمَّا كَانَ زمن الْغَرق رفع فِي ديباجتين وَهُوَ فيهمَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، واستودع الله الرُّكْن أَبَا قبيس.
وَفِي رِوَايَة: بعث جِبْرِيل حَتَّى خبأه فِي أبي قبيس؛ وَفِي رِوَايَة: رفع إِلَى السَّمَاء؛
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: كَانَ ذَهَبا فَرفع زمَان الْغَرق،
وَقَالَ ابْن جريج: كَانَ بِمَكَّة الْبَيْت الْمَعْمُور فَرفع زمَان الْغَرق فَهُوَ فِي السَّمَاء.
ويروى: أَن آدم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: أَي رب إِنِّي أعرف شقوتي إِنِّي لَا أرى شَيْئا من نورك بعد؛ فَأنْزل الله الْبَيْت الْمَعْمُور على عرض الْبَيْت فِي مَوْضِعه من ياقوتة حَمْرَاء، وَلَكِن طوله كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَأمره أَن يطوف بِهِ؛ فَأذْهب الله عَنهُ الْغم الَّذِي كَانَ يجد، ثمَّ رفع على عهد نوح.
وَعَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: لما رفعت الْخَيْمَة الَّتِي وضعت بِمَكَّة فِي مَوضِع الْبَيْت وَمَات آدم، بنى بَنو آدم من بعده مَكَانهَا بنياناً بالطين وَالْحِجَارَة، فَلم يزل معموراً يعمرونه هم وَمن بعدهمْ حَتَّى كَانَ زمن نوح فنسفه الْغَرق،
وَفِي رِوَايَة: أول من بنى الْبَيْت بالطين وَالْحِجَارَة شِيث عَلَيْهِ السَّلَام
وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ مَعَ نوح عَلَيْهِ السَّلَام فِي السَّفِينَة ثَمَانُون رجلا مَعَهم أهلوهم، وَكَانُوا فِي السَّفِينَة مائَة وَخمسين يَوْمًا،
وَأَن الله تَعَالَى وَجه السَّفِينَة إِلَى مَكَّة فدارت بِالْبَيْتِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَجههَا إِلَى الجودي فاستقرت عَلَيْهِ
فَبعث نوح الْغُرَاب؛ ليَأْتِيه بِخَبَر الأَرْض فَذهب وَلم يرجع فَوَقع فِي الْجِيَف وَأَبْطَأ عَنهُ، فَبعث بالحمامة فَأَتَت بورق الزَّيْتُون ولطخت رجلهَا بالطين، فَعرف نوح أَن المَاء قد نضب فهبط إِلَى أَسْفَل الجودي فابتنى قَرْيَة، فَأَصْبحُوا ذَات يَوْم قد تبلبلت ألسنتهم على ثَمَانِينَ لُغَة، أَحدهَا الْعَرَبِيّ وَكَانَ لَا يفقه بَعضهم كَلَام بعض، وَكَانَ نوح عَلَيْهِ السَّلَام يعبر عَنْهُم.
وَعَن مُجَاهِد: أَنه كَانَ مَوضِع الْبَيْت قد خَفِي ودرس من الْغَرق بَين نوح وَإِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام قَالَ: فَكَانَ مَوْضِعه أكمة حَمْرَاء مَدَرَة لَا يعلوها السُّيُول، وَكَانَ يَأْتِيهِ الْمَظْلُوم من أقطار الأَرْض وَيَدْعُو عِنْده المكروب فقلّ من دَعَا هُنَالك إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ، وَكَانَ النَّاس يحجون إِلَى مَوضِع الْبَيْت حَتَّى بوأ الله مَكَانَهُ لإِبْرَاهِيم.
وَعَن عُثْمَان بن سَاج قَالَ: بلغنَا أَن إِبْرَاهِيم عرج بِهِ إِلَى السَّمَاء فَنظر إِلَى الأَرْض مشارقها وَمَغَارِبهَا فَاخْتَارَ مَوضِع الْكَعْبَة، فَقَالَت لَهُ الْمَلَائِكَة: يَا خَلِيل الله اخْتَرْت حرم الله فِي الأَرْض، فبناه من حِجَارَة وَسَبْعَة أجبل، وَقيل: خَمْسَة، وَكَانَت الْمَلَائِكَة تَأتي بِالْحِجَارَةِ إِلَى إِبْرَاهِيم من تِلْكَ الْجبَال.فصل مَا جَاءَ فِي إسكان إِبْرَاهِيم ابْنه إِسْمَاعِيل وَأمه فِي بَدْء أمره عِنْد الْبَيْت
عَن مُجَاهِد: أَن الله تَعَالَى لما بوأ لإِبْرَاهِيم مَكَان الْبَيْت خرج إِلَيْهِ من الشَّام وَخرج مَعَه بِابْنِهِ إِسْمَاعِيل وَأمه هَاجر، وَإِسْمَاعِيل طِفْل مرضع وحملوا على الْبراق وَمَعَهُ جِبْرِيل يدله على مَوضِع الْبَيْت ومعالم الْحرم، وَجعل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لَا يمر بقرية من الْقرى إِلَّا قَالَ إِبْرَاهِيم: أَبِهَذَا أمرت؟ فَيَقُول لَهُ جِبْرِيل: امْضِ حَتَّى قدم مَكَّة، وَهِي إِذْ ذَاك عضاه من سلم وَسمر، وَبهَا العماليق خَارِجا عَن مَكَّة فِيمَا حولهَا، وَالْبَيْت يَوْمئِذٍ ربوة حَمْرَاء مَدَرَة، فَقَالَ إِبْرَاهِيم لجبريل: أها هُنَا أمرت أَن أضعهما؟ قَالَ: نعم. فَعمد بهما إِلَى مَوضِع الْحجر فأنزلهما فِيهِ، وَأمر هَاجر أم إِسْمَاعِيل تتَّخذ فِيهَا عَرِيشًا،
ثمَّ قَالَ: "
رَبنَا إِنِّي أسكنت من ذريتي بواد غير ذِي زرع عِنْد بَيْتك الْمحرم |
قَالَ ابْن جريج: وَبَلغنِي أَن جِبْرِيل قَالَ لأم إِسْمَاعِيل فَأَشَارَ بهَا إِلَى مَوضِع الْبَيْت هَذَا أول بَيت وضع للنَّاس، وَهُوَ بَيت الله الْعَتِيق، واعلمي أَن إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل يرفعانه للنَّاس ويعمرانه، فَلَا يزَال معموراً محرما مكرماً إِلَى يَوْم الْقِيَامَة،
فَمَاتَتْ أم إِسْمَاعِيل قبل أَن يرفعهُ إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل، فدفنت فِي مَوضِع الْحجر.
قَالَ الله تَعَالَى: "
وَإِذ يرفع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد من الْبَيْت |
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لبث إِبْرَاهِيم مَا شَاءَ الله أَن يلبث، ثمَّ جَاءَ الثَّالِثَة فَوجدَ إِسْمَاعِيل قَاعِدا تَحت الدوحة الَّتِي إِلَى نَاحيَة السّتْر يبري نبْلًا لَهُ فَسلم عَلَيْهِ وَنزل عَلَيْهِ فَقعدَ مَعَه، فَقَالَ إِبْرَاهِيم: يَا إِسْمَاعِيل إِن الله قد أَمرنِي بِأَمْر. فَقَالَ إِسْمَاعِيل: أطع رَبك فِيمَا أَمرك ويروى: أَنه قَالَ: وتعينني. قَالَ: وأعينك فَقَالَ إِبْرَاهِيم: أَمرنِي رَبِّي أَن أبني لَهُ بَيْتا. قَالَ لَهُ إِسْمَاعِيل: وَأَيْنَ هُوَ؟
فَأَشَارَ لَهُ إِلَى أكمة مُرْتَفعَة على مَا حولهَا عَلَيْهَا رَضْرَاض من حَصْبَاء يَأْتِيهَا السَّيْل من نَوَاحِيهَا وَلَا يركبهَا، فقاما يحفران عَن الْقَوَاعِد ويقولان:
رَبنَا تقبل منا إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم |
رَبنَا تقبل منا إِنَّك سميع الدُّعَاء |
فَلَمَّا ارْتَفع الْبُنيان وشق على إِبْرَاهِيم تنَاوله قرب لَهُ هَذَا الْحجر يَعْنِي الْمقَام فَكَانَ يقوم عَلَيْهِ وَيَبْنِي ويحوله فِي نواحي الْبَيْت،
حَتَّى انْتهى إِلَى وَجه الْبَيْت فَلذَلِك سمي مقَام إِبْرَاهِيم لقِيَامه عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَة لِابْنِ عَبَّاس: أَنه لما جَاءَ إِبْرَاهِيم إِلَى إِسْمَاعِيل وَرَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فصنعا كَمَا يصنع الْوَلَد بالوالد وَالْوَالِد بِالْوَلَدِ، وبكيا حَتَّى أبكيا أَو أجابتهما الطير.
وَقَالَ مُجَاهِد: أقبل إِبْرَاهِيم وَمَعَهُ السكينَة والصّرد وَالْملك من الشَّام دَلِيلا، حَتَّى تبوءا الْبَيْت الْحَرَام، كَمَا تبوأ العنكبوت بَيْتا، وَكَانَ للسكينة رَأس كرأس الْهِرَّة وجناحان. وَفِي رِوَايَة: كَأَنَّهَا غمامة أَو ضَبَابَة فِي وَسطهَا كَهَيئَةِ الرَّأْس يتَكَلَّم،
وَفِي رِوَايَة: هِيَ ريح خجوج لَهَا رَأس، وَفِي رِوَايَة: لَهَا رأسان، وَفِي رِوَايَة: لَهَا وَجه يتَكَلَّم وَهُوَ بعد ريح هفافة،
وَفِي رِوَايَة: لَهَا رَأس كرأس الْإِنْسَان، وَقيل: السكينَة الرَّحْمَة. قَالَ السُّهيْلي: والسكينة من شَأْن الصَّلَاة.
قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "
وأتوها وَعَلَيْكُم السكينَة |
فَقَالَت السكينَة: يَا إِبْرَاهِيم ربّض على الْبَيْت، فَلذَلِك لَا يطوف بِالْبَيْتِ ملك من هَذِه الْمُلُوك وَلَا أَعْرَابِي نافر وَلَا جَبَّار إِلَّا رَأَيْت عَلَيْهِ السكينَة.
وَفِي رِوَايَة: قَالَت السكينَة ورأيتها تَتَكَلَّم يَا إِبْرَاهِيم: خُذ قدري من الأَرْض لَا يزِيد وَلَا ينقص، فَخط فَذَلِك بكة وَمَا حواليها مَكَّة.
وَفِي رِوَايَة: قَالَت لَهُ: يَا إِبْرَاهِيم إِن رَبك يَأْمُرك أَن تخط قدر هَذِه السحابة، فَجعل ينظر إِلَيْهَا وَيَأْخُذ قدرهَا،
فَقَالَ لَهُ رَأس السكينَة: قد فعلت. قَالَ: نعم،، فارتفعت السحابة، وَفِي رِوَايَة: أَن الغمامة لم تزل راكدة تظل إِبْرَاهِيم وتهديه مَكَان الْقَوَاعِد حَتَّى رفع الْقَوَاعِد قامة، ثمَّ انكشفت الغمامة فأبرز عَن أس " يانت " من الأَرْض فبناه إِبْرَاهِيم،
وَفِي رِوَايَة: فحفر فأبرز عَن ربض أَمْثَال حلف الْإِبِل، لَا يُحَرك الصَّخْرَة إِلَّا ثَلَاثُونَ رجلا،
وَفِي رِوَايَة: لما بعث الله إِبْرَاهِيم ليبني الْبَيْت، طلب الأساس الأول الَّذِي وَضعه بَنو آدم فِي مَوضِع الْخَيْمَة الَّتِي عزى الله بهَا آدم من خيام الْجنَّة، حِين وضعت لَهُ بِمَكَّة فِي مَوضِع الْبَيْت، فَلم يزل إِبْرَاهِيم يحْفر حَتَّى وصل إِلَى الْقَوَاعِد الَّتِي أسس بَنو آدم فِي زمانهم فِي مَوضِع الْخَيْمَة، فَلَمَّا وصل إِلَيْهَا ظلل الله لَهُ مَكَان الْبَيْت بغمامة، وَلم تزل راكدة تظل إِبْرَاهِيم وتهديه مَكَان الْقَوَاعِد حَتَّى رفع الْقَوَاعِد قامة، ثمَّ انكشفت الغمامة، وَكَانَ إِبْرَاهِيم يَبْنِي فِي كل يَوْم سافاً، وَمَكَّة يَوْمئِذٍ شَدِيدَة الْحر، وَإِسْمَاعِيل يناوله الْحِجَارَة.
قَالَ ابْن عَبَّاس: أما وَالله مَا بنياه بِقصَّة وَلَا مدر وَلَا كَانَ مَعَهُمَا من الأعوان وَالْأَمْوَال مَا يسقفانه، ولكنهما أعلماه وطافا بِهِ، وَفِي رِوَايَة: ورضماه رضماً فَوق الْقَامَة وَلم يسقفاه. والرضم: أَن ينضد الْحِجَارَة بَعْضهَا على بعض من غير ملاط، فَلَمَّا ارْتَفع الْبُنيان قرب إِسْمَاعِيل لإِبْرَاهِيم الْمقَام، فَكَانَ إِبْرَاهِيم يُقيم عَلَيْهِ وَيَبْنِي ويحوله إِسْمَاعِيل فِي نواحي الْبَيْت.
قَالَ السُّهيْلي: بناه من خَمْسَة أجبل، كَانَت الْمَلَائِكَة تَأتيه بِالْحِجَارَةِ مِنْهَا، وَهِي: طور سيناء وطور زيتا اللَّذين بِالشَّام، والجودي وَهُوَ بالجزيرة ولبنان وحراء هَكَذَا ذكر السُّهيْلي أَن لبنان بِالْحرم، وهما بِالْحرم قَالَ: وانتبه لحكمة الله كَيفَ جعل بناءهما من خَمْسَة أجبل، فشاكل ذَلِك مَعْنَاهَا إِذْ هِيَ قبْلَة للصلوات الْخمس وعمود الْإِسْلَام وَقد بني على خَمْسَة. .
وَقيل إِن قَوَاعِده من حراء. وَفِي رِوَايَة: أسس الْبَيْت من خَمْسَة، وَفِي رِوَايَة: وَكَانَ ربضه من حراء.
قَالَ الْخَلِيل: والربض هَهُنَا الأساس المستدير بِالْبَيْتِ من الصخر، ويروى: أَن ذَا القرنين قدم مَكَّة وهما يبنيان، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَا: نَحن عَبْدَانِ مأموران أمرنَا بِالْبِنَاءِ. فَقَالَ: فهاتا البنية على مَا تدعيان فَقَامَتْ خَمْسَة أكبش، فَقُلْنَ: نشْهد أَن إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل عَبْدَانِ مأموران بِالْبِنَاءِ. فَقَالَ: قد رضيت وسلمت وَمضى. فَلَمَّا انْتهى إِبْرَاهِيم فِي الْبناء إِلَى مَوضِع الْحجر الْأسود قَالَ إِسْمَاعِيل: اذْهَبْ فائتني بِحجر أَضَعهُ هُنَا؛ ليَكُون علما للنَّاس يبتدئون مِنْهُ الطّواف وَفِي رِوَايَة: ليقتدي النَّاس بِهِ فَذهب إِسْمَاعِيل إِلَى الْوَادي يطْلب حجرا، فَأَتَاهُ بِحجر فَلم يرضه، فَذهب فَطلب حجرا آخر، فجَاء جِبْرِيل بِالْحجرِ الْأسود
وَفِي رِوَايَة: نزل بِهِ من الْجنَّة وَفِي رِوَايَة: جَاءَ بِهِ من أبي قبيس؛ لِأَنَّهُ كَانَ استودع أَبُو قبيس الرُّكْن زمَان الْغَرق على مَا قيل
وَفِي رِوَايَة: لما غرقت الأَرْض استودع الله أَبَا قبيس الْحجر الْأسود، وَقَالَ: إِذا رَأَيْت خليلي يَبْنِي لي بَيْتا فأعطه إِيَّاه.
فَلَمَّا ابْتغى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام الْحجر الْأسود ناداه من أبي قبيس أَلا أَنا هَذَا فرقي إِلَيْهِ إِبْرَاهِيم فَأَخذه فَوضع بالموضع الَّذِي هُوَ فِيهِ الْيَوْم
وَفِي رِوَايَة: صَاح أَبُو قبيس يَا إِبْرَاهِيم يَا خَلِيل الرَّحْمَن إِن لَك عِنْدِي وَدِيعَة فَخذهَا، فَإِذا هُوَ بِحجر أَبيض من ياقوت الْجنَّة،
فجَاء إِسْمَاعِيل فَوجدَ إِبْرَاهِيم قد وضع الْحجر فِي مَكَانَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَت من أَيْن لَك هَذَا الْحجر؟ قَالَ: جائني بِهِ من لم يكلني إِلَيْك وَلَا إِلَى حجرك
وَفِي رِوَايَة: من عِنْد من لم يتكل على بنائي وبنائك وَفِي رِوَايَة: وضع جِبْرِيل الْحجر فِي مَكَانَهُ وَبنى عَلَيْهِ وَهُوَ حِينَئِذٍ يتلألأ تلألؤا من شدَّة بياضه، فأضاء نوره شرقاً وغرباً ويمناً وشاماً، فَكَانَ نوره يضيء إِلَى مُنْتَهى أنصاب الْحرم من كل نَاحيَة من نواحي الْحرم، وَقيل: إِنَّمَا شدَّة سوَاده؛ لِأَنَّهُ أَصَابَهُ الْحَرِيق مرّة بعد مرّة فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام؛ فَأَما حريقه فِي الْجَاهِلِيَّة فَإِنَّهُ ذهبت امْرَأَة فِي زمن قُرَيْش تجمر الْكَعْبَة، فطارت شرارة من أستاء الْكَعْبَة، فأحرقت الْكَعْبَة فَاحْتَرَقَ الرُّكْن الْأسود واسود وتوهنت الْكَعْبَة،
وَكَانَ هُوَ الَّذِي هاج قُريْشًا على هدمها وبنائها.
وَأما حريقه فِي الْإِسْلَام فَفِي عصر ابْن الزبير أَيَّام حاصره الْحصين بن نمير الْكِنْدِيّ، احترقت الْكَعْبَة وَاحْتَرَقَ الرُّكْن فتفلق ثَلَاث فلق حَتَّى شعبه ابْن الزبير بِالْفِضَّةِ،
وَقيل: سوَاده لِمَعْنى آخر وَتقدم فِي بَاب الْفَضَائِل. وَجعل إِبْرَاهِيم طول الْبَيْت فِي السَّمَاء تِسْعَة أَذْرع، وَعرضه فِي الأَرْض اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ذِرَاعا من الرُّكْن الْأسود إِلَى الرُّكْن الشَّامي الَّذِي هُوَ عِنْد الْحجر من وَجهه، وَجعل عرض مَا بَين الرُّكْن الشَّامي إِلَى الرُّكْن الغربي الَّذِي فِيهِ الْحجر اثْنَيْنِ وَعشْرين ذِرَاعا، وَجعل عرض ظهرهَا من الرُّكْن الغربي إِلَى الرُّكْن الْيَمَانِيّ أحدا وَثَلَاثِينَ ذِرَاعا، وَجعل عرض شقها الْيَمَانِيّ من الرُّكْن الْأسود إِلَى الرُّكْن الْيَمَانِيّ عشْرين ذِرَاعا، فَلذَلِك سميت الْكَعْبَة؛ لِأَنَّهَا على خلقَة الكعب،
وَكَذَلِكَ بُنيان أساس آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَجعل بَابهَا بِالْأَرْضِ غير مبوب، حَتَّى كَانَ تبع أسود الْحِمْيَرِي هُوَ الَّذِي جعل لَهَا بَابا وغلقاً فارسياً وَكَسَاهَا كسْوَة تَامَّة وَنحر عِنْدهَا.
وَجعل إِبْرَاهِيم الْحجر إِلَى جنب الْبَيْت عريّاً من أَرَاك يقتحمه الْغَيْر فَكَانَ زرباً لغنم إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام
وحفر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام جبا فِي بطن الْكَعْبَة على يَمِين من دخله يكون خزانَة الْبَيْت، يلقى فِيهِ مَا يهدي للكعبة، وَهُوَ الْجب الَّذِي نصب عَلَيْهِ عَمْرو بن لحي هُبل الصَّنَم الَّتِي كَانَت قُرَيْش تعبده وتستقسم عِنْده بالأزلام حِين جَاءَ بِهِ من هيت من أَرض الجزيرة.
-------------------------------------------------------------------------------------
تابعونا أحبابنا ولا تنسونا من صالح دعائكم
عدل سابقا من قبل sadekalnour في الإثنين يونيو 05, 2023 9:17 am عدل 1 مرات
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» (( - 2 -)) خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأربعاء نوفمبر 13, 2024 11:28 pm من طرف صادق النور