الفصل الأول: فضائِلُ صِيامِ شَهرِ رَمَضانَ
1- تُكفَّرُ به الخَطايا:
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الصَّلَواتُ الخَمسُ، والجُمُعةُ إلى الجُمُعةِ، ورمضانُ
إلى رَمَضانَ؛ مُكَفِّراتٌ ما بينهُنَّ إذا اجتَنَبَ الكبائِرَ ))
2- من أسبابِ مَغفرةِ الذُّنوبِ
الأدِلَّة منَ السُّنَّة:
1- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِن ذَنبِه ))
2- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((.. ورَغِمَ أنفُ رجلٍ دخَلَ عليه رمضانُ، ثم انسلَخَ قبل أن يُغفَرَ له.. ))
3- من أسبابِ دُخولِ الجَنَّة:
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ رَجُلًا سأل رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رَسولَ اللهِ، أرأيتَ إذا صَلَّيتُ المكتوباتِ، وصُمْتُ رمضانَ، وأحلَلْتُ الحلالَ، وحَرَّمْتُ الحرامَ، ولم أزِدْ على ذلك شيئًا، أأدخُلُ الجَنَّةَ؟ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: نَعَم ))
---() قال ابنُ فارس: .. الرَّمضُ: حَرُّ الحجارةِ مِن شِدَّةِ حَرِّ الشَّمس. وأرض رَمضةٌ: حارَّةُ الحجارة. وذكَرَ قومٌ أنَّ رمضانَ اشتقاقُه مِن شِدَّةِ الحَرِّ؛ لأنَّهم لَمَّا نقلوا اسمَ الشُّهورِ عَنِ اللغة القديمةِ سَمَّوها بالأزمنةِ، فوافَقَ رمضانُ أيَّامِ رَمضِ الحَرِّ--()
1- فيه أُنزِلَ القُرآنُ:
الدَّليل من الكتاب
قولُه تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة: 185]
وكان هذا في ليلةِ القَدرِ مِن رمضانَ، قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر: 1]
وقال سبحانه: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [الدخان: 3]
2- فيه تُفَتَّحُ أبوابُ الجنَّةِ، وتُغَلَّقُ أبوابُ النَّارِ، وتُصَفَّدُ الشَّياطينُ:
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا جاء رمضانُ فُتِّحَت أبوابُ الجنَّة، وغُلِّقَت أبوابُ النَّارِ، وصُفِّدَت الشَّياطينُ ))
3- العُمرةُ فيه تعدِلُ حَجَّةً:
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لامرأةٍ مِنَ الأنصارِ: ما منعَكِ أن تحجِّي معنا؟ قالت: لم يكُنْ لنا إلَّا ناضحانِ، فحَجَّ أبو وَلَدِها وابنُها على ناضحٍ، وترك لنا ناضحًا ننضَحُ عليه. قال: فإذا جاء رمضانُ فاعتَمِري؛ فإنَّ عُمرةً فيه تعدِلُ حَجَّةً ))
وفي روايةٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((لَمَّا رجَعَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن حَجَّتِه قال لأمِّ سِنانٍ الأنصاريَّة: ما منعَكِ مِنَ الحَجِّ؟ قالت: أبو فلان- تعني زوجَها- كان له ناضحانِ؛ حَجَّ على أحَدِهما، والآخَرُ يَسقِي أرضًا لنا. قال: فإنَّ عُمرةً في رمضانَ تَقضي حَجَّةً معي ))
- وهذا الفَضلُ ليس مختصًّا بهذه المرأةِ وَحدَها، بل هو عامٌّ لجميعِ المُسلمين --() .قال ابنُ حجر: والظَّاهِرُ حَملُه على العُمومِ كما تقَدَّمَ -- وقال ابنُ عُثيمين: (والصَّحيحُ أنَّها عامَّةٌ خلافًا لِمَن قال: إنَّ هذا الحديثَ ورَدَ في المرأةِ التي تخلَّفَتْ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الحَجِّ، فقال لها: ((عُمرةٌ في رَمَضانَ تَعدِلُ حَجَّةً معي))، فإنَّ بَعضَ العُلَماءِ قال: إنَّ هذا خاصٌّ بهذه المرأةِ، يريد أن يُطَيِّبَ قَلْبَها، ولكنَّ الصَّوابَ أنَّها عامَّةٌ-()
- وكان السَّلَفُ رَحِمَهم اللهُ يُسَمُّونَ العُمرةَ في رمضانَ: الحَجَّ الأصغرَ؛ لأنَّ المُعتَمِرَ في رمضانَ إن عاد إلى بلَدِه فقد أتى بسفرٍ كاملٍ للعُمرةِ ذَهابًا وإيابًا في شَهرِ رَمضانَ، فاجتمَعَ له حُرمةُ شَهرِ رَمضانَ وحُرمةُ العُمرةِ، وصار ما في ذلك مِن شَرَفِ الزَّمان والمَكان، يناسِبُ أن يُعدَلَ بما في الحَجِّ مِن شَرَفِ الزَّمان- وهو أشهُرُ الحَجِّ- وشرَفِ المكان
- كما أنَّ هذه العُمرةَ لا تُغني عن حَجَّةِ الإسلامِ الواجِبةِ، بإجماعِ أهلِ العِلمِ، فلا يَلزَمُ من معادَلةِ الشَّيءِ للشَّيءِ أن يكون مُجْزِئًا عنه، فهو يعادِلُه في الثَّوابِ لا في الإجزاءِ عنه
--(.) قال ابنُ بطَّالٍ: (قوله: "فإنَّ عمرة فيه كحجة" يدل أنَّ الحج الذى ندبها إليه كان تطوعًا؛ لإجماع الأمة أنَّ العمرة لا تجزئ من حجة الفريضة -- وقال النووي: وفي الرواية الأخرى (تقضي حَجَّةً)، أي تقومُ مَقامَها في الثَّوابِ، لا أنَّها تَعدِلُها في كلِّ شَيءٍ فإنَّه لو كان عليه حَجَّةٌ فاعتمَرَ في رمضانَ، لا تُجزِئُه عَنِ الحَجَّةِ -- وقال ابنُ تيمية: المُشَبَّه ليس كالمُشَبَّهِ به من جميعِ الوُجوهِ، لا سيما في هذه القِصَّةِ؛ باتفاقِ المسلمين -- وقال ابنُ حجر: (فالحاصِلُ أنَّه أعلَمَها أنَّ العُمرةَ في رمَضانَ تَعدِلُ الحجَّةَ في الثَّوابِ، لا أنَّها تقومُ مَقامَها في إسقاطِ الفَرضِ؛ للإجماعِ على أنَّ الاعتمارَ لا يُجزِئُ عن حَجِّ الفَرضِ، ونقل التِّرمذي عن إسحاقَ بنِ راهَوَيهِ أنَّ معنى الحديثِ نظيرُ ما جاء أنَّ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تعدِلُ ثلُثَ القُرآنِ--()
المطلب الأول: ليلةُ القَدرِ، فَضلُها، وما يُشرَع فيها، ووقتُها
]/size][size=24]الفرع الأول: فضلُ ليلةِ القَدرِ
- أُنزِلَ فيها القُرآنُ:
قال تعالى: إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر: 1]
- يقَدِّرُ اللهُ سبحانه وتعالى فيها كُلَّ ما هو كائنٌ في السَّنَةِ:
قال تعالى: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ [الدخان: 4-5]
ففي تلك الليلةِ يُقَدِّرُ اللهُ سبحانه مقاديرَ الخلائِقِ على مدارِ العامِ، ويُكتَبُ فيها الأحياءُ والأمواتُ، والنَّاجون والهالكونَ، والسُّعداءُ والأشقياءُ، والعزيزُ والذَّليلُ، وكلُّ ما أراده اللهُ سبحانه وتعالى في السَّنةِ المُقبلةِ، يُكتَبُ في ليلةِ القَدرِ هذه
- أنَّها ليلةٌ مُبارَكة:
قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [الدخان: 3]
- العبادةُ فيها تَفضُلُ العبادةَ في ألفِ شَهرٍ:
قال تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر: 3]
فالعبادةُ فيها أفضَلُ عند اللهِ مِن عبادة ألفِ شَهرٍ، ليس فيها ليلةُ القَدرِ.
وألفُ شَهرٍ تَعدِلُ: ثلاثًا وثمانينَ سَنَةً وأربعةَ أشهُرٍ
- ينزِلُ فيها جبريلُ والملائكةُ بالخَيرِ والبَرَكةِ:
قال تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ [القدر: 4]
فتنزِلُ الملائكةُ فيها إلى الأرضِ بالخَيرِ والبَرَكة والرَّحمةِ والمَغفرةِ.
- ليلةُ القَدرِ سَلامٌ:
قال تعالى: سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر: 5]
فهي ليلةٌ خاليةٌ مِنَ الشَّرِّ والأذى، وتكثُرُ فيها الطَّاعةُ وأعمالُ الخَيرِ والبِرِّ، وتكثُرُ فيها السَّلامةُ مِنَ العذابِ؛ فهي سلامٌ كُلُّها.
الفرع الثاني: ما يُشرَعُ في ليلةِ القَدرِ
المسألة الأولى: القيامُ
يُشرَعُ في هذه الليلةِ الشَّريفةِ قيامُ لَيلِها بالصَّلاةِ.
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ومن قامَ ليلةَ القَدرِ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقَدَّمَ مِن ذَنبِه ))
المسألة الثانية: الاعتكاف
يُشرَعُ في ليلةِ القَدرِ الاعتكافُ؛ فقد كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يعتَكِفُ في العَشْرِ الأواخِرِ؛ التماسًا لِلَيلةِ القَدْرِ.
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((من كان اعتكَفَ معي، فلْيعتكِفِ العَشرَ الأواخِرَ، وقد أُريتُ هذه الليلةَ ثم أُنسِيتُها، وقد رأيتُني أسجُدُ في ماءٍ وطِينٍ مِن صَبيحَتِها فالتَمِسوها في العَشرِ الأواخِرِ، والتَمِسوها في كُلِّ وِترٍ ))
المسألة الثالثة: الدُّعاء
يُشرَعُ الدُّعاءُ فيها والتقَرُّبُ به إلى اللهِ تبارك وتعالى.
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ إنْ عَلِمْتُ أيُّ ليلةٍ ليلةُ القَدرِ، ما أقولُ فيها؟ قال: قُولي: اللَّهُمَّ، إنِكَّ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفوَ فاعْفُ عَنِّي ))
المسألة الرابعة: العَمَلُ الصَّالِحُ
قال الله تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر: 3]
قال كثيرٌ مِنَ المُفَسِّرينَ: أي: العَمَلُ فيها خيرٌ مِنَ العَمَلِ في ألفِ شَهرٍ، ليس فيها ليلةُ القَدْرِ؛ ففي تلك الليلةِ يُقسَمُ الخيرُ الكثيرُ الذي لا يُوجَدُ مِثلُه في ألفِ شَهرٍ
المطلب الثاني: وقتُ ليلةِ القَدرِ وعلامَتُها
الفرع الأول: وقتُ ليلةِ القَدْرِ
ليلةُ القَدْرِ في العَشْرِ الأواخِرِ مِن رَمَضانَ، وهي في الأوتارِ أقرَبُ مِنَ الأشفاعِ، وهو مذهبُ الشَّافِعيَّة، والحَنابِلة، وقولٌ للمالكيَّة واختاره ابنُ تيميَّةَ والصنعانيُّ، وابنُ باز، وابنُ عُثيمين
الأدِلَّة منَ السُّنَّة:
1- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((تَحَرَّوْا ليلةَ القَدْرِ في الوِترِ مِنَ العَشرِ الأواخِرِ مِن رَمَضانَ ))
2- عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((التَمِسُوها في العَشرِ الأواخِرِ مِن رمضانَ، ليلةُ القَدْرِ في تاسعةٍ تبقى، في سابعةٍ تبقى، في خامسةٍ تبقى ))
3- عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، ((أنَّ رجالًا مِن أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُرُوا ليلةَ القَدْرِ في المنامِ في السَّبعِ الأواخِرِ، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أرى رُؤيَاكم قد تواطَأَتْ في السَّبعِ الأواخِرِ، فمن كان مُتَحَرِّيَها فلْيتحَرَّها في السَّبعِ الأواخِرِ ))
4- عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((رأى رجلٌ أنَّ ليلةَ القَدْرِ ليلةَ سَبعٍ وعشرينَ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أرى رُؤياكم في العَشْرِ الأواخِرِ، فاطلُبوها في الوِترِ منها ))
الفرع الثاني: هل ليلةُ القَدْرِ تتنقَّلُ أم هي ثابتةٌ؟
لا تختَصُّ ليلةُ القَدرِ بليلةٍ مُعَيَّنةٍ في جميعِ الأعوامِ، بل تتنقَّلُ في ليالي العَشْرِ الأواخِرِ مِن رَمَضانَ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّة، والحَنابِلة، وقولٌ عند المالكيِّة وهو قَولُ أكثَرِ أهلِ العلم
الأدِلَّة مِن السُّنَّةِ:
1- عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((كنتُ أجاوِرُ هذه العَشْرَ، ثم قد بدا لي أن أجاوِرَ هذه العَشْرَ الأواخِر، فمن كان اعتَكَفَ معي فلْيَثْبُتْ في مُعتَكَفِه، وقد أُرِيتُ هذه الليلةَ، ثم أُنْسِيتُها، فابتَغُوها في العَشْرِ الأواخِرِ، وابتَغُوها في كلِّ وِترٍ، وقد رأيتُني أسجُدُ في ماءٍ وطِينٍ، فاستهَلَّتِ السَّماءُ في تلك الليلةِ فأمطَرَت، فوَكَف المسجِدُ في مُصَلَّى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليلةَ إحدى وعشرينَ، فبَصُرَتْ عيني رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ونَظَرْتُ إليه انصَرَفَ مِنَ الصُّبْحِ ووجهُه ممتلئٌ طينًا وماءً ))
2- عن عبدِ اللهِ بنِ أُنَيسٍ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أُرِيتُ ليلةَ القَدْرِ ثمَّ أُنْسِيتُها، وأُراني صُبْحَها أسجُدُ في ماءٍ وطِينٍ، قال: فمُطِرْنَا ليلةَ ثلاثٍ وعِشرينَ، فصلَّى بنا رسولُ الله، فانصرَفَ، وإنَّ أثَرَ الماءِ والطِّينِ على جَبهَتِه وأنفِه ))
الفرع الثالث: بقاءُ ليلةِ القَدْرِ
ليلةُ القدْرِ موجودةٌ لم تُرفَعْ، وباقيةٌ إلى يومِ القِيامة.
الأدِلَّة:أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((تَحرَّوا لَيلةَ القدْرِ في الوِتْر من العَشرِ الأواخِرِ مِن رَمضانَ ))
ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: النوويُّ
الفرع الرابع: علامةُ ليلةِ القَدْرِ
من علاماتِ ليلةِ القَدرِ أنَّ الشَّمسَ تطلُعُ في صبيحَتِها صافيةً، ليس لها شُعاعٌ.
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن أُبَيِّ بنِ كَعبٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: ((... أخبَرَنا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّها تطلُعُ يومَئذٍ لا شُعاعَ لها ))
وفي لفظٍ آخَرَ لِمُسلمٍ عن أبَيِّ بنِ كَعبٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((وأمارَتُها أن تطلُعَ الشَّمسُ في صبيحةِ يَومِها بيضاءَ لا شُعاعَ لها))
قال ابنُ عُثيمين: (وليلةُ القَدْرِ في العَشرِ الأواخِرِ مِن رمضانَ.. وهي في الأوتارِ أقرَبُ من الأشفاعِ.. وهي في السَّبعِ الأواخِرِ أقرَبُ
-- مِن أسبابِ إخفاءِ ليلةِ القدْر عن العِباد؛ ليَكثُرَ عملُهم في طَلَبِها في تلك الليالي الفاضِلة، بالصَّلاةِ والذِّكرِ والدُّعاءِ؛ فيزدادوا قُربةً مِنَ الله وثوابًا، وكذلك ليتبيَّنَ مَن كان جادًّا في طَلَبِها، حريصًا عليها، ممَّن كان كسلانَ مُتهاوِنًا، فإنَّ مَن حرَص على شيءٍ، جَدَّ في طَلَبِه، وهان عليه التَّعبُ في سبيلِ الوُصولِ إليه، والظَّفَرِ به.--()
المبحث الأول: حكمُ صَومِ شَهرِ رمضانَ
صَومُ شَهرِ رمضانَ فريضةٌ، وركنٌ مِن أركانِ الإسلامِ.
الأدِلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكتاب
1- قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183]
2- قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: 185]
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ: شهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، وصَومِ رمضانَ، وحَجِّ البَيتِ ))
ثالثًا: من الإجماع
نقَلَ الإجماعَ على فرضِيَّتِه: ابنُ قُدامة، والنوويُّ، وابنُ تيميَّةَ
المبحث الثاني: حكمُ تَركِ صَومِ شَهرِ رَمَضانَ
المطلب الأول: حكمُ مَن تركَ صَومَ شَهرِ رمضانَ جاحدًا لفرضِيَّتِه
مَن تَرَك صَومَ شَهرِ رمضانَ جاحدًا لفَرضِيَّتِه؛ فهو كافرٌ
الدَّليل من الإجماعِ:
نقل الإجماعَ على ذلك الكاسانيُّ --() -قال ابنُ عبد البر: وأجمعت الأمَّةُ ونقلت الكافَّةُ فيمن لم يَصُمْ رَمَضانَ عامدًا وهو مؤمِنٌ بفَرضِه، وإنَّما تركه أشَرًا وبطرًا، تعمَّدَ ذلك ثم تابَ عنه- أنَّ عليه قضاءَه-- قال ابنُ قدامة: أنَّه متى أفطَرَ بشيءٍ مِن ذلك فعليه القَضاءُ، لا نعلَمُ في ذلك خلافًا-- قال الكاسانيُّ: وأمَّا الإجماع، فإنَّ الأمَّةَ أجمعت على فرضِيَّةِ شَهرِ رَمَضان، لا يجحَدُها إلَّا كافِرٌ --قال ابنُ عبد البر: وأجمعت الأمَّةُ ونقلت الكافَّةُ فيمن لم يَصُمْ رَمَضانَ عامدًا وهو مؤمِنٌ بفَرضِه، وإنَّما تركه أشَرًا وبطرًا، تعمَّدَ ذلك ثم تابَ عنه- أنَّ عليه قضاءَه -- . قال ابنُ قدامة: أنَّه متى أفطَرَ بشيءٍ مِن ذلك فعليه القَضاءُ، لا نعلَمُ في ذلك خلافًا -- قال القرطبي: وأيضًا فقد اتَّفقْنا أنَّه لو ترك يَومًا مِن رمضانَ متعمِّدًا بغيرِ عُذرٍ؛ لوجَبَ قضاؤُه فكذلك الصَّلاةُ --()
المطلب الثاني: حكمُ مَن ترَكَ صَومَ شَهرِ رمضانَ متعمدًا كسَلًا
من ترَكَ صَومَ يومٍ واحدٍ مِن شهر رَمَضانَ متعمِّدًا كسَلًا؛ فقد أتى كبيرةً مِن كبائِرِ الذُّنوبِ، ويجِبُ عليه القضاءُ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافعيَّة والحَنابِلة، وحُكي الإجماعُ على أنَّ من ترك يَومًا مِن رمضانَ متعمِّدًا بغيرِ عُذرٍ؛ يجَبَ عليه القَضاءُ
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أتى كبيرةً؛ لأنَّه فَرَّطَ في أحدِ أركانِ الإسلامِ، وفريضةٍ عظيمةٍ مِن فرائِضِه
ثانيًا: عليه القَضاءُ؛ لأنَّ اللهَ تعالى أوجَبَ القضاءَ على المريضِ والمسافِرِ مع وجودِ العُذرِ، فلَأَنْ يجِبَ مع عدَم العُذرِ أَوْلى
ولا زلنا أحبابنا .. تابعونا جزاكم الله خيرا
ولا تنسونا من صالح دعائكم
::
التالي : . طُرُقُ إثباتِ دُخولِ شَهرِ رمضان
أمس في 3:16 pm من طرف عبدالله الآحد
» ما جاء في أن دعاء غير الله والإستعاذة بغيره سبحانه شرك أكبر
الإثنين نوفمبر 25, 2024 2:14 pm من طرف عبدالله الآحد
» خطر الشرك والخوف من الوقوع فيه
الأحد نوفمبر 24, 2024 3:17 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 24, 2024 12:53 pm من طرف صادق النور
» إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن الشرك سيظهر في هذه الأمة بعد إخفائه واندحاره
السبت نوفمبر 23, 2024 2:19 pm من طرف عبدالله الآحد
» فضل توحيد الله سبحانه
الجمعة نوفمبر 22, 2024 3:20 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب الدعوة إلى توحيد الله سبحانه
الخميس نوفمبر 21, 2024 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد