بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيد المتوكلين نبينا وسيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا
صدق التوكل علي الله
التوكُّل هو: انطراح القلب بين يدي الله؛ قال ابن القيم -رحمه الله-: التوكُّل نِصْف الدين، والنصف الآخر الإنابة؛ كما قال -سبحانه وتعالى-: ﴿ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 88].
فإن التوكل على الحي القيوم عمل جليل لا يستغني عنه العبد في سائر أحواله، وقل من الخلق من يفقه هذا الباب، ويعتني ويكلف به.
والدين مبناه على التوكل: قال سعيد بن جبير رحمه الله: "التوكل على الله نصف الإيمان". والتوكل عمل قلبي ليس من أعمال الجوارح قال الإمام أحمد رحمه الله: "التوكل عمل القلب". وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين بالتوكل فقال: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ . الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ . وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:217-219]،
وقال تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق من الآية:3].
وقد ورد في السنة الأمر بالتوكل وعظم منزلته، فقال صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكُّلِه لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خِماصاً وتروح بِطاناً» (رواه أحمد).
والتوكل على الله معناه في الأصل أن يفوض العبد أمره لله ويسلم حاله له وأن يعتمد على ربه في قضاءِ حاجته ويثق به.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "التوكل هو الثقة بالله، وصدق التوكل أن تثق في الله وفيما عند الله، فإنه أعظم وأبقى مما لديك في دنياك". وقال الإمام أحمد رحمه الله: "وجملة التوكل تفويض الأمر إلى الله جل ثناؤه والثقة به". وقال ابن رجب رحمه الله: "هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة كلها".
ومن مقتضى التوكل وشرط صحته العمل بالأسباب النافعة المأذون بها شرعاً؛ لأن الشارع الحكيم ربط بين التوكل والعمل بالأسباب، فلا يُجزئ التوكل، ولا ينفع العبد إلا بالأخذ بالأسباب، ولا تنافي مطلقاً بين التوكل والعمل بالأسباب.
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:15]،
وقال تعالى: {يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْركُمْ} [النساء من الآية:71].
فحقيقة التوكل في المفهوم الشرعي إذن؛ اعتماد القلب على الله مع تعاطي الأسباب بالجوارح فهذان هما رُكنا التوكل لا يصح التوكل إلا بهما.
أما الاعتماد على الله والإعراض عن الأسباب فقدح في الشرع ونقص في العقل وأما الاقتصار فقط على العمل بالأسباب دون الاعتماد على الله فشرك في الأسباب. قال ابن القيم رحمه الله: "فإن تركَها عجزاً ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصولِ ما ينفع العبد في دينه ودنياه ودفع ما يضرّه في دينه ودنياه ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب وإلا كان معطلاً للحكمة والشرع فلا يجعل العبد عجزه توكلاً ولا توكله عجزاً".
وقال بعض السَّلَف: "مَن سرَّه أن يكون أقوى الناس، فليتوكل على الله، ومَن توكل على الله واعتمد عليه وأحسن الصلة بالله، حفظه الله ورعاه، فإن لم يكنْ في الدنيا، كان في الآخرة، والآخرة خيرٌ وأبقى".
ومنهم من يفسِّره بالرضا، فيقول: هو الرِّضا بالمقدور، وهو يعني إظهار العجْز لله، والاعتماد عليه مع الأخْذ بالأسباب في الأرض.
قال سعيد بن جبير: التوكل جماع الإيمان. وقال وهب بن منبه: الغاية القصوى التوكل.
قال الحسن: إن توكل العبد على ربه أن يعلم أن الله هو ثقته.
والمتوكِّل على الله حقًّا يعلم أنَّ الله كافل رزقه وجميع شؤون حياته، فيركن له وحده -سبحانه وتعالى- ولا يتوكل على سِواه، ويثق أنه لا معطي ولا مانع، ولا ضار ولا نافع، ولا قابِض و لا باسط، ولا رافع ولا خافض، ولا مُعز ولا مذل إلا هو- تبارك وتعالى.
وسئل أحمد بن حنبل عن التوكل، فقال: هو قطع الاستشراف باليأس من الناس. فقيل له: هل من حجة على هذا؟ قال: نعم، إن إبراهيم لما رمي به في النار في المنجنيق عرض له جبريل فقال: هل لك من حاجة؟ قال: أما إليك فلا. قال: فسل من لك إليه حاجة. فقال: أحب الأمرين إلي أحبهما إليه. [رواه البيهقي]
والناس في باب التوكل على ثلاثة أصناف:
1- صِنفٌ اعتمد بقلبه على الله، وأقبل عليه، وترك العمل بالأسباب، ولم يبذل جهداً في تحصيل المراد فهذا مسلك مذموم،وهو التواكل ليس بالتوكل، وهو طريقة الصوفية وقد ذمَّه السلف،
وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقي ناساً من اليمن فقال: ما أنتم؟ فقالوا: متوكلون. فقال: "كذبتم أنتم متكلون إنما المتوكل رجل ألقى حَبَّه في الأرض وتوكل على الله عز وجل".
2- صِنفٌ تعاطي الأسباب وبالغ فيها، ولم يعتمد على الله، وفوَّض أمره إليه، فهذا مسلك مذموم مخالِف للشرع، لأنه جعل الأسباب الحقيقية مؤثرة ومستقلة من جلب الخير ودفع الشر وتناسى خالق الأسباب ومسببها وهذا مسلك أرباب الدنيا وأهل الغفلة والشهوات.
3- صِنفٌ جمع في هذا الباب الاعتماد على الله وتعاطي الأسباب التي أذِنَ الله بها وجعلها نافعة وهذا هو مسلك أهل التوحيد والسنة وهو الموافق للشرع وصريح العقل ومقتضى الفطرة السليمة لأن المؤثر حقيقة والمستقل بالنفع والضر هو الله ومن سنة الله أن جعل لكل شيء سبباً موصِّلاً إليه فكان تمام الدين وكمال العقل العمل بهما جميعاً.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُفوِّض أمره لله ويُجرِّد اعتماده لمولاه ومع ذلك يتعاطى الأسباب ولا يتحرَّج من ذلك فقد كان يأكل ويشرب ويتزوج ويتكسب ويلبس البيضة والدرع وغيره من آلات الحرب يتقي بها بأس الكفار مع أنه سيد المتوكلين.
وهذا يدل على أن تعاطي الأسباب النافعة مع الاعتماد على الله من السنة.
ومن ظن أن العمل بالأسباب مخالف للشرع ونقصان للتوكل فقد خالف هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك كان الأنبياء صلوات الله عليهم يباشرون الأسباب ويتكسبون ولا يتكلون، ففي صحيح البخاري: «كان داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده»، وفي صحيح مسلم: «كان زكريا عليه السلام نجَّاراً».
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم في جملة من الأحاديث باستعمال الأسباب وبذل الجهد في تحصيل الكسب والمنافع وعدم الركون إلى الكسل والعجز اعتماداً على رحمة الله ونفع الآخرين. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه
قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم على ناقةٍ له فقال يا رسول الله أدعها وأتوكل. فقال صلى الله عليه وسلم: «اعقلها وتوكل» (رواه الترمذي). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، فإن أصابك شيء، فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان» (رواه مسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: «لأن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمةٍ من حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجههُ خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه» (رواه البخاري).
إن حسن التوكل مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً بحياة المسلم، فلا جلب للنفع، ولا دفع للضر، ولا قضاء للحاجات إلا عن طريق حُسن التوكل. وحُسن التوكل له أثرٌ عظيمٌ في سعادة المرء وتحقق مطالبه وحصول الرضا والاطمئنان في قلبه ووقايته من الشرور والفتن؛
قال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر من الآية:36]. وفي سنن الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله، وتوكلتُ على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله»؛ قال: «يُقال حينئذٍ هُديتَ وكُفيتَ ووُقيتَ فتتنحى له الشياطين، فيقول له شيطان
آخر كيف لك برجلٍ قد هُدي وكُفي ووُقي»
.وقد عُني القرآن الكريم بالتوكُّل لبيان آثاره؛ نبين بعض ألأيات الداله علي ذلك
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ * إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران: 159، 160].
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 173، 174].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [المائدة: 11].
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2].
﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [التوبة: 129].
﴿ وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [يونس: 84، 85].
﴿ ... قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [هود: 54 - 56].
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 123].
﴿ وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [يوسف: 67].
﴿ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ﴾ [الرعد: 30].
﴿ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [إبراهيم: 11، 12].
﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [النحل: 41، 42].
﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [النحل: 98، 99].
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 58].
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحيمِ ﴾ [الشعراء: 217].
﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ﴾ [النمل: 79].
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [العنكبوت: 58 - 60].
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ [الأحزاب: 3].
﴿ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ [الأحزاب: 48].
﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [الزمر: 36 - 38].
﴿ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 44، 45].
﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [الشورى: 10].
﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الشورى: 36].
﴿ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [المجادلة: 10].
﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [الممتحنة: 4].
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التغابن: 13].
﴿ ... وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 3].
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الملك: 28، 29].
﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا * رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ﴾ [المزمل: 8، 9].
الأمر بالتوكُّل للمؤمنين عامة:
قال تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23]، فالتوكُّل هنا شرط لثبوت الإيمان.
وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2]، فقد جعل الله -عز وجل- التوكُّل من الصفات الأساسية للمؤمنين.
التوكُّل خُلُق الرسل جميعًا:
فقد جاء على لسان الرسل جميعًا في قوله تعالى: ﴿ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾[إبراهيم: 12].
قال تعالى على لسان سيدنا إبراهيم والذين معه: ﴿ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [الممتحنة: 4].
الوكيل من أسماء الله -عز وجل-:
الوكيل هو الذي يتولَّى بإحسانه شؤون عباده كلها، فلا يضيعها؛ لكن يأخذ بأيديهم فيما فيه مصلحتهم، فأحيانًا تحدث مشاكل في الحياة؛ كنقْص في الرِّزق، وفشل في الدراسة، وأولاد بعيدين عن الله، وأشخاص تعاني في حياتها الزوجية، أثناء ذلك تحتاج للوكيل وتلجأ إليه.
مكانة التوكُّل في السُّنَّة:
عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن قال – يعني: إذا خرج من بيته -: بسم الله، توكَّلْت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يُقال له: هُديت ووُقيت وكُفيت، فيقول الشيطان لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هُدي وكُفي ووُقي؟!))؛ رواه أبو داود والتِّ
وفي الصَّحيح: أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: ((اللهم لك أسلمْت، وبك آمنْت، وعليك توكلْت، وإليك أنبْت، وبك خاصمْت، اللهم إنِّي أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والإنس والجن يموتون))؛ رواه مسلم.
وفي الصحيحين: في حديث السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب من هذه الأمة، وصفوا بأنهم: ((هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكَّلون))؛ رواه البخاري ومسلم.
حال السلف في التوكُّل:
حثَّ السلف على التوكل؛ فالإمام سعيد بن جبير كان يدعو فيقول: "اللهم أسألك صدق التوكل عليك، وحسن الظَّن بك"،
وكان يقول: "التوكُّل على الله جماع الإيمان"؛ "نزهة الفضلاء".
منزلة المتوكلين:
قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]؛ فهو -عز وجل- كافي المتوكل وحسبه.
وأخْبَرَ تعالى أنه يحب المتوكلين؛ فقال تعالى: ﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]، وهل توجد درجة أعلى من درجة من يحبه الله؟! فمن كان الله حسبَه وكافيه ومُحبَّه وراعيه، فقد فاز الفوز العظيم.
إن التوكل مشروع في سائر الأحوال ولكنه يتأكد في أحوال:
1- في طلب الرزق، قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق من الآية:2-3].
2- عند لقاء العدو، قال تعالى: {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران:160].
3- عند كيد الكفار، قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [ال عمران:173].
4- عند نزول البلاء، قال تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:156-157].
5- عند المرض، قال تعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:80].
6- عند طلب الزواج، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة حق على الله عونهم: المكاتب يريد الأداء، والمتزوج يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله» (رواه أهل السنن إلا النسائي)
7- عند الدعوة إلى الله، قال تعالى: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة:129].
وثمة أمور تعين على التوكل وتقوية في قلب العبد:
1- العلم والتعرُّف على أسماء الله وصفاته وربوبيته وأفعاله.
2- التفكُّر والتأمُّل في كمال علم الله وكمال قدرته وإحاطته بكل شيء.
3- أن يُوقِن العبد ويتفكّر في أن الله وحده هو المتفرِّد بتدبير شؤون الخلق وتصريف أحوالهم.
4- أن يتأمَّل في فضل التوكل وعظيم أثره في تحقق المطالب.
5- أن يعتقد أن الأسباب مهما عظمت وكانت نافعة فإنها لا تنفع ولا تضرّ استقلالاً لأنها مخلوقة ليس بيدها شيء.
6- أن يُحسِن الظن بربه ويُعظِّم الرجاء به.
وثمة أمور تنافي التوكل أو تضعفه في قلب المؤمن:
1- الجهل بأسماء الله وصفاته وقدرته وعِلمه.
2- الاغترار بما أوتي العبد من مالٍ ومنصبٍ وجاهٍ وعلم؛ فيتكل قلبه على هذه الأمور ويُحرَم التوكل.
3- الفتنه بالدنيا والجري وراء الأسباب المادية والمبالغة فيها واعتقاد أنها تحقق المطلوب مطلقاً.
4- الركون إلى الخلق والاعتماد عليهم في قضاء الحاجات.
5- ضعف وازع الإيمان والإعراض عن طاعة الرحمن.
6- الإسراف على النفس بالذنوب والإغراق بالشهوات المحرَّمة.
إن حُسن توكل العبد على المولى يُورِثه كمال الإيمان، ويجعله غنياً بالله مُتعفِفاً عن كسب الحرام وسؤال الخلق لا ينظر إلى ما في أيدي الناس، ولا تتطلّع نفسه إلى المكاسب الدنيئة والشبهات، كما جاء في الخبر: «وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ...» (متفق عليه).
ولما تصدَّق أبو بكر رضي الله عنه بكل ماله قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: «ماذا تركتَ لهم؟» قال: "تركتُ لهم الله ورسوله".
إن المتوكل على الله حق التوكل مطمأنُ البال، ومنشرح الصدر، واثقاً بالله لا يحزن من واقع حاله، ولا يخشى من المستقبل، مُفوِّضاً أمره لله، إن دُعِيَ لطاعة أجاب يتصدَّق من ماله ولو باليسير ويشارك بالخير ويوقن بأن الله سيَخلف عليه خيراً، ويُحسِن له العاقبة. خِلافاً لأهل الدنيا الذين جمعوا الأموال تتناوشهم المخاوف ويخوفهم الشيطان الفقر ويقذف في قلوبهم الوهن والخوف من المستقبل فيبخلون بمال الله ويَحرِمون أنفسهم من الخير: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} [محمد من الآية:38]. والمتوكل على الله شجاع قوي بالله إن سُئِلَ عن علم صدع بالحق، ولم يخشَ إلا الله، وفوض أمره لله، وأيقن أنه لن يصيبه ضر إلا بأمر كتبه الله عليه، فلا يخاف الشيطان وأوليائه متأسِّياً بتوكل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كاده الكفار، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين أُلقِيَ في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران من الآية:173]" (رواه البخارى).
والمتوكلون حقاً في الدنيا هم من السبعين ألفاً في الآخرة الذين يدخلون الجنة بغير حساب وعذاب كما ورد في الصحيحين قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يدخل الجنة من أُمَّتِي سبعون ألفاً بغير حساب هم الذين لا يَسترقون ولا يَكتوون ولا يَتطيَّرون وعلى ربِّهم يَتوكلون».
فينبغي على المؤمن أن يُحسِنَ التوكل بالله في حِلِّه وترحاله، في خوفه وأمنه، في فقرهِ وغناه، في صحتهِ وسقمه، في خلوتهِ وجلوته، في طاعتهِ وعبادته ونُسكهِ وجهاده، وأن يكون حَسَنَ الظن بالله، مستوثقاً بالله، يائساً بما في أيدي الخلق، بل ثقته بالله أعظم بما في يده من الأسباب مُوقِناً تمام اليقين أن ما كُتِبَ له من أَجَلٍ ورزقٍ وسعادةٍ وشقاوةٍ وسرورٍ وغمٍ ويُسرٍ وضُر؛ واقعٌ عليه لا محالة.
-------------------------------------------------------------------------
لا تنسونا من صالح دعائكم
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ * إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران: 159، 160].
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 173، 174].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [المائدة: 11].
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2].
﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [التوبة: 129].
﴿ وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [يونس: 84، 85].
﴿ ... قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [هود: 54 - 56].
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 123].
﴿ وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [يوسف: 67].
﴿ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ﴾ [الرعد: 30].
﴿ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [إبراهيم: 11، 12].
﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [النحل: 41، 42].
﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [النحل: 98، 99].
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 58].
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحيمِ ﴾ [الشعراء: 217].
﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ﴾ [النمل: 79].
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [العنكبوت: 58 - 60].
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ [الأحزاب: 3].
﴿ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ [الأحزاب: 48].
﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [الزمر: 36 - 38].
﴿ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 44، 45].
﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [الشورى: 10].
﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الشورى: 36].
﴿ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [المجادلة: 10].
﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [الممتحنة: 4].
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التغابن: 13].
﴿ ... وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 3].
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الملك: 28، 29].
﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا * رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ﴾ [المزمل: 8، 9].
الأمر بالتوكُّل للمؤمنين عامة:
قال تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23]، فالتوكُّل هنا شرط لثبوت الإيمان.
وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2]، فقد جعل الله -عز وجل- التوكُّل من الصفات الأساسية للمؤمنين.
التوكُّل خُلُق الرسل جميعًا:
فقد جاء على لسان الرسل جميعًا في قوله تعالى: ﴿ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾[إبراهيم: 12].
قال تعالى على لسان سيدنا إبراهيم والذين معه: ﴿ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [الممتحنة: 4].
الوكيل من أسماء الله -عز وجل-:
الوكيل هو الذي يتولَّى بإحسانه شؤون عباده كلها، فلا يضيعها؛ لكن يأخذ بأيديهم فيما فيه مصلحتهم، فأحيانًا تحدث مشاكل في الحياة؛ كنقْص في الرِّزق، وفشل في الدراسة، وأولاد بعيدين عن الله، وأشخاص تعاني في حياتها الزوجية، أثناء ذلك تحتاج للوكيل وتلجأ إليه.
مكانة التوكُّل في السُّنَّة:
عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن قال – يعني: إذا خرج من بيته -: بسم الله، توكَّلْت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يُقال له: هُديت ووُقيت وكُفيت، فيقول الشيطان لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هُدي وكُفي ووُقي؟!))؛ رواه أبو داود والتِّ
وفي الصَّحيح: أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: ((اللهم لك أسلمْت، وبك آمنْت، وعليك توكلْت، وإليك أنبْت، وبك خاصمْت، اللهم إنِّي أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والإنس والجن يموتون))؛ رواه مسلم.
وفي الصحيحين: في حديث السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب من هذه الأمة، وصفوا بأنهم: ((هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكَّلون))؛ رواه البخاري ومسلم.
حال السلف في التوكُّل:
حثَّ السلف على التوكل؛ فالإمام سعيد بن جبير كان يدعو فيقول: "اللهم أسألك صدق التوكل عليك، وحسن الظَّن بك"،
وكان يقول: "التوكُّل على الله جماع الإيمان"؛ "نزهة الفضلاء".
منزلة المتوكلين:
قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]؛ فهو -عز وجل- كافي المتوكل وحسبه.
وأخْبَرَ تعالى أنه يحب المتوكلين؛ فقال تعالى: ﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]، وهل توجد درجة أعلى من درجة من يحبه الله؟! فمن كان الله حسبَه وكافيه ومُحبَّه وراعيه، فقد فاز الفوز العظيم.
إن التوكل مشروع في سائر الأحوال ولكنه يتأكد في أحوال:
1- في طلب الرزق، قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق من الآية:2-3].
2- عند لقاء العدو، قال تعالى: {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران:160].
3- عند كيد الكفار، قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [ال عمران:173].
4- عند نزول البلاء، قال تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:156-157].
5- عند المرض، قال تعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:80].
6- عند طلب الزواج، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة حق على الله عونهم: المكاتب يريد الأداء، والمتزوج يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله» (رواه أهل السنن إلا النسائي)
7- عند الدعوة إلى الله، قال تعالى: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة:129].
وثمة أمور تعين على التوكل وتقوية في قلب العبد:
1- العلم والتعرُّف على أسماء الله وصفاته وربوبيته وأفعاله.
2- التفكُّر والتأمُّل في كمال علم الله وكمال قدرته وإحاطته بكل شيء.
3- أن يُوقِن العبد ويتفكّر في أن الله وحده هو المتفرِّد بتدبير شؤون الخلق وتصريف أحوالهم.
4- أن يتأمَّل في فضل التوكل وعظيم أثره في تحقق المطالب.
5- أن يعتقد أن الأسباب مهما عظمت وكانت نافعة فإنها لا تنفع ولا تضرّ استقلالاً لأنها مخلوقة ليس بيدها شيء.
6- أن يُحسِن الظن بربه ويُعظِّم الرجاء به.
وثمة أمور تنافي التوكل أو تضعفه في قلب المؤمن:
1- الجهل بأسماء الله وصفاته وقدرته وعِلمه.
2- الاغترار بما أوتي العبد من مالٍ ومنصبٍ وجاهٍ وعلم؛ فيتكل قلبه على هذه الأمور ويُحرَم التوكل.
3- الفتنه بالدنيا والجري وراء الأسباب المادية والمبالغة فيها واعتقاد أنها تحقق المطلوب مطلقاً.
4- الركون إلى الخلق والاعتماد عليهم في قضاء الحاجات.
5- ضعف وازع الإيمان والإعراض عن طاعة الرحمن.
6- الإسراف على النفس بالذنوب والإغراق بالشهوات المحرَّمة.
إن حُسن توكل العبد على المولى يُورِثه كمال الإيمان، ويجعله غنياً بالله مُتعفِفاً عن كسب الحرام وسؤال الخلق لا ينظر إلى ما في أيدي الناس، ولا تتطلّع نفسه إلى المكاسب الدنيئة والشبهات، كما جاء في الخبر: «وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ...» (متفق عليه).
ولما تصدَّق أبو بكر رضي الله عنه بكل ماله قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: «ماذا تركتَ لهم؟» قال: "تركتُ لهم الله ورسوله".
إن المتوكل على الله حق التوكل مطمأنُ البال، ومنشرح الصدر، واثقاً بالله لا يحزن من واقع حاله، ولا يخشى من المستقبل، مُفوِّضاً أمره لله، إن دُعِيَ لطاعة أجاب يتصدَّق من ماله ولو باليسير ويشارك بالخير ويوقن بأن الله سيَخلف عليه خيراً، ويُحسِن له العاقبة. خِلافاً لأهل الدنيا الذين جمعوا الأموال تتناوشهم المخاوف ويخوفهم الشيطان الفقر ويقذف في قلوبهم الوهن والخوف من المستقبل فيبخلون بمال الله ويَحرِمون أنفسهم من الخير: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} [محمد من الآية:38]. والمتوكل على الله شجاع قوي بالله إن سُئِلَ عن علم صدع بالحق، ولم يخشَ إلا الله، وفوض أمره لله، وأيقن أنه لن يصيبه ضر إلا بأمر كتبه الله عليه، فلا يخاف الشيطان وأوليائه متأسِّياً بتوكل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كاده الكفار، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين أُلقِيَ في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران من الآية:173]" (رواه البخارى).
والمتوكلون حقاً في الدنيا هم من السبعين ألفاً في الآخرة الذين يدخلون الجنة بغير حساب وعذاب كما ورد في الصحيحين قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يدخل الجنة من أُمَّتِي سبعون ألفاً بغير حساب هم الذين لا يَسترقون ولا يَكتوون ولا يَتطيَّرون وعلى ربِّهم يَتوكلون».
فينبغي على المؤمن أن يُحسِنَ التوكل بالله في حِلِّه وترحاله، في خوفه وأمنه، في فقرهِ وغناه، في صحتهِ وسقمه، في خلوتهِ وجلوته، في طاعتهِ وعبادته ونُسكهِ وجهاده، وأن يكون حَسَنَ الظن بالله، مستوثقاً بالله، يائساً بما في أيدي الخلق، بل ثقته بالله أعظم بما في يده من الأسباب مُوقِناً تمام اليقين أن ما كُتِبَ له من أَجَلٍ ورزقٍ وسعادةٍ وشقاوةٍ وسرورٍ وغمٍ ويُسرٍ وضُر؛ واقعٌ عليه لا محالة.
-------------------------------------------------------------------------
لا تنسونا من صالح دعائكم
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» (( - 2 -)) خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأربعاء نوفمبر 13, 2024 11:28 pm من طرف صادق النور