آل راشد



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

آل راشد

آل راشد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
آل راشد

ثقافى-اجتماعى

*** - اللَّهُمَّ اَنَكَ عَفْوٍ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعِفُو عَنَّا - *** - اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك . *** - اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا تَوْبَةً نَصُوحًا قَبْلَ الْمَوْتِ وَ ارْزُقْنَا حُسْنَ الْخَاتِمَةِ . *** -

إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا شَابَتْ عَبِيدَهُمْ.. .. فِي رِقِّهِمْ عَتَقُوهُمْ عِتْقَ أَبْرَارٍ .. .. وَأَنْتَ يَا خَالِقِيُّ أوْلَى بِذَا كَرَمًا.. .. قَدْ شُبْتُ فِي الرِّقِّ فَأَعْتَقَنِي مِنَ النَّارِ .

المواضيع الأخيرة

» وجوب الدعوة إلى توحيد الله سبحانه
أدعيه ألإستفتاح (2) " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا...  Ooou110اليوم في 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد

» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
أدعيه ألإستفتاح (2) " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا...  Ooou110أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد

» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أدعيه ألإستفتاح (2) " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا...  Ooou110أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد

» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
أدعيه ألإستفتاح (2) " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا...  Ooou110الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد

» العبادة وأركانها
أدعيه ألإستفتاح (2) " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا...  Ooou110الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد

» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
أدعيه ألإستفتاح (2) " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا...  Ooou110الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد

» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
أدعيه ألإستفتاح (2) " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا...  Ooou110الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور

» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
أدعيه ألإستفتاح (2) " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا...  Ooou110الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد

» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
أدعيه ألإستفتاح (2) " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا...  Ooou110السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد

» هيئات السجود المسنونة
أدعيه ألإستفتاح (2) " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا...  Ooou110الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد

اهلا بكم

الثلاثاء نوفمبر 08, 2011 2:32 am من طرف mohamed yousef

أدعيه ألإستفتاح (2) " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا...  Ooousu10

المتواجدون الآن ؟

ككل هناك 45 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 45 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحث

لا أحد


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الأربعاء سبتمبر 15, 2021 4:26 am

احصائيات

أعضاؤنا قدموا 10129 مساهمة في هذا المنتدى في 3406 موضوع

هذا المنتدى يتوفر على 311 عُضو.

آخر عُضو مُسجل هو Pathways فمرحباً به.

دخول

لقد نسيت كلمة السر

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع


    أدعيه ألإستفتاح (2) " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا...

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    أدعيه ألإستفتاح (2) " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا...  Empty أدعيه ألإستفتاح (2) " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا...

    مُساهمة من طرف صادق النور الأربعاء مايو 04, 2022 11:00 pm

    الجزء الثاني


    " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا...

    [size=18][center]

    الحمد لله، والصَّلاة والسلام على رسول الله.

    أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    في هذه الليلة -أيّها الأحبّة- نشرع في شرح دعاءٍ جديدٍ وذكرٍ جديدٍ من الأذكار التي تُقال في الاستفتاح، وذلك ما رواه جبيرُ بن مطعم -رضي الله تعالى عنه-: أنَّه رأى النبيَّ ﷺ يُصلي صلاةً، قال عمرو: لا أدري أيّ صلاةٍ هي؟ فقال: الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، والحمد لله كثيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً –ثلاثًا-، وأعوذ بالله من الشَّيطان: من نفخه، ونفثه، وهمزه، قال عمرو: "نفثه: الشِّعر، ونفخه: الكِبر، وهمزه: الموتة"[1].

    هذا الحديث أخرجه بعضُ أصحاب السُّنن: كأبي داود، وابن ماجه، وكذا الإمام أحمد -رحمه الله- في "مسنده"، احتجَّ به ابنُ حزمٍ -رحمه الله- في "المحلى"، وقد ذكر في مُقدمة هذا الكتاب: أنَّه لم يحتجّ فيه إلا بحديثٍ وخبرٍ صحيحٍ من رواية الثِّقات.

    وحسَّنه الحافظُ ابن حجر، وقال ابنُ الملقن: صحيحٌ، أو حسنٌ. وقال العراقي: حسنٌ، مشهورٌ. وأشار الشيخُ أحمد شاكر إلى صحَّته، وكذا أيضًا قال الشيخ شُعيب الأرنؤوط: حسن لغيره. وقال أخوه الشيخ عبدُالقادر: صحيحٌ بشواهده. وأورده الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله- في "صحيح الكلم الطيب"[2]، وكذلك أيضًا في "صحيح ابن حبان"، قال: صحيحٌ لغيره. دون قوله: ثلاثًا، وضعَّفه في "المشكاة"، وفي "ضعيف أبي داود"[3].

    هذا الحديث في إسناده ضعفٌ، ولكن الذين صحَّحوه أو حسَّنوه إنما ذلك لشواهده؛ لأنَّ للحديث شواهدَ قد يتقوَّى بها، فمن هذا الباب حسَّنه بعضُهم، وصحَّحه آخرون.

    من هذه الشَّواهد: ما جاء عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: بينما نحن نُصلي مع رسول الله ﷺ إذ قال رجلٌ من القوم: "الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً".

    لاحظ: قال ذلك مرَّة، فقال رسولُ الله ﷺ: مَن القائل كلمةَ كذا وكذا؟ قال رجلٌ من القوم: أنا يا رسول الله. فقال النبيُّ ﷺ: عجبتُ لها، فُتِحَتْ لها أبوابُ السَّماء، قال ابنُ عمر -رضي الله عنهما-: فما تركتهنَّ منذ سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول ذلك[4].

    هذا أخرجه الإمامُ مسلم في "صحيحه" من غير أن يكون ذلك ثلاثًا، وكذا أيضًا من غير ما جاء في آخره من الاستعاذة بالله من الشَّيطان الرجيم: من همزه، ونفخه، ونفثه.

    وجاء بألفاظٍ أيضًا من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، في بعضها: والذي نفسي بيده، إني لأنظر إليها تصعد حتى فُتحت لها أبوابُ السَّماء[5]. وفي روايةٍ: لقد ابتدرها اثنا عشر ملكًا[6].

    وجاء في بعض روايات الحديث من غير حديث ابن عمر: لقد رأيتُ أبوابَ السَّماء فُتحت، فما تناهى دونها العرش[7].

    وعلى كل حالٍ، قوله هنا: "قال"، يعني: عقب تكبيرة الإحرام. يقول في الحديث: أنَّه رأى النبيَّ ﷺ يُصلي صلاةً، فقال: الله أكبر كبيرًا، قال: "الله أكبر" متى؟ بعد تكبيرة الإحرام، وهذا الرجلُ الذي صلَّى فقال ما قال كان ذلك أيضًا في ابتداء صلاته بعد تكبيرة الإحرام، مع أنَّ بعضَ أهل العلم قال في هذا الحديث بأنَّه عين التَّكبيرة، يعني: حينما قال: "الله أكبر كبيرًا" هي عين تكبيرة الإحرام وزيادة، وهذا يحتمل أن يكون ذلك عقب تكبيرة الإحرام -كما يقول الحافظُ ابن حجر رحمه الله-[8]، ويحتمل أن يكون ذلك هو نفس التكبير، قال: "الله أكبر كبيرًا" في افتتاح صلاته.

    وهنا قوله: "قال عمرو"، يعني: عمرو بن مرّة، أحد رواة الحديث: لا أدري أيّ صلاةٍ هي؟ يعني: هل هي فريضة، أو نافلة؟ وقد جاء في بعض الرِّوايات أنَّ ذلك كان في النافلة، لكن الإسناد لا يصحّ[9].

    فهنا جاء في لفظٍ عند ابن حبان من حديث جبير بن مطعم قال: كان رسولُ الله ﷺ إذا دخل الصَّلاة[10].

    فظاهره يشمل الفريضة والنافلة: كان إذا دخل في الصَّلاة قال: "الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا"، يمكن أن يكون المعنى، أي: كبرت كبيرًا. ويمكن أن يكون حالاً مُؤكّدةً، يعني: "كبيرًا" يكون حالاً مُؤكّدةً لقوله: "الله أكبر"، أو صفة لمصدرٍ محذوفٍ، يعني: تكبيرًا كبيرًا، أو بإضمار فعلٍ مُقدَّرٍ، يعني: الله أَكْبَر أُكبِّر كبيرًا. هذا كلّه يحتمل.

    وعرفنا معنى التَّكبير، ومضى الكلامُ عليه، والله -تبارك وتعالى- أكبر من كلِّ شيءٍ، وينبغي لمن جرى ذلك على لسانه، سواء في تكبيرة الإحرام في ابتداء الصَّلاة، أو قال ذلك في الاستفتاح: أن يحضر المعنى بقلبه، ومن ثم فإنَّه لا يصحّ أن يلتفت في صلاته إلى شيءٍ مما يقع فيه الرِّياء؛ فيتقرَّب بهذه الصَّلاة، يتزيَّن بها لمخلوقٍ، أو أنَّه يشتغل قلبُه في هذه الصَّلاة بشيءٍ سوى ذكر الله -تبارك وتعالى-، يقول: "الله أكبر كبيرًا"، وقلبُه مشغولٌ بأمورٍ أخرى من أمور دُنياه، ونحو ذلك.

    والحمد لله كثيرًا عرفنا معنى الحمد، فإذا أضفنا لله -تبارك وتعالى- أوصاف الكمال، ووصفناه -تبارك وتعالى- بالجميل؛ فذلك هو الحمد، الحمد لله كثيرًا أي: حمدًا كثيرًا، الحمد الكثير على النِّعَم الظَّاهرة والباطنة في الدنيا والآخرة، فنحن نحمد الله  على سوابغ نعمه، وسوابقها، وما يحصل منها في كل حينٍ وآنٍ، في الحاضر والمستقبل مع الماضي.

    وسبحان الله بُكرةً وأصيلاً أي: أُسبِّح الله تسبيحًا، وعرفنا معنى التَّسبيح أنَّه بمعنى: التَّنزيه، بُكرةً البُكرة هي الغُدو، وقلنا: إنَّ ذلك يكون ما بين صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، وأنَّ الأصيل هو العشي، وأنَّ عامَّة أهل العلم يقولون: إنَّ ذلك يكون بعد العصر، مع أنَّ بعضَهم قال: يكون ذلك بعد الظهر. كما يقوله ابنُ جريرٍ -رحمه الله-[11]، وهو معنًى صحيحٌ في اللغة، فكلّ ذلك من العشي، يعني: أنَّك تُسبِّح الله وتُنزهه بُكرةً وعشيًّا، يعني: في أول النَّهار، وفي آخر النَّهار، خصَّ هذين الوقتين لشرفهما، هذه الأوقات تجتمع فيها ملائكةُ الليل وملائكةُ النَّهار، وكذلك أيضًا في هذه الأوقات من الشَّرف أول النَّهار والبركة فيه: بُورِك لأُمَّتي في بُكورها، وكذلك أيضًا آخر النَّهار فإنَّه وقتٌ شريفٌ، والله أقسم بالعصر، كما أقسم بالفجر، والعصر يشمل هذا الإقسام -والله تعالى أعلم-، العصر الوقت المعروف الذي يكون إلى ما قبل غروب الشَّمس، وكذلك أيضًا العصر الذي هو الزمن، فإنَّه يشمل هذا وهذا، والله تعالى أعلم.

    فهنا التَّسبيح بُكرةً وأصيلاً، فإنَّ وقتَ العصر وقتٌ له خصوصيَّة وشرف، والذِّكْر فيه لا شكَّ أنَّه آكدُ؛ ولهذا فإنَّ القسمَ فيه أيضًا يعظم، كما في قوله -تبارك وتعالى-: تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلَاةِ [المائدة:106]، فالذي يترجَّح في المراد بهذه الصَّلاة هي صلاة العصر.

    وقد جاء في ذلك أيضًا ما يدلّ على عظمه: في الرجل الذي أعطى يمينَه، الذي حلف بعد العصر على سلعةٍ كاذبًا[12]، فخصَّ هذا الوقت، فإنَّه وقتٌ عظيمٌ، شريفٌ، كما أنَّ الفجر أيضًا كذلك.

    فهذان الوقتان: أول النَّهار، وآخر النَّهار، يمكن أن يكون هذا الاختصاص لفضلهما، وشرفهما، وسهولة العمل فيهما، كما يقول الشيخُ عبدالرحمن بن سعدي -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الأحزاب:42]، فالله أمر بالتَّسبيح في هذين الوقتين، فيقول الإنسانُ: سبحان الله بُكرةً وأصيلاً[13].

    مع أنَّ بعض أهل العلم قال: إنَّه ذكر طرفي النَّهار، والمقصود بذلك الاستغراق، مثل: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [المزمل:9] يعني: أنَّه ربٌّ لجميع الأوقات: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الصافات:5] يعني: وما بينهما.

    فهذا قال به بعضُ أهل العلم: سبحان الله بُكرةً وأصيلاً أنَّه ذكر الطَّرفين، والمقصود الاستيعاب؛ استيعاب جميع الأوقات، كما قال الله : وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [مريم:62] يعني: في كل وقتٍ، فإنَّ ثمارَ الجنَّة وما يأتيهم فيها من ألوان المطعومات والمشروبات يأتيهم في كل حينٍ ووقتٍ، كما هو معلومٌ.

    ثم بعد ذلك تأتي الاستعاذة، نتوقف هذه الليلة عند هذا، وأُكمل الحديثَ في الليلة الآتية، إن شاء الله تعالى.

    أسأل الله  أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هُداةً مُهتدين.

    اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دُنيانا.

    وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.
    -----------------------------------------------------


    1 أخرجه أبو داود في "سننه": كتاب الصلاة، باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء، برقم (764)، وضعفه الألباني في نفس الكتاب.
    2 انظر: "تخريج الكلم الطيب" لابن تيمية، برقم (80).
    3 انظر: "مشكاة المصابيح" للألباني، برقم (817)، و"ضعيف سنن أبي داود" برقم (132).
    4 أخرجه مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصَّلاة، باب ما يُقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (601).
    5 أخرجه أحمد في "مسنده" برقم (5722).
    6 أخرجه النسائي في "سننه": كتاب الافتتاح، القول الذي يفتتح به الصلاة، برقم (885)، وصححه الألباني في نفس الكتاب.
    7 أخرجه البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة": كتاب افتتاح الصلاة، باب فيما يستفتح به الصلاة من الدعاء، برقم (1246)، وقال: إسنادٌ رجاله ثقات.
    8 انظر: "فتح الباري" لابن حجر (11/132).
    9 أخرجه أبو داود في "سننه": كتاب الصلاة، باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء، برقم (764)، وضعفه الألباني في نفس الكتاب.
    10 أخرجه ابن حبان في "صحيحه": كتاب الصلاة، باب صفة الصلاة، برقم (1780)، وقال الألباني في نفس الكتاب: صحيحٌ لغيره دون لفظ: "ثلاثًا".
    11 انظر: "تفسير الطبري" (15/502).
    12 انظر: "تفسير السعدي" (ص667)
    13 أخرجه البخاري: كتاب الشَّهادات، باب اليمين بعد العصر، برقم (2672

    ############################################
    دعاء الاستفتاح " أعوذ بالله من الشيطان من همزه ونفخه ونفثه"

    الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.

    أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    في هذه الليلة نُواصل الحديثَ عن هذا الذكر والدُّعاء الذي يُقال في الاستفتاح؛ وذلك قوله: الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، والحمد لله كثيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بُكرةً وأصيلاً، وسبحان الله بُكرةً وأصيلاً، وسبحان الله بُكرةً وأصيلاً، مضى الكلامُ على هذا القدر، وبقي آخره، وهو ما يتَّصل بالاستعاذة.

    يقول بعد ذلك: أعوذ بالله من الشَّيطان: من نفخه، ونفثه، وهمزه[1]، يقول عمرو: نفثه: الشِّعر، ونفخه: الكِبر، وهمزه: الموتة[2]. هذا التَّفسير من أحد رُواته، وهو عمرو بن مُرَّة، وقد جاء ذلك مرفوعًا إلى النبي ﷺ، أعني هذا التَّفسير[3]، لكنَّه لا يصحّ، فهو حديثٌ مُرسَلٌ، فلا يكون ذلك من قول رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، فهو تفسيرٌ من الراوي.

    فحينما يقول المصلِّي: "أعوذ بالله من الشَّيطان" يعني: ألتجئ بالله من شرِّ الشيطان، فأنت تعتصم بالله -تبارك وتعالى- من هذا الشَّيطان الذي يتربص بك في كل لحظةٍ؛ في حال ليلك ونهارك، في حال يقظتك ونومك، في حال غفلتك وانتباهتك، فهو مُتربِّصٌ بالخواطر والوساوس، بل والرُّؤى المزعجة التي يُريها الإنسان في نومه، فهو لا يتركه أحدًا: لا في نومٍ، ولا يقظةٍ، ولا صحَّةٍ، ولا مرضٍ، لا يترك رجلاً ولا امرأةً، ولا صغيرًا ولا كبيرًا، فهو عدو شديد العداوة، كما قال الله -تبارك وتعالى-: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا [فاطر:6]، يعني: عاملوه معاملةَ العدو، واحذروا منه حذركم من العدو المتربّص الذي لا يُريد بكم خيرًا بحالٍ من الأحوال.

    فهذا حينما يقول الإنسانُ: "أعوذ بالله من الشيطان"، ولا يمكن الاحتراز من شرِّه -أعاذنا الله وإيَّاكم منه- إلا بالاستعاذة، فأنت لا تراه، وتستطيع دفعه بيدك، أو بغيرها، وإنما السِّلاح هو الاستعاذة منه ومن شرِّه، والالتجاء إلى الله -جلَّ جلاله وتقدَّست أسماؤه-.

    وعرفنا معنى الشَّيطان، وأنَّ من أهل العلم مَن قال: إنَّه مأخوذٌ من شاط يشيط، يعنى: عتا وتمرد، فكل عاتٍ مُتمرِّدٍ فهو شيطان؛ ولهذا قيل للكلب الأسود: شيطان.

    وبعضهم يقول: إنَّه مأخوذٌ من شطن، أي: بَعُد، يُقال للبئر إذا صارت عميقةً لا تصلها الدِّلاء: شطنت البئرُ، يعني: أنَّ غورَها لا يُوصَل إليه، فهذا لبُعْده عن الخير، ولبُعْده عن طاعة الله ، ولبُعْده عن رحمته، قيل له: شيطان. فهذان قولان معروفان لأهل العلم في سبب تسميته بذلك.

    والرَّجيم مضى الكلامُ أيضًا عليه؛ فمن أهل العلم مَن يقول: إنَّه قيل له: "رجيم" باعتبار أنَّ (فعيل) بمعنى يُراد به فاعل، أي: راجم؛ لأنَّه يرجم الناس بالوساوس والخواطر والإيرادات السَّيئة، وما إلى ذلك، فقيل له: "رجيم".

    وبعضهم يقول: إنَّ (فعيلاً) هنا بمعنى مفعول، يعني: "رجيم" بمعنى مرجوم؛ أنَّه يُرجم بالسَّبِّ واللَّعن، وكذلك أيضًا يُرجم بالشُّهب: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ۝ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ ۝ لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ۝ دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ۝ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ [الصافات:6-10]، فهو يُرجم بالشُّهب، وبالسَّبِّ واللَّعن، "رجيم" بمعنى مرجوم. هكذا قال بعضُ أهل العلم.

    و"أعوذ بالله": ألتجئ بالله من شرِّ الشَّيطان الرَّجيم، وهذه الاستعاذة تكون بين يدي القراءة، وهي كما يقول الحافظُ ابن القيم: عنوانٌ وإعلامٌ بأنَّ المأتيَّ به بعدها هو القرآن[4]؛ ولذلك لا تُقال الاستعاذة قبل الأذكار، ولا قبل كلامٍ سوى القرآن، فإذا ذكرتَ الاستعاذة فهذا إعلامٌ بأنَّ ما سيكون بعدها هو القرآن؛ ولهذا لم تُشرع بين يدي كلامٍ سوى القرآن، فهي مُقدّمة وتنبيه للسَّامع أنَّ ما سيرد بعدها هو كلام الله -تبارك وتعالى-، فيستعدّ السَّامع بهذا الاعتبار ويتهيَّأ لسماع الله .

    وهذا يُشرع للقارئ ولو كان وحده، ولو كان يقرأ بها سرًّا في الصَّلاة؛ وذلك لحِكَمٍ مُتنوعةٍ مُتعددةٍ، فهي طهارةٌ للفم مما يتعاطاه من اللَّغو والرَّفَث، فالإنسان يتهيَّأ للصَّلاة بالوضوء، وهي طهارةٌ حسيَّةٌ بالماء، فتكون تلك طهارة الأعضاء والبدن، ويتهيَّأ بطهارةٍ أخرى معنويَّةٍ التي تكون بالاستعاذة بالله من هذا الشَّيطان، سواء كان ذلك في الصَّلاة، أو كان في القراءة، فيكون قد تطهر الطَّهارتين: الطَّهارة الحسيَّة، والطَّهارة المعنوية، فيكون مُتهيِّئًا للصَّلاة أو للقراءة؛ لأنَّ الشيطان يُلبّس عليه صلاته، كما يُلبّس عليه قراءته، فيقرأ الإنسانُ الوجهَ والوجهين والثلاثة والجزء وهو لا يشعر، ويقرأ السورة كاملةً، ولربما يقرأ نصف سورة الكهف يوم الجمعة وهو لا يشعر، ثم بعد ذلك يستدرك كأنَّه لم يقرأ شيئًا.

    فهذا كلّه من عمل الشَّيطان وتلبيسه، بل يُلقي في قلوب بعض الناس أثناء القراءة خواطر سيئة، فهذا كلّه يحتاج إلى استعاذةٍ من أجل أن تسلم له قراءته وصلاته، فهي تطييبٌ له لتلاوة كلام الله -تبارك وتعالى-، وهي استعانةٌ بالله، واعترافٌ له بالقُدرة، وللعبد بالضَّعف والعجز عن مُقاومة هذا العدو الذي لا يراه، ولا يحسّه، ومن ثم فإنَّه يكون بذلك مُدافعًا له بهذه الاستعاذة.

    فإذا فعل العبدُ هذا فينبغي أن يقرنه بأمرٍ آخر؛ وهو الابتعاد عمَّا يُلقيه الشَّيطان في قلبه دائمًا من تزيين الباطل والمنكر والمعاصي والشَّهوات، وما إلى ذلك، فأنت تستعيذ بالله منه، إذًا ابتعد عمَّا يدعو إليه، فإنَّه يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6] -نسأل الله العافية-، فهذه هي الاستعاذة.

    وقد قال الإمامُ أحمد -رحمه الله-: لا يقرأ في صلاةٍ ولا غير صلاةٍ إلا استعاذ[5]؛ لقوله : فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]. لكن يبقى: هل يقول الاستعاذة في كلِّ قراءةٍ في الصَّلاة، أو لا؟ يعني: هل يقولها في أول الصَّلاة؟

    ظاهر الحديث هنا أنَّه يقولها في أول الصَّلاة، حينما يدعو بدعاء الاستفتاح يستعيذ، فهذا بعد الاستفتاح، ولم يُذْكَر أنَّ النبيَّ ﷺ كان يستعيذ في الركعة الثانية مثلاً.

    وقد جاء من حديث أبي سعيدٍ الخدري ، وهو قريبٌ من هذا الحديث الذي بين أيدينا، قال: كان النبيُّ ﷺ إذا قام من الليل كبَّر، ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك، ثم يقول: لا إله إلا الله ثلاثًا، ثم يقول: الله أكبر كبيرًا ثلاثًا، ثم يقول: أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الرَّجيم: من همزه، ونفخه، ونفثه، ثم يقرأ[6]. هذا لفظ أبي داود.

    إذًا هذا واضحٌ أنَّ هذه الاستعاذة تكون بعد دعاء الاستفتاح بين يدي القراءة؛ ولهذا قال بعضُ أهل العلم –كالشَّوكاني- بأنَّ الأحاديثَ الواردة في التَّعوذ ليس فيها إلا أنَّه فعل ذلك ﷺ في الركعة الأولى[7]، مع أنَّ هذا ليس محلَّ اتفاقٍ، بل ذهب بعضُ السَّلف: كالحسن[8]، وعطاء[9]، وإبراهيم النَّخعي[10] إلى استحباب الاستعاذة في كل ركعةٍ، لكن ظواهر هذه الأحاديث أنَّ ذلك يكون في الركعة الأولى، وظاهر الآية: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ [النحل:98] أنَّه يقولها بين يدي القراءة، سواء في الأولى، أو في الثانية، لكن عمل النبي ﷺ يُبيّن ذلك ويُوضِّحه، فالسُّنة تشرح القرآن، ثم إنَّه لم يفصل ذلك بأمرٍ خارجيٍّ، وإنما هو مُشتغلٌ بالذكر في صلاته كلِّها، فهل هذا يقتضي إعادة الاستعاذة؟

    ولهذا العلماء -رحمهم الله- لما تكلَّموا في آداب تلاوة القرآن: عمَّا إذا استعاذ وقرأ، فسلَّم عليه أحدٌ، هل يرد السلامَ أو لا يرد؟ وإذا ردَّ السلامَ هل يستعيذ من جديدٍ أو لا؟

    فالذين قالوا: لا. قالوا: إنَّه لم يفصل بأجنبيٍّ، وإنما بذكرٍ، فلا يحتاج إلى إعادة الاستعاذة، لكن لو أنَّه تكلم بكلامٍ أجنبي، كأمرٍ من أمور الدنيا: ردَّ على التليفون، أو نحو ذلك؛ فإنَّه يُعيد الاستعاذة -والله تعالى أعلم-.

    هذا ما يتعلَّق بهذه الجملة: أعوذ بالله من الشَّيطان الرجيم، وقد جاء في بعض الرِّوايات زيادة: السَّميع العليم من الشَّيطان الرَّجيم: من نفخه، ونفثه، وهمزه، فتستعيذ من الشَّيطان من هذه الأمور الثلاثة: من نفخه، ونفثه، وهمزه، ما نفخه؟

    النَّفخ في اللغة معروفٌ: هو إخراج الهواء من الفم، فإن كان معه ريقٌ فهذا نفثٌ، فإذا أخرج ما هو أكثر من ذلك فهذا الذي يُقال له: التَّفل. فهذه ثلاث مراتب: نفخٌ، ونفثٌ، وتفلٌ. وتصحّ القراءة بالرُّقية من غير نفخٍ، وتكون أقوى وأبلغ إذا كان معها النَّفخ، وأبلغ من ذلك إذا كان معها النَّفث، نفث هواءٍ مع ريقٍ، فهذا أبلغ في الرُّقية.

    فهذا معنى النَّفخ في اللغة، وفُسِّر هنا بالكِبْر؛ لماذا قيل للكِبْر: نفخٌ؟

    قالوا: لأنَّ المتكبر يتعاظم، لا سيّما إذا مُدِحَ، فهذا إذا كان بهذه المثابة، وما يُلقيه الشَّيطانُ في قلبه من الوساوس مما يعظم به نفسه، ويحقر الآخرين، فكأنَّ الشيطان ينفخ فيه بالوسوسة فيتعاظم، فهذا الكِبْر يكون من الشَّيطان، وهذا الكِبْر يُؤدِّي إلى آثارٍ ونتائج سيئةٍ، فهو يُؤدي إلى ردِّ الحقِّ، واحتقار الناس، فلا يقبل من أحدٍ تعليمًا، ولا توجيهًا، ولا تذكيرًا، ولا نصحًا، ولا أمرًا بمعروفٍ، ولا نهيًا عن منكرٍ؛ لأنَّه يرى أنه أكبر من أن يُنتقد.

    ويتحيَّر به الناسُ: كيف يُوصلون إليه النَّصيحة؟ لأنَّه أعظم في نفسه من أن يُنتقص، أو يُستدرَك عليه، سواء كان معلمًا مع تلامذته، أو كان مُديرًا مع مرؤوسيه، أو كان والدًا مع أولاده، أو زوجًا مع زوجته، أو غير ذلك، فإنَّ الكثيرين يترفَّعون؛ فبعض الناس لا يقبل من امرأته قليلاً ولا كثيرًا، وبعض الناس لا يقبل من تلامذته، ولو أنَّ أحد التلاميذ قال له يومًا: بأنَّ هذا الذي كتبتَ فيه خطأ، وفيه سبق لسانٍ، وسبق قلمٍ، أخذه ما قرب وما بَعُدَ، ونقم على هذا الإنسان ربما.

    وهذا أمرٌ عجيبٌ، يدل على نقص العقل، ونقص الدِّين، وجهل الإنسان بنفسه، وإلا فاللَّائق أنَّ الإنسانَ يفرح أن هيَّأ اللهُ له مَن يُبصره؛ ولذلك تجد كثيرًا من هؤلاء الطُّلاب المساكين إذا اضطرُّوا وصاروا في حالٍ من الأذى والضَّرر، لا يستطيعون أن يذكروا شيئًا صراحةً، وإنما يضعوا ورقةً من غير اسمٍ عند السَّيارة، أو تحت باب المكتب؛ لأنَّهم يعتقدون أنَّ هذا الإنسان سينقم عليهم، وهذا غلطٌ؛ فالمؤمن يفرح بالنَّصيحة، ويُحبّ النَّاصحين، وأمَّا التَّعاظم ورؤية النفس فإنَّ هذا أمرٌ لا يليق إطلاقًا، فالإنسان يطلب النَّصيحة من الناس، ويقول: انصحوني، وعلِّموني، واذكروا لي عيوبي وأخطائي ونقصي. فالإنسان لا يرى عيوبَه.

    هذه العيوب -أيّها الأحبّة- والأخطاء والنَّقص مثل شيءٍ في وجه هذا الإنسان وهو لا يراه، أحيانًا يكون عند الإنسان التهابٌ في اللّثة، أو في الأسنان، أو يكون عنده خراجات، أو نحو ذلك، فيصدر من ذلك أحيانًا أشياء مُزعجة، وهو لا يشعر، فهل يغضب لو جاء إنسانٌ وقال: تحتاج إلى علاجٍ، تحتاج إلى مُراجعة طبيب الأسنان، تحتاج إلى كذا؟ هل يغضب؟ فإذا غضب فهذا من نقص العقل.

    على كل حالٍ، فهذا هو نفخه، ينفخ في هذا الإنسان ويتعاظم من غير أن يكون هناك مُوجِبٌ.

    وأمَّا النَّفث: ففسِّر بالشِّعر، لماذا؟

    قالوا: لأنَّه ينفثه الإنسانُ من فيه كالرُّقية، مثل: رُقية الشيطان، فهذا الشِّعْر يحصل به تشبيبٌ أحيانًا بالنِّساء؛ فتُثار كوامن النُّفوس، ويحصل به إغراءٌ بالحرب وبالعداوات بين الناس، ويحصل به أمورٌ مُنكرة من الهجاء والإقذاع والفخر بالأنساب، وما إلى ذلك، فكل هذا يحصل بهذا الشِّعْر، فهو رقية الشَّيطان بهذا الاعتبار.

    وليس كل الشِّعْر كذلك؛ لأنَّ من الشِّعْر حكمة، لكن الشِّعر المذموم، فالشَّيطان يُغري الناسَ بإنشاء الشِّعر المذموم، فنُسِبَ ذلك إليه، فهو نفثه.

    مع أنَّ من أهل العلم مَن فسَّر النَّفثَ هنا بالسِّحْر، قالوا: لأنَّ الله  قال: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق:4]، ولا يرد على هذا أنَّ بعضَ أنواع السِّحر ليس فيها نفثٌ، ولكن هذا من أشهر صوره وأنواعه، فهذا يحتمل أن يكون المرادُ به السِّحر، ويحتمل أن يكون المرادُ به الشِّعْر، والأكثر من أهل العلم فسَّروه بالشِّعْر.

    بقي الأخير: وهو الهَمْز: فقد فُسِّر بالـمُـوْتَة -بضم الميم وسكون الواو-، ما الموتة؟

    الموتة مثل: الجنون أو الصَّرع -أعاذنا الله وإيَّاكم وإخواننا المسلمين من ذلك-، ومثل: الخنق يحصل من الشيطان، فيعتري هذا الإنسان؛ فيسقط يتلبّط، ويفقد عقلَه وفكرَه، ثم بعد ذلك يعود إليه.

    وهذا الصَّرع المعروف هو نوعان: نوع يعرفه الأطباء: تارةً يكون لأورامٍ في الدِّماغ، وتارةً يكون لأبخرةٍ تخرج من الجوف، وهذا سببه مُدْرَكٌ، طبيٌّ، فأحيانًا تجرى له عملية أو شيء من هذا القبيل ويبرأ بإذن الله.

    وهناك نوعٌ من الصَّرع لا يعرفه الأطبَّاء، وهو الذي يكون من تخبّط الشَّيطان، كما قال الله  في آكل الرِّبا: لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة:275]، يعني: المصروع يقوم يتلبَّط، فالتَّخبط هو ضربٌ من غير اهتداءٍ، وعلى غير استواءٍ، وحركة غير إراديةٍ، ولا مقصودةٍ، كأنَّ الشيطانَ بهمزه ونخسه وغمزه جعله مجنونًا؛ لأنَّ الهمزَ في اللغة يأتي بمعنى النَّخس والغمز، يُقال: همزتُه بيدي. ويأتي بمعنى العصر، كأنَّ الشَّيطان يدفعه أو ينخسه أو يعصره؛ ولهذا فسِّر بالخنق؛ فيسقط يتلبَّط.

    وقد قال ابنُ القيم -رحمه الله-: "التَّحقيق أنَّه -يعني: الهمز- دفعٌ بنخزٍ وغمزٍ، يُشبه الطَّعن، فهو دفعٌ خاصٌّ"[11]، يعني: ليس كلُّ دفعٍ يُقال له: همزٌ، وفُسِّر بالوسوسة أيضًا: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ [المؤمنون:97]، فهذه الهمزات فُسِّرت بخطراتهم ووساوسهم، فهم يغرون الناسَ بالمعاصي.

    وهذا الذي اختاره الحافظُ ابن القيم -رحمه الله- في تفسيره: بأنَّ المرادَ بالهمز: دفعهم الوساوس والإغواء إلى القلب[12].

    وقد جاء عن ابن عباسٍ والحسن في تفسير قوله: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ [المؤمنون:97] قال: "همزات الشياطين نزغاتهم ووساوسهم"[13]. وقال مجاهد في تفسيرها: "نفخهم ونفثهم"[14]. فجعل الهمز مُفسَّرًا بالنَّفخ والنَّفث الوارد في الحديث.

    والحافظ ابن القيم -رحمه الله- يُوجّه كلام مجاهد -رحمه الله- فيقول: "وقد يُقال -وهو الأظهر-: إنَّ همزات الشَّياطين إذا أُفردت دخل فيها جميعُ إصاباتهم لابن آدم، وإذا قُرنت بالنَّفخ والنَّفث –كما في هذا الحديث- كانت نوعًا خاصًّا"[15]، يعني: صار الهمزُ له معنًى، والنَّفخ له معنًى، والنَّفث له معنًى، مثل: الفقير والمسكين، هذا يكون له معنًى، وهذا يكون له معنًى، وإذا ذُكِرَ أحدُهما دون الآخر دخل فيه معنى الآخر.

    هذا على كلام مجاهد: أنَّ الهمزَ إذا أُطلق دخل فيه النَّفخُ والنَّفثُ، يعني: كلّ ما يُوصلونه للإنسان ويُصيبونه به من أنواع الأذى: من وساوس وخواطر وخنق وصرع وجنون، فكل ذلك داخلٌ فيه، وما يغرون به من المنكر والباطل بالشِّعْر وغيره، كلّ هذا يدخل في هذا المعنى.

    وشيخ الإسلام -رحمه الله- يقول في كتابه "بيان تلبيس الجهمية": "فهمزه الوسوسة"[16].

    ولاحظ: ابن القيم يُوافق شيخَه -شيخ الإسلام- أنَّ الهمزَ: الوسوسة، والنَّفخ: الكِبْر، والنَّفث: الشِّعْر، يقول: "فإنَّ الكبرَ ينفخه حتى يصير مُغطَّى في الخيال، مع أنَّه حقيقةً كالظّرف المنفوخ، من غير أن يكون فيه شيء"[17].

    هذا ما يتعلَّق بهذا الحديث.

    نسأل الله  أن يُعيننا وإيَّاكم على ذكره وشُكره وحُسن عبادته.

    اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دُنيانا: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10]، والله أعلم.

    وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

    -----------------------------------------------------------------------

    1 أخرجه أبو داود في "سننه": أبواب تفريع استفتاح الصَّلاة، باب ما يُستفتح به الصَّلاة من الدعاء، برقم (764)، وابن ماجه في "سننه": كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب الاستعاذة في الصَّلاة، برقم (807)، وضعَّفه الألباني.
    2 أخرجه أبو داود في "سننه": أبواب تفريع استفتاح الصَّلاة، باب ما يستفتح به الصَّلاة من الدعاء، برقم (764)، وابن ماجه في "سننه": كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب الاستعاذة في الصَّلاة، برقم (807)، وضعَّفه الألباني.
    3 أخرجه أحمدُ في "مسنده" ط. الرسالة، برقم (3828)، وقال مُحققو "المسند": "صحيحٌ لغيره".
    4 "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" (1/94).
    5 "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" (1/94).
    6 أخرجه أبو داود في "سننه": أبواب تفريع استفتاح الصلاة، باب مَن رأى الاستفتاح بـ"سبحانك اللهم وبحمدك"، برقم (775)، والترمذي في "سننه": أبواب الصَّلاة، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم (242).
    7 "نيل الأوطار" (2/230).
    8 "نيل الأوطار" (2/230).
    9 "نيل الأوطار" (2/230).
    10 "نيل الأوطار" (2/230).
    11 "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" ط. المعرفة (1/95).
    12 "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" ط. المعرفة (1/95).
    13 "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" ط. المعرفة (1/95).
    14 "تفسير اللباب" لابن عادل (ص3784).
    15 "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان" ط. المعرفة (1/95).
    16 "بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية" ط. مطبعة الحكومة (1/67).
    17 "بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية" ط. مطبعة الحكومة (1/67).
    ##########################################
    ما زلنا أحبابي تابعونا جزاكم الله خيرا
    ::
    ولا تنسونا من صالح دعائكم





































































































    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    أدعيه ألإستفتاح (2) " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا...  Empty دعاء الاستفتاح " اللهم اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن "

    مُساهمة من طرف صادق النور الأربعاء مايو 04, 2022 11:15 pm

    دعاء الاستفتاح " اللهم اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن "



    الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.

    أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،

    نشرع في هذه الليلة في الكلام على آخر هذه الأدعية والأذكار التي تُقال في استفتاح الصَّلاة مما جاء في هذا الكتاب، وهذا الذكر والدُّعاء هو من أعظم الأدعية والأذكار وأجمعها، وله روايات وألفاظ في "الصحيحين" وغيرهما، وهذا الذي أورده المؤلفُ بزياداته، هذه الزِّيادات هي من ألفاظ الشَّيخين؛ بعضها للبخاري، وبعضها لمسلمٍ، وبعضها من المتَّفق عليه.

    يقول: اللهم لك الحمدُ أنت نور السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ، ولك الحمد أنت قيّم السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ، ولك الحمد أنت ربّ السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ، ولك الحمد لك ملك السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ[1].

    هذه بعض الألفاظ والزِّيادات، وبعضها عند مسلمٍ، وبعضها عند البخاري: ولك الحمد أنت ملك السَّماوات والأرض، ولك الحمد أنت الحقّ، ووعدك الحقّ، وقولك الحقّ، ولقاؤك الحقّ، والجنة حقّ، والنار حقّ، والنَّبيون حقّ، ومحمدٌ ﷺ حقّ، والسَّاعة حقّ، اللهم لك أسلمتُ، وعليك توكلتُ، وبك آمنتُ، وإليك أنبتُ، وبك خاصمتُ، وإليك حاكمتُ، فاغفر لي ما قدَّمتُ وما أخَّرتُ، وما أسررتُ وما أعلنتُ، أنت المقدِّم، وأنت المؤخِّر، لا إله إلا أنت[2]، وفي لفظٍ: أنت إلهي، لا إله إلا أنت[3].

    ويبقى النَّظر في مواضع هذه الزِّيادات: هل هي على هذا النَّسق، أو أنَّ موضعها قد يكون فيه شيءٌ من التَّقديم أو التَّأخير، أو أنَّ بعضها قد ينوب عن بعضٍ؟

    ولهذا الذي يظهر -والله أعلم- أنَّ أحدًا لو اكتفى بما جاء في بعض رواياته: كما في البخاري، أو في مسلمٍ من الألفاظ والجُمَل التي لم تستوعب ما ذُكِرَ من غير هذه الزِّيادات؛ فإنَّ ذلك يُجزئه -إن شاء الله-، وقد يكون ذلك أسهل، ولا يُحتاج معه إلى كثرة نظرٍ في مواضع هذه الجُمَل، وألفاظ هذه الرِّوايات فيها نوع اختلافٍ في بعض الأحرف، وفيها أيضًا من جهة التَّقديم والتَّأخير إذا قارنت بينها؛ ولذلك أيضًا يُوجد هناك بعض الرِّوايات في غير "الصحيحين"، فلو نظرتَ مثلاً للسِّياق الذي ذكره الشيخُ ناصر الدين الألباني -رحمه الله- في كتابه "صفة صلاة النبي" ﷺ، الأصل، ستجد بعض هذه الألفاظ لم تُذكر، وبعض الألفاظ غير موجودةٍ هنا، والترتيب أيضًا فيه شيءٌ من التَّقديم والتَّأخير.

    فعلى كل حالٍ، مَن جاء بهذه الرِّوايات وجمعها فهو على خيرٍ وأجرٍ -إن شاء الله-، ومَن اقتصر على شيءٍ مما هو مُختصر ولا يحوي جميع هذه الرِّوايات؛ فإنَّ ذلك يكفي -إن شاء الله-، والله أعلم.

    هذا الحديث في أوَّله أنَّه يقوله ﷺ إذا قام من الليل يتهجَّد، فظاهر السِّياق أنَّ النبي ﷺ كان يقوله قبل أن يشرع في صلاة الليل: "كان إذا قام من الليل يتهجَّد قال"، يعني: حال قيامه لصلاة الليل يقول ذلك، وهذا الذي فهمه بعضُ أهل العلم: إذا قام إلى الصَّلاة من جوف الليل.

    والحافظ ابن حجر -رحمه الله- يقول: "ظاهر السِّياق أنَّه كان يقوله أول ما يقوم إلى الصَّلاة"[4]، يعني: قبل الشُّروع فيها، فهذا احتمالٌ من ظاهر اللَّفظ، لكن جاء في روايةٍ: "كان رسولُ الله ﷺ إذا قام للتَّهجد قال بعدما يُكبِّر: اللهم لك الحمد"[5].

    إذًا هذا الإجمال والاحتمال في قوله: "إذا قام إلى الصَّلاة من جوف الليل"، أو "إذا قام من الليل يتهجَّد" تُبَيِّنه الرِّواية الأخرى: أنَّه إذا قام فكبَّر قال ذلك. ومن هنا أُدخل ضمن أدعية الاستفتاح، وإلا فإنَّ من أهل العلم مَن عدَّه ضمن الأذكار التي تُقال حينما يستيقظ لقيام الليل قبل الشُّروع فيه، هكذا بوَّبوا له، وجعلوه من هذا الباب -والله أعلم-.

    "إذا قام من الليل يتهجَّد"، التَّهجد عند العرب يُقال للتَّيقُّظ والتَّسهر بعد نومةٍ من الليل، يعني: قيام الليل أعمّ من ذلك، فقيام الليل قد يكون بعد نومٍ، وقد يكون قبل النوم، وقد يكون لمن لم ينم، فذلك يُقال له: قيام الليل، لكن التَّهجد يُقال عندهم للتَّيقظ والسَّهر بعد نومةٍ من الليل.

    وهذه المادة (ه، ج، د) تُستعمل في معنيين مُتقابلين: تُقال للتَّيقظ والسَّهر، وتُقال للنوم، هجد إذا نام، فهي من الأضداد بهذا الاعتبار.

    "إذا قام من الليل يتهجَّد" يعني: إذا قلنا: إنَّ ذلك يُقال قبل الشُّروع في الصَّلاة، يعني: إذا أراد القيام، وإذا حملناه على أنَّ ذلك في مبتدأ صلاته في الليل بعد التَّكبير، فإنَّ ذلك يكون إذا قام يتهجَّد، شرع في التَّهجد، فإنَّه يقول ذلك، يُصلي التَّهجد، ويبدأ ذلك بحمد الله : لك الحمد، فهنا قدَّم الجار والمجرور، ومثل هذا يُشْعِر بالحصر، الحمد كله لك، ودخول (أل) على "الحمد" يدل على الاستغراق، كما مضى في بعض المناسبات.

    لك الحمد الوصف الجميل، أن يُذْكَر بالجميل، وأن يُضاف إليه الجميل من الأوصاف، والكامل منها على ذاته وصفاته وأفعاله وإفضاله وإنعامه، وغير ذلك، فالله -تبارك وتعالى- محمودٌ على كل حالٍ؛ لأنَّ أوصافَه كاملة؛ ولأنَّ أفعاله جميعًا خيرٌ، فالشَّر ليس إليه، لا يتطرَّق إليه النَّقصُ بحالٍ من الأحوال، فهو الكامل من كل وجهٍ، وإذا كان هو الكامل من كل وجهٍ، فهو الذي يستحقّ أن يُعبد وحده، دون ما سواه، ولا يكون الحمدُ من كل وجهٍ لمن كان يتطرق إليه النَّقصُ، وإنما يُحمد بقدر ما فيه من الكمال، أمَّا الله فله الحمد المطلق الكامل؛ لأنَّه الكامل .

    لك الحمد، أنت نور السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ، لك الحمد أولاً على كل شيءٍ، لك الحمدُ على ذاتك وصفاتك وكمالاتك، وأيضًا من هذه الكمالات: أنَّه نور السَّماوات والأرض، وقد مضى الكلامُ على اسمه: النور، وتفسير المثل المضروب في سورة النور: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [النور:35]، وذكرنا كلام أهل العلم في تسميته -تبارك وتعالى- بالنور، هل يُقال له ذلك أو لا؟ وهل هو من أسمائه أو لا؟ وذكرنا طوائفَ من أهل العلم وكثيرين من السَّلف فمَن بعدهم ممن أثبت له هذا الاسم، وممن قال بذلك شيخُ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-[6]، والحافظ ابن القيم[7]، وخلق.

    أنت نور السَّماوات والأرض فهذا فيه إثبات ذلك، وتفسير هذا الموضع.

    وكذا قوله -تبارك وتعالى-: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [النور:35]، ذكرنا كلام أهل العلم فيه، فما المراد بهذا النور: نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ؟ هل المقصود هذه الأنوار المخلوقة: الشمس والنجوم النّيرات، وما إلى ذلك من الأنوار الحسيّة المخلوقة المشاهدة؟

    هذه لا تُنير الأرضَ جميعًا؛ فإنَّ الشمسَ وهي أقواها، وأعظم هذه النّيرات، إنما تُضيء جزءًا منها، والحديث: الله نور السَّماوات والأرض، فهذه النّيرات والنّجوم والكواكب لا تُنير جميع السَّماوات والأرض، إذًا ليست هي المقصودة هنا، وإنما المقصود ما هو أعظم من ذلك؛ فإنَّ النور الذي يُضاف إلى الله -تبارك وتعالى- على نوعين:

    الأول: ما يكون من قبيل إضافة الصِّفة إلى الموصوف، فهذا النور غير مخلوقٍ، كما في قوله -تبارك وتعالى-: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا [الزمر:69]، وهذا حينما ينزل لفصل القضاء يوم القيامة.

    والآخر: هو النور المخلوق، فيُقال: هذه الشَّمس هي نور الله، كما يُقال: بيت الله، وأرض الله، وسماؤه. من باب إضافة المخلوق إلى خالقه.

    فهنا في هذه الآية: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وفي هذا الحديث: أنت نور السَّماوات والأرض، بعضهم فسَّره بالنور المعنوي الذي هو الهداية، كما فسّر بذلك أيضًا آية النّور: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، بمعنى: الهادي، فإنَّ الهدايةَ يُقال لها: نور؛ ولهذا قال الله  في الجملة الثانية من آية النور: مَثَلُ نُورِهِ [النور:35]، والمقصود هداه في قلب المؤمن، فالنور الثاني هو الهدى، أما النّور الأول ففيه أقوال معروفة، والأقرب -والله تعالى أعلم- أنَّ ذلك ينتظم النور الذي هو الصِّفة، والنبي ﷺ قال: نورٌ أنَّى أراه[8]، وقال: حجابه النُّور[9].

    فكل هذا يدل على أنَّه -تبارك وتعالى- يُوصَف بذلك، ومن أسمائه: النور، فهو داخلٌ في هذا المعنى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، كما أنَّه يشمل أيضًا المعاني الأخرى؛ من كونه -تبارك وتعالى- هو الهادي لأهل السَّماوات والأرض، فإنَّ هذه الهداية هي من نوره -جلَّ جلاله وتقدَّست أسماؤه-: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40]، فإنَّ الهدايةَ هي نورٌ من الله  يُلقيه في قلب العبد.

    ومن هنا بعض أهل العلم فسَّر قوله: أنت نور السَّماوات والأرض بمُنور السَّماوات والأرض، وخالق هذه الأنوار. هكذا قال بعضُهم، فحملوه على الأنوار المخلوقة، أُضيف إليه إضافة مخلوقٍ، وليس من باب إضافة الصِّفة.

    وأبو عبيد القاسم بن سلّام -رحمه الله- يقول: معناه: بنورك يهتدي أهلُ السَّماوات والأرض[10]. ففسَّره بأمرٍ معنويٍّ وهو الهداية، وهذا قال به طوائف، وقد تكلم شيخُ الإسلام -رحمه الله- والحافظ ابن القيم في مواضع من كتبهما على هذا المعنى، وقد ذكرتُه تفصيلاً هناك في الكلام على آية النور.

    ومما ذكره شيخُ الإسلام -رحمه الله- قوله: "فليس مفهومُ اللَّفظ أنَّه شعاع الشَّمس والنار، فإنَّ هذا ليس هو نور السَّماوات والأرض كما ظنَّ بعضُ الغالطين"[11]، ثم يقول: "والنّور يُراد به المستنير، المنير لغيره بهديه، فيدخل في هذا: أنت الهادي لأهل السَّماوات والأرض"[12].

    ومن تتبع كلام شيخ الإسلام ودقَّق فيه يجده يجمع جملةً من الأقوال التي قِيلت في معناه، وينظمها في سلكٍ واحدٍ.

    وكذلك الحافظ ابن القيم، وهذا ظاهر كلام الشيخ عبدالرحمن بن سعدي -رحمه الله- عند تتبعه وتأمّله، يقول شيخُ الإسلام: "واسم النور إذا تضمّن صفته وفعله كان ذلك داخلاً في مسمّى النور؛ فإنَّه لما جعل القمرَ نورًا، كان متَّصفًا بالنُّور، وكان مُنيرًا على غيره، وهو مخلوقٌ من مخلوقاته، والخالق أولى بصفة الكمال الذي لا نقصَ فيه من كلِّ ما سواه"[13]، إلى آخر ما قال.

    ويقول في موضعٍ آخر: "النَّص في كتاب الله وسُنة رسوله ﷺ قد سمَّى اللهُ: نور السَّماوات والأرض، وقد أخبر النَّصُّ أنَّ الله نورٌ، وأخبر أيضًا أنَّه يحتجب بالنُّور، فهذه ثلاثة أنوارٍ في النَّص"[14]، إلى أن قال: "وأمَّا الثاني: فهو في قوله: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا [الزمر:69]، وفي قوله: مَثَلُ نُورِهِ، وفيما رواه مسلمٌ في "صحيحه" من حديث عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما-: قال النبي ﷺ: إنَّ الله خلق خلقَه في ظلمةٍ، وألقى عليهم من نوره، فمَن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومَن أخطأه ضلَّ[15]"[16].

    وقال في موضعٍ آخر: "وقد أخبر اللهُ في كتابه أنَّ الأرضَ تُشرق بنور ربِّها، فإذا كانت تُشرق من نوره، كيف لا يكون هو نورًا؟"[17].

    والحافظ ابن القيم في "اجتماع الجيوش الإسلامية" يقول: "والنّور يُضاف إليه سبحانه على أحد الوجهين: إضافة صفةٍ إلى موصوفها، وإضافة مفعولٍ إلى فاعله"[18]، يعني: إضافة مخلوقٍ، يقول: "فالأوَّل كقوله: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا، فهذا إشراقها يوم القيامة بنوره إذا جاء لفصل القضاء"[19].

    هذا معنى هذه الجملة: أنت نور السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ، وقد انتهى الوقتُ الآن، نتوقف عند هذا.

    وأسأل الله  أن ينفعني وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هُداةً مُهتدين.

    اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دُنيانا.

    ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا المسلمين.

    اللهم اجعل القرآنَ ربيعَ قلوبنا، ونورَ صدورنا، وذهابَ أحزاننا، وجلاء همومنا.

    اللهم ذكِّرنا منه ما نسينا، وعلِّمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النَّهار على الوجه الذي يُرضيك عنا، والله أعلم.

    وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.
    ----------------------------------------------------------------------
    1 متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الجمعة، باب التَّهجد بالليل، برقم (1053)، ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدُّعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (1288).
    2 متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الجمعة، باب التَّهجد بالليل، برقم (1053)، ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدُّعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (1288).
    3 متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب كلام الربِّ -عزَّ وجلَّ- يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، برقم (6945)، ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدُّعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (1288).
    4 "فتح الباري" لابن حجر (3/4).
    5 "فتح الباري" لابن حجر (3/4).
    6 "اجتماع الجيوش الإسلامية" (2/65).
    7 "الوابل الصيب من الكلم الطيب" ط. دار الكتاب العربي (ص72).
    8 أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، بابٌ في قوله -عليه السَّلام-: ((نورٌ أنَّى أراه))، وفي قوله: ((رأيتُ نورًا))، برقم (261).
    9 أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، بابٌ في قوله -عليه السلام-: ((إنَّ الله لا ينام))، وفي قوله: ((حجابه النّور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصرُه من خلقه))، برقم (263).
    10 "شرح النووي على مسلم" (6/54).
    11 "مجموع الفتاوى" (20/469).
    12 "مجموع الفتاوى" (20/469).
    13 "مجموع الفتاوى" (20/469).
    14 "مجموع الفتاوى" (6/386).
    15 أخرجه مسلم: كتاب فضائل الصَّحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، برقم (4425)، بلفظ: ((كتاب الله فيه الهدى والنور، مَن استمسك به وأخذ به كان على الهدى، ومَن أخطأه ضلَّ)).
    16 "مجموع الفتاوى" (6/386).
    17 "مجموع الفتاوى" (6/392).
    18 "اجتماع الجيوش الإسلامية" ط. مكتبة ابن تيمية (2/11-12).
    19 "اجتماع الجيوش الإسلامية" ط. مكتبة ابن تيمية (2/11-12).

    ################################################
    دعاء الاستفتاح
    " والجنة حق والنار حق والنبيون حق... "



    الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.

    أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    نواصل الحديث -أيّها الأحبّة- في هذه الليلة في الكلام على هذا الذكر والدّعاء الذي يُقال في الاستفتاح، وسيكون حديثُنا -إن شاء الله- هو خاتمة الحديث عن هذا الذكر الذي هو آخر ما ذُكِرَ في الاستفتاح؛ وذلك قوله: اللهم لك الحمد، أنت نور السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ، ولك الحمد، أنت قيّم السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ، ولك الحمد، أنت ربّ السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ، ولك الحمد، لك مُلك السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ، ولك الحمد، أنت ملك السَّماوات والأرض، ولك الحمد، أنت الحقُّ، ووعدك الحقُّ، وقولك الحقُّ، ولقاؤك الحقُّ، والجنَّة حقٌّ، والنار حقٌّ، والنَّبيون حقٌّ، ومحمدٌ ﷺ حقٌّ، والسَّاعة حقٌّ، اللهم لك أسلمتُ، وعليك توكلتُ، وبك آمنتُ، وإليك أنبتُ، وبك خاصمتُ، وإليك حاكمتُ، فاغفر لي ما قدَّمتُ، وما أخَّرتُ، وما أسررتُ، وما أعلنتُ، أنت المقدِّم، وأنت المؤخِّر، لا إله إلا أنت، أنت إلهي، لا إله إلا أنت[1].

    فقوله: والجنة حقٌّ أي: هي حقٌّ ثابتٌ، كما أخبر الله -تبارك وتعالى-، فهي دار النَّعيم، ومنزل السُّعداء، وفيها ما لا عينٌ رأت، لو أذنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلب بشرٍ.

    نسأل الله  أن يجعلنا وإياكم ووالدينا وذُرياتنا وإخواننا المسلمين من أهلها.

    الجنة حقٌّ أي: في ذاتها، وهي موجودة، كما أخبر الله -تبارك وتعالى-: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]، وهي أيضًا بكلِّ ما فيها من النَّعيم، كلّ ذلك ثابتٌ، حقٌّ، لا مريةَ فيه، نُؤمن به، ونُصدِّق بذلك إجمالاً وتفصيلاً فيما جاء به الخبر.

    والنار حقٌّ في ذاتها، وهي موجودةٌ، أعاذنا الله وإياكم ووالدينا وذُرياتنا وإخواننا المسلمين منها ومن حال أهلها، وكذلك ما فيها من العذاب والأغلال، كلّ ذلك حقٌّ ثابتٌ كما جاء به الخبر.

    فنؤمن بذلك إجمالاً، ونُؤمن تفصيلاً بما جاء بطريق الوحي، كل هذا نصدِّق به تصديقًا جازمًا لا تردد فيه.

    والنَّبيون حقٌّ والأنبياء -عليهم الصَّلاة والسَّلام- هنا أعمّ من الرسل، فيدخل فيهم الرسل -عليهم الصَّلاة والسلام-؛ لأنَّ كلَّ رسولٍ فهو نبيٌّ، فهم حقٌّ، وأنَّ الله اختارهم واصطفاهم على سائر الناس، وأوحى إليهم.

    فنُؤمن إجمالاً: أنَّ الله اختار صفوةً من خلقه، وأنزل عليهم وحيَه، ونؤمن تفصيلاً بمَن جاءت تسميته في الكتاب أو السُّنة، فيكون الإيمانُ مجملاً ومُفَصَّلاً.

    وقوله: ومحمدٌ ﷺ حقٌّ أي: أنَّه مُرْسَلٌ من عند الله -تبارك وتعالى-، وهو من جملة النَّبيين، بل هو سيدهم وخاتمهم -عليه الصلاة والسلام-، ولكنَّه خُصَّ هنا -والله تعالى أعلم- لأنَّ الإيمانَ يجب أن يكون بعينه، وإلا فإنَّه لا يصحّ لأحدٍ دعوى الإيمان من هذه الأُمَّة، ولكنَّه لا يُؤمن برسول الله ﷺ، يعني: الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- من السَّابقين قد يكون بعضُ المسلمين سمع بأنَّ لله أنبياء، فآمن بهم إجمالاً، لكنَّه لم يتتبع ذلك على سبيل التَّفصيل، فيكفيه ذلك: كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ [البقرة:285] إيمانًا مُجملاً، ومَن بلغه شيءٌ من ذلك مُفصَّلاً فيجب عليه الإيمانُ به، لكن مَن لم يبلغه يكفيه الإيمانُ المجمل، أمَّا محمد ﷺ فلا بدَّ من الشَّهادة له بالرسالة؛ بأنَّه رسول الله ﷺ.

    والسَّاعة حقٌّ وهو اسمٌ من أسماء القيامة، كما هو معلومٌ، فهي واقعةٌ وكائنةٌ وثابتةٌ، لا شكَّ فيها، فهي آتيةٌ لا ريبَ فيها، وكذلك ما فيها من الأهوال والأوجال، وما فيها من الحشر وبعث الناس، وما فيها من الصِّراط والميزان والحوض والحساب، وما إلى ذلك، فكله ثابتٌ حقٌّ، كما أخبر الله، وكما أخبر رسولُه ﷺ.

    فهذا كلّه إخبارٌ، يُخبِر العبدُ به عن نفسه، وعن إيمانه: أنَّه يُؤمن بذلك جميعًا، وفي أول الحديث كما رأينا: اللهم لك الحمد، أنت نور السَّماوات والأرض، فهذا كلّه من قبيل الحمد والثَّناء الذي هو أفضل الذكر، ثم بعد ذلك يأتي الإخبارُ؛ يُخبر العبدُ عن إيمانه بربِّه -تبارك وتعالى- وتوحيده، وما إلى ذلك.

    ومن هنا يقول: اللهم لك أسلمتُ فهذا في المرتبة الثانية من مراتب الذكر كما عرفنا: اللهم لك أسلمتُ، "أسلمتُ" يعني: أطعتُ، واستسلمتُ، فأسلمتُ قلبي وجوارحي لك، وأسلمتُ لساني، فكلّ ذلك صار مُذعنًا، وإذا ذُكِرَ الإسلامُ وذُكِرَ معه الإيمانُ -كما في هذا الحديث- فإنَّ الإسلامَ يكون إسلام الظَّاهر، والإيمان هو انقياد القلب وإقراره وإذعانه، الإقرار والإذعان: التَّصديق الانقيادي، هذا هو الإيمان، والإسلام إسلام الظَّاهر، فيكون العبدُ في حالٍ من الاستسلام لله -تبارك وتعالى-، فلا يصحّ لأحدٍ أن يقول: "اللهم لك أسلمتُ" وجوارحه تتمرد على الله، وعلى طاعته، ونظره ينظر إلى الحرام، ويخرج من الصَّلاة ويذهب وينظر إلى ما حرَّم الله -تبارك وتعالى-، هذا ما أسلم الإسلام الكامل، وهكذا إذا كان يبطش بيده فيما حرَّم الله -تبارك وتعالى-، فهو يبدأ هذه الصَّلاة بكلامٍ يكذب به نفسه، ويُناقض قوله بفعله: لك أسلمتُ، وهو ليس كذلك.

    وبك آمنتُ هنا الإقرار والإذعان والتَّصديق الانقيادي، هذا معنى الإيمان إذا ذُكِرَ مع الإسلام، وإلا يُفَسَّر بمجرد التَّصديق؛ لأنَّ التَّصديق يختلف عن الإيمان في اللغة والشَّرع، وقد ذكر الشيخُ تقي الدين ابن تيمية شيخ الإسلام -رحمه الله- في كتابه "الإيمان الكبير" نحو سبعة فروقات في اللغة بين الإيمان والتَّصديق[2]، وهي مهمّة وجديرة بالمراجعة؛ لأنَّ الكثيرين يُفسِّرون الإيمانَ بالتَّصديق، وهذا قد جاء في كلام كثيرٍ من المتقدمين، ولكن على سبيل التَّوسع، بخلاف مَن يقول ذلك اعتقادًا، كالمرجئة.

    يقول: وعليك توكلتُ، وأيضًا: لك أسلمتُ، وأيضًا: بك آمنتُ، تقديم الجار والمجرور، فلم يقل: أسلمتُ لك، أسلمتُ لك. ويمكن أن يُقال: ولغيرك، لكن لما يقدّم الجار والمجرور: لك أسلمتُ يعني: دون سواك، فهذا يُفيد الحصر، لما يقول: وبك آمنتُ آمنتُ بك، ويمكن أن يُقال: وبغيرك، لكن لما يقول: وبك آمنتُ يعني: دون مَن سواك، فأنا مؤمنٌ بك وحدك، وأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت، آمنتُ بإلهيَّتك وربوبيَّتك وأسمائك وصفاتك.

    وعليك توكلتُ وهذا يُفيد أيضًا الحصر، كما قال الله : وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ [الفرقان:58]، وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا [المائدة:23]، تُلاحظون في هذه المواضع يُقدَّم المعمولُ على العامل: عَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا، هنا هذا يدل على الحصر؛ ولهذا ذهب طوائفُ من أهل العلم إلى أنَّ التوكل لا يصحّ بحالٍ من الأحوال أن يكون على غير الله ، حتى فيما يقدر عليه المخلوقُ، يعني: هذا يختصّ بالله، فلا تقل: يا فلان، أنا مُتوكِّلٌ عليك في إنهاء المعاملة الفلانية، أو أنا مُتوكِّلٌ عليك في إيصال هذه الأغراض والأمتعة، أو قضاء الحاجة الفلانية. لا، وإنما مُتوكِّلٌ على الله، وهل يقول: مُتوكِّلٌ على الله ثم عليك؟

    مَن يقولون: إنَّ ذلك للحصر، ولا يكون التَّوكلُ إلا على الله. يقولون: لا يصحّ، لا تقل: أنا مُتوكِّلٌ على الله ثم عليك. وإنما أنا مُتوكِّلٌ على الله وحده، لكن هل يصحّ أن يقول: أنا وكَّلتُك؟ هذا لا بأسَ به، وهذا ليس محلَّ اتفاقٍ بين أهل العلم؛ فبعض أهل العلم يُصحح التَّوكل على المخلوق فيما يقدر عليه المخلوق، ولكن النصوص -كما رأيتُم- عامَّة، ذلك جاء بصيغةٍ تدل على الحصر، وقد مضى الكلامُ على هذا مُفَصَّلاً في الكلام على الأعمال القلبية، وذكرتُ فيه أقوال العلماء والأدلة في ذلك.

    فهنا: وعليك توكلتُ ألجأتُ ظهري، وفوَّضتُ أمري، واعتمدتُ عليك يا ربّ، دون مَن سواك، فالله هو الكفيل وحده بكشف الضُّرِّ، وهو الكفيل وحده برفع البلاء، وهو الكفيل وحده بقضاء الحاجات، وتحقيق الرَّغبات، ودفع المخاوف، وتحقيق ما يرجوه العبدُ ويأمله، كلّ ذلك إنما هو بيد الله ، وليس بيد المخلوق، فالمخلوق لا يستطيع: واعلم أنَّ الأُمَّةَ لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، ولو اجتمعوا على أن يضرُّوك بشيءٍ لم يضرُّوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك[3].

    فإذا كان الأمرُ كذلك فتوكّل عليه وحده، دون مَن سواه، فلا يتعلَّق قلبُك بأنَّ الشِّفاء عند فلانٍ، أو قضاء المصلحة الفلانية عند فلانٍ، أو تحقيق المستقبل عند فلانٍ، لا، كلّه عند الله، مالك الملك، ومَن خزائنه مَلْأَ، وهو الذي يصرف الأقدار، فارفع يديك واسأله، وتضرَّع إليه، فإنَّ عنده كلّ ما تُؤمّل.

    يقول: وإليك أنبتُ الإنابة هنا بمعنى التوبة، أي: أقبلتُ بهمتي وطاعتي، وأعرضتُ عمَّا سواك، والتوبة التي تكون عبادةً تُغفر بها الذنوب لا تكون إلا لله، بخلاف الذين يتوبون للشيوخ؛ كالصُّوفية، يأتي يتوب بين يدي الشيخ، ولربما حلق شعر رأسه؛ كالنَّصارى الذين يأتون إلى القسيس، ويجلس على كرسي الاعتراف، ويعترف بما فعل تفصيلاً، ثم بعد ذلك يطلب الغفران والتَّوبة، فهذا كلّه لا يجوز، فالتَّوبة تكون عبادةً، وتكون لله وحده، هذه التوبة الشَّرعية، وقد تكلمنا على الإنابة والتَّوبة بكلامٍ طويلٍ مُفصَّلٍ في نحو ثمانية مجالس في الكلام على الأعمال القلبية.

    وهنا يقول: وإليك أنبتُ أي: أنا إليك مُنيبٌ يا ربّ.

    طيب، هذا الإنسان الذي يُصلي ويقول: إليك أنبتُ، وعليك توكلتُ، وهو مُتوكِّلٌ على غير الله، وقلبه مُعلَّقٌ بغير الله ، وليس بمُنيبٍ ولا تائبٍ، هذا يبدأ صلاتَه بالكذب، ألا يخشى هذا أن تُردّ صلاتُه عليه، وأن يرجع منها بخيبةٍ وخُسرانٍ؟!

    لو كنا نعقل -أيّها الأحبّة- هذه المعاني لصحَّت أحوالنا كلّها من أوَّلها إلى آخرها، ولأصبحنا مُنيبين، تائبين، مُتوكِّلين على الله -تبارك وتعالى-، مُستسلمين، مُنقادين، مُذعنين له، فلا يكون العبدُ إلا بحالٍ يرضاها الله .

    وانظروا كيف تُؤثِّر هذه الأذكار لو كنا نعقلها؟ وانظروا كم تُؤثر هذه الصَّلاة وتنهى عن الفحشاء والمنكر لو كانت هذه المعاني يعقلها العبدُ؟ ودَعُوا كثيرًا من الكلام الذي قد ينشأ في بيان وجه كون الصَّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر؛ فكثيرٌ من الناس يتكلم بكلامٍ إنشائيٍّ لا طائلَ تحته، لكن إذا عقلت هذه المعاني عرفت كيف تكون هذه الصَّلاة نهاية عن الفحشاء والمنكر، الذي يقول هذا وقلبُه حاضرٌ هذا لا يمكن أنه يجترئ على المنكر، ويستحي من الله  أن يقول كلامًا والله يعلم من حاله خلافه، أبدًا، لا يمكن، فما ظنُّكم؟ هل هذا يرجع إلى بيته ويظلم زوجته، أو يظلم جاره، أو يظلم ولده، أو يظلم سائقه، أو الخادم، أو يُقارف مُنكرًا من المنكرات، أو يخرج عند باب المسجد يبيع ويغشّ الناس، وهو يقول: لك أسلمتُ، وبك آمنتُ، وعليك توكلتُ، وإليك أنبتُ؟

    وبك خاصمتُ أي: بقوَّتك، ونصرتك إيَّاي، وبتأييدك وعونك خاصمتُ، وبحُجَّتك أيضًا خاصمتُ، فالإنسان لا حولَ له ولا طولَ إلا بإعانة الله  له وتأييده، وإلا فهو أضعف من هذا، والإنسان أحيانًا يظنّ أنَّ عنده قوّة وحُجَّة، وينغلق وينحبس لسانُ أفصح البُلغاء والخُطباء، كما هو معروفٌ في التاريخ، يقف على المنبر، وهو الخطيب الفذّ الفحل الذي لا يُجارى ولا يُبارى، يقف أمام الناس ثم ينعقد لسانُه وينحبس، فلا يستطيع أن يتكلم بكلمةٍ واحدةٍ، هذا موجودٌ، وشواهده معروفةٌ، يظهر بها عجز الإنسان وضعفه.

    وإذا شاء الله  سأُورد لكم -إن شاء الله- في بعض المجالس، غير مجالس الأذكار، مجالس مُتنوعة، فيها عِبَرٌ من التَّاريخ، منها ما يتعلَّق بهذا، تجد الرجل من فحول العلماء ويُخطئ في أبسط الأشياء، وتجد الرجل من فحول القُرَّاء والنُّحاة، كبير مثل الجبل، ويقرأ سورةً من قصار السور ويُخطئ فيها أمام الخليفة، ويُصلي بالناس ويُخطئ، ثم الآخر من الكبار يبتسم، ثم ما يلبث أن يُورد آيةً من قصار السور ويُخطئ فيها، يُريه الله  ضعفَه وعجزه.

    فمهما بلغ الإنسانُ من الإمكانات والقدرات والعلم والحفظ، فالله  يُريه ضعفَه، وهذا شيءٌ مُشاهَدٌ، والإنسان يراه في نفسه صباح مساء، لا يمكن أن يتعاظم.

    فهنا: بك خاصمتُ، وإليك حاكمتُ يعني: رفعتُ أمري لتحكم بيني وبين مَن يُخالفني، فلا يتحاكم إلى غير الله -تبارك وتعالى-، والله يفصل بين العباد، ويقضي بينهم.

    فاغفر لي ما قدَّمتُ وما أخَّرتُ ما قدَّمتُ من الذنوب، وما أخَّرتُ مما سيكون في المستقبل، أو ما قدَّمتُ في الدنيا، وما أخَّرتُ بعد موتي مما يبقى من عمل الإنسان بعد موته من الأعمال التي تتابع: كمَن يترك سنةً سيئةً، أو نحو ذلك، فالإنسان يطلب المغفرةَ من الله .

    وإذا كان هذا يقوله رسولُ الله ﷺ، وهو إمام المهتدين، فماذا يمكن أن يقول بقيةُ الناس؟

    وما أسررتُ ما أخفيتُه، وما أعلنتُ من الأقوال والأفعال، وما تنطوي عليه النَّفس من الأمور التي يُؤاخذ الإنسانُ عليها.

    وما أنت أعلم به مني هذا أعمّ مما سبق، قد يُدرك الإنسانَ بعضُ التَّقصير والسّيئات والذّنوب والجنايات، ولكن يخفى عليه من ذلك أشياء، وقد ينسى أشياء، وقد يعدّ بعض الأعمال أنها صالحة، وأنها من العدّة التي يُرجِّي ثوابها إذا قدم على ربِّه -تبارك وتعالى-، وقد لا تكون كذلك، قد تكون مدخولةَ النِّيات، فاسدة، فتكون وبالاً على صاحبها، كما جاء في الحديث: إنَّ أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجلٌ استُشهد، فأُتي به، فعرفه نعمَه فعرفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: قاتلتُ فيك حتى استُشْهِدْتُ. قال: كذبتَ، ولكنَّك قاتلتَ لأن يُقال: جريء، فقد قيل. ثم أمر به فسُحِبَ على وجهه حتى أُلْقِيَ في النار، ورجلٌ تعلَّم العلمَ وعلَّمه، وقرأ القرآن، فأُتِيَ به، فعرَّفه نعمَه فعرفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: تعلَّمتُ العلمَ وعلَّمتُه، وقرأتُ فيك القرآن. قال: كذبتَ، ولكنَّك تعلَّمتَ العلمَ ليُقال: عالم، وقرأتَ القرآن ليُقال: هو قارئ، فقد قيل. ثم أمر به فسُحِبَ على وجهه حتى أُلْقِيَ في النار، ورجلٌ وسَّع اللهُ عليه، وأعطاه من أصناف المال كلّه، فأُتِيَ به، فعرَّفه نعمَه فعرفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيلٍ تُحبّ أن يُنفَق فيها إلا أنفقتُ فيها لك. قال: كذبتَ، ولكنَّك فعلتَ ليُقال: هو جواد، فقد قيل. ثم أمر به فسُحِبَ على وجهه، ثم أُلْقِيَ في النَّار[4].

    أنت المقدِّم، وأنت المؤخِّر تُقدِّم مَن تشاء، وتُؤخِّر مَن تشاء، ويدخل تحت هذا أشياء ومعانٍ واحتمالات.

    لا إله إلا أنت، لا إله غيرك فأنت الواحد الأحد، وفي روايةٍ عند البُخاري: لا إله إلا أنت، أو لا إله غيرك[5]، يعني: أنَّه قال هذا أو هذا، فيكون ذلك من قبيل الشَّك من الرَّاوي.

    وبهذا نعلم -أيّها الأحبّة- أنَّ هذا الحديثَ تضمن ربوبية الله -تبارك وتعالى- لخلقه، وتضمّن ألوهيَّته، وتضمّن أيضًا ذكر السَّاعة والجنَّة والنَّار والنُّبوات، لا سيّما محمد ﷺ، والتوحيد بأنواعه، وطلب المغفرة من الله، وأنَّ الله هو الحقّ، وأنَّ القيومية له، والملك له، وأنه مُستحقٌّ لجميع المحامد، دون مَن سواه، وهذا كلُّه يستلزم جميع صفات الكمال، وأنَّ الله مُستحقٌّ لها؛ لأنَّه المحمود الحمد المطلق الذي لا يكون إلا لمن كان له الكمال المطلق، وهكذا هو مُنَزَّهٌ عن كل نقصٍ.

    فهذا الحديث، وهذا الذكر، وهذا الدُّعاء جامعٌ للأنواع الثلاثة التي ذكرناها في الذكر: الحمد لله ، وإخبار العبد عن نفسه: لك أسلمتُ، وبك آمنتُ، والدُّعاء والسُّؤال، فحينما يطلب المغفرة: اغفر لي ما قدَّمتُ، وما أخَّرتُ، وما أسررتُ، وما أعلنتُ هذا سؤال، فتضمّن الأنواع الثلاثة.

    وبهذا يكون هذا من أجلِّ هذه الاستفتاحات، وجامع لهذه المعاني العظيمة، وجوامع الكلم، وإذا نظرتَ في مضامين هذه الجمل وما تدل عليه بأنواع الدّلالات، رأيتَ أشياء كثيرةً يطول وصفُها، وأيضًا مما يتَّصل بالنُّبوات والجزاء والثَّواب والعقاب وغير ذلك من الأمور المتَّصلة بالإيمان والاعتقاد.

    هذا ما يتعلق بهذا الحديث، وأنا أنصح نفسي، وأنصح الإخوة بأنَّ هذه الأحاديث والأذكار التي نمرّ بها أن نحفظها جميعًا؛ حتى ننتفع، وأن نتعاهدها، وأن نتعاهد نفوسنا: هل نحن نُطبِّق ذلك أو لا؟ يعني: أحيانًا نسمع هذه المعاني، ثم نخرج من باب المسجد فننسى مباشرةً ما نقوله، وتحصل الغفلة والنِّسيان، فيحتاج العبدُ دائمًا أن يتعاهد نفسَه.

    اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرتَه، ولا همًّا إلا فرَّجتَه، ولا مريضًا إلا عافيتَه، ولا دَينًا إلا قضيتَه، ولا ميتًا إلا رحمتَه.

    ربنا اغفر لنا، ولوالدينا، ولإخواننا المسلمين.

    اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دُنيانا، والله أعلم.

    وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.
    ------------------------------------------------------------------
    1 متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الجمعة، باب التَّهجد بالليل، برقم (1053)، ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدُّعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (1288).
    2 "الإيمان" لابن تيمية (ص101).
    3 أخرجه الترمذي في "سننه": أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، برقم (2516)، وصححه الألباني.
    4 أخرجه مسلم: كتاب الإمارة، باب مَن قاتل للرياء والسُّمعة استحقَّ النار، برقم (1905).
    5 أخرجه البخاري: كتاب الدَّعوات، باب الدُّعاء إذا انتبه بالليل، برقم (6317).
    ##########################################
    ما زلنا أحبابي أبقو معنا جزاكم الله خيرا

    ولا تنسونا من صالح دعائكم









    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    أدعيه ألإستفتاح (2) " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا...  Empty رد: أدعيه ألإستفتاح (2) " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا...

    مُساهمة من طرف صادق النور الأربعاء مايو 04, 2022 11:23 pm

    دعاء الاستفتاح

    " ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن... "




    الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.

    أما بعد: لم يزل الحديثُ -أيّها الأحبّة- عن هذا الدُّعاء الجامع والذكر الذي اشتمل على معانٍ عظيمةٍ، وهو قوله: اللهم لك الحمدُ، أنت نور السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ، ولك الحمدُ، أنت قيّم السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ، ولك الحمدُ، أنت ربّ السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ، أنت الحقُّ، ووعدك الحقُّ، وقولك الحقُّ، ولقاؤك الحقُّ، والجنة حقٌّ، والنار حقٌّ، والنَّبيون حقٌّ، والسَّاعة حقٌّ، اللهم لك أسلمتُ، وبك آمنتُ، وعليك توكَّلتُ، وإليك أنبتُ، وبك خاصمتُ، وإليك حاكمتُ، فاغفر لي ما قدَّمتُ وما أخَّرتُ، وما أسررتُ وما أعلنتُ، أنت إلهي، لا إله إلا أنت[1]، إلى آخر ما جاء في هذا الذكر.

    وقد تكلَّمنا على صدره، وفي الحال التي يُقال فيها: هل يُقال إذا قام من نومه إلى قيام الليل قبل أن يدخل في صلاته، أو أنَّه يقول ذلك في استفتاح صلاة الليل؟ وأنَّ هذا هو الأقرب -والله تعالى أعلم-؛ لأنَّه في روايةٍ جاء التَّصريحُ بذلك، وتكلمنا أيضًا على المراد بقوله: أنت نور السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ.

    ونُواصل بعد ذلك في الكلام على هذه المعاني والجُمَل التي جاءت في هذا الحديث: هنا قال أيضًا بعد قوله: اللهم لك الحمدُ، أنت نور السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ، ولك الحمدُ، أنت قيّم السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ، فكرر حمدَه -تبارك وتعالى-، فهو مُستحقٌّ للحمد على كل حالٍ، مُستحقٌّ للحمد لأنَّه نور السَّماوات والأرض، وهو أيضًا هادي أهل السَّماوات والأرض، فهو محمودٌ على ذلك كلِّه، وهذا كلّه من كماله -جلَّ جلاله، وتقدَّست أسماؤه-، وله الحمد أيضًا -تبارك وتعالى- لكونه قيّم السَّماوات والأرض: ولك الحمدُ، أنت قيّم السَّماوات والأرض، فقيم السَّماوات والأرض: القيّم، والقيّام، والقيّوم؛ كل ذلك بمعنًى مُتقاربٍ، أو يرجع إلى معنًى واحدٍ.

    وقد جاء في القرآن من أسمائه -تبارك وتعالى-: القيّوم، كما في آية الكرسي، وقد مضى الكلامُ على هذا الاسم الكريم في شرح الأسماء الحسنى، وقلنا هناك: بأنَّ من المعاني الدَّاخلة فيه أنَّه قائمٌ بنفسه، مُقيمٌ لغيره، فإنَّ قيام الخلق إنما هو بإقامة الله  لهم، وإلا فلا قيامَ لهم بحالٍ من الأحوال: لا في أمور معاشهم، ولا في أمور دينِهم أو معادهم إلا بالله -تبارك وتعالى-، كما أنَّه القائم على خلقه بأرزاقهم وأعمالهم وآجالهم، فهو -تبارك وتعالى- يقوم عليهم في ذلك كلِّه، ويُحصي عليهم أعمالهم، ولا تخفى عليه من ذلك خافية.

    فهنا قيّم السَّماوات والأرض، وفي الرِّواية الأخرى: قيّام السَّماوات والأرض[2]، فمن صفاته -تبارك وتعالى- القيومية: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [الرعد:33]، فهو قائمٌ على كل شيءٍ، مُدبرٌ لأمر الخليقة، يقوم -تبارك وتعالى- عليها بما يكون به قيامها.

    فهذا الحديث جاء فيه القيّام، والقيّم، وقد عدَّ ذلك أبو بكر ابن العربي وكذلك أيضًا ابن منده قبله من جملة أسماء الله الحسنى، يعني: القيّام، القيّوم، مُجمعٌ عليه، وهو الذي تكلمنا عليه في الأسماء الحسنى، ولكن القيّم والقيّام لم يذكره في عداد الأسماء الحسنى سوى ابن منده، وكذلك أيضًا أبو بكر ابن العربي -رحم الله الجميع-، وهكذا أيضًا القيّم؛ فإنَّ الذي ذكره في عداد الأسماء الحسنى هو أبو بكر ابن العربي[3].

    هنا يحتمل أنَّ النبي ﷺ سمع منه هذا وهذا، يعني: أنَّه تارةً قال ذلك؛ لأنَّه يقوله في الاستفتاح، تارةً قال: قيّم، وتارةً قال: قيّام، فيكون ذلك محفوظًا عن رسول الله ﷺ.

    ويحتمل أن يكون ذلك من قِبَل الرُّواة، ويكون النبيُّ ﷺ إنما قال أحد اللَّفظين، هذا يحتمل.

    وعلى كل حالٍ، الذين تكلَّموا على أسماء الله الحسنى لم يُوردوا هذين من جملة هذه الأسماء: لا من المتقدمين، ولا من المتأخّرين، ولا أرى حاجةً للتَّطويل في الكلام على هذا، فقد ذكرتُ أشياء في المقدِّمات فيما يُعدّ من الأسماء الحسنى، فالقيّوم جاء هكذا مُعرَّفًا بأل على سبيل الإطلاق: الحي القيّوم، هذا لا خلافَ أنَّه من جملة الأسماء، لكن هناك ما جاء بصيغة التَّنكير، أو بالإضافة، فهذا يختلف العلماءُ فيه: هل يُعدّ من جملة الأسماء، أو لا؟ بصرف النَّظر عن الرِّواية هنا، والاحتمال الوارد عليها، فهو محمودٌ -تبارك وتعالى- على ذلك كلِّه: على إقامته لخلقه، وقيامه عليهم بأرزاقهم، وآجالهم، وأعمالهم، فله الحمدُ على هذه الكمالات المتنوعة.

    ولك الحمدُ، أنت ربّ السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ، فهو محمودٌ على ربوبيَّته -تبارك وتعالى-، وعرفنا أنَّ الربَّ يأتي بمعنى: السَّيد، فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا [يوسف:41]، يعني: يسقي سيّده. ويأتي أيضًا بمعانٍ أُخَر: كالمصلِح لشؤون غيره، المصلح لغيره، المربي لغيره، وغير ذلك من المعاني المتنوعة التي ذكرناها في الكلام على اسمه "الرب" عند ذكره في جملة الأسماء الحسنى، وقلنا هناك: بأنَّ هذا الاسم الكريم بالنَّظر إلى بعض معانيه يتضمن صفة ذاتٍ، مثل: السيد، وفي بعض معانيه -مثل: المربي- هو صفة فعلٍ، المصلح لشؤون خلقه، وهكذا، فالله -تبارك وتعالى- محمودٌ على ربوبيَّته.

    وكذلك: ولك الحمدُ، أنت ملك السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ، والملك هو التَّصرف المطلق، فهو المتصرِّف في هذا الخلق، كما أنَّه هو ربّه -تبارك وتعالى-، وسيد هؤلاء المخاليق، كذلك أيضًا هو الملك الذي يتصرَّف في هذا الخلق من غير قيدٍ، يعني: يتصرَّف فيه تصرُّفًا مطلقًا، وهو محمودٌ -تبارك وتعالى- على ملكه.

    ولك الحمدُ، أنت الحقُّ الحقُّ من أسمائه -تبارك وتعالى-، وسيأتي الكلامُ عليه -إن شاء الله تعالى- مُفصَّلاً في الأسماء الحسنى، فالحقُّ فسّر بأنَّه الذي لا خلفَ في وعده، وهذا من معاني الحقِّ، وكذلك أيضًا أنَّه الحقُّ يُقال لما هو ثابتٌ، والباطل زاهقٌ ذاهبٌ، فالله -تبارك وتعالى- هو الحقّ أيضًا بهذا الاعتبار.
    ألا كلّ شيءٍ ما خلا الله باطلٌ[4]

    ويكون ذلك مُنتظمًا لمعنًى مُتحقق وجوده، فكل ما صحَّ وجوده وتحقق فهو حقٌّ، ومنه "الحاقَّة" اسمٌ من أسماء القيامة؛ لأنَّها واقعة وكائنة لا محالةَ، وكذلك أيضًا كما قال الله -تبارك وتعالى-: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحج:6]، فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:116].

    يقول الشيخُ عبدالرحمن بن سعدي -رحمه الله-: الحقُّ في ذاته وصفاته، فهو واجبُ الوجود، كامل الصِّفات والنُّعوت، وجوده من لوازم ذاته، ولا وجودَ لشيءٍ من الأشياء إلا به، فهو الذي لم يزل ولا يزال بالجلال والجمال والكمال موصوفًا، ولم يزل ولا يزال بالإحسان معروفًا، فقوله حقٌّ، وفعله حقٌّ، ولقاؤه حقٌّ، ورسله حقٌّ، وكتبه حقٌّ، ودينه هو الحقُّ، وعبادته وحده لا شريكَ له هي الحقُّ، وكل شيءٍ يُنْسَب إليه -يعني بحقٍّ- فهو حقٌّ، يعني: كلّ ما يُنسب إليه من الكمالات فهو حقٌّ: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [لقمان:30][5]، فالله حقٌّ بذاته، بأسمائه، بصفاته، بأفعاله، بوعده.

    ووعدك الحقّ الصِّدق: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً [النساء:122]، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87]، فالاستفهام هنا مُضمّن معنى النَّفي، يعني: لا أحدَ أصدق من الله قيلاً، ولا أحدَ أصدق من الله حديثًا، وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً [الأنعام:115]، صدقًا في الأخبار، وعدلاً في الأحكام، فلا يتطرّق إليه -إلى كلامه وأخباره- شيءٌ من الخلف، فهو مُنَزَّهٌ عن ذلك.

    وعدك الحقّ، ولقاؤك حقٌّ يعني: البعث وما بعده، فالناس يرجعون إلى الله -تبارك وتعالى- بعد مماتهم، ويُجازيهم على أعمالهم، ويُحاسبهم عليها: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ [الأنعام:30]، فالناس يقفون بين يديه -تبارك وتعالى- ويُجازيهم ويُحاسبهم على الصَّغير والكبير: إمَّا على سبيل العرض، وإمَّا أن يكون ذلك على سبيل المحاسبة الدَّقيقة والمناقشة التي يُعذَّبون بسببها.

    كل هذا -أيّها الأحبّة- إذا كان العبدُ يقول مثل هذا الكلام وهو يُوقِن أنَّ الله هو الحقّ؛ إذًا ما عداه فهو باطلٌ مما يتوجّه إليه العابدون، تُصرف إليه العبادات، تتعلق به القلوب والنفوس.

    وكذلك أيضًا وعده الحقّ، فإذا كان كذلك فإنَّ الإنسانَ يجدُّ ويجتهد في طاعته، ويبذل في سبيله؛ لأنَّه يعلم أنَّ الله -تبارك وتعالى- سيُجازيه ويُعطيه الحسنةَ بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعفٍ، ولكنَّه ضعف اليقين -أيّها الأحبّة- عندنا هو الذي يُقعدنا عن المبادرة، وعن الجدِّ والاجتهاد، وإذا أراد الإنسانُ أن يتصدَّق ولو بالقليل بدأ يحسب، لكن في المقابل لو أنَّه قيل له: هذه مُساهمة رابحة الضِّعف فقط، أو أقلّ من الضِّعْف، تربح ثلاثين بالمئة، أو تربح الربعَ، بل أقلّ من هذا، بل لا يدرون ما الذي يحصل لهم من الربح أو الخسارة؛ تجد الكثير لربما يقترض من أجل أن يُساهم، ويتحسّر إذا بلغه خبر مُساهمةٍ لم يُدركها، ولم يشعر بها، كيف فاتته؟

    أما أعمال الآخرة المضمونة التي ضمن اللهُ  عليها الجزاء المضاعف عشرة أضعاف، إلى سبعمئة ضعفٍ، إلى أضعافٍ كثيرةٍ، فهذه نجد أننا نحسب فيها الحسابات الكثيرة، مع أنَّ هذا هو الحقّ الذي يبقى، وهذه التِّجارة الرابحة حينما يجد الإنسانُ التَّمرةَ التي تصدّق بها بقدر أُحُدٍ، لكن ماذا عسى أن يحصل من مُساهمةٍ وضع فيها عشرة آلاف، أو أقلّ، أو أكثر؟ ماذا عسى أن تجني إن لم تتعثر أو تخسر؟ قد تجلس هذه المساهمات سنين طويلة، وقد تذهب أمواله من أصلها، ومع ذلك الناس لا يرعوون، ولا يتوبون، ولا يعتبرون، ولا يتَّعظون بما يجري لهم، المساهمات يُكررونها، ويُخاطرون، مع أنَّهم يتلقّون الدُّروس تلو الدُّروس في مُساهماتٍ أحيانًا مجهولة، وقد تكون وهميَّةً، ولكن الطَّمع غلَّاب، أمَّا المضمون فالغفلة غالبة.

    وإذا عرف الإنسانُ أيضًا أنَّ وعده حقٌّ، وأنَّ لقاءه حقٌّ، وأنَّ قوله حقٌّ؛ فإنَّه يبدأ يُحاسِب نفسَه على كلِّ ما يأتي ويذر، يُحاسِب نفسَه على الكلمة والنَّظرة، يُحاسِب نفسَه على ما يدور في خلده قبل أن يقف بين يدي الله، ويقول له: من أين لك هذا؟ وبماذا صرفت هذا؟ من أين اكتسبتَه؟ وفيمَ أنفقتَه؟ هذه اليد ماذا عملتَ بها؟ السَّاعة الفلانية حصل كذا، الوقت الفلاني نظرتَ إلى كذا، كلّها مُحصاة، كما قال الله : وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف:49]، كما قال بعضُ السَّلف: ضجّوا من الصَّغائر قبل الكبائر[6]، قدّمت الصَّغائر على الكبائر: لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا.

    فكل هذه الخُطا -أيّها الأحبّة- والممارسات والمزاولات والأعمال مرصودة، والمسألة مسألة وقتٍ فقط، هي مسألة وقتٍ، إذا مات الإنسانُ قامت قيامته، وبعد ذلك يتوسّد جزاءه وعمله، فينعم، أو يُعذَّب، ومدّة البقاء في البرزخ هي مدّة تُعتبر يسيرةً جدًّا إذا ما بُعث الناسُ يوم القيامة؛ ولهذا سمّوها مرقدًا: مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا [يس:52]، مرقد، رقدة، انظروا إلى أصحاب الكهف كم لبثوا، ولم استيقظوا قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، هكذا عالم البرزخ، مع أنَّهم ما ماتوا، لكن هذا يُشبه هذا، الذي مرَّ على قريةٍ وهي خاويةٌ لما أماته اللهُ مئة عامٍ، فلمَّا بُعث قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [البقرة:259]، وهكذا.

    فيعلم العبدُ أنَّ اللقاءَ حقٌّ، إذًا هو يحتاج إلى العمل والجدِّ والاجتهاد، والمحاسبة للنَّفس على الصَّغير والكبير، ما يحتاج أحدًا يُحاسبه، ولا يحتاج أحدًا يقف على رأسه، ولا يحتاج أحدًا يقول له: أين أنت؟ أين ذهبتَ؟ أين جئتَ؟ وماذا طالعتَ؟ وماذا شاهدتَ؟ وماذا لقيتَ؟ وماذا أنفقتَ؟ وماذا أخذتَ؟ ومن أين لك هذه المكاسِب؟ ينبغي أن يكون عليه حسيبٌ من نفسه.

    لقاؤك حقٌّ، وقولك حقٌّ، وفي "صحيح البخاري" في روايةٍ بالتَّعريف: لقاؤك الحقُّ[7]، مثل التي قبله: وقولك الحقُّ.

    انتهى الوقتُ، نتوقف عند هذا، وأسأل الله  أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هُداةً مُهتدين.

    اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا.

    اللهم لا تجعل لنا في هذه السَّاعة ذنبًا إلا غفرتَه، ولا عيبًا إلا سترتَه، ولا مريضًا إلا عافيتَه، ولا مهمومًا إلا فرَّجْتَ همَّه، ولا مَدِينًا إلا قضيتَ دينَه، ولا تائبًا إلا قبلتَه، ولا ميتًا إلا رحمتَه.

    ربنا اغفر لنا، ولوالدينا، ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنَّك رؤوفٌ رحيمٌ.
    ---------------------------------------------------------------------------
     1  أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} [الفتح:15]، برقم (7499).
     2  أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدُّعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (769).
      3 انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (2/343)، و"التوحيد" لابن منده (2/166).
     4  انظر: "الشعر والشعراء" لابن قتيبة (1/271).
     5  انظر: "تفسير السعدي" (ص949).
     6  انظر: "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" للشنقيطي (3/289).
     7  أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23]، برقم (7442).
    -####################

    ******************************************************
    دعاء الاستفتاح
    " ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن... "


    الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.

    أما بعد: لم يزل الحديثُ -أيّها الأحبّة- عن هذا الدُّعاء الجامع والذكر الذي اشتمل على معانٍ عظيمةٍ، وهو قوله: اللهم لك الحمدُ، أنت نور السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ، ولك الحمدُ، أنت قيّم السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ، ولك الحمدُ، أنت ربّ السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ، أنت الحقُّ، ووعدك الحقُّ، وقولك الحقُّ، ولقاؤك الحقُّ، والجنة حقٌّ، والنار حقٌّ، والنَّبيون حقٌّ، والسَّاعة حقٌّ، اللهم لك أسلمتُ، وبك آمنتُ، وعليك توكَّلتُ، وإليك أنبتُ، وبك خاصمتُ، وإليك حاكمتُ، فاغفر لي ما قدَّمتُ وما أخَّرتُ، وما أسررتُ وما أعلنتُ، أنت إلهي، لا إله إلا أنت[1]، إلى آخر ما جاء في هذا الذكر.

    وقد تكلَّمنا على صدره، وفي الحال التي يُقال فيها: هل يُقال إذا قام من نومه إلى قيام الليل قبل أن يدخل في صلاته، أو أنَّه يقول ذلك في استفتاح صلاة الليل؟ وأنَّ هذا هو الأقرب -والله تعالى أعلم-؛ لأنَّه في روايةٍ جاء التَّصريحُ بذلك، وتكلمنا أيضًا على المراد بقوله: أنت نور السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ.

    ونُواصل بعد ذلك في الكلام على هذه المعاني والجُمَل التي جاءت في هذا الحديث: هنا قال أيضًا بعد قوله: اللهم لك الحمدُ، أنت نور السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ، ولك الحمدُ، أنت قيّم السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ، فكرر حمدَه -تبارك وتعالى-، فهو مُستحقٌّ للحمد على كل حالٍ، مُستحقٌّ للحمد لأنَّه نور السَّماوات والأرض، وهو أيضًا هادي أهل السَّماوات والأرض، فهو محمودٌ على ذلك كلِّه، وهذا كلّه من كماله -جلَّ جلاله، وتقدَّست أسماؤه-، وله الحمد أيضًا -تبارك وتعالى- لكونه قيّم السَّماوات والأرض: ولك الحمدُ، أنت قيّم السَّماوات والأرض، فقيم السَّماوات والأرض: القيّم، والقيّام، والقيّوم؛ كل ذلك بمعنًى مُتقاربٍ، أو يرجع إلى معنًى واحدٍ.

    وقد جاء في القرآن من أسمائه -تبارك وتعالى-: القيّوم، كما في آية الكرسي، وقد مضى الكلامُ على هذا الاسم الكريم في شرح الأسماء الحسنى، وقلنا هناك: بأنَّ من المعاني الدَّاخلة فيه أنَّه قائمٌ بنفسه، مُقيمٌ لغيره، فإنَّ قيام الخلق إنما هو بإقامة الله  لهم، وإلا فلا قيامَ لهم بحالٍ من الأحوال: لا في أمور معاشهم، ولا في أمور دينِهم أو معادهم إلا بالله -تبارك وتعالى-، كما أنَّه القائم على خلقه بأرزاقهم وأعمالهم وآجالهم، فهو -تبارك وتعالى- يقوم عليهم في ذلك كلِّه، ويُحصي عليهم أعمالهم، ولا تخفى عليه من ذلك خافية.

    فهنا قيّم السَّماوات والأرض، وفي الرِّواية الأخرى: قيّام السَّماوات والأرض[2]، فمن صفاته -تبارك وتعالى- القيومية: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [الرعد:33]، فهو قائمٌ على كل شيءٍ، مُدبرٌ لأمر الخليقة، يقوم -تبارك وتعالى- عليها بما يكون به قيامها.

    فهذا الحديث جاء فيه القيّام، والقيّم، وقد عدَّ ذلك أبو بكر ابن العربي وكذلك أيضًا ابن منده قبله من جملة أسماء الله الحسنى، يعني: القيّام، القيّوم، مُجمعٌ عليه، وهو الذي تكلمنا عليه في الأسماء الحسنى، ولكن القيّم والقيّام لم يذكره في عداد الأسماء الحسنى سوى ابن منده، وكذلك أيضًا أبو بكر ابن العربي -رحم الله الجميع-، وهكذا أيضًا القيّم؛ فإنَّ الذي ذكره في عداد الأسماء الحسنى هو أبو بكر ابن العربي[3].

    هنا يحتمل أنَّ النبي ﷺ سمع منه هذا وهذا، يعني: أنَّه تارةً قال ذلك؛ لأنَّه يقوله في الاستفتاح، تارةً قال: قيّم، وتارةً قال: قيّام، فيكون ذلك محفوظًا عن رسول الله ﷺ.

    ويحتمل أن يكون ذلك من قِبَل الرُّواة، ويكون النبيُّ ﷺ إنما قال أحد اللَّفظين، هذا يحتمل.

    وعلى كل حالٍ، الذين تكلَّموا على أسماء الله الحسنى لم يُوردوا هذين من جملة هذه الأسماء: لا من المتقدمين، ولا من المتأخّرين، ولا أرى حاجةً للتَّطويل في الكلام على هذا، فقد ذكرتُ أشياء في المقدِّمات فيما يُعدّ من الأسماء الحسنى، فالقيّوم جاء هكذا مُعرَّفًا بأل على سبيل الإطلاق: الحي القيّوم، هذا لا خلافَ أنَّه من جملة الأسماء، لكن هناك ما جاء بصيغة التَّنكير، أو بالإضافة، فهذا يختلف العلماءُ فيه: هل يُعدّ من جملة الأسماء، أو لا؟ بصرف النَّظر عن الرِّواية هنا، والاحتمال الوارد عليها، فهو محمودٌ -تبارك وتعالى- على ذلك كلِّه: على إقامته لخلقه، وقيامه عليهم بأرزاقهم، وآجالهم، وأعمالهم، فله الحمدُ على هذه الكمالات المتنوعة.

    ولك الحمدُ، أنت ربّ السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ، فهو محمودٌ على ربوبيَّته -تبارك وتعالى-، وعرفنا أنَّ الربَّ يأتي بمعنى: السَّيد، فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا [يوسف:41]، يعني: يسقي سيّده. ويأتي أيضًا بمعانٍ أُخَر: كالمصلِح لشؤون غيره، المصلح لغيره، المربي لغيره، وغير ذلك من المعاني المتنوعة التي ذكرناها في الكلام على اسمه "الرب" عند ذكره في جملة الأسماء الحسنى، وقلنا هناك: بأنَّ هذا الاسم الكريم بالنَّظر إلى بعض معانيه يتضمن صفة ذاتٍ، مثل: السيد، وفي بعض معانيه -مثل: المربي- هو صفة فعلٍ، المصلح لشؤون خلقه، وهكذا، فالله -تبارك وتعالى- محمودٌ على ربوبيَّته.

    وكذلك: ولك الحمدُ، أنت ملك السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ، والملك هو التَّصرف المطلق، فهو المتصرِّف في هذا الخلق، كما أنَّه هو ربّه -تبارك وتعالى-، وسيد هؤلاء المخاليق، كذلك أيضًا هو الملك الذي يتصرَّف في هذا الخلق من غير قيدٍ، يعني: يتصرَّف فيه تصرُّفًا مطلقًا، وهو محمودٌ -تبارك وتعالى- على ملكه.

    ولك الحمدُ، أنت الحقُّ الحقُّ من أسمائه -تبارك وتعالى-، وسيأتي الكلامُ عليه -إن شاء الله تعالى- مُفصَّلاً في الأسماء الحسنى، فالحقُّ فسّر بأنَّه الذي لا خلفَ في وعده، وهذا من معاني الحقِّ، وكذلك أيضًا أنَّه الحقُّ يُقال لما هو ثابتٌ، والباطل زاهقٌ ذاهبٌ، فالله -تبارك وتعالى- هو الحقّ أيضًا بهذا الاعتبار.
    ألا كلّ شيءٍ ما خلا الله باطلٌ[4]

    ويكون ذلك مُنتظمًا لمعنًى مُتحقق وجوده، فكل ما صحَّ وجوده وتحقق فهو حقٌّ، ومنه "الحاقَّة" اسمٌ من أسماء القيامة؛ لأنَّها واقعة وكائنة لا محالةَ، وكذلك أيضًا كما قال الله -تبارك وتعالى-: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحج:6]، فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:116].

    يقول الشيخُ عبدالرحمن بن سعدي -رحمه الله-: الحقُّ في ذاته وصفاته، فهو واجبُ الوجود، كامل الصِّفات والنُّعوت، وجوده من لوازم ذاته، ولا وجودَ لشيءٍ من الأشياء إلا به، فهو الذي لم يزل ولا يزال بالجلال والجمال والكمال موصوفًا، ولم يزل ولا يزال بالإحسان معروفًا، فقوله حقٌّ، وفعله حقٌّ، ولقاؤه حقٌّ، ورسله حقٌّ، وكتبه حقٌّ، ودينه هو الحقُّ، وعبادته وحده لا شريكَ له هي الحقُّ، وكل شيءٍ يُنْسَب إليه -يعني بحقٍّ- فهو حقٌّ، يعني: كلّ ما يُنسب إليه من الكمالات فهو حقٌّ: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [لقمان:30][5]، فالله حقٌّ بذاته، بأسمائه، بصفاته، بأفعاله، بوعده.

    ووعدك الحقّ الصِّدق: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً [النساء:122]، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87]، فالاستفهام هنا مُضمّن معنى النَّفي، يعني: لا أحدَ أصدق من الله قيلاً، ولا أحدَ أصدق من الله حديثًا، وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً [الأنعام:115]، صدقًا في الأخبار، وعدلاً في الأحكام، فلا يتطرّق إليه -إلى كلامه وأخباره- شيءٌ من الخلف، فهو مُنَزَّهٌ عن ذلك.

    وعدك الحقّ، ولقاؤك حقٌّ يعني: البعث وما بعده، فالناس يرجعون إلى الله -تبارك وتعالى- بعد مماتهم، ويُجازيهم على أعمالهم، ويُحاسبهم عليها: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ [الأنعام:30]، فالناس يقفون بين يديه -تبارك وتعالى- ويُجازيهم ويُحاسبهم على الصَّغير والكبير: إمَّا على سبيل العرض، وإمَّا أن يكون ذلك على سبيل المحاسبة الدَّقيقة والمناقشة التي يُعذَّبون بسببها.

    كل هذا -أيّها الأحبّة- إذا كان العبدُ يقول مثل هذا الكلام وهو يُوقِن أنَّ الله هو الحقّ؛ إذًا ما عداه فهو باطلٌ مما يتوجّه إليه العابدون، تُصرف إليه العبادات، تتعلق به القلوب والنفوس.

    وكذلك أيضًا وعده الحقّ، فإذا كان كذلك فإنَّ الإنسانَ يجدُّ ويجتهد في طاعته، ويبذل في سبيله؛ لأنَّه يعلم أنَّ الله -تبارك وتعالى- سيُجازيه ويُعطيه الحسنةَ بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعفٍ، ولكنَّه ضعف اليقين -أيّها الأحبّة- عندنا هو الذي يُقعدنا عن المبادرة، وعن الجدِّ والاجتهاد، وإذا أراد الإنسانُ أن يتصدَّق ولو بالقليل بدأ يحسب، لكن في المقابل لو أنَّه قيل له: هذه مُساهمة رابحة الضِّعف فقط، أو أقلّ من الضِّعْف، تربح ثلاثين بالمئة، أو تربح الربعَ، بل أقلّ من هذا، بل لا يدرون ما الذي يحصل لهم من الربح أو الخسارة؛ تجد الكثير لربما يقترض من أجل أن يُساهم، ويتحسّر إذا بلغه خبر مُساهمةٍ لم يُدركها، ولم يشعر بها، كيف فاتته؟

    أما أعمال الآخرة المضمونة التي ضمن اللهُ  عليها الجزاء المضاعف عشرة أضعاف، إلى سبعمئة ضعفٍ، إلى أضعافٍ كثيرةٍ، فهذه نجد أننا نحسب فيها الحسابات الكثيرة، مع أنَّ هذا هو الحقّ الذي يبقى، وهذه التِّجارة الرابحة حينما يجد الإنسانُ التَّمرةَ التي تصدّق بها بقدر أُحُدٍ، لكن ماذا عسى أن يحصل من مُساهمةٍ وضع فيها عشرة آلاف، أو أقلّ، أو أكثر؟ ماذا عسى أن تجني إن لم تتعثر أو تخسر؟ قد تجلس هذه المساهمات سنين طويلة، وقد تذهب أمواله من أصلها، ومع ذلك الناس لا يرعوون، ولا يتوبون، ولا يعتبرون، ولا يتَّعظون بما يجري لهم، المساهمات يُكررونها، ويُخاطرون، مع أنَّهم يتلقّون الدُّروس تلو الدُّروس في مُساهماتٍ أحيانًا مجهولة، وقد تكون وهميَّةً، ولكن الطَّمع غلَّاب، أمَّا المضمون فالغفلة غالبة.

    وإذا عرف الإنسانُ أيضًا أنَّ وعده حقٌّ، وأنَّ لقاءه حقٌّ، وأنَّ قوله حقٌّ؛ فإنَّه يبدأ يُحاسِب نفسَه على كلِّ ما يأتي ويذر، يُحاسِب نفسَه على الكلمة والنَّظرة، يُحاسِب نفسَه على ما يدور في خلده قبل أن يقف بين يدي الله، ويقول له: من أين لك هذا؟ وبماذا صرفت هذا؟ من أين اكتسبتَه؟ وفيمَ أنفقتَه؟ هذه اليد ماذا عملتَ بها؟ السَّاعة الفلانية حصل كذا، الوقت الفلاني نظرتَ إلى كذا، كلّها مُحصاة، كما قال الله : وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف:49]، كما قال بعضُ السَّلف: ضجّوا من الصَّغائر قبل الكبائر[6]، قدّمت الصَّغائر على الكبائر: لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا.

    فكل هذه الخُطا -أيّها الأحبّة- والممارسات والمزاولات والأعمال مرصودة، والمسألة مسألة وقتٍ فقط، هي مسألة وقتٍ، إذا مات الإنسانُ قامت قيامته، وبعد ذلك يتوسّد جزاءه وعمله، فينعم، أو يُعذَّب، ومدّة البقاء في البرزخ هي مدّة تُعتبر يسيرةً جدًّا إذا ما بُعث الناسُ يوم القيامة؛ ولهذا سمّوها مرقدًا: مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا [يس:52]، مرقد، رقدة، انظروا إلى أصحاب الكهف كم لبثوا، ولم استيقظوا قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، هكذا عالم البرزخ، مع أنَّهم ما ماتوا، لكن هذا يُشبه هذا، الذي مرَّ على قريةٍ وهي خاويةٌ لما أماته اللهُ مئة عامٍ، فلمَّا بُعث قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [البقرة:259]، وهكذا.

    فيعلم العبدُ أنَّ اللقاءَ حقٌّ، إذًا هو يحتاج إلى العمل والجدِّ والاجتهاد، والمحاسبة للنَّفس على الصَّغير والكبير، ما يحتاج أحدًا يُحاسبه، ولا يحتاج أحدًا يقف على رأسه، ولا يحتاج أحدًا يقول له: أين أنت؟ أين ذهبتَ؟ أين جئتَ؟ وماذا طالعتَ؟ وماذا شاهدتَ؟ وماذا لقيتَ؟ وماذا أنفقتَ؟ وماذا أخذتَ؟ ومن أين لك هذه المكاسِب؟ ينبغي أن يكون عليه حسيبٌ من نفسه.

    لقاؤك حقٌّ، وقولك حقٌّ، وفي "صحيح البخاري" في روايةٍ بالتَّعريف: لقاؤك الحقُّ[7]، مثل التي قبله: وقولك الحقُّ.

    انتهى الوقتُ، نتوقف عند هذا، وأسأل الله  أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هُداةً مُهتدين.

    اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا.

    اللهم لا تجعل لنا في هذه السَّاعة ذنبًا إلا غفرتَه، ولا عيبًا إلا سترتَه، ولا مريضًا إلا عافيتَه، ولا مهمومًا إلا فرَّجْتَ همَّه، ولا مَدِينًا إلا قضيتَ دينَه، ولا تائبًا إلا قبلتَه، ولا ميتًا إلا رحمتَه.

    ربنا اغفر لنا، ولوالدينا، ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنَّك رؤوفٌ رحيمٌ.
    -----------------------------------
     1 أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} [الفتح:15]، برقم (7499).
     2  أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدُّعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (769).
      3 انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (2/343)، و"التوحيد" لابن منده (2/166).
     4  انظر: "الشعر والشعراء" لابن قتيبة (1/271).
      5 انظر: "تفسير السعدي" (ص949).
      6 انظر: "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" للشنقيطي (3/289).
     7  أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23]، برقم (7442).
    ##############################
    ما زلنا أحبابي جزاكم الله خيرا
    ولا تنسونا من صالح دعئك

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    أدعيه ألإستفتاح (2) " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا...  Empty المفاضلة بين أدعية الاستفتاح ومواضع الدعاء في الصلاة

    مُساهمة من طرف صادق النور الأربعاء مايو 04, 2022 11:37 pm

    المفاضلة بين أدعية الاستفتاح ومواضع الدعاء في الصلاة



    إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    حاصل ما ذكرناه في الليلة الماضية: أنَّ دعاء الاستفتاح قيل له "دُعاء" مع أنَّ بعضَه من قبيل الذكر باعتبار أنَّ الذكرَ يكون تارةً من قبيل الدعاء، وتارةً من قبيل الثَّناء والإخبار عن المعبود -تبارك وتعالى- بصفات الكمال، أو إخبار العابد عن نفسه بأنَّه يذكر ربَّه -تبارك وتعالى- بأوصافه الكاملة، أو باعتبار أنَّ الغالبَ على هذه الآثار والأحاديث المنقولة في الاستفتاح أنَّها من قبيل الدُّعاء.

    وعرفنا أيضًا أنَّ دعاء الاستفتاح سُنَّة على قول عامَّة أهل العلم، وليس بواجبٍ، وكذلك أيضًا أنَّ أدعية الاستفتاح متنوعة، وأنَّه لا بأس أن يتخيَّر منها المكلَّف ما شاء -فإنَّ ذلك لا حرجَ فيه- مما صحَّ عن رسول الله ﷺ.

    دعاء الاستفتاح قيل له: "دعاء" إمَّا باعتبار أنَّ ذلك من قبيل إطلاق الدُّعاء على بعض الأنواع الواردة في الاستفتاح؛ فإنَّ بعضها من قبيل الدُّعاء كما هو معلومٌ، أو أنَّ ذلك باعتبار ما ذكرنا في مُقدّمات الأذكار؛ حيث ذكرنا أنَّ الذكرَ يكون على أنواعٍ:

    النوع الأول: ما يكون من قبيل الثَّناء على الله -تبارك وتعالى-، والإخبار عن كمالاته، فهذا أكمل الأنواع.

    النوع الثاني: ما كان من قبيل إخبار العبد عن نفسه وعن ذكره لربِّه -تبارك وتعالى-.

    النوع الثالث: هو ما كان من قبيل السؤال والطَّلب، يسأل ربَّه.

    فإذا قيل: "دعاء الاستفتاح" فهذا كلّه من قبيل الدُّعاء، فهذا الذي يُخبر عن ربِّه بأوصاف الكمال، ويُثني عليه بذلك إنما يريد ما عند الله من الأجر، فهو سائلٌ بهذا الاعتبار.

    والثاني الذي يُخبر عن نفسه أنَّه عابدٌ وذاكرٌ، وما إلى ذلك، هو يريد ما عند الله، فهو سائلٌ بهذا الاعتبار.

    والثالث الذي يقول: "يا ربّ"، ويسأل سؤالاً مُباشرًا، فهذا واضحٌ، فيكون الجميعُ بهذا الاعتبار يُقال له: دعاء، ويُقال له: ذكر، فالذكر يشمل هذه الأنواع، والدُّعاء أيضًا يصدق على ذلك كلِّه.

    فلاحظوا مثل هذه الأذكار الواردة: حينما يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله غيرك[1]، فهذا من النوع الأول: الثَّناء على الله -تبارك وتعالى-، وإضافة أوصاف الكمال له.

    وحينما يقول: وجَّهتُ وجهي للذي فطر السَّماوات والأرض حنيفًا، وما أنا من المشركين، إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين، لا شريكَ له، وبذلك أُمرتُ وأنا من المسلمين[2]، فهذا من النوع الثاني: إخبار العبد عن نفسه أنَّه عابدٌ لربه، وأنَّه ذاكرٌ له.

    وقلنا بأنَّ هذا الذكر جاء فيه بعد هذا الإخبار: اللهم أنت الملك، لا إله إلا أنت، أنت ربي، وأنا عبدك[3]، فهذا من قبيل الثَّناء على الله ، ثم جاء فيه: ظلمتُ نفسي، واعترفتُ بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، إنَّه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيّئها، لا يصرف عني سيّئها إلا أنت[4]، هذا من قبيل السؤال، فيكون هذا الدُّعاء أو هذا الذكر الذي يُقال في الاستفتاح قد اشتمل على الأنواع الثلاثة.

    فلو تأملتَ جميع الأذكار الواردة في الاستفتاح، فهي لا تخرج عن هذه الأنواع الثلاثة، ومن ثم قيل له: دعاء الاستفتاح.

    بقي في هذه الليلة -أيّها الأحبّة- أن نتحدث عن المفاضلة بين أدعية الاستفتاح: ما الأفضل من هذه الأدعية والاستفتاحات الواردة عن النبي ﷺ؟

    المفاضلة بين ما ورد: من أهل العلم مَن نظر فيها إلى المضمون، وإلى ما تضمّنته هذه الأحاديث من المعاني؛ فرجَّح بهذا الاعتبار، مثل شيخ الإسلام -رحمه الله- جعلها من هذه الحيثية على ثلاثة أنواعٍ:

    النوع الأول: ما كان من قبيل الثَّناء على الله.

    والثاني: ما كان من قبيل إخبار العبد عن عبادة ربِّه -تبارك وتعالى-.

    والنوع الثالث: وهو السّؤال والطَّلب[5].

    وقد مضى كلامُه في المقدّمات الذي أبان فيه عن أنَّ الثَّناء على الله -تبارك وتعالى- هو الأفضل من الأذكار، ثم يلي ذلك ما كان من نوع إخبار العبد عن عبادته لربِّه -تبارك وتعالى-، وأنَّ النوع الثالث هو ما كان من قبيل السؤال.

    فشيخ الإسلام يرى أنَّها بهذا التَّدريج: أنَّ ما كان من قبيل الثَّناء فهو أفضل، ومن ثم فهو يُقرر بناءً على ذلك أنَّ قوله: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله غيرك أنَّ هذا أفضل.

    وكذلك ما كان من هذا القبيل، كقوله: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بُكرةً وأصيلاً[6]، لكنَّه حينما يُفاضل بين هذه الأدعية أو الأذكار التي تتضمّن الثَّناء يُرجح الأول، وهو قوله: سبحانك اللهم وبحمدك، باعتبار أنَّ ذلك قد تضمّن الباقيات الصَّالحات: تسبيح وتحميد، وكلمة التَّوحيد.

    وكذلك أيضًا: وتبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله غيرك، بقيت تكبيرة الإحرام، فيكون هذا تضمّن أفضل الكلام: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر -كما سبق-، فيكون هذا الذكرُ متضمنًا لهذه الأمور، وهو أفضل الكلام بعد القرآن.

    وكذلك أيضًا أنَّ: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرك كلّ ذلك في القرآن، يعني: من حيث الجملة، وإن لم يكن ذلك بحروفه.

    ونحن نعلم كلام أهل العلم في الدُّعاء في الصَّلاة إذا ذُكِر فيه شيءٌ من غير القرآن، هل يصحّ أو لا؟ سواء كان ذلك مما جاء من كلام رسول الله ﷺ، أو مما يُنشئه العبدُ من نفسه.

    فالرَّاجح أنَّ هذا لا إشكالَ فيه، ولا يُبطل الصَّلاة، وإن كان الأفضل أن يكون الذكرُ والدعاءُ في الصَّلاة من قبيل المأثور، لكن من أهل العلم مَن يقول بأنَّ الذكرَ إذا كان من غير القرآن فإنَّه لا يصحّ. هكذا يقول بعضُهم، ولكن هذا فيه نظر، بل هذا غير صحيحٍ، لا شكَّ أنَّ ما كان من القرآن فهو أكمل وأفضل.

    فالمقصود أنَّ شيخَ الإسلام -رحمه الله- يُرجح هذا الاستفتاح: سبحانك اللهم وبحمدك؛ لأنَّه تضمن الباقيات الصَّالحات؛ ولأنَّ مضمون هذه الجمل جميعًا موجودٌ في القرآن[7]، ومن هنا كان أكثرُ السَّلف يستفتحون به، وكان عمرُ  يجهر به من أجل تعليم الناس[8].

    يأتي النوع الثاني: وهو الخبر عن عبادة الله، كما في دعاء الاستفتاح الآخر: وجهتُ وجهي للذي فطر السَّماوات والأرض حنيفًا، فهذا يُخبر به عن نفسه: أنَّه وجَّه وجهه لله، وأنَّه يُوحده ويعبده، وما إلى ذلك، وهذا أيضًا مُتضمن للدعاء؛ لأنَّه جاء في آخره الدّعاء، فهذا يكون قد جمع بين الأنواع الثلاثة، وإذا كان قد جاء به بعد قوله: سبحانك اللهم وبحمدك فهو الأكمل، كما قال شيخُ الإسلام -رحمه الله-: "ومَن جمع بينهما، فاستفتح بـسبحانك اللهم وبحمدك إلى آخره، ووجَّهتُ وجهي فقد أحسن"[9]؛ ليكون مُتضمنًا للأنواع الثلاثة.

    هكذا رجَّح واختار، وبذلك أيضًا قال جمعٌ من أهل العلم: كأبي يوسف صاحب أبي حنيفة[10]، والوزير ابن هُبيرة من الحنابلة[11]، وآخرين.

    النوع الثالث: وهو ما كان من قبيل الدُّعاء المحض، كقوله: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدتَ بين المشرق والمغرب[12]، فهذا دعاءٌ، والإمام أحمد -رحمه الله- يستحسن هذا، فرُوي عنه أنَّه قال: "ما أحسن حديث أبي هريرة في الاستفتاح!"[13]، يقصد هذا، فَقِيلَ لَهُ: فإنَّ بعضَ النَّاس يَقُول: هَذَا كلامٌ؟ -يعني: ليس من القرآن- فَقَالَ مُتعجِّبًا: "وهل الدُّعاء إلا كلام فِي الصَّلاة ويجوز؟!"[14].

    وكما سبق من أهل العلم مَن يقول بأنَّ الدعاء ينبغي أن يكون من القرآن، وهذا ذهب إليه بعضُ أهل الكوفة، ولكن فيه نظر، فلا إشكالَ أن يكون الدُّعاءُ مما ورد في القرآن، ومما ورد عن رسول الله ﷺ، بل مما يُنشئه المصلِّي من عند نفسه.

    وأيضًا من طرق التَّرجيح عند بعض أهل العلم بين هذه الأذكار: النَّظر إلى الثُّبوت والصحّة، فلا شكَّ أنَّ الذي يُقال من ذلك إنما هو ما صحَّ عن رسول الله ﷺ، ولكن هذا يتفاوت أيضًا؛ فذهب بعضُ أهل العلم إلى اختيار ما ورد في "الصحيحين"، فقدَّموه على غيره.

    فإذا نظرنا في جملة الأذكار الواردة، فإنَّ حديثَ أبي هريرة  الذي فيه: اللهم باعد بيني وبين خطاياي هذا مُخرَّجٌ في "الصَّحيحين"، ومن ثَمَّ فبعض أهل العلم قدَّمه، ولكن ليس هذا بمُفرده الذي ثبت في "الصحيحين"، وإنما جاء غيرُه أيضًا، مثل حديث: اللهم لك الحمد أنت نور السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ، فهو أيضًا مُخرَّجٌ في "الصحيحين".

    ثم بعد ذلك يأتي ما أخرجه أحدُهما: البخاري أو مسلم، فمن ذلك حديث عليٍّ  الذي فيه: وجَّهتُ وجهي للذي فطر السَّماوات والأرض، فهذا أخرجه الإمامُ مسلم في "صحيحه"، وكذلك أيضًا ما جاء من قوله: اللهم ربّ جبرائيل وميكائيل، فإنَّ هذا أيضًا قد أخرجه الإمامُ مسلم.

    أمَّا سبحانك اللهم وبحمدك فالذي أخرجه مسلمٌ إنما هو من قول عمر : أنَّه كان يجهر به في الصَّلاة. أمَّا المرفوع إلى النبي ﷺ فلم يُخرّج في "الصَّحيحين"، وإنما هو عند بعض أصحاب السُّنن، لكنَّه ثابتٌ عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام-.

    ولو قيل بأنَّ المكلَّف الأفضل في حقِّه أن يُنوِّع في هذه الأدعية والأذكار الواردة، كما كان رسولُ الله ﷺ يفعل، ولكن هذه الأذكار والأدعية على نوعين: نوعٌ جاء على سبيل الإطلاق، أو أنَّ النبي ﷺ قاله في الصَّلاة المكتوبة. ونوعٌ جاء تقييده بأنَّ النبي ﷺ قاله في صلاة الليل، ومن الأمثلة على هذا حديث أبي هريرة: اللهم باعد بيني وبين خطاياي، فهذا جاء مُطلقًا، وهو في "الصحيحين"، وحديث عليٍّ : وجَّهتُ وجهي للذي فطر السَّماوات والأرض، هذا كان إذا قام إلى الصَّلاة، فلم يُحدد أنَّ ذلك في صلاة الليل، أو في صلاة الفرض، وهذا أخرجه الإمامُ مسلم.

    وكذلك أيضًا حديث: سبحانك اللهم وبحمدك، فإنَّ هذا جاء في بعض رواياته: أنَّه قاله في قيام الليل. وفي بعض رواياته: أنَّه إذا استفتح الصَّلاة قاله. وهذا يشمل صلاةَ الليل، وصلاةَ النَّافلة، وصلاةَ الفريضة، ومن ثَمَّ يُمكن أن يُلحق هذا بالمطلق؛ فتكون مثل هذه المواضع يُنوّع المسلمُ بينها في صلاة الفريضة، وما جاء مُقيَّدًا بصلاة الليل فإنَّه يُقال في صلاة الليل، مثل: اللهم لك الحمد أنت نور السَّماوات والأرض ومَن فيهنَّ، هذا في "الصحيحين"، لكنَّه كان يقوله في صلاة الليل، وكذلك حديث: اللهم ربّ جبرائيل وميكائيل، فإنَّ هذا أخرجه الإمامُ مسلم، لكن النبي ﷺ كان يقوله في قيام الليل.

    الخلاصة: أنَّ ما جاء على سبيل الإطلاق، فإنَّ ذلك يُقال في صلاة الفريضة والنَّافلة، وفي قيام الليل، وما جاء مُقيدًا بصلاة الليل، فالأولى أن يكون ذلك في صلاة الليل، ويُنوّع بينها، يعني: ما جاء في قيام الليل يُنوّع بين الأذكار الواردة في أدعية الاستفتاح، مع ما جاء مُطلقًا، وما كان في صلاة الفريضة، أو في غير قيام الليل من صلاة النَّوافل والسُّنن الرَّواتب؛ يُنوّع فيها بما جاء على سبيل الإطلاق.

    هذا وجهٌ من التَّرجيح، وأظنّه أقرب -والله تعالى أعلم-، ولا شكَّ أنَّ هدي النبي ﷺ هو الأكمل.

    وهل يجهر بدُعاء الاستفتاح؟

    الأصل أنَّه يُسِرُّ به، إنما كان عمرُ  يجهر بذلك من أجل التَّعليم، كما كان بعضُ الصَّحابة -رضي الله تعالى عنهم- يجهرون بالاستعاذة من أجل التَّعليم، ولكن إن انتفت هذه الحاجة فإنَّه لا يجهر به، وإنما يُقال ذلك سرًّا.

    وأبو هريرة  قال للنبيِّ ﷺ: "يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أرأيتَ سكوتَك بين التَّكبير والقراءة؟ ما تقول؟"[15]، فدلَّ على أنَّه ما كان يجهر به ﷺ.

    وأخيرًا: هذه الاستفتاحات التي تضمّنت الدُّعاء هي بهذا الاعتبار أحد المواضع السّتة التي يُدْعَى فيها في الصَّلاة، وهذه المواضع:

    أول ذلك: بعد تكبيرة الإحرام، يعني: دعاء الاستفتاح، مثل: اللهم طهِّرني بالثَّلج والبرد والماء البارد[16]، ونحو ذلك مما ورد من الأدعية في الاستفتاح.

    الثاني: في الركوع، كما في حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها-: أنَّ النبي ﷺ كان يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربَّنا وبحمدك، اللهم اغفر لي[17]، فقوله: اللهم اغفر لي هذا دعاء، ولكن الأصل ألا يكون الدُّعاء في الركوع، بمعنى: لا يتحرَّى المكلَّف الدُّعاء في الركوع؛ لأنَّ النبي ﷺ قال: أمَّا الركوع فعظِّموا فيه الربّ، وأمَّا السُّجود فاجتهدوا فيه بالدُّعاء، فقَمِنٌ –يعني: حريٌّ- أن يُستجاب لكم[18]، لكن ما ورد كما في حديث عائشة: اللهم اغفر لي في قوله: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك هذا لا إشكالَ فيه.

    الثالث: إذا رفع من الركوع.

    الرابع: في السُّجود؛ فإنَّ النبي ﷺ كان يقول ذلك، بالإضافة إلى الحديث الذي ذكرتُه آنفًا، وهو أحرى مواضع الدُّعاء في الصَّلاة.

    والخامس: بين السَّجدتين، يقول: اللهم اغفر لي، وارحمني، وعافني، واهدني، وارزقني[19].

    والسادس: إذا فرغ من التَّشهد والصَّلاة على النبي ﷺ، فإنَّه يتخيَّر من الدُّعاء أعجبه[20]، كما ثبت ذلك عن رسول الله ﷺ.

    وشيخ الإسلام -رحمه الله- يرى أنَّ ما ورد في دُبر الصَّلاة، ومثل: دعاء الاستخارة، ومثل: اللهم أعني على ذكرك وشُكرك وحُسن عبادتك يُقال قبل السلام[21].

    هذا ما يتعلّق بهذه المسائل في هذه الليلة، وغدًا -إن شاء الله تعالى- نشرح الأحاديث الواردة في الاستفتاح.

    هذا، وأسأل الله  أن يُعلمنا وإيَّاكم ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علَّمنا، وأن يُفقهنا في الدِّين، والله أعلم.

    وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

    --------------------------------------------------------------
    أخرجه الترمذي في "سننه": أبواب الصَّلاة، باب ما يقول عند افتتاح الصَّلاة، برقم (242)، وأبو داود في "سننه": أبواب تفريع استفتاح الصَّلاة، باب مَن رأى الاستفتاح بـ"سبحانك اللهم وبحمدك"، برقم (775)، وابن ماجه في "سننه": كتاب إقامة الصَّلاة والسُّنة فيها، باب افتتاح الصَّلاة، برقم (804)، وصححه الألباني.
    أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدُّعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (771).
    أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدُّعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (771).
    أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدُّعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (771).
    "مجموع الفتاوى" (15/19).
    أخرجه مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يُقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (943).
    "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (2/121).7 "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (2/121).
    "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (2/165).
    "مجموع الفتاوى" (22/395).
    "مجموع الفتاوى" (22/395).
    متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التَّكبير، برقم (702)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصَّلاة، باب ما يُقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (940).
    "فتح الباري" لابن رجب (6/386).
    "فتح الباري" لابن رجب (6/386).
    أخرجه مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصَّلاة، باب ما يُقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (940).
    أخرجه مسلم: كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، برقم (735).
    متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب الدُّعاء في الركوع، برقم (752)، ومسلم: كتاب الصلاة، باب ما يُقال في الركوع والسُّجود، برقم (746).
    أخرجه مسلم: كتاب الصَّلاة، باب النَّهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (738).
    أخرجه أبو داود: كتاب الصَّلاة، باب الدعاء بين السَّجدتين، برقم (724)، والترمذي: كتاب الصلاة، باب ما يقول بين السَّجدتين، برقم (262)، وحسَّنه الألباني.
    أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب ما يتخير من الدُّعاء بعد التَّشهد وليس بواجبٍ، برقم (791).
    "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (2/213).
    ############################################
    أنتهينا أحبابي من أدعيه ألإستفتاح
    ونبدأ إن شاء الله تعالي في أدعيه الركوع
    تابعونا جزاكم الله خيرا
    ***********
    ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    أدعيه ألإستفتاح (2) " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا والحمدلله كثيرا...  Empty أدعية الاستفتاح

    مُساهمة من طرف صادق النور الخميس مايو 05, 2022 12:02 am




    أدعية الاستفتاح



    يسن أن يقول المصلي أحد الأدعية الواردة في الأحاديث التالية بعد تكبيرة الإحرام وقبل القراءة:

    1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ، سَكَتَ هُنَيَّةً، قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ،

    فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ، مَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ:

    اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ، كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ،

    اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ، كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ". (رواه البخاري ومسلم).

    • (معنى الدنس: الوسخ).



    2- عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ،

    قَالَ: " وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي، وَنُسُكِي، وَمَحْيَايَ، وَمَمَاتِي،

    لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ

    نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ،

    وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ، وَإِلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ" (رواه مسلم).



    3- عن أم المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها قالت: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا استفتحَ الصَّلاةَ

    قالَ: "سبحانَكَ اللَّهمَّ وبحمدِكَ وتبارَكَ اسمُكَ وتعالى جَدُّكَ ولا إلَهَ غيرَكَ" (رواه أبو داود والترمذي والنسائي وصححه الألباني).

    • (معنى تعالى جدك: علا جلالك وعظمتك وكبرياؤك).



    4- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا قامَ إلى الصَّلاةِ باللَّيلِ كبَّرَ ثمَّ

    يقولُ: "سبحانَكَ اللَّهمَّ وبحمدِكَ وتبارَكَ اسمُكَ وتعالى جدُّكَ ولا إلَهَ غيرُكَ ثمَّ يقولُ اللَّهُ أكبرُ كبيراً ثمَّ يقولُ أعوذُ باللَّهِ السَّميعِ العليمِ منَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ، مِن همزِهِ ونفخِهِ ونفثِهِ " (رواه الترمذي وصححه الألباني).



    وفي رواية أخرى:

    عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ كَبَّرَ،

    ثُمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرَكَ،

    ثُمَّ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثَلَاثًا، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، ثَلَاثًا، أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ، ثُمَّ يَقْرَأُ "(رواه أبو داود وصححه الألباني).

    • (معنى همزِهِ ونفخِهِ ونفثِهِ: قال ابن باز رحمه الله: جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر همزه بأنه: الصرع، ما يحصل من الصرع للناس من الشيطان، ونفخه: الكبر، أي ما يقع في نفوس الناس من الكبر، هو من الشيطان ينفخ في بعض الناس حتى يتكبر على عباد الله. ونفثه: الشِعْر المذموم، والقصائد المذمومة في ما حرم الله من تشبيه بالنساء، والدعوة إلى الزنا أو إلى الخمر أو إلى غيره مما حرم الله عز وجل).



    5- عَنْ أَنَسٍ بن مالك رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا، جَاءَ فَدَخَلَ الصَّفَّ، وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ،

    فَقَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ

    ، قَالَ: أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ، فَأَرَمَّ الْقَوْمُ، فَقَالَ: أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا،

    فَقَالَ رَجُلٌ: جِئْتُ وَقَدْ حَفَزَنِي النَّفَسُ، فَقُلْتُهَا. فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا، أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا" (رواه مسلم).

    • (معنى حَفَزَهُ النَّفَسُ: أي ضاق نفسه من كثرة السرعة في الطريق إلى الصلاة. معنى فَأَرَمَّ الْقَوْمُ: أي سكتوا. معنى يبتدرونها أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا: أي يسارعون في كتابة هذه الكلمات ورفعها إلى الله تعالى لعظمها وعظم قدرها).



    6- عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،

    إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا،

    فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنِ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟ "،

    قَالَ رَجُلٌ مِنِ الْقَوْمِ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " عَجِبْتُ لَهَا، فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ "،

    قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَمَا تَرَكْتُهُنَّ، مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ ذَلِكَ " (رواه مسلم).



    7- عن أَبُي سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، بِأَيِّ شَيْءٍ

    كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ، إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ "

    اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ

    يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " (رواه مسلم).





    • حديث ابن عباس قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال: " اللهم لك الحمد أنت قيِّمُ السموات

    والأرض ومن فيهن، ولك الحمد لك ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السموات ولك الحمد أنت ملك

    السموات والأرض، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق،

    ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت،

    وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخِّر، لا إله إلا أنت، أو لا إله غيرك " رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.



    • حديث حذيفة: " أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فكان يقول: " الله أكبر ثلاثاً، ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة " ثم استفتح فقرأ البقرة " رواه أحمد أبو داود والنسائي وصححه ابن القيم والألباني.



    • حديث عاصم بن حميد قال: " سألت عائشة بأي شيء كان يفتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيام الليل؟

    فقالت: " كان إذا كبَّر كبَّر عشراً، وحمد الله عشراً، وسبَّح عشراً، وهلل عشراً، واستغفر عشراً،

    وقال: " اللهم اغفر لي، واهدني، وارزقني، ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة " رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني.



    • دعاء الاستفتاح يكون في الركعة الأولى فقط، وهذا من الفروق بين الركعة الأولى والثانية.



    قال ابن القيم: " وكان صلى الله عليه وسلم يصلي الثانية كالأولى إلا في أربعة أشياء: السكوت، والاستفتاح، وتكبيرة الإحرام، وتطويلها كالأولى، فإنه صلى الله عليه وسلم لا يستفتح ولا يسكت ولا يكبَّر فيها، ويقصرها عن الأولى ".



    • الصحيح أنه لا يُستفتح في صلاة الجنازة لأنها مبنية على التخفيف فلا ركوع فيها ولا سجود ولا تشهد وهو قول المذهب.



    • فائدة: إذا نسي الاستفتاح أو تركه عمداً حتى شرع في الاستعاذة لم يَعُد إليه، لأنه سنة فات محلها

    1- - أن دعاء الاستفتاح يكون بعد التكبير.

    2- أن دعاء الاستفتاح يقال سراً


    خمسة أشياء مختصة بالركعة الأولى


    يفعل المصلي في الركعة الثانية كما في الأولى لحديث أبي هريرة في قصة المسيء في صلاته، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ثم افعل ذلك في صلاتك كلها"، متفق عليه.



    ويستثنى من ذلك أشياء هي:

    تكبيرة الإحرام، ودعاء الاستفتاح، وتجديد النية، والاستعاذة، وتطويل الأولى أكثر من الثانية.



    1- تكبيرة الإحرام: وهذا بإجماع العلماء ولأن تكبيرة الإحرام إنما وضعت للدخول في الصلاة وهو منتف هنا.



    2- دعاء الاستفتاح: لأنه دعاء تفتح به الصلاة بعد تكبيرة الإحرام وهذا قد استفتح صلاته من قبل ولحديث أبي هريرة مرفوعاً: وإذا نهض إلى الركعة الثانية استفتح بالحمد لله ولم يسكت " رواه مسلم.



    3- تجديد النية: أي أن المصلي إذا أراد أن يدخل في صلاته فإنه لابد له أن ينوي للصلاة نية وهذه النية تكون قبيل الشروع في الصلاة فإذا قام للركعة الثانية فإنه لا يجدد نيته لأنه إن فعل ذلك بطلت نيته الأولى، ولم تنعقد الثانية لعدم تكبيرة الإحرام فتبطل صلاته.



    4- الاستعاذة:

    قول المذهب: أن الاستعاذة لا تشرع في الركعة الثانية وإنما هي في الركعة الأولى فقط.



    واستدلوا بحديث أبي هريرة السابق عند مسلم " وإذا نهض إلى الركعة الثانية استفتح بالحمد لله ولم يسكت ".



    وقالوا أيضاً لأن الصلاة عبادة واحدة فقراءتها قراءة واحدة.



    والقول الثاني: أن الاستعاذة تشرع في كل ركعة ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية.



    واستدلوا بقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل: 98].



    وقالوا أيضاً لأنه حال بين القراءة الأولى والثانية أذكار وأفعال.



    والأمر في هذا واسع.



    5- تطويل القراءة في الأولى أكثر من الثانية:

    وظاهر كلام صاحب زاد المستقنع أن الركعة الثانية كالركعة الأولى في القراءة.



    والقول الراجح والله أعلم: أن القراءة في الركعة الثانية دون القراءة في الأولى.



    ويدل على ذلك: حديث أبي قتادة قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورة، يطوِّل في الأولى ويقصر في الثانية".

    ########################################
    بارك اللهم فيكم أحبابي وتقبل الله منا ومنكم صالح ألأعمال والدعاء

    ::
    لا تنسونا من صالح دعائكم


    أحبكم في الله




    صادق النور يعجبه هذا الموضوع


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 10:12 pm