وقفات مع حجة النبي صلى الله عليه وسلم
أمر الله عباده باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم في غير ما آية من كتابه فقال سبحانه: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } ( الحشر:7 ) ، وجعل اتباع نبيه هو دليل المحبة الأول وشاهدها الأمثل، فقال سبحانه: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم } (آل عمران:31 )، والحج من أوضح العبادات التي يتجلى فيها اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والتأسي به، ولذلك كان لزاماً على كل حاج يريد صحة حجه، وقبول نسكه ، أن يتعرف على هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحج، هذا الهدي الذي لا يقتصر فقط على أحكام النسك، بل يتجاوزه إلى التأسي به في أحواله مع الله ومع الخلق.
وسنقف وقفات يسيرة أمام بعض الأمور التي تجلت في حجه صلى الله عليه وسلم، حتى يترسم الحاج خطاها، ويحرص على الاقتداء بنبيه صلى الله عليه وسلم فيها، قاصدين من ذلك التنبيه والإشارة، لا الحصر والإحاطة.
فقد تجلى في حجه صلى الله عليه وسلم الاعتناء بأمر التوحيد، وإخلاص العمل لله، حيث سأل ربه عز وجل أن يجنبه الرياء والسمعة، قائلاً: ( اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة ) رواه ابن ماجه ، وحرص على بيان التوحيد وإظهاره في جميع مناسك الحج وشعائره، بدءاً من التلبية إلى ركعتي الطواف والصفا والمروة، ويوم عرفة، وغير ذلك.
وكان صلى الله عليه وسلم في حجته حاضر القلب، خاشع الجوارح، كثير التضرع والمناجاة، حريصاً على السكينة والوقار، يقول جابر رضي الله عنه: "أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه السكينة"، وفي يوم عرفة سمع وراءه زجراً شديداً، وضرباً وصوتاً للإبل، فأشار بسوطه إلى الناس قائلاً: ( أيها الناس عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بالإيضاع ) يعني الإسراع، رواه البخاري .
وفي حجه تجلى بوضوح تعلقه صلى الله عليه وسلم بالدار الآخرة، وزهده في عاجل الحياة الدنيا، فقد حج على رحل رثٍّ، وقطيفة لا تساوي أربعة دراهم، كما عند ابن ماجه ، وقال وهو واقف بعرفة: ( لبيك اللهم لبيك، إنما الخير خير الآخرة ) رواه الحاكم و البيهقي ، قال ابن القيم : "وكان حجه على رحل، لا في محمل ولا هودج، ولا عمارية"، وهي أدوات تكون فوق الدابة، تسهل على المرء ركوبها، وكانت راحلته هي زاملته التي يحمل عليها متاعه وزاده، فلم تكن له ناقة أخرى خاصة بذلك، ولم يتميز صلى الله عليه وسلم في الموسم عن الناس بشيء، حتى إنه لما جاء إلى السقاية فاستسقى، قالوا له: نأتيك به من البيت، فقال: ( لا حاجة لي فيه، اسقوني مما يشرب منه الناس ) رواه أحمد .
وكان صلى الله عليه وسلم في حجته حريصاً على تعليم الناس أمر دينهم، وإقامة الحجة والبيان عليهم، ولم يدع فرصة سانحة لتعليم الناس والقيام بواجب البلاغ إلا انتهزها، فبين لهم أحكام المناسك، وأركان الإسلام وقواعده، ونهاهم عن الشرك، وانتهاك الحُرمات العظيمة التي جاءت الشرائع بالمحافظة عليها، من الدماء والأموال والأعراض، وذلك في مواطن عديدة من حجه.
وفي حجته عليه الصلاة والسلام ظهر تواضعه للناس، فقد أردف أسامة بن زيد رضي الله عنهما من عرفة إلى مزدلفة -وهو من الموالي- ووقف لامرأة من آحاد الناس يستمع إليها، ويجيب عن سؤالها، ولم يتخذ حُجَّاباً يصرفون الناس عنه، ويمنعونهم من مقابلته، وكان في إمكان أي أحد الوصول إليه وقضاء حاجته بيسر وسهوله.
ومن المظاهر التي تجلت في حجته صلى الله عليه وسلم رحمته بالناس وشفقته عليهم، من ذلك إلزامه من لم يسق الهدي من أصحابه رضي الله عنهم بأن يحل إحلالاً كاملاً؛ وذلك رحمة بهم وتيسيراً عليهم، ومن ذلك جمعه لصلاتي الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، حتى لا يشق على الناس، وإذنه للضعفاء في الإفاضة من مزدلفة قبل الناس حين يغيب القمر، تخفيفاً عليهم ووقاية لهم من الزحام، ومن ذلك أيضاً رفعه الحرج عن الناس في التقديم والتأخير في أعمال يوم النحر، إلى غير ذلك من مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته.
ومن المظاهر جوده وكرمه وإحسانه إلى الناس، فقد قرب صلى الله عليه وسلم مائة بدنة، وأمر عليًّا رضي الله عنه أن يقسمها كلها، لحومها وجلودها وجِلالها في المساكين.
وفي حجته كذلك تجلى تعظيمه لشعائر الله، وصبره على الناس على اختلاف طبقاتهم وبلدانهم ولغاتهم، إلى غير ذلك من المظاهر الكثيرة التي لا يتسع المجال لذكرها.
هذه بعض المظاهر المضيئة والجوانب المشرقة، في حجته صلى الله عليه وسلم، فحري بالدعاة إلى سبيله، والمنتسبين إليه، والسائرين على دربه، أن يتلمسوا هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويترسموا خطاه، فيجتهدوا في متابعته، ويحذروا من مخالفته.
*******************************************************************
أو أشدَّ ذكراً
أثنى الله في كتابه على الذاكرين والذاكرات، وجاء النداء لعباده المؤمنين بالإكثار من ذكره، والتحذير من الغفلة عنه، وذلك لشدة حاجة العباد إلى الذكر، وعدم استغنائهم عنه طرفة عين، فقال جل وعلا: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا} (الأحزاب:41)، وقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون} (المنافقون:9).
فالذكر يطرد الشيطان، ويرضي الرحمن، ويزيل الهم والغم، ويورث محبة الله للعبد، ويذيب قسوة القلب، ويجلب بركة الوقت إلى غير ذلك من فوائد الذكر العظيمة.
وجميع الأعمال والعبادات في الإسلام إنما شرعت لإقامة ذكر الله، قال سبحانه: {وأقم الصلاة لذكري} (طه:14)، وقال: {وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر} (العنكبوت:45).
ومن أعظم غايات الحج ومقاصده ذكر الله جل وعلا قال تعالى: {ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} (الحج:28)، وقال: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين * ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم * فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا} (البقرة:198-200)، وما شرع الطواف بالبيت العتيق، ولا السعي بين الصفا والمروة، ولا رمي الجمار، وإراقة الدماء إلا لإقامة ذكر الله تعالى كما يدل عليه حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنما جعل الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) رواه الترمذي وغيره، وحديث نبيشة الهذلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله) رواه مسلم.
وبهذا يعلم شأن الذكر في الحج، وعظم منزلته، ورفيع مكانته، وهو هدي نبينا صلى الله عليه وسلم، حيث جمع في حجه بين دعاء المسألة وبين دعاء الثناء والذكر، فلم يفارقه ذكر الله منذ أن خرج من المدينة إلى أن عاد إليها، ولم يزل لسانه رطباً بذكر الله ، مكثراً من الثناء عليه بما هو أهله من تلبية وتكبير وتهليل وتسبيح وتحميد راكباً وماشياً في جميع أحواله كما هو واضح لمن قرأ صفة حجه وتتبع أحواله فيه.
وأعظم أذكار الحج التلبية: فهي عنوان الحج ، وشعار الحاج كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (أفضل الحج: العجُّ والثجُّ) رواه الترمذي وغيره، و(العج) التكبير والتلبية، و(الثج) الذبح.
وأفضل الذكر لا إله إلا الله، والحمد لله، وسبحان الله، والله أكبر، وهن الباقيات الصالحات، ومنه: سبحان الله وبحمده، فمن قالها في اليوم مائة مرة غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر.
ومن الأذكار: سبحان الله وبحمده، وسبحان الله العظيم، فهما كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان للرحمن.
ومن الأذكار العظيمة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، فمن قالها في اليوم عشر مرات، فكأنما أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل، ومن قالها مائة ، فكأنما أعتق عشرة أنفس، وكتبت له مائة حسنة، وحطت عنه مائة خطيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك.
ومنها أيضاً: لا حول ولا قوة إلا بالله، فهي كنـز من كنوز الجنة، ولها تأثير عجيب في حمل الأثقال، ومكابدة الأهوال.
ومن مواطن الذكر في الحج الذكر على الصفا والمروة يقول جابر رضي الله عنه وهو يصف حجته صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: (فبدأ بالصفا، فرقى عليه حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحد الله، وكبَّره، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده).
ومنها يوم عرفة وخصوصاً شهادة التوحيد بإخلاص وصدق لما ثبت عند الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) ، وفي رواية في "المسند": "كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك، و له الحمد بيده الخير، و هو على كل شيء قدير".
ومن المواطن التي ينبغي على الحاج ألا يفرط في ذكر الله فيها المزدلفة من بعد الفجر إلى أن يسفر جداً لقوله تعالى: {فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين} (البقرة:198)، وفي حديث جابر في وصف حجه صلى الله عليه وسلم: "ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة ، فدعا الله وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً".
ومنها الإكثار من ذكره سبحانه بعد قضاء المناسك والفراغ منها لقوله تعالى: {فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا} (البقرة:200)، قال ابن عباس: "كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم، فيقول الرجل منهم: كان أبي يطعم ويحمل الحمالات، ويحمل الديات، ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم، فأنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم {فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً}، وآكدها الاستغفار، الذي هو ختام الأعمال الصالحة، وأرباب العزائم والبصائر أشد ما يكونون استغفاراً عقيب الطاعات؛ لشهودهم تقصيرهم فيها، وترك القيام لله بها كما يليق بجلاله وكبريائه، ولهذا أمر الله وفده وحجاج بيته بأن يستغفروه عقيب إفاضتهم من عرفات، وهو أجل المواقف وأعظمها، فقال سبحانه: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم} (البقرة:199).
فحري بالحاج أن يعمر وقته بذكر الله تعالى، وألا يفتر لسانه عنه، وأن يكثر منه في سائر أحواله جالساً، وراكباً، وخالياً، وهو يؤدي المناسك من إحرام وطواف وسعي، وفي عرفة ومزدلفة، وعند رمي الجمار لتحقق العبودية لله بإقامة ذكره، وليستعين بالذكر على أداء النسك، فذكر الله هو مقصود العبادة الأعظم، وبركاته وفوائده إنما تحصل بالمداومة عليه، والإكثار منه، واستحضار ما يقال فيه، وبالمحافظة على أذكار طرفي النهار، والأذكار المطلقة والمقيدة، وبالحذر من الابتداع فيه، ومخالفة المشروع، أعاننا الله على ذكره وشكره وحسن عبادته.
**************************************************************
أدعية وأذكار
هذه جملة من الأدعية والأذكار، جمعناها لك -أخي الحاج- بغية أن تستفيد منها في حجك وعمرتك، منها ما هو مختص بالحج في مواضع معينة منه، ومنها ما هو أدعية جامعة لا تختص بزمان أو مكان.
أدعية مأثورة في مواطن خاصة
1- دعاء المسافر لإخوانه المقيمين:
من السنة أن يدعو المقيم للمسافر قائلاً: (أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك)، ويجيبه المسافر بقوله: (أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه)، كما ثبت ذلك في سنن الترمذي من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
2- دعاء الركوب:
إذا ركب المسافر راحلته من دابة أو طائرة أو سيارة سن له أن يقول: (الله أكبر الله أكبر الله أكبر، {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون} اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا ، واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل)، وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: (آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون)، كما ثبت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم. و(الوعثاء) المشقة والشدة، و(الكآبة) تغير النفس من حزن ونحوه.
3- التلبية:
التلبية التي لبى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هي: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)، وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يزيد (لبيك، لبيك وسعديك، والخير بيديك، لبيك والرغباء إليك والعمل) كما ثبت ذلك في "صحيح مسلم".
ومذهب جمهور العلماء جواز الزيادة على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لثبوتها عن الصحابة رضوان الله عليهم.
والسنة أن يجهر بها لما رواه الترمذي وغيره عن أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الحج أفضل؟ فقال: (العج والثج) و(العج) رفع الصوت بالتلبية، و(الثج) نحر الهدي.
4- دعاء الطواف:
يستحب للمسلم أن يدعو الله بما شاء أثناء طوافه، فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك دعاء خاص سوى ما ورد: أنه كان يقرأ بين الركن اليماني والحجر الأسود {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} رواه أحمد وغيره، ولا بأس أن يتلو القرآن أثناء طوافه، وأن يثني على الله بأنواع الذكر، فإن المقام مقام تعظيم الله عز وجل وثناء عليه.
5- الدعاء عند شرب ماء زمزم:
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ماء زمزم لما شُرِب له) رواه أحمد، فيستحب للمسلم أن يتخير من الدعاء أعجبه عند شربه من هذا الماء المبارك، وكان ابن عباس رضي الله عنهما إذا شرب ماء زمزم قال: "اللهم إني أسألك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاء من كل داء".
6- الدعاء عند صعود الصفا والمروة:
إذا شرع الحاج في السعي فإنه يبدأ بالصفا، وعند دنوه منه يقرأ قوله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} (البقرة:158)، ويقول: "أبدأ بما بدأ الله به"، ثم يرقى على الصفا ويستقبل الكعبة ويقول: "لا إله إلا الله والله أكبر ثلاث مرات، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده"، يكرر ذلك ثلاث مرات ويدعو بينها، ويفعل على المروة مثل فعله على الصفا، كما ثبت ذلك في "صحيح مسلم" عن جابر رضي الله عنه، ولا يكرر قوله: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} أبدأ بما بدأ الله به.
7- الدعاء يوم عرفة:
ثبت عند الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)، وفي رواية في "المسند": "كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه و سلم يوم عرفة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير).
فيستحب للمسلم أن يشغل وقته في هذا اليوم بالدعاء والتضرع إلى الله عز وجل، والإكثار من شهادة التوحيد بإخلاص وصدق.
وقد اخترنا لك -أخي الحاج- مجموعة من جوامع الدعاء لتشتغل بترديدها مع حضور قلب وفهم معنى، وصدق توجه إليه سبحانه.
أدعية جامعة من القرآن والسنة
أولاً: أدعية قرآنية:
- {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} (البقرة:286).
- {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب} (آل عمران:.
- {ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار * ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار * ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد} (آل عمران:192-194).
- {رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين} (النمل:19).
- {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما} (الفرقان:74).
- {رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين * واجعل لي لسان صدق في الآخرين * واجعلني من ورثة جنة النعيم} (الشعراء:83-85).
- {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء * ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} (إبراهيم:40-41).
ثانياً: أدعية من السنة:
- (اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمتُ منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمتُ منه وما لم أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه عبدك ونبيك، وأعوذ بك من شر ما استعاذ منه عبدك ونبيك، اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيراً).
- (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وضَلَع الدَّين -أي ثقله. والضَّلَع: الاعوجاج: أي يثقله حتى يميل صاحبه عن الاستواء والاعتدال- وغلبة الرجال).
- (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنيايَ التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر).
- (اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، أن تغفر لي ذنوبي، إنك أنت الغفور الرحيم).
- (اللهم احفظني بالإسلام قائماً، واحفظني بالإسلام قاعداً، واحفظني بالإسلام راقداً، ولا تشمت بي عدواً ولا حاسداً، اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك، وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك).
- (اللهم أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك القصد في الفقر والغني، وأسألك نعيماً لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضى بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين).
- (اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا).
- (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها).
- (رب أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر الهدى لي، وانصرني على من بغى علي، رب اجعلني لك ذكَّاراً، لك شكَّاراً، لك رهَّاباً، لك مِطواعاً، لك مخبتاً، إليك أواهاً منيباً، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي، وسدد لساني، واسلل سخيمة صدري).
- (اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار، وفتنة القبر وعذاب القبر، ومن شر فتنة الغنى، ومن شر فتنة الفقر، وأعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد، ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم، والمأثم والمغرم).
- (الله إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن دعاء لا يسمع، ومن نفس لا تشبع، ومن علم لا ينفع، وأعوذ بك من هؤلاء الأربع).
ونود أن نشير إلى أن باب الدعاء واسع، فللمسلم أن يدعو ربه بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، في أي وقت، وفي أي زمان، ولو كان دعاؤه بالعربية العامية أو بالأعجمية، فليس جهل المسلم بالعربية الفصيحة مانعاً له من دعاء الله عز وجل، والتضرع إليه، والله قريب من عباده الذاكرين، يجيب دعواهم ويسمع شكواهم، قال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} (البقرة:186).
****************************************************************
الحج موسم للدعوة
الدعوة إلى الله تعالى من أعظم أعمال البر لما يترتب عليها من فوائد جليلة، ومصالح عظيمة تعود على الداعي والمدعو وعلى المجتمع والأمة والبشرية جمعاء، وقد أثنى الله سبحانه على الدعاة من عباده فقال: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} (فصلت:33).
والحج مناسبة كبرى، وفرصة مهمة للدعوة إلى الله وتبصير المسلمين بأمور دينهم حيث تحتشد الملايين من بقاع المعمورة في هذا الموسم، بدافع التعبد لله تعالى، وهم أحوج ما يكونون إلى من يوصل إليهم الخير والبر والإحسان والمعروف الديني والدنيوي.
على أن الدعوة في موسم الحج سنة نبوية، فقد كان -عليه الصلاة والسلام- يعرض دعوته على الناس في مواسم الحج ، كما أرسل عددا من أصحابه -رضي الله عنهم- لذلك، وفي حجة الوداع نصح أمته غاية النصح، وبلغها البلاغ المبين، وقد استمر علماء الإسلام ودعاته الصادقون على مر العصور في استغلال هذا الموسـم العظيم، مستفيدين منه ما وسعهم في إيقاظ القلوب، وإنارة البصائر، وعرض الإسلام النقي، والتحذير من مخاطر الشرك وشوائب البدع والمنكرات.
ومما يؤكد ضرورة الدعوة في الحج علاوة على ما تقدم:
1- وجود أعداد كبيرة من الحجاج، وهم في تزايد مستمر.
2- تفشي الأمية الشرعية، وعموم الجهل بعقائد الإسلام وأحكامه، وانتشار بعض أنواع الشرك والبدع، وظهور الخرافات بشكل مذهل في أوساط كثير من حجاج بيت الله.
3- قد يكون بعض هؤلاء الحجاج ممن توفَّرَ لديهم نوع من اليسار النسبي، والوجاهة في أوساط أقوامهم، مما يرجى معه أن يكون لدعوتهم أثرٌ على أقوامهم وأهليهم بعد عودتهم إليهم.
4- استعداد الحجيج وتهيؤهم النفسي للاستماع والتلقي والقبول في هذا الموسم المبارك، فالقلوب مقبلة، والآذان مصغية.
5- يسر وسهولة التنقل بين الحجيج في مخيماتهم الأمر الذي يساعد على نشر الدعوة، وتبليغ كلمة الله.
والدعوة في موسم كهذا الملتقى الكريم والتجمع العظيم، لا تقتصر على الموظفين من قِبَل الجهات الرسمية، من وعاظ وأئمة وخطباء فحسب، وإن كان دورهم هو الأكبر، إلا أن دائرة الدعوة تبقى أوسع من ذلك لتشمل كل مسلم، وكل بقدر استطاعته، مع مراعاة الظروف والأحوال والأساليب المناسبة.
والدعوة في الحج تبدأ قبل وصول الحجاج إلى المشاعر المقدسة، بل وقبل تحركهم من بلادهم، ويمكن تقسيمها إلى عدة مراحل:
1- الدعوة قبل الوصول: وذلك من خلال التنسيق مع الجهات الدعوية والمؤسسات والمراكز الإسلامية، إضافة إلى تكليف بعضِ الدعاة في البلدان المختلفة بمرافقة الحجاج القادمين من بلدانهم وتعليمهم والقيام بتوعيتهم.
2- الدعوة في المنافذ البرية والجوية والبحرية: من خلال خدمة الحجاج وتيسير أمورهم، وحسن استقبالهم، وتسهيل إجراءات دخولهم، واستغلال أوقات انتظارهم بالنافع المفيد والتوجيه الرشيد، وتزويدهم بالحقائب الدعوية.
3- الدعوة أثناء تنقل الحجاج بين المشاعر والأماكن، حيث أن الكثير من الأوقات تضيع دون استغلال، وهنا يأتي دور أصحاب حملات الحج والمقاولين والمطوفين في اختيار أشخاص أكفاء ومؤهلين سواءً من السائقين أو غيرهم من أجل النصح والتوجيه، وتذكير الحجاج.
إضافة إلى التركيز على سائقي الحافلات، من خلال إقامة دورات تأهيلية لهم قبل موسم الحج من أجل أن يكونوا دعاة خير، ويقدموا الصورة المشرقة لأبناء الإسلام.
4- الدعوة في المخيمات والمساكن، حيث يبقى الحجاج فترات طويلة، وهم مهيؤون للسماع والقبول، فلا بد من برامج لتنظيم الوقت واستغلاله.
إضافة إلى دور العاملين في الفنادق، وما ينبغي أن يكونوا عليه من وعي والتزام ومسؤولية، حتى يؤدوا دورهم الصحيح، ويعطوا انطباعاً جيداً.
5- الدعوة في المساجد، وفي مقدمتها المسجد الحرام والمسجد النبوي وغيرهما من المساجد، التي تمتلئ بالمصلين في هذا الموسم، وقد يكون بعضهم ممن لم تتهيأ له الظروف لارتياد المساجد من قبل، فموسم الحج فرصة سانحة لدعوته ونصحه وإرشاده، ليراجع نفسه ويعود إلى الله.
6- الدعوة في الأسواق التي تكتظ بالناس في هذا الموسم من الحجاج وغيرهم، وهي أماكن يغلب عليها الغفلة، ويجتهد فيها الشيطان وأعوانه، لصرف الناس عن مراقبة ربهم والتزام حدوده، فوجود صوت للدعوة في مثل هذا الأماكن له أهميته وأثره، وننوه هنا بدور رجال الحسبة الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر، وما يبذلونه من جهد نافع وعمل مشكور.
ومن وسائل الدعوة في الحج التي ينبغي الاعتناء بها وضـع اللوحات التوجيهية، والملصقات التي تحمل عبارات الترحيب والوداع باسم الجهات والمؤسسات الدعوية، والاستفادة من التقنيات الحديثة في هذا الجانب.
ومنها أيضاً الاعتناء بترجمة الكتب والمطويات التي تبين الإسلام وأصوله بأسلوب سهل واضح، وتوزيع دليل الحاج بعدة لغات، يتضمن أرقام هواتف الجهات الدعوية والخدمية الهامة، وأرقام هواتف طلبة العلم والدعاة، ولابــد مـن تـضمنه أرقام هواتف بعض الدعاة الذين يتحدثون بلغات مختلفة، والإشارة إلى اللغة التي يتحدث بها كل منهم.
ومنها الاعتناء بالعمل الميداني، وتكليف دعاة ميدانيين للرجال، وداعيات ميدانيات للنساء يُجيدون التحدث بلغات مختلفة، ويُتقنون فن مخاطبة الناس وكسب قلوبهم، يتجولون في مدن الحجاج بالسيارات وعلى الأقدام، بحيث تكون مهمتهم التعليم المباشر للحجيج، ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة.
ومنها الإكثار من مكاتب الإرشاد الشرعي الصغيرة في مدن الحجاج والمواقيت بقدر المستطاع؛ مع أهمية تخصيص بعضٍ منها للرجال وأخرى للنساء.
ومنها العمل على إيجاد قنوات إرشادية وتواصلية داخلية في منطقة المشاعر، تبث بلغات مختلفة، ليقوم من خلالها العلماء والدعاة بتوجيه الحجيج، وإرشادهم إلى ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم.
كانت تلك لمحة سريعة ومختصرة حول الدعوة في الحج وبعض وسائلها، سائلين الله أن يهدي ضال المسلمين، ويعلم جاهلهم، ويتقبل منهم مناسكهم.
*****************************************************************
الحج ووحدة المسلمين
الاجتماع والاتفاق سبيل إلى القوة والنصر، والتفرق والاختلاف طريق إلى الضعف والهزيمة ، وما ارتفعت أمة من الأمم وعلت رايتها إلا بالوحدة والتلاحم بين أفرادها، وتوحيد جهودها، والتاريخ أعظم شاهد على ذلك، ولذا جاءت النصوص الكثيرة في كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- تدعو إلى هذا المبدأ العظيم، وتحذر من الاختلاف والتنازع ومنها قوله تعالى: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} (الأنفال:46)، وفي حديث أبي مسعود: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ، ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم) رواه مسلم.
والحج موسم عظيم، تتجسد فيه وحدة المسلمين في أبهى مظاهرها وأجمل حللها، حيث تذوب الفوارق، وتتلاشى الحواجز، ويجتمع المسلمون في مشهد جليل ، يبعث على السرور، ويسعد النفوس ويبهج الأرواح.
فيجتمع المسلمون من أقطار الأرض حول هذا البيت العتيق، الذي يتجهون إليه كل يوم خمس مرات، البيت الذي يقصدونه بقلوبهم وأفئدتهم من خلال صلواتهم في بلادهم الشاسعة البعيدة، ها هم الآن يجتمعون حوله ويرى بعضهم بعضاً، يتصافحون ويتشاورون ويتحابّون، خلعوا تلك الملابس المختلفة والمتباينة من على أجسادهم، ووحدوا لباسهم، ليجتمع بياض الثياب مع بياض القلوب، وصفاء الظاهر مع صفاء الباطن.
إنها لحظات رائعة جميلة وهم يتحركون جميعاً من منى، ثم يقفون ذلك الموقف العظيم في عرفة وقد اتحدوا في المكان والزمان واللباس والوجهة.
إنّ مظاهر الوحدة في موسم الحج متعددة وكثيرة، منها:
- وحدة الزمان والمكان ، فالحج له زمان ومكان محدد يؤدى فيه لا يجوز أن يكون في غيره ، قال تعالى: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} (البقرة:197)، وقال - صلى الله عليه وسلم – (الحج عرفة) رواه الترمذي.
- وحدة المناسك ، فالجميع مطالب بأداء مناسك الحج، من الإحرام، والطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، والمبيت بمنى، ورمي الجمار...وكلهم يقومون بنفس الأعمال مما يجسد ويعمق هذه الأخوة والمحبة.
- وحدة الهدف والغاية والشعور فالجميع قد جاؤوا من كل فج عميق، يحدوهم الأمل ، ويحفهم الخوف والرجاء، رافعين أكف الضراعة إلى الله -عز وجل-، راغبين في مغفرته طامعين في فضله ورضوانه.
فالقِبلة واحدة، والربُّ واحد، والمشاعر واحدة، واللباس واحد، وكل هذه الأمور تجتمع في هذا الموسم المبارك، وهي مدعاة للإحساس بوحدة الشعور، وموجبة لتعزيز التآخي، والتعارف بين المسلمين، ومشاطرة الآلام والآمال، والتعاون على مصالح الدين والدنيا.
تلك لمحة سريعة، وإطلالة قصيرة، على هذا الموضوع المهم الذي يشغل بال كل مسلم، حيث يتطلع الجميع إلى العهد الزاهر الذي يجتمع فيه أصحاب الدين الواحد، ليكوُّنوا الأمة الواحدة التي ترفعهم فوق الأمم، وتعيد لهم الريادة والسيادة التي ضاعت من أيديهم بسبب الفرقة والنزاع والله غالب على أمره: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} (النور:55).
**************************************************************
ماذا بعد الحج؟
شرع الله العبادات والطاعات لحكم عظيمة وغايات جليلة فهي تقُوِّي الإيمان، وتُزكِّي النفوس، وتقوم السلوك ، وتهذب الأخلاق، وما لم تكن هذه العبادات طريقاً لتحقيق هذه الغايات، فلن يفيد منها المسلم الإفادة المرجوة، بل ربما تحولت العبادة إلى رسوم ومظاهر يؤديها الإنسان، دون أن يكون لها أثر على واقعه وسلوكه.
وعبادة الحج لا تخرج عن هذا الإطار، فإذا قام بها المؤمن خير قيام، وأدرك مقاصدها، واستشعر معانيها كان لها أعظم الأثر في حياته وبعد مماته.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن عليك -أخي الحاج- وقد أكرمك الله بزيارة بيته، ووفقك لأداء فريضته، أن تقف مع نفسك وقفات، تتأمل حالك، وتراجع قلبك، وتصحح سيرك.
وأول شيء يجب أن تدركه عظم نعمة الله عليك، بأن وفقك لأداء هذه الفريضة العظيمة مما يستوجب شكر الله جل وعلا على هذه النعمة، كيف لا وقد حُرِمَها غيرُك وهو يهفو إليها. ومِنْ شُكْرها أن تحفظها من الضياع، وأن تلازم طاعة ربك وتستقيم على دينه وشرعه.
ثم اعلم أن من أهم القضايا التي ينبغي أن تحرص عليها بعد حجك قضية الثبات، والمحافظة على هذا العمل من المحبطات والآفات، وأن تسأل الله في كل حال أن يحفظ عليك دينك، وأن يوفقك لطاعته، ويجنبك معصيته؛ لتكون مع {الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا } (النساء:69).
وقد ضرب الله عز وجل الأمثال للناس على هذه القضية، محذراً عباده من أن يبطلوا أعمالهم، ويمحقوا طاعتهم، فلا يجدونها في وقت هم أشد ما يكونون حاجة إليها، وذلك في قوله جل وعلا: {أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون } (البقرة:266)، وهو مثل ضربه الله جل وعلا لمن حسن عملُه، ثم انقلب على عقبه بعد ذلك، وبدل الحسنات بالسيئات عياذاً بالله من ذلك، قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية: "ضُربت لرجل غني يعمل بطاعة الله ، ثم بعث الله له الشيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله" رواه البخاري .
ثم تذكَّر -أخي الحاج- أن للحج المبرور علامات، ومن أظهر هذه العلامات دوام الاستقامة على طاعة الله بعد أداء النسك، وأن يكون حالك مع الله بعده أفضل مما كنت عليه قبلُ، وقد قيل للحسن البصري : الحج المبرور جزاؤه الجنة، قال: "آية ذلك أن يرجع زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة".
وظني بك -أخي الحاج- وقد أنهيت حجك أنك قد أدركت أن من أهم حِكَمِ الحج ومقاصده تربية المسلم على عبودية الله وحده، والتزام أوامره واجتناب نواهيه، واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، وهذه الأمور لا تتحدد بموسم أو شهر أو عام بل يستصحبها المسلم طيلة عمره ومدة حياته، ما دام فيه قلب ينبض ونفس يتردد {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } (الحجر:99).
وليكن حالك بعد العمل كحال الذين وصفهم الله جل وعلا بقوله: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون } (المؤمنون:60) فهم وإن كانوا يتقربون إلى الله بصنوف العبادات وألوان القربات، إلا أنهم مع ذلك خائفون وجِلُون أن تُرَدَّ عليهم أعمالهم، كان علي رضي الله عنه يقول: "كونوا لِقَبول العمل أشدَّ اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول: {إنما يتقبل الله من المتقين } (المائدة:27).
ومن أجل ذلك أَمَرَ الله حجَّاج بيته بأن يستغفروه عَقِبَ إفاضتهم من عرفة ومزدلفة، بعد أن وقفوا في أجلِّ المواقف وأعظمها فقال: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } (البقرة: 199).
وأخيراً -أخي الحاج- يا من وقفت بِعرفات، وسكبت العبرات، وأظهرت الندم على ما فات، يا من أعتقه مولاه من النار، إياك أن تعود إلى ربقة الأوزار بعد أن تاب الله عليك منها، إياك أن تقترب من النار بعد أن أعتقك الله منها.
اعقد النية وجدد العزم واحرص على أن يكون حجك نقطة تحول في حياتك، وحاسب نفسك، وانظر ما هي آثار الحج على قلبك وسلوكك وأقوالك وأفعالك، داوم على العمل الصالح، ولو كان قليلاً، فإن القليلَ الدائم خيرٌ من الكثير المنقطع، واعلم أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ، وافتح صفحة جديدة من حياتك مع مولاك.
نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يجعل حجك مبروراً، وذنبك مغفوراً، وسعيك مشكوراً، وأن يتقبل منا ومنك صالح الأعمال، ويرزقنا الثبات والاستقامة حتى الممات.
*****************************************************************
اللهم أرزقنا وإياكم حجه مبروره
لا تنسوني من صالح دعائكم
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» (( - 2 -)) خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأربعاء نوفمبر 13, 2024 11:28 pm من طرف صادق النور