والصلاة والسلام علي سيد المرسلين وإمام المحجلين وهادينا غلي الصراط المستقيم وشفعينا يوم الدين محمد بن عبد الله صل الله عليه وعلي آله وصحبه وسلم
الناظر في كتاب الله تعالى يجد توصيفات مختلفة لكتب الله تعالى التي أنزلها على رسله, توصيفات لها كلها أو بعضها.
فنجد من بين هذه التوصيفات الكتاب والذكر والفرقان, وانفرد كتاب الله الأخير بالتوصيف “قرآن” .
لذا نتوقف لنوضح ما هو مدلول هذه المفردات في اللغة وكيف استعمل الله عزوجل كل واحد من هذه المسميات ومن خلال تتبع هذا الاستعمال نكتشف الفارق بإذن الله تعالى:
كتاب : مشتقة من “كتب” فإذا نحن نظرنا في المقاييس وجدنا ابن فارس يقول:
“الكاف والتاء والباء أصلٌ صحيح واحد يدلُّ على جمع شيءٍ إلى شيءٍ. من ذلك الكِتَابُ والكتابة.
يقال: كتبت الكتابَ أكْتبه كَتْباً. ……. ومن الباب الكِتَابُ وهو الفَرْضُ. قال الله تعالى: كُتِبَ علَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة 183]،
ويقال للحُكْم: الكتاب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أمَا لأَقْضِيَنَّ بينكما بكتاب الله تعالى”، أراد بحُكْمِه. وقال تعالى: يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً. فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ [البينة2، 3]، أي أحكامٌ مستقيمة. ” اهـ
الذكر كما جاء في المقاييس : “الذال والكاف والراء أصلان، عنهما يتفرَّع كَلِمُ الباب …….. والأصل الآخر: ذَكَرْتُ الشيء، خلافُ نسِيتُه. ثم حمل عليه الذِّكْر باللِّسان. ويقولون: اجعلْه منك على ذُكْرٍ، بضم الذال، أي لا تَنْسَه.” اهـ
الفرقان مشتقة من الفرق وهو كما جاء في المقاييس:
” الفاء والراء والقاف أُصَيلٌ صحيحٌ يدلُّ على تمييز وتزييلٍ بين شيئين. من ذلك الفَرْق: فرق الشعر. يقال: فرَقْتُه فَرَقاً.
والفِرْق القطيع من الغَنَم. والفِرق الفِلْق من الشَّيء إذا انفَلَقَ، قال الله تعالى: فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطّودِ العَظِيم [الشعراء 63] .…… والفُرْقان الصُّبح، سمِّي بذلك لأنه به يُفْرق بين اللَّيل والنَّهار، ويقال لأنَّ الظُّلْمة تتفرَّق عنه.” اهـ
فإذا نحن نظرنا في كتاب الله تعالى وجدنا أن الكتاب يأتي لتوصيفات مختلفة, مثل:
جماع ما أنزل على الرسول الكريم, الكتب التي أنزلها الله تعالى على السابقين من الرسل, ما أوتيه سيدنا موسى عليه السلام, وكذلك يأتي بمعنى الكتاب المشتمل على الأحكام الشرعية من حل وحرمة بخلاف النبوة التي تحتوي علوما وعقائد والحكمة التي تحتوي الحكمة! ويأتي كذلك كوصف لكتاب الأعمال التي يوضع يوم القيامة!
وعندما يستعمل الله عزوجل لفظة الكتاب ولا يستعمل الذكر فهو يريد الإشارة إلى المعنى المحتوى في لفظة “كتب” والتي لا تعبر عنها بحال لفظة ” ذكر” فهو يريد الإشارة إلى أن هذا الموصوف مكتوب “مجموع” محكم ملزم.
وعندما يستعمل ” الذكر” فهو يريد الإشارة إلى الصيغة الكلامية التذكيرية لهذا الكتاب, فهو كتاب يُذكر وهو يُذكّر الناس بما غرسه الله في قلوبهم من الفطرة ويذكرهم بما أوتوه من قبل .
إذا نخرج من هذا أن الإثنين يستعملان مع جميع الكتاب والآيات التي أنزلت على الرسول الكريم والتي وعاها المصحف,
ولكن الكتاب يختص بأنه قد يراد منه جانب الأحكام الشرعية فقط.
أما الفرقان فليس المراد منه كل الكتاب بل هو بعض الكتاب,
وهو الجزء الذي يفرق به بين الحق والباطل فهو البينات والأدلة الدامغة على صدق الكتاب كله. فهو نور من الله عزوجل يهدي به الناس ويبدد به ظلمة الباطل.
وهذا الجزء والله أعلم هو الجزء المخصوص بالجانب الطبيعي والعلمي والتاريخي في القرآن لأن هذا هو الخاضع للفحص والكشف والتصديق , أما الأحكام الشرعية (والواردة في الكتاب) فهي لا يتخضع لتصديق أو تكذيب ولا تفرق بين الحق والباطل لأنها كلها إنشائية فهي أمر بفعل أو ترك.
والإنسان إما أن يفعل أو يترك, أما الآيات الأخرى (العلمية الطبيعية التاريخية) فهي نفسها فارقة مبينة.
كما أن الفرقان قد يكون خارج الكتاب, فيأتي في وحي مستقل (بعض السنة)
إذا فيكون الفرق هو أن الكتاب: هو مجموع ما أنزل وكُتب وحكم به وقد يطلق أحيانا على جزء الأحكام فقط وهو مصوغ صيغة كلامية من عند الله (ذكر).
أما الذكر فهو الصياغة اللفظية للكتاب والدور التذكيري له بما غرسه الله وذكره في الكتب السابقة.
وأما الفرقان فهو بعض الكتاب وهو الجزء التصديقي للكتاب والذي يخضع للفحص والكشف ويزيد ظهور بيناته كلما تقدم الزمن وازداد تطور الإنسان. وقد يكون خارج الكتاب.
نوضح من خلال آيات القرآن من أين أتينا بهذا التقسيم:
ونبدأ أولا بتتبع الآيات التي ورد فيها ذكر “الذكر”:
“ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ [آل عمران : 58]”
بعد أن عرض الله تعالى للنبي الكريم قصة مريم وزكريا وعيسى والحواريين يأتي قوله تعالى في الآية السابقة فهو تذكير بما حدث وتخليد له في الكتاب لما فيه من الحكمة, وبذلك يُذكر إلى أبد الدهر.
فإذا نحن نظرنا في المجموعة القادمة من الآيات:
َ”وقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [الحجر : 6]
وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ [القلم : 51]
أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ [ص: 8]”
فالذين كفروا يسخرون من هذا الذي أتى ليذكرهم ويصفونه بالجنون لكي لا يقبل منه الدور التذكيري, فهل يُقبل التذكير من المجانين, فلو كان عاقلا لاتبعناه.
أي أن الأمر ليس مسألة نقص أدلة أو اعتراض ولكنه تبرير لعدم اتباع الذكر! لذا نجد أنه ومن العجب أن الجنون ارتبط بالصياغة الكلامية, فنجدهم يصفون الرسول بقولهم: “وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ” فهو شاعر يصوغ الكلام صياغة حسنة ولكنه مجنون!!! (كيف يجتمع الضدان, الله أعلم!)
لذا فيأمر الله تعالى النبي بقوله: “فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ [الطور:29]
وعندما أراد الله تعالى التنبيه على حفظه تعالى للصياغة اللفظية لكل الكتاب استعمل الذكر ليوضح أن القرآن “حرفيا” سيظل ويبقى لأن الله تعهد بالحفاظ عليه: “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر : 9]”
وعندما أراد الرد على المعترضين على نبوة البشر قال لهم:
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [النحل : 43], لأن هؤلاء سيذكرون لهم ويذكرونهم أن الأمر ليس جديدا بل أتى كذلك للسابقين.
ِوالذكر أتى للرسول ليبين للناس ما نزل إليهم فيذكرهم به:
“بالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل : 44]
والله تعالى لم يعط سيدنا داود الكتاب وإنما أعطاه زبورا يحتوي ذكرا لله وتعريفا به ونبؤات فلقد كان ملكا أوتي الحكمة:
” فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ …..
وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ [ص : 20]
ورأس الحكمة عبادة الله ” وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ”
لذلك قال: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء : 105]
وخسران الناس بسبب نسيانهم للتذكير الذي أتاهم من الرحمن : “قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً [الفرقان : 18]
َلقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً [الفرقان: 29]
والرسول ينذر من اتبع الذكر الذي ذكره بفطرته أما من صم أذنه فليس له مكان “إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ [يس : 11]
والقرآن له صياغة كلامية سلسة قابلة للذكر والوعي (الحفظ) : “ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [ص : 1]”
والناس يأتيهم الذكر ليذكرهم بما أنزل إليهم فيكفرون بلا حجة إلا اتباع الآباء : “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ [فصلت : 41]
والكتاب كله غرضه التذكير: “وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [القصص : 43]”
فإذا نحن انتقلنا إلى الفرقان وجدناه يأتي بمعنى التفرقة والفصل, وهو أعطي للرسول الكريم ولغيره فهو ليس مختصا بالرسول محمد فقط :
َوإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [البقرة : 53]
فالله يؤتي سيدنا موسى الفرقان مع الكتاب, وليس هو فقط من يؤتى الفرقان بل كذلك أخاه هارون:
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْراً لِّلْمُتَّقِينَ [الأنبياء : 48]
ِنَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ من قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ [آل عمران :3, 4]
بل ومن يتق الله يجعل له فرقانا:
ِيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الأنفال : 29]
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ “
ويوم بدر كان يوم فرقان لأن الله تعالى قد وعد النبي الكريم في خارج القرآن بإحدى الطائفتين (وهذا ينسف دعاوي القائلين بعدم وجود أي وحي بخلاف القرآن – “وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ [الأنفال : 7]”
وتحقق الوعد وجاء ذكر هذا الوعد في الكتاب في الآية المذكورة. لذلك كان هذا يوم تفريق بين الحق والباطل بجند الله من الصحابة والملائكة.
ِإن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأنفال : 41]
والفرقان كما قلنا الجزء العلمي الطبيعي التاريخي وبهذا الجزء يكون الإنذار : “تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان : 1]” أما افعل ولا تفعل فليس فيها أي إنذار.
فإذا نحن انتقلنا إلى “الكتاب” وجدنا أنه متعدد الاستعمالات, فهو يأتي مثلا بمعنى اسم الجنس لمطلق الكتب التي أنزلت على الرسل :
َلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ) البقره 177
هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ ) آل عمران 119
ونود أن نشير إلى ملاحظة قد يكون غفل عنها الكثيرون وهي أن الله تعالى لم يقل في كتابه أبدا أنه أتى موسى التوراة! وإنما يقول أنه آتاه الكتاب. وكذلك لم يؤت فرد الكتاب في القرآن إلا إثنانسيدنا الرسول صل الله عليه وسلم وسيدنا موسى!
لذا فيمكننا القول باطمئنان تام أن ما كل ما سبق سيدنا موسى وكل ما جاء بعده كان عبارة عن صحف أو زبر أو كتب وليست الكتاب أما الكتاب الشامل الكامل الجامع المشتمل على العقائد والأحكام والتاريخ والطبيعة والنبؤات فكان لإثنين فقط وهما الرسول وسيدنا موسى عليهما الصلاة والسلام:
” ُثمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ [الأنعام : 154]” وذكر فيه نبؤات:
وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً [الإسراء : 4]
وقيل للرسول الكريم صل الله عليه وسلم:
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل : 89]
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا ) الكهف 1
والكتاب لأنه كتاب شامل جامع كفاية وهداية:
” أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [العنكبوت : 51]”
وهو لتمامه رافع للخلاف في الكتاب السابق:
وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل : 64]
إذا فالكتاب أعطي مباشرة لإثنين هما موسى ومحمد عيهما الصلاة والسلام أما ما عداهما فكان بواسطة أو مكررا فسيدنا عيسى مثلا لم يُعط كتابا جديدا وإنما أعطى كتاب موسى:
َولَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ [البقرة : 87]
َوآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ [المائدة : 46]
وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ [الزخرف : 63]
َوإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ) المائده 110
وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ,48 آل عمران
فسيدنا عيسى أوتي الإنجيل وهو ليس كتابا شاملا جامعا يستحق وصف الكتاب لأنه خلا من الأحكام إلا الأمر باتباع ما ورد في الكتاب الذتي أوتي لموسى والذي علمه الله تعالى لسيدنا عيسى, وسيدنا عيسى ويحيي أوتيا الكتاب الذي أوتاه سيدنا موسى ليذكرا به:
َ”يا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً”) مريم 12
“قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً”مريم 30 فالله آتاه كتاب موسى ليذكر قومه بما فيه.
إذا فالرسول صل الله عليه وسلم وسيدنا موسى هما من أعطيا الكتاب الكامل الذي يحتوي الأحكام والعقائد مجتمعة على هيئة كتاب, لذا نجد أحيانا يأتي الكتاب كتوصيف لجزء الأحكام فقط في مقابل باقي الأجزاء العقيدية والطبيعية العلمية لأن هذا الجزء مما تفرد بمجيئه معهم في الكتاب بخلاف ياقي الأصناف والتي قد توحى بلا أحكام جديدة. ونجد هذا في مثل قوله تعالى:
“كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ) البقره 169
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ)آل عمران 23
مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ)79 آل عمران
إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ105 النساء
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ) 127 النساء
َوقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) 140 النساء
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ) 140 النساء
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ) 122 ألأنعام
وكذلك كان هذا التقسيم مع الأنبياء السابقين:
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) 127 العنكبوت
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ) 25 الحديد
والكتاب الذي أوتيه محمد صل الله عليه وسلم كتاب شامل جمع الكتاب والحكمة والتي كانت قد تؤتى الأنبياء قبل ذلك مستقلة ,
أما عندنا فالحكمة في داخل القرآن نفسه:
“َوأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً [النساء : 113] ” ( قارن بين تعليم الرسول وتعليم عيسى عليه السلام)
وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُواً وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة : 231]
َلقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) 164 آل عمران
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) 2 الجمعه
وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً [الأحزاب : 34].
الفرق بين القرآن و الفرقان ؟
للفرقان معانٍ متعددة في القرآن الكريم و الأحاديث الشريفة نذكر أهمها :
المعنى الأول : مجموع القرآن الكريم ، كما في قول الله جَلَّ جَلاله : ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ 1 الفرقان .
سبب تسمية القرآن الكريم بالفرقان :
سُمِّيَ القرآن الكريم بالفرقان لسببين :
السبب الأول : لنزول آياته و سوره بصورة متفرقة ، و بشكل مغاير لغيره من الكتب السماوية التي أنزلها الله عَزَّ و جَلَّ على أنبيائه ( عليهم السلام ) ، و ذلك لأن الكتب السماوية الأخرى أنزلت كل واحدة منها دفعة واحدة مكتوبة في الألواح و الأوراق ،
أما القرآن الكريم فلم يُنزَل كذلك و إنما تم تنزيله خلال عشرين عاماً على قلب الرسول المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) وحياً ، و لم ينزل مكتوباً و مجموعاً كغيره من الكتب السماوية ، فعَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلَّامٍ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) ،
: لِمَ سُمِّيَ الْفُرْقَانُ فُرْقَاناً ؟
: " لِأَنَّهُ مُتَفَرِّقُ الْآيَاتِ وَ السُّوَرِ ، أُنْزِلَتْ فِي غَيْرِ الْأَلْوَاحِ ، وَ غَيْرُهُ مِنَ الصُّحُفِ وَ التَّوْرَاةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الزَّبُورِ أُنْزِلَتْ كُلُّهَا جُمْلَةً فِي الْأَلْوَاحِ وَ الْوَرَقِ " .
السبب الثاني : لأنه كتاب يميِّز بين الحق و الباطل ، قال العلامة الطبرسي ( رحمه الله ) : " سُمِيَ بذلك لأنه يُفَرِّقُ بين الحق و الباطل بأدلته الدَّالة على صحة الحق و بطلان الباطل " .
و قال العلامة المجلسي ( رحمه الله ) : " الْفُرْقانَ : أي الكتاب الجامع لكونه فارقاً بين الحق و الباطل ، و ضياءً يُستضاء به في ظلمات الحيرة و الجهالة ، و ذِكرا يتَّعظ به المتقون " .
و قال العلامة الطريحي ( رحمه الله ) : " الفرقان : القرآن ، و كل ما فُرِّقَ به بين الحق و الباطل فهو فرقان " ،
كما في قول الله عَزَّ و جَلَّ : ﴿ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ 53 البقره ، و كذلك في قوله جَلَّ جَلالُه : ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ 48 ألأنبياء .
المعنى الثاني : المراد بالفرقان الآيات المحكمات ، و هو معنى أخص من المعنى الأول ، فقد سُئلَ الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) عَنِ الْقُرْآنِ وَ الْفُرْقَانِ أَ هُمَا شَيْئَانِ أَوْ شَيْءٌ وَاحِدٌ ؟
فَقَالَ ( عليه السَّلام ) : " الْقُرْآنُ جُمْلَةُ الْكِتَابِ ، وَ الْفُرْقَانُ الْمُحْكَمُ الْوَاجِبُ الْعَمَلِ بِهِ "
------------------------------------------------------------------------------
تابعونا جزاكم الله خيراً
اليوم في 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد