الشجرة الرمضانية
الورقة الثامنة:
مصباح رمضان
القرآن الكريم كلام الله
الذي أنزله على خاتم رسله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أنزله بِلِسَانِ العربِ فكان ذِكْرًا وتَشْرِيفًا لهم،
وجعله مُعْجِزًا في البيان ليدوم إعجازه فلا ينقطع على مرِّ الأزمان،
وقد تكفل الله تعالى بحفظه، فلا يستطيع أحدٌ أن يُبدِّله أو يَزيد فيه أو يَنقص منه.
ونقطف الورقة الثامنة من الشجرة الرمضانية لنجد فيها:
(1) رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم
يَقُولُ: «اقْرَءُوا القُرْآنَ؛ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ(المُنِيرَتَيْنِ) البَقَرَةَ وسورَةَ آل عِمْرَانَ؛ فَإِنَّهُمَا
تَأْتِيَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ (الطَّيرِ الباسِطةُ أجنحَتَهَا)
تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا سُورَةَ البَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَابَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ ولا تَسْتَطِيعُهَا البَطَلةُ ».
ما أحسن أن تتفقد نيتك وأنت تتلوا كتاب الله؛ اقرا القران حتى يكون شفيعا لك. اقرا القران لزيادة حسناتك،
قال صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ( ألم ) حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف"؛ رواه الترمذي.
اقرأ القران يحجبك من النار،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو جمع القرآن في أهاب لم يحرقه الله بالنار"؛ رواه أحمد وصححه الألباني. نحتسب قراءته عمارة للقلوب،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرجل الذي ليس في جوفه شئ من القرآن كالبيت الخرب"؛ رواه الترمذي. ونحتسب قراءته بنية العمل بكل آية نقرأها لننال أرفع الدرجات في الجنة.
(2) مراتب الناس من حيث علاقتهم بالقرآن الكريم وإدراكهم لحقيقته والتزامهم بها أربع،
روى الإمام البخاريُّ في صحيحه، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي اللَّه عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: (الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ، كَالْأُتْرُجَّةِ (ثَمَرٌ مَعروفٌ يُقالُ له تُرُنْجٌ): طَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَرِيحُهَا طَيِّبٌ!
وَالْمُؤْمِنُ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ، كَالتَّمْرَةِ: طَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَلَا رِيحَ لَهَا!
وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، كَالرَّيْحَانَةِ: رِيحُهَا طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا مُرٌّ!
وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، كَالْحَنْظَلَةِ: طَعْمُهَا مُرٌّ أَوْ خَبِيثٌ، وَرِيحُهَا مُرٌّ!).
في الحديث نلمس أربع مراتب، يترتب فيها الناس بحسب إيمانهم وبحسب علاقتهم بالقرآن، على النحو التالي:
الأولى:
يجتمع فيها الإيمان والقرآن، تشمُّ رائحةً طيّبة، ثمّ تذوق الطّعم فتجده كذلك طيبًا! ومثالها (الأُتُرُجَّة).
الثانية:
يحضر الإيمان ويغيب القرآن، فلا تشمّ رائحةً طيّبةً، ولا ترى سمتًا رائقًا، وإذا ذقت الطعمَ ألفيتَه طيّبًا ومثالها (التّمرة).
الثالثة:
يغيبُ الإيمان، ويحضر القرآن، فتشمُّ رائحةً طيّبةً، وترى سمتًا حسَنًا، وإذا وذُقتَ؛ لم تجد طعمًا طيّبًا، ومثالُها (الرَّيحانة).
الرابعة:
غابا معًا: الإيمان والقرآن، فرائحةٌ خبيثةٌ وطعمٌ مرٌّ، ومثالها (الحنظلة).
(3) دعانا الله تعالى أن نقرأ القرآن،
وأجزل لنا المثوبة يوم نتدبر آياته، يقول الله عز وجل: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24].
تدبر القرآن:
هو التفكر والتأمل في كلام الله لأجل فهمه، وإدراك معانيه وحكمه، والمراد منه.
يقول ابن القيم رحمه الله:[color=#ff66cc] لا شيءَ أنفعُ للقلبِ مِنْ قراءةِ القرآنِ بالتدبرِ والتفكرِ؛ فإنه يورثُ: المحبةَ والشوقَ والخوفَ والرجاءَ
والإنابةَ والتوكلَ والرضَا والتفويضَ والشكرَ والصبرَ، وسائرَ الأحوالِ التي بها حياةُ القلبِ وكمالُه، وكذلك يَزْجُرُ عن جميعِ
الصفاتِ والأفعالِ المذمومةِ؛ والتي بها فسادُ القلبِ وهلاكُه، فلو عَلم الناسُ ما في قراءةِ القرآنِ بالتدبرِ لاشتغلوا بها عن كل ما
سواها، فإذا قرأهُ بتفكرٍ حتى مرَّ بآيةٍ هو محتاجٌ إليها في شفاءِ قلبِهِ؛ فليكررها ولو مائة مرة، فقراءةُ آيةٍ بتفكرٍ وتفهمٍ خير من قراءةِ
ختمةٍ كاملةٍ بغيرِ تدبرٍ وتفَهُّمٍ، وهوَ أنفعُ للقلبِ وأدعى إلى حصولِ الإيمانِ وذَوْقِ حلاوةِ القرآن...
فقراءة القرآن بالتفكر هي أصلُ صلاحِ القلب )[/color] انتهى. [مفتاح دار السعادة 1/ 187].
قال الحافظ ابن رجب: « ومن أعظم ما يُتَقَرَّب به إلى الله تعالى من النوافل كثرة تلاوة القرآن، وسماعه بتفكُّر وتدبر وتَفَهُّم؛
قال خَبَّاب بن الأرت لرجل: تقرب إلى الله ما استطعت، واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيء هو أحبُّ إليه من كلامه » انتهى. [جامع العلوم والحكم 2/ 342].
ومن أهم الوسائل التي تعين على تدبُّر القرآن الكريم ما يلي:
أ- تفريغ القلب من الإنشغال بغير الله، والتفكر في غير كتابه،
قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37].
ب- الترتيل عند قراءة القرآن، وتحسين الصوت به،
فإنه معين على التدبر والتأمل، ولهذا يجد الإنسان من نفسه حب سماع القرآن حين يقرأ به القارئ الماهر، ذو الصوت الحسن،
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وقف مرة يستمع لقراءة أبي موسى، وقال إنك قد أعطيت مزمارًا من مزامير آل دواد.
ومعرفة التجويد وضبط قراءة القرآن على شيخ متقن، من أهم الأمور التي تعين على الترتيل.
ت- استشعار عظمة الله، وأنه يكلمك بهذا القرآن،
حتى كأنك تسمعه منه الآن، قال علي رضي الله عنه: "إذا أردتُ أن يكلمني الله قرأت القرآن، وإذا أردت أن أكلم الله قمت إلى الصلاة".
ث- محاولة فهم معاني القرآن،
بالرجوع إلى التفاسير التي تهتم ببيان المعنى، ومن أفضلها تفسير ابن كثير، وتفسير ابن سعدي.
ج- ربط القرآن بواقعك الذي تعيش فيه،
وذلك بالعمل بأحكامه، والنظر في المواعظ التي يذكرها، والقصص التي يحكيها، وكيف أن الله أهلك أممًا كثيرة لما كذبوا وأعرضوا، وأن هذا المصير ينتظر كل من أعرض عن الله، وكفر برسله، مهما كانوا في قوة وعزة.
ح- معرفة بعض الأبحاث العلمية، التي تعتمد على التجارب الحسية،
والتي تسمى بالحقائق العلمية؛ ففيها فوائد جمة، قال تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [فصلت: 53].
إن الثمرة العظمى، والفائدة الكبرى من تدبر كلام الله
هي أن يثمر في القلب إيمانًا، يدفع صاحبه إلى العمل بمقتضاه، بحيث يكون رضى الله وحده مبتغاه، فلا يرى دون ذلك ولا بعده شيئًا، إلا أن يكون موصلا إليه أو ممرًا عليه.
وثمرات التدبر كثيرة؛ منها:
أ- حصول اليقين في القلب،
كما قال تعالى: ﴿ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ ﴾ [الجاثية: 20]،
فمن قرأ القرآن بتدبر وتأمل حصل له اليقين التام؛ لأن القرآن كالماء العذب، والقلب كالشجرة التي لا تستطيع أن تعيش وتنمو
إلا بهذا الماء، فالقلب كلما تفكر في معاني كلام الله حصل له الري والشبع، والنمو والاستقرار، والثبات والعلو.
ب- زيادة الإيمان،
قال تعالى: ﴿ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [التوبة: 124]، وإنما ازداد المؤمنون إيمانًا بسبب فهم الآيات، واعتقاد ما فيها، والعمل بها، والرغبة في فعل الخير.
ت- حصول العلم الصحيح، ودفع الشبه عن القلب،
قال تعالى: ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ [فصلت: 44].
ث- الإعراض عن الدنيا، والتعلق بالآخرة،
كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ
فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ [التوبة: 38]،
وقال تعالى: ﴿ وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 131].
ج- معرفة حقيقة الدنيا،
وأنها ظل زائل، ما جمعت إلا لتفرق، وما أضحكت إلا لتبكي، وما أعطت إلا لتسلُب، كثيرها قليل،
قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ
الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ
كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس: 24].
ح- الإعتصام والإجتماع في مقابل الفرقة والتشرذم،
قال تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103].
خ- الشعور بالأمن من المخاوف والعذاب،
قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].
د- حصول الرهبة والخوف، ثم الرجاء والطمأنينة،
قال تعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 23].
(4) آداب تلاوة القرآن الكريم؛
إخلاص النية لله تعالى فيها، والقراءة على طهارة لأن هذا من تعظيم كلام الله عز وجل، والقراءة بقلب حاضر وتدبر وتفهم
وخشوع، وترتيل القرآن ترتيلا فيقرأه بتمهل بدون سرعة لأنَّ ذلك أعون على تدبر معانيه وتقويم حروفه وألفاظه،
وأن يحسن صوته بالقرآن. وأن لا يقرأ القرآن في الأماكن المستقذرة، وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عند إرادة القراءة،
وأن يسجد إذا مر بآية سجدة وهو على وضوء. وأَنْ يَقْرَأَ عَلَى تَرْتِيبِ المُصْحَفِ، سَوَاءٌ قَرَأَ فِي الصَّلاةِ أَمْ خَارِجَهَا.
وَالقِرَاءَةُ فِي المُصْحَفِ أَفْضَلُ مِنْ القِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ القَلْبِ، لأنَّهَا تَجْمَعُ القِرَاءَةَ، وَالنَّظَرَ فِي المُصْحَفِ وَهُوَ عِبَادَةٌ أُخْرَى،
فَأَمَّا مَنْ يَزِيدُ خُشُوعُهُ وَحُضُورُ قَلْبِهِ وَتَدَبُّرُهُ فِي القِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ القَلْبِ فَهِيَ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ. وَيسُنُّ طَلبَ القِرَاءَةِ مِنْ حَسَنِ الصَّوْتِ وَالأصْغَاءُ إلَيْهَا.
(5) شهر رمضان وإن كان موسمًا لسائر العبادات،
فإنَّ للقرآن فيه مزيد مزية وخصوصية، قال الله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة 185]،
﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1]، ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ [الدخان: 3].
عَنْ وَاثِلةَ بْنِ الأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ فِي أَوَّلِ ليْلةٍ مِنْ رَمَضَانَ،
وَأُنْزِلتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَالإِنْجِيلُ لِثَلاثَ عَشْرَةَ خَلتْ مِنْ رَمَضَانَ،
وَأُنْزِلَ الفُرْقَانُ لأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ"؛ رواه أحمد وحسنه الألباني.
وقد قرن النبي صلى الله عليه وسلم بين الصيام والقرآن لتلازمِهما وترابطِهما
فقال: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ،
وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، فيشفعان"؛ [صحيح الجامع].
والسُّنَّةُ كَثْرَةُ تِلاوَةِ القُرْآنِ فِي رَمَضَانَ وَمُدَارَسَتِهِ:َ وَمَعْنَى الْمُدَارَسَةِ: أَنْ يَقْرَأَ عَلَى غَيْرِهِ وَيَقْرَأَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ، وَيَتَعَلَّمَ مَعَانِيَهُ وَأَحْكَامَهُ.
فَفِي الصَّحِيْحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ،
وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ،
فَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ".
ومهما كان اهتمامنا بالقرآن خلال العام كله فلابد من أن يكون هناك مزيد من الإهتمام الخاص في رمضان الذي ارتبط ارتباطًا
وثيقًا بالقرآن، فالقرآن جمع له الشرف من كل الوجوه، فهو أشرف كتاب نزل على أشرف أمة بسفارة أشرف الملائكة جبريل عليه
السلام، نزل على أشرف نبي وهو محمد عليه الصلاة والسلام في أشرف شهور السنة وهو رمضان في أشرف ليالي هذا الشهر
الكريم وهي ليلة القدر في أشرف بقاع الأرض وهي مكة بأشرف لغة وهي اللغة العربية، فينبغي أن يكثر العبد من تلاوته وحفظه
وتدبره وعرضه على من هو أقرأ منه. فهو المصباح الذي ينير هذا الشهر الكريم.
وليكن هذا الشهر نقطةَ انطلاقٍ لتصحيحِ علاقتِنا مع كتاب ربنا، وليكن لنا فيه برنامجٌ متنوع، يتضمن التلاوةَ والحفظَ والمدارسةَ
والتدبرَ مع معرفة المعاني، بحسب المتاحِ والمتيسر. إذن فينبغي على المسلم، أن يُقبل على القرآن، بكلِّ صدقٍ طمأنينة ويقينٍ،
واثقًا ممّا سيُفيضه الله عليه من رَوحه ورحمته، عند إمساكه بطرف الحبل الّذي يليه من القرآن، أي عند تلاوته.
وهذا رمضانُ فرصة طيّبة لتوثيق صلتنا بالقرآن، والرُّقيّ بإيماننا، فلنجتهد في تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، ولنجتهد في سماعه بتدبر وخشوع، ونحن نصلي صلواتنا في رمضان.
(6) فَقِهَ السلفُ رحمهم الله أهمية القرآن سيّما في شهر رمضان،
فكانوا يقبلون عليه بِكُلِّيَتهم ويهتمون به تلاوة ودراسة وتدبرا.
وكان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان، وعارضه في عام وفاته مرتين،
وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يختم القرآن الكريم كل يوم مرة،
وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر،
فكانوا يقرءون القرآن في الصلاة وفي غيرها، فكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة،
وكان قتادة يختم في كل سبع دائمًا، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر في كل ليلة،
وكان الزهري إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، ويُقبل على تلاوة المصحف،
وقال الزهري: "إذا دخل رمضان فإنما هو قراءة القرآن، وإطعام الطعام".
وروى ابن أبي داود بسند صحيح أن مجاهدا رحمه الله كان يختم القرآن في رمضان فيما بين المغرب والعشاء،
وكانوا يؤخرون العشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل،
وكان علي الأزدي يختم فيما بين المغرب والعشاء في كل ليلة من رمضان.
قال النووي: وأما الذي يختم القرآن في ركعة فلا يحصون لكثرتهم فمن المتقدمين عثمان بن عفان، وتميم الداري،
وسعيد بن جبير رضي الله ختمة في كل ركعة في الكعبة. [التبيان 48، وصلاح الأمة 3/85].
قال الإمام الذهبي: وقد روي من وجهين: أن أبا حنيفة (النعمان بن ثابت بن زوطى التيمي) قرأ القرآن كله في ركعة. (سير أعلام النبلاء 9/308).
ومن المتأخرين قال محمد المختار بن محمد سيدي الأمين الجنكي من بلاد شنقيط؛
لإبنه محمد: والله يا بني لقد كنت أخرج من المسجد بعد العشاء وأستفتح قيام الليل وفي ركعة واحدة لا أشعر
إلا وأني في آخر القرآن عند السحر. (أعلام من أرض النبوة 2/ 173).
هذا هو حال سلفنا الصالح مع القرآن الكريم. لقد كان القرآن الكريم مدرسة ربانية تربى فيها المسلمون الأوائل
حينما أدركوا أن الفلاح والنجاح منوطًا بالإقبال على هذا القرآن وفهم معانية، ولذلك كانت قراءتهم قراءة تدبُّر، وفهم للمعاني.
------------------------
اللهم اجعل القرآنَ العظيم ربيعَ قلوبنا وجلاءَ همومنا وذهابَ أحزاننا ونورَ صدورنا،
اللهم علِّمنا منه ما جهلنا وذكِّرنا منه ما نسينا وارزقنا تلاوتَه آناءَ الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا.
اللهم آآآمين
-----------------
تابعونا جزاكم الله خيرا
::
ولا تنسونا من صالح دعائكم
عدل سابقا من قبل sadekalnour في السبت مارس 18, 2023 6:34 pm عدل 2 مرات
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» (( - 2 -)) خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأربعاء نوفمبر 13, 2024 11:28 pm من طرف صادق النور