ألأخلاق في ألإسلام .. ألأخلاق المحموده (( الجزء الثاني ))
وما زلنا أحبابي نرتع في موسوعة ألأخلاق المحموده ونرجوكم أحبابنا المتابعه من الجزء ألأول حتي تتم الفائده
::::::::::
ومن ألأخلاق المحموده
التَّودُّد
معنى التَّودُّد لغةً:
التَّودُّد من الوُدِّ، والوُدُّ: مصدر الموَدَّة: الوُدُّ: الحُبُّ يكون في جميع مداخل الخير، والتواد التحاب.
وتودَّدَ إليه: تَحَبَّبَ. وتَوَدَّدَه: اجْتَلَبَ وُدَّه
معنى التَّودُّد اصطلاحًا:
التَّودُّد هو: (طلب مَوَدَّة الأكفاء بما يوجب ذلك)
وقال ابن حجر: (هو تقرُّب شخصٍ من آخر بما يحب)
وقال ابن أبي جمرة: (التَّوَادُد: التَّواصل الجالب للمحبَّة)
الفرق بين التودد وبعض الصفات
فرق بين التَّوَاد والتَّعاطف والتَّراحم:
قال ابن أبي جمرة: (الذي يظهر أنَّ التَّراحم والتَّوادُد والتَّعاطف، وإن كانت متقاربة في المعنى، لكن بينها فرق لطيف، فأمَّا التَّراحم، فالمراد به: أن يرحم بعضهم بعضًا بأخوة الإيمان، لا بسبب شيء آخر.
وأما التَّوادُد، فالمراد به: التَّواصل الجالب للمحبَّة، كالتَّزاور والتَّهادي.
وأما التَّعاطف، فالمراد به: إعانة بعضهم بعضًا، كما يعطف الثَّوب عليه ليقوِّيه)
- الفرق بين الحبِّ والوُدِّ:
الحب يكون فيما يوجبه ميل الطباع والحِكْمَة جميعًا، والوُدُّ ميل الطِّباع فقط؛ ألا ترى أنَّك تقول: أحبُّ فلانًا وأودُّه،
وتقول: أحبُّ الصَّلاة، ولا تقول: أودُّ الصَّلاة. وتقول: أودُّ أنَّ ذاك كان لي، إذا تمنيت وِدَادَه
أولًا: التَّرغيب في التَّودُّد في القرآن الكريم
- قال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت: 34]
قيل لابن عقيل: أسمع وصية الله عزَّ وجلَّ يقول: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وأسمع النَّاس يعدُّون من يُظهر خلاف ما يبطن منافقًا، فكيف لي بطاعة الله تعالى، والتَّخلُّص من النِّفاق؟
فقال: النِّفاق هو: إظهار الجميل وإبطان القبيح، وإضمار الشَّر مع إظهار الخير لإيقاع الشَّر. والذي تضمنته الآية: إظهار الحسن في مقابلة القبيح لاستدعاء الحسن
- وقال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم: 21]
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا يعني: المرأة هي من الرَّجل، لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا أي: تستأنسوا بها، وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً محبَّة، وَرَحْمَةً يعني: الولد
وقال الطبري: وقوله: وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً يقول: جعل بينكم بالمصاهرة والخُتُونة، مَوَدَّة تتوادُّون بها، وتتواصلون من أجلها، وَرَحْمَةً رحمكم بها، فعطف بعضكم بذلك على بعض إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
- وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا [مريم: 96]
عن مجاهد، في قوله: سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا، قال: (يحبُّهم ويحبِّبُهم إلى المؤمنين)
ثانيًا: التَّرغيب في التَّودُّد في الالنَّبويَّة سُّنَّة
- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بمن يحرم على النَّار، وبمن تحرم النَّار عليه؟ على كلِّ هيِّن ليِّن قريب سهل ))
قال القاري: (... ((قريب)) أي: من النَّاس بمجالستهم في محافل الطَّاعة، وملاطفتهم قدر الطَّاعة. ((سهل)) أي: في قضاء حوائجهم، أو معناه: أنه سمح القضاء، سمح الاقتضاء، سمح البيع، سمح الشِّراء)
وقال الصديقي: (... ((تحرم على كلِّ قريب)) أي: من النَّاس بحسن ملاطفته لهم، ((هيِّن ليِّن)) قال في ((النِّهاية)): ((المسلمون هَيْنُونَ لَيْنُون))، وهما بالتَّخفيف، قال ابن الأعرابي: العرب تمدح بِالْهَيْنِ اللَّيْن، مخفَّفيْن، وتذم بهما مُثَقَّلَيْن، وهيِّن: أي بالتَّشديد، فيعل من الهون، وهو السَّكينة والوقار والسُّهولة، فَعَيْنُه (واو)، وشيءٌ هَيْنٌ وهَيِّنٌ، أي: سَهْلٌ. ((سهل)) أي: يقضي حوائجهم ويسهل أمورهم)
- وعن النُّعمان بن بَشير رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمَّى ))
ففي هذا الحديث: تعظيم حقوق المسلمين، والحضُّ على تعاونهم، وملاطفة بعضهم بعضًا
- وعن معقل بن يسار رضي الله عنه، قال: ((جاء رجل إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنِّي أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وإنها لا تلد، أفأتزوجها؟ قال: لا. ثم أتاه الثَّانية فنهاه، ثم أتاه الثَّالثة، فقال: تزوَّجوا الوَدُود الولود؛ فإنِّي مكاثر بكم الأمم ))
الوَلُود: كثيرة الولد، والوَدُود: الموْدُودَة، لما هي عليه من حسن الخلق، والتَّوَدُّد إلى الزَّوج
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه: ((أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله! إنَّ لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأَحْلُم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت، فكأنَّما تُسِفُّهم الملَّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك ))
فأيَّده النَّبي صلى الله عليه وسلم على تودُّدِه إليهم، وإن لم يجد منهم مقابلًا لما يقوم به، إلَّا الإساءة إليه.
- وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ((أنَّ رجلًا من الأعراب لقيه بطريق مكة، فسلم عليه عبد الله. وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه، فقيل له: أصلحك الله! إنَّهم الأعراب، وإنَّهم يرضون باليسير. فقال عبد الله: إنَّ أبا هذا كان وُدًّا لعمر بن الخطَّاب، وإنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ أبَرَّ البِرِّ: صِلَة الولد أهل وُدِّ أبيه ))
قال النَّووي: (... ((إنَّ أبا هذا كان وُدًّا لعمر)) قال القاضي: رويناه بضم الواو وكسرها، أي: صديقًا من أهل مَوَدَّته، وهي محبَّته. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أبَرَّ البِرِّ: صِلَة الولد أهل وُدِّ أبيه))، وفي رواية: ((إنَّ من أبَرِّ البِرِّ صِلَة الرَّجل أهل وُدِّ أبيه بعد أنْ يُوَلِّيَ))، الوُدُّ هنا مضموم الواو، وفي هذا فضل صِلَة أصدقاء الأب، والإحسان إليهم وإكرامهم، وهو متضمِّن لبِرِّ الأب وإكرامه؛ لكونه بسببه. وتلتحق به أصدقاء الأم والأجداد والمشايخ، والزَّوج والزَّوجة)
أقوال السَّلف والعلماء في التَّودُّد
- قال الحسن: (التَّقدير نصف الكسب، والتَّودُّد نصف العقل، وحسن طلب الحاجة نصف العلم)
- وسئل الحسن عن حسن الخلق، فقال: (الكرم، والبذلة، والتَّودُّد إلى النَّاس)
- وعن ميمون بن مهران قال: (المروءة: طلاقة الوجه، والتَّودُّد إلى النَّاس، وقضاء الحوائج)
- وقال أبو حاتم: (الواجب على العاقل أنْ يتحبَّب إلى النَّاس بلزوم حسن الخلق، وترك سوء الخلق؛ لأنَّ الخلق الحسن يذيب الخطايا كما تذيب الشَّمس الجليد، وإن الخلق السَّيئ ليفسد العمل كما يفسد الخلُّ العسل، وقد تكون في الرَّجل أخلاق كثيرة صالحة كلُّها، وخلق سيئ، فيفسد الخلق السَّيئ الأخلاق الصَّالحة كلَّها)
فوائد التَّودُّد إلى النَّاس:
1- التَّودُّد طريق موصل للحبِّ والألفة، مما يقوي روابط التَّقارب بين الأفراد، ويزيد اللُّحمة بينهم.
2- التَّودُّد وتقوية العلاقات بين النَّاس، أساس لبناء مجتمع قوي مبني على الولاء، والتَّناصر والتَّعاضد والتَّعاون.
3- التَّودُّد يعكس الجمال الرُّوحي، والجانب الأخلاقي الفاضل الذي جاء الإسلام لتكميله وتعزيزه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّما بعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق ))
4- التَّودُّد للنَّاس، وكسب محبتهم وثقتهم مدعاة لتقبل ما يطرح عليهم من أفكار أو ما يُدعون إليه بجهد أقل وبسهولة ويسر، ففرق بين التَّقبل من البشوش اللَّين المحبوب، ومن القاسي العابس الممقوت.
5- التَّودُّد والتَّحبُّب إلى الخلق وسيلة لكسب قلوبهم، وكسب القلوب مدعاة للثَّناء وحسن الذِّكر.
6- من فوائد التَّودُّد التَّراحم بين المسلمين، والتَّراحم موجب لرحمة الله سبحانه وتعالى لمن اتَّصف بهذه الصِّفة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الرَّاحمون يرحمهم الرَّحمن ))
7- التَّودُّد سبيل إلى زوال الخصومات والأحقاد، ويؤدِّي إلى تصفية القلوب، ونقائها من هذه الأدران النَّفسية، من الحسد والكره والتَّباغض.
أنواع التَّودُّد إلى النَّاس
التودد نوعان:
1- تودد محمود: وهو ما كان ناشئًا من محبة معتدلة لأهل الخير والصلاح.
2- تودد مذموم: وهو التودد إلى الكفار والظالمين وفسقة الناس.
موانع اكتساب التَّودُّد إلى النَّاس:
1- الكبر والخيلاء فهما من الصِّفات المنافية للتَّودُّد.
2- العبوس في وجوه النَّاس، فهو مانع لكسب وُدِّهم.
3- الغلظة في الكلام، وفظاظة العبارات، وفحش الألفاظ.
4- الشُّحُّ والبخل، مدعاة لمقت صاحبها، وتتنافى مع التَّودُّد للخَلْق.
5- غلظة الطَّبع، والشِّدة في التَّعامل.
6- الجفاء وترك التَّواصل بين النَّاس مع بعضهم، فهو سبب يحول دون استدامة الوُدِّ، وازدياده في القلوب.
7- الخصومات والنزاعات، وكثرة الخلاف.
وسائل معينة على التَّودُّد إلى النَّاس
وسائل التَّودُّد إلى الخلق كثيرة جدًّا، وتختلف باختلاف الأشخاص والأوقات والأحوال، ولكن نعدد بعضًا من أهم هذه الوسائل، فمنها:
1- حسن الخلق مع البشْر فهو مفتاح قلوبهم، والباعث على مَوَدَّة صاحبه، وممهد له في قلوب النَّاس مكانًا.
قال أبو حاتم: (حسن الخلق بَذْر اكتساب المحبَّة، كما أنَّ سوء الخلق بَذْر استجلاب البغْضَة. ومن حَسُن خلقه صان عرضه، ومن ساء خلقه هتك عرضه؛ لأنَّ سوء الخلق يورث الضَّغائن، والضَّغائن إذا تمكَّنت في القلوب أورثت العداوة، والعداوة إذا ظهرت من غير صاحب الدِّين، أهوت صاحبها إلى النَّار، إلا أن يتداركه المولى بتفضُّلٍ منه وعفو)
2- التَّغافل عن الزلَّات، وعدم التَّوقف عند كلِّ خطأ أو كبوة يقع فيها الرَّفيق.
قال بعض الحكماء: (وجدت أكثر أمور الدُّنيا لا تجوز إلا بالتَّغافل)
3- البشَاشَة وطلاقة الوجه، والتَّبسُّم في وجوه النَّاس، مما يقذف الوُدَّ في قلوب البَشَر لصاحبها.
4- الرِّفق ولين الجانب، والأخذ باليُسر والسُّهولة في معاملة النَّاس.
5- التَّواضع، وخفض الجناح، وعدم التَّعالي والتَّكبر عليهم.
قال أبو حاتم: (ولكن من أسباب المؤاخاة التي يجب على المرء لزومها: مشي القصد، وخفض الصوت، وقلَّة الإعجاب، ولزوم التَّواضع، وترك الخلاف)
6- عدم إكثار المؤونات والتَّثقيل عليهم، فالبَشَر مجبولون على كراهية من يكلِّفهم المؤونة، ويشق أو يثقل عليهم.
قال أبو حاتم: (ولا يجب للمرء أن يكثر على إخوانه المؤونات، فيبرمهم؛ لأنَّ المرضع إذا كثر مصُّه، ربَّما ضجرت أمه فتلقيه)
وقال أكثم بن صيفي: (تباعدوا في الدِّيار، تقاربوا في الموَدَّة)
7- تفريج كرب الإخوان، والوقوف إلى جانبهم في الملمَّات والأحزان، ومواساتهم والإحسان لهم.
فعن سليمان مولى عبد الصَّمد بن علي: أنَّ المنصور -أمير المؤمنين- قال لابنه المهدي: (اعلم أنَّ رضاء النَّاس غاية لا تُدرك، فتحبَّبْ إليهم بالإحسان جهدك، وتودَّد إليهم بالإفضال، واقصد بإفضالك موضع الحاجة منهم)
8- الزِّيارة والتَّواصل، والسُّؤال عن الإخوان، وتجنُّب الجفاء بين المتودِّد وبين من يطلب وُدَّه.
قال أديب: (الموَدَّة روح، والزِّيارة شخصها)
وقال أبو حاتم: (العاقل يتفقَّد ترك الجفاء مع الإخوان، ويراعي محوها إن بدت منه، ولا يجب أن يستضعف الجفوة اليسيرة؛ لأنَّ من استصغر الصغير يوشك أن يجمع إليه صغيرًا، فإذا الصغير كبير، بل يبلغ مجهوده في محوها؛ لأنه لا خير في الصِّدق إلا مع الوفاء، كما لا خير في الفقه إلا مع الورع، وإنَّ من أخرق الخرق التماس المرء الإخوان بغير وفاء، وطلب الأجر بالرياء، ولا شيء أضيع من مَوَدَّة تُمنح من لا وفاء له)
9- عدم مقابلة الإساءة منهم بالمثْل، بل من أراد التَّودُّد للبَشَر فليعف وليصفح، وليقابل الإساءة بنقيضها.
قال السلمي: (وقابل القطيعة بالصِلَة، والإساءة بالإحسان، والظلم بالصَّبر والغفران)، فعن عقبة بن عامر قال: ((لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: يا عقبة بن عامر! صِل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك))
10- إدخال السُّرور في قلوب النَّاس، والانبساط معهم والمزاح.
قال الماوردي: (العاقل يتوخَّى بمزاحه أحد حالين، لا ثالث لهما: أحدهما: إيناس المصاحبين، والتَّودُّد إلى المخالطين، كما قال حكيم لابنه: يا بني اقتصد في مزاحك؛ فإنَّ الإفراط فيه يذهب البهاء، ويجرِّئ السُّفهاء، والتَّقصير فيه نقص بالمؤانسين، وتوحش بالمخاطبين. والثَّاني: أن ينفي من المزاح ما طرأ عليه، وحدث به من هم)
11- أن يوقر المشايخ ويرحم الصِّبيان، وفي الحديث قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس منَّا من لم يرحم صغيرنا، ويوقِّر كبيرنا ))
12- أن يبدأ من يلقى بالسَّلام قبل الكلام.
قال صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنَّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أَوَلَا أدلكم على عمل إذا عملتموه تحاببتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: أفشوا السَّلام بينكم ))
13- الكلمة الطَّيبة، فهي تقود القلوب إلى محبَّة صاحبها.
فقد قال بعضهم ناصحًا: (ولا تمتنع أن تتكلم بما يطيِّب قلوب العامَّة؛ فإنَّ النَّاس ينقادون للكلام أكثر من انقيادهم بالبطش)
14- الهديَّة، وهي وسيلة ذات أثر كبير على القلوب، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تهادوا تحابوا))
نماذج من حياة النَّبي صلى الله عليه وسلم في التَّودُّد
كان هذا الخُلَق واقعًا ملموسًا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان صلى الله عليه وسلم يتوَدَّد إلى أصحابه، ومن هم حوله، فمن ذلك:
- ما روته عائشة رضي الله عنها، من أنَّ رجلًا استأذن على النَّبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: ((بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة. فلما جلس تطلَّق النَّبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرَّجل. قالت له عائشة: يا رسول الله! حين رأيت الرَّجل، قلت له كذا وكذا، ثم تطلَّقت في وجهه، وانبسطت إليه. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة، متى عهدتني فحاشًا؟ إنَّ شر النَّاس عند الله منزلة يوم القيامة، من تركه النَّاس اتقاء شرِّه ))
قال ابن الجوزي: (هذا إنَّما فعله رسول الله على وجه المداراة، فسَنَّ ذلك لأمَّته، فيجوز أن يُستعمل مثل هذا في حق الشِّرِّير والظَّالم)
وقال ابن بطال: (المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للنَّاس، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة وسلِّ السَّخيمة)
- ومن ذلك توَدُّده صلى الله عليه وسلم لمن حوله، بتبسُّمه في وجوه أصحابه، ودعائه لهم، فعن جرير رضي الله عنه، قال: ((ما حجبني النَّبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسَّم في وجهي، ولقد شكوت إليه أنِّي لا أثبت على الخيل، فضرب بيده في صدري، وقال: اللهمَّ ثبِّته، واجعله هاديًا مهديًّا ))
- ومِنْ توَدُّده صلى الله عليه وسلم أنَّه ((كان يمرُّ بالصِّبيان فيسلم عليهم ))
- وكان ((إذا لقيه أحد من أصحابه، قام معه فلم ينصرف حتى يكون الرَّجل هو الذي ينصرف عنه، وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول يده، ناوله إياها فلم ينزع يده منه حتى يكون الرَّجل هو الذي ينزع يده منه، وإذا لقي أحدًا من أصحابه فتناول أذنه، ناوله إياها ثم لم ينزعها حتى يكون الرَّجل هو الذي ينزعها عنه ))
- ومِنْ توَدُّده صلى الله عليه وسلم لأصحابه أنَّه: ((كان يأتي ضعفاء المسلمين، ويزورهم ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم))
نماذج من حياة الصَّحابة رضي الله عنهم في التَّودُّد
- عن أبي الدَّرداء رضي الله عنه قال: ((كانت بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما محاورة، فأغضب أبو بكر عمر، فانصرف عنه عمر مغضبًا، فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل، حتى أغلق بابه في وجهه. فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو الدَّرداء: ونحن عنده، وفي رواية: أقبل أبو بكر آخذًا بطرف ثوبه، حتى أبدى عن ركبته،
فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: أما صاحبكم فقد غامر. فسلَّم وقال: يا رسول الله! إنِّي كان بيني وبين ابن الخطَّاب شيء، فأسرعت إليه ثمَّ ندمت، فسألته أن يغفر لي، فأبى علي، فأقبلت إليك. فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر (ثلاثًا)، ثمَّ إنَّ عمر ندم على ما كان منه، فأتى منزل أبي بكر، فسأل: أثمَّ أبا بكر؟ فقالوا: لا. فأتى إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، فجعل وجه النَّبي صلى الله عليه وسلم يتمعَّر؛ حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه، وقال: يا رسول الله! والله أنا كنت أظلم (مرتين). فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت. وقال أبو بكر: صدقت. وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ (مرتين)، فما أوذي بعدها ))
ففي الحديث، السعي إلى استجلاب الوُدِّ من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وطلبه لإزالة الشَّحناء من قلب عمر تجاهه، رضوان الله عليهم أجمعين.
- أيضًا كان الصَّحابة رضي الله عنهم، حريصين على أن يتَّصفوا بهذه الصِّفة، فهذا أبو هريرة رضي الله عنه يأتي النَّبي صلى الله عليه وسلم ليدعو له أن يحبِّبَه هو وأمَّه إلى المؤمنين، ويحبِّب المؤمنين إليهم،
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت: ((يا رسول الله! ادع الله أن يحبِّبني أنا وأمِّي إلى عباده المؤمنين، ويحبِّبهم إلينا. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهمَّ حبِّب عُبَيدك هذا -يعني أبا هريرة- وأمَّه إلى عبادك المؤمنين، وحبِّب إليهم المؤمنين. فما خُلِقَ مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبَّني
نماذج من العلماء والسَّلف في التَّودُّد
- ابن قيِّم الجوزيَّة، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر:
قال ابن كثير في ترجمته: (وكان حَسن القراءة والخُلُق، كثير التَّوَدُّد، لا يحسد أحدًا، ولا يؤذيه، ولا يستعيبه، ولا يحقد على أحد)
- ابن مالك، إمام العربية، أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله الطَّائي الجياني:
قيل في ترجمته: (وتقدَّم وساد في علم النَّحو والقراءات، ورَبَا على كثير ممَّن تقدَّمه في هذا الشَّأن، مع الدِّين والصِّدق، وحسن السَّمت، وكثرة النَّوافل، وكمال العقل والوقار، والـتَّوَدُّد، وانتفع به الطلبة)
- القاضي علاء الدين أبو الحسن علي التَّنوخي الدمشقي الحنبلي:
قيل في ترجمته: (كان رجلًا وافر العقل، حَسن الخلق، كثير التَّوَدُّد)
- القاضي محمد بن إبراهيم بن إسحاق السلمي المناوي، ثم القاهري :
قيل في ترجمته: (كان كثير التَّودُّد إلى النَّاس، مُعَظَّمًا عند الخاص والعام، ومُحَبَّبًا إليهم).
- الفقيه الحنبلي المقرئ المحدِّث، أمين الدِّين أبو عبد الله محمَّد البعلي:
قال البرزالي عنه: (كان شيخًا جليلًا، حَسن الوجه، بَهي المنظر، له سمت حسن، وعليه سكينة، ولديه فضل كثير، فصيح العبارة، حَسِن الكلام، له قبول من النَّاس، وهو كثير التَّوَدُّد إليهم، قاض للحقوق)
- شمس الدِّين أبو عبد الله محمَّد بن أبي بكر، المعروف بابن المهيني:
جاء في ترجمته: (كان بشوش الوجه، حَسن الشكل، كثير التَّوَدُّد للنَّاس)
- الشيخ الفرضي المحدِّث، عماد الدين أبو عبد الله الدمياطي:
جاء في ترجمته: (كان حلو المحادثة، كثير التَّوَدُّد، غزير المحاسن)
أقوالٌ وأمثالٌ في التَّودُّد
- قيل لعبد الملك بن مروان: (ما أفدت في ملكك هذا؟ قال: مَوَدَّة الرِّجال)
- وقال بعض الحكماء: (من علامة الإقبال اصطناع الرِّجال)
- وقال بعض البلغاء: (من استصلح عدوه، زاد في عدده، ومن استفسد صديقه، نقص من عدده)
- وروي عن لُقْمان أنَّه قال لابنه: (يا بنيَّ تَوَدَّدْ إلى النَّاس، فإنَّ التَّوَدُّد إليهم أمنٌ، ومعاداتهم خوفٌ)
- وقال المنصور: (إذا أحببت المحمدة من النَّاس بلا مؤونة، فالْقَهم ببِشْر حَسَن)
- وقال بعض الظُّرفاء عن الظُّرف: (التَّوَدُّد إلى الإخوان، وكفُّ الأذى عن الجيران)
- وقال أبو شروان لوزيره بزرجمهر: (ما الشيء الذي يعز به السُّلطان؟ قال الطَّاعة، قال: فما سبب الطَّاعة، قال التَّوَدُّد إلى الخاصَّة والعامَّة)
- ويقال: (الأناة حُسْنٌ، والتَّودُّد يُمْنٌ)
- وقيل: (استدم مَوَدَّة أخيك بترك الخلاف عليه، ما لم تكن عليه منقة أو غضاضة)
- وقيل: (بإحياء الملاطفة، تستمال القلوب العارفة)
- وقال الحسن بن وهب: (من حقوق الموَدَّة، أخذ عفو الإخوان، والإغضاء عن تقصيرٍ إن كان)
- وقالت الحكماء: (دواء الموَدَّة كثرة التَّعاهد)
- ولبعض الحكماء من السَّلف: (عاشروا النَّاس، فإن عشتم حنُّوا إليكم، وإن متم بكوا عليكم)
- وقال بعض الحكماء: (من جاد لك بمودَّته، فقد جعلك عديل نفسه)
- ومن كلام العرب: (خطب وُدَّ فلان)، أي: أرضاه، تودَّد إليه، طلب صداقته
- ومن كلام العرب (تغازل الصَّديقان): أي: تودَّد كلٌّ منهما إلى الآخر في محادثته
=================================================
ومن ألأخلاق المحموده
الجُود، والكَرَم والسَّخاء، والبَذل
معنى الجُود، والكَرَم، والسَّخاء، والبَذل، لغةً واصطلاحًا
معنى الجُود لغةً:
الجُود: المطر الغزير، وجاد الرَّجل بماله يجُود جُودًا بالضَّم، فهو جَوَادٌ وقيل: الجَوَاد: هو الذي يعطي بلا مسألة؛ صيانة للآخذ مِن ذلِّ السُّؤال ويُفَسَّر الجُود أيضًا بالسَّخاء
معنى الجُود اصطلاحًا:
قال الجرجاني: (الجُود: صفة، هي مبدأ إفادة ما ينبغي لا بعوض)
(وقال الكِرْماني: الجُود: إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي)
وقيل هو: (صفةٌ تحمل صاحبها على بذل ما ينبغي مِن الخير لغير عوض)
معنى الكَرَم لغةً:
الكَرَم: ضدُّ اللُّؤْم، كرُم كرامة وكَرَمًا وكَرَمة، فهو كريم وكريمة، وكرماء وكرام وكرائم، وكرم فلان: أعطى بسهولة وجاد، وكرم الشيء عزَّ ونفس
معنى الكَرَم اصطلاحًا:
قال الجرجاني: (الكَرَم: هو الإعطاء بسهولة)
وقال المناويُّ: (الكرم: إفادة ما ينبغي لا لغرض)
وقال القاضي عياض: (وأما الجود والكرم والسخاء والسماحة، ومعانيها متقاربة، وقد فرق بعضهم بينها بفروق، فجعلوا الكرم: الإنفاق بطيب نفس فيما يعظم خطره ونفعه، وسموه أيضا جرأة، وهو ضد النذالة)
معنى السَّخاء لغةً:
السَّخاوة والسَّخاء: الجُود، والكرم. والسَّخي: الجَوَاد، وفي الفعل ثلاث لغات سخا من باب علا، وسخي من باب تعب، وسَخُو من باب قرُب
معنى السَّخاء اصطلاحًا:
قال المناويُّ: (السَّخاء: الجُود، أو إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي، أو بذل التَّأمُّل قبل إلحاف السَّائل)
وقال الرَّاغب: (السَّخاء: هيئة للإنسان داعية إلى بذل المقتنيات، حصل معه البَذْل أو لم يحصل، وذلك خُلُق)
وقال القاضي عياض: (السَّخاء: سهولة الإنفاق، وتجنُّب اكتساب ما لا يُحْمَد)
معنى البَذْل لغةً:
بَذَلَ الشَّيء: أعطاه وجاد به. والبَذْل نقيض المنع، وكلُّ مَن طابت نفسه لشيءٍ فهو باذلٌ. ورجلٌ بذَّال، وبَذُول: إذا كَثُر بذله للمال. يقال: بَذَلَ له شيئًا، أي: أعطاه إيَّاه
معنى البَذْل اصطلاحًا:
قال المناويُّ: (البَذْل: الإعطاء عن طيب نفس)
الفرق بين صفة الجُود وبعض الصِّفات
- الفرق بين الجُود والسَّخاء:
قال الرَّاغب: (السَّخاء: اسم للهيئة التي عليها الإنسان.
والجُود: اسم للفعل الصَّادر عنها.
وإن كان قد يسمَّى كلُّ واحد باسم الآخر مِن فضله)
وقال أبو هلال العسكري: (الفرق بين السَّخاء والجُود: أنَّ السَّخاء هو أن يلين الإنسان عند السُّؤال، ويسهل مهره للطَّالب، مِن قولهم: سَخَوت النَّار أسخوها سخوًا: إذا ألينتها، وسَخَوت الأديم: ليَّنته، وأرضٌ سَخاوِيَّةٌ: ليِّنة...
والجُود كثرة العطاء مِن غير سؤال، مِن قولك: جادت السَّماء، إذا جادت بمطر غزير، والفرس: الجَوَاد الكثير الإعطاء للجري، والله تعالى جَوَاد لكثرة عطائه فيما تقتضيه الحكمة.
ويظهر مِن كلام بعضهم: التَّرادف.
وفرَّق بعضهم بينهما: بأنَّ مَن أعطى البعض وأبقى لنفسه البعض فهو صاحب سخاء.
ومَن بَذَلَ الأكثر وأبقى لنفسه شيئًا، فهو صاحب جود)
- الفرق بين الجُود والكَرَم:
قال الكفوي: (الجُود: هو صفة ذاتيَّة للجَوَاد، ولا يستحقُّ بالاستحقاق ولا بالسُّؤال.
والكَرَم: مسبوقٌ باستحقاق السَّائل والسُّؤال منه)
وقال أبو هلال العسكري في الفرق بينهما: (أنَّ الجَوَاد هو الذي يعطي مع السُّؤال.
والكريم: الذي يعطي مِن غير سؤال.
وقيل بالعكس.
وقيل: الجُود: إفادة ما ينبغي لا لغرض.
والكَرَم: إيثار الغير بالخير)
- الفرق بين الجُود والإفضال:
قال الكفوي: (والإفضال أعمُّ من الإنعام والجُود، وقيل: هو أخصُّ منهما؛ لأنَّ الإفضال إعطاءٌ بعوض، وهما عبارة عن مطلق الإعطاء.
والكَرَم: إن كان بمال فهو: جود. وإن كان بكفِّ ضررٍ مع القُدْرة فهو: عفو. وإن كان ببذل النَّفس فهو: شجاعة)
أولًا: الترغيب في الجُود والكَرَم والسَّخاء والبذل في القرآن الكريم
- هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ [الذَّاريات: 24-26]
قال الطَّبري: (عن مجاهدٍ، قوله: ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ قال: أكرمهم إبراهيم، وأمر أهله لهم بالعجل حينئذٍ)
قال الزجَّاج: (جاء في التَّفسير أنَّه لما أتته الملائكة أكرمهم بالعجل. وقيل: أكرمهم بأنَّه خدمهم، صلوات الله عليه وعليهم)
- وقال تعالى: مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 261]
قال ابن كثير: (هذا مثلٌ ضربه الله تعالى لتضعيف الثَّواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته، وأنَّ الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعفٍ)
- وقال تعالى: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 274]
قال ابن كثير: (هذا مدحٌ منه تعالى للمنفقين في سبيله، وابتغاء مرضاته في جميع الأوقات مِن ليلٍ أو نهارٍ، والأحوال مِن سرٍّ وجهار، حتى إنَّ النَّفقة على الأهل تدخل في ذلك أيضًا)
وقال السَّمرقندي: (هذا حثٌّ لجميع النَّاس على الصَّدقة، يتصدَّقون في الأحوال كلِّها، وفي الأوقات كلِّها، فلهم أجرهم عند ربِّهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون)
ثانيًا: الترغيب في الجُود والكَرَم والسَّخاء والبذل في السُّنَّة النَّبويَّة
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دينارٌ أنفقته في سبيل الله ودينارٌ أنفقته في رقبةٍ، ودينارٌ تصدَّقت به على مسكينٍ، ودينارٌ أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك ))
قال النَّوويُّ: (في هذا الحديث فوائد، منها: الابتداء في النَّفقة بالمذكور على هذا التَّرتيب. ومنها: أنَّ الحقوق والفضائل إذا تزاحمت، قُدِّم الأوكد فالأوكد. ومنها: أنَّ الأفضل في صدقة التَّطوع أن ينوِّعها في جهات الخير ووجوه البرِّ بحسب المصلحة، ولا ينحصر في جهةٍ بعينها)
- وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: انتهيت إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو جالسٌ في ظلِّ الكعبة، فلمَّا رآني قال: ((هم الأخسرون وربِّ الكعبة. قال: فجئت حتى جلست، فلم أتقارَّ أن قمت، فقلت: يا رسول الله، فداك أبي وأمي، مَن هم؟ قال: هم الأكثرون أموالًا، إلَّا مَن قال هكذا وهكذا وهكذا -مِن بين يديه ومِن خلفه وعن يمينه وعن شماله- وقليلٌ ما هم، ما مِن صاحب إبلٍ، ولا بقرٍ، ولا غنمٍ لا يؤدِّي زكاتها إلَّا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت، وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها، كلَّما نفدت أخراها، عادت عليه أولاها، حتى يُقْضَى بين النَّاس ))
قال النَّوويُّ: (فيه الحثُّ على الصَّدقة في وجوه الخير)
وقال المباركفوريُّ: (فقوله: ((قال هكذا)) الخ، كناية عن التَّصدُّق العام في جميع جهات الخير)
- وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: بينما نحن في سفرٍ مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجلٌ على راحلةٍ له،
قال: فجعل يصرف بصره يمينًا وشمالًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن كان معه فضل ظهرٍ، فليعد به على مَن لا ظهر له، ومَن كان له فضلٌ مِن زاد، فليعد به على مَن لا زاد له ))
قال النَّوويُّ: (في هذا الحديث: الحثُّ على الصَّدقة والجُود والمواساة والإحسان إلى الرُّفقة والأصحاب، والاعتناء بمصالح الأصحاب، وأمرُ كبير القوم أصحابه بمواساة المحتاج، وأنَّه يُكتفى في حاجة المحتاج بتعرُّضه للعطاء وتعريضه مِن غير سؤال)
أقوال السَّلف والعلماء في الكَرَم والجُود والسَّخاء والبذل
- قال أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء )
- وعنه رضي الله عنه: (الجُود حارس الأعراض)
- وقال عليٌّ رضي الله عنه: (السَّخاء ما كان ابتداءً، فأمَّا ما كان عن مسألة فحياء وتذمُّم)
- ورُوِي عنه مرفوعًا: ((الكَرَم أعطف مِن الرَّحم))
- (وقيل لحكيم: أيُّ فعلٍ للبَشَر أشبه بفعل الباري تعالى، فقال: الجُود)
- وقال يحيى البرمكي: (أعط مِن الدُّنْيا وهي مقبلة؛ فإنَّ ذلك لا ينقصك منها شيئًا. فكان الحسن بن سهل يتعجَّب مِن ذلك ويقول: لله درُّه! ما أطبعه على الكَرَم وأعلمه بالدُّنْيا)
- و(قال محمَّد بن يزيد الواسطي: حدَّثني صديق لي: (أنَّ أعرابيًّا انتهى إلى قوم فقال: يا قوم، أرى وجوهًا وضيئة، وأخلاقًا رضيَّةً، فإن تكن الأسماء على إثر ذلك فقد سعدت بكم أمُّكم... قال أحدهم: أنا عطيَّة، وقال الآخر: أنا كرامة، وقال الآخر: أنا عبد الواسع،
قال: فكسوه وأحسنوا إليه وانصرف شاكرًا)
- و(كان يُقَال: مَن جاد بماله جاد بنفسه، وذلك أنَّه جاد بما لا قوام لنفسه إلَّا به)
- وقال الماورديُّ رحمه الله تعالى: (اعلم أنَّ الكريم يجتزي بالكرامة واللُّطف، واللَّئيم يجتزي بالمهانة والعنف، فلا يجود إلَّا خوفًا، ولا يجيب إلَّا عنفًا،
فاحذر أن تكون المهانة طريقًا إلى اجتدائك، والخوف سبيلًا إلى عطائك، فيجري عليك سفه الطَّغام، وامتهان اللِّئام، وليكن جودك كرمًا ورغبة، لا لؤمًا ورهبة)
- و(عن حسن بن صالحٍ، قال: سُئِل الحسن عن حُسْن الخُلُق، فقال: الكَرَم، والبَذْلة، والاحتمال)
- (وقال جعفر بن محمَّد الصَّادق: إنَّ لله وجوهًا مِن خلقه، خلقهم لقضاء حوائج عباده، يرون الجُود مجدًا، والإفضال مغنمًا، والله يحبُّ مكارم الأخلاق)
- وقال بكر بن محمَّد العابد: (ينبغي أن يكون المؤمن مِن السَّخاء هكذا، وحثا بيديه)
- وقال بعض الحكماء: (أصل المحاسن كلِّها الكَرَمُ، وأصل الكَرَم نزاهةُ النَّفس عن الحرام، وسخاؤها بما تملك على الخاص والعام، وجميع خصال الخير مِن فروعه)
- وقال ابن المبارك: (سخاء النَّفس عمَّا في أيدي النَّاس أعظم مِن سخاء النَّفس بالبَذْل)
- وقال بعض العلماء: (الكَرَم: هو اسم واقع على كلِّ نوع مِن أنواع الفضل، ولفظٌ جامعٌ لمعاني السَّمَاحة والبَذْل)
- وقالوا: (السَّخيُّ مَن كان مسرورًا ببذله، متبـرِّعًا بعطائه، لا يلتمس عرض دنياه فيحْبَطُ عملُه، ولا طلب مكافأة فيسقط شكرُه، ولا يكون مَثَلُه فيما أعطى مَثَلُ الصَّائد الذي يلقي الحَبَّ للطَّائر، ولا يريد نفعها ولكن نَفْعَ نفسه)
فوائد الكَرَم والجُود والسَّخاء والبذل
1- الكَرَم والجُود والعطاء مِن كمال الإيمان وحُسْن الإسلام.
2- دليل حُسْن الظَّن بالله تعالى.
3- الكرامة في الدُّنْيا، ورفع الذِّكر في الآخرة.
4- الكريم محبوبٌ مِن الخالق الكريم، وقريبٌ مِن الخَلْق أجمعين.
5- الكريم قليل الأعداء والخصوم؛ لأنَّ خيره منشورٌ على العموم.
6- الكريم نفعه متعدٍّ غير مقصور.
7- تثمر حُسْن ثناء النَّاس عليه.
8- تبعث على التَّكافل الاجتماعي والتَّواد بين النَّاس.
9- الكَرَم يزيد البركة في الرِّزق والعمر.
10- يولِّد في الفرد شعورًا بأنَّه جزء مِن الجماعة، وليس فردًا منعزلًا عنهم إلَّا في حدود مصالحه ومسؤولياته الشَّخصيَّة.
11- تزكِّي الأنفس وتطهرها مِن رذائل الأنانيَّة المقيتة، والشُّح الذَّميم.
12- حلُّ مشكلة حاجات ذوي الحاجات مِن أفراد المجتمع الواحد.
13- إقامة سدٍّ واقٍ يمنع الأنفس من سيطرة حبِّ التَّملُّك والأثرة.
صور الكَرَم والجُود والسَّخاء والبذل
المجالات التي يشملها الكَرَم والجُود والعطاء متنوِّعة وكثيرة، فمنها:
1- العطاء مِن المال، ومِن كلِّ ما يمتلك الإنسان مِن أشياء ينتفع بها، كالذَّهب والفضَّة، والخيل، والأنعام، والحرث، وكلِّ مأكول، أو مشروب، أو ملبوس، أو مركوب، أو مسكون، أو يؤوي إليه، وكلِّ آلة أو سبب أو وسيلة ينتفع بها، وكلِّ ما يُتَدَاوى به أو يقي ضرًّا أو يدفع بأسًا، إلى غير ذلك مِن أشياء يصعب إحصاؤها.
2- ومنها العطاء مِن العلم والمعرفة، وفي هذا المجال مَن يحبُّون العطاء، وفيه بخلاء ممسكون ضنينون، والمعطاء في هذا المجال هو الذي لا يدَّخر عنده علمًا ولا معرفة عمَّن يُحْسِن الانتفاع بذلك، والبخيل هو الذي يحتفظ بمعارفه وعلومه لنفسه، فلا ينفق منها لمستحقِّيها، ضنًّا بها ورغبةً بالاستئثار.
3- ومنها عطاء النَّصيحة، فالإنسان الجَوَاد، كريم النَّفس، لا يبخل على أخيه الإنسان بأيِّ نصيحةٍ تنفعه في دينه أو دنياه، بل يعطيه نُصْحَه الذي ينفعه مبتغيًا به وجه الله تعالى.
4- ومنها: العطاء مِن النَّفس، فالجواد يعطي مِن جاهه، ويعطي مِن عَطْفِه وحنانه، ويعطي مِن حلو كلامه وابتسامته وطلاقة وجهه، ويعطي مِن وقته وراحته، ويعطي مِن سمعه وإصغائه، ويعطي مِن حبِّه ورحمته، ويعطي مِن دعائه وشفاعته، وهكذا إلى سائر صور العطاء مِن النَّفس.
5- ومنها: العطاء مِن طاقات الجسد وقواه، فالجواد يعطي مِن معونته، ويعطي مِن خدماته، ويعطي مِن جهده، فيعين الرَّجل في دابَّته فيحمله عليها أو يحمل له عليها، ويميط الأذى عن طريق النَّاس وعن المرافق العامَّة، ويأخذ بيد العاجز حتى يجتاز به إلى مكان سلامته، ويمشي في مصالح النَّاس، ويتعب في مساعدتهم، ويسهر مِن أجل معونتهم، ومِن أجل خدمتهم، وهكذا إلى سائر صور العطاء مِن الجسد.
6- ويرتقي العطاء حتى يصل إلى مستو
الأسباب المعينة على الكَرَم والجُود والسَّخاء والبذل
دوافع البَذْل والعطاء عند الإنسان كثيرة؛ منها :
1- توفيق الله له بالبَذْل والنَّفقة.
2- نفسه الطيِّبة.
3- حبُّ عمل الخير.
4- حثُّ أهل الخير له على النَّفقة والعطاء والكَرَم.
5- مقتضيات المجتمع الإسلامي وحاجاته الملِحَّة إلى التَّعاون؛ والتَّكامل لبناء الاقتصاد الإسلامي بناءً قويًّا وعزيزًا.
نماذج مِن كرم الأنبياء والمرسلين عليهم السلام
إبراهيم الخليل عليه السَّلام:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان أوَّل مَن أضاف الضَّيف إبراهيم))
قال المناويُّ: (كان يسمَّى أبا الضِّيفان، كان يمشي الميل والميلين في طلب مَن يتغدَّى معه... وفي ((الكشَّاف)):
كان لا يتغدَّى إلَّا مع ضيف)
قال تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ [الذَّاريات: 24]
قال مجاهد: سمَّاهم (مُكْرَمين) لخدمة إبراهيم إيَّاهم بنفسه
وقال الرَّازي: (أُكْرِموا إذ دخلوا، وهذا مِن شأن الكريم أن يُكْرِم ضيفه وقت الدُّخول، فإن قيل: بماذا أُكْرِموا؟ قلنا: ببشاشة الوجه أولًا، وبالإجلاس في أحسن المواضع وألطفها ثانيًا، وتعجيل القِرَى ثالثًا، وبعد التَّكليف للضَّيف بالأكل والجلوس)
نماذج مِن كرم العرب وجودهم في العصر الجاهلي
لقد كان الكَرَم مِن أبرز الصِّفات في العصر الجاهلي، بل كانوا يتباهون بالكَرَم والجُود والسَّخاء، ورفعوا مِن مكانة الكَرَم، وكانوا يصفون بالكَرَم عظماء القوم، واشتهر بعض العرب بهذه الصِّفة الحميدة حتى صار مضربًا للمثل، ونذكر بعض النَّماذج مِن هؤلاء الذين اشتهروا بفيض كرمهم وسخاء نفوسهم، ومِن أولئك:
حاتم الطَّائي:
كان حاتم الطَّائي مِن أشهر مَن عُرِف عند العرب بالجُود والكَرَم حتى صار مضرب المثل في ذلك.
(قالت النوار امرأته: أصابتنا سنة اقشعرَّت لها الأرض، واغبرَّ أفق السَّماء، وراحت الإبل حدبًا حدابير، وضنَّت المراضع عن أولادها فما تَبِضُّ بقطرة، وجَلَّفَت السَّنَة المال، وأيقنَّا أنَّه الهلاك. فوالله إنِّي لفي ليلة صَنْبر بعيدة ما بين الطَّرفين، إذ تضاغى أصيبيتنا مِن الجوع، عبد الله وعدي وسَفَّانة، فقام حاتم إلى الصبيَّين، وقمت إلى الصبيَّة، فوالله ما سكنوا إلَّا بعد هدأة مِن اللَّيل، ثمَّ ناموا ونمت أنا معه، وأقبل يعلِّلني بالحديث، فعرفت ما يريد، فتناومت، فلمَّا تهوَّرت النُّجوم إذا شيء قد رفع كِسْر البيت، فقال: مَن هذا؟ فولَّى ثمَّ عاد، فقال: مَن هذا؟ فولَّى ثمَّ عاد في آخر اللَّيل، فقال: مَن هذا؟ فقالت: جارتك فلانة، أتيتك مِن عند أصيبية يتعاوون عواء الذِّئاب مِن الجوع، فما وجدت معوَّلًا إلَّا عليك أبا عدي، فقال: والله لأشبعنَّهم، فقلت: مِن أين؟ قال: لا عليك، فقال: أعجليهم فقد أشبعك الله وإيَّاهم، فأقبلت المرأة تحمل ابنين ويمشي جانبيها أربعة، كأنَّها نعامة حولها رئالها، فقام إلى فرسه فوجأ لبته بمديته، فخر، ثمَّ كشطه، ودفع المدية إلى المرأة، فقال: شأنك (الآن)، فاجتمعنا على اللَّحم، فقال: سوأة! أتأكلون دون الصِّرم؟!، ثمَّ جعل يأتيهم بيتًا بيتًا ويقول؛ هبُّوا أيُّها القوم، عليكم بالنَّار، فاجتمعوا، والْتَفَع بثوبه ناحيةً ينظر إلينا، لا والله ما ذاق منه مُزْعَة، وإنَّه لأحوج إليه منَّا، فأصبحنا وما على الأرض مِن الفرس، إلَّا عظم أو حافر، (فعذلته على ذلك)،
و(قيل سأل رجل حاتمًا الطَّائي فقال: يا حاتم هل غلبك أحدٌ في الكَرَم؟ قال: نعم، غلام يتيم مِن طيئ، نزلت بفنائه وكان له عشرة أرؤس مِن الغنم، فعمد إلى رأس منها فذبحه. وأصلح مِن لحمه، وقدَّم إليَّ، وكان فيما قدَّم إليَّ الدِّماغ، فتناولت منه فاستطبته، فقلت: طيِّبٌ والله. فخرج مِن بين يدي، وجعل يذبح رأسًا رأسًا، ويقدِّم إليَّ الدِّماغ وأنا لا أعلم. فلمَّا خرجت لأرحل نظرت حول بيته دمًا عظيمًا، وإذا هو قد ذبح الغنم بأسره. فقلت له: لم فعلت ذلك؟ فقال: يا سبحان الله! تستطيب شيئًا أملكه فأبخل عليك به، إنَّ ذلك لسُبَّة على العرب قبيحة. قيل يا حاتم: فما الذي عوَّضته؟ قال: ثلاثمائة ناقة حمراء وخمسمائة رأس مِن الغنم، فقيل أنت إذًا أَكْرَم منه، فقال: بل هو أكرم، لأنَّه جاد بكلِّ ما يملكه، وإنَّما جُدت بقليل مِن كثير)
عبد الله بن جُدْعَانَ:
مِن الكُرَماء المشهورين في العصر الجاهلي: عبد الله بن جُدْعَان، فقد اشتهر بكرمه وجوده، وسخائه وعطائه.
و(كان عبد الله بن جُدْعَانَ مِن مُطْعِمي قريش، كهاشم بن عبد مناف، وهو أوَّل مَن عمل الفالوذ للضَّيف،
وكانت له جِفَان يأكل منها القائم والرَّاكب)
و(حدَّث إبراهيم بن أحمد قال: قَدِمَ أميَّة بن أبي الصَّلت مكَّة، على عبد الله بن جُدْعَان، فلمَّا دخل عليه قال له عبد الله: أمرٌ ما، جاء بك. فقال أميَّة: كلاب غرمائي قد نبحتني ونهشتني فقال له عبد الله: قدمت عليَّ وأنا عليل مِن ديون لزمتني، فأنظرني قليلًا يجمُّ ما في يدي، وقد ضمنت قضاء دينك ولا أسأل عن مبلغه،
فلمَّا أنشده أميَّة هذه الأبيات كانت عنده قينتان، فقال لأميَّة: خذ أيتهما شئت، فأخذ إحداهما وانصرف. فمرَّ بمجلس مِن مجالس قريش، فلاموه على أخذها، وقالوا: لقد أجحفت به في انتزاعها منه، فلو رددتها عليه، فإنَّ الشَّيخ يحتاج إلى خدمتهما، لكان ذلك أقرب لك عنده وأَكْرَم مِن كلِّ حقٍّ ضمنته لك. فوقع الكلام مِن أميَّة موقعًا وندم، فرجع إليه ليردَّها عليه، فلمَّا أتاه بها قال له ابن جُدْعَان: لعلَّك إنَّما رددتها لأنَّ قريشًا لاموك على أخذها، وقالوا لك كذا وكذا، ووصف لأميَّة ما قال له القوم، فقال أميَّة: والله ما أخطأت يا أبا زهير ممَّا قالوا شيئًا. قال عبد الله: فما الذي قلت في ذلك؟ فقال أميَّة:
عطاؤك زَيْنٌ لامرئ إن حبوته
ببذل وما كلُّ العطاء يزين
وليس بشين لامرئٍ بذل وجهه إليك كما بعض السُّؤال يشين
فقال له عبد الله: خذ الأخرى، فأخذهما جميعًا وخرج، فلمَّا صار إلى القوم بهما أنشأ يقول:
ذكر ابن جُدْعَان بخيـ ـرٍ كلَّما ذُكِر الكِرَام
مَن لا يجور ولا يعقُّ ولا يُبخلُه اللِّئام
يهب النَّجيبة والنَّجيب له الرِّجال والزمام)
و(كان عبد الله بن جُدْعَان التيميُّ حين كَبر أخذ بنو تيم عليه، ومنعوه أن يعطي شيئًا مِن ماله، فكان الرَّجل إذا أتاه يطلب منه قال: ادن منِّي، فإذا دنا منه لطمه، ثمَّ قال: اذهب فاطلب بلطمتك أو ترضى، فترضيه بنو تيم مِن ماله.
-----------------------------------------------------------------
وما زلنا أحبابي جزاكم الله خيرا
لا تنسونا من صالح دعائكم
عدل سابقا من قبل sadekalnour في الأحد يوليو 24, 2022 9:29 am عدل 5 مرات
اليوم في 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد