بسم الله الرحمن الرحيم
:: ::
لتلهج ألسنتنا في بيوتنا ومجتمعاتنا بذكر الله.
فعن أبى موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال:«مثل البيت الذى يذكر الله فيه والبيت الذى لا يذكر الله فيه مثل الحى والميت».
## :: ## :: ##
يا شهر رمضان ترفق
دموع المحبين أدميت قلوبهم من ألم الفراق
:: :: ::
أعزّي نفسي وإيّاك برحيل هذا الشهر الكريم الذي طالما تلذّذ بعبادته المتلذّذون، واستنار بطاعاته الصائمون والمتهجدون،
آهٍ على رحيلك يا رمضان كم حصلت فيك من طاعات، وكم بُذِل في أيامك من حسنات،
كم من نفوسٍ تابت وإلى الخير أقبلت وتنادت، وعن الشر أحجمت وأنابت،
كم من أشخاصٍ لربهم خضعوا، وعن الشر أقبلوا ورجعوا، فلله درُّك يا رمضان.
إنْ كنت ممن أحسن استقبال هذا الشهر الكريم فأهنيك بالقرب من الرحمن والفوز بأعالي الجنان، والحصول على الثواب من الملك الديّان.
ها هو رمضان قد مضى وتصرمت أيامه،
ربح فيه الرابحون وخسر من عظمت موبقاته وآثامه، فيا أيها الرابح هنيئًا لك، و يا أيها الخاسر ما أجهلك،
ولا نعلم من الرابح فنهنئه، ومن الخاسر فنعزيه، لكن الله يعلمهم، فعلم الغيوب إليه سبحانه.
إيه أيتها النفس ؟! كنت في أيام... في صلاة، وقيام، وتلاوة، وصيام، وذكر، ودعاء, وصدقه، وإحسان، وصلة أرحام ! .
ذقنا حلاوة الإيمان وعرفنا حقيقة الصيام، وذقنا لذة الدمعة، وحلاوة المناجاة في الأسحار!!
كنا نُصلي صلاة من جُعلت قرةُ عينه في الصلاة، وكنا نصوم صيام من ذاق حلاوته وعرف طعمه,
وكنا ننفق نفقه من لا يخشى الفقر, وكنا .. وكنا .. مما كنا نفعله في هذا الشهر المبارك الذي رحل عنا!.
رحلت يا رمضان! ولم يمض على رحيلك سوى ليله ويوم، ولربما لم نذق فيها طعم القيام.
خليلي شهر الصوم زُمَّت مطاياه *** وسارت وفود العاشقين بمسراه
فيا شهر لا تبعد لك الخير كله *** وأنت ربيع الوصل يا طيب مرعاه
رمضان كيف ترحل عنا وقد كنت خير جليس لنا؟!
بفضل ربنا كنت عوناً لنا، ونحن بين قارئ وصائم ومنفق وقائم، وباكٍ ودامع، وداعٍ وخاشع.
رمضان فيك المساجد تعمر، والآيات تذكر، والقلوب تجبر، والذنوب تغفر، كنت للمتقين روضةً وأنساً، وللغافلين قيداً وحبساً، كيف ترحل عنا وقد ألفناك وعشقناك وأحببناك؟!
رمضان ألا تسمع لأنين العاشقين وآهات المحبين؟!
قال ابن رجب في وداع رمضان: "يا شهر رمضان ترفق، دموع المحبين تدفق، قلوبهم من ألم الفراق تشقق، عسى وقفة الوداع تطفئ من نار الشوق ما أحرق، عسى ساعة توبة وإقلاع ترقع من الصيام ما تخرق، عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق، عسى أسير الأوزار يطلق، عسى من استوجب النار يعتق"
عسى و عسى من قبل وقت التفرق *** إلى كل ما ترجو من الخير تلتقى
فيجبر مكسور و يقبل تائب *** و يعتق خطاء و يسعد من شقى
فقد رحلت يا شهر رمضان،
يا شهر العتق من النيران، يا شهر الصدقة والإحسان،
يا شهر الصيام والقيام، يا شهر الفضل والإنعام،
يا شهر الخشوع والسجود والركوع،
يا شهر القرآن والغفران، يا شهر الحسنات وإقالة العثرات
، يا شهر التسبيح والتراويح،
لقد رحلت يا شهر العتاق وأذقت الأنام مرارة الفراق.
وها نحن ودعنا رمضان المبارك ...
ونهاره الجميل ولياليه العطرة، وودعنا شهر القرآن والتقوى والصبر والجهاد والرحمة والمغفرة والعتق من النار.
فماذا جنينا من ثماره اليانعة، وظلاله الوارقة ؟!
هل تحققنا بالتقوى ... وتخرجنا من مدرسه رمضان بشهادة المتقين؟!
هل تعلمنا فيه الصبر والمصابرة على الطاعة، وعن المعصية؟!
هل ربينا فيه أنفسنا على الجهاد بأنواعه؟!
هل جاهدنا أنفسنا وشهواتنا وانتصرنا عليها؟!
هل غلبتنا العادات والتقاليد السيئة؟! هل ... هل ... هل...؟! أسئلة كثيرة .. وخواطر عديدة ..
تتداعى على قلب كل مُسلم صادق .. يسأل نفسه ويجيبها بصدق وصراحة ..
ماذا استفدت من رمضان ؟
من الذي استفاد من رمضان؟ عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» 523،
وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» مسلم (1/523 ، ]،
وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» ومسلم (1/523،
فمغفرة الذنوب لهذه الأسباب الثلاثة، كل واحدٌ منها مكفرٌ لما سلف من الذنوب، وهي صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر، فتحصل المغفرة والتكفير بقيام ليلة القدر ولمن وقعت له وأصابها، سواء شعر بها أم لم يشعر.
أما في صيام رمضان وقيامه فيتوقف التكفير بهما على تمام الشهر، فإذا تم الشهر فقد كمل للمؤمن صيام رمضان وقيامه، فيترتب على ذلك مغفرة ما تقدم من ذنبه، ومن نقص من العمل الذي عليه نُقص له من الأجر بحسب نقصه، فلا يلومن إلا نفسه.
احذروا من العٌجبِ والغرور وألزموا الخضوع والانكسار للعزيز الغفار:
لنحذر العجب والغرور بعد رمضان! فلربما حدثتكم أنفسكم أن لديكم رصيد كبير من الحسنات.
أو أن ذنوبكم قد غُفرت فرجعتم كيوم ولدتكم أمهاتكم.
فما زال الشيطان يغريكم والنفس تلهيكم حتى تكثروا من المعاصي والذنوب. ربما تعجبكم أنفسكم فيما قدمتموه خلال رمضان. فبعض الناس اجتهدوا فعلاً، صاموا وحفظوا جوارحهم، وختموا القرآن وبعضهم أكثر من مرة، وعملوا عمرة في رمضان،
وصلوا قيام رمضان كله من أوله إلى آخره، لم يخرموا منه يوماً أو ليلة، وفعلوا ما فعلوا من الصدقات وقدموا ما قدموا،
وجلسوا في المساجد من بعد الفجر إلى ارتفاع الشمس، وبعد الصلاة يقرءون القرآن، وقبل الصلاة ينتظرون الصلاة،
حصلت عبادات كثيرة،
لكن إذا كانت النفس سيئة، إذا كان الطبع متعفن فإن كثرة العبادة لا تنفع،
بل إن الشيطان يوسوس ويقول: لقد فعلت أشياء كثيرة وطاعاتٍ عظيمة، خرجت من رمضان بحسنات أمثال الجبال، رصيدك في غاية الارتفاع، صحائف حسناتك مملوءة وكثيرة فلا عليك بعد ذلك ما عملت،
ويصاب بالغرور وبالعجب، وتمتلئ نفسه تيهاً وفخراً، ولكن آية من كتاب الله تمحو ذلك كله، وتوقفه عند حده،
وتبين له حقيقة الأمر وهي قول الله تعالى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر:6]
أتمن على الله؟ أتظن أنك عندما فعلت له هذه الأشياء تكون قد قدمت له أشياء عظيمة؟ تظنها كخدمة من خدمة البشر؟
{وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر:6] لا تمن على الله بعملك، لا تفخر، لا تغتر،
لا تصاب بالعجب {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر:6] وتتخيل أن أعمالك كثيرة،
فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن رجلاً يجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرماً في مرضات الله تعالى لحقره يوم القيامة» حمد
لجاء يوم القيامة فرآه قليلاً ضعيفاً، لرأى عمله لا يساوي شيئاً، فإنه لو قارنه بنعمة واحدةٍ من النعم كنعمة البصر أو غيره،
لصار هذا قليلاً لا يساوي شيئاً.
ولذلك فإن الناس لا يدخلون الجنة بأعمالهم، وإنما يدخلونها برحمة الله تعالى، ليست الأعمال ثمناً للجنة، لكنها سببٌ لدخول الجنة، لا ندخل الجنة إلا بالأعمال الصالحة، الذي لا يعمل صالحاً لا يدخل الجنة، فهي سبب لكنها ليست الثمن،
فبدون رحمة الله الأعمال لا تؤهل لدخول الجنة، بل ولا تسديد حق نعمة واحدة من النعم.
لا تكونوا كالتي نقضت غزلها!! إخوتي الأحبة في الله: إن كنتم ممن استفاد من رمضان ... وتحققت فيكم صفات المتقين، فصُمتم حقاً، وقُمتم صدقاً، واجتهدتُم في مجاهدة أنفسكم فيه، فاحمدوا الله واشكروه واسألوه الثبات على ذلك حتى الممات. وإياكم ثم إياكم ... من نقض الغزل بعد غزله. إياكم والرجوع الى المعاصي والفسق والمجون, وترك الطاعات والأعمال الصالحة بعد رمضان،
فبعد أن تنعموا بنعيم الطاعة ولذة المناجاة ... ترجعوا إلى جحيم المعاصي والفجور!!
فبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان!! - يقول كعب رضى الله عنه: "من صام رمضان وهو يحدث نفسه أنه إذا خرج رمضان عصى ربه؛ فصيامه عليه مردود، وباب التوفيق في وجهه مسدود".
-ولمَّا سُئِل بشر الحافي رحمه الله عن أناس يتعبدون في رمضان ويجتهدون، فإذا انسلخ رمضانُ تركوا، قال: "بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان!"
مظاهر نقض العهد :
ولنقض العهد مظاهر كثيرة عند الناس فمنها:
1- تضييع الناس للصلوات مع الجماعة: فبعد امتلاء المساجد بالمصلين في صلاة التراويح التي هي سُنه، نراها قد قل روادها في الصلوات الخمس التي هي فرض ويُكّفَّر تاركها!!
2- الانشغال بالأغاني والأفلام .. والتبرج والسفور .. والذهاب إلى الملاهي والمعاكسات!! 3- ومن ذلك التنافس في الذهاب إلى المسارح ودور السينما والملاهي الليلية فترى هناك مأوى الشياطين وملجأ لكل رزيلة
وما هكذا تُشكر النعم .. وما هكذا نختم الشهر ونشكر الله علىّ بلوغ الصيام والقيام،
وما هذه علامة القبول بل هذا جحود للنعمة وعدم شكر لها.
وهذا من علامات عدم قبول العمل والعياذ بالله لأن الصائم حقيقة .. يفرح يوم فطرة ويحمد ويشكر ربه على إتمام الصيام ..
ومع ذلك يبكي خوفاً من ألا يتقبل الله منه صيامه
كما كان السلف يبكون ستة أشهر بعد رمضان يسألون الله القبول .
قصة بلعم بن با عوراء:
بلعم بن باعوراء، رجل من بني إسرائيل، ذاق حلاوة الإيمان وآتاه الله آياته، ثم انقلب على عقبيه واشترى الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة، وانسلخ من آيات الله كما تنسلخ الحية من جلدها.
فكان مُستجاب الدعوة، فحمله قومه على الدعاء على يوشع بن نون، فلم يتأتَّ له ذلك، وعجز عنه، فأشار على بعض ملوك العماليق أن يبرزوا الحسان من النساء نحو عسكر يوشع بن نون ففعلوا، فتسرعوا إلى النساء فوقع فيهم الطاعون،
فهلك منهم سبعون ألفاً.[ مروج الذهب:66]
قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ . وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175-176].
قصة ريطة بنت سعد:
امرأة مجنونة كانت بمكة، اسمها ريطة بنت سعد، كانت تغزل طول يومها غزلاً قويًا محكما ثم تنقضه أنكاثا، أي: تفسده بعد إحكامه، فكانت تغزل الغزل من الصوف والشعر والوبر، وتأمر جواريها بذلك، فكن يغزلن من الغداة إلى نصف النهار،
فإذا انتصف النهار أمرتهن بنقض جميع ما غزلن فهذا كان دأبها
فقال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمْ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [النحل:92].
هل قُبِل صيامكم وقيامكم أم لا ؟ إن الفائزين في رمضان، كانوا في نهارهم صائمون،
وفي ليلهم ساجدون، بكاءٌ خشوعٌ، وفي الغروب والأسحار تسبيح، وتهليل، وذكرٌ، واستغفار، ما تركوا باباً من أبواب الخير إلا ولجوه، ولكنهم مع ذلك، قلوبهم وجله وخائفة ...!! لا يدرون هل قُبلت أعمالهم أم لم تقُبل؟ وهل كانت خالصة لوجه الله أم لا؟
خوف السلف من عدم قبول العمل:
- فقد كان السلف الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان، ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم.
- فلقد كان السلف الصالحون يحملون همَّ قبول العمل أكثر من العمل نفسه، قال تعالى :{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:60].
هذه هي صفة من أوصاف المؤمنين أي يُعطون العطاء من زكاةٍ وصدقة، ويتقربون بأنواع القربات من أفعال الخير والبر وهم يخافون أن لا تقبل منهم أعمالهم. -
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً من العمل،
ألم تسمعوا قول الله عز وجل: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] فمن منا أشغله هذا الهاجس!! قبول العمل أو رده، في هذه الأيام؟ ومن منا لهج لسانه بالدعاء أن يتقبل الله منه رمضان؟
من علامات قبول العمل:
(1) أن ترى العبد في أحسن حال من حاله السابق.
(2) أن ترى فيه إقبالاً على الطاعة {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ.. } [ابراهيم: 7]. أي زيادة في الخير الحسي والمعنوي ... فيشمل الزيادة في الإيمان والعمل الصالح .. فلو شكر العبدُ ربهُ حق الشكر، لرأيته يزيد في الخير والطاعة .. ويبعد عن المعصية، والشكر ترك المعاصي.
(3) الحسنه بعد الحسنه فإتيان العبد بعد رمضان بالطاعات، والقُربات والمحافظة عليها دليل على رضى الله عن العبد،
وإذا رضى الله عن العبد وفقه إلى عمل الطاعة وترك المعصية.
(4) انشراح الصدر للعبادة والشعور بلذة الطاعة وحلاوة الإيمان، والفرح بتقديم الخير، حيث أن المؤمن هو الذي تسره حسنته وتسوءه سيئته.
(5) التوبة من الذنوب الماضية من أعظم العلامات الدالة على رضى الله تعالى.
(6) الخوف من عدم قبول الأعمال في هذا الشهر الكريم !!
(7) الغيرة للدين والغضب إذا انتُهكت حُرمات الله والعمل للإسلام بحرارة، وبذل الجهد والمال في الدعوة إلى الله.
وسائل معينة على الاستمرار على الطاعة:
على المسلم أن يلزم نفسه بقدر من العبادات يستطيع أن يداوم عليه ولو كان قليلاً، فإنه سيكون كثيرًا بالمداومة عليه، وسيكون محببا إلى رب العزة. عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أحب الأعمال إلى الله؟ قال: «أحب الأعمال إلى الله أَدْوَمُها وإِنْ قَلَّ» ?بخاري .
من الوسائل التي تعينه على ذلك:
1- الصيام المسنون: مثل: صيام (الاثنين، الخميس)، (عاشوراء)، (عرفه)، (ستة أيام من شوال) وغيرها،
عن أبى أيوب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان وأتبعه ستًّا من شوال كان كصوم الدهر» سلم
2- قيام الليل: وقيام الليل مشروع في كل ليله: وهو سنة مؤكدة حث النبي صلى الله عليه وسلم على أدائها
فعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم مطردة للداء عن الجسد» ?طبراني
3- قراءة القرآن: وقراءة القرآن وتدبره ليست خاصه برمضان: بل هي في كل وقت، فلا بد أن تمتع بصرك، وأن تسعد قلبك وبصيرتك بالنظر يومياً في كتاب ربك تبارك وتعالى،
قال الله عز وجل: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9].
4- وجوب الاستمرار في أعمال الخير بعد رمضان: إن ما وجدناه من الخير والشعور بالرحمة، والإحساس بالنعمة إنما هو لذلك الإيمان والإخلاص والتجرد لله، إنما هو لتلك العبادة والإقبال على الله، إنما هو لذلك الذل والانكسار بين يدي الله، إنما هو لذلك التعلق والتشوق إلى مرضات الله، إنما هو لأجل التضحية والفداء والبذل في سبيل الله؛
فإن أردنا دوام ما أكرمنا الله به في رمضان فليكن لنا كل عامنا رمضان، وليكن لنا كل دهرنا رمضان، فإن تجديد رمضان بتجديد أعمار رمضان، وإن تجديد الخيرات والنعم التي أفاضها الله في رمضان بفعل الأعمال التي استوجبنا بها تلك النعم.
5- من أعظم هذه الثوابت المحافظة على صلاة الجماعة: أن تحافظ على الصلاة في جماعة كما كنت حريصاً أيها الصائم في رمضان، قال ربنا جل جلاله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238].
6- تجديد التوبة والاستمرار عليها: أن تكون دائم التوبة للرحيم الرحمن.. من منا يستغني عن التوبة بعد رمضان؟!
من منا يستغني عن الأوبة إلى الله مع كل نفس من أنفاس حياته؟
قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} [النور:31] لم يقل: أيها العاصون، ولم يقل: أيها المذنبون، بل قال: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31].
عن أبى بردة عن رجل من المهاجرين رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يا أيها الناس! توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة» حمد
7- عدم معصية الله: أصبحت عندك قدرة على التغيير فاستثمرها بعدم معصية الله عزوجل:
أيها المدخن، لقد نجحت بترك الدخان في رمضان الساعات الطوال، ولم يخطر لك على بال، لماذا؟ لأنك أخلصت النية لله بتركه في نهار ذلك الشهر،
فالله الله في إخلاص النية في الإقلاع عنه إلى الأبد. ومما يعينك على تركه أن تطرح على نفسك بعض التساؤلات وتتأمل الإجابة عليها: أيليق بإصبع يرتفع شاهدًا بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بأن يمسك بسيجارة يعصي الله بها؟!
أيليق بشفة تطبق على عود الأراك أن تطبق على ما فيه الهلاك؟! أيليق برائحتك الزكية أن تعفنها برائحة البليَّة؟!
أتستحق أموالك الحلال أن تهدرها بأفعال الخبال؟! أيها المقترف للآثام بجميع أنواعها، لا أخالك لم تتذوق حلاوة الإيمان وطاعة الرحمن في شهر رمضان، فما بالك تعود بعد خروجه إلى معصية الواحد الديان؟!
ألا تحب أن تلقى الله وأنت على حالك في رمضان؟!
لا شك أن الجواب: نعم. إذًا عليك بطاعة الله والابتعاد عن معصيته.
8- الاستغفار والشكر: فإنهما ختام الأعمال الصالحة, (كالصلاة، والحج، والمجالس)، وكذلك يُختم الصيامُ بكثرة الاستغفار .
كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى الأمصار يأمرهم بختم شهر رمضان بالاستغفار والصدقة. وقال عمر بن عبد العزيز في كتابه: "قولوا كما قال أبوكم آدم: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]،
وقولوا كما قال نوحٌ عليه السلام: {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود:47]،
وقولوا كما قال إبراهيم عليه السلام: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:82]، وقولوا كما قال موسى عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} [القصص:16]،
وقولوا كما قال ذو النون عليه السلام: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87]
صيامنا هذا يحتاج إلى استغفار نافع وعملٍ صالح له شافع، كم نخرق من صيامنا بسهام الكلام ثم نرقعه
وقد اتسع الخرق على الراقع، كم نرفو خروقه بمخيط الحسنات، ثم نقطعه بحسام السيئات القاطع".
أكثروا من شكر الله تعالى أن وفقكم لصيامه، وقيامه. فإن الله عز وجل قال في آخر آية الصيام {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} [البقرة :185]،
والشكر ليس باللسان وإنما بالقلب والأقوال والأعمال وعدم الإدبار بعد الإقبال.
9- المداومة على الذكر والدعاء: أن يكون دائم الذكر للرحيم الرحمن، قال الله تبارك وتعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152]. عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من عجز منكم عن الليل أن يكابده وبخل بالمال أن ينفقه وجبن عن العدو أن يجاهده فليكثر ذكر الله» ?طبراني
ولتلهج ألسنتنا في بيوتنا ومجتمعاتنا بذكر الله. فعن أبى موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مثل البيت الذى يذكر الله فيه والبيت الذى لا يذكر الله فيه مثل الحى والميت» ?بخاري فالذاكر لله حي ولو حبست منه الأعضاء، والغافل عن ذكر الله ميت وإن تحرك بين الأحياء. وادعوا الله أن يثبتك على الطاعة بعد رمضان.
لحظات ذهبية قبل انقضاء آخر أيام شهر رمضان
شهر الخيرات والبركات فلنعمّرها بذكر الله والاستغفار تقبّل الله منّا ومنكم رمضان.
أسأل الله أن يجعلكم ممّن عفى عنهم ورضي عنهم، وغفر لهم وحرمهم على النار وكتب لهم الجنّة.
وداعاً رمضان،
اللهم تقبّل من الصائمين والقائمين والراكعين في شهرك شهر الرحمة أعاده على المؤمنين والمؤمنات بالخير والبركة والغفران،
ربنا استودعناك رمضان فلا تجعله آخر عهدنا.
اللهم اجعلنا من المقبولين واجعلنا ممّن قام رمضان إيماناً واحتساباً وفاز بعفوك وغفرانك.
سبحان الله كيف تمضي الأيام مسرعة بالأمس استقبلنا رمضان واليوم وداعاً رمضان.
اللّهم اجعل آخر يوم في رمضان نهاية أحزاننا وبداية أفراحنا.
ها هو رمضان يُلملم حقائبه ويتهيّأ للرحيل كان ضيفاً يؤلّف بين القلوب ويهذّب النفوس. دقائق قليلة وتنتهي قصة ثلاثين يوماً،
الحمدلله الذي أعاننا على صيامه وقيامه، اللهم اجعلنا من المغفورين لهم والمعتوقين من النار.
وتنتهي أجمل ثلاثين يوم في السنة وداعاً رمضان. انتهى شهر رمضان بما فيه من الخيرات
وأتمنى أن تكون قد حصدت فيه الكثير من الخير وغفر الذنوب وعتق من النار. روحانية التّراويح ونقاء النّفوس ومائدة الإفطار وحديث السّمر،
يا الله ما أسرع رمضان! تقبّله منّا يا ربّ العالمين.
اللهمّ اختم لنا شهر رمضان برضوانك والعتق من نيرانك واجعله شاهداً لنا لا علينا وأعده علينا أعواماً عديدة وأزمنة مديدة.
يا خير من نزل النفوس أراحلُ بالأمس جئت فكيف كيف سترحلُ بكت العيونُ على وداعك حرقةً كيف العيونُ إذا رحلت ستفعلُ.
مؤلمٌ أنّك تودّع رمضان ولم يزدد فيه عملك، ولا تعلم إنْ كنت تعيش لرمضان القادم.
أيّ عبادة أو خلق أو صحبة أو عادة غرسها رمضان فيك وستستمر معك، هي ربحك الحقيقي.
اللهم لا تجعل رمضان يمضي إلّا وقد أعطيت كلاً منّا مراده، وملأت قلبه بفيض كرمه وحقّقت له ما كان يظنّه من ضعفه مستحيلاً.
قف أيها الشهر المبارك لا تغب إنّ المشاعر في فؤادي تصطخب
أنّى تفارقنا وقد أسعدتنا وجعلتنا من كل خير نقترب
كنّا نبطيء في المسير وحينما أقبلت يا رمضان أصبحنا نثب
أقبلت يا رمضان نبعاً صافياً الكل من ينبوعه الصافي شرب
هوّن عليك حبيبنا وأنيسنا فالشوق نار في الحنابا تلتهب
أو ما ترى الأجفان منا أغرورقت أو ما ترى غيث المدامع ينسكب
خذ ما تشاء من القلوب ونبضها وأطل إقامتك الحبيبة واحتسب
نظر الحبيب إليّ نظرة مشفقً توحي بأنّ البعد أمر قد كتب
كانت إجابته إجابة راحل يا ليته احترف السكوت ولم يجب
إنْ كنت يا شهر الصيام مفارقاً فعزاؤنا أنا سنبقى نرتقب
حلاوة الإيمان
عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار”. (رواه البخاري (16) ومسلم (43)).
قال ابن رجب: “إذا رسخ الإيمان في القلب وتحقق به ووجد حلاوته وطعمه أحبه وأحب ثباته ودوامه والزيادة منه، وكره مفارقته، وكان كراهته لمفارقته أعظم عنده من كراهة الإلقاء في النار،
قال الله تعالى: {وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}. [الحجرات: 7]”.
قال ابن القيم: “الصلاة إنما تكفر سيئات من أدى حقها وأكمل خشوعها ووقف بين يدي الله تعالى بقلبه وقالبه، فهذا إذا انصرف منها وجد خفة من نفسه وأحس بأثقال قد وضعت عنه، فوجد نشاطا وراحة وروحا حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها، لأنها قرة عينه، ونعيم روحه، وجنة قلبه، ومستراحه في الدنيا، فلا يزال كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها فيستريح بها، لا منها،
فالمحبون يقولون: نصلي فنستريح بصلاتنا، كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم: (يا بلال، أرحنا بالصلاة)، ولم يقل أرحنا منها، وقال: (جعلت قرة عيني في الصلاة)”. (الوابل الصيب
قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم.
ويقول ابن الجوزي: “قال بعض أحبار بني إسرائيل: يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني؟
فقيل له: كم أعاقبك وأنت لا تدري، أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي”.
فمن تأمل هذا الجنس من المعاقبة وجده بالمرصاد، حتى قال وهب بن الورد وقد سئل: أيجد لذة الطاعة من يعصي؟ قال: ولا من هَمَّ. “فرب شخص أطلق بصره فحرم اعتبار بصيرته، أو لسانه فحرم صفاء قلبه، أو آثر شبهة في مطعم فأظلم سره، وحرم قيام الليل وحلاوة المناجاة، إلى غير ذلك”. (صيد الخاطر:(51)).
قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}. [العنكبوت: 69].
قال ابن القيم “وهذه اللذة والتنعم بالخدمة إنما تحصل بالمصابرة على التكره والتعب أولا، فإذا صبر عليه وصدق في صبره أفضى به إلى هذه اللذة، قال أبو يزيد: سقت نفسي إلى الله وهي تبكي، فما زلت أسوقها حتى انساقت إليه وهي تضحك”.
## ## ## ## ## ## ##
تقبل الله منا ومنكم صالح ألأعمال والدعاء
:
ولا تنسونا من صالح دعائكم
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» (( - 2 -)) خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأربعاء نوفمبر 13, 2024 11:28 pm من طرف صادق النور