آل راشد



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

آل راشد

آل راشد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
آل راشد

ثقافى-اجتماعى

*** - اللَّهُمَّ اَنَكَ عَفْوٍ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعِفُو عَنَّا - *** - اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك . *** - اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا تَوْبَةً نَصُوحًا قَبْلَ الْمَوْتِ وَ ارْزُقْنَا حُسْنَ الْخَاتِمَةِ . *** -

إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا شَابَتْ عَبِيدَهُمْ.. .. فِي رِقِّهِمْ عَتَقُوهُمْ عِتْقَ أَبْرَارٍ .. .. وَأَنْتَ يَا خَالِقِيُّ أوْلَى بِذَا كَرَمًا.. .. قَدْ شُبْتُ فِي الرِّقِّ فَأَعْتَقَنِي مِنَ النَّارِ .

المواضيع الأخيرة

» حكم السفر لزيارة القبور
رسول الله أول من وضع ثوابت حريه التعبير بمفهومها الصحيح Ooou110أمس في 4:57 pm من طرف عبدالله الآحد

» (( 2 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
رسول الله أول من وضع ثوابت حريه التعبير بمفهومها الصحيح Ooou110الخميس أكتوبر 03, 2024 10:25 pm من طرف صادق النور

» حكم جلسة الإستراحة في الصلاة
رسول الله أول من وضع ثوابت حريه التعبير بمفهومها الصحيح Ooou110الخميس أكتوبر 03, 2024 5:18 pm من طرف عبدالله الآحد

» هل الحجاب مخلوق وهل هو أكبر من العرش
رسول الله أول من وضع ثوابت حريه التعبير بمفهومها الصحيح Ooou110الخميس أكتوبر 03, 2024 5:17 pm من طرف عبدالله الآحد

» لا يمكن التقارب بين أهل السنة والرافضة عند أهل السنة
رسول الله أول من وضع ثوابت حريه التعبير بمفهومها الصحيح Ooou110الأربعاء أكتوبر 02, 2024 4:41 pm من طرف عبدالله الآحد

» (( 1 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
رسول الله أول من وضع ثوابت حريه التعبير بمفهومها الصحيح Ooou110الأربعاء أكتوبر 02, 2024 12:29 pm من طرف صادق النور

» حجابه النور
رسول الله أول من وضع ثوابت حريه التعبير بمفهومها الصحيح Ooou110الثلاثاء أكتوبر 01, 2024 5:06 pm من طرف عبدالله الآحد

» كيفية تحريك الأصبع في التشهد والجمع بين الأحاديث
رسول الله أول من وضع ثوابت حريه التعبير بمفهومها الصحيح Ooou110الإثنين سبتمبر 30, 2024 4:26 pm من طرف عبدالله الآحد

» حكم زيارة القبور
رسول الله أول من وضع ثوابت حريه التعبير بمفهومها الصحيح Ooou110الأحد سبتمبر 29, 2024 5:08 pm من طرف عبدالله الآحد

» الإسلام دين نوحيد الله في التوجه والطلب
رسول الله أول من وضع ثوابت حريه التعبير بمفهومها الصحيح Ooou110السبت سبتمبر 28, 2024 3:47 pm من طرف عبدالله الآحد

اهلا بكم

الثلاثاء نوفمبر 08, 2011 2:32 am من طرف mohamed yousef

رسول الله أول من وضع ثوابت حريه التعبير بمفهومها الصحيح Ooousu10

المتواجدون الآن ؟

ككل هناك 19 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 19 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحث

لا أحد


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الأربعاء سبتمبر 15, 2021 4:26 am

احصائيات

أعضاؤنا قدموا 10012 مساهمة في هذا المنتدى في 3353 موضوع

هذا المنتدى يتوفر على 303 عُضو.

آخر عُضو مُسجل هو Sara706018 فمرحباً به.

دخول

لقد نسيت كلمة السر

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع


    رسول الله أول من وضع ثوابت حريه التعبير بمفهومها الصحيح

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5347
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رسول الله أول من وضع ثوابت حريه التعبير بمفهومها الصحيح

    مُساهمة من طرف صادق النور الجمعة أكتوبر 15, 2021 4:46 pm



    حرية الرأي والتعبير في الإسلام

    كما هو معلوم، فإن التشريعات والأحكام الإسلامية كافة ترتبط بالأصول العقدية والتصوّرات الأساسية للإسلام،
    وهذا شأن مسألة حرية الرأي والتعبير، فهي تندرج وتمارس ضمن أولويات الشريعة ومقاصدها وفي إطار من الشعور بالأمانة والمسؤولية والمحاسبة الذاتية، مع مراقبة الله عزّ وجل. كما أنها تأتي امتداداً وتطبيقاً للشعور العام بالحرية والعزة والكرامة،

    فليست “حرية التعبير” في الإسلام مجرّد حكم عليها بالإباحة أو الندب أو الوجوب، بل هي قبل ذلك استشعار وتشبّع بحرية النفس

    وحرية العقل وحرية القلب وحرية الضمير. يقول العلامة علال الفاسي – رحمه الله: “هذه الحرية الإسلامية هي التي جعلت العبيد من أمثال بلال الحبشي وصهيب الرومي وابن أم مكتوم الأعمى أحراراً في الوقت الذي كانت أجسامهم لا تزال تحت سيطرة السادة يعبثون بها ويعذبونها كيف ما شاءت أهواؤهم وعنجهيتهم الجاهلية..

    فالحرية الذاتية هي الأساس الأول للحرية التي نادى بها الإسلام وأقرّها. والحرّية في الإسلام تنظر إلى المعنى الأصيل في اللغة العربية للحرية، فالحرّ ضد الزائف، فهناك جوهرة حرة وهناك حجارة تعطي شكل الجوهرة”.
    وقد اعتبر – رحمه الله- أن تحقيق الحرية بهذا المعنى العميق والأصيل هو المشار إليه في قوله تعالى: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ

    أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ. رِسُولٌ مِّنَ اللهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً. فِيهَا كُتُبٌ قيِّمَةٌ﴾
    [البينة:1-3].

    يقول منبهاً على دلالة قوله: ﴿مُنفَكِّينَ﴾: “والعجب أن المفسرين قاطبة لم يدركوا قيمة هذه الآية؛ لأنهم لم يهتدوا إلى المراد بالانفكاك فيها، مع أن أقرب دلالاته اللغوية هي التحرير. فلم يكن الكفار منفكين أي متحرّرين من عبادتهم لغير الله إلا بعد أن جاءتهم الحجة القاطعة التي ليست غير رسول يتلو صحفاً مطهرة فيها كتب قيّمة تخاطب العقل وتدعو إلى التفكير وتنادي بالحرية”

    . أولاً: الحرية حين تكون فريضة وعبادة لفظ الحرية حين نطلقه أو نسمعه،

    بحيث يقال: “حرية فعل كذا، والإنسان حرّ في أن يفعل كذا أو يقول كذا”، فإن الذي يفهم من هذا اللفظ هو الجواز وعدم المنع. وهذه درجة دنيا من درجات حرية التعبير لم يقتصر عليها الإسلام ولم يقف عندها، وإنما جعل التعبير والقول في مواطن عديدة جهاداً وعبادة. فمن ذلك القولُ والتعبير الذي يراد به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو ليس من قبيل حرية التعبير بمعناها المذكور آنفاً، بل هو واجب، قد يكون واجباً كفائياً وقد يكون واجباً عينياً. والنصوص القرآنية والحديثية في هذا المعنى تبلغ من الغزارة والشهرة ما يجعلها من قبيل المعلوم من الدين بالضرورة، وما يجعلني أحيل كل قارئ وسامع إلى ما يحضره منها من غير أن أحتاج إلى التطويل بسردها وأكتفي بنموذج واحد منها،

    وهو قوله صلّ اللهُ عليه وسلّم: «ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره،

    ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه

    فهو مؤمن
    (وهذا هو محل الشاهد)، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل».

    وهذا الحديث أورده الإمام مسلم – ضمن أحاديث أخرى- في كتاب الإيمان من صحيحه ووضعه شارحه الإمام النووي تحت

    عنوان: “باب كون النهي عن المنكر من الإيمان”. ممّا يعني أن تغيير المنكر – بالقول وبغيره – يمثّل جزءاً من عقيدة المسلم وعنصراً من عناصر إيمانه. كما أن النبي صلّى اللهُ عليه وسلّم اختصر الدين كلّه، فجعله مجموعاً في النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. كما ورد أن بعض الصحابة بايعوا النبي صلّى اللهُ عليه وسلّم على الإسلام وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم. ومعنى هذا أن النصح للمسلمين كافة -وهو ضرب من ضروب التعبير ومجال من مجالاته- فريضة يبايَع عليها مثل الإسلام والصلاة والزكاة. وفي بعض المواطن يكون التعبير وقول الحق جهاداً من أفضل أنواع الجهاد

    كما في قول النبي صلّى اللهُ عليه وسلّم: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر»،

    وكما في قوله: «سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله». وفي بعض هذه المواطن يعدّ الساكت عن الحق شيطاناً أخرس،

    وقال الله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِين يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنّاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ. إِلاَّ الَّذيِنَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التُّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 159-160]. فنحن حين ننظر في هذه الأصناف من التعبير والبيان نجد أنفسنا في الحقيقة أمام “فريضة التعبير”، لا أمام مجرد “حرية التعبير”.

    ثانياً: الرسول يدرّب الصحابة على حرية الرأي والتعبير

    الرسول صلّ اللهُ عليه وسلّم – شأنه في كل أحكام الشريعة- لم يكن يكتفي بالتبليغ والبيان والإفهام، بل كان يطبّق ويسهر على

    تدريب الناس على التطبيق والممارسة تحت عينه ورعايته. ولذلك فهو لم يكتف بإشعار الناس بحقّهم في التعبير عن آرائهم
    والدفاع عن وجهات نظرهم، وحقّهم في إعلان الرأي المخالف، بل كان يمارس بهم ومعهم ذلك بصورة عملية وبوتيرة يومية، حتى لو تعلّق الأمر بما يصدر عنه هو نفسه صلّ اللهُ عليه وسلّم من آراء واجتهادات وتدابير وتصرفات، ممّا ليس وحياً.

    فمن أمثلة ذلك ما روي عن عمر رَضِيَ الله عنهُ أنه قال: والله إنّا كنّا في الجاهلية ما نعدّ للنساء أمراً حتى أنزل الله فيهن ما

    أنزل، وقسم لهنّ ما قسم. قال: فبينما أنا في أمر أتأمره إذ قالت امرأتي: لو صنعت كذا وكذا. فقلت لها: ما لك ولم هاهنا؟ فيما

    تكلّفك في أمر أريده؟ فقالت: عجباً لك يا ابن الخطاب، ما تريد أن تراجَع أنت، وإن ابنتك لتراجع رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم

    حتى يظل يومه غضباناً، فقام عمر فأخذ رداءه مكانه حتى دخل على حفصة فقال لها: يا بنيّة، إنك لتراجعين رسول الله صلّى اللهُ

    عليه وسلّم حتى يظلّ يومه غضباناً؟ فقالت حفصة: والله إنا لنراجعه. فقلت: تعلمين أنّي أحذّرك عقوبة الله وغضب رسول الله

    صلّى اللهُ عليه وسلّم… قال: ثم خرجتُ حتّى دخلت على أم سلمة لقرابتي منها فكلمتها فقالت أم سلمة: عجباً لك يا ابن الخطاب

    دخلت في كل شيء حتّى تبغي أن تدخل بين رسول صلّى اللهُ عليه وسلّم وأزواجه! فأخَذَتْني، والله، أخذاً كسرتني عن بعض ما

    كنت أجد. وفي رواية لمسلم قال عمر: فدخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت: يا بنت أبي بكر، أقد بلغ من شأنك أن تؤذي

    رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم فقالت: ما لي ولك يا ابن الخطاب، عليك بعيبتك. وهكذا جعل رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم

    من زوجاته نموذجاً في حرية الرأي والتعبير يقلن ما بدا لهن ولو كان فيه مراجعة للنبي صلّى اللهُ عليه وسلّم في أقواله وأفعاله.

    هذه زوجه عائشة رَضِيَ الله عنهاُ – في واقعة أخرى – تروي وتقول: استأذن رجل على رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم وأنا

    معه في البيت فقال رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم: “بئس ابن العشيرة”، ثم أذن له. قالت عائشة: فلم أنشب أن سمعت ضحك

    النبي صلّى اللهُ عليه وسلّم معه، فلمّا خرج الرجل قلت: يا رسول الله، قلتَ فيه ما قلت ثم لم تنشب أن ضحكت معه؟ قال رسول

    الله صلّى اللهُ عليه وسلّم: “إن من شر الناس من اتّقاه الناس لشرّه”. ونبقى مع النساء وما كان يتيحه لهنّ النبي الأكرم صلّى اللهُ

    عليه وسلّم من حرية وفرص للتعبير عن آرائهنّ وما تجيش به نفوسهنّ بلا لوم ولا نهر، بل بترحاب وسعة صدر،

    فعن أبي سعيد قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من

    نفسك يوماً نأتيك فيه تعلّمنا ممّا علّمك الله فقال: “اجتمعن في يوم كذا وكذا، في مكان كذا وكذا”. فاجتمعن فأتاهنّ رسول الله

    صلّى اللهُ عليه وسلّم فعلمهنّ ممّا علّمه الله[9]. وكلّنا يعلم قصة المرأة التي جاءت تشتكي زوجها إلى رسول الله صلّى اللهُ عليه

    وسلّم وتجادله فيما قال لها، حتى أنزل الله فيها قرآناً يتلى على العالمين إلى يوم الدين: ﴿قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا

    وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾
    [المجادلة:1]. وقد جاء في قصتها أنها ذهبت إلى رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم

    وبسطت بين يديه نازلتها وما صدر من زوجها في حقّها فقال لها رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم: “ما أراك إلا قد حرمت عليه”،

    فجادلت رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم مراراً. وهذا هو الشاهد عندي في القصة، وهو أن امرأة تستفتي رسول الله فيفتيها ولكنّها

    تجادله مرة بعد أخرى طلباً لمخرج يفتح الله به عليها من مصيبتها، وكان لها ما أرادت، كل ذلك في كنف رسول الله وحلمه وسعة

    صدره صلّى اللهُ عليه وسلّم. وعن سعد بن أبي وقاص: أن عمر استأذن على رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم وعنده نسوة من

    قريش يكلّمْنَه ويستكثِرْنَه، عالية أصواتهنّ. فلمّا استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول صلّى اللهُ عليه وسلّم ورسول الله

    صلّى اللهُ عليه وسلّم يضحك. فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم: “عجبت من

    هؤلاء اللاتي كنّ عندي، فلمّا سمعن صوتك ابتدرن الحجاب”. قال عمر: فأنت يا رسول الله أحقّ أن يهبن. ثم قال عمر: أيّ

    عدوات أنفسهن، أتهبْنَني ولا تهبْنَ رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم! قلن: نعم، أنت أغلظ وأفظّ من رسول الله صلّى اللهُ عليه

    وسلّم?ديث ما يذكرنا بقوله تعالى:[color=#000000] ﴿يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ

    كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشعُرُونَ﴾
    [الحجرات: 2]، ممّا يشير إلى أنّ حرية التعبير مع رسول

    الله صلّى اللهُ عليه وسلّم وبحضرته كانت أحياناً تمضي وتنطلق إلى حدّ تتجاوز معه الأدب اللازم، ممّا استدعى تدخّل الوحي

    للتنبيه والتوجيه، وفي أسباب نزول هذه الآية مزيد من بيان وتفصيل في هذه المسألة، وكلّها تدل على مدى الحرية التي كان يتمتّع

    بها صحابة رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم بين يديه وفي التعامل معه. والأمثلة وفيرة كثيرة، وقد تعمّدت أن أختار منها مواقف

    نسائية في ممارسة حرية الرأي والتعبير، ومع من؟ مع مقام رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم، اخترت النساء لأنهنّ كنّ -وربما ما

    زلن- فئة مستضعفة قلّما يسمح لهنّ بإبداء الرأي، ولا سيما إذا كان رأياً مخالفاً وفيه استدراك ومراجعة. وهذا الوضع وصفه عمر

    رضي الله عنه في قوله المذكور آنفاً. كما اخترت مواقفهنّ مع رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم بالذات؛ لأنّ في ذلك مرجعيّة

    تشريعيّة من جهة؛ ولأنّ مقام الرسول صلّى اللهُ عليه وسلّم هو مقام هيبة وتعظيم وتسليم. فإذا سمح بمراجعته ومجادلته، فأنْ يراجَع

    من هم دونه أولى وأحرى، وهو ما نبّهت عليه زوجة عمر رضي الله عنها وعنه، بقولها: عجباً لك يا ابن الخطاب، ما تريد أن

    تُراجَع أنت، وإن ابنتك لتراجع رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم، حتى يظلّ يومه غضباناً. وفيما ذكرته من مواقف نسائية في

    ممارسة حرية الرأي والتعبير كفاية وغنىً عن إيراد مواقف رجالية جرت أيضاً مع رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم وفي كنفه

    ورعايته. وعلى هذا المنوال سارت صحابيات جليلات في مواقفهنّ الجريئة الشجاعة في المراجعة والاستدراك مع غير رسول الله

    صلّى اللهُ عليه وسلّم. فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: بلغَـنا مخرجُ النبي صلّى اللهُ عليه وسلّم – يقصد الهجرة إلى المدينة-

    ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي، أنا أصغرهم، أحدهم أبو بردة والآخر أبو رهم، في ثلاثة وخمسين أو اثنين

    وخمسين رجلاً من قومي. فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه حتى قدمنا

    جميعاً، فوافقنا النبي صلّى اللهُ عليه وسلّم حين افتتح خيبر، وكان أناس من الناس-يعني أهل السفينة- يقولون لنا: سبقناكم بالهجرة

    ، ودخلت أسماء بنت عميس-وهي ممّن قدم معنا- على حفصة زوج النبي صلّى اللهُ عليه وسلّم زائرة. وقد كانت هاجرت إلى

    النجاشي فيمن هاجر. فدخل عمر رضي الله عنه على حفصة وأسماء عندها فقال عمر حين رأى أسماء: “من هذه؟ قالت: أسماء

    بنت عميس. قال عمر: الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ قالت أسماء: نعم. قال: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحقّ برسول الله صلّى اللهُ

    عليه وسلّم منكم. فغضبت وقالت: كلا والله – وفي رواية لمسلم: كذبت يا عمر- كنتم مع رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم يطعم

    جائعكم ويعظ جاهلكم، وكنا في دار البعداء البغضاء بالحبشة، وذلك في الله ورسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم. وأيم الله لا أطعم

    طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلتَ لرسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم. فنحن كنّا نُؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك للنبي صلّى اللهُ

    عليه وسلّم وأسأله، والله لا أكذب ولا أزيع ولا أزيد عليه. فلمّا جاء النبي صلّى اللهُ عليه وسلّم قالت: يا نبيّ الله، إنّ عمر قال كذا

    وكذا. قال: “فما قلت له؟” قالت: قلت له: كذا وكذا قال: “ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل

    السفينة هجرتان”. قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونني أرسالاً يسألونني عن هذا الحديث، وما من الدنيا شيء هم

    به أفرَح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي صلّى اللهُ عليه وسلّم. ونأخذ مثلاً نسائياً آخر مع عمر رضي الله عنه،

    وما أدراك ما عمر في هيبته وشدّته، وقد تقدّم شيء من هذا، ولكن تربية رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم اجتازت بالمؤمنات كلّ

    ذلك. نقل ابن كثير في تفسيره أنّ امرأة يُقال لها: خولة بنت ثعلبة لقيت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وهو يسير مع الناس،

    فاستوقفته، فوقف لها ودنا منها وأَصْغَى إليها رأسه، ووضع يديه على منكبيها، حتى قضت حاجتها وانصرفت. فقال له رجل: يا

    أمير المؤمنين، حبستَ رجالات قريش على هذه العجوز؟! قال: ويحك أو تدري من هذه؟ قال: لا. قال: هذه امرأة سمع الله

    شكواها من فوق سبع سموات، هذه خولة بنت ثعلبة. والله لو لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت عنها حتى تقضي حاجتها، إلا

    أن تحضر صلاة فأصلّيها ثم أرجع إليها حتى تقضي حاجتها”. وحين أقدم الحجّاج طاغية بني أمية على قتل عبد الله بن

    الزبير وصلبه على الملأ، أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر ليمعن في إذلالها والشماتة بها فأبت أن تأتيه، فأرسل إليها ثانية يهدّد

    ويقول: لتأتيني أو لأبعثنّ بمن يسحبك بقرونك، فأبت وقالت: والله لا آتيك حتى تبعث من يسحبني بقروني… فأخذ نعليه ثم انطلق

    يتوذف – أي يتبختر، أو يسرع – حتى دخل عليها فقال: كيف رأيتني صنعت بعدو الله؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد

    عليك آخرتك. بلغني أنك تقول له: يا ابن ذات النطاقين، أنا والله ذات النطاقين. أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلّى

    اللهُ عليه وسلّم وطعام أبي بكر من الدواب، وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه. أما إن رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم

    حدثنا أنّ في ثقيف كذّاباً ومبيراً، فأمّا الكذّاب فرأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه. فقام عنها ولم يراجعه.


    ثالثاً: حرية الرأي والتعبير في المجال العلمي

    هاهنا أيضاً لم يقف الإسلام عند حدّ إعطاء حق الاجتهاد والبحث والتعبير عن ذلك، بل أغرى بذلك إغراء وشجّع عليه تشجيعاً

    ، وحسبنا في ذلك أن نتأمل حديث الصحيحين عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلّى اللهُ عليه وسلّم قال: “إذا حكم

    الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر”. والحديث كما هو واضح لم يكتف بإباحة الاجتهاد –

    وهو اجتهاد في الدين وأحكامه، وفيه من الخطورة والحرج ما لا يُخفَى- ولم يكتف بتقرير الأجر للمجتهد المصيب،

    بل قرّر الأجر للمجتهد المخطئ أيضاً. وهذا معناه ألاّ يبقى على المجتهد خوف أو حرج حتى وهو معرَّض للخطأ.

    بل هو في خطئه معذور وعلى اجتهاده مأجور، ويتضاعف الأجر بإدراك الصواب، تشجيعاً على تحريه والحرص عليه؛

    ولذلك ظلّ المسلمون منذ عصر الصحابة -بل منذ العصر النبوي- يجتهدون ويختلفون، ويصيبون ويخطئون، ويردّ بعضهم على

    بعض، ويخطّئ بعضهم بعضاً، ويعذر بعضهم بعضاً، إلا في حالات شاذّة من التعصّب والجمود. ومن روائع مواقف الاحترام

    للاختلاف في العلم والرأي، ذلك الموقف الذي اتخذه إمام دار الهجرة مالك بن أنس حين أراد أبو جعفر المنصور أن ينسخ نسخاً

    من كتابه الموطّأ ليعمّمها على المسلمين في الأقاليم ويلزمها الأخذ بما فيه وعدم مخالفته. فلمّا عرض فكرته هذه على الإمام مالك

    قال له رحمه الله: يا أمير المؤمنين، لا تفعل فإنّ أصحاب رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم تفرّقوا في البلاد، فأفتى كل في مصره

    بما رأى، وإنّ الناس قد سبقت لهم أقاويل وسمعوا أحاديث ورووا روايات، وأخذ كلّ قوم بما سبق إليهم وعملوا به، فدع الناس وما

    هم عليه. ومن مظاهر التوسع في حرية الرأي والتعبير في المجال العلمي، أنّ العلماء قاطبة، والمحدّثين منهم خاصة،

    قد أقرّوا جواز تجريح الرواة، إحقاقاً للحق وإبطالاً للباطل، فقدّموا حُرمة العلم والبحث العلمي على حرمة الرواة، أحياء وأمواتاً،

    ومنهم أكابر وأفاضل، وأئمّة وصالحون. رابعاً: الخلفاء الراشدون يرسّخون حرية الرأي والتعبير سار عهد الخلفاء الراشدون

    على سنن العهد النبوي وهديه، فكان الخلفاء العظام رضي الله عنهم تجسيداً آخر لحرية القول والتعبير وحرية الاختلاف

    والمراجعة، ورحى النقد والمعارضة. ولقد كان من أولى الكلمات التي أعلنها أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعد مبايعته خليفة

    لرسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم قوله في خطبته الشهيرة: فإنّ أحسنتُ فأعينوني وإن أسأت فقوموني. وحين ولي عمر الخلافة

    خطب ذات يوم فقال: “يا معشر المسلمين، ماذا تقولون لو ملت برأسي كذا” (وميل رأسه)؟ فقام إليه رجل فقال: أجل كنّا نقول

    بالسيف كذا (وأشار إلى القطع) فقال عمر: إياي تعني؟ فقال الرجل: نعم إيّاك أعني بقولي. فقال عمر رضي الله عنه: رحمك

    الله، الحمد لله الذي جعل في رعيتي من إذا اعوججت قوّمني. ولقد ظلّت سياسات الخلفاء الراشدين واجتهاداتهم وتصرفاتهم موضع

    نقد ومراجعة، بإقرار من الخلفاء أنفسهم، وبرضاهم وتشجيعهم. فقد عورض أبو بكر ونوقش في محاربة أهل الردة، وإنفاذ جيش

    أسامة، وتوزيع المنح وإقطاع الأراضي، فكان يُقنع أو يقتنع، ولكنّه لم يمنع أحداً ولم يلم أحداً على مخالفته ومعارضته، كيف وهو

    الذي ناشد الناس في أوّل عهده بالخلافة أن يقوّموه إذا أساء. وعلى هذا المنوال مضى عمر وعهده. وأما حرية التعبير

    والمعارضة في خلافة عثمان وعلي رضي الله عنهما، فقد بلغت كلّ مبلغ، حتى تجاوزت الحدود وجرت على المسلمين بلايا

    وكوارث. فهذه سنة رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم، وهذه سنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، لا تمنع أحداً من رأي، ولا

    تمنع مخالفاً ولا معارضاً من حقّه، بل من واجبه. ولا تجعل أحداً فوق النقد والمناقشة والاستدراك، وكل ذلك مفتوح مسموح به لعامة المسلمين وخاصتهم، بآدابه وضوابطه.


    خامساً: الضوابط الشرعية لحرية التعبير

    حرية التعبير كغيرها من الحريات الأخرى، إنّما تحتاج إلى ضوابط وقيود بسبب ما قد تتعرّض له من سوء استعمالها وسوء

    التصرّف بها. ولذلك تكثر هذه القيود بقدر ما تكثر التجاوزات والإساءات في استعمال الحقوق والحريات. وعندما خلق الله آدم

    وزوجه أسكنهما الجنة بطولها وعرضها ومُتعها وخيراتها، وأطلق يدهما في ذلك كله، ولم يستثن إلا شجرة واحدة. كانت بمنزلة

    قطرة من بحر أو حبة رمل في صحراء ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ

    فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 35]. ولكنّه بعد أن عصى وتجاوز، أُخرج من الجنة وأُسكن الأرض، فتعدّدت التكاليف والقيود.

    ﴿فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى. إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى. وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا

    تَضْحَى. فَوَسْوَسَ إِليْهِ الشَّيطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى. فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا

    يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَق الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى. ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى. قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْض

    عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِينَّكُم مِّنّي هُدىً فَمَنِ اتبعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ ولا يَشْقَى. وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةْ ضنَكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

    أَعْمَى﴾ [طه: 117-124]. فهكذا كلّما تقدّمت الحياة وكثرت المخالفات والإساءات، كثرت الضوابط والتشريعات.

    كما قال عمر بن عبد العزيز: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من فجور. وفي ما يلي أهمّ الضوابط الشرعية الأخلاقية التي

    نجدها في الشريعة، ومن شأنها ترشيد حرية التعبير ووضعها في مسارها الصحيح البناء، وكبح سوء استعمالها وسوء التصرّف

    بها. ابتغاء الحق والوقوف معه فليست حرية التعبير في الإسلام فرصة للتصلّب والتغلب، ولا وسيلة لإحراج المخالف وإضعاف

    موقفه. وليست حرية التعبير في الإسلام مجالاً للتفنّن في السفسطة وقلب الحقائق، ولا ساحة للتباري في الجدال والخطابة.

    كما ليس في مبادئ الإسلام وأخلاقه، ما يسمح بمعارضة مطلقة أو موافقة مطلقة، كما يجري الآن لدى الحكومات والأحزاب

    الديمقراطية وشبه الديمقراطية، بحيث يكون كل واحد فيها ملتزماً أو ملزماً بنصرة جهته وفريقه وحزبه، ومناوءة خصومه

    ومخالفيه بصورة مطلقة وتلقائية، مهما كان رأيه، ومهما تغيّر رأيُه، حتى ولو كان يرى – في قرارة نفسِهِ – الصواب عند

    خصمه، والخطأ عند جهته. فهذا السلوك الذي أصبح سائداً ومسلّماً به لدى السياسيين اليوم، ليس في الحقيقة ممارسة لحريّة

    التعبير، بل هو إفساد لحرية التعبير وتلاعب بها، وقد أجاد في توضيح هذه الآفة روبرت هـ. ثاولس في كتابه المترجم إلى العربية

    بعنوان التفكير المستقيم والتفكير الأعوج، ومن أمثلة ذلك قوله: “فإذا خطب خطيب في حزبنا خطاباً فصيحاً متدفّقاً قلنا عنه: إنه

    خطيب بليغ، أما إذا خطب خطيب في الحزب المناوئ بالطريقة نفسها، فإننا نقول: إنه متفيقه… ونحن نصف اقتراحات حزب

    المعارضة –وإن كانت عملية- بأنها “شفاء من كل داء، في لغة المشعوذين من الأطباء”. وهي عبارة ممعنة في معناها الانفعالي،

    وتثير فينا انفعالات استهجان قوية، كتلك التي نشعر بها نحو الأدوية التي يصفها المشعوذون ويفرطون في ادعائهم بفوائدها

    الطبية، كما أن المتحدّث يصف أولئك الذين يبدون تحمساً في تأييدهم لبعض الاقتراحات التي لا يقرّها بأنهم “متطرفون”،

    ولو أنّ أناساً من جماعته أبدوا من التحمس والاهتمام ما أبداه الآخرون، لكانوا في رأيه “أشدّاء على الحق…”

    . وممّا يدخل في هذه الآفة ويتمّمها، التفكير لصالح الفريق، وضدّ الخصم بناء على ما تقرر في الفريق وفي الحزب،

    حتى ولو كانت قناعة المصوّت على خلاف حزبه وفريقه. فالتصويت هنا هو نوع من التعبير، بل هو نوع من أبلغ أنواع التعبير وأخطرها.


    حفظ حرمة الدين وهذا هو الضابط الأكبر والأشدّ في موضوعنا. والمراد به المنع والزجر عن المساس والتلاعب بحرمة الدين

    الحق ومكانته. ذلك أنّ الدين يمثّل أساس كيان الأمة الإسلامية والمجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية.

    وإذا كانت عامة الدول قديماً وحديثاً تتّخذ أشدّ العقوبات في حقّ من يطعن في أسسها وأركانها وعناصرها الجامعة، كالقومية

    والوطن ونظام الحكم، فإن من حقّ المسلمين أيضاً أن يجعلوا أشدّ العقوبات والزواجر هي تلك المخصّصة لأساس وجودهم

    وأساس وحدتهم وأساس استقرارهم، ألا وهو آصرة الدين وحرمته، فالدين بالنسبة إلى الأمة الإسلامية هو وطنها وقوميتها ووحدتها

    وعزتها، فمن تنكر له وعاداه، بعد أن انتمى إليه واندمج في كيانه، يشبه ذلك الذي يخون وطنه ويتنكر لأمته وشعبه ويطعن في

    وحدة بلده واستقراره. ومن جهة أخرى، فإنّ الدخول الحق في الدين لا يكون إلا بيقين واطمئنان، واليقين لا ينقلب ولا ينتقض.

    فمن دخل الإسلام دخولاً يقينياً صادقاً لا يتصوّر خروجه منه أبداً، بل هو “يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره

    أن يقذف في النار” كما جاء في الحديث النبوي الشريف. وإنما يتصوّر الخروج من الإسلام، في حقّ من دخلوه دخولاً غير

    صحيح ولا صادق، أو دخلوه لغايات سيئة وأغراض عدائية، فقد يدخل فيه ويدخل بين أهله بنية التجسس وخدمة الأعداء،

    وقد يدخل فيه لأجل الطمع وقضاء المآرب الشخصية ليتركه بعد قضائها، وقد يدخل فيه بغية تخذيل المسلمين وإثارة التشويش

    والبلبلة بتركه والخروج منه. وكل هذه الأغراض السيئة كانت واردة، وكانت واقعة منذ العصر النبوي. وقد أشار إليها القرآن

    الكريم وندّد بها في غير ما آية كما في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا

    نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾[البقرة:14]. وقوله تعالى: ﴿وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا

    آخِرَه لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [آل عمران:72].

    وقوله سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللهُ لِيغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيُمْ سَبيلاً﴾[النساء: 137].

    ولقطع الطريق وسدّ الذريعة على أشكال الاستخفاف والتلاعب بالدين الذي هو أقدس شيء عند البشرية على مرّ التاريخ، ولصيانة

    كيان المسلمين أمّة ودولة، ومجتمعاً وأفراداً، من أي غدر أو طعن لأسمى شيء عندهم، كان ذلك التشدّد الزاجر تجاه المرتدّين

    الطاعنين المخذِّلين. يقول الأستاذ علاّل الفاسي – رحمه الله- : “والمسألة دقيقة، ولكن الذي لا شك فيه أن الذين يقولون بقتل

    المرتدّ، وهم عامّة الفقهاء غير المعاصرين، إنّما يقصدون بذلك حماية الطائفة الإسلامية لا المساس بحرية الإيمان الذي هو شيء

    باطني لا يتحكّم فيه أحد”. حرية التعبير لا حرية التغرير ممارسة تضليل الناس وتوريطهم فيما يضرهم ليست من حرية التعبير

    في شيء، بل هي إفساد وتغرير. وعامة الناس فيهم الضعيف والصغير والجاهل والسفيه والمريض ممن لا يستطيعون دائما تمييز

    الخبيث من الطيب. ولذلك ليس في الإسلام حرية لممارسة أي شكل من أشكال التغرير والتضليل والخداع والإيقاع بالقاصرين

    والمضطرين، كما ليس في الإسلام حرية لمن يدعو ويروج للرذائل والموبقات. فليس لأحد – بدعوى حرية التعبير- أن يدعو

    مثلاً إلى الزنا والخمر والمخدِّرات ويتحدّث عما فيهما من “لذات وفوائد”، وليس لأحد أن يدعو ويروّج –تحت لافتة حرية التعبير-

    للأفكار والتصرّفات الشاذّة المنحرفة. فكل هذا يدخل في حرية التغرير لا في حرية التعبير،

    والله تعالى يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا والآخِرَة﴾ [النور: 19].

    فإذا كان هذا في حق الذين يحبّون شيوع الفاحشة، فكيف بالذين يشيعونها فعلاً بأقوالهم وأفعالهم ومشاريعهم؟ ويدخل هنا الإشهارُ

    التجاري لكل المواد المحرمة والفاسدة الضارة. ومثل ذلك استعمال النساء العاريات في الدعاية التجارية،

    وفي بعض الأعمال التي يعتبرونها تعبيرا فنيا. التثبت والتبين قبل القول والتعبير وهذا الضابط يسري على كافة الأقوال والصور

    التعبيرية، ولكنه آكد وألزم حين يتعلق الأمر بأخبار الناس وحقوقهم وأعراضهم. فمن الضوابط التي أمر بها الإسلام عند ممارسة

    القول والتعبير أن يكون للقول حجة ودليل، وأن يكون بعد تحر وتثبت، ولا يكون مجرد خرص وتخمين، أو مجرد إفك وبهتان

    ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ [الإسراء: 36].

    ومن هنا جاء التحريم الشديد للكذب والبهتان ولقف الأخبار وترويجها قبل التثبت منها… والنصوص في ذلك وفيرة معلومة. فليس شيء من هذا بداخل في حرية التعبير، بل هو داخل في سوء الظن وسوء التعبير.

    ______________________
    لا تنسونا من صالح دعائكم

    ايقوا معنا جزاكم الله خيرا












    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5347
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: رسول الله أول من وضع ثوابت حريه التعبير بمفهومها الصحيح

    مُساهمة من طرف صادق النور الجمعة أكتوبر 15, 2021 4:53 pm



    تابع ما قبله

    حفظ حرمات الناس وأعراضهم ويختلف هذا الضابط عن سابقه بأن الأمر هنا قد يتعلّق بما هو حقّ وصدق وبعلم، ولكن في قوله وترويجه إيذاء للناس وانتهاك لحرماتهم وأعراضهم وأهليهم، ويدخل هنا تحريم الغيبة والسبّ والتشهير وإفشاء أسرار الناس بغير إذنهم، والقذف بما هو صحيح. وحتى بالزنا الذي قد نشاهده ونتيقنه، لا يجوز إفشاؤه والتحديث به إلا بعد توافر أربعة شهود، احتياطاً لأعراض الناس وحرماتهم. منع التدخل في النيات والبواطن ويتعلّق هذا الضابط بنقد الأشخاص في آرائهم وتصرفاتهم واجتهاداتهم، سواء أكانوا علماء ومفكرين أو زعماء وحاكمين أو من عامة الناس. فإذا كان الإسلام يسمح لنا بنقد أي واحد ومجادلته والإنكار عليه في ما نعتبره أساء فيه أو أخطأ، فإنما يسمح بذلك في حدود ما ظهر لنا فرأيناه أو سمعناه، من دون تجسّس ولا تنقيب، ولا تأويل ولا سوء ظنّ، ولا اتهام للنيات والبواطن، وقد “أمرنا أن نحكم بالظاهر والله يتولّى السرائر”

    - مفهوم الحرّية: قرّر الإسلام الحرّية للإنسان وجعلها حقّاً من حقوقه واتّخذ منها دعامة لجميع ما سنّه للناس من عقيدة وعبادة ونُظم وتشريع، وتوسع الإسلام في إقرارها ولم يقيد حرّية أحد إلّا فيما فيه مصالح الناس المعتبرة واحترام الآخرين بعدم التدخل في شؤونهم وإلحاق الضرر بهم، لا في أعراضهم ولا في أموالهم ولا في أخلاقهم ولا في أديانهم ومقدّساتهم وغير ذلك. فالحرّية في الإسلام لا تعني الفوضى وارتكاب الموبقات والمنكرات واستباحة محارم الله والانغماس في الشهوات المحرَّمة، فالحرّية التي تبيح هذه المحظورات هي فوضى، وتصوّر خاطئ للحرّية، وقد صحح الإسلام هذا التصوّر الخاطئ وقرّر حرّية الناس منذ ولادتهم، وأنّه لا يجوز استعبادهم كما لا يجوز تقييد حرّياتهم، وكلُّ حقٍّ لهم يقابله واجب عليهم، ليكون هناك توازن في الحياة، ولذلك قال الرسول (ص) فيما رواه سيدنا النعمان بن بشير، قال سمعت رسول الله (ص) يقول: «مَثلُ القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على مَن فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذِ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً». وهكذا حياة الناس على سطح الأرض كركّاب السفينة تحمل هذه الأرض البارّ والفاجر، والصالح والطالح والمُحسن والمُسيء كالذين يسيئون إلى الآخرين بمن فيهم أنبياء الله ورُسُله يضعونهم فيما لا يليق بمقامهم الذي يستحق الاحترام والتقدير، فإن تُرِك هؤلاء المسيئون يفعلون ما يحلو لهم وما يشاءون دون الأخذ على أيديهم وكفها عن اقتراف الموبقات والآثام هلك الناس جميعهم نتيجة لاختلال التوازن في مطالب الحياة، وإن أخذ بأيديهم نجوا ونجا الناس جميعاً وعاشوا حياة طيِّبة، هذا هو توجيه الإسلام للحرّية، أرشدنا إليه رسول الله (ص) نبيّ الرحمة. ومفهوم الحرّية من المنظور الإسلامي يتحقّق من خلال الحقوق والواجبات باعتبارهما وجهين لحقيقة واحدة لأنّ الحقوق من دون أن تقيّد بالواجبات سيصبح الفرد فيها غير مرتبط بالآخرين وقد يعرف حقوقه ولا يعرف حقوق الآخرين عليه وبذلك يصبح انفرادياً في تعامله قاصراً عن أداء واجباته، فإذا كانت الحرّية من منطلق الحقوق فقط دون الواجبات كان عدم التوازن في الحياة. وقد حرص الإسلام على تطبيق مبدأ الحرّية في هذه الحدود وبهذه المناهج في مختلف شؤون الحياة، وأخذ به في جميع القضايا التي تقتضي كرامة الفرد في شؤونها وهي المناحي المدنية والدينية ومناحي التفكير والتعبير، ومناحي السياسة والحكم حتى وصل إلى شأن رفيع لم تصل إلى مثله شريعة أُخرى من شرائع العالم قديمه وحديثه. فالإسلام يقرّر أنّ إنسانية الإنسان هي رهن حرّيته إذ لا يمكن أن تتحقّق إنسانيته بدون حرّيته؛ فإن تحكم الآخرين عليه باستعباده بغير صورة شرعية وتدخلهم في شؤون حياته فيه إلغاء لحقوقه، فهو من منطلق هذا يعيش حياته آمناً على نفسه وأهله ولا يخشى عدوان حاكم ولا بطش ظالم. وقد يظنّ البعض أنّه مادامت الحرّية مكفولةً وحقّاً مقرّراً شرعاً أباح لنفسه كلّ شيء، وإن كان ذلك على حساب الآخرين، وهذه هي الفوضى التي تقضي على أمن المجتمع واستقراره وسلامته. إنّ الله سبحانه وتعالى كرَّم الإنسان بحيث سَخَّر له ما في السموات والأرض جميعاً منه، وجعله خليفة عنه وزوَّده بالقوى والمواهب ليسود الأرض وليصل إلى أقصى ما قدَّر له من كمال مادّي وارتقاء روحي. ولا يمكن أن يحقّق الإنسان أهدافه ويبلغ مراميه إلّا إذا توفّرت له جميع عناصر النمو وأخذ حقوقه كاملة في الحياة وفي التملك وفي صيانة العرض وفي الحرّية وفي المساواة وفي التعلّم. وهذه الحقوق واجبة للإنسان من حيث هو إنسان بقطع النظر عن لونه أو دينه أو جنسه أو وطنه أو مركزه الاجتماعي. قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء/ 70). وقال (ص): «يا أيّها الناس إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكـم حرام...». وهكذا كرَّم الله الإنسان بهذه الحرّية من خلال هذه الحقوق؛ فمنحه حرّية الاعتقاد حيث قال الله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة/ 256). وقال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا) (الكهف/ 29). فالاعتقاد الصحيح نابع عن الاقتناع الكامل والتصديق الثابت، فلا قيمة لعقيدة تأتي بالقهر والتسلط؛ فحين تزول أسباب القهر تزول العقيدة. ولذا حينما سأل هرقلُ ملكُ الروم أبا سفيان عن المسلمين: أيرتد أحد منهم سخطاً على دينه؟ قال: لا. فقال هرقل: هكذا الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. فالإسلام يتيح الفرصة المتكافئة للناس كي ينظروا ويختاروا، فلا يجبرهم على شيء لا يرغبونه... ولم يحدث في تاريخ الإسلام أن أكره أحدٌ أحداً أو أجبر قومٌ قوماً على اعتناق الدِّين. - المفهوم الفلسفي للحرّية: الحرّية هي الخلوص من الشوائب أو من الرق أو من اللؤم؛ فإذا أطلقت على الخلوص من الشوائب دلّت على صفة مادّية، يُقال: ذَهَبٌ حُرٌّ، لا نحاس فيه. وإذا أطلقت على الخلوص من الرق دلّت على صفة اجتماعية، يُقال: رجلٌ حرٌّ أي طليق من كلِّ قيد سياسي أو اجتماعي. وعلى ذلك فالحرّية تكون على ثلاثة معانٍ: 1- المعنى العام: الحرّية خاصّة الموجود الخالصة من القيود العامل بإرادته أو طبيعته، من قبيل ذلك قولهم تظهر حرّية الجسم الساقط في هبوطه إلى مركز الأرض وفقاً لطبيعته بسرعة متناسبة مع الزمان إلّا إذا صادف في طريقه عائقاً يمنع سقوطه. 2- المعنى السياسي والاجتماعي: الحرّية بهذا المعنى قسمان: أ‌- الحرية النسبية وهي الخلوص من القسر أو الإكراه الاجتماعي، والحرّ هو الذي يأتمر بما أمر به القانون ويمتنع عما نهى عنه، من قبيل ذلك ما جاء في المادة (11) من إعلان حقوق الإنسان في فرنسا لسنة 1789م: «إنّ حرّية الإعراب عن الفكر والرأي أثمن حقوق الإنسان، ولكلّ مواطن الحقّ في حرّية الكلام والكتابة والنشر، على أن يكون مسؤولاً عن عمله في الحدود التي يعيّنها القانون». ومن قبيل ذلك أيضاً ما جاء في المادة (29) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: «يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرّياته للقيود التي يعيّنها القانون»، والغرض من التقيّد بالقانون ضمان الاعتراف بحقوق الغير واحترام حرّياته وتحقيق ما يقتضيه النظام العام من شروط عادلة. والحرّيات السياسية هي الحقوق المعترف بها في الدولة: كحرّية الفكر والرأي والضمير والدِّين والتعبير... إلخ. ب‌- وأمّا الحرّية المطلقة، فهي حقّ الفرد في الاستقلال عن الجماعة التي انخرط في سلكها متى شاء وليس المقصود من هذه الحرّية حصول الاستقلال بالفعل، بل المراد الإقرار بهذا الاستقلال واستحسانه وتقديره واعتباره قيمة خلقية مطلقة. - المعنى النفسي والخلقي: أ‌- الفاعل الحرّ هو الذي يقيّد نفسه بعقله وإرادته ويعرف كيف يستعمل ما لديه من طاقة وكيف يتنبأ بالنتائج وكيف يقرنها بعضها ببعض أو يحكم عليها، فحرّيته ليست مجرّدة من كلّ قيد ولا هي غير متناهية، بل هي تابعة لشروط متغيّرة توجب تحديدها وتخصيصها وتسمى هذه الحرّية بـ(الحرّية الأدبية أو الخلقية). ب‌- حالة مثالية لا يتصف بها إلّا مَن جعل أفعاله صادرة عمّا في طبيعته من معانٍ سامية. ج‌- القدرة على الاختيار من غير مرجِّح. - من معالم الحرّية في الإسلام: أوّلاً - معالم حرّية الفكر في الإسلام: التفكير طبيعة الإنسان التي فطره الله عليها. وهذه الطبيعة لم يغمطها الإسلام حقّها ولم يبح كبتها، بل حث عليها وطالب المسلمين بالإيمان بالله عن طريق التفكير لا عن طريق تعطيل هذا التفكير وإلغائه، فقال تعالى: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) (آل عمران/ 191). فالإسلام يدعو إلى احتكاك الآراء وسعة الاطّلاع وتنوّع الثقافات، واعتبرها إرثاً إنسانياً مشتركاً بين الأُمم، وهذا ما جعل العرب في العصور الإسلامية الزاهرة يَقْبَسون من علوم الأُمم السالفة والمعاصرة وثقافاتها المتنوّعة ما يجدونه نافعاً وصالحاً لبناء أُمّتهم. وأكبر شاهد على حرّية الفكر في الإسلام مبدأ الشورى الذي أمر به القرآن الكريم بقوله: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى/ 38). فإنّ الإسلام منح المسلمين حرّية الفكر في جميع المعقولات، بل وأوجب على المسلم التفكير فيما ينفع نفسه وينفع غيره وفيما يقيه الضرّر والأذى، قالَ رسولُ اللهِ (ص): «الكلمةُ الحكمةُ ضالَّةُ المؤمنِ فحيثُ وَجَدَها فهو أحقُّ بها».

    _____________________________
    تابعونا





    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5347
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: رسول الله أول من وضع ثوابت حريه التعبير بمفهومها الصحيح

    مُساهمة من طرف صادق النور الجمعة أكتوبر 15, 2021 5:02 pm



    ثانياً - معالم حرّية التعبير في الإسلام: حرّية الكلام والتعبير حقّ فطري، لأنّ التعبير عما في الضمير فطرة فُطِرَ عليها الإنسان يعسر، بل يتعذر إمساكه عنها، فكان الأصل أنّ لكلّ إنسان أن يقول ويحاور ويناقش ولا يمسكه عن ذلك إلّا وازع الدِّين بأن لا يقول لغواً أو ينطق باطلاً. وفي الحديث: «قالَ أَلا أُخْبِرُكَ بِمَلاكِ ذلك كُلِّهِ؟»، قُلتُ: بلى؛ يا نبيَّ اللهِ. فأخذَ؛ بلسانِهِ فقالَ: «كُفَّ عليك هذا». فقُلتُ: يا نبيّ اللهِ؛ وإنّا لَمؤاخَذُون بما نتكلّمُ بهِ؟! فقالَ: «ثَكِلَتكَ أُمُّكَ َا مُعَاذُ؛ وهل يَكُبُّ الناسَ في النّارِ على وُجُوهِهم أو على مَنَاخرِهم إلّا حصائِدُ ألسنَتِهم». والأصل في حرّية القول هو الصِّدق في الإخبار، وتتبّع الحقّ واتّباعه؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة/ 119). - ضوابط الحرّية: إنّ الحرّية بلا قيود ولا ضوابط عقلية وخُلقية ودينية لا يصلح بها أمر الإنسان والمجتمعات أبداً، فالحكمة تقتضي أنّ لكلِّ شيء حدوداً وقواعد إذا غابت يُضحي وجود الحرّية عبثاً، فهي إن تُركت سائبة بلا حدود فغايتها الضلال والسقوط في الهاوية، وأمامنا الأُمم السابقة أدلة واضحة على ذلك. هذا؛ وإنّ الإسلام أحكم قواعد الحرّية للإنسان أفراداً ومجتمعات، بأن جعل إطاراً معقولاً وصحيحاً لحرّية الفكر وحرّية القول، وحرّية العمل، هو (عدم الإضرار بالنفس وعدم الإضرار بالآخرين)، حتى إنّ الإسراف في الأكل والشرب يحرم لأنّه إضرار بالنفس. وقد أمر رسول الله (ص) بعدم الضرر، فالقاعدة الشرعية: (لا ضرر ولا ضِرار)، فلا يسوغ لأصحاب المذاهب الفكرية والكلامية القول بالحرّية المطلقة ممّا يؤدِّي إلى الإضرار والتضييق على حرّيات الآخرين، هذا بالإضافة إلى الآفات والعيوب الاجتماعية في بلاد الحرّية التي تدّعي الحرّية المطلقة ولا تعرف حدوداً ولا قيوداً ضرورية لحياة المجتمعات الإنسانية. الإسلام واسع سهل، يحمل في طياته خطاباً شاملاً مستوعباً، وهو لا يريد الإكراه، للقاعدة المعروفة: (القسر لا يدوم)، وإنّما يسعى إلى إعطاء الحرّية لكلّ إنسان فيما يعمل بحسب معتقده، ويحاوره، قال سبحانه وتعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل/ 12). يقول جولدتسيهر: «سار الإسلام لكي يصبح قوّة عالمية على سياسة بارعة، ففي العصور الأولى لم يكن اعتناقه أمراً محتَّماً، فإنّ المؤمنين بمذاهب التوحيد أو الذين يستمدون شرائعهم من كُتُب منزلة كاليهود والنصارى والزرادشتية كان في وسعهم متى دفعوا ضريبة الرأس (الجزية) أن يتمتعوا بحرّية الشعائر وحماية الدولة الإسلامية.. بل لقد ذهب الإسلام في هذه السياسة إلى حدود بعيدة، ففي الهند - مثلاً- كانت الشعائر القديمة تُقام في الهياكل والمعابد في ظل الحكم الإسلامي». وهكذا ترى مبادئ الإسلام وتعاليمه في الوقت الذي تربّي الإنسان المسلم على التزام دين الله وتوحيده، توجهه إلى أن يحترم الإنسان أخاه بما هو إنسان مهما كان دينه أو مذهبه. - التعبير عن الرأي في الإسلام: كلُّ منصف من العقلاء والمفكرين والباحثين عن الحقيقة المجرّدة يرى تنوّعاً شاملاً لكلّ حقائق الحياة، وهذا التنوّع الشامل والمستوعب لجميع الأشياء لازمه ملازمة تامّة كاملة تنوّعٌ في الوظائف الداخلية والأشكال الخارجية، وهكذا فكلّما أبعد المرء في تفكيره، وأمعن النظر دلته حقائق الكون الكبرى على أنّ هذا التنوّع هو ظاهرة كونية شملت أدق دقائق عالم الطبيعة وجميع عناصرها بشتّى تجلياتها، كما أنّ هذا التنوّع لم يحدث بالمصادفة قط، وإنّما هو صنع الله مبدع السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة الذي أتقن كلّ شيء خلقه، وأحسن صنعه وأتمّه؛ وقد دلّت النصوص من الكتاب والسنة المطهرة على أنّ هذا التلوّن والتنوّع في كلّ شيء إنّما هو من مظاهر الخلق الكبرى، ومن مظاهر الإعجاز والإبداع في الخلق، ممّا يعني - من جملة ما يعنيه - أنّ عظمة الله سبحانه وتعالى لا تتجلى في مجرد إيجاد الأشياء من العدم فحسب، بل بخلقها وإيجادها على هذه الشاكلة العجيبة الغريبة في صنعها وتنوّعها واختلافها. وهذا التنوّع ينقل إلى تنوّع من نوع آخر، هو ذلك التنوّع في ميول البشر واعتقاداتهم وآرائهم ونزعاتهم؛ تنوّع في الأذواق والعادات وأنماط العيش، ممّا يتصل بالثقافة بمفهومها العام، وتنوّع آخر يتعلق بقناعات وتوجهات في حياة الإنسان من حيث النظام السياسي والاجتماعي الفكري والثقافي والعلمي حيث بنو آدم مختلفون يحيون حياةً ميزتها التنوّع. نعم، حصل في بعض الأديان كالمسيحية واليهودية، وفي الفلسفات الأُخرى كالمجوسية والبوذية والكونفوشيوسية والهندوسية، أنّها كانت تحاول نفي الآخر، وإثبات الذات، وصهر المجتمعات في بوتقتها... لكنّ رحمة الإسلام تعمّ الجميع بقوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة/ 256). والناس جميعاً ليسوا عرضةً للإكراه على اعتناق الإسلام، مما يعني أنّ الإسلام دينٌ يستوعب مبدأ التنوّع في العقائد دون أن يكون لهذا التنوّع أي مساس بالحقوق والواجبات الإنسانية، بل هذه الحقوق مكفولة بتكريم بني آدم، حيث قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء/ 70)، ما لم يكن هناك خلل أخلاقي أو رادع ديني (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات/ 13). وإنّ حرّية التعبير من أعظم الحرّيات التي كفلها الإسلام للإنسان وهي من نِعَم الله تعالى عليه حيث جعله بهذه النِّعمة مُعبّراً عن نفسه مبيّناً عمّا يدور في فكره وخلده، ومنحه القدرة العقلية على تصوّر ما يدور حوله، ثمّ الحكم عليه بما يصل له من خبراته وتجاربه يقول الله عزّوجلّ تأكيداً على ذلك: (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) (الرحمن/ 1–4). فالله جلّ جلاله خلق الإنسان وأكرمه وأنعمه بنِعمة العقل والإدراك وعلَّمه البيان ليُعْمل عقله ويفصح عمّا يدور في عقله بحرّية مبنية على احترام الحقّ الفطري واستخدام نِعمة الإدراك والبيان، ودعوة إلى تحقيق التعاون على البرّ والتقوى، والتطلّع إلى تكوين المجتمع المسلم الذي يقوم على المشاركة الإيجابية في تحقيق الإخاء والمساواة والأمن والعدل. ومن الأدلة التي تدل على وجوب حرّية التعبير قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران/ 11)، فإنّ الأمر والنهي لا يكونان إلّا من خلال التعبير. وممّا يدلنا على حرّية التعبير أيضاً قوله (ص): «مَن رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان». وهذا كلّه يدل على أنّ حرّية التعبير من حقوق الإنسان، وحقوق الإنسان جزء من الدِّين شرعها الله وبينها الرسول (ص) في سنّته المشرفة وسيرته العطرة.

    ___________________________
    تابعونا






    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5347
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: رسول الله أول من وضع ثوابت حريه التعبير بمفهومها الصحيح

    مُساهمة من طرف صادق النور الجمعة أكتوبر 15, 2021 5:03 pm



    - الحوار وضوابطه: فقه الحوار هو من أبرز ما يتميّز به ديننا الإسلامي العظيم يدلُّ عليه قوله تعالى في التنزيل: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) (سبأ/ 24). فقد خاطب القرآن العظيم غير المسلمين بأدب الحوار وفقهه، فافترض الهدى والضلال في كلّ من الفريقين، المؤمنين وغير المؤمنين، فما بالك إذا خاطب المسلم مسلماً مثله؟! يدين بدينه؟! ويصلي إلى قبلته؟! ويؤمن بنبيّه؟! كيف يكون أدب الحوار وفقهه بين المسلمين بعضهم مع بعض إذا كان الأمر كذلك مع غير المسلمين؟!. أما ضوابط فقه الحوار، فهي: الضابط الأوّل: التوسط والاعتدال في كلّ شيء، فالمبالغات والتزيُّدات والإفراط والتفريط ليست من التوسط في شيء، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) (البقرة/ 143)، أي عدولاً، فنحن أُمّة الوسط الأعدل، ديننا وسط وشريعتنا وسط، فيجب أن يكون خِطابنا وسطاً معتدلاً، حتى نحقّق به الغاية دون إفراطٍ أو تفريطٍ، دون زيادةٍ أو نقصٍ مع الالتزام بجوهر العلم ولبابه، فنبتعد عن الخلاف اللفظي، وعن الخلاف في القشور والبحث عن الأُمور الجانبية، وكذلك نبتعد عن الأمور التاريخية ومحاكمة التاريخ لأنّ التاريخ أمر انقضى، وآفة الرواية نقلها، وما آفة الأخبار إلّا رواتها، فلا نقبل من الأخبار إلّا ما ثبت لدينا بمنهج المحدِّثين لا بمنهج المؤرخين، مع الاعتماد على المقاصد العامّة وحكمة التشريع وعلل الأحكام للوصول إلى جوهر العلم. الضابط الثاني: الالتزام بالمنهج العلمي وأُصول البحث والموضوعية والتجرّد عن كلّ ما يخالف عن الموضوعية في العلم، للوصول إلى الحقيقة المجرّدة، فإنّ المطلوب هو الوصول إلى الحقيقة المجرّدة أينما كانت وحيثما وجدت، ولا ننحاز لأحد لأنّنا نحبّه ونترك الحقيقة التي مع الآخر لأنّنا لا نحبّه، أو لأنّه مخالف لنا، أو لأنّه على غير ما نحن عليه، فالحكمة ضَالَّة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها، والمنهج العلمي يقتضي الرجوع إلى الأُمَّهات وأُصول العلوم والكُتُب، وأُصول البحث تقتضي الدقّة والتحقيق والتمحيص والمراجعة والصِّدق في النقل والبرهنة الصحيحة على الموضوع المتكلَّم فيه، والذي يدور الحوار حوله. الضابط الثالث: الالتزام بقواعد المنطق والمناظرة والمسلَّمات العقلية، وهذا العلم قديم، وأوّل مَن قعَّده وضبطه اليونان، وهم الذين أوجدوا المنطق الصوري، ولكنّ علماء المسلمين أخذوا المنطق الصوري وزادوا عليه بعد أن هذّبوه وضبطوه زادوا عليه المنطق المادّي، وهو أرقى من المنطق الصوري، فإن كان المنطق الصوري يعتمد القياس والاستنتاج، فإنّ المنطق المادّي يعتمد الاستقراء والاستنباط، وأُسس علماؤنا ومفكرونا (رحمهم الله) قواعد المناظرة وأُصول الاستدلال، وحضارتنا الإسلامية زاخرة بأمثال هؤلاء المفكرين المسلمين وأساطين المعرفة الذين شهد لهم علماء الغرب فضلاً عن علماء المسلمين، والفضل ما شهدت به الأعداء، والمكتبة الإسلامية حافلة بمئات الكُتُب والأبحاث والدراسات القديمة الأصيلة والحديثة المعاصرة في هذا الميدان، وهذا الضابط مهم جدّاً لأنّه نقطة اتفاق لدى كافة العقلاء من المسلمين وغيرهم من أصحاب الشرائع وغيرهم، وهو معيار المنطق والعقل السليم، والذي لا يمكن إنكاره أو التشكيك فيه. الضابط الرابع: عدم مخالفة صحيح المنقول وصريح المعقول، بعد أن تبيّن أنّ المنهج في الحوار هو: (إذا نقلت فالصحّة وإن ادعيت فالدليل)، وإذا ثبتت صحّة النقل وصريح الاستدلال، فكيف يمكن إنكارهما أو إنكار أحدهما، بل لابدّ من الأخذ بالصحيح من المنقول، الثابت بالخبر الصادق الذي هو أحد مسالك العقل والعلم، والتسليم بصريح المعقول وهو المسلَّم به أو المستدل عليه بالبرهان القاطع والحجّة الدامغة، وإلّا لكان حوارنا مجرد تسلية، وكلامنا فارغاً لا قيمة له، بل ومضيَّعة للوقت لأنّنا نكون قد فقدنا جوهر الحوار وهو الوصول إلى الحقيقة العلمية. الضابط الخامس: هو عدم مخالفة ما هو معلوم من الدِّين بالضرورة، فما أصبح من المسلَّمات كالإيمان بالغيب والصلاة والزكاة… لا يجوز النقاش في ثبوته أو عدم ثبوته لأنّه من المعلوم من الدِّين بالضرورة وهذا يدخل ضمن الخلاف الذي لا طائل وراءه، والحوار الجدلي الذي هو لمجرد الحوار، ويدخل تحت هذا الضابط عدم التكفير أو التفسيق بلا دليل قاطع، فلا يجوز أبداً التهاون في هذا الأمر، وإنّ التكفير لأمر عظيم لا ينبغي الخوض في أَوْحَالِه لمجرَّد الظنِّ أو الشبهة أو الوهم، يقول الإمام الغزالي في كتابه: فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة: «... ولكنّي أُعطيك علامةً صحيحةً مطردةً ومنعكسةً لتتخذها مطمح نظرك وترعوي بسببها عن تكفير الفِرَق، وتطويل اللسان على أهل الإسلام، وإن اختلفت طُرقهم ما داموا متمسكين بقول: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله، صادقين بها غير مناقضين لها، فأقول: الكفر هو تكذيب الرسول (ص) في شيء ممّا جاء به، والإيمان تصديقه في جميع ما جاء به... فكلّ مكذِّب للرسول فهو كافر، وكلّ كافر فهو مكذِّب للرسول (ص) فهذه هي العلامة المطردة المنعكسة». وهنالك مَن يتشدّد فيلغي الرخص ولا يفتي بها للناس ولا يأخذ بها، ويلغي مساحة العفو التي شرَّعها الله تعالى، ويتشدّد في الحلال حتى يجعله حراماً؛ بدعوى الزُّهد حتى يظهر الدِّين من كلامه على أنّه دين قديمٌ متخلف لا يصلح لهذا العصر، قال الله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) (المائدة/ 77)، فإذا حصل هذا التشدّد حصل التنفير من الدِّين بالتطبيق السيِّئ له وجاء العنف فتوّج ذلك كلّه بتاج من الخبال، وما كان الرفق في شيء إلّا زانه وما نزع من شيء إلّا شانه. ديننا دين الرحمة، دين اللين واللطف: (وَلْيَتَلَطَّفْ) (الكهف/ 19)، (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ) (آل عمران/ 159). الضابط السادس: تحقّق الإخاء الوطني والعربي والإسلامي: إنّ فك العروبة عن الإسلام هو أكبر خطر على هذه الأُمّة، العروبة والإسلام تيار واحد وليسا تيارين أبداً، حتى غير المسلمين مسلمون ثقافة، والمسلمون مسلمون ثقافة وعقيدة؛ فالعروبة مادّة الإسلام والإسلام روحها. فالوحدة والتوسط هما القاسم المشترك الأعظم في حضارة هذه الأُمّة وتاريخها، ولئن كانت الفُرقة والتنازع والتطرّف الديني سِمَة المدنيات السابقة على الإسلام كمدنية الفرس والرومان والهند وغيرها، وكان شعارَها الحربُ الظالمة بلا سبب إلّا سبباً واحداً هو الاستبداد والاستغلال والاستعباد، فإنّ الحضارة الإسلامية في تاريخها المشرق ما عَرَفت إلّا الوحدة والوسطية منهجاً عاماً وقاسماً مشتركاً أعظم في مراحلها كلّها، من لدن فجر الدعوة الإسلامية المباركة وإلى عهد قريب. والذي أراه أنّ الذي حقّق الوحدة للأُمّة في تاريخها المجيد يوم كانت أُمّةً واحدةً يملأ ذكرها العَطِرُ الوهادَ والنجاد؛ الذي حقّق ذلك هو وسطيتها أي عدالتها، وتوسطها بين جانبي الإفراط والتفريط، وهو قمين أن يحقّق وحدة الأُمّة اليوم وغداً وإلى أن يرث اللهُ الأرضَ ومَن عليها إذا تحقّقت لدينا العبودية الحقُّ لله ربِّ العالمين، فهي الولاية والولاية معاً كما قال جلّ شأنه في التنـزيل: (هُنَالِكَ الوَلاَيَةُ لِلهِ الحَقِّ) (الكهف/ 44). - احترام الآخر وصيانته: إنّ حرّية التعبير الحقّ هي التي تحافظ على حقوق الآخرين، وأمّا التصرُّفات التي تصدر دون مراعاة حقوق الآخرين فهي الفوضى التي تؤدي إلى اختلال التوازن في موازين الحياة. واحترام الآخر، واحترام حقوقه لا يتأتى إلّا من حرّية التعبير التي تعتمد مبادئ الأخلاق وآداب الإسلام الذي يعني عدم مصادرة آراء الآخرين وإيذائهم، وإن كانت مخالفة، لكن غير مسيئة للآخرين ومعتقداتهم. وقال رسول الله (ص): «الدِّين النصيحة». قلنا: لمن؟ قال: «لله ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم». فنصيحة أئمّة المسلمين وعامّة المسلمين هي من حرّية التعبير، وهكذا كانت حياة الرسول (ص) مع أصحابه فيقول لهم في كثير من الأُمور: «أشيروا عليَّ». وكان (ص) أمره شورى بينه وبين أصحابه؛ قال الله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران/ 159). والله سبحانه وتعالى مدح المؤمنين بسبب الشورى التي بينهم بقوله: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى/ 38). هذا؛ وحرّية التعبير التي تحترم الأديان والمقدّسات هي التي تنبني على ضوابط: 1- أن يكون التعبير طيِّباً بعيداً عن الفحش والقبح يقول الله تعالى: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) (الحجرات/ 24). ويقول جلّ شأنه: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الإسراء/ 36). قال الإمام النووي: «اعلم أنّه ينبغي لكلّ مكلَّف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلّا كلاماً ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة فالسنة الإمساك عنه؛ لأنّه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة». 2- أن يكون التعبير مطابقاً للحقيقة صادقاً متثبتاً فيه، بعيداً عن الظنّ والوهم؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة/ 119)، وقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات/ 6). وفي الحديث عن رَسُولِ اللهِ (ص): «كفى بالمرءِ كَذِباً أن يُحدِّثَ بكلِّ ما سَـمِعَ». 3- أن يتحرى التعبير الحقّ والعدل فلا يحابي؛ يقول الله تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الأنعام/ 152). إنّ حرّية التعبير التي تنطلق من هذه الضوابط لها ثمار كثيرة، منها: أوّلاً: أنّها تعمّق الثقة بين أفراد الأُمّة فإنّ الوضوح يقتل الخلاف، والمصارحة تقضي على الدس والوقيعة، والصدق يعمر القلوب بالألفة والمحبّة. ثانياً: قوّة بناء الأُمّة وتماسكها فإنّ احتكاك الآراء وتعاون الناس يولّد القرب بينهم وتلاقح الأفكار يولّد التنوُّر والتقدّم الحضاري؛ فيتشاورن ويتناصحون، وهذا يزيد من تماسكهم وتضامنهم لأنّ الاحتكاك بين المؤمنين يولّد نوراً ولاريب أنّ اجتماع المواهب وتعاضدها يؤدِّي إلى خير كثير، وهذا بخلاف الخوف والكبت فإنّهما يولّدان التفكك والشكّ والريبة. ثالثاً: إنّ المرء متى أُعطِي الفرصة لإبداء رأيه في تقرير مصيره والمشاركة في صناعة القرار أدى ذلك إلى رقي في الأُمّة وتقدّمها، فإنّنا نجني من وراء حرّية التعبير الأفكار النيرة والآراء الصائبة، فلا تقدم الأُمّة على أمر إلّا وتكون قد عرفت مصالحه وأدركت منافعه.

    ______________________________________
    تابعونا




    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5347
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: رسول الله أول من وضع ثوابت حريه التعبير بمفهومها الصحيح

    مُساهمة من طرف صادق النور الجمعة أكتوبر 15, 2021 5:05 pm


    - حرّية التعبير عن الدِّين والدعوة إليه: كلُّ مَن عرف الحقّ في دينه ينشط في دعوة الناس إليه، فقد ورد عنه (ص): «وأيم الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك ممّا طلعت عليه شمس وغربت». ولكنّ دعوة الإسلام ترتكز على الإقناع والمجادلة بالتي هي أحسن، وتجنّب أيّة محاولة لفرض الدِّين عن طريق السطوة أو السلطة. هذا؛ ومن الصحيح والمشروع إقناع الآخرين، ولكنّ البعض يستخدم القوّة والعنف لفرض الذي يؤمن به على الناس، وهذا مردّه الجهل أو روح التسلُّط والظلم، وكم عانت البشرية وتحمّلت من المصائب والمآسي من الحروب والصراعات الدينية الدامية. والإسلام أعلن موقفه الواضح والصريح من حرّية الاعتقاد واختيار الدِّين، وأرسى القرآن الحكيم مبدأ الحرّية الدينية الفكرية في قوله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة/ 256). هذا؛ والإسلام يدعو إلى السلام ويعتبر السلم هو الأصل والحرب هي الاستثناء، قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) (البقرة/ 208). وقال أيضاً: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (الأنفال/ 61). فالإسلام يأمر بمحاربة مَن لا يزال يقاتل المسلمين ويريد الاعتداء عليهم، وينهى عن موادّة أمثال هؤلاء، أمّا الذين لم يقاتلوا المؤمنين ولم يخرجوهم من ديارهم، فالله سبحانه يأمر ببرهم والإقساط إليهم وإن كانوا كفاراً. قال الله تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة (8 ) ولذلك فالذي ترجّح لدى جمهور الفقهاء المسلمين أنّ الكفر وحده لا يصلح سبباً للقتل، وإنّما الذي يصلح سبباً للقتل هو الحرابة.

    والخلاصة أن الإسلام قد فتح الباب واسعاً لحرية القول والتعبير، ولم يجعل أحداً من الناس فوق المراجعة والمعارضة، فالله تعالى وحده – بجلاله وكماله –

    هو الذي ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَل﴾ [الأنبياء: 23]. والله تعالى وحده هو الذي ﴿يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِه﴾ [الرعد: 41]. وهو سبحانه وحده القائل بحق وصدق

    ﴿مَا يُبّدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾ [ق: 29]. ولكن هذه الحرية يجب أن تمارس في حدود الحق والنفع والأدب، ولا يجوز استغلالها للهدم والتغرير وإيذاء الناس.


    ______________________________

    جزاكم الله خيرا
    :

    لا تنسونا من صالح دعائكم






      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أكتوبر 06, 2024 2:27 am