يسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آلة وصحبة وسلم
حديث أبي هريرة: (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا...) شرح عجيب له .
عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تَحَاسَدُوا،
وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا تَبَاغَضُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَلا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا
عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَاناً. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ، وَلا يَكْذِبُهُ، وَلا
يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا -وَيُشِيرُ إِلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ- بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ
يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ. كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ)).
رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
موضوعُ الحديثِ: الأخلاقُ الإِسلاميَّةُ وَحُقُوقُ المُسْلِمِ.
المفرداتُ:
((لا تَحَاسَدُوا)): أَصْلُهَا لا تَتَحَاسَدُوا، فَحُذِفَتْ إِحْدَى التَّائَيْنِ تَخْفِيفاً.
وَالحَسَدُ: هوَ تَمَنِّي زَوَالِ النعمةِ عَن الغيرِ، وَهوَ خُلُقٌ ذَمِيمٌ اتَّصَفَ بهِ الشيطانُ
وَابنُ آدَمَ وَاليهودُ وَالمنافقونَ، وَسَبَبُهُ الغضبُ وَالحقدُ، وَضَرَرُهُ على صَاحِبِهِ أَشَدُّ
مِنْ ضَرَرِهِ على الغيرِ، وَعَوَاقِبُهُ وَخِيمَةٌ؛ فهوَ إِسَاءَةُ أَدَبٍ معَ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَرَضٌ
للقلبِ، وَاعتراضٌ على قضاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَعَدَمُ الرِّضَا بِمَا قَضَاهُ اللَّهُ وَقَدَّرَهُ، وَالإِصابةُ
بداءِ الأُمَمِ، وَعَدَمُ أداءِ حقوقِ المسلمِينَ.
وَمنهُ المَحْمُودُ، وَهوَ الغِبْطَةُ: وَهيَ تَمَنِّي أَنْ يَكُونَ لهُ مِثْلُ مَا لأَخِيهِ مِنْ غيرِ تَمَنِّي زَوَالِهَا عَنْ أَخِيهِ.
((ولا تَنَاجَشُوا)): النَّجْشُ هوَ الزيادةُ، وَالمرادُ: الزيادةُ في البيعِ لا مِنْ أَجْلِ الشراءِ، لكنْ مِنْ أجلِ نَفْعِ البائعِ وَالإِضرارِ
بالمُشْتَرِي. وَهذا لا يَجُوزُ؛ لأنَّهُ مِن الضررِ المَنْهِيِّ عنهُ. وَقِيلَ: المرادُ الخِدَاعُ
في جميعِ المعاملاتِ مِنْ غِشٍّ وَاحْتِيَالٍ وَغَيْرِهَا. وَفي النَّهْيِ حِمَايَةٌ للأنفسِ وَحمايَةٌ
للأموالِ وَحمايَةٌ للغيرِ.
((ولا تَبَاغَضُوا)): أيْ لا تَتَعَاطَوْا أَسْبَابَ التَّبَاغُضِ فَيُبْغِضَ
بَعْضُكُمْ بَعْضاً، بلْ يُحِبُّهُ.
قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحُجُرَات: 10].
وَالشيطانُ يَسْعَى إِلى تَبْغِيضِ بَعْضِهِمْ إِلى بعضٍ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ
أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة: 91 ].
وَقدْ يَئِسَ أنْ يَعْبُدَهُ الناسُ في جزيرةِ العَرَبِ، وَلكنْ في التَّحْرِيشِ بينَهُم.
وَقدْ أَلَّفَ الإِسلامُ بينَ القلوبِ حتَّى أَصْبَحَ المؤمنونَ إِخْوَةً يُحِبُّ بَعْضُهُمْ بَعْضاً
وَيُؤْثِرُهُ على نَفْسِهِ كَمَا حَصَلَ بينَ المهاجرينَ وَالأنصارِ وَغيرِهِم.
وَمِنْ أَسْبَابِ التَّبَاغُضِ:
النَّمِيمَةُ بينَ الناسِ وَالسُّخْرِيَةُ وَالتَّنَابُزُ بالألقابِ وَغيرُهَا.
((ولا تَدَابَرُوا)): التَّدَابُرُ: هوَ التَّهَاجُرُ وَالتَّقَاطُعُ،
وَمعناهُ: أيْ لا يُوَلِّي أَحَدُكُم الآخرَ دُبُرَهُ مِنْ إِعْرَاضِهِ عنهُ وَكراهِيَتِهِ لهُ مِنْ أجلِ
دُنْيَا وَعَرَضٍ زَائِلٍ، وَيُقَاطِعُهُ يَهْجُرُهُ، وَالتَّدَابُرُ مُحَرَّمٌ، وَسَبَبٌ في رَفْعِ الخيرِ،
وَحِرْمَانٌ مِنْ عَرْضِ العملِ على اللَّهِ تَعَالَى.
وَالهَجْرُ صِفَةُ أهلِ النارِ؛ لأنَّهُم في جَهَنَّمَ يَتَخَاصَمُونَ، كُلَّمَا
دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا،
وَإِنَّمَا يَأْلَفُهُ وَيُوَاجِهُهُ وَيُقَابِلُهُ، وَهذهِ صفةُ أهلِ الجنَّةِ، على سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ.
(1) ((ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ)): أيْ لا يَبِيعُ سِلْعَةً بَاعَهَا أَخُوهُ المُسْلِمُ
فَيَجْعَلَ المُشْتَرِيَ يَتْرُكُ السلعةَ الأُولَى، وَيَجْعَلَ البائعَ يَبْغَضُ المُشْتَرِيَ لِعَدَم
الْتِزَامِهِ بالبيعِ، وَيَبْغَضُ مَنْ دَخَلَ في العقدِ،
فَيَقُولُ: أَبِيعُكَ سِلْعَةً أَحْسَنَ مِنْ هذهِ السلعةِ أَوْ أَرْخَصَ منها، فَيَكُونُ في ذلكَ تَعَدٍّ على حقِّ الغيرِ وَزَرْعٌ للأحقادِ، وَهذا لا يَجُوزُ.
(2) ((وكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَاناً)): أَمَرَ بأنْ يَلْتَزِمَ
الإِنسانُ العبوديَّةَ للَّهِ تَعَالَى. وَمِنْ مُقْتَضَيَاتِهَا أنْ يَعْرِفَ حقَّ الأُخُوَّةِ في اللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحُجُرات: 10 ]، وَقالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ...)) الحديثَ.
وَقالَ صلى الله علية وسلم : ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَنْ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا...)) الحديثَ.
((المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ)): هذهِ أُخُوَّةُ الدِّينِ، وَهيَ أَقْوَى
العُرَى وَأَعْظَمُ الروابطِ؛ بدَوَامِهَا وَمَتَانَتِهَا وَقُوَّتِهَا. وَأُخُوَّةُ الدينِ أَقْوَى مِنْ
أُخُوَّةِ النَّسَبِ؛ لأنَّها تَرْبِطُهُمْ
بِرَبٍّ وَاحدٍ، وَبِدِينٍ وَاحدٍ، وَبِنَبِيٍّ وَاحدٍ، وَبِطَرِيقٍ وَاحدٍ، وَبِكِتَابٍ وَاحدٍ، وَهيَ أُخُوَّةُ
القلوبِ وَقُوَّةُ المسلمينَ،
وَالأُخُوَّةُ الدائمةُ بها يَنَالُ الإِنسانُ أَوْثَقَ عُرَى الإِيمانِ
وَطَعْمَ الإِيمانِ وَكمالَ الإِيمانِ وَحلاوةَ الإِيمانِ، أَهْلُهَا وُجُوهُهُمْ يومَ القيامةِ نُورٌ،
وَعلى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، يُظِلُّهُم اللَّهُ في ظِلِّهِ وَيُحِبُّهُمْ، وَيَعِيشُونَ الحياةَ الطَّيِّبَ
وَيَدْخُلُونَ الجنَّةَ.
وَهكذا كانَ الصحابةُ، فقدْ قَالَ مُصْعَبٌ لأخِيهِ عُزَيْزٍ في بَدْرٍ وَهوَ أَسِيرٌ معَ أَحَدِ
المُسْلِمِينَ، وَقدْ ذَكَّرَهُ بِأُخُوَّتِهِ: (اخْسَأْ لَسْتَ أَخِي، أَخِي هُوَ الَّذِي يَقُودُكَ).
لا يَظْلِمُهُ: مَضَى معنَى الظُّلْمِ في حديثِ أبي ذَرٍّ: ((فَلا تَظَالَمُوا)).
((ولا يَخْذُلُهُ)): أيْ لا يَتْرُكُ نَصْرَهُ، بلْ يَنْصُرُهُ، وَيُدَافِعُ عنهُ، وَيَأْخُذُ لهُ حَقَّهُ،
وَيُعْطِيهِ حَقَّهُ المَطْلُوبَ لهُ. وَنَصْرُ المَظْلُومِ وَاجِبٌ، وَفي الحديثِ: ((انْصُرْ أَخَاكَ
ظَالِماً أَوْ مَظْلُوماً))، وَفي الآخَرِ: ((وَمَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ المُسْلِمِ كَانَ حِجَاباً لَهُ منَ النَّارِ)).
((ولا يَكْذِبُهُ)): أيْ لا يَكْذِبُ عَلَيْهِ وَلوْ مَازِحاً وَيُضَيِّعُ حَقَّهُ بالكَذِبِ.
وَالكذبُ: الإِتيانُ بما يُخَالِفُ الواقعَ، وَهوَ صفةٌ ذميمةٌ
اتَّصَفَ بها أَرَاذِلُ الخَلْقِ مِن الشياطينِ وَاليهودِ وَالنَّصَارَى وَالكَفَرَةِ وَالمُلْحِدِينَ
وَالمُنَافِقِينَ، وَهوَ يَهْدِي إِلى الفجورِ، وَالفجورُ يَهْدِي إِلى النارِ، وَالمُؤْمِنُ لا يَكْذِبُ.
((ولا يَحْقِرُهُ)): أيْ لا يَهْضِمُهُ حَقَّهُ، وَلا يَسْخَرُ بهِ، وَلا
يَسْتَهْزِأُ بهِ، وَلا يَعِيبُهُ، وَلا يَسْتَصْغِرُ شَأْنَهُ وَيَضَعُ مِنْ قَدْرِهِ؛ فإِنَّ أَكْرَمَ العِبَادِ
التَّقِيُّ، ((وَرُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ لَوْ أقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ))، وَالمَوَازِينُ بالتَّقْوَى.
(3) ((التَّقْوَى هَا هُنَا)): فيهِ فَضْلُ التَّقْوَى، وَأَهَمِّيَّةُ
وُجُودِهَا في القلبِ، فهيَ خيرُ لِبَاسٍ وَخَيْرُ زَادٍ، وَأَشَارَ إِلى صَدْرِهِ؛ لأنَّ القلبَ في
الصدرِ، وَإِذا صَلَحَ القلبُ صَلَحَ البدنُ، وَوُجُودُ التَّقْوَى في القلبِ وُجُودٌ في البدنِ كُلِّهِ.
((بِحَسْبِ امْرِئٍ مِن الشرِّ)): أيْ يَكْفِيهِ مِن الشَّرِّ.
((حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ)): دَمُهُ حَرَامٌ، فلا يَجُوزُ سَفْكُ
دَمِهِ، وَلوْ سَفَكَهُ لَعُوقِبَ.
وَحَرَامٌ مَالُهُ، وَلوْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ لَقُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ لَرُبَّمَا قُتِلَ عندَ قَطْعِ الطريقِ.
وَحَرَامٌ العِرْضُ، وَلو انْتَهَكَ عِرْضَهُ لَقُتِلَ حَدًّا إِنْ كانَ مُحْصَناً، أَوْ جَلْداً إِنْ لمْ يَكُنْ
مُحْصَناً، وَحُكْمُهُ حَدًّا القَذْفُ. وَ(العِرْضُ): مَكَانُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ مِن الإِنسانِ.
الفَوَائِدُ:
1- تَحْرِيمُ الحَسَدِ.
2- وُجُوبُ سلامةِ الصدرِ.
3- الحَذَرُ مِن الغَضَبِ.
4- مشروعيَّةُ الغِبْطَةِ.
5- التحذيرُ مِن التَّشَبُّهِ بالأعداءِ.
6- الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى.
7- تَحْرِيمُ النَّجْشِ.
8- وُجُوبُ التعاملِ الحَسَنِ بينَ المُسْلِمِينَ.
9- النَّهْيُ عَن الإِضرارِ بالغَيْرِ.
10- التَّحْذِيرُ مِن التَّبَاغُضِ.
11- وُجُوبُ الأُلْفَةِ وَالمَحَبَّةِ بينَ المسلمينَ.
---------------------------------------------------------------------
لا تنسونى من صالح دعائكم وجزاكم الله خيرا
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آلة وصحبة وسلم
حديث أبي هريرة: (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا...) شرح عجيب له .
عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تَحَاسَدُوا،
وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا تَبَاغَضُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَلا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا
عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَاناً. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ، وَلا يَكْذِبُهُ، وَلا
يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا -وَيُشِيرُ إِلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ- بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ
يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ. كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ)).
رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
موضوعُ الحديثِ: الأخلاقُ الإِسلاميَّةُ وَحُقُوقُ المُسْلِمِ.
المفرداتُ:
((لا تَحَاسَدُوا)): أَصْلُهَا لا تَتَحَاسَدُوا، فَحُذِفَتْ إِحْدَى التَّائَيْنِ تَخْفِيفاً.
وَالحَسَدُ: هوَ تَمَنِّي زَوَالِ النعمةِ عَن الغيرِ، وَهوَ خُلُقٌ ذَمِيمٌ اتَّصَفَ بهِ الشيطانُ
وَابنُ آدَمَ وَاليهودُ وَالمنافقونَ، وَسَبَبُهُ الغضبُ وَالحقدُ، وَضَرَرُهُ على صَاحِبِهِ أَشَدُّ
مِنْ ضَرَرِهِ على الغيرِ، وَعَوَاقِبُهُ وَخِيمَةٌ؛ فهوَ إِسَاءَةُ أَدَبٍ معَ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَرَضٌ
للقلبِ، وَاعتراضٌ على قضاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَعَدَمُ الرِّضَا بِمَا قَضَاهُ اللَّهُ وَقَدَّرَهُ، وَالإِصابةُ
بداءِ الأُمَمِ، وَعَدَمُ أداءِ حقوقِ المسلمِينَ.
وَمنهُ المَحْمُودُ، وَهوَ الغِبْطَةُ: وَهيَ تَمَنِّي أَنْ يَكُونَ لهُ مِثْلُ مَا لأَخِيهِ مِنْ غيرِ تَمَنِّي زَوَالِهَا عَنْ أَخِيهِ.
((ولا تَنَاجَشُوا)): النَّجْشُ هوَ الزيادةُ، وَالمرادُ: الزيادةُ في البيعِ لا مِنْ أَجْلِ الشراءِ، لكنْ مِنْ أجلِ نَفْعِ البائعِ وَالإِضرارِ
بالمُشْتَرِي. وَهذا لا يَجُوزُ؛ لأنَّهُ مِن الضررِ المَنْهِيِّ عنهُ. وَقِيلَ: المرادُ الخِدَاعُ
في جميعِ المعاملاتِ مِنْ غِشٍّ وَاحْتِيَالٍ وَغَيْرِهَا. وَفي النَّهْيِ حِمَايَةٌ للأنفسِ وَحمايَةٌ
للأموالِ وَحمايَةٌ للغيرِ.
((ولا تَبَاغَضُوا)): أيْ لا تَتَعَاطَوْا أَسْبَابَ التَّبَاغُضِ فَيُبْغِضَ
بَعْضُكُمْ بَعْضاً، بلْ يُحِبُّهُ.
قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحُجُرَات: 10].
وَالشيطانُ يَسْعَى إِلى تَبْغِيضِ بَعْضِهِمْ إِلى بعضٍ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ
أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة: 91 ].
وَقدْ يَئِسَ أنْ يَعْبُدَهُ الناسُ في جزيرةِ العَرَبِ، وَلكنْ في التَّحْرِيشِ بينَهُم.
وَقدْ أَلَّفَ الإِسلامُ بينَ القلوبِ حتَّى أَصْبَحَ المؤمنونَ إِخْوَةً يُحِبُّ بَعْضُهُمْ بَعْضاً
وَيُؤْثِرُهُ على نَفْسِهِ كَمَا حَصَلَ بينَ المهاجرينَ وَالأنصارِ وَغيرِهِم.
وَمِنْ أَسْبَابِ التَّبَاغُضِ:
النَّمِيمَةُ بينَ الناسِ وَالسُّخْرِيَةُ وَالتَّنَابُزُ بالألقابِ وَغيرُهَا.
((ولا تَدَابَرُوا)): التَّدَابُرُ: هوَ التَّهَاجُرُ وَالتَّقَاطُعُ،
وَمعناهُ: أيْ لا يُوَلِّي أَحَدُكُم الآخرَ دُبُرَهُ مِنْ إِعْرَاضِهِ عنهُ وَكراهِيَتِهِ لهُ مِنْ أجلِ
دُنْيَا وَعَرَضٍ زَائِلٍ، وَيُقَاطِعُهُ يَهْجُرُهُ، وَالتَّدَابُرُ مُحَرَّمٌ، وَسَبَبٌ في رَفْعِ الخيرِ،
وَحِرْمَانٌ مِنْ عَرْضِ العملِ على اللَّهِ تَعَالَى.
وَالهَجْرُ صِفَةُ أهلِ النارِ؛ لأنَّهُم في جَهَنَّمَ يَتَخَاصَمُونَ، كُلَّمَا
دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا،
وَإِنَّمَا يَأْلَفُهُ وَيُوَاجِهُهُ وَيُقَابِلُهُ، وَهذهِ صفةُ أهلِ الجنَّةِ، على سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ.
(1) ((ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ)): أيْ لا يَبِيعُ سِلْعَةً بَاعَهَا أَخُوهُ المُسْلِمُ
فَيَجْعَلَ المُشْتَرِيَ يَتْرُكُ السلعةَ الأُولَى، وَيَجْعَلَ البائعَ يَبْغَضُ المُشْتَرِيَ لِعَدَم
الْتِزَامِهِ بالبيعِ، وَيَبْغَضُ مَنْ دَخَلَ في العقدِ،
فَيَقُولُ: أَبِيعُكَ سِلْعَةً أَحْسَنَ مِنْ هذهِ السلعةِ أَوْ أَرْخَصَ منها، فَيَكُونُ في ذلكَ تَعَدٍّ على حقِّ الغيرِ وَزَرْعٌ للأحقادِ، وَهذا لا يَجُوزُ.
(2) ((وكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَاناً)): أَمَرَ بأنْ يَلْتَزِمَ
الإِنسانُ العبوديَّةَ للَّهِ تَعَالَى. وَمِنْ مُقْتَضَيَاتِهَا أنْ يَعْرِفَ حقَّ الأُخُوَّةِ في اللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحُجُرات: 10 ]، وَقالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ...)) الحديثَ.
وَقالَ صلى الله علية وسلم : ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَنْ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا...)) الحديثَ.
((المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ)): هذهِ أُخُوَّةُ الدِّينِ، وَهيَ أَقْوَى
العُرَى وَأَعْظَمُ الروابطِ؛ بدَوَامِهَا وَمَتَانَتِهَا وَقُوَّتِهَا. وَأُخُوَّةُ الدينِ أَقْوَى مِنْ
أُخُوَّةِ النَّسَبِ؛ لأنَّها تَرْبِطُهُمْ
بِرَبٍّ وَاحدٍ، وَبِدِينٍ وَاحدٍ، وَبِنَبِيٍّ وَاحدٍ، وَبِطَرِيقٍ وَاحدٍ، وَبِكِتَابٍ وَاحدٍ، وَهيَ أُخُوَّةُ
القلوبِ وَقُوَّةُ المسلمينَ،
وَالأُخُوَّةُ الدائمةُ بها يَنَالُ الإِنسانُ أَوْثَقَ عُرَى الإِيمانِ
وَطَعْمَ الإِيمانِ وَكمالَ الإِيمانِ وَحلاوةَ الإِيمانِ، أَهْلُهَا وُجُوهُهُمْ يومَ القيامةِ نُورٌ،
وَعلى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، يُظِلُّهُم اللَّهُ في ظِلِّهِ وَيُحِبُّهُمْ، وَيَعِيشُونَ الحياةَ الطَّيِّبَ
وَيَدْخُلُونَ الجنَّةَ.
وَهكذا كانَ الصحابةُ، فقدْ قَالَ مُصْعَبٌ لأخِيهِ عُزَيْزٍ في بَدْرٍ وَهوَ أَسِيرٌ معَ أَحَدِ
المُسْلِمِينَ، وَقدْ ذَكَّرَهُ بِأُخُوَّتِهِ: (اخْسَأْ لَسْتَ أَخِي، أَخِي هُوَ الَّذِي يَقُودُكَ).
لا يَظْلِمُهُ: مَضَى معنَى الظُّلْمِ في حديثِ أبي ذَرٍّ: ((فَلا تَظَالَمُوا)).
((ولا يَخْذُلُهُ)): أيْ لا يَتْرُكُ نَصْرَهُ، بلْ يَنْصُرُهُ، وَيُدَافِعُ عنهُ، وَيَأْخُذُ لهُ حَقَّهُ،
وَيُعْطِيهِ حَقَّهُ المَطْلُوبَ لهُ. وَنَصْرُ المَظْلُومِ وَاجِبٌ، وَفي الحديثِ: ((انْصُرْ أَخَاكَ
ظَالِماً أَوْ مَظْلُوماً))، وَفي الآخَرِ: ((وَمَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ المُسْلِمِ كَانَ حِجَاباً لَهُ منَ النَّارِ)).
((ولا يَكْذِبُهُ)): أيْ لا يَكْذِبُ عَلَيْهِ وَلوْ مَازِحاً وَيُضَيِّعُ حَقَّهُ بالكَذِبِ.
وَالكذبُ: الإِتيانُ بما يُخَالِفُ الواقعَ، وَهوَ صفةٌ ذميمةٌ
اتَّصَفَ بها أَرَاذِلُ الخَلْقِ مِن الشياطينِ وَاليهودِ وَالنَّصَارَى وَالكَفَرَةِ وَالمُلْحِدِينَ
وَالمُنَافِقِينَ، وَهوَ يَهْدِي إِلى الفجورِ، وَالفجورُ يَهْدِي إِلى النارِ، وَالمُؤْمِنُ لا يَكْذِبُ.
((ولا يَحْقِرُهُ)): أيْ لا يَهْضِمُهُ حَقَّهُ، وَلا يَسْخَرُ بهِ، وَلا
يَسْتَهْزِأُ بهِ، وَلا يَعِيبُهُ، وَلا يَسْتَصْغِرُ شَأْنَهُ وَيَضَعُ مِنْ قَدْرِهِ؛ فإِنَّ أَكْرَمَ العِبَادِ
التَّقِيُّ، ((وَرُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ لَوْ أقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ))، وَالمَوَازِينُ بالتَّقْوَى.
(3) ((التَّقْوَى هَا هُنَا)): فيهِ فَضْلُ التَّقْوَى، وَأَهَمِّيَّةُ
وُجُودِهَا في القلبِ، فهيَ خيرُ لِبَاسٍ وَخَيْرُ زَادٍ، وَأَشَارَ إِلى صَدْرِهِ؛ لأنَّ القلبَ في
الصدرِ، وَإِذا صَلَحَ القلبُ صَلَحَ البدنُ، وَوُجُودُ التَّقْوَى في القلبِ وُجُودٌ في البدنِ كُلِّهِ.
((بِحَسْبِ امْرِئٍ مِن الشرِّ)): أيْ يَكْفِيهِ مِن الشَّرِّ.
((حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ)): دَمُهُ حَرَامٌ، فلا يَجُوزُ سَفْكُ
دَمِهِ، وَلوْ سَفَكَهُ لَعُوقِبَ.
وَحَرَامٌ مَالُهُ، وَلوْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ لَقُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ لَرُبَّمَا قُتِلَ عندَ قَطْعِ الطريقِ.
وَحَرَامٌ العِرْضُ، وَلو انْتَهَكَ عِرْضَهُ لَقُتِلَ حَدًّا إِنْ كانَ مُحْصَناً، أَوْ جَلْداً إِنْ لمْ يَكُنْ
مُحْصَناً، وَحُكْمُهُ حَدًّا القَذْفُ. وَ(العِرْضُ): مَكَانُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ مِن الإِنسانِ.
الفَوَائِدُ:
1- تَحْرِيمُ الحَسَدِ.
2- وُجُوبُ سلامةِ الصدرِ.
3- الحَذَرُ مِن الغَضَبِ.
4- مشروعيَّةُ الغِبْطَةِ.
5- التحذيرُ مِن التَّشَبُّهِ بالأعداءِ.
6- الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى.
7- تَحْرِيمُ النَّجْشِ.
8- وُجُوبُ التعاملِ الحَسَنِ بينَ المُسْلِمِينَ.
9- النَّهْيُ عَن الإِضرارِ بالغَيْرِ.
10- التَّحْذِيرُ مِن التَّبَاغُضِ.
11- وُجُوبُ الأُلْفَةِ وَالمَحَبَّةِ بينَ المسلمينَ.
---------------------------------------------------------------------
لا تنسونى من صالح دعائكم وجزاكم الله خيرا
أمس في 2:19 pm من طرف عبدالله الآحد
» فضل توحيد الله سبحانه
الجمعة نوفمبر 22, 2024 3:20 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب الدعوة إلى توحيد الله سبحانه
الخميس نوفمبر 21, 2024 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد