الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات))، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات))رواه البخاري برقم (2615)، ومسلم برقم (145).
ترجمة راوي الحديث:
أبو هريرة الدوسي الصحابي الجليل حافظ الصحابة، اختلف في اسمه فقيل: عبد الرحمن بن صخر، وقيل: ابن غنم، وقيل غير ذلك، قال النووي في مواضع من كتبه: "اسم أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر على الأصح من ثلاثين قولاً"1، وقال القطب الحلبي: "اجتمع في اسمه واسم أبيه أربعة وأربعون قولاً مذكورة في الكنى للحاكم، وفي الاستيعاب، وفي تاريخ ابن عساكر"2،وذهب الأكثرون إلى الأول، مات سنة تسع وخمسين من الهجرة.
شرح مفردات الحديث:
الاجتناب: هو الابتعاد وعدم المقاربة.
الموبقات: قال الإمام النووي رحمه الله: "هي المهلكات، يُقال: (وبق الرجل) بفتح الباء (وبق) بكسرها، و(وبق) بضم الواو وكسر الباء (يوبق) إذا هلك، و(أوبق) غيره أي أهلكه"3.
السحر: "عزائمُ ورقىً وعُقدٌ تؤثر في الأبدان والقلوب فيُمرض، ويقتل، ويُفَرِّق بين المرء وزوجه، ويأخذ أحد الزوجين عن صاحبه"4.
الربا: "اختلفت تعريفات الفقهاء للربا باختلاف المذاهب، وعرَّفه الشافعية بقولهم: عقد على عوض مخصوص غير معلوم التّماثل في معيار الشّرع حالة العقد، أو مع تأخير في البدلين، أو أحدهما"5.
اليتيم: في اللغة هو الانفراد، وفي الشرع هو من مات عنه أبوه دون الحلم أي قبل أن يبلغ، وما بعد البلوغ لا يسمى يتيماً على الراجحقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "اليتيم في الآدميين من فقد أباه؛ لأن أباه هو الذي يهذبه، ويرزقه، وينصره بموجب الطبع المخلوق، ولهذا كان تابعاً في الدين لوالده، وكان نفقته عليه، وحضانته عليه"6.
التولي يوم الزحف: أي الفرار والهرب من المعركة حال قتال العدو.
القذف: هو الرمي والاتهام.
المحصنات: هن العفيفات الطاهرات، المجتنبات للفواحش.
الغافلات: أي الغافلات عن الفواحش، وما قذفن به.
المعنى الإجمالي للحديث:
يُحذِّر النبي صلى الله عليه وسلم أمته في هذا الحديث من الوقوع في الذنوب المهلكة، والكبائر العظيمة التي تورد صاحبها المهالك،
حيث عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم سبعاً من هذه الذنوب والكبائر وهي ليست للحصر، بل قد وردت نصوص أخرى بذكر بعض الكبائر والذنوب كعقوق الوالدين، والظلم، وشهادة الزور، وغيرها كثير.
وقد صنَّف العلماء قديماً وحديثاً في باب الكبائر والذنوب والمهلكات ومنهم الإمام الذهبي رحمه الله الذي صنف كتاب "الكبائر"، والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله له كتاب بعنوان الكبائر
وهذا يدل على خطر الوقوع فيها، مما يستلزم الحذر منها، والمسارعة إلى التوبة، والاستغفار، والإنابة إلى الله تعالى عند الوقوع فيها
يقول الله سبحانه: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً *يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}(الفرقان:68-70).
الموبقة الأولى:
الإشراك بالله: وهو جعل شريك لله سبحانه وتعالى في ربوبيته أو إلهيته، والغالب الإشراك في الألوهية؛ بأن يدعو مع الله غيره، أو يصرف له شيئاً من أنواع العبادة كالذبح، أو النذر، أو الخوف، أو الدعاء
والشرك نوعان:
الأول: شرك أكبر يخرج من الإسلام، ويخلد صاحبه في النار إذا مات، ولم يتب منه، وهو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كدعاء غير الله، والتقرب بالذبح والنذر لغير الله من القبور والجن، والخوف من الموتى أو الجن أن يضروه أو يمرضوه، ورجاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من قضاء الحاجات، وتفريج الكربات مما يفعل الآن حول قبور الصالحين وغيرهم
قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}(يونس:18).
والنوع الثاني: شرك أصغر لا يخرج من الإسلام لكنه ينقص التوحيد، وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر،
وهو قسمان:
القسم الأول شرك ظاهر وهو (ألفاظ وأفعال)، فالألفاظ: كالحلف بغير الله
كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك))7، ونحو قوله صلى الله عليه وسلم لما قال له رجل: ما شاء الله وشئت، فقال(أجعلتني لله نداً قل ما شاء الله وحده))8،
وأما القسم الثاني من الشرك الأصغر: فهو شرك خفي، وهو الشرك في الإرادات والنيات بالرياء والسمعة، كأن يعمل عملاً مما يتقرب به إلى الله تعالى يريد به ثناء الناس عليه، مثل أن يحسن صلاته، أو يتصدق لأجل أن يُمدح ويُثنى عليه، والرياء إذا خالط العمل أبطله
قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}(الكهف:110)،
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر)) قالوا: يا رسول الله وما الشرك الأصغر؟ قال(الرياء))9"10.
والشرك بالله هو أحد أكبر الكبائر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر)) ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله...)) رواه البخاري برقم (2511)، ومسلم برقم (87)
وهو الذنب الذي لا يغفره الله تعالى لمن مات ولم يتب منه، بل يكون مصير صاحبه النار كما قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً}(النساء:48)، وقال تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}(المائدة:72)، وذلك لأن الشرك فيه مشابهة للخالق الكامل من جميع الوجوه بالمخلوق الضعيف الناقص.
الموبقة الثانية: السحر:وقد تقدم تعريف السحر بأنه عزائمُ ورقىً وعُقدٌ تؤثر في الأبدان والقلوب فيمرض، ويقتل، ويُفَرِّق بين المرء وزوجه، ويأخذ أحد الزوجين عن صاحبه، وعرَّفه بعض المعاصرين بأنه: "عبارة عن أمور دقيقة موغلة في الخفاء، يمكن اكتسابها بالتعلم، تشبه الخارق للعادة، وليس فيها تحد، أو تجري مجرى التمويه والخداع، تصدر من نفس شريرة تؤثر في عالم العناصر بغير مباشرة أو بمباشرة"11.
وقد اختلف في السحر هل له حقيقة أم لا؟
فالقول الأول:
أن السحر له حقيقة وتأثير، وهذا ثابت بالكتاب والسنة يقول الإمام النووي رحمه الله: "والصحيح أن له حقيقة، وبه قطع الجمهور، وعليه عامة العلماء، ويدل عليه الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة. انتهى"12،
وقال القرطبي رحمه الله: "ذهب أهل السنة إلى أن السحر ثابت، وله حقيقة..."13، والأدلة على ذلك من القرآن: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ}(البقرة:102)،ووجه الدلالة من هذه الآية أن الله تعالى أخبر أن للسحر آثارً حقيقة، ومنها أنه يتم بواسطته التفريق بين المرء وزوجته، وأن ما يتعلمونه ما هو إلا ضرر لا نفع فيه.
ومن الأدلة أيضاً قوله تعالى:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}(الفلق:1-5)، ووجه الدلالة أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة من شر النفاثات وهن السواحر، كما أن جمهور المفسرين اتفقوا على أن سبب نزول هذه السورة هو ما قام به لبيد بن الأعصم اليهودي لعنه الله من سحر النبي صلى الله عليه وسلم.
والأدلة من السنة:
ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: "سَحَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق يُقال له "لبيد بن الأعصم" حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخيَّل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي لكنه دعا ودعا ثم قال: ((يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه، أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب، قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة، وجف طلع نخلة ذكر، قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان))
أما عن حكم السحر .
فقد قال الحافظ ابن حجر :
وقد دلت آية البقرة وهي قول الله تعالى :
{وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [البقرة:102]
على أن السحركفرٌ ومتعلمة كافرُ أي الساحر وهو واضح في بعض الأنواع وهو التعبُد للشياطين أو للكواكب وأما النوع الآخر الذي هو من باب الشعوذة فلا يكَّفر به أصلاً.
وهنا يثور سؤال خطير وهو : من الذي كفَّر سليمانَ ولماذا ؟
وأود أن أتوقف قليلاً مع آيات السحر في سورة البقرة باعتبارها العمدةُ في الأحكام التي تتعلق بالسحر ولأن بعض كتب التفسير قد شحنت بكثير من الأخبار الموضوعة المكذوبة في تفسير هذه الآيات .
وسببُ نزول هذه الآيات أن الله تعالى أنزل إلى بني إسرائيل شريعة مباركة طيبة هي شريعة التوراة فتركوها ونبذوها وإشتغلوا بالسحر الذي يعبدّهم للشيطان .
فلما جاءتهم الشريعة الغراء التي أنزلها الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم استمروا على ضلالهم في إتباع السحر والإعراض عن الشريعة وزعموا أن نبي الله سليمان إنما سُخرت له الجن والإنس والطير بالسحر فأنزل الله هذه الآيات ذاماً لهم مبيناًَ كفرهم وضلالهم مبرئاً عبده ونبيه سليمان مما رماه به أهل الضلال والبهتان .
وذكر ابن الجوزي في زاد المسير قولاً عن ابن إسحاق في سبب نزولها فقال : إنه لما ذكر سليمان في القرآن قالت يهود المدينة ألا تعجبون لمحمد يزعم أن ابن داود كان نبياً ؟ والله ما كان إلا ساحراً فنزلت الآية .
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني :
اختلف في المراد بالآية فقيل إن سليمان كان قد جمع كتب السحر والكهانة فدفنها تحت كرسيه فلم يكن أحد من الشياطين ليستطيع أن يدنو من الكرسي فلما مات سليمان وذهبت العلماء الذين يعرفون الأمر جاءهم الشيطان في صورة إنسان فقال لليهود هل أدلكم على كنز سليمان الذي لا نظير له ؟!
قالوا : نعم .
قال : فأحضروا تحت الكرسي فحضروا فوجدوا تلك الكتب .
فقال لهم : إن سليمان كان يضبط الجن والإنس بهذا فَفَشَا بينهم أن سليمان كان ساحراً.
فلما نزل القرآن يذكر سليمان في الأنبياء أنكرت اليهود ذلك وقالوا ألا تعجبون لمحمد يزعم أن ابن داود كان نبياً ؟ والله ما كان إلا ساحراً ، فنزلت هذه الآية .
والأثر أخرجه الطبري وغيره عن السُدى ومن طريق سعيد بن جبير نحوه بسند صحيح ومن طريق عمران بن الحارث عن ابن عباس موصولاٍ بمعناه .
وأما ما ذكره أهل الأخبار ونقله المفسرون في قصة هاروت وماروت وما روى عن علي وابن عباس وغيرهما فهذا كله من كذب اليهود وافترائهم وبم يُنقل في هذا خبرُ صحيحُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
يقول الحافظ ابن كثير:
والأحاديث والآثار الواردة في قصة هاروت وماروت حاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل فيها حديثُ مرفوع صحيحُ متصلُ الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى .
وظاهر سياق القرآن هو إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى والله أعلم بحقيقة الحال .
وأما تعليمُ الملكين السحرَ للناس بصريح النص القرآني فهذا من باب الفتنة والاختبار والابتلاء .
ولله أن يختبر عباده بما يشاء وقد خلق الله إبليس الذي هو أصلُ الشر كله ونهى العباد عن متابعته وحذر منه واختبر جيش طالوت بعدم الشرب من النهر والملكان ليسا بعاصيينّ لله في حال تعليمهما السحر للناس بل هما مطيعان لله ، وذلك أنهما مكلفان بهذا من الله تعالى ابتلاءً واختباراً من الله لعباده .
والخلاصة أن الآية قد دلت على أن السحر كفر وأن الساحر كافر وهذا بلا خوف متعلق بالسحر الحقيقي الذي يعتمد فيه الساحر على الكفر بالله العظيم والاستعانة بعبادة الجن والشياطين والنجوم والكواكب وكلما ازداد الساحر كفراً أو شركاً ازداد الجني والشيطان له طاعة .
ويقول حافظ حكمي في المعرج :
وقد عُلم أن السحر لا يُعمل إلا مع كفر بالله وهذا معلوم من سبب نزول الآية .
ويقول الإمام النووي رحمه الله تعالى :
عملُ السحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع وقد عدَّه النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات ومنه ما يكون كفراً ومنه ما لا يكون كفراً بل معصية كبيرة فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر وإلا فلا .
وقال القرطبي : قال أهل الصناعة إن السحر لا يتم إلا مع الكفر والشرك أو التعظيم للشيطان فالسحر إذن دال على الكفر على هذا التقدير .
وقال صاحب تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد :
(( لما كان السحر من أنواع الشرك إذ لا يتأتى السحر بدون الشرك أدخله المصنف في كتاب التوحيد ليبين ذلك تحذيراً )) ، كما ذكر غيره من أنواع الشرك .
وقال ابن عابدين :
ولعل ما نُقل عن الأصحاب أي القول بكفر الساحر مبني على أن السحر لا يتم إلا بما هو كفر كما يفيده قوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ}
ومن ثم كان حدَّ الساحر في الإسلام هو القتل .
وفي سنن أبي داود عن بجالة بن عَبَدَه قال :
كتب عمر بن الخطاب أن اقتلوا كل ساحر وساحرة .
بجالة بن عبدة هو التميمي العنبري تابعي ثقة .
(( حد الساحر ضربه بالسيف )) فهو حديث ضعيف
وبهذا القول قال مالك وأحمد وأبو حنيفة وقال من الصحابة عمرو ثمان وابن عمر وحفصه وغيرهم .
ولم ير الشافعي القتل للساحر بمجرد السحر إلا من عمل سحره ما يبلغ الكفر وهو رواية عن أحمد بن حنبل أيضاً .
وقد يسأل الآن سائل ويقول فلماذا لم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم لبيد بن الأعصم الذي سحره والجواب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بينه وبين يهود عهدُّ فلو قتله لنقضيه مع كل ما أظهروه من كيد للمسلمين وطعن فيهم وفي دينهم حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ومن المعلوم أن لبيد بن الأعصم كان حليفاً ليهود وكان مناقضاً كما ثبت في الرواية الصحيحة في صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أما حكمُ ساحرِ أهل الكتاب فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى عدم قتل ساحر أهل الكتاب إلا إذا قتل بسحره .
أما الإمام أبو حنيفة فقد قال بوجوب قتل ساحر أهل الكتاب ولم يفرق بينه وبين الساحر المسلم .
وخالف أبو حنيفة الأئمة الثلاثة : أيضاً في حكم المرأة الساحرة بأنها لا تقتل ، أما هم فقالوا بوجوب قتلها ولم يفرقوا بين الرجل والمرأة لعدم وجود الدليل الذي يفرق بينهما .
وقد اختلف العلماء في توبة الساحر هل تقبل أو لا تقبل ؟!
والصحيح إن شاء الله تعالى أنه لم يسد باب التوبة على أحد من خلقه على الإطلاق بل أن المشرك لو تاب تاب الله عليه .
وقد أخبرنا القرآن أن سحرة فرعون كفروا بالله عز وجل وتابوا إلى الله وقبل توبتهم
فماذا عن حكم من يذهبُ إلى السحرة والعرافين والكهان :
والجواب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي صحيح مسلم من حديث حفصه رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أتى عرافاً فسأله عن شيء ( وفي لفظ أحمد ) فصدقه بما يقول، لم تقبل له صلاة أربعين يوماً))
وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والبيهقي والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي وصححه شيخنا الألباني في الإرواء من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)).
قال صاحب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد : وظاهر الحديث أنه يكفر متى اعتقد صدق العراف أو الكاهن بأي وجه كان .
وفي الحديث الذي رواه البزار بإسناد جيد كما قال الحافظ في الفتح ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن وهذا لفظ رواية البزار عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( ليس منا من تطيّر أو تطيّر له أو تكهن أو تُكُهِّن له أو تسحر أو سُحر له ومن أنى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)) .
قال صاحب فتح المجيد : قوله : ليس منا ( فيه : وعيد شديد يدل على أن هذه الأمور من الكبائر.
فمن هو العراف ومن هو الكاهن ؟
قال البغوي :
العراف هو الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : إن العراف اسمُ للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق .
وقال الإمام أحمد :العرافة طَرف من السحر والساحر .
وقال أبو السعادات : العراف هو المنجم .
أما الكاهن فهو الذي يَّدعي علم الغيب .
وهنا يثور في الصدر سؤال قد يستحي صاحبه أن يسأل عنه ألا وهو ولكن بعض هؤلاء العرَّافين والكُهَّان قد يخبرون عن شيء فيكون صحيحاً ويقع كما أخبروا تماماً فما تفسير هذا ؟
ونقول بقد سئل رسول الله هذا السؤال ففي صحيح مسلم من حديث عائشة قالت سأل أُناس رسول الله عن الكهان .
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ليسوا بشيء ))
قالوا : يا رسول الله فإنهم يحدثونا أحياناً الشيء يكون حقاً ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقذفها ، وفي رواية – فيقرها في أذُن وليه قرَّ الدجاجة [أي يرددها في أذن الكاهن] فيخلطون فيها مائة كذبة)
وأخيراً نحني جباهنا ذلاً وشكراً لله جل وعلا أن جعلنا موحدين نعلم يقيناً أن الأمر كله لله وأن الملك لله وأنه لا يقع شيء في هذا الكون كله إلا بأمره وتحت سمعه وبصره بل وما من ورقة تسقط من شجرة في هذا الكون كله إلا بعلمه جلا وعلا .
قال تعالى : {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [الأنعام:59].
نعلم يقيناً أنه لا تستطيع قوة على ظهر الأرض أن تضر ولا تنفع إلا بإذن الله جل وعلا .
والأصل في هذا كله قول الله جل وعلا والنص يريح القلوب المطمئنة ويطمئن النفوس الحائرة .
قالا تعالى : {وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ} [البقرة:102]
الله أكبر ... ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .
ولو اجتمع سحرة أهل الأرض لا يستطيعون أن يؤثروا بسحرهم في مخلوق إلا بإذن الله .
فوجَّه قلبك إلى ملك الملوك وجبار السموات والأرض وتوكل عليه وثق به فهو المرتجي والملاذ ولا حول ولا قوة إلا به .
من توكل عليه كفاه ومن اعتصم به نجاه ومن فوض إليه الأمر هداه
قال تعالى : {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}
وقال تعالى : {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}
يا صاحب الهم إن الهم منفرج ..... ابشر بخير فإن الفارج الله .
ومن أجمل ما قاله الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه القيم تلبيس إبليس قال حكي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه : ما تصنع بالشيطان إذا سول لك الخطايا ؟
قال التلميذ : أجاهده .
قال الشيخ : فإن عاد؟! قال : أجاهده .
قال الشيخ : فإن عاد؟! قال : أجاهده .
فقال الشيخ : هذا يطول يا بني ولكن إن مررت بغنم فنبحك كلبها أو منعك من العبور فماذا تصنع ؟
قال : أجاهده قال : يا بني هذا أمر يطول ، استعن برب الغنم يكفك كلابه .
فاستعن بالله أيها الحبيب والجأ إليه فهذا هو الحصن الحصين والملاذ المكين ولما كان الله هو خالقنا فتحصن به هو الذي يعلم ضعفنا وعجزنا فقد تفض علينا بحصون وحروز ولكننا كثيراً ما نغفل عن الدواء إلا إذا حل بنا الداء فهيا إلى الحصون التي نتقي بها شر السحر والسحرة
إن أعظم طريق للوقاية من السحر ومس الجن وربط الرجل عن زوجته ما يلي :
أولا : تحقيق التوحيد لله العزيز الحميد وإخلاص العبودية لله جل وعلا والتوكل عليه تبارك وتعالى .
فقلب الموحد قد أشرق فيه مصباح التوحيد وأزهر فيه نور الإيمان ومن ثم خرج منه الخوف من كل أحد إلا من الله جل وعلا .
بل لا ينفرد بالمحبة والخوف إلا الله .
صاحب هذا القلب كما يقول ابن تيمية : في جنة وهو في الدنيا .. في جنة وهو في البرزخ ... في جنة وهو في الآخرة .
إن قوة الإيمان في القلب تضعف الشيطان وكلما زاد إيمان العبد وأخلص العبادة لله ضعف تسلط الشيطان عليه .
فها هو فاروق الأمة عمر رضي اله عنه كان الشيطان يهرب منه كما جاء في البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : استأذن عمرُ على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يكلمنه – وفي رواية : يسألنه ويستكثرنه – عاليةً أصواتهن على صوته فلما استأذن عمر قمن يَبتَدْرِنَ الحجاب ، فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عمر والنبي صلى الله عليه وسلم يضحك .
فقال عمر : أضحك الله سنك (*) بأبي أنت وأمي ما أضحكك ؟ قال (( عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي ، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب )) .
قال عمر : فأنت يا رسول الله لأحق أن يهبن ، ثم قال عمر : أي عدوات أنفسهن ، أتهبنني ولا تهبن النبي صلى الله عليه وسلم ؟
قلن : نعم ، أنت أفظ وأغلظ من النبي عليه الصلاة والسلام .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إيه يا ابن الخطاب ، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجا إلا سلك فجاً غير فجك )) .
والفج : المسلك والطريق فالشيطان يهرب ويفر حتى من الطريق الذي يسير فيه عمر هرباً من قوة إيمانه رضي الله عنه .
وساق ابن الجوزي في كتابه القيم تلبيس إبليس قصة تبين ما نقول بوضوح .
قال: كانت شجرة تُعبد من دون الله فجاء إليها رجل فقال : لأقطعن هذه الشجرة فجاء ليقطعها غضباً لله فلقيه إبليس في صورة إنسان فقال : ما تريد ؟
قال : أريد أن أقطع هذه الشجرة التي تُعبد من دون الله .
قال : إذا أنت لم تعبدها فما يضرك من عبدها ؟
قال : لأقطعنها ، فقال له الشيطان : هل لك فيما هو خير لك !! لا تقطعها ولك ديناران كل يوم إذا أصبحت عند وسادتك !!
قال : فمن أين لي بذلك ؟
قال : أنا لك .
فرجع فأصبح فوجد دينارين عند وسادته ثم أصبح بعد ذلك فلم يجد شيئاً ، فقام غضباً ليقطعها فتمثل له الشيطان في صورته وقال : ما تريد ؟
قال : أريد قطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله تعالى .
قال : كذبت مالك إلى ذلك سبيل .
فذهب ليقطعها فضرب به الأرض وخنقه حتى كاد أن يقتله ، قال : أتدري من أنا ؟ أنا الشيطان جئت أول مرة غضباً لله فلم يكن لي عليك سبيل ، فخدعتك بالدينارين فتركتها ، فلما جئت غضباً للدينارين سلطت عليك !!
فتدبر يا عبد الله !!
قال تعالى :{ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ{99} إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ{100} [النحل :99-100]
فإن الشيطان لا سلطان له عليهم فقال سبحانه : {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [ الحجر :42]
ثانيا : كثرة ذكر الله جل وعلا
فالذكر يضعف الشيطان ويقوي الإيمان ويرضي الرحمن وهو الركن الركين والحصن الحصين الذي يتحصن به الإنسان من الشيطان الرجيم .
وفي حديث الحارث الأشعري الطويل وهو حديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((.. وآمركم أن تذكروا الله فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً حتى إذا أتى على حصن حصين أحرز نفسه منهم وكذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله عز وجل ))
وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الشعري رضي الله عنه أن الحبيب النبي قال: (( مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت ))
ثالثاً : قراءة سورة البقرة
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي قال: (( .... لا تجعلوا بيوتكم مقابر ، إن الشيطان يفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة))
رابعاً : قراءة آية الكرسي إذا أويت إلى فراشك
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني أتٍ فجعل يحثوا من الطعام فأخذته وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني محتاج وعلىّ عيالٌ ولي حاجة شديدة قال: فخليتُ عنه فأصبحتُ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة ؟ )).
قال : قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله .
قال : (( أما إنه قد كذبك وسيعود )) .
فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه سيعود فرصدته فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال دعني فإني محتاج وعليّ عيال ، لا أعود .
فرحمته فخليت سبيله فأصبحت .
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يا أبا هريرة ما فعل أسيرك ؟ )) .
قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله .
قال : (( أما قد كذبك وسيعود )) .
فرصدته الثالثة فجعل يحثو من الطعام فأخذته .
فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا آخر ثلاث مرات تزعم أنك لا تعود ثم تعود.
قال دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها .
قلت ما هن ؟
قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي (({اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ})) حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح .
فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ما فعل أسيرك البارحة ؟ )).
قلت : يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله .
قال : (( ما هي ؟ ))
قلت قال لي، إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وقال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، وكان أحرص شيء على الخير فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( أما إنه قد صدقك وهو كذوب ، تعلم من تخاطب مُذ ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟ قال: لا قال: ((ذاك شيطان)).
خامساً : قراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة .
من قوله تعالى : {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ} إلى آخر السورة .
ففي صحيح البخاري من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه ))
أي من كل شر وسوء من الشياطين .
سادساً : قراءة المعوذات
ففي البخاري عن عائشة أن النبي كان إذا آوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما : {قل هو الله أحد} و : {قل أعوذ برب الفلق} و {قل أعوذ برب الناس } ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات .
وعن عبد الله بن خبيب رضي الله عنه قال : خرجنا في ليلة مطيرة وظلمة شديدة فطلبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي لنا فأدركته فقال : (( قل )) فلم أقل شيئاً . ثم قال : ((قل)) فلم أقل شيئاً ، قال ((قل)) فقلت : ما أقول ؟ قال: (( قل هو الله أحد ، والمعوذتين ، حين تمسي وتصبح ثلاث مرات يكفيك من كل شيء ))
وفي رواية (( ما تعوذ الناس بأفضل منها ))
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: بينا أنا أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته في غزوة إذ قال: (( يا عقبة قل )) فاستمعت ، ثم قال (( يا عقبة قل )) فاستمعت ، فقالها الثالثة : فقلت : ما أقول ؟ فقال : (( قل هو الله أحد)) فقرأ السورة حتى ختمها ، ثم قرأ (( قل أعوذ برب الفلق )) وقرأت معه حتى ختمها ثم قرأ: ((قل أعوذ برب الناس )) فقرأت معه حتى ختمها ثم قال: (( ما تعوذ بمثلهن أحدٌ)) ([6]).
سابعاً : روى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومُحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك )).
وأخيراً روى البخاري من حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( من تصبَّحَ سبعُ تمرات عجوة لم تُضره لك اليوم سمُّ ولا سحر)) وفي رواية ((من تمر العالية)) وهي في المدينة .
هذه هي الحصون والحروز التي يتقي بها الإنسان من السحر والمس والربط بإذن
الله جل وعلا .
فما هو علاج من سُحِرَ فعلاً :
أولاً : لابد أن يحافظ على هذه الأذكار التي ذكرناها آنفاً .
ثانياً : حلَّ السحر من المسحور بالرقية الشرعية كما قال ابن القيم .
الأولُ: حلُ السحر بسحر مثله وهذا هو الذي من عمل الشيطان فيتقرب الناشر والنتشر إلى الشيطان بما يحب فيبطل عمله عن المسحور. [وهذه من عمل الشيطان بلا شك]
أما النوع الثاني : هو النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات المباحة فهذا جائز .
هذا ما رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه ))
وفيه أيضاً قال : (( اعرضوا على رقاكم ولا بأس بالرقي ما لم يكن فيه شرك )) .
وفي صحيح البخاري عن قتادة قلت اسعيد بن المسيب رجل به طبُّ أي سحر أو يؤخذ عن امرأته (أي يربط) أيحلُّ عنه أو يٌنْشر ؟
قال : (( لا بأس به إنما يريدون به الإصلاح ، فأما ما ينفع فلم يُنه عنه ))
وفي مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز أنه قال : من علاج السحر بعد وقوعه وهو علاج نافع بإذن الله للرجل إذا حُبس عن جماع أهله .
ثم قال الشيخ ابن باز أن يأخذ سبعُ ورقات من السدر الأخضر ويدقها بحجر أو نحوه ويجعلها في إناء ويصب عليه من الماء ما يكفيه للغسل ويقرأ فيها: ((آية الكرسي)) و ((قل يا أيها الكافرون)) و ((قل هو الله أحد)) و ((قل أعوذ برب الفلق)) و ((قل أعوذ برب الناس)) .
وأن يقرأ آيات السحر في سورة الأعراف وهي قوله سبحانه :
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ{117} فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{118} فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ{119} [الأعراف : 117:119].
والآيات في سورة يونس وهي قوله سبحانه : {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ{79} فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ{80} فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ{81} وَيُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ{82} [ يونس :79:82].
والآيات التي في سورة طه : {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى{65} قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى{66} فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى{67} قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى{68} وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى{69} } [طه :65:69]
يقول الشيخ ابن باز :
بعد قراءة ما ذكر في الماء يشربُ ثلاث مرات ويغتسل بالباقي وإن دعت الحاجة لاستعماله مرتين أو أكثر فلا بأس حتى يزول إن شاء الله .
.
ولنا فى الحديث بقية بأذن الله
أمس في 2:19 pm من طرف عبدالله الآحد
» فضل توحيد الله سبحانه
الجمعة نوفمبر 22, 2024 3:20 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب الدعوة إلى توحيد الله سبحانه
الخميس نوفمبر 21, 2024 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد