لبرنامج العملي لأيام العشر لحظة بلحظة
تعالوا بنا إلى يوم من حياة المؤمن على وفق هدي الحبيب محمد صلى اللة علية وسلم، فإنَّ للقبول شرطين : الإخلاص ، ومتابعة النبي صلى اللة علية وسلم ، وهذا زمان الفضائل فمستقل ومستكثر ، فيا باغي خير ليلة القدر أقبل ، واجعل لنفسك وردًا للمحاسبة ، وطالع النيات التي مع كل عمل لتحتسبها ليعظم أجرك ، اكتب هذه النقاط في سجل خاص بك ، وحاسب نفسك على النقير والقطمير ، وكفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا .
(1) مع أذان المغرب
فمع التكبيرة الأولى لأذان المغرب من ليلة الحادي والعشرين من رمضان ليكن شغلك الشاغل وسؤالك الدائم الدائر في أعماق قلبك : كيف أشكر هذه النعمة ؟
واحتسب : إجابة الدعاء فإنها لحظات تُستجاب فيها الدعوات ، فلا تغفل في هذه اللحظة ، بل الهج بالدعاء والذكر ، فإنَّها لحظة العتق فلتُعمل قلبك ولسانك ، وألح في الدعاء أن يعتق الله رقبتك في هذه الليلة ، وهكذا كل ليلة .
(2) وعليك أن تشتري تمرًا لتفطر عليه كما هي السنة ، وفطِّر الصائمين – سواء أكنتَ معتكفًا أم لا - أو اسعَ في سقاية أهل المسجد .
واحتسب : أجر هؤلاء الصائمين في ميزان حسناتك إن شاء الله تعالى .
فأفطر وتعجل فإنَّها السنَّة ، وفيها مخالفة للمغضوب عليهم
ولا تنس أن تقول ] ذهب الظمأ ، و ابتلت العروق ، و ثبت الأجر إن شاء الله [ كما كان النبي صلى الله عليه و سلم يفعل [ رواه أبو داود وحسنه الألباني (4678) في صحيح الجامع ]
(3) ومع الأذان
لا تنس َ أن تردد كلمات الأذان ، وقل : و أنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله ، رضيت بالله ربا ، و بمحمد رسولا ، و بالإسلام دينا ، ثمَّ صلَّ على النبي محمد صلى اللة علية وسلم.. وسل الله له الوسيلة .
واحتسب بهذه الكلمات : أن تكون سببًا في دخولك الجنة ، ومغفرة ما تقدم من ذنبك ، وشفاعة النبي محمد صلى اللة علية وسلم .
(4) وبعدها يشرع لك الدعاء فإنّه وقت للإجابة ، ويا حبذا أن تدرك الأذان في المسجد ، واحتسب – أيها المعتكف – ذلك الخير كصنيع سلفنا الصالح ، فهذا سعيد بن المسيب ـ رحمه الله ـ يخبر عن نفسه أنَّه ما ترك صلاة جماعة في المسجد أكثر من أربعين سنة يدرك الآذان مع المؤذن
(5) وعليك أن تكون قد تهيأت للصلاة : وأول ذلك الوضوء – إن لم تكن متوضئًا – والأفضل أن تفعل هذا قبل أذان المغرب
فتوضأ ، واجعل هذا المعنى يجول بقلبك : اللهم يا من تطهر الأبدان بالماء ، طهر قلبي بالتوبة من الذنوب والآثام ، فإذا فرغت من الوضوء فقل : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أنَّ محمدًا عبدُه و رسولُه
واحتسب بذلك : تناثر السيئات من أعضاء الوضوء فيا ليتها تُنثر آثارها من القلوب ، وتحصيل نصف الإيمان ، وتكفير الخطايا والسيئات ، وأن تكون من أهل الإيمان بالمحافظة عليه ،
وأنَّها أعضاء الوضوء ستكون غرة لك يوم القيامة .
(6) ولا تغفل عن السواك فإنَّه من الأسباب لرضا الرحمن ، ووصية النبي .
وقال صلى اللة علية وسلم (( السواك مطهرة للفم مرضاة للرب [[ رواه النسائي وابن خزيمة في صحيحيهما وصححه الألباني (209) في صحيح الترغيب ]
قال صلى اللة علية وسلم (( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ومع كل وضوء بسواك
[ رواه أحمد ، وقال الألباني : حسن صحيح (200) في صحيح الترغيب ]
(7) وقل بعد الفراغ منه :
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أنَّ محمدًا عبدُه و رسولُه ، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
واحتسب : أن تكون قد أتيت بسبب لفتح أبواب الجنة الثمانية ، ومنحة عظيمة مدخرة ليوم المعاد
( التوجه للمسجد لأداء صلاة المغرب في أول الوقت .
ثمَّ توجه إلى المسجد - إن لم تكن معتكفًا أو قد خرجت له ، وانتظرت الصلاة فيه – ولا تنسَ ذكر الخروج : " بسم الله ، توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله "
واحتسب : الهداية والوقاية وابتعاد الشيطان عنك .
(9) وأبشر بالغنيمة الباردة ، فاحتسب هذه الخطوات فإنَّها عظيمة الأجر ؛ فلك بكل خطوة حسنة ومحو سيئة ، وأجر صدقة ، وأجر الرباط في سبيل الله ، ولك أن تعرف أنَّ رباط شهر خير من صيام دهر ، واحتسب أنَّك منذ خرجت من بيتك فأنت في صلاة حتى ترجع ، فاحتسب كل ثانية من هذا الوقت في ميزان حسناتك ، وأبشر بالنور التام يوم القيامة يا من تمشي في ظلام الليل إلى المساجد ، واعلم أنَّ هذه الخطوات سبب من أسباب سعادتك في الدنيا والآخرة ، وخروجك من الذنوب كيوم ولدتك أمك ، وأعد الله لك في كل مرة تذهب إلى المسجد منزلاً في الجنة ، وكنت في ضمان الله وحفظه .
وخذها هدية – ولا تنس الدعاء لي بعدها – فاحتسب في ذهابك للصلاة المكتوبة أجر حجة .قال صلى اللة علية وسلم (( من مشى إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهي كحجة [[ أخرجه الطبراني في الكبير وحسنه الألباني (6556) ]
(10) ثمَّ إذا دخلت المسجد فلا تنس ذكر الدخول : قال صلى اللة علية وسلم ( إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى اللة علية وسلم و ليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك [ [ رواه أبو داود وصححه الألباني (515) في صحيح الجامع ]
واستحضر أنَّك ما أتيت هذه الصلاة إلا ابتغاء رضوان الله ، وأبشر بفرح الله بك ، ولن تعدم من ربٍ يضحك ويفرح خيرًا .
قال صلى اللة علية وسلم (( لا يتوضأ أحدكم فيحسن وضوءه فيسبغه ثم يأتي المسجد لا يريد إلا الصلاة إلا تبشش الله إليه كما يتبشش أهل الغائب بطلعته [[ رواه ابن خزيمة وصححه الألباني (303) في صحيح الترغيب ]
فأنت الآن ضيف في بيت الله ، فأبشر بالكرم والجود الإلهي السابغ .
واحتسب : أن تكون في ظل عرش الرحمن يوم الحشر حين تدنو الشمس من الرؤوس ويلجم العرق النَّاس إلجامًا ، ويعانون من شدة الحر ما لا يوصف .
وانوِ الاعتكاف الجزئي في المسجد ، لتنال شيئًا من فضل الاعتكاف في المساجد – إن لم تكن معتكفًا -
11) ثمَّ صلِّ ركعتين ، لعلها تكون سبب غفران الذنوب المتقدمة ، ودخولك الجنة ، ومرافقة الأحبة محمد وصحبه .
ولك في كل صلاة نافلة أن تحتسب ما يلي :
(أ) القرب من الله تعالى . قال تعالى : ] وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ[[ العلق : 19]
فكلَّما سجدت أكثر كان قربك من الله أكثر وصرت عن الدنايا أعلى ، ولك دعوة مستجابة .
(ب) مرافقة النبي صلى اللة علية وسلم في الجنة . فقد قال لربيعة بن كعب رضى الله عنه لمَّا سأله مرافقته في الجنة ] أعني على نفسك بكثرة السجود [[رواه مسلم ]
(ج) تكفير الخطايا ورفعة الدرجات عند الله تعالى . قال رسول الله صلى اللة علية وسلم ـ (( عليك بكثرة السجود لله ، فإنَّك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة ، وحطَّ عنك بها خطيئة [[ رواه مسلم ]
وأبشر : فقد قال صلى اللة علية وسلم (( ـ فإن هو قام فحمد الله وأثنى عليه ومجَّده بالذي هو له أهل ، وفرَّغ قلبه لله تعالى إلا انصرف من خطيئته كيوم ولدته أمه [[ رواه مسلم ]
فلعلك ترزق صلاة ذات خشوع وخضوع تفرغ فيها قلبك لله تعالى ، فتخرج من ذنوبك كلها .
(12) وانتظر الصلاة ، واحتسب في جلوسك في المسجد : استنزال الرحمة والمغفرة ، وأنَّك في صلاة ما انتظرت الصلاة ، و أن تكون في صحبة الملائكة ورفقة الصالحين ، ولعل الله يكتبك في عباده المتقين بذلك ، قالصلى اللة علية وسلم (( المسجد بيت كل تقي [[ رواه الطبراني في الكبير والأوسط والبزار وحسنه الألباني (330) في صحيح الترغيب ]
(13) عليك أن تُشغل هذا الوقت بالاستغفار والدعاء والذكر ، أو بقراءة شيء من القرآن ، و الدعاء بين الأذان والإقامة مستجاب
(14) أداء صلاة المغرب
ثمَّ قم لأداء صلاة المغرب في الجماعة ، ولابد أن تكون قبلها قد أفطرت فتلك السُّنة ، ولا تنس السواك .
وتحرَّ أن تكون في الصف الأول ، واحتسب : أنْ يكون هذا سببًا في تنزل رحمة الله عليك ، وهدايتك للتي هي أقوم ، ولك من الله منحة عظيمة ،
ويكفيك أنَّ استغفار رسول الله صلى اللة علية وسلم لك .
فقد كان يستغفر للصف المقدم ثلاثا وللثاني مرة . [ رواه ابن ماجه والنسائي وابن خزيمة في صحيحه والحاكم وصححه الألباني (490) في صحيح الترغيب ]
وأن تدرك تكبيرة الإحرام وأبشر بخطوة في الطريق
قال صلى اللة علية وسلم (( من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان : براءة من النار و براءة من النفاق [[رواه الترمذي وحسنه الألباني (6365) في صحيح الجامع ]
وهذا مشروع إيماني ينبغي أن تفرغ له نفسك ، إنها مائتا صلاة ، فاعتبرها مائتي خطوة إلى الجنة ، فهل لا تستحق سلعة الله الغالية أنْ تتفرغ لها ؟
ثمَّ احتسب بصلاتك في أول الوقت أن يرزقك الله محبته بتقربك له بأحب الأعمال إليه .
واحتسب بصلاتك في الجماعة عظيم الأجر
قال صلى اللة علية وسلم (( صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة [[ متفق عليه ]
(15) وبعد أداء صلاة المغرب
قبل أن تثني رجلك لا تنس هذا الذكر العظيم ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير عشر مرات
واحتسب : أن تكون قد أتيت بسبب من أسباب عتق الرقاب ، والجزاء من جنس العمل ، فأعتق لعلك تُعتق ، والحفظ من الشيطان من همزه ونفخه ونفثه ووساوسه ، ومحو الخطيئات وكتابة الحسنات الموجبات .
(16) ثمَّ قل : أذكار ما بعد الصلاة .
(أ) سبح ثلاث وثلاثين ، واحمد ثلاثًا وثلاثين ، وكبر ثلاثًا وثلاثين ، واختم المائة بقولك : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شي قدير .
واحتسب : أن يغفر الله لك ذنوبك ولو كانت مثل زبد البحر.
(ب) قل : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .
واحتسب : أن يبلغك الله محبة النبي بتنفيذك لوصية رسول الله لحبيبه معاذ رضى الله عنه .
(ج) اقرأ : آية الكرسي .
واحتسب : أن تكون سبب حسن خاتمك ودخولك الجنة إن متَّ تلك الليلة .
(17) ثمَّ عليك بأداء السنة الراتبة ، ويفضل أن تؤديها في البيت ، إلا أن تخاف أن تُشغل عنها ، واحتسب مع مثيلاتها من السنن الرواتب : أنها سبب لدخول الجنة .
واقرأ في الأولى ( سورة الكافرون ) ، وفي الثاني ( قل هو الله أحد ). [ الصحيحة (3328) ]
واحتسب : ثواب قراءة (ثلث وربع ) القرآن
(18) وعليك أن تتخفف في الإفطار بعد المغرب ، وأوصيك بإحياء هذا الوقت بالصلاة فإنَّها من السنن المهجورة
وعن حذيفة رضى الله عنه قال : أتيت النبي صلى اللة علية وسلم فصليت معه المغرب فصلى إلى العشاء . [ رواه النسائي وصححه الألباني (590) في صحيح الترغيب ]
وعن أنس رضى الله عنه : في قوله تعالى : ] تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [[ السجدة : 16 ] قال : كانوا يتنفلون ما بين المغرب والعشاء يصلون . [ رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الترغيب (589) ]
(19) فإذا قرب وقت العشاء فاصنع كما مرَّ بك في صلاة المغرب .
(20) فإذا خرجت لصلاة العشاء والتراويح فاحتسب أجر حجة وعمرة، - وأنت أيها المعتكف احتسب هذا الأجر أيضًا - وإن لم تخرج ، فلعلك ترزقه بنيتك .
قال صلى اللة علية وسلم (( من مشى إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهي كحجة ، و من مشى إلى صلاة تطوع فهي كعمرة نافلة [[ أخرجه الطبراني في الكبير وحسنه الألباني (6556) ]
ولا تنس َ أذكار الخروج من المنزل ، والدخول للمسجد ، واحتساب الأجر كما مرَّ .
(21) فإذا كانت صلاة العشاء .
فاحتسب : ثواب قيام نصف الليل ، و مخالفة المنافقين ( أعاذنا الله أن نكون منهم )
ثمَّ صلِّ بعد العشاء ركعتين خفيفتين هي السنة الراتبة
(22) فإذا كانت صلاة التراويح .
وعليك أنْ تهتم جيدًا بالنيات والمعاني التي سأذكرها لك ؛ لأنَّ النبي قال : ] من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا [[ متفق عليه ] فنبه على الاحتساب
ماذا تحتسب في صلاة التراويح ؟
(أ) أن تكتب لك قيام الليلة كلها وذلك بأن تصلي حتى ينصرف الإمام .
عن أبي ذر قوله ] إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة [[ رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني ( 1615) في صحيح الجامع ]
ولك في القيام منح ربانية عظيمة فاحتسبها ليزداد أجرك .
(ب) عظيم الأجر عند الله تعالى بالفوز بالجنة والنجاة من النَّار .
قال تعالى : ] إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَتَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًاوَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْمِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [[السجدة: 15-17]
ووصفهم في موضع آخر , بقوله :] وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًاوَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَإِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا [إلى أنْ قال ] أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَبِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا خَالِدِينَ فِيهَاحَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [[الفرقان : 64-75]
وفي ذلك من التنبة على فضل قيام الليل , وكريم عائدته ما لا يخفى وأنه من أسباب صرف عذاب جهنم،والفوز بالجنة , وما فيها من النعيم المقيم , وجوار الرب الكريم , جعلنا الله ممنفاز بذلك.
(ج) مغفرة سالف الذنوب .
كما تقدم من قوله صلى اللة علية وسلم : ] من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه [[متفق عليه]
(د) تحصيل منزلة التقوى
قال تعالى : ]إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْرَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَاللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [[الذاريات : 15-17] فجعل القيام من صفاتهم .
(هـ) أنْ يلحقك الله بركب الصالحين والصديقين والشهداء .
وجاء رجل إلى النبي فقال : يا رسول الله : أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، وصليت الصلوات الخمس ، وأديت الزكاة ، وصمت رمضان وقمته ، فممن أنا ؟ قال رسول الله صلى اللة علية وسلم (( من الصديقين والشهداء [.[ رواه البزار وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما واللفظ لابن حبان . وصححه الألباني (361) في صحيح الترغيب]
وقال صلى اللة علية وسلم : ] عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم [[ أخرجه الترمذي والإمام أحمد في مسنده وصححه الألباني ( 4079 ) في صحيح الجامع ] .
(و) تثبيت الإيمان والإعانة على جليل الأعمال , وما فيهصلاح الأحوال والمآل
قال تعالى : ] يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّاقَلِيلًا إلى قوله : إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا إِنَّ نَاشِئَةَاللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا [[المزمل : 1-6 ]
قال الفراء : ] أَشَدُّ وَطْئًا [ أي أثبت للعمل وأدوم لمن أراد الاستكثار من العبادة والليل وقت الفراغ عن الاشتغال بالمعاش فعبادته تدوم ولا تنقطع .
وقال عكرمة : ] وَأَقْوَمُ قِيلًا[ أي أتم نشاطا وإخلاصا وأكثر بركة .
وقال ابن زيد : أجدر أن يتفقه في القرآن وقيل أعجل إجابة للدعاء .
(س) الوقاية والنجاة من الفتن ، والسلامة من دخول النار
فعن أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي صلى اللة علية وسلم , استيقظ ليلة فقال : سبحان الله , ماذا أُنزل الليلة من الفتنة ؟ ! ماذا أنزل الليلة من الخزائن ؟ ! منيوقظ صواحب الحجرات ؟ [ رواه البخاري ]
وفي ذلك تنبيه على أثر الصلاة بالليل في الوقاية من الفتن
وفي قصة رؤيا ابن عمر قال : "فرأيت كأن ملكين أخذاني , فذهبا بي إلى النار،فإذا هي مطوية كطي البئر , وإذا لها قرنان - يعني كقرني البئر - وإذا فيها أناس قدعرفتهم , فجعلت أقول أعوذ بالله من النار , قال : فلقينا ملك آخر . فقال : لم ترع " فقصصتها على حفصة , فقصتها حفصة على النبي , فقال : ] نعم الرجلعبد الله لو كان يصلي من الليل , فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلا[[متفق عليه ]
(ح) أن يعزك الله وتكون من أشراف العباد .
قال صلى اللة علية وسلم : ] شرف المؤمن قيامه بالليل و عزُّه استغناؤه عن الناس [[ أخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي وحسنه الألباني (73) في صحيح الجامع ]
وقال صلى اللة علية وسلم : ] أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل [[ رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي وصححه الألباني (628) في صحيح الجامع ]
(ط) أن يكون سببًا في العصمة من الذنوب .
(ي) التقرب على الله تعالى .
(ك) تكفير السيئات .
قال صلى اللة علية وسلم (( عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ، وقربة إلى ربكم ، ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم [
(ل) إصلاح فساد القلوب .
قيل للحسن : ما بال القائمين أحسن الناس وجوها ؟ فقال : إنهم خلوا بالله في السحر فألبسهم من نوره
وفي ليالي العشر لا نوم ، بل اشتغال بالصلاة حتى تتفطر قدمك ، ولم لا ؟ والجائزة قد علمت قدرها وشرفها .
قال صلى اللة علية وسلم : ] من قام بألف آية كتب من المقنطرين [[ رواه أبو داود وابن حبان وصححه الألباني (6439) في صحيح الجامع ]
وهذا زمان السباق إلى الله تعالى ، فشمِّر عن ساعد الجد ، وأرِ الله من نفسك عزيمة صادقة على بلوغ تلك المراتب العالية .
كان تميم الداري وأبي بن كعب يقوما بالناس في شهر رمضان فكان القارئ يقرأ بالمائتين في ركعة ، حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام ، وما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر ، بل كان بعضهم يربط الحبال بين السواري ثمَّ يتعلق بها .
ومن الآداب احتسب : إقامة سنة من السنن المهجورة بالتسوك بين ركعات القيام .
فقد كان رسول الله صلى اللة علية وسلم يصلي بالليل ركعتين ركعتين ثم ينصرف فيستاك [ رواه ابن ماجه والنسائي وصححه الألباني (212) في صحيح الترغيب ]
نصيحة
إن كنت ذا همة فحاول أن تصلي وراء أحد الائمة ممَّن يطيلُ الصلاة فإنَّها أفضل القيام ، قال صلى اللة علية وسلم (( أفضل الصلاة طول القنوت [[ رواه مسلم ]
أو اذهب على أحد المساجد التي يتهجدون فيها طوال الليل ، وانصحك بأن لا تخرج من المسجد حتى الفجر ، وتقضي هذا الوقت كله في الصلاة وقراءة القرآن والدعاء والاستغفار ، وإياك أن تلغو ، أو تغفل في أمور الدنيا ، حتى لا يطلع الله عليك وهذه حالتك فيعرض عنك كما أعرضت عنه .
(23) وقت السحر وقت المناجاة
فإنه وقت نزول الرب جل وعلا ، وقت إجابة الحاجات ، وعطايا الوهاب ، ومغفرة الذنوب ، والتوبة للمذنبين .
قال صلى اللة علية وسلم (( إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول : هل من سائل فيعطى ؟ هل من داع فيستجاب له ؟ هل من مستغفر فيغفر له ؟ حتى ينفجر الصبح [[ رواه مسلم ]
وفي رواية :
قال صلى اللة علية وسلم (( تفتح أبواب السماء نصف الليل ، فينادي مناد : هل من داع فيستجاب له ؟ هل من سائل فيعطى ؟ هل من مكروب فيفرج عنه ؟ فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله عز وجل له إلا زانية تسعى بفرجها أو عشار [ أي جابي الضرائب بغير حق ] [[رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني (2391)في صحيح الترغيب ]
رياح هذه الأسحار تحمل أنين المذنبين ، وأنفاس المحبين وقصص التائبين ، ثم تعود برد الجواب بلا كتاب ، فإذا ورد بريد برد السحر يحمل ملطفات الألطاف لم يفهمها غير من كتبت إليه .
يا يعقوب الهجر قد هبت ريح يوسف الوصل ، فلو استنشقت لعدت بعد العمى بصيراً ، ولوجدت ما كنت لفقده فقيراً .
لو قام المذنبون في هذه الأسحار على أقدام الانكسار ، ورفعوا قصص الاعتذار مضمونها : ] فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ [[ يوسف : 88 ]
لبرز لهم التوقيع عليها : ]لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ[[ يوسف : 92 ]
(24)
(24) أكثر من الاستغفار في هذا الوقت ، واحتسب : تكفير الخطايا العظام . ( فالزم هذا الاستغفار)
قال صلى اللة علية وسلم (( أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان فر من الزحف[[ رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني (1622) في صحيح الترغيب ]
وأنْ يلحقك الله بركب المتقين ، ويدفع عنك العذاب والنقم والابتلاءات ، ويمن الله عليك بطوبى في الجنة ، و يدخل على قلبك السرور يوم الفزع الأكبر عند الحساب .
فائدة عن سادات المستغفرين
قال أبو هريرة رضى الله عنه : إني لأستغفر الله وأتوب إليه كل يوم اثني عشر ألف مرة وذلك على قدر ديني أو قدر دينه . [ الحلية (1/383) ]
قال رياح القيسي : لي نيف وأربعون ذنبا قد استغفرت لكل ذنب مائة ألف مرة .[ الحلية (6/194) ]
ودخل حبيب بن مسلمة الفهري الحمَّام بحمص فقال : هذا من نعيم ما ينعم به أهل الدنيا ، لو مكثت فيه ساعة لهلكت ، ما أنا بخارج منه حتى أستغفر الله ألف مرة . [ الآحاد والمثاني (2/129) ]
وهذا عبد العزيز المقدسي قال : لما بلغت الحلم أخذت على نفسي أن أروضها وأمنعها من الآثام ، واستوفقت الله تعالى فوفقني ، واستعنت به فأعانني ، ولقد حاسبت نفسي من يوم بلوغي إلى يومي هذا ، فإذا زلاتي لا تجاوز ستة وثلاثين زلة، ولقد استغفرت الله عز وجل لكل زلة مائة ألف مرة ، وصليت لكل زلة ألف ركعة ختمت في كل ركعة منها ختمة ، وإني مع ذلك غير آمن سطوة ربي عزوجل أن يأخذني بها وأنا على خطر قبول التوبة .[ صفة الصفوة (4/245) ]
(25) السحور .
تسحر ولا تنس تبييت النية بالصيام - وأكلة السحور في نفسها نية - وكلَّما أخرّتها كان أفضل ، والسحور أكلة بركة فلا تتركها ولو بجرعة ماء ، وأفضله : التسحر بالتمر .
واحتسب : أنْ يكون في امتثالك لهدي النبي سبب لأن يهديك الله ويرزقك البصيرة .
(26) الدعاء .
مرَّ عليك أنَّ هذا وقت من أوقات إجابة الدعاء ، فالزم :
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عنَّا ، ربنا ظلمنا أنفسنا ، وإن لا تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، رب إنَّي ظلمت نفسي فاغفر لي ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، سبحانك ما عبدناك حق عبادتك فاغفر لنا .
ومن آداب الدعاء : كثرة الثناء على الله بما هو أهله ، وهو ما يسميه العلماء ( التملق ) : لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك .
سأل أعرابي النبي صلى اللة علية وسلم فقال : علمني دعاء لعل الله أن ينفعني به. فقال : قل اللهم لك الحمد كله وإليك يرجع الأمر كله . [ رواه البيهقي وحسنه الألباني (1576) في صحيح الترغيب ]
(27) مع الفجر .
أنت من الآن قد شرعت في عبادة الصيام ، فأكرم بها من طاعة ، ولك فيها نيات عظيمة ، اذكرك بها هنا لعلك قد نسيتها بعد مضى عشرين يومًا ، فأخشى أن يكون قد صار عادة ، فاحتسب هذه النوايا في الصيام ليزداد أجرك ، وتعظم منزلتك عند الله تعالى .
فاحتسب :
تحصيل ثمرة التقوى . ] لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[[ البقرة : 183]
والتخلص من آصار وتبعات ذنوب الماضي .
وأن يبلغك الله الدرجات الرفيعة والتشرف بأداء عمل نسبه الله لنفسه
.
والاستشفاء من جميع الآفات التي تحول بينك وبين الله فالصوم لا مثل له .
واحتسب بصومك الوقاية من آثار الفتن ، والنجاة من شدة الحساب فالصيام كفارة للذنوب وزيادة على ثواب الكفارة .
وأنَّه سبب للحفظ والأمان من الوقوع في وحل المعاصي والحرمان ، فالصوم حنة وحصن منيع ، يحصن الإنسان من الشيطان وخطواته ، ويمنع صاحبه من أن ينزلق في الأقذار والأرجاس .
وأن يكون سببًا للوقاية من داء وخطر الشهوة .
الابتعاد عن النَّار بكل يوم مسيرة مائة عام .
أنه سبب من أسباب الشفاعة يوم القيامة .
طرق سبيل من أعظم السبل للجنة وإجابة نداء الريان
دفع مهر الحور العين .
زيادة الرصيد الإيماني
التطيب بما هو أطيب عند الرحمن .
التحلي بشعار الأبرار .
إبهاج القلوب الحزينة فللصائم فرحتان .
شكر الله على نعمه
ترويض النفس بالصبر على الطاعة
التحفيز على فعل الطاعات وترك المنكرات بترك فضول الطعام .
سبب لقضاء الحوائج غذ دعوة الصائم مستجابة .
سبب للين القلب .
سبب للعتق من النار ( أعتقني الله وإياك منها ) .
(28) مع أذان الفجر
لا تنس ترديد الأذان ، والدعاء بعده ، ثمَّ قم وأسرع بأداءِ ركعتي السنة ( الفجر ) ، وهما من آكد السنن الرواتب ، فلم يكن النبي على شيء من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر وكان يصليهما خفيفتين ، يقرأ في الأولى (سورة الكافرون) ، وفي الثانية ( سورة الإخلاص ) . ثمَّ من السنة أن تضطجع على شقك الأيمن قليلاً بعد أدائهما .
واحتسب فيهما : عظم الأجر الذي الدنيا وما فيه لا تساويه . قال : ] ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها [[رواه مسلم]
فائدة .
نقل ابن القيم عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنَّ " من واظب على أربعين مرة كل يوم بين سنة الفجر وصلاة الفجر يا حي يا قيوم ، لا إله إلا أنت ، برحمتك أستغيثحصلت له حياة القلب ولم يمت . [ مدارج السالكين (1/448) ]
(29) أداء صلاة الفجر في الجماعة .
واحتسب بأدائها : الحفظ والعناية فمن صلاها في جماعة فهو في ذمة الله ، وهي سبب لدخول الجنة ، وللعتق من النَّار ، ومغفرة الذنوب يوم القيامة باستغفار الملائكة لك .
(30) جلسة الذكر بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس .
اجلس بعد الصلاة ، وقل : أذكار الصباح حتى شروق الشمس
واحتسب : أجر عمرة وحجة تامة تامة ، و أن يعتق الله رقبتك من النار بعتقك للرقاب ، وهذه الجلسة هي قوت وزاد القلب والروح .
فائدة : الهدي النافع في هذه الجلسة
قال ابن القيم في طريق الهجرتين :
" فإذا فرغ من صلاة الصبح أقبل بكليته على ذكر الله والتوجه إليه بالأذكار التي شرعت أول النهار فيجعلها وردا له لا يُخلُّ بها أبدا ، ثم يزيد عليها ما شاء من الأذكار الفاضلة ، أو قراءة القرآن حتى تطلع الشمس ، فإذا طلعت فإن شاء ركع ركعتي الضحى وزاد ما شاء ، وإن شاء قام من غير ركوع " [ طريق الهجرتين ص (322) ]
تنبيهات
قراءة القرآن في العشر :
كان سلفنا الصالح يجتهدون في قراءة القرآن في رمضان ، فقد كان قتادة رضى الله عنه يختم في سبع ، وفي رمضان في كل ثلاث ، وفي العشر كل ليلة .
وهذا الورد يناسب حال المعتكفين ، ولا أقل من أن تقرأ في كل يوم وليلة (10 أجزاء ) إلا أن تكون تصلي وراء إمام يقيم الليلة كلها ، فيشرع لك (5 أجزاء ) في النهار من باب إصلاح القلب ومداوته من آفاته ، وتهيئته لجوائز الرحمن .
واحتسب عند القراءة في المصحف : أنَّها من الأسباب الموجبة لمحبتك لله تعالى قال : ] من سرَّه أنْ يحبَّ الله ورسوله فليقرأ في المصحف [[ رواه البيهقي وأبو نعيم وحسنه الألباني (2342) في الصحيحة ]
ولك في القراءة عظيم المنن فاحتسب أنها سبب موجب لمعية الله الخاصة ، أما تحب أنْ تكون من أهل الله وخاصته ، الذين يكلأهم بالليل والنهار ، ويحفظهم ، ويرد عنهم ، فالله يدافع عن الذين آمنوا ، أما ترضى أنْ يرجع النَّاس بالذهب والفضة والعشيرة والنسب وترجع أنت بالله ورسوله ،
واحتسب أيضًا : أن تكون من خيرة خلق الله بإدمانك للتلاوة ، وتعلمك وتعليمك للقرآن ، ورفعك الله وأعزك ، وكنت على صلة به ، ناهيك عن قناطير من الحسنات بقراءة كل حرف ،
ولك من الله إكرام السابغ يوم القيامة ، وشفع لك القرآن ، وكان سببًا في وقايتك من عذاب النار ، وإذا أحسنت التلاوة كنت مع السفرة الكرام البررة . إلى غير هذا من الفضائل لقارئ القرآن .
هذا نذير .. احذر بطش الله .
أيها العاصي المذنب ـ وكلُّنا ذلك الرجل ـ حذار من بطش الله وسوء العاقبة ، فينظر إليك ليلة القدر ، ليلة المغفرة ، ليلة الجائزة ، فيجدك على المعاصي مقيمًا ، فيسخط عليك .
قال صلى اللة علية وسلم لمعاذ بن جبل رضى الله عنه : ] وإياك والمعصية فإنَّ بالمعصية حلَّ سخط الله [[رواه أحمد والطبراني في الكبير وحسنه الألباني (570) في صحيح الترغيب ]
عن عبد الله بن المديني قال : كان لنا صديق فقال : خرجت إلى ضيعتي فأدركتني صلاة المغرب فأتيت إلى جنب مقبرة فصلَّيت المغرب قريبًا منها , فبينما أنا جالس إذ سمعت من جانب القبور أنينا فدنوت إلى القبر الذي سمعت منه الأنين وهو يقول : آه قد كنت أصوم ، قد كنت أصلي ، فأصابني قشعريرة , فدعوت من حضرني ، فسمع مثل ما سمعت ، ومضيت إلى ضيعتي , ورجعت يعني في اليوم الثاني , وصليتُ في موضعي الأول وصبرت حتى غابت الشمس ، وصليت المغرب ثم استمعت إلى ذلك القبر فإذا هو يئن ويقول : آه قد كنت أصلي ، قد كنت أصوم , فرجعت إلى منزلي ومرضت بالحمى شهرين .
قال ابن حجر الهيتمي : وأقول : قد وقع لي نظير ذلك , وذلك أني كنت - وأنا صغير - أتعاهد قبر والدي - رحمه الله - للقراءة عليه ، فخرجت يوما بعد صلاة الصبح بغلس في رمضان , بل أظن أنَّ ذلك كان في العشر الأخير بل في ليلة القدر , فلما جلست على قبره ... ولم يكن بالمقبرة أحد غيري , فإذا أنا أسمع التأوه العظيم والأنين الفظيع بآه آه آه ، وهكذا بصوت أزعجني من قبر مبني بالنورة والجص له بياض عظيم , فقطعت القراءة واستمعت فسمعت صوت ذلك العذاب من داخله ، وذلك الرجل المعذب يتأوه تأوها عظيما بحيث يقلق سماعه القلب ، ويفزعه فاستمعت إليه زمنًا , فلما وقع الإسفار خفي حسه عني , فمر بي إنسان فقلت قبر من هذا ؟ قال : هذا قبر فلان لرجل أدركته - وأنا صغير - وكان على غاية من ملازمة المسجد والصلوات في أوقاتها والصمت عن الكلام . وهذا كله شاهدته وعرفته منه ، فكبر عليَّ الأمر جدا ؛ لما أعلمه من أحوال الخير التي كان ذلك الرجل متلبسا بها في الظاهر , فسألت واستقصيت الذين يطلعون على حقيقة أحواله ، فأخبروني أنه كان يأكل الربا , فإنه كان تاجرا ثم كبر ، وبقي معه شيء من الحطام , فلم ترض نفسه الظالمة الخبيثة أن يأكل من جنبه حتى يأتيه الموت ، بل سوَّل له الشيطان محبة المعاملة بالربا حتى لا ينقص ماله فأوقعه في ذلك العذاب الأليم حتى في رمضان حتى في ليلة القدر . [ الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/24-25) ]
وخاتمة المسك : عفوك يا رب
لما عرف المؤمنون بجلاله خضعوا ، و لما سمع المذنبون بعفوه طمعوا ، ما ثمَّ إلا عفو الله أو النار ، لولا طمع المذنبين في العفو لاحترقت قلوبهم باليأس من الرحمة ، و لكن إذا ذكرت عفو الله استروحت إلى برد عفوه .
فيا كبير الذنب عفو الله من ذنبك أكبر ، أكبر الأوزار في جنب عفو الله يصغر . و إنما أمر بسؤال العفو في ليلة القدر بعد الاجتهاد في الأعمال فيها ، وفي ليالي العشر لأن المؤمنين يجتهدون في الأعمال ثم لا يرون لأنفسهم عملاً صالحاً ، ولا حالاً ولا مقالاً فيرجعون إلى سؤال العفو كحال المذنب المقصر .
قال يحيى بن معاذ : ليس بعارف من لم يكن غاية أمله من الله العفو .
فاللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنَّا ، عفو فتتجاوز عن سيئات عبادك ، وتمحو آثارها عنهم ، تحب أن تعفو عن عبادك ، و تحب من عبادك أن يعفو بعضهم عن بعض ، فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملتهم بعفوك ، وعفوك أحب إليك من العقوبة .
اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك ، و عفوك من عقوبتك .
اللهم إن ذنوبي قد عظمت فجلت عن الصفة ، وإنها صغيرة في جنب عفوك ، فاعف عني .
اللهم جرمي عظيم ، وعفوك كثير، فاجمع بين جرمي وعفوك يا كريم .
اللهم يا من ليس في الوجود سواه ، يا من عليه يعتمد ، ومن فضله يسأل ، وإليه يستند ، يا أحد يا صمد ، يا من لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ،
يا كثير الخير ، يا دائم المعروف ، يا من الملائكة في خدمته صفوف ، وعلى طاعته عكوف ، يا جار المستجير ، ومن هو على كل شيء قدير يا غياث الملهوف ،
يا من بيده القبض والبسط ، وبيده تقوم السموات والأرض، يا من امتدت لمسألته أكف السائلين ، وخرت لعبادته وجوه الساجدين، وعجت بتلبيته أصوات الملبين ، وطمحت إلى معروفه أبصار الآملين ،
يا عالم السر والنجوى ، يا من إليه المشتكى ، يا من عنت له الوجوه ، وخشعت له الأصوات ، يا من يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ، يا من إذا انتهت الشكوى إليه فقد بلغت المنتهى ، يا فالق الحب والنوى .
اللهم نشكو إليك ما نحن فيه من طاعتك مقصرون ، وعلى معصيتك مصرون ، وبعظمتك جاهلون ، وبحكمك مغترون ، وعن القيام بما يلزمنا في حقك عاجزون .
اللهم اجعلنا من الذين يعاملونك بما تحب ، وتعاملهم بما يحبون ، وينصرفون عما تكره ، وتصرف عما يكرهون ، وألحقنا بالذين وجهوا إليك وجوههم ، وأخلصوا لك أعمالهم ، ولم يعتمدوا على أحد إلا عليك ، ولم يستندوا إلا إليك .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، واختم لنا بخير ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين .
فالله أسأل أن يعيننا على طاعته ، وأن يجعل عملنا صالحًا متقبلاً ، ووصيتي لك إن انتفعت من هذه الرسالة بشيء أو وجدت غير ذلك أن تدعو لجامعها أن يرزقه الله الصدق والإخلاص في القول والعمل ، اللهم يا ولي الإسلام وأهله مسكنا بالإسلام حتى نلقاك عليه ، والحمد لله أولا وآخرا .
***************************
منقول للفائدة
لا تنسونا من صالح دعائكم
.
تعالوا بنا إلى يوم من حياة المؤمن على وفق هدي الحبيب محمد صلى اللة علية وسلم، فإنَّ للقبول شرطين : الإخلاص ، ومتابعة النبي صلى اللة علية وسلم ، وهذا زمان الفضائل فمستقل ومستكثر ، فيا باغي خير ليلة القدر أقبل ، واجعل لنفسك وردًا للمحاسبة ، وطالع النيات التي مع كل عمل لتحتسبها ليعظم أجرك ، اكتب هذه النقاط في سجل خاص بك ، وحاسب نفسك على النقير والقطمير ، وكفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا .
(1) مع أذان المغرب
فمع التكبيرة الأولى لأذان المغرب من ليلة الحادي والعشرين من رمضان ليكن شغلك الشاغل وسؤالك الدائم الدائر في أعماق قلبك : كيف أشكر هذه النعمة ؟
واحتسب : إجابة الدعاء فإنها لحظات تُستجاب فيها الدعوات ، فلا تغفل في هذه اللحظة ، بل الهج بالدعاء والذكر ، فإنَّها لحظة العتق فلتُعمل قلبك ولسانك ، وألح في الدعاء أن يعتق الله رقبتك في هذه الليلة ، وهكذا كل ليلة .
(2) وعليك أن تشتري تمرًا لتفطر عليه كما هي السنة ، وفطِّر الصائمين – سواء أكنتَ معتكفًا أم لا - أو اسعَ في سقاية أهل المسجد .
واحتسب : أجر هؤلاء الصائمين في ميزان حسناتك إن شاء الله تعالى .
فأفطر وتعجل فإنَّها السنَّة ، وفيها مخالفة للمغضوب عليهم
ولا تنس أن تقول ] ذهب الظمأ ، و ابتلت العروق ، و ثبت الأجر إن شاء الله [ كما كان النبي صلى الله عليه و سلم يفعل [ رواه أبو داود وحسنه الألباني (4678) في صحيح الجامع ]
(3) ومع الأذان
لا تنس َ أن تردد كلمات الأذان ، وقل : و أنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله ، رضيت بالله ربا ، و بمحمد رسولا ، و بالإسلام دينا ، ثمَّ صلَّ على النبي محمد صلى اللة علية وسلم.. وسل الله له الوسيلة .
واحتسب بهذه الكلمات : أن تكون سببًا في دخولك الجنة ، ومغفرة ما تقدم من ذنبك ، وشفاعة النبي محمد صلى اللة علية وسلم .
(4) وبعدها يشرع لك الدعاء فإنّه وقت للإجابة ، ويا حبذا أن تدرك الأذان في المسجد ، واحتسب – أيها المعتكف – ذلك الخير كصنيع سلفنا الصالح ، فهذا سعيد بن المسيب ـ رحمه الله ـ يخبر عن نفسه أنَّه ما ترك صلاة جماعة في المسجد أكثر من أربعين سنة يدرك الآذان مع المؤذن
(5) وعليك أن تكون قد تهيأت للصلاة : وأول ذلك الوضوء – إن لم تكن متوضئًا – والأفضل أن تفعل هذا قبل أذان المغرب
فتوضأ ، واجعل هذا المعنى يجول بقلبك : اللهم يا من تطهر الأبدان بالماء ، طهر قلبي بالتوبة من الذنوب والآثام ، فإذا فرغت من الوضوء فقل : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أنَّ محمدًا عبدُه و رسولُه
واحتسب بذلك : تناثر السيئات من أعضاء الوضوء فيا ليتها تُنثر آثارها من القلوب ، وتحصيل نصف الإيمان ، وتكفير الخطايا والسيئات ، وأن تكون من أهل الإيمان بالمحافظة عليه ،
وأنَّها أعضاء الوضوء ستكون غرة لك يوم القيامة .
(6) ولا تغفل عن السواك فإنَّه من الأسباب لرضا الرحمن ، ووصية النبي .
وقال صلى اللة علية وسلم (( السواك مطهرة للفم مرضاة للرب [[ رواه النسائي وابن خزيمة في صحيحيهما وصححه الألباني (209) في صحيح الترغيب ]
قال صلى اللة علية وسلم (( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ومع كل وضوء بسواك
[ رواه أحمد ، وقال الألباني : حسن صحيح (200) في صحيح الترغيب ]
(7) وقل بعد الفراغ منه :
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أنَّ محمدًا عبدُه و رسولُه ، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
واحتسب : أن تكون قد أتيت بسبب لفتح أبواب الجنة الثمانية ، ومنحة عظيمة مدخرة ليوم المعاد
( التوجه للمسجد لأداء صلاة المغرب في أول الوقت .
ثمَّ توجه إلى المسجد - إن لم تكن معتكفًا أو قد خرجت له ، وانتظرت الصلاة فيه – ولا تنسَ ذكر الخروج : " بسم الله ، توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله "
واحتسب : الهداية والوقاية وابتعاد الشيطان عنك .
(9) وأبشر بالغنيمة الباردة ، فاحتسب هذه الخطوات فإنَّها عظيمة الأجر ؛ فلك بكل خطوة حسنة ومحو سيئة ، وأجر صدقة ، وأجر الرباط في سبيل الله ، ولك أن تعرف أنَّ رباط شهر خير من صيام دهر ، واحتسب أنَّك منذ خرجت من بيتك فأنت في صلاة حتى ترجع ، فاحتسب كل ثانية من هذا الوقت في ميزان حسناتك ، وأبشر بالنور التام يوم القيامة يا من تمشي في ظلام الليل إلى المساجد ، واعلم أنَّ هذه الخطوات سبب من أسباب سعادتك في الدنيا والآخرة ، وخروجك من الذنوب كيوم ولدتك أمك ، وأعد الله لك في كل مرة تذهب إلى المسجد منزلاً في الجنة ، وكنت في ضمان الله وحفظه .
وخذها هدية – ولا تنس الدعاء لي بعدها – فاحتسب في ذهابك للصلاة المكتوبة أجر حجة .قال صلى اللة علية وسلم (( من مشى إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهي كحجة [[ أخرجه الطبراني في الكبير وحسنه الألباني (6556) ]
(10) ثمَّ إذا دخلت المسجد فلا تنس ذكر الدخول : قال صلى اللة علية وسلم ( إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى اللة علية وسلم و ليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك [ [ رواه أبو داود وصححه الألباني (515) في صحيح الجامع ]
واستحضر أنَّك ما أتيت هذه الصلاة إلا ابتغاء رضوان الله ، وأبشر بفرح الله بك ، ولن تعدم من ربٍ يضحك ويفرح خيرًا .
قال صلى اللة علية وسلم (( لا يتوضأ أحدكم فيحسن وضوءه فيسبغه ثم يأتي المسجد لا يريد إلا الصلاة إلا تبشش الله إليه كما يتبشش أهل الغائب بطلعته [[ رواه ابن خزيمة وصححه الألباني (303) في صحيح الترغيب ]
فأنت الآن ضيف في بيت الله ، فأبشر بالكرم والجود الإلهي السابغ .
واحتسب : أن تكون في ظل عرش الرحمن يوم الحشر حين تدنو الشمس من الرؤوس ويلجم العرق النَّاس إلجامًا ، ويعانون من شدة الحر ما لا يوصف .
وانوِ الاعتكاف الجزئي في المسجد ، لتنال شيئًا من فضل الاعتكاف في المساجد – إن لم تكن معتكفًا -
11) ثمَّ صلِّ ركعتين ، لعلها تكون سبب غفران الذنوب المتقدمة ، ودخولك الجنة ، ومرافقة الأحبة محمد وصحبه .
ولك في كل صلاة نافلة أن تحتسب ما يلي :
(أ) القرب من الله تعالى . قال تعالى : ] وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ[[ العلق : 19]
فكلَّما سجدت أكثر كان قربك من الله أكثر وصرت عن الدنايا أعلى ، ولك دعوة مستجابة .
(ب) مرافقة النبي صلى اللة علية وسلم في الجنة . فقد قال لربيعة بن كعب رضى الله عنه لمَّا سأله مرافقته في الجنة ] أعني على نفسك بكثرة السجود [[رواه مسلم ]
(ج) تكفير الخطايا ورفعة الدرجات عند الله تعالى . قال رسول الله صلى اللة علية وسلم ـ (( عليك بكثرة السجود لله ، فإنَّك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة ، وحطَّ عنك بها خطيئة [[ رواه مسلم ]
وأبشر : فقد قال صلى اللة علية وسلم (( ـ فإن هو قام فحمد الله وأثنى عليه ومجَّده بالذي هو له أهل ، وفرَّغ قلبه لله تعالى إلا انصرف من خطيئته كيوم ولدته أمه [[ رواه مسلم ]
فلعلك ترزق صلاة ذات خشوع وخضوع تفرغ فيها قلبك لله تعالى ، فتخرج من ذنوبك كلها .
(12) وانتظر الصلاة ، واحتسب في جلوسك في المسجد : استنزال الرحمة والمغفرة ، وأنَّك في صلاة ما انتظرت الصلاة ، و أن تكون في صحبة الملائكة ورفقة الصالحين ، ولعل الله يكتبك في عباده المتقين بذلك ، قالصلى اللة علية وسلم (( المسجد بيت كل تقي [[ رواه الطبراني في الكبير والأوسط والبزار وحسنه الألباني (330) في صحيح الترغيب ]
(13) عليك أن تُشغل هذا الوقت بالاستغفار والدعاء والذكر ، أو بقراءة شيء من القرآن ، و الدعاء بين الأذان والإقامة مستجاب
(14) أداء صلاة المغرب
ثمَّ قم لأداء صلاة المغرب في الجماعة ، ولابد أن تكون قبلها قد أفطرت فتلك السُّنة ، ولا تنس السواك .
وتحرَّ أن تكون في الصف الأول ، واحتسب : أنْ يكون هذا سببًا في تنزل رحمة الله عليك ، وهدايتك للتي هي أقوم ، ولك من الله منحة عظيمة ،
ويكفيك أنَّ استغفار رسول الله صلى اللة علية وسلم لك .
فقد كان يستغفر للصف المقدم ثلاثا وللثاني مرة . [ رواه ابن ماجه والنسائي وابن خزيمة في صحيحه والحاكم وصححه الألباني (490) في صحيح الترغيب ]
وأن تدرك تكبيرة الإحرام وأبشر بخطوة في الطريق
قال صلى اللة علية وسلم (( من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان : براءة من النار و براءة من النفاق [[رواه الترمذي وحسنه الألباني (6365) في صحيح الجامع ]
وهذا مشروع إيماني ينبغي أن تفرغ له نفسك ، إنها مائتا صلاة ، فاعتبرها مائتي خطوة إلى الجنة ، فهل لا تستحق سلعة الله الغالية أنْ تتفرغ لها ؟
ثمَّ احتسب بصلاتك في أول الوقت أن يرزقك الله محبته بتقربك له بأحب الأعمال إليه .
واحتسب بصلاتك في الجماعة عظيم الأجر
قال صلى اللة علية وسلم (( صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة [[ متفق عليه ]
(15) وبعد أداء صلاة المغرب
قبل أن تثني رجلك لا تنس هذا الذكر العظيم ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير عشر مرات
واحتسب : أن تكون قد أتيت بسبب من أسباب عتق الرقاب ، والجزاء من جنس العمل ، فأعتق لعلك تُعتق ، والحفظ من الشيطان من همزه ونفخه ونفثه ووساوسه ، ومحو الخطيئات وكتابة الحسنات الموجبات .
(16) ثمَّ قل : أذكار ما بعد الصلاة .
(أ) سبح ثلاث وثلاثين ، واحمد ثلاثًا وثلاثين ، وكبر ثلاثًا وثلاثين ، واختم المائة بقولك : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شي قدير .
واحتسب : أن يغفر الله لك ذنوبك ولو كانت مثل زبد البحر.
(ب) قل : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .
واحتسب : أن يبلغك الله محبة النبي بتنفيذك لوصية رسول الله لحبيبه معاذ رضى الله عنه .
(ج) اقرأ : آية الكرسي .
واحتسب : أن تكون سبب حسن خاتمك ودخولك الجنة إن متَّ تلك الليلة .
(17) ثمَّ عليك بأداء السنة الراتبة ، ويفضل أن تؤديها في البيت ، إلا أن تخاف أن تُشغل عنها ، واحتسب مع مثيلاتها من السنن الرواتب : أنها سبب لدخول الجنة .
واقرأ في الأولى ( سورة الكافرون ) ، وفي الثاني ( قل هو الله أحد ). [ الصحيحة (3328) ]
واحتسب : ثواب قراءة (ثلث وربع ) القرآن
(18) وعليك أن تتخفف في الإفطار بعد المغرب ، وأوصيك بإحياء هذا الوقت بالصلاة فإنَّها من السنن المهجورة
وعن حذيفة رضى الله عنه قال : أتيت النبي صلى اللة علية وسلم فصليت معه المغرب فصلى إلى العشاء . [ رواه النسائي وصححه الألباني (590) في صحيح الترغيب ]
وعن أنس رضى الله عنه : في قوله تعالى : ] تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [[ السجدة : 16 ] قال : كانوا يتنفلون ما بين المغرب والعشاء يصلون . [ رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الترغيب (589) ]
(19) فإذا قرب وقت العشاء فاصنع كما مرَّ بك في صلاة المغرب .
(20) فإذا خرجت لصلاة العشاء والتراويح فاحتسب أجر حجة وعمرة، - وأنت أيها المعتكف احتسب هذا الأجر أيضًا - وإن لم تخرج ، فلعلك ترزقه بنيتك .
قال صلى اللة علية وسلم (( من مشى إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهي كحجة ، و من مشى إلى صلاة تطوع فهي كعمرة نافلة [[ أخرجه الطبراني في الكبير وحسنه الألباني (6556) ]
ولا تنس َ أذكار الخروج من المنزل ، والدخول للمسجد ، واحتساب الأجر كما مرَّ .
(21) فإذا كانت صلاة العشاء .
فاحتسب : ثواب قيام نصف الليل ، و مخالفة المنافقين ( أعاذنا الله أن نكون منهم )
ثمَّ صلِّ بعد العشاء ركعتين خفيفتين هي السنة الراتبة
(22) فإذا كانت صلاة التراويح .
وعليك أنْ تهتم جيدًا بالنيات والمعاني التي سأذكرها لك ؛ لأنَّ النبي قال : ] من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا [[ متفق عليه ] فنبه على الاحتساب
ماذا تحتسب في صلاة التراويح ؟
(أ) أن تكتب لك قيام الليلة كلها وذلك بأن تصلي حتى ينصرف الإمام .
عن أبي ذر قوله ] إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة [[ رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني ( 1615) في صحيح الجامع ]
ولك في القيام منح ربانية عظيمة فاحتسبها ليزداد أجرك .
(ب) عظيم الأجر عند الله تعالى بالفوز بالجنة والنجاة من النَّار .
قال تعالى : ] إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَتَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًاوَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْمِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [[السجدة: 15-17]
ووصفهم في موضع آخر , بقوله :] وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًاوَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَإِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا [إلى أنْ قال ] أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَبِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا خَالِدِينَ فِيهَاحَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [[الفرقان : 64-75]
وفي ذلك من التنبة على فضل قيام الليل , وكريم عائدته ما لا يخفى وأنه من أسباب صرف عذاب جهنم،والفوز بالجنة , وما فيها من النعيم المقيم , وجوار الرب الكريم , جعلنا الله ممنفاز بذلك.
(ج) مغفرة سالف الذنوب .
كما تقدم من قوله صلى اللة علية وسلم : ] من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه [[متفق عليه]
(د) تحصيل منزلة التقوى
قال تعالى : ]إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْرَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَاللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [[الذاريات : 15-17] فجعل القيام من صفاتهم .
(هـ) أنْ يلحقك الله بركب الصالحين والصديقين والشهداء .
وجاء رجل إلى النبي فقال : يا رسول الله : أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، وصليت الصلوات الخمس ، وأديت الزكاة ، وصمت رمضان وقمته ، فممن أنا ؟ قال رسول الله صلى اللة علية وسلم (( من الصديقين والشهداء [.[ رواه البزار وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما واللفظ لابن حبان . وصححه الألباني (361) في صحيح الترغيب]
وقال صلى اللة علية وسلم : ] عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم [[ أخرجه الترمذي والإمام أحمد في مسنده وصححه الألباني ( 4079 ) في صحيح الجامع ] .
(و) تثبيت الإيمان والإعانة على جليل الأعمال , وما فيهصلاح الأحوال والمآل
قال تعالى : ] يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّاقَلِيلًا إلى قوله : إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا إِنَّ نَاشِئَةَاللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا [[المزمل : 1-6 ]
قال الفراء : ] أَشَدُّ وَطْئًا [ أي أثبت للعمل وأدوم لمن أراد الاستكثار من العبادة والليل وقت الفراغ عن الاشتغال بالمعاش فعبادته تدوم ولا تنقطع .
وقال عكرمة : ] وَأَقْوَمُ قِيلًا[ أي أتم نشاطا وإخلاصا وأكثر بركة .
وقال ابن زيد : أجدر أن يتفقه في القرآن وقيل أعجل إجابة للدعاء .
(س) الوقاية والنجاة من الفتن ، والسلامة من دخول النار
فعن أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي صلى اللة علية وسلم , استيقظ ليلة فقال : سبحان الله , ماذا أُنزل الليلة من الفتنة ؟ ! ماذا أنزل الليلة من الخزائن ؟ ! منيوقظ صواحب الحجرات ؟ [ رواه البخاري ]
وفي ذلك تنبيه على أثر الصلاة بالليل في الوقاية من الفتن
وفي قصة رؤيا ابن عمر قال : "فرأيت كأن ملكين أخذاني , فذهبا بي إلى النار،فإذا هي مطوية كطي البئر , وإذا لها قرنان - يعني كقرني البئر - وإذا فيها أناس قدعرفتهم , فجعلت أقول أعوذ بالله من النار , قال : فلقينا ملك آخر . فقال : لم ترع " فقصصتها على حفصة , فقصتها حفصة على النبي , فقال : ] نعم الرجلعبد الله لو كان يصلي من الليل , فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلا[[متفق عليه ]
(ح) أن يعزك الله وتكون من أشراف العباد .
قال صلى اللة علية وسلم : ] شرف المؤمن قيامه بالليل و عزُّه استغناؤه عن الناس [[ أخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي وحسنه الألباني (73) في صحيح الجامع ]
وقال صلى اللة علية وسلم : ] أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل [[ رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي وصححه الألباني (628) في صحيح الجامع ]
(ط) أن يكون سببًا في العصمة من الذنوب .
(ي) التقرب على الله تعالى .
(ك) تكفير السيئات .
قال صلى اللة علية وسلم (( عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ، وقربة إلى ربكم ، ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم [
(ل) إصلاح فساد القلوب .
قيل للحسن : ما بال القائمين أحسن الناس وجوها ؟ فقال : إنهم خلوا بالله في السحر فألبسهم من نوره
وفي ليالي العشر لا نوم ، بل اشتغال بالصلاة حتى تتفطر قدمك ، ولم لا ؟ والجائزة قد علمت قدرها وشرفها .
قال صلى اللة علية وسلم : ] من قام بألف آية كتب من المقنطرين [[ رواه أبو داود وابن حبان وصححه الألباني (6439) في صحيح الجامع ]
وهذا زمان السباق إلى الله تعالى ، فشمِّر عن ساعد الجد ، وأرِ الله من نفسك عزيمة صادقة على بلوغ تلك المراتب العالية .
كان تميم الداري وأبي بن كعب يقوما بالناس في شهر رمضان فكان القارئ يقرأ بالمائتين في ركعة ، حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام ، وما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر ، بل كان بعضهم يربط الحبال بين السواري ثمَّ يتعلق بها .
ومن الآداب احتسب : إقامة سنة من السنن المهجورة بالتسوك بين ركعات القيام .
فقد كان رسول الله صلى اللة علية وسلم يصلي بالليل ركعتين ركعتين ثم ينصرف فيستاك [ رواه ابن ماجه والنسائي وصححه الألباني (212) في صحيح الترغيب ]
نصيحة
إن كنت ذا همة فحاول أن تصلي وراء أحد الائمة ممَّن يطيلُ الصلاة فإنَّها أفضل القيام ، قال صلى اللة علية وسلم (( أفضل الصلاة طول القنوت [[ رواه مسلم ]
أو اذهب على أحد المساجد التي يتهجدون فيها طوال الليل ، وانصحك بأن لا تخرج من المسجد حتى الفجر ، وتقضي هذا الوقت كله في الصلاة وقراءة القرآن والدعاء والاستغفار ، وإياك أن تلغو ، أو تغفل في أمور الدنيا ، حتى لا يطلع الله عليك وهذه حالتك فيعرض عنك كما أعرضت عنه .
(23) وقت السحر وقت المناجاة
فإنه وقت نزول الرب جل وعلا ، وقت إجابة الحاجات ، وعطايا الوهاب ، ومغفرة الذنوب ، والتوبة للمذنبين .
قال صلى اللة علية وسلم (( إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول : هل من سائل فيعطى ؟ هل من داع فيستجاب له ؟ هل من مستغفر فيغفر له ؟ حتى ينفجر الصبح [[ رواه مسلم ]
وفي رواية :
قال صلى اللة علية وسلم (( تفتح أبواب السماء نصف الليل ، فينادي مناد : هل من داع فيستجاب له ؟ هل من سائل فيعطى ؟ هل من مكروب فيفرج عنه ؟ فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله عز وجل له إلا زانية تسعى بفرجها أو عشار [ أي جابي الضرائب بغير حق ] [[رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني (2391)في صحيح الترغيب ]
رياح هذه الأسحار تحمل أنين المذنبين ، وأنفاس المحبين وقصص التائبين ، ثم تعود برد الجواب بلا كتاب ، فإذا ورد بريد برد السحر يحمل ملطفات الألطاف لم يفهمها غير من كتبت إليه .
يا يعقوب الهجر قد هبت ريح يوسف الوصل ، فلو استنشقت لعدت بعد العمى بصيراً ، ولوجدت ما كنت لفقده فقيراً .
لو قام المذنبون في هذه الأسحار على أقدام الانكسار ، ورفعوا قصص الاعتذار مضمونها : ] فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ [[ يوسف : 88 ]
لبرز لهم التوقيع عليها : ]لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ[[ يوسف : 92 ]
(24)
(24) أكثر من الاستغفار في هذا الوقت ، واحتسب : تكفير الخطايا العظام . ( فالزم هذا الاستغفار)
قال صلى اللة علية وسلم (( أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان فر من الزحف[[ رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني (1622) في صحيح الترغيب ]
وأنْ يلحقك الله بركب المتقين ، ويدفع عنك العذاب والنقم والابتلاءات ، ويمن الله عليك بطوبى في الجنة ، و يدخل على قلبك السرور يوم الفزع الأكبر عند الحساب .
فائدة عن سادات المستغفرين
قال أبو هريرة رضى الله عنه : إني لأستغفر الله وأتوب إليه كل يوم اثني عشر ألف مرة وذلك على قدر ديني أو قدر دينه . [ الحلية (1/383) ]
قال رياح القيسي : لي نيف وأربعون ذنبا قد استغفرت لكل ذنب مائة ألف مرة .[ الحلية (6/194) ]
ودخل حبيب بن مسلمة الفهري الحمَّام بحمص فقال : هذا من نعيم ما ينعم به أهل الدنيا ، لو مكثت فيه ساعة لهلكت ، ما أنا بخارج منه حتى أستغفر الله ألف مرة . [ الآحاد والمثاني (2/129) ]
وهذا عبد العزيز المقدسي قال : لما بلغت الحلم أخذت على نفسي أن أروضها وأمنعها من الآثام ، واستوفقت الله تعالى فوفقني ، واستعنت به فأعانني ، ولقد حاسبت نفسي من يوم بلوغي إلى يومي هذا ، فإذا زلاتي لا تجاوز ستة وثلاثين زلة، ولقد استغفرت الله عز وجل لكل زلة مائة ألف مرة ، وصليت لكل زلة ألف ركعة ختمت في كل ركعة منها ختمة ، وإني مع ذلك غير آمن سطوة ربي عزوجل أن يأخذني بها وأنا على خطر قبول التوبة .[ صفة الصفوة (4/245) ]
(25) السحور .
تسحر ولا تنس تبييت النية بالصيام - وأكلة السحور في نفسها نية - وكلَّما أخرّتها كان أفضل ، والسحور أكلة بركة فلا تتركها ولو بجرعة ماء ، وأفضله : التسحر بالتمر .
واحتسب : أنْ يكون في امتثالك لهدي النبي سبب لأن يهديك الله ويرزقك البصيرة .
(26) الدعاء .
مرَّ عليك أنَّ هذا وقت من أوقات إجابة الدعاء ، فالزم :
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عنَّا ، ربنا ظلمنا أنفسنا ، وإن لا تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، رب إنَّي ظلمت نفسي فاغفر لي ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، سبحانك ما عبدناك حق عبادتك فاغفر لنا .
ومن آداب الدعاء : كثرة الثناء على الله بما هو أهله ، وهو ما يسميه العلماء ( التملق ) : لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك .
سأل أعرابي النبي صلى اللة علية وسلم فقال : علمني دعاء لعل الله أن ينفعني به. فقال : قل اللهم لك الحمد كله وإليك يرجع الأمر كله . [ رواه البيهقي وحسنه الألباني (1576) في صحيح الترغيب ]
(27) مع الفجر .
أنت من الآن قد شرعت في عبادة الصيام ، فأكرم بها من طاعة ، ولك فيها نيات عظيمة ، اذكرك بها هنا لعلك قد نسيتها بعد مضى عشرين يومًا ، فأخشى أن يكون قد صار عادة ، فاحتسب هذه النوايا في الصيام ليزداد أجرك ، وتعظم منزلتك عند الله تعالى .
فاحتسب :
تحصيل ثمرة التقوى . ] لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[[ البقرة : 183]
والتخلص من آصار وتبعات ذنوب الماضي .
وأن يبلغك الله الدرجات الرفيعة والتشرف بأداء عمل نسبه الله لنفسه
.
والاستشفاء من جميع الآفات التي تحول بينك وبين الله فالصوم لا مثل له .
واحتسب بصومك الوقاية من آثار الفتن ، والنجاة من شدة الحساب فالصيام كفارة للذنوب وزيادة على ثواب الكفارة .
وأنَّه سبب للحفظ والأمان من الوقوع في وحل المعاصي والحرمان ، فالصوم حنة وحصن منيع ، يحصن الإنسان من الشيطان وخطواته ، ويمنع صاحبه من أن ينزلق في الأقذار والأرجاس .
وأن يكون سببًا للوقاية من داء وخطر الشهوة .
الابتعاد عن النَّار بكل يوم مسيرة مائة عام .
أنه سبب من أسباب الشفاعة يوم القيامة .
طرق سبيل من أعظم السبل للجنة وإجابة نداء الريان
دفع مهر الحور العين .
زيادة الرصيد الإيماني
التطيب بما هو أطيب عند الرحمن .
التحلي بشعار الأبرار .
إبهاج القلوب الحزينة فللصائم فرحتان .
شكر الله على نعمه
ترويض النفس بالصبر على الطاعة
التحفيز على فعل الطاعات وترك المنكرات بترك فضول الطعام .
سبب لقضاء الحوائج غذ دعوة الصائم مستجابة .
سبب للين القلب .
سبب للعتق من النار ( أعتقني الله وإياك منها ) .
(28) مع أذان الفجر
لا تنس ترديد الأذان ، والدعاء بعده ، ثمَّ قم وأسرع بأداءِ ركعتي السنة ( الفجر ) ، وهما من آكد السنن الرواتب ، فلم يكن النبي على شيء من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر وكان يصليهما خفيفتين ، يقرأ في الأولى (سورة الكافرون) ، وفي الثانية ( سورة الإخلاص ) . ثمَّ من السنة أن تضطجع على شقك الأيمن قليلاً بعد أدائهما .
واحتسب فيهما : عظم الأجر الذي الدنيا وما فيه لا تساويه . قال : ] ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها [[رواه مسلم]
فائدة .
نقل ابن القيم عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنَّ " من واظب على أربعين مرة كل يوم بين سنة الفجر وصلاة الفجر يا حي يا قيوم ، لا إله إلا أنت ، برحمتك أستغيثحصلت له حياة القلب ولم يمت . [ مدارج السالكين (1/448) ]
(29) أداء صلاة الفجر في الجماعة .
واحتسب بأدائها : الحفظ والعناية فمن صلاها في جماعة فهو في ذمة الله ، وهي سبب لدخول الجنة ، وللعتق من النَّار ، ومغفرة الذنوب يوم القيامة باستغفار الملائكة لك .
(30) جلسة الذكر بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس .
اجلس بعد الصلاة ، وقل : أذكار الصباح حتى شروق الشمس
واحتسب : أجر عمرة وحجة تامة تامة ، و أن يعتق الله رقبتك من النار بعتقك للرقاب ، وهذه الجلسة هي قوت وزاد القلب والروح .
فائدة : الهدي النافع في هذه الجلسة
قال ابن القيم في طريق الهجرتين :
" فإذا فرغ من صلاة الصبح أقبل بكليته على ذكر الله والتوجه إليه بالأذكار التي شرعت أول النهار فيجعلها وردا له لا يُخلُّ بها أبدا ، ثم يزيد عليها ما شاء من الأذكار الفاضلة ، أو قراءة القرآن حتى تطلع الشمس ، فإذا طلعت فإن شاء ركع ركعتي الضحى وزاد ما شاء ، وإن شاء قام من غير ركوع " [ طريق الهجرتين ص (322) ]
تنبيهات
قراءة القرآن في العشر :
كان سلفنا الصالح يجتهدون في قراءة القرآن في رمضان ، فقد كان قتادة رضى الله عنه يختم في سبع ، وفي رمضان في كل ثلاث ، وفي العشر كل ليلة .
وهذا الورد يناسب حال المعتكفين ، ولا أقل من أن تقرأ في كل يوم وليلة (10 أجزاء ) إلا أن تكون تصلي وراء إمام يقيم الليلة كلها ، فيشرع لك (5 أجزاء ) في النهار من باب إصلاح القلب ومداوته من آفاته ، وتهيئته لجوائز الرحمن .
واحتسب عند القراءة في المصحف : أنَّها من الأسباب الموجبة لمحبتك لله تعالى قال : ] من سرَّه أنْ يحبَّ الله ورسوله فليقرأ في المصحف [[ رواه البيهقي وأبو نعيم وحسنه الألباني (2342) في الصحيحة ]
ولك في القراءة عظيم المنن فاحتسب أنها سبب موجب لمعية الله الخاصة ، أما تحب أنْ تكون من أهل الله وخاصته ، الذين يكلأهم بالليل والنهار ، ويحفظهم ، ويرد عنهم ، فالله يدافع عن الذين آمنوا ، أما ترضى أنْ يرجع النَّاس بالذهب والفضة والعشيرة والنسب وترجع أنت بالله ورسوله ،
واحتسب أيضًا : أن تكون من خيرة خلق الله بإدمانك للتلاوة ، وتعلمك وتعليمك للقرآن ، ورفعك الله وأعزك ، وكنت على صلة به ، ناهيك عن قناطير من الحسنات بقراءة كل حرف ،
ولك من الله إكرام السابغ يوم القيامة ، وشفع لك القرآن ، وكان سببًا في وقايتك من عذاب النار ، وإذا أحسنت التلاوة كنت مع السفرة الكرام البررة . إلى غير هذا من الفضائل لقارئ القرآن .
هذا نذير .. احذر بطش الله .
أيها العاصي المذنب ـ وكلُّنا ذلك الرجل ـ حذار من بطش الله وسوء العاقبة ، فينظر إليك ليلة القدر ، ليلة المغفرة ، ليلة الجائزة ، فيجدك على المعاصي مقيمًا ، فيسخط عليك .
قال صلى اللة علية وسلم لمعاذ بن جبل رضى الله عنه : ] وإياك والمعصية فإنَّ بالمعصية حلَّ سخط الله [[رواه أحمد والطبراني في الكبير وحسنه الألباني (570) في صحيح الترغيب ]
عن عبد الله بن المديني قال : كان لنا صديق فقال : خرجت إلى ضيعتي فأدركتني صلاة المغرب فأتيت إلى جنب مقبرة فصلَّيت المغرب قريبًا منها , فبينما أنا جالس إذ سمعت من جانب القبور أنينا فدنوت إلى القبر الذي سمعت منه الأنين وهو يقول : آه قد كنت أصوم ، قد كنت أصلي ، فأصابني قشعريرة , فدعوت من حضرني ، فسمع مثل ما سمعت ، ومضيت إلى ضيعتي , ورجعت يعني في اليوم الثاني , وصليتُ في موضعي الأول وصبرت حتى غابت الشمس ، وصليت المغرب ثم استمعت إلى ذلك القبر فإذا هو يئن ويقول : آه قد كنت أصلي ، قد كنت أصوم , فرجعت إلى منزلي ومرضت بالحمى شهرين .
قال ابن حجر الهيتمي : وأقول : قد وقع لي نظير ذلك , وذلك أني كنت - وأنا صغير - أتعاهد قبر والدي - رحمه الله - للقراءة عليه ، فخرجت يوما بعد صلاة الصبح بغلس في رمضان , بل أظن أنَّ ذلك كان في العشر الأخير بل في ليلة القدر , فلما جلست على قبره ... ولم يكن بالمقبرة أحد غيري , فإذا أنا أسمع التأوه العظيم والأنين الفظيع بآه آه آه ، وهكذا بصوت أزعجني من قبر مبني بالنورة والجص له بياض عظيم , فقطعت القراءة واستمعت فسمعت صوت ذلك العذاب من داخله ، وذلك الرجل المعذب يتأوه تأوها عظيما بحيث يقلق سماعه القلب ، ويفزعه فاستمعت إليه زمنًا , فلما وقع الإسفار خفي حسه عني , فمر بي إنسان فقلت قبر من هذا ؟ قال : هذا قبر فلان لرجل أدركته - وأنا صغير - وكان على غاية من ملازمة المسجد والصلوات في أوقاتها والصمت عن الكلام . وهذا كله شاهدته وعرفته منه ، فكبر عليَّ الأمر جدا ؛ لما أعلمه من أحوال الخير التي كان ذلك الرجل متلبسا بها في الظاهر , فسألت واستقصيت الذين يطلعون على حقيقة أحواله ، فأخبروني أنه كان يأكل الربا , فإنه كان تاجرا ثم كبر ، وبقي معه شيء من الحطام , فلم ترض نفسه الظالمة الخبيثة أن يأكل من جنبه حتى يأتيه الموت ، بل سوَّل له الشيطان محبة المعاملة بالربا حتى لا ينقص ماله فأوقعه في ذلك العذاب الأليم حتى في رمضان حتى في ليلة القدر . [ الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/24-25) ]
وخاتمة المسك : عفوك يا رب
لما عرف المؤمنون بجلاله خضعوا ، و لما سمع المذنبون بعفوه طمعوا ، ما ثمَّ إلا عفو الله أو النار ، لولا طمع المذنبين في العفو لاحترقت قلوبهم باليأس من الرحمة ، و لكن إذا ذكرت عفو الله استروحت إلى برد عفوه .
فيا كبير الذنب عفو الله من ذنبك أكبر ، أكبر الأوزار في جنب عفو الله يصغر . و إنما أمر بسؤال العفو في ليلة القدر بعد الاجتهاد في الأعمال فيها ، وفي ليالي العشر لأن المؤمنين يجتهدون في الأعمال ثم لا يرون لأنفسهم عملاً صالحاً ، ولا حالاً ولا مقالاً فيرجعون إلى سؤال العفو كحال المذنب المقصر .
قال يحيى بن معاذ : ليس بعارف من لم يكن غاية أمله من الله العفو .
فاللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنَّا ، عفو فتتجاوز عن سيئات عبادك ، وتمحو آثارها عنهم ، تحب أن تعفو عن عبادك ، و تحب من عبادك أن يعفو بعضهم عن بعض ، فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملتهم بعفوك ، وعفوك أحب إليك من العقوبة .
اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك ، و عفوك من عقوبتك .
اللهم إن ذنوبي قد عظمت فجلت عن الصفة ، وإنها صغيرة في جنب عفوك ، فاعف عني .
اللهم جرمي عظيم ، وعفوك كثير، فاجمع بين جرمي وعفوك يا كريم .
اللهم يا من ليس في الوجود سواه ، يا من عليه يعتمد ، ومن فضله يسأل ، وإليه يستند ، يا أحد يا صمد ، يا من لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ،
يا كثير الخير ، يا دائم المعروف ، يا من الملائكة في خدمته صفوف ، وعلى طاعته عكوف ، يا جار المستجير ، ومن هو على كل شيء قدير يا غياث الملهوف ،
يا من بيده القبض والبسط ، وبيده تقوم السموات والأرض، يا من امتدت لمسألته أكف السائلين ، وخرت لعبادته وجوه الساجدين، وعجت بتلبيته أصوات الملبين ، وطمحت إلى معروفه أبصار الآملين ،
يا عالم السر والنجوى ، يا من إليه المشتكى ، يا من عنت له الوجوه ، وخشعت له الأصوات ، يا من يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ، يا من إذا انتهت الشكوى إليه فقد بلغت المنتهى ، يا فالق الحب والنوى .
اللهم نشكو إليك ما نحن فيه من طاعتك مقصرون ، وعلى معصيتك مصرون ، وبعظمتك جاهلون ، وبحكمك مغترون ، وعن القيام بما يلزمنا في حقك عاجزون .
اللهم اجعلنا من الذين يعاملونك بما تحب ، وتعاملهم بما يحبون ، وينصرفون عما تكره ، وتصرف عما يكرهون ، وألحقنا بالذين وجهوا إليك وجوههم ، وأخلصوا لك أعمالهم ، ولم يعتمدوا على أحد إلا عليك ، ولم يستندوا إلا إليك .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، واختم لنا بخير ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين .
فالله أسأل أن يعيننا على طاعته ، وأن يجعل عملنا صالحًا متقبلاً ، ووصيتي لك إن انتفعت من هذه الرسالة بشيء أو وجدت غير ذلك أن تدعو لجامعها أن يرزقه الله الصدق والإخلاص في القول والعمل ، اللهم يا ولي الإسلام وأهله مسكنا بالإسلام حتى نلقاك عليه ، والحمد لله أولا وآخرا .
***************************
منقول للفائدة
لا تنسونا من صالح دعائكم
.
اليوم في 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد