يتبع ما قبله : -
: أحكامُ توحيدِ الأسماءِ والصِّفاتِ :
-
: أحكامٌ مُتعَلِّقةٌ بالوَصفِ والتَّسميةِ والإخبارِ عن اللهِ :
أولاً : : معنى الصِّفةِ والوَصْفِ والنَّعْتِ والاسمِ، والفَرْقُ بينها :
الصِّفةُ والوَصْفُ والنَّعتُ هي في الجُملةِ بمعنًى واحدٍ.
قال الزَّجَّاجيُّ: (اعلَمْ أنَّ النَّعتَ عند بَعضِ أهلِ العَرَبيَّةِ: هو وَصفُ الشَّيءِ بخِلْقةٍ فيه أو سَجِيَّةٍ أو طبيعةٍ، أو لونٍ أو طولٍ أو قِصَرٍ، أو حُسنٍ أو قُبحٍ وما أشبَهَ ذلك. ووَصْفُه هو وَصْفُه بفِعْلِه أو نِسبتِه أو صِناعتِه، فالوَصفُ أعَمُّ مِنَ النَّعتِ، ويُجمَعُ الوَصفُ والنَّعتُ في أنَّهما يَجْريانِ على المنعوتِ ويَفصِلانِه مِنَ المُجانِسِ له عند خَوفِ الالتباسِ به،
أو يكونانِ مَدحًا أو ذَمًّا، ويَفتَرِقانِ في أنَّ النَّعتَ في الحَقيقةِ ما ذكَرْتُه لك.
قال الخليلُ: النَّعتُ: وَصفُ الشَّيءِ بما فيه، كقَولِه:
أمَّا القَطاةُ فإنِّي سوفُ أنعَتُها ... نعتًا يُوافِقُ نَعتي بَعضَ ما فيها
ويُقالُ لكُلِّ شَيءٍ بَلَغ في معناه النِّهايةَ وجادَ: هو نَعتٌ. ويقال: فَرسٌ: نَعتٌ للجَوادِ. وبَعضُهم يَقول: النَّعتُ والوَصفُ شَيءٌ واحِدٌ،
وإنَّ النَّاعِتَ لشَيءٍ هو واصِفٌ له، وكذلك الواصِفُ له هو ناعِتٌ له، ويأبى ذلك مَن ذَهَب إلى المذهَبِ الأوَّلِ،
فيَقولونَ: إذا قُلتَ: «جاءني زيدٌ الطَّويلُ أو الجَميلُ أو القَصيرُ أو الرَّبْعةُ» فهذا نَعْتُه؛ لوَصْفِه إيَّاه بما فيه، وإذا قُلْنا: «جاءني زيدٌ الكاتِبُ أو التَّاجِرُ أو الفقيهُ أو النَّحويُّ» وما أشبه ذلك، فهذا وَصْفُه، وليس بنَعْتِه في الحقيقةِ إلَّا مجازًا؛ لأنَّا نقولُ للوَصفِ: نَعتٌ، وللنَّعتِ: وَصفٌ، في مجاري العربيَّةِ؛ اتِّساعًا لَمَّا كان مجراها في الأجوَدِ على الأوَّلِ، والدَّليلُ عليه واحِدٌ. فهذا شيءٌ يَذهَبُ إليه أصحابُ المعاني والنَّظَرِ، فأمَّا النَّحويُّونَ فلم يُفَرِّقوا بين النَّعتِ والوَصفِ؛ لأنَّ غَرَضَهم ما يَتْبَعُ الاسمَ في إعرابِه محمولًا عليه مُوَضِّحًا له غيرَ بَدَلٍ ولا توكيدٍ ولا معطوفٍ، فذلك عِندَهم هو الوَصفُ والنَّعتُ) .
وقال أبو هِلالٍ العَسكريُّ: (النَّعتُ هو ما يَظهَرُ مِن الصِّفاتِ ويَشتَهِرُ؛ ولهذا قالوا: هذا نَعتُ الخليفةِ، كمِثْلِ قَولِهم: الأمينُ والمأمونُ والرَّشيدُ، وقالوا: أوَّلُ مَن ذُكِرَ نَعْتُه على المِنبَرِ الأمينُ، ولم يَقولوا: صِفَتُه، وإن كان قَولُهم: الأمينُ، صِفةً له عندَهم؛ لأنَّ النَّعتَ يفيدُ مِن المعاني التي ذكَرْناها ما لا تفيدُه الصِّفةُ، ثم قد تتداخَلُ الصِّفةُ والنَّعتُ، فيقعُ كُلُّ واحدٍ منهما مَوضِعَ الآخَرِ؛ لتقارُبِ مَعنَيَيهما، ويجوزُ أن يُقالَ: الصِّفةُ لُغةٌ، والنَّعتُ لُغةٌ أُخرى، ولا فَرْقَ بينهما في المعنى، والدَّليلُ على ذلك أنَّ أهلَ البَصرةِ مِنَ النُّحاةِ يَقولونَ: الصِّفةُ، وأهلَ الكُوفةِ يَقولونَ: النَّعتُ، ولا يُفَرِّقونَ بينهما؛ فأمَّا قَولُهم: نَعْتُ الخليفةِ، فقد غَلَب على ذلك كما يَغلِبُ بَعضُ الصِّفاتِ على بَعضِ الموصوفينَ بغيرِ معنًى يَخُصُّه، فيَجري مجرى اللَّقَبِ في الرِّفعةِ، ثم كَثُر حتى استُعمِلَ كُلُّ واحدٍ منهما في مَوضِعِ الآخَرِ) .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (الفَرقُ بين الصِّفةِ والنَّعتِ مِن وُجوهٍ ثلاثةٍ:
أحَدُها: أنَّ النَّعتَ يكونُ بالأفعالِ التي تتجَدَّدُ، كقَولِه تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ [الأعراف: 54] الآية، وقَولِه: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الزخرف: 10] ، وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ [الزخرف: 11] ، وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ [الزخرف: 12] ونظائِر ذلك.
و«الصِّفةُ» هي الأمورُ الثَّابتةُ اللَّازِمةُ للذَّاتِ، كقَولِه تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ [الحشر: 22، 23] إلى قَولِه: الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحشر: 24] ونَظائِر ذلك.
الفَرقُ الثَّاني: أنَّ الصِّفاتِ الذَّاتيَّةَ لا يُطلَقُ عليها اسمُ النُّعوتِ، كالوَجْهِ واليَدَينِ، والقَدَمِ، والأصابِعِ، وتُسَمَّى صِفاتٍ، وقد أطلَقَ عليها السَّلَفُ هذا الاسمَ، وكذلك مُتكَلِّمو أهلِ الإثباتِ سَمَّوها صِفاتٍ، وأنكَرَ بَعضُهم هذه التَّسميةَ، كأبي الوَفاءِ بنِ عَقيلٍ وغَيرِه،
وقال: لا ينبغي أن يقال: نُصوصُ الصِّفاتِ، بل آياتُ الإضافاتِ؛ لأنَّ الحَيَّ لا يُوصَفُ بيَدِه ولا وَجْهِه؛ فإنَّ ذلك هو الموصوفُ، فكيف تُسَمَّى صِفةً؟ وأيضًا: فالصِّفةُ معنًى يَعُمُّ الموصوفَ، فلا يكونُ الوَجهُ واليَدُ صِفةً.
والتَّحقيقُ: أنَّ هذا نِزاعٌ لَفظيٌّ في التَّسميةِ، فالمقصودُ: إطلاقُ هذه الإضافاتِ عليه سُبحانَه، ونِسْبتُها إليه، والإخبارُ عنه بها مُنَزَّهةً عن التَّمثيلِ والتَّعطيلِ، سواءٌ سُمِّيت صِفاتٍ أو لم تُسَمَّ.
الفَرقُ الثَّالِثُ: أنَّ النُّعوتَ ما يَظهَرُ مِن الصِّفاتِ ويَشتَهِرُ، ويَعرِفُه الخاصُّ والعامُّ، والصِّفاتُ: أعَمُّ؛ فالفَرْقُ بين النَّعتِ والصِّفةِ فَرقُ ما بين الخاصِّ والعامِّ، ومنه قَولُهم في تحليِة الشَّيءِ: نَعْتُه كذا وكذا، لِما يَظهَرُ مِن صِفاتِه.
وقيل: هما لغتانِ، لا فَرْقَ بينهما؛ ولهذا يَقولُ نحاةُ البَصرةِ: بابُ الصِّفةِ، ويَقولُ نُحاةُ الكوفةِ: بابُ النَّعتِ، والمرادُ واحِدٌ، والأمرُ قَريبٌ) .
أمَّا الاسمُ فـهو ما دلَّ على معنًى في نَفْسِه ، وأسماءُ الأشياءِ هي الألفاظُ الدَّالَّةُ عليها .
قال أبو هِلالٍ العَسكَريُّ: (الفَرقُ بين الاسمِ والصِّفةِ: أنَّ الصِّفةَ ما كان من الأسماءِ مُخَصِّصًا مفيدًا مِثلُ: زَيدٌ الظَّريفُ، وعَمرٌو العاقِلُ، وليس الاسمُ كذلك؛ فكُلُّ صِفةٍ اسمٌ، وليس كُلُّ اسمٍ صفةً، والصِّفةُ تابعةٌ للاسمِ في إعرابِه، وليس كذلك الاسمُ من حيثُ هو اسمٌ، ويَقَعُ الكَذِبُ والصِّدقُ في الصِّفةِ؛ لاقتضائِها الفوائِدَ، ولا يَقَعُ ذلك في الاسمِ واللَّقَبِ، فالقائِلُ للأسْوَدِ: أبيَضُ، على الصِّفةِ- كاذِبٌ، وعلى اللَّقَبِ غيرُ كاذبٍ) .
وقال الغَزاليُّ: (الاسمُ: هو اللَّفظُ الموضوعُ للدَّلالةِ على المسَمَّى، فزَيدٌ -مثلًا- اسمُه زَيدٌ، وهو في نَفْسِه أبيَضُ وطَويلٌ، فلو قال له قائِلٌ: يا طَويلُ يا أبيَضُ، فقد دعاه بما هو موصوفٌ به وصَدَقَ، ولكِنَّه عَدَل عن اسمِه؛ إذ اسمُه زيدٌ دونَ الطَّويلِ والأبيضِ، وكَونُه طويلًا أبيَضَ لا يَدُلُّ على أنَّ الطَّويلَ اسمُه، بل تَسميتُنا الوَلَدَ قاسِمًا وجامِعًا لا يَدُلُّ على أنَّه موصوفٌ بمعاني هذه الأسماءِ، بل دَلالةُ هذه الأسماءِ -وإن كانت معنويَّةً- عليه كدَلالةِ قَولِنا: زَيدٌ، وعيسى، وما لا معنى له، بل إذا سَمَّيناه: عَبْدَ المَلِكِ، فلَسْنَا نعني به أنَّه عَبَدَ المَلِكَ؛ ولذلك نقولُ: عبدُ المَلِكِ اسمٌ مُفرَدٌ، كعيسى وزيدٍ، وإذا ذُكِرَ في مَعرِضِ الوَصفِ كان مركَّبًا، وكذلك عبدُ اللهِ؛ لذلك يُجمَعُ فيقالُ: عَبادِلَةٌ، ولا يقالُ: عِبادُ اللهِ.
وإذا فَهِمْتَ معنى الاسمِ فاسمُ كُلِّ أحدٍ ما سَمَّى به نَفْسَه، أو سَمَّاه به وَلِيُّه من أبيه أو سَيِّده، والتَّسميةُ -أعني: وَضْعَ الاسمِ- تَصَرُّفٌ في المسَمَّى، وَيستَدعي ذلك وِلايةً، والوِلايةُ للإنسانِ على نَفْسِه أو على عَبدِه أو على وَلَدِه؛ فلذلك تكونُ التَّسمياتُ إلى هؤلاء؛
ولذلك لو وَضَع غَيرُ هؤلاء اسمًا على مُسَمًّى رُبَّما أنَكَره المسَمَّى وغَضِبَ على المسَمِّي، وإذا لم يكُنْ لنا أن نُسَمِّيَ إنسانًا -
أي: لا نَضَعُ له اسمًا- فكيف نَضَعُ لله تعالى اسمًا، وكذلك أسماءُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم معدودةٌ، وقد عَدَّها وقال: «إنَّ لي أسماءً: أحمَدُ، ومحمَّدٌ، والمقَفِّي، والماحي، والعاقِبُ، ونبيُّ التَّوبةِ، ونبيُّ الرَّحمةِ، ونبيُّ المَلْحَمةِ». وليس لنا أن نَزيدَ على ذلك في مَعرِضِ التَّسميةِ، بل في مَعرِضِ الإخبارِ عن وَصْفِه،
فيجوزُ أن نقولَ: إنَّه عالمٌ ومُرشِدٌ ورَشيدٌ وهادٍ وما يجري مجراه، كما نقولُ لزَيدٍ: إنَّه أبيَضُ طويلٌ، لا في مَعرِضِ التَّسميةِ بل في مَعرِضِ الإخبارِ عن صِفتِه، وعلى الجُملةِ فهذه مَسألةٌ فِقهيَّةٌ؛ إذ هو نَظَرٌ في إباحةِ لَفظٍ وتحريمِه، فنقولُ: أمَّا الدَّليلُ على المنعِ مِن وَضعِ اسمٍ لله سُبحانَه وتعالى: هو المنعُ مِن وَضعِ اسمٍ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُسَمِّ به نَفْسَه، ولا سَمَّاه به رَبُّه تعالى، ولا أبواه، وإذا مُنِعَ في حَقِّ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بل في حَقِّ آحادِ الخَلْقِ، فهو في حَقِّ اللهِ أَولى، وهذا نوعُ قياسٍ فِقهيٍّ تُبنى على مِثْلِه الأحكامُ الشَّرعيَّةُ) .
وسُئِلت اللَّجَنَّةُ الدَّائمةُ للبُحوثِ العِلميَّةِ والإفتاءِ بالسُّعوديَّةِ عنِ الفَرقِ بين الاسمِ والصِّفةِ؟ فأجابَتْ بما يلي:
(أسماءُ اللهِ: كلُّ ما دلَّ على ذاتِ اللهِ مع صِفاتِ الكَمالِ القائِمةِ به؛ مِثلُ: القادرِ، الَعليمِ، الحَكيمِ، السَّميعِ، البَصيرِ؛ فإنَّ هذه الأسماءَ دلَّتْ على ذاتِ اللهِ، وعلى ما قام بها مِن العِلمِ والحِكمةِ والسَّمعِ والبصَرِ، أمَّا الصِّفاتُ فهي نُعوتُ الكَمالِ القائمةُ بالذَّاتِ؛ كالعِلمِ والحِكمةِ والسَّمعِ والبصَرِ؛ فالاسمُ دلَّ على أمرينِ، والصِّفةُ دلَّتْ على أمرٍ واحدٍ، ويُقالُ: الاسمُ مُتضمِّنٌ للصِّفةِ، والصِّفةُ مُستلزِمةٌ للاسمِ ...) .
وقال ابنُ عُثَيمين: (الفَرقُ بين الاسمِ والصِّفةِ: أنَّ الاسمَ: ما سُمِّيَ اللهُ به، والصِّفةُ: ما وُصِفَ اللهُ به. وبينهما فَرقٌ ظاهِرٌ؛ فالاسمُ يُعتَبَرُ عَلَمًا على اللهِ عزَّ وجَلَّ متضَمِّنًا للصِّفةِ.
ويَلزَمُ مِن إثباتِ الاسمِ إثباتُ الصِّفةِ. مِثالُه: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة: 39] «غفورٌ» اسمٌ يَلزَمُ منه المغفِرةُ، و «رحيمٌ» يَلزَمُ منه إثباتُ الرَّحمةِ. ولا يلزَمُ مِن إثباتِ الصِّفةِ إثباتُ الاسمِ، مِثلُ الكلامِ، لا يَلزَمُ أن نُثبِتَ للهِ اسمَ المتكَلِّمِ، بناءً على ذلك تكونُ الصِّفاتُ أوسَعَ؛ لأنَّ كُلَّ اسمٍ مُتضَمِّنٌ لصِفةٍ، وليست كُلُّ صِفةٍ مُتضَمِّنةً لاسمٍ) .
ويُميِّزُ الاسمَ عنِ الصِّفةِ، والصِّفةَ عنِ الاسمِ: أمورٌ؛ منها:
أوَّلًا: أنَّ أسماءَ اللهِ: كلُّ ما دلَّ على ذاتِ اللهِ مع صِفاتِ الكَمالِ القائمةِ به، مِثلُ: القادِرِ، العليمِ، الحكيمِ، السَّميعِ، البصيرِ؛ فإنَّ هذه الأسماءَ دلَّتْ على ذاتِ اللهِ، وعلى ما قام بها مِن العِلمِ والحِكمةِ والسَّمعِ والبصَرِ، أمَّا الصِّفاتُ فهي نُعوتُ الكَمالِ القائمةُ بالذَّاتِ؛ كالعِلمِ والحِكمةِ والسَّمعِ والبصَرِ؛ فالاسمُ دلَّ على أمرينِ، والصِّفةُ دلَّتْ على أمرٍ واحدٍ، ويُقالُ: الاسمُ مُتضمِّنٌ للصِّفةِ، والصِّفةُ مُستلزِمةٌ للاسمِ .
قال البيهقي: (في إثباتِ أسمائِه إثباتُ صِفاتِه؛ لأنَّه إذا ثَبَت كَونُه موجودًا، فوُصِفَ بأنَّه حَيٌّ، فقد وُصِفَ بزيادةِ صِفةٍ على الذَّاتِ هي الحياةُ، فإذا وُصِفَ بأنَّه قادِرٌ فقد وُصِفَ بزيادةِ صِفةٍ هي القُدرةُ، وإذا وُصِفَ بأنَّه عالمٌ فقد وُصِفَ بزيادةِ صِفةٍ هي العِلْمُ، كما إذا وُصِفَ بأنَّه خالِقٌ فقد وُصِفَ بزيادةِ صِفةٍ هي الخَلقُ، وإذا وُصِفَ بأنَّه رازِقٌ فقد وُصِفَ بزيادةِ صِفةٍ هي الرِّزقُ، وإذا وُصِفَ بأنَّه مُحيي فقد وُصِفَ بزيادةِ صِفةٍ هي الإحياءُ؛ إذ لولا هذه المعاني لاقتُصِرَ في أسمائِه على ما يُنبئُ عن وُجودِ الذَّاتِ فقط) .
وقال ابنُ عُثَيمين: (هل أسْماءُ اللهِ مُشتَقَّةٌ أو جامِدةٌ -يعني: هل المرادُ بها الدَّلالةُ على الذَّاتِ فقط، أو على الذَّاتِ والصِّفةِ-؟
الجوابُ: على الذَّاتِ والصِّفةِ؛ أمَّا أسماؤنا نحن فيرادُ بها الدَّلالةُ على الذَّاتِ فقط؛ فقد يُسَمَّى محمَّدًا، وهو من أشَدِّ النَّاسِ ذَمًّا، وقد يُسَمَّى عبدَ اللهِ، وهو من أفجَرِ عِبادِ اللهِ! أمَّا أسْماءُ اللهِ عزَّ وجَلَّ، وأسماءُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأسماءُ القُرآنِ، وأسماءُ اليَومِ الآخِرِ، وما أشبَهَ ذلك؛ فإنَّها أسماءٌ مُتضَمِّنةٌ للأوصافِ) .
ثانيًا: أنَّ الأسماءَ يُشتَقُّ منها صِفاتٌ، أمَّا الصِّفاتُ فلا يُشتَقُّ منها أسماءٌ؛ فنشتَقُّ مِن أسماءِ اللهِ: الرَّحيمِ والقادرِ والعظيمِ، صِفاتِ: الرَّحمةِ والقُدرةِ والعَظَمةِ، لكن لا نشتَقُّ مِن صِفاتِ: الإرادةِ والمَجيءِ والمَكْرِ، اسمَ: المُريدِ والجَائِي والماكرِ.
فأسماؤُه سُبحانَه وتعالى أوصافٌ، كما قال ابنُ القيِّمِ في (النُّونيَّةِ):
أَسْمَاؤُهُ أَوْصَافُ مَدْحٍ كُلُّهَا مُشْتَقَّةٌ قَدْ حُمِّلَتْ لِمَعَانِ
ثالثًا: أنَّ الاسمَ لا يُشتَقُّ مِن أفعالِ اللهِ؛ فلا نشتَقُّ مِن كونِه يُحبُّ ويكرَهُ ويغضَبُ، اسمَ: المُحبِّ، والكارِهِ، والغاضِبِ، أمَّا صِفاتُه فتُشتَقُّ مِن أفعالِه؛ فنُثبِتُ له صِفةَ المحبَّةِ، والكُرْهِ، والغضَبِ، ونحوِها مِن تلك الأفعالِ؛ لذلك قيل: بابُ الأفعال أوسَعُ مِن بابِ الأسماءِ .
رابِعًا: أنَّ أسماءَ اللهِ عزَّ وجلَّ وصِفاتِه تشترِكُ في الاستعاذةِ بها، والحَلِفِ بها، لكن تختلِفُ في التَّعبُّدِ والدُّعاءِ، فيُتعبَّدُ اللهُ بأسمائِه، فنقولُ: عبدُ الكريمِ، وعبدُ الرَّحمنِ، وعبدُ العزيزِ، لكن لا يُتعبَّدُ بصِفاتِه، فلا نقولُ: عبدُ الكرَمِ، وعبدُ الرَّحمةِ، وعبدُ العزَّةِ، كما أنَّه يُدعَى اللهُ بأسمائِه،
فنقولُ: يا رحيمُ، ارحَمْنا، ويا كريمُ، أكرِمْنا، ويا لطيفُ، الطُفْ بنا، لكن لا ندعو صِفاتِه فنقولُ: يا رحمةَ اللهِ، ارحَمينا، أو: يا كرَمَ اللهِ، أو: يا لُطفَ اللهِ؛ ذلك أنَّ الصِّفةَ ليست هي الموصوفَ؛ فالرَّحمةُ ليست هي اللهَ، بل هي صفةٌ للهِ، وكذلك العِزَّةُ، وغيرُها؛ فهذه صِفاتٌ للهِ، وليست هي اللهَ، ولا يجوزُ التَّعبُّدُ إلَّا للهِ، ولا يجوزُ دعاءُ إلَّا الله؛ لِقَولِه تعالى: يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور: 55] ، وقولِه تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] ، وغيرِها مِن الآياتِ .
قال ابنُ عُثَيمين: (قَولُه: ((أعوذُ برِضاكَ مِن سَخَطِك، وبمُعافاتِك مِن عُقوبتِك )) كُلُّ هذا استعاذةٌ بصفةِ اللهِ، والمرادُ الموصوفُ؛
لأنَّ الدُّعاءَ المحظورَ أن تقولَ: يا قُدرةَ اللهِ، اغفِري لي، يا رحمةَ اللهِ، ارحَمِيني، هذا الذي قال عنه شيخُ الإسلامِ: إنَّه كُفرٌ بالاتِّفاقِ؛ لأنَّك إذا قُلتَ: يا قُدرةَ اللهِ، اغفِري لي، أو: يا رَحمةَ اللهِ، ارحَميني، كأنَّك جعَلْتَ هذه الصِّفةَ شيئًا مُستَقِلًّا عن الموصوفِ، فيَغفِرُ ويَرحَمُ ويُغني، أمَّا إذا قُلتَ: أعوذُ بعِزَّةِ اللهِ، فهذا من بابِ التَّوسُّلِ بعِزَّةِ اللهِ عزَّ وجَلَّ إلى النَّجاةِ مِن هذا المرهوبِ الذي استعَذْتَ بالعِزَّةِ منه، وكذلك: برِضاكَ مِن سَخَطِك ،
وكذلك قَولُه: ((يا حَيُّ يا قَيُّومُ، برَحمتِك أستغيثُ ))، ليس المعنى أنَّ الإنسانَ يستغيثُ بالرَّحمةِ مُنفَصِلةً عن اللهِ، لكِنْ هذا من بابِ التَّوسُّلِ بصِفاتِ اللهِ عزَّ وجَلَّ المناسِبةِ للمُستَعاذِ منه أو للمَدْعُوِّ، وليس دُعاءَ صِفةٍ) .
ثانياً : : حُكمُ اشتقاقِ المصدَرِ والفِعلِ والإخبارِ بهما عن اللهِ :
إذا أُطلِقَ الاسمُ على اللهِ تعالى جاز أن يُشتَقَّ منه المصدَرُ والفِعلُ، فيُخبَرُ به عنه فِعلًا ومَصدرًا.
ومِثالُ ذلك: السَّميعُ، البَصيرُ، القَديرُ، فيَصِحُّ أن يُطلَقَ عليه من تلك الأسماءِ المصادِرُ التَّاليةُ: السَّمعُ، والبَصَرُ، والقُدرةُ، ويَصِحُّ أن يُخبَرَ عنه كذلك بالأفعالِ المشتَقَّةِ منها، فيُقالُ: سَمِعَ وأبصَرَ وقَدَرَ.
كما قال اللهُ تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ [المجادلة:1] . وقال سُبحانَه: فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ [المرسلات:23] .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (هو سُبحانَه واحِدٌ صَمَدٌ، وأسماؤُه الحُسْنى تدُلُّ كُلُّها على ذاتِه، ويدُلُّ هذا مِن صِفاتِه على ما لا يَدُلُّ عليه الآخَرُ، فهي متَّفِقةٌ في الدَّلالةِ على الذَّاتِ، مُتنوِّعةٌ في الدَّلالةِ على الصِّفاتِ؛ فالاسمُ يَدُلُّ على الذَّاتِ والصِّفةِ المعَيَّنةِ بالمطابَقةِ، ويدُلُّ على أحَدِهما بطريقِ التضَمُّنِ، وكُلُّ اسمٍ يَدُلُّ على الصِّفةِ التي دَلَّ عليها بالالتزامِ) .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (الاسمُ إذا أُطلِقَ عليه جاز أن يُشتَقَّ منه المصدَرُ والفِعلُ، فيُخبَرُ به عنه فِعلًا ومَصدرًا، نحوُ: السَّميعِ البَصيرِ القَديرِ، يُطلَقُ عليه منه السَّمعُ والبَصَرُ والقُدرةُ، ويُخبَرُ عنه بالأفعالِ مِن ذلك؛ نحوُ: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ [المجادلة: 1] فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ [المرسلات: 23] هذا إن كان الفِعلُ مُتعَدِّيًا، فإن كان لازِمًا لم يُخبَرْ عنه به؛ نحوُ الحَيِّ، بل يُطلَقُ عليه الاسمُ والمصدَرُ دونَ الفِعلِ، فلا يُقالُ: حَيِيَ) .
وقال ابنُ عُثَيمين: (كُلُّ اسمٍ مِن أسْماءِ اللهِ يَدُلُّ على صِفةٍ مِن صِفاتِه، بل على صفتينِ أحيانًا أو أكثَرَ -ما يَلزَمُ مِن إثباتِ الصِّفةِ التي يَدُلُّ عليها الاسمُ-، مِثالُ ذلك: «الخالِقُ» دَلَّ على صِفةِ الخَلْقِ، وصِفةُ الخَلقِ تَستلزِمُ ثُبوتَ صِفةِ العِلْمِ والقُدرةِ، وقد يَدُلُّ الاسمُ على الأثَرِ إذا كان ذلك الاسمُ مُتعَدِّيًا، مِثالُه: "السَّمِيعُ" يَدُلُّ على صِفةِ السَّمعِ، ويدُلُّ على أنَّ اللهَ يَسمَعُ كُلَّ صوتٍ يَحدُثُ) .
ثالثاً : : حُكمُ اشتِقاقِ أسماءٍ وصِفاتٍ للهِ مِن أفعالِه المقيَّدةِ :
صِفاتُ الكَمالِ المقَيَّدةُ بقَيدٍ: لا يَصِحُّ إطلاقُها على اللهِ تعالى ونِسْبتُها إليه بدونِ ذلك القَيدِ، مِثلُ: المَكْرِ، والخِداعِ، والاستِهزاءِ، وما أشبَهَ ذلك؛ فلا يَصِحُّ إطلاقُ وَصْفِه، أو تسميتُه بالماكِرِ، أو المستَهزئِ، أو الخادِعِ،
وأمَّا إذا أُوردَت تلك الصِّفاتُ في مُقابَلةِ مَن يَفعَلونَ ذلك، فإنَّها تكونُ صِفاتِ كَمالٍ، فنَقولُ: ماكِرٌ بالماكرينَ، مُستَهزِئٌ بالمنافِقينَ، خادِعٌ للمُنافِقينَ، كائِدٌ للكافرينَ، وهكذا نُقَيِّدها؛ لأنَّها لم تأتِ إلَّا مُقَيَّدةً بذلك .
قال ابنُ القَيِّمِ: (لا يَلزَمُ مِن الإخبارِ عنه بالفِعلِ مُقَيَّدًا أن يُشتَقَّ له منه اسمٌ مُطلَقٌ، كما غَلِطَ فيه بعضُ المتأخِّرينَ، فجَعَل مِن أسمائِه الحُسْنى المضِلَّ الفاتِنَ الماكِرَ، تعالى اللهُ عن قَولِه؛ فإنَّ هذه الأسماءَ لم يُطلَقْ عليه سُبحانَه منها إلَّا أفعالٌ مخصوصةٌ مُعَيَّنةٌ، فلا يجوزُ أن يُسَمَّى بأسمائِها) .
وقال أيضًا: (جميعُ ما أطلَقَه على نَفْسِه من صِفاتِه العُلا أكمَلُ مَعنًى ولَفظًا مِمَّا لم يُطلِقْه. فالعَليمُ الخبيرُ أكمَلُ مِن الفَقيهِ والعارِفِ، والكريمُ الجَوَادُ أكمَلُ مِنَ السَّخِيِّ، والخالِقُ البارِئُ المصَوِّرُ أكمَلُ مِنَ الصَّانِعِ الفاعِلِ؛ ولهذا لم تجِئْ هذه في أسمائِه الحُسْنى، والرَّحيمُ والرَّؤوفُ أكمَلُ من الشَّفيقِ والمُشفِقِ؛ فعليك بمراعاةِ ما أطلقَه سُبحانَه على نَفْسِه من الأسماءِ والصِّفاتِ، والوُقوفِ معها، وعَدَمِ إطلاقِ ما لم يُطلِقْه على نَفْسِه ما لم يكُنْ مُطابِقًا لِمعنى أسمائِه وصِفاتِه، وحينَئذٍ فيُطلَقُ المعنى لمطابقَتِه له دونَ اللَّفظِ، ولا سِيَّما إذا كان مُجمَلًا أو مُنقَسِمًا إلى ما يُمدَحُ به وغَيرِه؛ فإنَّه لا يجوزُ إطلاقُه إلَّا مُقَيَّدًا، وهذا كلَفظِ الفاعِلِ والصَّانِعِ؛ فإنَّه لا يُطلَقُ عليه في أسمائِه الحُسْنى إلَّا إطلاقًا مُقَيَّدًا أطلَقَه على نَفْسِه، كقَولِه تعالى: فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [البروج: 16] ، وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم: 27] ، وقَولِه: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ [النمل: 88] ، فإنَّ اسمَ الفاعِلِ والصَّانِعِ مُنقَسِمُ المعنى إلى ما يُمدَحُ عليه ويُذَمُّ.
ولهذا المعنى -واللهُ أعلَمُ- لم يَجِئْ في الأسماءِ الحُسْنى المريدُ، كما جاء فيها السَّميعُ البَصيرُ، ولا المتكَلِّمُ ولا الآمِرُ النَّاهي؛ لانقِسامِ مُسَمَّى هذه الأسماءِ، بل وَصَفَ نَفْسَه بكَمالاتِها وأشرَفِ أنواعِها.
ومِن هنا يُعلَمُ غَلَطُ بَعضِ المتأخِّرينِ وزَلَقُه الفاحِشُ في اشتِقاقِه له سُبحانَه مِن كُلِّ فِعلٍ أخبَرَ به عن نَفْسِه اسمًا مُطلَقًا، فأدخَلَه في أسمائِه الحُسْنى، فاشتَقَّ له اسمَ الماكِرِ، والخادِعِ، والفاتِنِ، والمضِلِّ، والكاتِبِ، ونَحوِها؛ مِن قَولِه: وَيَمْكُرُ اللَّهُ [الأنفال: 30] ، ومِن قَولِه: وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء: 142] ، ومِن قَولِه: لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ [طه: 131] ، ومِن قَولِه: يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ [الرعد: 27] ، [النحل: 93] [فاطر: 8] ، وقَولِه تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ [المجادلة: 21] ، وهذا خطَأٌ مِن وُجوهٍ:
أحَدُها: أنَّه سُبحانَه لم يُطلِقْ على نَفْسِه هذه الأسماءَ؛ فإطلاقُها عليه لا يجوزُ.
الثَّاني: أنَّه سُبحانَه أخبَرَ عن نَفْسِه بأفعالٍ مُختَصَّةٍ مُقَيَّدةٍ؛ فلا يجوزُ أن يُنسَبَ إليه مُسَمَّى الاسمِ عند الإطلاقِ.
الثَّالِثُ: أنَّ مُسَمَّى هذه الأسماءِ مُنقَسِمٌ إلى ما يُمدَحُ عليه المسَمَّى به، وإلى ما يُذَمُّ، فيَحسُنُ في مَوضِعٍ، ويَقبُحُ في مَوضِعٍ؛ فيَمتَنِعُ إطلاقُه عليه سُبحانَه من غيرِ تَفصيلٍ.
الرَّابِعُ: أنَّ هذه ليست من الأسماءِ الحُسْنى التي يُسَمَّى بها سُبحانَه فلا يجوزُ أن يُسَمَّى بها؛ فإنَّ أسماءَ الرَّبِّ تعالى كُلَّها حُسْنى، كما قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنى [الأعراف: 180] ، وهي التي يُحِبُّ سُبحانَه أن يُثنَى عليه ويُحمَدَ بها دونَ غَيرِها.
الخامِسُ: أنَّ هذا القائِلَ لو سُمِّيَ بهذه الأسماءِ، وقيل له: هذه مِدْحَتُك وثَناءٌ عليك، فأنت الماكِرُ الفاتِنُ المخادِعُ المضِلُّ اللَّاعِنُ الفاعِلُ الصَّانِعُ، ونَحوُها؛ لَمَا كان يَرضى بإطلاقِ هذه الأسماءِ عليه ويَعُدُّها مِدْحةً، ولله المثَلُ الأعلى سُبحانَه وتعالى عمَّا يَقولُ الجاِهلونَ به عُلُوًّا كَبيرًا.
السَّادِسُ: أنَّ هذا القائِلَ يَلزَمُه أن يَجعَلَ مِن أسمائِه اللَّاعِنَ والجائِيَ والآتِيَ والذَّاهِبَ والتَّارِكَ والمقاتِلَ والصَّادِقَ والمُنَزِّلَ والنَّازِلَ والمُدَمْدِمَ والمدَمِّرَ وأضعافَ أضعافِ ذلك، فيَشتَقُّ له اسمًا مِن كُلِّ فِعلٍ أخبَرَ به عن نَفْسِه، وإلَّا تناقَضَ تناقُضًا بَيِّنًا، ولا أحدَ مِن العُقَلاءِ طَرَدَ ذلك؛ فعُلِمَ بُطلانُ قَولِه، والحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ) .
----------------------------------------------------------------------------
التالي : -
-
رابعاً : : حُكمُ اشتقاقِ اسمٍ للهِ مِن الأفعالِ والصِّفاتِ المنقَسِمةِ إلى كَمالٍ ونَقصٍ :
-
وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا
: أحكامُ توحيدِ الأسماءِ والصِّفاتِ :
-
: أحكامٌ مُتعَلِّقةٌ بالوَصفِ والتَّسميةِ والإخبارِ عن اللهِ :
أولاً : : معنى الصِّفةِ والوَصْفِ والنَّعْتِ والاسمِ، والفَرْقُ بينها :
الصِّفةُ والوَصْفُ والنَّعتُ هي في الجُملةِ بمعنًى واحدٍ.
قال الزَّجَّاجيُّ: (اعلَمْ أنَّ النَّعتَ عند بَعضِ أهلِ العَرَبيَّةِ: هو وَصفُ الشَّيءِ بخِلْقةٍ فيه أو سَجِيَّةٍ أو طبيعةٍ، أو لونٍ أو طولٍ أو قِصَرٍ، أو حُسنٍ أو قُبحٍ وما أشبَهَ ذلك. ووَصْفُه هو وَصْفُه بفِعْلِه أو نِسبتِه أو صِناعتِه، فالوَصفُ أعَمُّ مِنَ النَّعتِ، ويُجمَعُ الوَصفُ والنَّعتُ في أنَّهما يَجْريانِ على المنعوتِ ويَفصِلانِه مِنَ المُجانِسِ له عند خَوفِ الالتباسِ به،
أو يكونانِ مَدحًا أو ذَمًّا، ويَفتَرِقانِ في أنَّ النَّعتَ في الحَقيقةِ ما ذكَرْتُه لك.
قال الخليلُ: النَّعتُ: وَصفُ الشَّيءِ بما فيه، كقَولِه:
أمَّا القَطاةُ فإنِّي سوفُ أنعَتُها ... نعتًا يُوافِقُ نَعتي بَعضَ ما فيها
ويُقالُ لكُلِّ شَيءٍ بَلَغ في معناه النِّهايةَ وجادَ: هو نَعتٌ. ويقال: فَرسٌ: نَعتٌ للجَوادِ. وبَعضُهم يَقول: النَّعتُ والوَصفُ شَيءٌ واحِدٌ،
وإنَّ النَّاعِتَ لشَيءٍ هو واصِفٌ له، وكذلك الواصِفُ له هو ناعِتٌ له، ويأبى ذلك مَن ذَهَب إلى المذهَبِ الأوَّلِ،
فيَقولونَ: إذا قُلتَ: «جاءني زيدٌ الطَّويلُ أو الجَميلُ أو القَصيرُ أو الرَّبْعةُ» فهذا نَعْتُه؛ لوَصْفِه إيَّاه بما فيه، وإذا قُلْنا: «جاءني زيدٌ الكاتِبُ أو التَّاجِرُ أو الفقيهُ أو النَّحويُّ» وما أشبه ذلك، فهذا وَصْفُه، وليس بنَعْتِه في الحقيقةِ إلَّا مجازًا؛ لأنَّا نقولُ للوَصفِ: نَعتٌ، وللنَّعتِ: وَصفٌ، في مجاري العربيَّةِ؛ اتِّساعًا لَمَّا كان مجراها في الأجوَدِ على الأوَّلِ، والدَّليلُ عليه واحِدٌ. فهذا شيءٌ يَذهَبُ إليه أصحابُ المعاني والنَّظَرِ، فأمَّا النَّحويُّونَ فلم يُفَرِّقوا بين النَّعتِ والوَصفِ؛ لأنَّ غَرَضَهم ما يَتْبَعُ الاسمَ في إعرابِه محمولًا عليه مُوَضِّحًا له غيرَ بَدَلٍ ولا توكيدٍ ولا معطوفٍ، فذلك عِندَهم هو الوَصفُ والنَّعتُ) .
وقال أبو هِلالٍ العَسكريُّ: (النَّعتُ هو ما يَظهَرُ مِن الصِّفاتِ ويَشتَهِرُ؛ ولهذا قالوا: هذا نَعتُ الخليفةِ، كمِثْلِ قَولِهم: الأمينُ والمأمونُ والرَّشيدُ، وقالوا: أوَّلُ مَن ذُكِرَ نَعْتُه على المِنبَرِ الأمينُ، ولم يَقولوا: صِفَتُه، وإن كان قَولُهم: الأمينُ، صِفةً له عندَهم؛ لأنَّ النَّعتَ يفيدُ مِن المعاني التي ذكَرْناها ما لا تفيدُه الصِّفةُ، ثم قد تتداخَلُ الصِّفةُ والنَّعتُ، فيقعُ كُلُّ واحدٍ منهما مَوضِعَ الآخَرِ؛ لتقارُبِ مَعنَيَيهما، ويجوزُ أن يُقالَ: الصِّفةُ لُغةٌ، والنَّعتُ لُغةٌ أُخرى، ولا فَرْقَ بينهما في المعنى، والدَّليلُ على ذلك أنَّ أهلَ البَصرةِ مِنَ النُّحاةِ يَقولونَ: الصِّفةُ، وأهلَ الكُوفةِ يَقولونَ: النَّعتُ، ولا يُفَرِّقونَ بينهما؛ فأمَّا قَولُهم: نَعْتُ الخليفةِ، فقد غَلَب على ذلك كما يَغلِبُ بَعضُ الصِّفاتِ على بَعضِ الموصوفينَ بغيرِ معنًى يَخُصُّه، فيَجري مجرى اللَّقَبِ في الرِّفعةِ، ثم كَثُر حتى استُعمِلَ كُلُّ واحدٍ منهما في مَوضِعِ الآخَرِ) .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (الفَرقُ بين الصِّفةِ والنَّعتِ مِن وُجوهٍ ثلاثةٍ:
أحَدُها: أنَّ النَّعتَ يكونُ بالأفعالِ التي تتجَدَّدُ، كقَولِه تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ [الأعراف: 54] الآية، وقَولِه: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الزخرف: 10] ، وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ [الزخرف: 11] ، وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ [الزخرف: 12] ونظائِر ذلك.
و«الصِّفةُ» هي الأمورُ الثَّابتةُ اللَّازِمةُ للذَّاتِ، كقَولِه تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ [الحشر: 22، 23] إلى قَولِه: الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحشر: 24] ونَظائِر ذلك.
الفَرقُ الثَّاني: أنَّ الصِّفاتِ الذَّاتيَّةَ لا يُطلَقُ عليها اسمُ النُّعوتِ، كالوَجْهِ واليَدَينِ، والقَدَمِ، والأصابِعِ، وتُسَمَّى صِفاتٍ، وقد أطلَقَ عليها السَّلَفُ هذا الاسمَ، وكذلك مُتكَلِّمو أهلِ الإثباتِ سَمَّوها صِفاتٍ، وأنكَرَ بَعضُهم هذه التَّسميةَ، كأبي الوَفاءِ بنِ عَقيلٍ وغَيرِه،
وقال: لا ينبغي أن يقال: نُصوصُ الصِّفاتِ، بل آياتُ الإضافاتِ؛ لأنَّ الحَيَّ لا يُوصَفُ بيَدِه ولا وَجْهِه؛ فإنَّ ذلك هو الموصوفُ، فكيف تُسَمَّى صِفةً؟ وأيضًا: فالصِّفةُ معنًى يَعُمُّ الموصوفَ، فلا يكونُ الوَجهُ واليَدُ صِفةً.
والتَّحقيقُ: أنَّ هذا نِزاعٌ لَفظيٌّ في التَّسميةِ، فالمقصودُ: إطلاقُ هذه الإضافاتِ عليه سُبحانَه، ونِسْبتُها إليه، والإخبارُ عنه بها مُنَزَّهةً عن التَّمثيلِ والتَّعطيلِ، سواءٌ سُمِّيت صِفاتٍ أو لم تُسَمَّ.
الفَرقُ الثَّالِثُ: أنَّ النُّعوتَ ما يَظهَرُ مِن الصِّفاتِ ويَشتَهِرُ، ويَعرِفُه الخاصُّ والعامُّ، والصِّفاتُ: أعَمُّ؛ فالفَرْقُ بين النَّعتِ والصِّفةِ فَرقُ ما بين الخاصِّ والعامِّ، ومنه قَولُهم في تحليِة الشَّيءِ: نَعْتُه كذا وكذا، لِما يَظهَرُ مِن صِفاتِه.
وقيل: هما لغتانِ، لا فَرْقَ بينهما؛ ولهذا يَقولُ نحاةُ البَصرةِ: بابُ الصِّفةِ، ويَقولُ نُحاةُ الكوفةِ: بابُ النَّعتِ، والمرادُ واحِدٌ، والأمرُ قَريبٌ) .
أمَّا الاسمُ فـهو ما دلَّ على معنًى في نَفْسِه ، وأسماءُ الأشياءِ هي الألفاظُ الدَّالَّةُ عليها .
قال أبو هِلالٍ العَسكَريُّ: (الفَرقُ بين الاسمِ والصِّفةِ: أنَّ الصِّفةَ ما كان من الأسماءِ مُخَصِّصًا مفيدًا مِثلُ: زَيدٌ الظَّريفُ، وعَمرٌو العاقِلُ، وليس الاسمُ كذلك؛ فكُلُّ صِفةٍ اسمٌ، وليس كُلُّ اسمٍ صفةً، والصِّفةُ تابعةٌ للاسمِ في إعرابِه، وليس كذلك الاسمُ من حيثُ هو اسمٌ، ويَقَعُ الكَذِبُ والصِّدقُ في الصِّفةِ؛ لاقتضائِها الفوائِدَ، ولا يَقَعُ ذلك في الاسمِ واللَّقَبِ، فالقائِلُ للأسْوَدِ: أبيَضُ، على الصِّفةِ- كاذِبٌ، وعلى اللَّقَبِ غيرُ كاذبٍ) .
وقال الغَزاليُّ: (الاسمُ: هو اللَّفظُ الموضوعُ للدَّلالةِ على المسَمَّى، فزَيدٌ -مثلًا- اسمُه زَيدٌ، وهو في نَفْسِه أبيَضُ وطَويلٌ، فلو قال له قائِلٌ: يا طَويلُ يا أبيَضُ، فقد دعاه بما هو موصوفٌ به وصَدَقَ، ولكِنَّه عَدَل عن اسمِه؛ إذ اسمُه زيدٌ دونَ الطَّويلِ والأبيضِ، وكَونُه طويلًا أبيَضَ لا يَدُلُّ على أنَّ الطَّويلَ اسمُه، بل تَسميتُنا الوَلَدَ قاسِمًا وجامِعًا لا يَدُلُّ على أنَّه موصوفٌ بمعاني هذه الأسماءِ، بل دَلالةُ هذه الأسماءِ -وإن كانت معنويَّةً- عليه كدَلالةِ قَولِنا: زَيدٌ، وعيسى، وما لا معنى له، بل إذا سَمَّيناه: عَبْدَ المَلِكِ، فلَسْنَا نعني به أنَّه عَبَدَ المَلِكَ؛ ولذلك نقولُ: عبدُ المَلِكِ اسمٌ مُفرَدٌ، كعيسى وزيدٍ، وإذا ذُكِرَ في مَعرِضِ الوَصفِ كان مركَّبًا، وكذلك عبدُ اللهِ؛ لذلك يُجمَعُ فيقالُ: عَبادِلَةٌ، ولا يقالُ: عِبادُ اللهِ.
وإذا فَهِمْتَ معنى الاسمِ فاسمُ كُلِّ أحدٍ ما سَمَّى به نَفْسَه، أو سَمَّاه به وَلِيُّه من أبيه أو سَيِّده، والتَّسميةُ -أعني: وَضْعَ الاسمِ- تَصَرُّفٌ في المسَمَّى، وَيستَدعي ذلك وِلايةً، والوِلايةُ للإنسانِ على نَفْسِه أو على عَبدِه أو على وَلَدِه؛ فلذلك تكونُ التَّسمياتُ إلى هؤلاء؛
ولذلك لو وَضَع غَيرُ هؤلاء اسمًا على مُسَمًّى رُبَّما أنَكَره المسَمَّى وغَضِبَ على المسَمِّي، وإذا لم يكُنْ لنا أن نُسَمِّيَ إنسانًا -
أي: لا نَضَعُ له اسمًا- فكيف نَضَعُ لله تعالى اسمًا، وكذلك أسماءُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم معدودةٌ، وقد عَدَّها وقال: «إنَّ لي أسماءً: أحمَدُ، ومحمَّدٌ، والمقَفِّي، والماحي، والعاقِبُ، ونبيُّ التَّوبةِ، ونبيُّ الرَّحمةِ، ونبيُّ المَلْحَمةِ». وليس لنا أن نَزيدَ على ذلك في مَعرِضِ التَّسميةِ، بل في مَعرِضِ الإخبارِ عن وَصْفِه،
فيجوزُ أن نقولَ: إنَّه عالمٌ ومُرشِدٌ ورَشيدٌ وهادٍ وما يجري مجراه، كما نقولُ لزَيدٍ: إنَّه أبيَضُ طويلٌ، لا في مَعرِضِ التَّسميةِ بل في مَعرِضِ الإخبارِ عن صِفتِه، وعلى الجُملةِ فهذه مَسألةٌ فِقهيَّةٌ؛ إذ هو نَظَرٌ في إباحةِ لَفظٍ وتحريمِه، فنقولُ: أمَّا الدَّليلُ على المنعِ مِن وَضعِ اسمٍ لله سُبحانَه وتعالى: هو المنعُ مِن وَضعِ اسمٍ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُسَمِّ به نَفْسَه، ولا سَمَّاه به رَبُّه تعالى، ولا أبواه، وإذا مُنِعَ في حَقِّ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بل في حَقِّ آحادِ الخَلْقِ، فهو في حَقِّ اللهِ أَولى، وهذا نوعُ قياسٍ فِقهيٍّ تُبنى على مِثْلِه الأحكامُ الشَّرعيَّةُ) .
وسُئِلت اللَّجَنَّةُ الدَّائمةُ للبُحوثِ العِلميَّةِ والإفتاءِ بالسُّعوديَّةِ عنِ الفَرقِ بين الاسمِ والصِّفةِ؟ فأجابَتْ بما يلي:
(أسماءُ اللهِ: كلُّ ما دلَّ على ذاتِ اللهِ مع صِفاتِ الكَمالِ القائِمةِ به؛ مِثلُ: القادرِ، الَعليمِ، الحَكيمِ، السَّميعِ، البَصيرِ؛ فإنَّ هذه الأسماءَ دلَّتْ على ذاتِ اللهِ، وعلى ما قام بها مِن العِلمِ والحِكمةِ والسَّمعِ والبصَرِ، أمَّا الصِّفاتُ فهي نُعوتُ الكَمالِ القائمةُ بالذَّاتِ؛ كالعِلمِ والحِكمةِ والسَّمعِ والبصَرِ؛ فالاسمُ دلَّ على أمرينِ، والصِّفةُ دلَّتْ على أمرٍ واحدٍ، ويُقالُ: الاسمُ مُتضمِّنٌ للصِّفةِ، والصِّفةُ مُستلزِمةٌ للاسمِ ...) .
وقال ابنُ عُثَيمين: (الفَرقُ بين الاسمِ والصِّفةِ: أنَّ الاسمَ: ما سُمِّيَ اللهُ به، والصِّفةُ: ما وُصِفَ اللهُ به. وبينهما فَرقٌ ظاهِرٌ؛ فالاسمُ يُعتَبَرُ عَلَمًا على اللهِ عزَّ وجَلَّ متضَمِّنًا للصِّفةِ.
ويَلزَمُ مِن إثباتِ الاسمِ إثباتُ الصِّفةِ. مِثالُه: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة: 39] «غفورٌ» اسمٌ يَلزَمُ منه المغفِرةُ، و «رحيمٌ» يَلزَمُ منه إثباتُ الرَّحمةِ. ولا يلزَمُ مِن إثباتِ الصِّفةِ إثباتُ الاسمِ، مِثلُ الكلامِ، لا يَلزَمُ أن نُثبِتَ للهِ اسمَ المتكَلِّمِ، بناءً على ذلك تكونُ الصِّفاتُ أوسَعَ؛ لأنَّ كُلَّ اسمٍ مُتضَمِّنٌ لصِفةٍ، وليست كُلُّ صِفةٍ مُتضَمِّنةً لاسمٍ) .
ويُميِّزُ الاسمَ عنِ الصِّفةِ، والصِّفةَ عنِ الاسمِ: أمورٌ؛ منها:
أوَّلًا: أنَّ أسماءَ اللهِ: كلُّ ما دلَّ على ذاتِ اللهِ مع صِفاتِ الكَمالِ القائمةِ به، مِثلُ: القادِرِ، العليمِ، الحكيمِ، السَّميعِ، البصيرِ؛ فإنَّ هذه الأسماءَ دلَّتْ على ذاتِ اللهِ، وعلى ما قام بها مِن العِلمِ والحِكمةِ والسَّمعِ والبصَرِ، أمَّا الصِّفاتُ فهي نُعوتُ الكَمالِ القائمةُ بالذَّاتِ؛ كالعِلمِ والحِكمةِ والسَّمعِ والبصَرِ؛ فالاسمُ دلَّ على أمرينِ، والصِّفةُ دلَّتْ على أمرٍ واحدٍ، ويُقالُ: الاسمُ مُتضمِّنٌ للصِّفةِ، والصِّفةُ مُستلزِمةٌ للاسمِ .
قال البيهقي: (في إثباتِ أسمائِه إثباتُ صِفاتِه؛ لأنَّه إذا ثَبَت كَونُه موجودًا، فوُصِفَ بأنَّه حَيٌّ، فقد وُصِفَ بزيادةِ صِفةٍ على الذَّاتِ هي الحياةُ، فإذا وُصِفَ بأنَّه قادِرٌ فقد وُصِفَ بزيادةِ صِفةٍ هي القُدرةُ، وإذا وُصِفَ بأنَّه عالمٌ فقد وُصِفَ بزيادةِ صِفةٍ هي العِلْمُ، كما إذا وُصِفَ بأنَّه خالِقٌ فقد وُصِفَ بزيادةِ صِفةٍ هي الخَلقُ، وإذا وُصِفَ بأنَّه رازِقٌ فقد وُصِفَ بزيادةِ صِفةٍ هي الرِّزقُ، وإذا وُصِفَ بأنَّه مُحيي فقد وُصِفَ بزيادةِ صِفةٍ هي الإحياءُ؛ إذ لولا هذه المعاني لاقتُصِرَ في أسمائِه على ما يُنبئُ عن وُجودِ الذَّاتِ فقط) .
وقال ابنُ عُثَيمين: (هل أسْماءُ اللهِ مُشتَقَّةٌ أو جامِدةٌ -يعني: هل المرادُ بها الدَّلالةُ على الذَّاتِ فقط، أو على الذَّاتِ والصِّفةِ-؟
الجوابُ: على الذَّاتِ والصِّفةِ؛ أمَّا أسماؤنا نحن فيرادُ بها الدَّلالةُ على الذَّاتِ فقط؛ فقد يُسَمَّى محمَّدًا، وهو من أشَدِّ النَّاسِ ذَمًّا، وقد يُسَمَّى عبدَ اللهِ، وهو من أفجَرِ عِبادِ اللهِ! أمَّا أسْماءُ اللهِ عزَّ وجَلَّ، وأسماءُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأسماءُ القُرآنِ، وأسماءُ اليَومِ الآخِرِ، وما أشبَهَ ذلك؛ فإنَّها أسماءٌ مُتضَمِّنةٌ للأوصافِ) .
ثانيًا: أنَّ الأسماءَ يُشتَقُّ منها صِفاتٌ، أمَّا الصِّفاتُ فلا يُشتَقُّ منها أسماءٌ؛ فنشتَقُّ مِن أسماءِ اللهِ: الرَّحيمِ والقادرِ والعظيمِ، صِفاتِ: الرَّحمةِ والقُدرةِ والعَظَمةِ، لكن لا نشتَقُّ مِن صِفاتِ: الإرادةِ والمَجيءِ والمَكْرِ، اسمَ: المُريدِ والجَائِي والماكرِ.
فأسماؤُه سُبحانَه وتعالى أوصافٌ، كما قال ابنُ القيِّمِ في (النُّونيَّةِ):
أَسْمَاؤُهُ أَوْصَافُ مَدْحٍ كُلُّهَا مُشْتَقَّةٌ قَدْ حُمِّلَتْ لِمَعَانِ
ثالثًا: أنَّ الاسمَ لا يُشتَقُّ مِن أفعالِ اللهِ؛ فلا نشتَقُّ مِن كونِه يُحبُّ ويكرَهُ ويغضَبُ، اسمَ: المُحبِّ، والكارِهِ، والغاضِبِ، أمَّا صِفاتُه فتُشتَقُّ مِن أفعالِه؛ فنُثبِتُ له صِفةَ المحبَّةِ، والكُرْهِ، والغضَبِ، ونحوِها مِن تلك الأفعالِ؛ لذلك قيل: بابُ الأفعال أوسَعُ مِن بابِ الأسماءِ .
رابِعًا: أنَّ أسماءَ اللهِ عزَّ وجلَّ وصِفاتِه تشترِكُ في الاستعاذةِ بها، والحَلِفِ بها، لكن تختلِفُ في التَّعبُّدِ والدُّعاءِ، فيُتعبَّدُ اللهُ بأسمائِه، فنقولُ: عبدُ الكريمِ، وعبدُ الرَّحمنِ، وعبدُ العزيزِ، لكن لا يُتعبَّدُ بصِفاتِه، فلا نقولُ: عبدُ الكرَمِ، وعبدُ الرَّحمةِ، وعبدُ العزَّةِ، كما أنَّه يُدعَى اللهُ بأسمائِه،
فنقولُ: يا رحيمُ، ارحَمْنا، ويا كريمُ، أكرِمْنا، ويا لطيفُ، الطُفْ بنا، لكن لا ندعو صِفاتِه فنقولُ: يا رحمةَ اللهِ، ارحَمينا، أو: يا كرَمَ اللهِ، أو: يا لُطفَ اللهِ؛ ذلك أنَّ الصِّفةَ ليست هي الموصوفَ؛ فالرَّحمةُ ليست هي اللهَ، بل هي صفةٌ للهِ، وكذلك العِزَّةُ، وغيرُها؛ فهذه صِفاتٌ للهِ، وليست هي اللهَ، ولا يجوزُ التَّعبُّدُ إلَّا للهِ، ولا يجوزُ دعاءُ إلَّا الله؛ لِقَولِه تعالى: يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور: 55] ، وقولِه تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] ، وغيرِها مِن الآياتِ .
قال ابنُ عُثَيمين: (قَولُه: ((أعوذُ برِضاكَ مِن سَخَطِك، وبمُعافاتِك مِن عُقوبتِك )) كُلُّ هذا استعاذةٌ بصفةِ اللهِ، والمرادُ الموصوفُ؛
لأنَّ الدُّعاءَ المحظورَ أن تقولَ: يا قُدرةَ اللهِ، اغفِري لي، يا رحمةَ اللهِ، ارحَمِيني، هذا الذي قال عنه شيخُ الإسلامِ: إنَّه كُفرٌ بالاتِّفاقِ؛ لأنَّك إذا قُلتَ: يا قُدرةَ اللهِ، اغفِري لي، أو: يا رَحمةَ اللهِ، ارحَميني، كأنَّك جعَلْتَ هذه الصِّفةَ شيئًا مُستَقِلًّا عن الموصوفِ، فيَغفِرُ ويَرحَمُ ويُغني، أمَّا إذا قُلتَ: أعوذُ بعِزَّةِ اللهِ، فهذا من بابِ التَّوسُّلِ بعِزَّةِ اللهِ عزَّ وجَلَّ إلى النَّجاةِ مِن هذا المرهوبِ الذي استعَذْتَ بالعِزَّةِ منه، وكذلك: برِضاكَ مِن سَخَطِك ،
وكذلك قَولُه: ((يا حَيُّ يا قَيُّومُ، برَحمتِك أستغيثُ ))، ليس المعنى أنَّ الإنسانَ يستغيثُ بالرَّحمةِ مُنفَصِلةً عن اللهِ، لكِنْ هذا من بابِ التَّوسُّلِ بصِفاتِ اللهِ عزَّ وجَلَّ المناسِبةِ للمُستَعاذِ منه أو للمَدْعُوِّ، وليس دُعاءَ صِفةٍ) .
ثانياً : : حُكمُ اشتقاقِ المصدَرِ والفِعلِ والإخبارِ بهما عن اللهِ :
إذا أُطلِقَ الاسمُ على اللهِ تعالى جاز أن يُشتَقَّ منه المصدَرُ والفِعلُ، فيُخبَرُ به عنه فِعلًا ومَصدرًا.
ومِثالُ ذلك: السَّميعُ، البَصيرُ، القَديرُ، فيَصِحُّ أن يُطلَقَ عليه من تلك الأسماءِ المصادِرُ التَّاليةُ: السَّمعُ، والبَصَرُ، والقُدرةُ، ويَصِحُّ أن يُخبَرَ عنه كذلك بالأفعالِ المشتَقَّةِ منها، فيُقالُ: سَمِعَ وأبصَرَ وقَدَرَ.
كما قال اللهُ تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ [المجادلة:1] . وقال سُبحانَه: فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ [المرسلات:23] .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (هو سُبحانَه واحِدٌ صَمَدٌ، وأسماؤُه الحُسْنى تدُلُّ كُلُّها على ذاتِه، ويدُلُّ هذا مِن صِفاتِه على ما لا يَدُلُّ عليه الآخَرُ، فهي متَّفِقةٌ في الدَّلالةِ على الذَّاتِ، مُتنوِّعةٌ في الدَّلالةِ على الصِّفاتِ؛ فالاسمُ يَدُلُّ على الذَّاتِ والصِّفةِ المعَيَّنةِ بالمطابَقةِ، ويدُلُّ على أحَدِهما بطريقِ التضَمُّنِ، وكُلُّ اسمٍ يَدُلُّ على الصِّفةِ التي دَلَّ عليها بالالتزامِ) .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (الاسمُ إذا أُطلِقَ عليه جاز أن يُشتَقَّ منه المصدَرُ والفِعلُ، فيُخبَرُ به عنه فِعلًا ومَصدرًا، نحوُ: السَّميعِ البَصيرِ القَديرِ، يُطلَقُ عليه منه السَّمعُ والبَصَرُ والقُدرةُ، ويُخبَرُ عنه بالأفعالِ مِن ذلك؛ نحوُ: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ [المجادلة: 1] فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ [المرسلات: 23] هذا إن كان الفِعلُ مُتعَدِّيًا، فإن كان لازِمًا لم يُخبَرْ عنه به؛ نحوُ الحَيِّ، بل يُطلَقُ عليه الاسمُ والمصدَرُ دونَ الفِعلِ، فلا يُقالُ: حَيِيَ) .
وقال ابنُ عُثَيمين: (كُلُّ اسمٍ مِن أسْماءِ اللهِ يَدُلُّ على صِفةٍ مِن صِفاتِه، بل على صفتينِ أحيانًا أو أكثَرَ -ما يَلزَمُ مِن إثباتِ الصِّفةِ التي يَدُلُّ عليها الاسمُ-، مِثالُ ذلك: «الخالِقُ» دَلَّ على صِفةِ الخَلْقِ، وصِفةُ الخَلقِ تَستلزِمُ ثُبوتَ صِفةِ العِلْمِ والقُدرةِ، وقد يَدُلُّ الاسمُ على الأثَرِ إذا كان ذلك الاسمُ مُتعَدِّيًا، مِثالُه: "السَّمِيعُ" يَدُلُّ على صِفةِ السَّمعِ، ويدُلُّ على أنَّ اللهَ يَسمَعُ كُلَّ صوتٍ يَحدُثُ) .
ثالثاً : : حُكمُ اشتِقاقِ أسماءٍ وصِفاتٍ للهِ مِن أفعالِه المقيَّدةِ :
صِفاتُ الكَمالِ المقَيَّدةُ بقَيدٍ: لا يَصِحُّ إطلاقُها على اللهِ تعالى ونِسْبتُها إليه بدونِ ذلك القَيدِ، مِثلُ: المَكْرِ، والخِداعِ، والاستِهزاءِ، وما أشبَهَ ذلك؛ فلا يَصِحُّ إطلاقُ وَصْفِه، أو تسميتُه بالماكِرِ، أو المستَهزئِ، أو الخادِعِ،
وأمَّا إذا أُوردَت تلك الصِّفاتُ في مُقابَلةِ مَن يَفعَلونَ ذلك، فإنَّها تكونُ صِفاتِ كَمالٍ، فنَقولُ: ماكِرٌ بالماكرينَ، مُستَهزِئٌ بالمنافِقينَ، خادِعٌ للمُنافِقينَ، كائِدٌ للكافرينَ، وهكذا نُقَيِّدها؛ لأنَّها لم تأتِ إلَّا مُقَيَّدةً بذلك .
قال ابنُ القَيِّمِ: (لا يَلزَمُ مِن الإخبارِ عنه بالفِعلِ مُقَيَّدًا أن يُشتَقَّ له منه اسمٌ مُطلَقٌ، كما غَلِطَ فيه بعضُ المتأخِّرينَ، فجَعَل مِن أسمائِه الحُسْنى المضِلَّ الفاتِنَ الماكِرَ، تعالى اللهُ عن قَولِه؛ فإنَّ هذه الأسماءَ لم يُطلَقْ عليه سُبحانَه منها إلَّا أفعالٌ مخصوصةٌ مُعَيَّنةٌ، فلا يجوزُ أن يُسَمَّى بأسمائِها) .
وقال أيضًا: (جميعُ ما أطلَقَه على نَفْسِه من صِفاتِه العُلا أكمَلُ مَعنًى ولَفظًا مِمَّا لم يُطلِقْه. فالعَليمُ الخبيرُ أكمَلُ مِن الفَقيهِ والعارِفِ، والكريمُ الجَوَادُ أكمَلُ مِنَ السَّخِيِّ، والخالِقُ البارِئُ المصَوِّرُ أكمَلُ مِنَ الصَّانِعِ الفاعِلِ؛ ولهذا لم تجِئْ هذه في أسمائِه الحُسْنى، والرَّحيمُ والرَّؤوفُ أكمَلُ من الشَّفيقِ والمُشفِقِ؛ فعليك بمراعاةِ ما أطلقَه سُبحانَه على نَفْسِه من الأسماءِ والصِّفاتِ، والوُقوفِ معها، وعَدَمِ إطلاقِ ما لم يُطلِقْه على نَفْسِه ما لم يكُنْ مُطابِقًا لِمعنى أسمائِه وصِفاتِه، وحينَئذٍ فيُطلَقُ المعنى لمطابقَتِه له دونَ اللَّفظِ، ولا سِيَّما إذا كان مُجمَلًا أو مُنقَسِمًا إلى ما يُمدَحُ به وغَيرِه؛ فإنَّه لا يجوزُ إطلاقُه إلَّا مُقَيَّدًا، وهذا كلَفظِ الفاعِلِ والصَّانِعِ؛ فإنَّه لا يُطلَقُ عليه في أسمائِه الحُسْنى إلَّا إطلاقًا مُقَيَّدًا أطلَقَه على نَفْسِه، كقَولِه تعالى: فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [البروج: 16] ، وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم: 27] ، وقَولِه: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ [النمل: 88] ، فإنَّ اسمَ الفاعِلِ والصَّانِعِ مُنقَسِمُ المعنى إلى ما يُمدَحُ عليه ويُذَمُّ.
ولهذا المعنى -واللهُ أعلَمُ- لم يَجِئْ في الأسماءِ الحُسْنى المريدُ، كما جاء فيها السَّميعُ البَصيرُ، ولا المتكَلِّمُ ولا الآمِرُ النَّاهي؛ لانقِسامِ مُسَمَّى هذه الأسماءِ، بل وَصَفَ نَفْسَه بكَمالاتِها وأشرَفِ أنواعِها.
ومِن هنا يُعلَمُ غَلَطُ بَعضِ المتأخِّرينِ وزَلَقُه الفاحِشُ في اشتِقاقِه له سُبحانَه مِن كُلِّ فِعلٍ أخبَرَ به عن نَفْسِه اسمًا مُطلَقًا، فأدخَلَه في أسمائِه الحُسْنى، فاشتَقَّ له اسمَ الماكِرِ، والخادِعِ، والفاتِنِ، والمضِلِّ، والكاتِبِ، ونَحوِها؛ مِن قَولِه: وَيَمْكُرُ اللَّهُ [الأنفال: 30] ، ومِن قَولِه: وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء: 142] ، ومِن قَولِه: لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ [طه: 131] ، ومِن قَولِه: يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ [الرعد: 27] ، [النحل: 93] [فاطر: 8] ، وقَولِه تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ [المجادلة: 21] ، وهذا خطَأٌ مِن وُجوهٍ:
أحَدُها: أنَّه سُبحانَه لم يُطلِقْ على نَفْسِه هذه الأسماءَ؛ فإطلاقُها عليه لا يجوزُ.
الثَّاني: أنَّه سُبحانَه أخبَرَ عن نَفْسِه بأفعالٍ مُختَصَّةٍ مُقَيَّدةٍ؛ فلا يجوزُ أن يُنسَبَ إليه مُسَمَّى الاسمِ عند الإطلاقِ.
الثَّالِثُ: أنَّ مُسَمَّى هذه الأسماءِ مُنقَسِمٌ إلى ما يُمدَحُ عليه المسَمَّى به، وإلى ما يُذَمُّ، فيَحسُنُ في مَوضِعٍ، ويَقبُحُ في مَوضِعٍ؛ فيَمتَنِعُ إطلاقُه عليه سُبحانَه من غيرِ تَفصيلٍ.
الرَّابِعُ: أنَّ هذه ليست من الأسماءِ الحُسْنى التي يُسَمَّى بها سُبحانَه فلا يجوزُ أن يُسَمَّى بها؛ فإنَّ أسماءَ الرَّبِّ تعالى كُلَّها حُسْنى، كما قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنى [الأعراف: 180] ، وهي التي يُحِبُّ سُبحانَه أن يُثنَى عليه ويُحمَدَ بها دونَ غَيرِها.
الخامِسُ: أنَّ هذا القائِلَ لو سُمِّيَ بهذه الأسماءِ، وقيل له: هذه مِدْحَتُك وثَناءٌ عليك، فأنت الماكِرُ الفاتِنُ المخادِعُ المضِلُّ اللَّاعِنُ الفاعِلُ الصَّانِعُ، ونَحوُها؛ لَمَا كان يَرضى بإطلاقِ هذه الأسماءِ عليه ويَعُدُّها مِدْحةً، ولله المثَلُ الأعلى سُبحانَه وتعالى عمَّا يَقولُ الجاِهلونَ به عُلُوًّا كَبيرًا.
السَّادِسُ: أنَّ هذا القائِلَ يَلزَمُه أن يَجعَلَ مِن أسمائِه اللَّاعِنَ والجائِيَ والآتِيَ والذَّاهِبَ والتَّارِكَ والمقاتِلَ والصَّادِقَ والمُنَزِّلَ والنَّازِلَ والمُدَمْدِمَ والمدَمِّرَ وأضعافَ أضعافِ ذلك، فيَشتَقُّ له اسمًا مِن كُلِّ فِعلٍ أخبَرَ به عن نَفْسِه، وإلَّا تناقَضَ تناقُضًا بَيِّنًا، ولا أحدَ مِن العُقَلاءِ طَرَدَ ذلك؛ فعُلِمَ بُطلانُ قَولِه، والحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ) .
----------------------------------------------------------------------------
التالي : -
-
رابعاً : : حُكمُ اشتقاقِ اسمٍ للهِ مِن الأفعالِ والصِّفاتِ المنقَسِمةِ إلى كَمالٍ ونَقصٍ :
-
وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا
أمس في 10:13 pm من طرف صادق النور
» القرآن من آحاد كلام الله ليس قديما بقدم الله ونوع كلام الله قديم
أمس في 4:13 pm من طرف عبدالله الآحد
» قول فى البدعة والسنة !!!
الأحد مايو 05, 2024 10:31 pm من طرف صادق النور
» الكتب المهمة التي ينصح بقراءتها في العقيدة الإسلامية الصحيحة
الأحد مايو 05, 2024 3:23 pm من طرف عبدالله الآحد
» كلام الله قديم النوع حادث الآحاد أي متجدد الآحاد وهو غير مخلوق
السبت مايو 04, 2024 4:51 pm من طرف عبدالله الآحد
» 40 خطأ فى العقيدة
الجمعة مايو 03, 2024 10:47 pm من طرف صادق النور
» ما هى حقيقة أيمانك
الجمعة مايو 03, 2024 10:38 pm من طرف صادق النور
» التحذير من الغلو في النبي صلى الله وسلم والأنبياء والصالحين
الجمعة مايو 03, 2024 4:41 pm من طرف عبدالله الآحد
» بطلان قاعدة الخلف في أن مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم
الجمعة مايو 03, 2024 12:22 am من طرف عبدالله الآحد
» *لا إله إلا الله الحليم الكريم*
الخميس مايو 02, 2024 7:59 am من طرف صادق النور