بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام علي سيد المرسلين سيدنا ومولانا وهادينا وقائدنا إلي جنات النعيم وعلي آله وصحبه أجمعين
النسيان . :: . محمود ومذموم
مفهوم النسيان
أولًا: المعنى اللغوي:
النسيان: من نسي الشيء ينساه نسيًا ونسيانًا: ذهل عنه وغاب الشيء عن ذكره وحفظه من نسيت الشيء نسيانًا أو نسيًا ونسيًا، بكسر النون ضد الذكر والحفظ، بفتح النون رجل نسيان، أي: كثير النسيان للشيء،
كما يقال: فلان نسي، أي: كثير النسيان، ويأتي النسيان بمعنى الترك.
والنسي: الشيء المنسي الذي لا يذكر، ويقال للشيء الحقير الذي أغفل، وفي قوله تعالى على لسان مريم وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا [مريم:٢٣]. أي: شيئًا منسيًّا لا يعرف.
والنسي بالفتح يطلق على كثير النسيان أو على الذي لا يعد في القوم لأنه منسيٌّ.
والنسي: ما سقط من منازل المرتحلين، من رذال أمتعتهم، فيقولون: تتبعوا أنساءكم .
من خلال أقوال علماء اللغة نستنتج أن النسيان في اللغة يدور على معنيين:
الأول: الترك.
الثاني: الغفلة عن الشيء.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
قال الراغب الأصفهاني النسيان: «هو ترك الإنسان ضبط ما استودع، إما لضعف قلبه؛ وإما عن غفلة؛ وإما عن قصد حتى ينحذف عن القلب ذكره » .
وقال الجرجاني: «الغفلة عن معلوم في غير حالة السنة» .
يقول الطاهر بن عاشور: «النسيان هو ذهاب الأمر المعلوم من حافظة الإنسان لضعف الذهن أو الغفلة».
فتعريف الطاهر ابن عاشور هو أوضح التعريفات وأقربها للمقصود.
النسيان في الاستعمال القرآني
وردت مادة (نسي) في القرآن الكريم (٤٥) مرة.
والصيغ التي وردت، هي:
الفعل الماضي - ورد 31 مره -- مثال ..( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) [المجادلة:١٩]
الفعل المضارع - ورد 11 مره -- مثال .. ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) [البقرة:٢٣٧]
اسم المفعول - ورد مرة واحده -- مثال .. ( فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا 22 فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ) [مريم:٢٣]
الصفة المشتبهة - ورد مرة واحده -- مثال ( وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ۖ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا )[مريم:٦٤]
الأسماء - ورد مرة واحده -- مثال ( فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا 22 فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ) [مريم:٢٣]
وجاء النسيان في الاستعمال القرآني على وجهين:
الأول: الترك: ومنه قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) [طه:١١٥]. أي: ترك أمر الله.
الثاني: الذي لا يحفظ فذهب من ذكره: ومنه قوله تعالى: ( سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَىٰ ) [الأعلى:٦]. أي: تحفظ فلا تنساه أبدًا.
الألفاظ ذات الصلة
الترك:
الترك لغة: ودع الشيء وتخليته .
الترك اصطلاحًا:
« عدم فعل المقدور، سواء قصد التارك أو لم يقصد، كما في النوم، وسواء تعرض لضده أو لم يتعرض، وأما عدم ما لا يقدر عليه فلا يسمى تركًا » .
الصلة بين النسيان والترك:
يأتي النسيان بمعنى الترك، يقول الله تعالى: ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [التوبة:٦٧].
أي: تركوا الله فتركهم، ولما كان النسيان ضربا من الترك وضعه موضعه .
وقال الفيومي: «نسيت الشيء أنساه نسيانًا، مشترك بين معنيين، أحدهما ترك الشيء ذهولا وغفلة، وذلك خلاف الذكر له، تقول: تركت ركعة: أهملتها ذهولا،
والثاني الترك مع التعمد، وعليه قوله تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) [البقرة:٢٣٧].أي: لا تقصدوا الترك والإهمال».
يتضح مما سبق أنه لا فرق بين النسيان والترك، ولكن الترك أعم وأشمل، فالترك يشمل القصد وعدم القصد، ولكن النسيان لا يكون إلا عن عدم قصد.
السهو:
السهو لغة: نسيان الشيء والغفلة عنه وذهاب القلب عنه إلى غيره.
السهو اصطلاحًا: السهو في الشيء: تركه عن غير علم أو خطأ عن غفلة .
الصلة بين السهو والنسيان:
الناسي إذا ذكرته تذكر، والساهي إذا ذكرته لا يتذكر، هذا الفرق فيما إذا كان السهو سهوًا عن الشيء،
وأما السهو في الشيء فهو بمعنى النسيان، وفرق العلماء بين السهو في الشيء، والسهو عن الشيء، فالسهو في الشيء ليس بمذموم، بخلاف السهو عن الشيء فإنه مذموم، وذلك لأن السهو في الشيء (النسيان)ترك له من غير قصد، والسهو عن الشيء ترك له مع القصد.
الغفلة:
الغفلة لغة: مصدر غفـل عـن الشيء يغفل غفلةً وغفـولًا وتدل على ترك الشيء سهوًا، وربما كان عن عمد، من ذلك غفلت عن الشيء غفلةً وغفولًا، وذلك إذا تركته ساهيًا، وأغفلته إذا تركته على ذكرٍ منك له.
الغفلة اصطلاحًا: قال الراغب الأصفهاني «هي سهوٌ يعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ»
، وقال البغوي: «هي معنى يمنع الإنسان من الوقوف على حقيقة الأمور» .
الصلة بين الغفلة والنسيان:
النسيان زوال الصورة عن القوة المدركة مع بقائها في الحافظة، والغفلة زوالها عنهما معًا.
والغفلة ترك باختيار الغافل، والنسيان ترك بغير اختياره.
وقيل: أن «الغفلة والنسيان عبارات مختلفة لكن يقرب أن يكون معانيها متحدة، وكلها مضادة للعلم بمعنى أنه يستحيل اجتماعهما معًا ».
وهذا هو الأقرب للصواب، فإن كانت المعاني متحدة؛ لكن الغفلة اسم عام؛ فكل نسيان غفلة وليس كل غفلة نسيان.
الخطأ:
الخطأ لغةً: الخطأ والخطاء: ضد الصواب، وخطأه تخطئة وتخطيئًا: نسبه إلى الخطأ،
وقال له: أخطأت، والخطأ ما لم يتعمد، والخطء: ما تعمد.
الخطأ اصطلاحًا: قال الجرجاني: الخطأ: « هو ما ليس للإنسان فيه قصد، وهو عذر صالح لسقوط حق الله تعالى إذا حصل عن اجتهاد، ويصير شبهة في العقوبة حتى لا يؤثم الخاطئ ولا يؤاخذ بحد ولا قصاص، ولم يجعل عذرًا في حق العباد، حتى وجب عليه ضمان العدوان ووجب به الدية».
الصلة بين الخطأ والنسيان:
الخطأ: أن يقصد بفعله شيئًا فيصادف فعله غير ما قصده، كأن يقصد أن يقتل كافرًا فصادف قتله مسلمًا، والنسيان: أن يكون ذاكرًا الشيء فينساه عند الفعل.
نسبة النسيان إلى الله عز وجل
نفى الله تبارك وتعالى عن نفسه صفة النسيان فقال تعالى: ( وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ۖ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) [مريم:٦٤].
وسبب نزول هذه الآية ما جاء عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (يا جبريل، ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا)، فنزلت: ( وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ۖ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) [مريم:٦٤] ، قال: كان هذا الجواب لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم .
وجاء عن الضحاك في تفسير هذه الآية، قال: « احتبس عن نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى تكلم المشركون في ذلك، واشتد ذلك على نبي الله، فأتاه جبرائيل، فقال: اشتد عليك احتباسنا عنك، وتكلم في ذلك المشركون، وإنما أنا عبد الله ورسوله، إذا أمرني بأمر أطعته يقول: بقول ربك».
يقول الطبري: وفي معنى قوله تعالى: ( وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ۖ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) أي: « ولم يكن ربك ذا نسيان، فيتأخر نزولي إليك بنسيانه إياك، بل هو الذي لا يعزب عنه شيء في السماء ولا في الأرض فتبارك وتعالى، ولكنه أعلم بما يدبر ويقضي في خلقه. جل ثناؤه».
وفي آية أخرى يجيب الله تبارك وتعالى على سؤال موسى، فقال تعالى: (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَىٰ 51 قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ) [طه:٥١-٥٢]. أي: لا يخطئ ربي ولا ينسى.
قال ابن كثير في تفسير ألأيه أي: « لا يشذ عنه شيءٌ، ولا يفوته صغيرٌ ولا كبيرٌ، ولا ينسى شيئًا. يصف علمه تعالى بأنه بكل شيءٍ محيطٌ، وأنه لا ينسى شيئًا، تبارك وتعالى وتقدس، فإن علم المخلوق يعتريه نقصانان، أحدهما: عدم الإحاطة بالشيء، والآخر نسيانه بعد علمه، فنزه نفسه عن ذلك».
ونفي صفة النسيان عن نفسه جل جلاله يستلزم إثبات ضد الصفة المنفية التي تثبت كمال علمه، وسعة اطلاعه، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
قال ابن تيمية: « وينبغي أن يعلم أن النفي ليس فيه مدحٌ ولا كمالٌ إلا إذا تضمن إثباتًا، وإلا فمجرد النفي ليس فيه مدحٌ ولا كمالٌ؛ لأن النفي المحض عدمٌ محضٌ؛ والعدم المحض ليس بشيء وما ليس بشيء فهو كما قيل: ليس بشيء؛ فضلًا عن أن يكون مدحًا أو كمالًا ولأن النفي المحض يوصف به المعدوم والممتنع، والمعدوم والممتنع لا يوصف بمدح ولا كمالٍ؛ لهذا كان عامة ما وصف الله به نفسه من النفي متضمنًا لإثبات مدحٍ كقوله: (اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) [البقرة:٢٥٥].
فنفي السنة والنوم يتضمن كمال الحياة والقيام؛ فهو مبينٌ لكمال أنه الحي القيوم».
وأما ما ورد في نسبة النسيان مضافًا إلى الله تعالى فهو من باب المقابلة، وقد فسره علماء التفسير بالترك، ولكن ليس كترك المخلوق الناسي، بل جل جلاله منزه عن الأشباه والأنداد، ومن أمثلة هذه الآيات: قال تعالى: ( الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ) [الأعراف:٥١].
ففي يوم القيامة ينساهم الله تعالى، أي: يتركهم في العذاب المبين جياعًا عطاشًا بغير طعام ولا شراب، كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا، ورفضوا الاستعداد له بإتعاب أبدانهم في طاعة الله.
قال ابن عباس:، نتركهم من الرحمة، كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا».
قال النيسابوري: أي: «نتركهم في عذابهم كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا، أي: نعاملهم معاملة من نسي بتركهم في النار كما فعلوا هم في الإعراض عن آياتنا، فسمي جزاء النسيان نسيانًا كقوله: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [الشورى:٤٠].
والحاصل أنه لا يجيب دعاءهم ولا يرحم ضعفهم وذلهم».
وأما قوله تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [التوبة:٦٧].
قال الطبري: يكون بمعنى الترك، يعني به: تركوا الله فتركهم» .
قال الشوكاني « النسيان: الترك، أي: تركوا ما أمرهم به، فتركهم من رحمته وفضله، لأن النسيان الحقيقي لا يصح إطلاقه على الله سبحانه، وإنما أطلق عليه هنا من باب المشاكلة المعروفة في علم البيان ».
وقال تعالى: ( قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا 125 قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ ) [طه:١٢٥-١٢٦].
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: «أي: لما أعرضت عن آيات الله، وعاملتها معاملة من لم يذكرها، بعد بلاغها إليك تناسيتها وأعرضت عنها وأغفلتها، كذلك نعاملك اليوم، معاملة من ينساك (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ) [الأعراف:٥١]. فإن الجزاء من جنس العمل».
قال ابن القيم: أي: تترك في العذاب، كما تركت العمل بآياتنا».
وكذلك الآيات في قوله تعالى: (فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ ۖ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [السجدة:١٤].
وقوله تعالى: (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) [الجاثية:٣٤].
فجاءت الآيات بمعنى نتركم، أي: لما أعرضتم عن آيات الله نعاملك اليوم، معاملة من ينساك .
قال الشنقيطي نتركهم في العذاب محرومين من كل خيرٍ».
خلاصة القول في نسبة النسيان إلى الله تبارك وتعالى:
ينبغي تنزيه الله تعالى عن النسيان بمعنى الغفلة والذهول.
فالنسيان بهذا المعنى صفة نقص، والله تعالى منزه عن النقص، موصوف بصفات الكمال، فلا يجوز وصف الله تعالى بالنسيان بهذا المعنى على كل حال.
قال تعالى: (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:١١].
وقال سبحانه أيضًا: ( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ ۗ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ) [النحل:١٧]؛ والعقل يقتضي أن الخالق غير المخلوق.
والله تعالى نزه نفسه عن النسيان، فقال: ( وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ۖ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) [مريم:٦٤].
قال الطاهر بن عاشور: « والنسيان: عدم تذكر الأمر المعلوم في ذهن العالم»36.
والله تعالى منزه عن كل نقص وعيب سبحانه وتعالى.
ورد النسيان مضافا إلى الله هو بمعنى الرفع.
قال تعالى: ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [البقرة:١٠٦].
ينسب الإنساء إلى الله بمعنى التأخير أو في معنى النسيان هو الرفع والنسخ .
قال السعدي: « أي: ننسها العباد، فنزيلها من قلوبهم، وأنفع لكم؛ فدل على أن النسخ لا يكون لأقل مصلحة لكم من الأول؛ لأن فضله تعالى يزداد خصوصًا على هذه الأمة، التي سهل عليها دينها غاية التسهيل. وأخبر أن من قدح في النسخ فقد قدح في ملكه وقدرته» .
ورد النسيان مضافًا إلى الله عز وجل بمعنى الترك والإهمال عقوبة وجزاءً.
قال تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [التوبة:٦٧].
قال الطاهر بن عاشور: «فالمعنى: نسوا دين الله وميثاقه الذي واثقهم به، وقد أطلق نسيانهم على الترك والإعراض عن عمد، أي: فنسوا دلائل توحيد الله ودلائل صفاته ودلائل صدق رسوله صلى الله عليه وسلم وفهم كتابه». ومعنى قوله تعالى: ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [الحشر:١٩].
أي: أن الله لم يخلق في مداركهم التفطن لفهم الهدي الإسلامي فيعلموا بما ينجيهم من عذاب الآخرة، ولما فيه صلاحهم في الدنيا؛
إذ خذلهم بذبذبة آرائهم، وأشعرت فاء التسبب بأن إنساء الله إياهم أنفسهم مسبب على نسيانهم دين الله، أي: لما أعرضوا عن الهدى بكسبهم وإرادتهم عاقبهم الله بأن خلق فيهم نسيان أنفسهم.
وإطلاق النسيان على الله تعالى من باب المشاكلة المعروفة في علم البيان، فالجزاء من جنس العمل
الإنسان والنسيان
النسيان من طبيعة الإنسان، وما سمي الإنسان إلا لنسيانه ولا القلب قلبًا إلا لتقلبه.
ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من قول: (اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك).
وأول ما طرأ النسيان على أبي البشر آدم عليه السلام ونسي موسى عليه السلام عهده مع العبد الصالح، ونسي يوشع بن نون خادم موسى عليه السلام، ونسي كذلك خير الأنبياء والرسل والخلق أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم، فقد صلى الظهر مرة بأصحابه خمسًا، ومرة قام من اثنتين في صلاة الظهر ونسي الجلوس للتشهد الأول .
والنسيان ضرورة بشرية؛ لأن الذاكرة لها درجة تشبع، ومن رحمة الله على الإنسان أن منحه النسيان ليهمل ما لا يهمه، ويختزنه في عقله الباطن، ويحتفظ في منطقة الشعور بكل ما يهمه من شؤون حياته.
لا بد للإنسان من النسيان والغفلة والذهول وإن أطال التدبر، فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقومٍ يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم).
أولًا: النسيان طبيعة في الإنسان
النسيان الطبعي نعمة من نعم الله تعالى على العبد، ومن العوارض البشرية التي تطرأ على الإنسان فيغيب عن ذهنه بعض الحوادث والمعلومات دون فعل منه أو إرادة، وهذا من العلامات التي تؤكد الضعف البشري والعجز الإنساني.
وقد يكون النسيان في بعض الأحيان رحمة ونعمة؛ حيث ينسى الإنسان ما مر به من ذكريات أليمة وحوادث مؤسفة، لو ظلت حاضرة في ذهنه لأرقت ليله وأذابت بدنه وأذهبت عقله، فمن رحمة الله تعالى بنا أن جعل النسيان راحة لنا من هموم الذكريات المؤلمة. فينسى المرء إساءات الناس لكي يستطيع أن يسامح ويغفر ويصفح، ولكي لا يملك الغضب قلوبنا بسببها، وننساها لكي نهرب من الحقد والكراهية إذا ثبتت في أذهاننا، فالذي ينسى أخطاء الناس إليه، يمكنه أن يقابل الكل ببشاشة.
قال الخازن: « قوله سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ)[الحجر:٢٦].
، يعني: آدم عليه السلام في قول جميع المفسرين، وسمي إنسانًا لظهوره وإدراك البصر إياه، وقيل من النسيان؛ لأنه عهد إليه فنسي يعني: من اليابس، إذا نقرته سمعت له صلصلة، يعني: صوتًا، وقال ابن عباس: هو الطين الحر الطيب الذي إذا نضب عنه الماء تشقق، فإذا حرك تقعقع» .
وقد ورد النسيان منسوبًا إلى العبد في القرآن بصور متعددة منها:
الذهول والغفلة وعدم القصد.
وهذا له الاعتذار وطلب عدم المؤاخذة كما جاء في دعاء المؤمنين في قوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة:٢٨٦].
قال السعدي: «والفرق بين النسيان والخطأ أن النسيان: ذهول القلب عما أمر به فيتركه نسيانا، والخطأ: أن يقصد شيئا يجوز له قصده ثم يقع فعله على ما لا يجوز له فعله، فهذان قد عفا الله عن هذه الأمة ما يقع بهما رحمة بهم وإحسانا» .
وقد اعتذر فتى موسى عليه السلام حين قال: ( قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا) [الكهف:٦٣].
وفي اعتذار موسى عليه السلام للخضر عليه السلام في قوله: ( قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا) [الكهف:٧٣].
وقد شرع الله تعالى لنا ما يمكن أن نستدرك به ما فاتنا بسبب النسيان.
قال تعالى: ( وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا 23 إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدً ) [الكهف:٢٣-٢٤].
قال السعدي: « الأمر بذكر الله عند النسيان، فإنه يزيله، ويذكر العبد ما سها عنه، وكذلك يؤمر الساهي الناسي لذكر الله، أن يذكر ربه، ولا يكونن من الغافلين » .
المعونة من الله لنسيان المصائب التى تحل بالإنسان.
قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة:١٥٥]
لا بد أن يبتلى المؤمن في شيء من ماله أو نفسه أو ولده أو أهله، ويبتلى المؤمن على قدر دينه، إن كان في دينه صلابة زيد في البلاء، يقول تعالى للمؤمنين عند مقدمهم المدينة قبل وقعة بدر، مسليًا لهم عما نالهم من الأذى من أهل الكتاب والمشركين، وآمرًا لهم بالصبر والصفح والعفو حتى يفرج الله عليهم، فقال تعالى: ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [آل عمران:١٨٦].
فلو لم ينس الإنسان هذه المصائب لكانت الحياة مظلمة بكل أبعادها وتفاصيلها، وسيجد صعوبة بالغة في استمراريتها حياته بسبب عدم نسيانها.
التنكر للجميل وترك الإحسان المطلوب.
قال تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) [البقرة:٢٣٧].
قال الطاهر بن عاشور: «قوله: لزيادة الترغيب في العفو بما فيه من التفضل الدنيوي، وفي الطباع السليمة حب الفضل، فأمروا في هاته الآية بأن يتعاهدوا الفضل، ولا ينسوه؛ لأن نسيانه يباعد بينهم وبينه، فيضمحل منهم، وموشك أن يحتاج إلى عفو غيره عنه في واقعة أخرى، ففي تعاهده عون كبير على الإلف والتحابب، وذلك سبيل واضحة إلى الاتحاد والمؤاخاة والانتفاع بهذا الوصف عند حلول التجربة».
وقرأ عليٌّ رضي الله عنه: (ولا تناسوا)،
قال ابن عطية: «وهي قراءة متمكنةٌ في المعنى، لأنه موضع تناسٍ لا نسيانٍ، إلا على التشبيه » .
وقال أبو البقاء: على باب المفاعلة، وهي بمعنى المتاركة لا بمعنى السهو.
النسيان المتعمد.
هو في موضع الذم والوعيد؛ لأن الإنسان إذا تركه متعمدًا كان عليه العقوبة واللعن، لذا يجب عليه الأخذ به والامتثال له، كما في قوله تعالى: (فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ لَعَنَّٰهُمۡ وَجَعَلۡنَا قُلُوبَهُمۡ قَٰسِيَةٗۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٖ مِّنۡهُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱصۡفَحۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ) [المائدة:١٣].
قال الطاهر بن عاشور: «والنسيان مراد به الإهمال المفضي إلى النسيان غالبًا، وقد جمعت الآية من الدلائل على قلة اكتراثهم بالدين ورقة اتباعهم ».
الانشغال بالمحرمات والمباحات، حتى يهمل الإنسان الواجبات.
قال تعالى: ( فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّىٰ أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) [المؤمنون:١١٠].
قال السعدي: «وهذا الذي أوجب لهم نسيان الذكر، اشتغالهم بالاستهزاء بهم، كما أن نسيانهم للذكر يحثهم على الاستهزاء، فكل من الأمرين يمد الآخر، فهل فوق هذه الجراءة جراءة»54.
وقال تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَٰؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ 17 قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَٰكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا) [الفرقان:١٧-١٨].
قال السعدي: «حتى نسوا الذكر اشتغالا بلذات الدنيا وإكبابا على شهواتها، فحافظوا على دنياهم وضيعوا دينهم، وكانوا قومًا بورًا، أي: بائرين لا خير فيهم ولا يصلحون لصالح، لا يصلحون إلا للهلاك والبوار، فذكروا المانع من اتباعهم الهدى وهو التمتع في الدنيا الذي صرفهم عن الهدى، وعدم المقتضي للهدى».
ومثله قوله تعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) [ص:٢٦].
قال الطاهر بن عاشور:« أي بسبب نسيانهم يوم الحساب،
والنسيان: مستعار للإعراض الشديد؛ لأنه يشبه نسيان المعرض عنه... وفي جعل الضلال عن سبيل الله ونسيان يوم الحساب سببين لاستحقاق العذاب الشديد تنبيه على تلازمهما؛ فإن الضلال عن سبيل الله يفضي إلى الإعراض عن مراقبة الجزاء»
----------------------------------------------------------------
وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا
التالي :: - ثانيًا: نسبة النسيان إلى الأنبياء عليهم السلام:
الأربعاء أكتوبر 30, 2024 8:59 pm من طرف عبدالله الآحد
» تأكيد العمل بسنن الفطرة
الأربعاء أكتوبر 30, 2024 2:46 pm من طرف عبدالله الآحد
» الإقعاء منه المكروه ومنه السنة
الثلاثاء أكتوبر 29, 2024 2:36 pm من طرف عبدالله الآحد
» النفي في صفات الله سبحانه عز وجل
الثلاثاء أكتوبر 29, 2024 11:53 am من طرف عبدالله الآحد
» خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الثلاثاء أكتوبر 29, 2024 11:02 am من طرف صادق النور
» قال الإمام عبد الغني المقدسي فكما لا يثبت إلا بنص شرعي كذلك لا ينفى إلا بدليل سمعي
الأحد أكتوبر 27, 2024 3:42 pm من طرف عبدالله الآحد
» (( 1 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
السبت أكتوبر 26, 2024 8:16 pm من طرف صادق النور
» لا يشرع رفع اليدين في السجود والجلوس
السبت أكتوبر 26, 2024 4:49 pm من طرف عبدالله الآحد
» نتبع القرآن والسنة ولا نبتدع
الجمعة أكتوبر 25, 2024 4:40 pm من طرف عبدالله الآحد
» (( 2 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
الخميس أكتوبر 24, 2024 4:22 pm من طرف صادق النور