آل راشد



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

آل راشد

آل راشد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
آل راشد

ثقافى-اجتماعى

*** - اللَّهُمَّ اَنَكَ عَفْوٍ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعِفُو عَنَّا - *** - اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك . *** - اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا تَوْبَةً نَصُوحًا قَبْلَ الْمَوْتِ وَ ارْزُقْنَا حُسْنَ الْخَاتِمَةِ . *** -

إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا شَابَتْ عَبِيدَهُمْ.. .. فِي رِقِّهِمْ عَتَقُوهُمْ عِتْقَ أَبْرَارٍ .. .. وَأَنْتَ يَا خَالِقِيُّ أوْلَى بِذَا كَرَمًا.. .. قَدْ شُبْتُ فِي الرِّقِّ فَأَعْتَقَنِي مِنَ النَّارِ .

المواضيع الأخيرة

» التعليق على بعض الأبيات من منظومة السفاريني في العقيدة
النسيان   . :: . محمود ومذموم Ooou110الأربعاء أكتوبر 30, 2024 8:59 pm من طرف عبدالله الآحد

» تأكيد العمل بسنن الفطرة
النسيان   . :: . محمود ومذموم Ooou110الأربعاء أكتوبر 30, 2024 2:46 pm من طرف عبدالله الآحد

» الإقعاء منه المكروه ومنه السنة
النسيان   . :: . محمود ومذموم Ooou110الثلاثاء أكتوبر 29, 2024 2:36 pm من طرف عبدالله الآحد

» النفي في صفات الله سبحانه عز وجل
النسيان   . :: . محمود ومذموم Ooou110الثلاثاء أكتوبر 29, 2024 11:53 am من طرف عبدالله الآحد

» خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
النسيان   . :: . محمود ومذموم Ooou110الثلاثاء أكتوبر 29, 2024 11:02 am من طرف صادق النور

» قال الإمام عبد الغني المقدسي فكما لا يثبت إلا بنص شرعي كذلك لا ينفى إلا بدليل سمعي
النسيان   . :: . محمود ومذموم Ooou110الأحد أكتوبر 27, 2024 3:42 pm من طرف عبدالله الآحد

» (( 1 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
النسيان   . :: . محمود ومذموم Ooou110السبت أكتوبر 26, 2024 8:16 pm من طرف صادق النور

» لا يشرع رفع اليدين في السجود والجلوس
النسيان   . :: . محمود ومذموم Ooou110السبت أكتوبر 26, 2024 4:49 pm من طرف عبدالله الآحد

» نتبع القرآن والسنة ولا نبتدع
النسيان   . :: . محمود ومذموم Ooou110الجمعة أكتوبر 25, 2024 4:40 pm من طرف عبدالله الآحد

» (( 2 )) مَوَاقِفُ تَرْبَوِيَّة فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
النسيان   . :: . محمود ومذموم Ooou110الخميس أكتوبر 24, 2024 4:22 pm من طرف صادق النور

اهلا بكم

الثلاثاء نوفمبر 08, 2011 2:32 am من طرف mohamed yousef

النسيان   . :: . محمود ومذموم Ooousu10

المتواجدون الآن ؟

ككل هناك 42 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 42 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحث

لا أحد


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الأربعاء سبتمبر 15, 2021 4:26 am

احصائيات

أعضاؤنا قدموا 10079 مساهمة في هذا المنتدى في 3382 موضوع

هذا المنتدى يتوفر على 308 عُضو.

آخر عُضو مُسجل هو ابراهيم عبدالله ادريس فمرحباً به.

دخول

لقد نسيت كلمة السر

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع


    النسيان . :: . محمود ومذموم

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5370
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود النسيان . :: . محمود ومذموم

    مُساهمة من طرف صادق النور الثلاثاء أغسطس 08, 2023 9:13 am


    بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمد لله رب العالمين
    والصلاة والسلام علي سيد المرسلين سيدنا ومولانا وهادينا وقائدنا إلي جنات النعيم وعلي آله وصحبه أجمعين

    النسيان . :: . محمود ومذموم


    مفهوم النسيان
    أولًا: المعنى اللغوي:

    النسيان: من نسي الشيء ينساه نسيًا ونسيانًا: ذهل عنه وغاب الشيء عن ذكره وحفظه من نسيت الشيء نسيانًا أو نسيًا ونسيًا، بكسر النون ضد الذكر والحفظ، بفتح النون رجل نسيان، أي: كثير النسيان للشيء،
    كما يقال: فلان نسي، أي: كثير النسيان، ويأتي النسيان بمعنى الترك.

    والنسي: الشيء المنسي الذي لا يذكر، ويقال للشيء الحقير الذي أغفل، وفي قوله تعالى على لسان مريم وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا [مريم:٢٣]. أي: شيئًا منسيًّا لا يعرف.

    والنسي بالفتح يطلق على كثير النسيان أو على الذي لا يعد في القوم لأنه منسيٌّ.

    والنسي: ما سقط من منازل المرتحلين، من رذال أمتعتهم، فيقولون: تتبعوا أنساءكم .

    من خلال أقوال علماء اللغة نستنتج أن النسيان في اللغة يدور على معنيين:
    الأول: الترك.

    الثاني: الغفلة عن الشيء.

    ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

    قال الراغب الأصفهاني النسيان: «هو ترك الإنسان ضبط ما استودع، إما لضعف قلبه؛ وإما عن غفلة؛ وإما عن قصد حتى ينحذف عن القلب ذكره » .

    وقال الجرجاني: «الغفلة عن معلوم في غير حالة السنة» .

    يقول الطاهر بن عاشور: «النسيان هو ذهاب الأمر المعلوم من حافظة الإنسان لضعف الذهن أو الغفلة».

    فتعريف الطاهر ابن عاشور هو أوضح التعريفات وأقربها للمقصود.


    النسيان في الاستعمال القرآني

    وردت مادة (نسي) في القرآن الكريم (٤٥) مرة.

    والصيغ التي وردت، هي:

    الفعل الماضي - ورد 31 مره -- مثال ..( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) [المجادلة:١٩]

    الفعل المضارع - ورد 11 مره -- مثال .. ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) [البقرة:٢٣٧]

    اسم المفعول - ورد مرة واحده -- مثال .. ( فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا 22 فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ) [مريم:٢٣]

    الصفة المشتبهة - ورد مرة واحده -- مثال ( وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ۖ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا )[مريم:٦٤]

    الأسماء - ورد مرة واحده -- مثال ( فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا 22 فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ) [مريم:٢٣]



    وجاء النسيان في الاستعمال القرآني على وجهين:

    الأول: الترك: ومنه قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) [طه:١١٥]. أي: ترك أمر الله.

    الثاني: الذي لا يحفظ فذهب من ذكره: ومنه قوله تعالى: ( سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَىٰ ) [الأعلى:٦]. أي: تحفظ فلا تنساه أبدًا.

    الألفاظ ذات الصلة

    الترك:

    الترك لغة: ودع الشيء وتخليته .

    الترك اصطلاحًا:

    « عدم فعل المقدور، سواء قصد التارك أو لم يقصد، كما في النوم، وسواء تعرض لضده أو لم يتعرض، وأما عدم ما لا يقدر عليه فلا يسمى تركًا » .

    الصلة بين النسيان والترك:

    يأتي النسيان بمعنى الترك، يقول الله تعالى: ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [التوبة:٦٧].

    أي: تركوا الله فتركهم، ولما كان النسيان ضربا من الترك وضعه موضعه .

    وقال الفيومي: «نسيت الشيء أنساه نسيانًا، مشترك بين معنيين، أحدهما ترك الشيء ذهولا وغفلة، وذلك خلاف الذكر له، تقول: تركت ركعة: أهملتها ذهولا،
    والثاني الترك مع التعمد، وعليه قوله تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) [البقرة:٢٣٧].أي: لا تقصدوا الترك والإهمال».

    يتضح مما سبق أنه لا فرق بين النسيان والترك، ولكن الترك أعم وأشمل، فالترك يشمل القصد وعدم القصد، ولكن النسيان لا يكون إلا عن عدم قصد.

    السهو:

    السهو لغة: نسيان الشيء والغفلة عنه وذهاب القلب عنه إلى غيره.

    السهو اصطلاحًا: السهو في الشيء: تركه عن غير علم أو خطأ عن غفلة .

    الصلة بين السهو والنسيان:

    الناسي إذا ذكرته تذكر، والساهي إذا ذكرته لا يتذكر، هذا الفرق فيما إذا كان السهو سهوًا عن الشيء،
    وأما السهو في الشيء فهو بمعنى النسيان، وفرق العلماء بين السهو في الشيء، والسهو عن الشيء، فالسهو في الشيء ليس بمذموم، بخلاف السهو عن الشيء فإنه مذموم، وذلك لأن السهو في الشيء (النسيان)ترك له من غير قصد، والسهو عن الشيء ترك له مع القصد.

    الغفلة
    :

    الغفلة لغة: مصدر غفـل عـن الشيء يغفل غفلةً وغفـولًا وتدل على ترك الشيء سهوًا، وربما كان عن عمد، من ذلك غفلت عن الشيء غفلةً وغفولًا، وذلك إذا تركته ساهيًا، وأغفلته إذا تركته على ذكرٍ منك له.

    الغفلة اصطلاحًا: قال الراغب الأصفهاني «هي سهوٌ يعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ»
    ، وقال البغوي: «هي معنى يمنع الإنسان من الوقوف على حقيقة الأمور» .

    الصلة بين الغفلة والنسيان:

    النسيان زوال الصورة عن القوة المدركة مع بقائها في الحافظة، والغفلة زوالها عنهما معًا.

    والغفلة ترك باختيار الغافل، والنسيان ترك بغير اختياره.

    وقيل: أن «الغفلة والنسيان عبارات مختلفة لكن يقرب أن يكون معانيها متحدة، وكلها مضادة للعلم بمعنى أنه يستحيل اجتماعهما معًا ».
    وهذا هو الأقرب للصواب، فإن كانت المعاني متحدة؛ لكن الغفلة اسم عام؛ فكل نسيان غفلة وليس كل غفلة نسيان.

    الخطأ:

    الخطأ لغةً: الخطأ والخطاء: ضد الصواب، وخطأه تخطئة وتخطيئًا: نسبه إلى الخطأ،
    وقال له: أخطأت، والخطأ ما لم يتعمد، والخطء: ما تعمد.

    الخطأ اصطلاحًا: قال الجرجاني: الخطأ: « هو ما ليس للإنسان فيه قصد، وهو عذر صالح لسقوط حق الله تعالى إذا حصل عن اجتهاد، ويصير شبهة في العقوبة حتى لا يؤثم الخاطئ ولا يؤاخذ بحد ولا قصاص، ولم يجعل عذرًا في حق العباد، حتى وجب عليه ضمان العدوان ووجب به الدية».

    الصلة بين الخطأ والنسيان:

    الخطأ: أن يقصد بفعله شيئًا فيصادف فعله غير ما قصده، كأن يقصد أن يقتل كافرًا فصادف قتله مسلمًا، والنسيان: أن يكون ذاكرًا الشيء فينساه عند الفعل.

    نسبة النسيان إلى الله عز وجل

    نفى الله تبارك وتعالى عن نفسه صفة النسيان فقال تعالى: ( وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ۖ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) [مريم:٦٤].

    وسبب نزول هذه الآية ما جاء عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (يا جبريل، ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا)، فنزلت: ( وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ۖ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) [مريم:٦٤] ، قال: كان هذا الجواب لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم .

    وجاء عن الضحاك في تفسير هذه الآية، قال: « احتبس عن نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى تكلم المشركون في ذلك، واشتد ذلك على نبي الله، فأتاه جبرائيل، فقال: اشتد عليك احتباسنا عنك، وتكلم في ذلك المشركون، وإنما أنا عبد الله ورسوله، إذا أمرني بأمر أطعته يقول: بقول ربك».

    يقول الطبري: وفي معنى قوله تعالى: ( وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ۖ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) أي: « ولم يكن ربك ذا نسيان، فيتأخر نزولي إليك بنسيانه إياك، بل هو الذي لا يعزب عنه شيء في السماء ولا في الأرض فتبارك وتعالى، ولكنه أعلم بما يدبر ويقضي في خلقه. جل ثناؤه».

    وفي آية أخرى يجيب الله تبارك وتعالى على سؤال موسى، فقال تعالى: (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَىٰ 51 قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ) [طه:٥١-٥٢]. أي: لا يخطئ ربي ولا ينسى.

    قال ابن كثير في تفسير ألأيه أي: « لا يشذ عنه شيءٌ، ولا يفوته صغيرٌ ولا كبيرٌ، ولا ينسى شيئًا. يصف علمه تعالى بأنه بكل شيءٍ محيطٌ، وأنه لا ينسى شيئًا، تبارك وتعالى وتقدس، فإن علم المخلوق يعتريه نقصانان، أحدهما: عدم الإحاطة بالشيء، والآخر نسيانه بعد علمه، فنزه نفسه عن ذلك».

    ونفي صفة النسيان عن نفسه جل جلاله يستلزم إثبات ضد الصفة المنفية التي تثبت كمال علمه، وسعة اطلاعه، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

    قال ابن تيمية: « وينبغي أن يعلم أن النفي ليس فيه مدحٌ ولا كمالٌ إلا إذا تضمن إثباتًا، وإلا فمجرد النفي ليس فيه مدحٌ ولا كمالٌ؛ لأن النفي المحض عدمٌ محضٌ؛ والعدم المحض ليس بشيء وما ليس بشيء فهو كما قيل: ليس بشيء؛ فضلًا عن أن يكون مدحًا أو كمالًا ولأن النفي المحض يوصف به المعدوم والممتنع، والمعدوم والممتنع لا يوصف بمدح ولا كمالٍ؛ لهذا كان عامة ما وصف الله به نفسه من النفي متضمنًا لإثبات مدحٍ كقوله: (اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) [البقرة:٢٥٥].

    فنفي السنة والنوم يتضمن كمال الحياة والقيام؛ فهو مبينٌ لكمال أنه الحي القيوم».

    وأما ما ورد في نسبة النسيان مضافًا إلى الله تعالى فهو من باب المقابلة، وقد فسره علماء التفسير بالترك، ولكن ليس كترك المخلوق الناسي، بل جل جلاله منزه عن الأشباه والأنداد، ومن أمثلة هذه الآيات: قال تعالى: ( الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ) [الأعراف:٥١].

    ففي يوم القيامة ينساهم الله تعالى، أي: يتركهم في العذاب المبين جياعًا عطاشًا بغير طعام ولا شراب، كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا، ورفضوا الاستعداد له بإتعاب أبدانهم في طاعة الله.

    قال ابن عباس:، نتركهم من الرحمة، كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا».

    قال النيسابوري: أي: «نتركهم في عذابهم كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا، أي: نعاملهم معاملة من نسي بتركهم في النار كما فعلوا هم في الإعراض عن آياتنا، فسمي جزاء النسيان نسيانًا كقوله: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [الشورى:٤٠].

    والحاصل أنه لا يجيب دعاءهم ولا يرحم ضعفهم وذلهم».

    وأما قوله تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [التوبة:٦٧].

    قال الطبري: يكون بمعنى الترك، يعني به: تركوا الله فتركهم» .

    قال الشوكاني « النسيان: الترك، أي: تركوا ما أمرهم به، فتركهم من رحمته وفضله، لأن النسيان الحقيقي لا يصح إطلاقه على الله سبحانه، وإنما أطلق عليه هنا من باب المشاكلة المعروفة في علم البيان ».

    وقال تعالى: ( قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا 125 قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ ) [طه:١٢٥-١٢٦].

    قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: «أي: لما أعرضت عن آيات الله، وعاملتها معاملة من لم يذكرها، بعد بلاغها إليك تناسيتها وأعرضت عنها وأغفلتها، كذلك نعاملك اليوم، معاملة من ينساك (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ) [الأعراف:٥١]. فإن الجزاء من جنس العمل».

    قال ابن القيم: أي: تترك في العذاب، كما تركت العمل بآياتنا».

    وكذلك الآيات في قوله تعالى: (فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ ۖ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [السجدة:١٤].

    وقوله تعالى: (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) [الجاثية:٣٤].

    فجاءت الآيات بمعنى نتركم، أي: لما أعرضتم عن آيات الله نعاملك اليوم، معاملة من ينساك .

    قال الشنقيطي نتركهم في العذاب محرومين من كل خيرٍ».

    خلاصة القول في نسبة النسيان إلى الله تبارك وتعالى:

    ينبغي تنزيه الله تعالى عن النسيان بمعنى الغفلة والذهول.

    فالنسيان بهذا المعنى صفة نقص، والله تعالى منزه عن النقص، موصوف بصفات الكمال، فلا يجوز وصف الله تعالى بالنسيان بهذا المعنى على كل حال.

    قال تعالى: (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:١١].

    وقال سبحانه أيضًا: ( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ ۗ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ) [النحل:١٧]؛ والعقل يقتضي أن الخالق غير المخلوق.

    والله تعالى نزه نفسه عن النسيان، فقال: ( وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ۖ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) [مريم:٦٤].

    قال الطاهر بن عاشور: « والنسيان: عدم تذكر الأمر المعلوم في ذهن العالم»36.

    والله تعالى منزه عن كل نقص وعيب سبحانه وتعالى.

    ورد النسيان مضافا إلى الله هو بمعنى الرفع.

    قال تعالى: ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [البقرة:١٠٦].

    ينسب الإنساء إلى الله بمعنى التأخير أو في معنى النسيان هو الرفع والنسخ .

    قال السعدي: « أي: ننسها العباد، فنزيلها من قلوبهم، وأنفع لكم؛ فدل على أن النسخ لا يكون لأقل مصلحة لكم من الأول؛ لأن فضله تعالى يزداد خصوصًا على هذه الأمة، التي سهل عليها دينها غاية التسهيل. وأخبر أن من قدح في النسخ فقد قدح في ملكه وقدرته» .

    ورد النسيان مضافًا إلى الله عز وجل بمعنى الترك والإهمال عقوبة وجزاءً.

    قال تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [التوبة:٦٧].

    قال الطاهر بن عاشور: «فالمعنى: نسوا دين الله وميثاقه الذي واثقهم به، وقد أطلق نسيانهم على الترك والإعراض عن عمد، أي: فنسوا دلائل توحيد الله ودلائل صفاته ودلائل صدق رسوله صلى الله عليه وسلم وفهم كتابه». ومعنى قوله تعالى: ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [الحشر:١٩].

    أي: أن الله لم يخلق في مداركهم التفطن لفهم الهدي الإسلامي فيعلموا بما ينجيهم من عذاب الآخرة، ولما فيه صلاحهم في الدنيا؛
    إذ خذلهم بذبذبة آرائهم، وأشعرت فاء التسبب بأن إنساء الله إياهم أنفسهم مسبب على نسيانهم دين الله، أي: لما أعرضوا عن الهدى بكسبهم وإرادتهم عاقبهم الله بأن خلق فيهم نسيان أنفسهم.

    وإطلاق النسيان على الله تعالى من باب المشاكلة المعروفة في علم البيان، فالجزاء من جنس العمل

    الإنسان والنسيان

    النسيان من طبيعة الإنسان، وما سمي الإنسان إلا لنسيانه ولا القلب قلبًا إلا لتقلبه.

    ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من قول: (اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك).

    وأول ما طرأ النسيان على أبي البشر آدم عليه السلام ونسي موسى عليه السلام عهده مع العبد الصالح، ونسي يوشع بن نون خادم موسى عليه السلام، ونسي كذلك خير الأنبياء والرسل والخلق أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم، فقد صلى الظهر مرة بأصحابه خمسًا، ومرة قام من اثنتين في صلاة الظهر ونسي الجلوس للتشهد الأول .

    والنسيان ضرورة بشرية؛ لأن الذاكرة لها درجة تشبع، ومن رحمة الله على الإنسان أن منحه النسيان ليهمل ما لا يهمه، ويختزنه في عقله الباطن، ويحتفظ في منطقة الشعور بكل ما يهمه من شؤون حياته.

    لا بد للإنسان من النسيان والغفلة والذهول وإن أطال التدبر، فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقومٍ يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم).

    أولًا: النسيان طبيعة في الإنسان

    النسيان الطبعي نعمة من نعم الله تعالى على العبد، ومن العوارض البشرية التي تطرأ على الإنسان فيغيب عن ذهنه بعض الحوادث والمعلومات دون فعل منه أو إرادة، وهذا من العلامات التي تؤكد الضعف البشري والعجز الإنساني.

    وقد يكون النسيان في بعض الأحيان رحمة ونعمة؛ حيث ينسى الإنسان ما مر به من ذكريات أليمة وحوادث مؤسفة، لو ظلت حاضرة في ذهنه لأرقت ليله وأذابت بدنه وأذهبت عقله، فمن رحمة الله تعالى بنا أن جعل النسيان راحة لنا من هموم الذكريات المؤلمة. فينسى المرء إساءات الناس لكي يستطيع أن يسامح ويغفر ويصفح، ولكي لا يملك الغضب قلوبنا بسببها، وننساها لكي نهرب من الحقد والكراهية إذا ثبتت في أذهاننا، فالذي ينسى أخطاء الناس إليه، يمكنه أن يقابل الكل ببشاشة.

    قال الخازن: « قوله سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ)[الحجر:٢٦].

    ، يعني: آدم عليه السلام في قول جميع المفسرين، وسمي إنسانًا لظهوره وإدراك البصر إياه، وقيل من النسيان؛ لأنه عهد إليه فنسي يعني: من اليابس، إذا نقرته سمعت له صلصلة، يعني: صوتًا، وقال ابن عباس: هو الطين الحر الطيب الذي إذا نضب عنه الماء تشقق، فإذا حرك تقعقع» .

    وقد ورد النسيان منسوبًا إلى العبد في القرآن بصور متعددة منها:

    الذهول والغفلة وعدم القصد.
    وهذا له الاعتذار وطلب عدم المؤاخذة كما جاء في دعاء المؤمنين في قوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة:٢٨٦].

    قال السعدي: «والفرق بين النسيان والخطأ أن النسيان: ذهول القلب عما أمر به فيتركه نسيانا، والخطأ: أن يقصد شيئا يجوز له قصده ثم يقع فعله على ما لا يجوز له فعله، فهذان قد عفا الله عن هذه الأمة ما يقع بهما رحمة بهم وإحسانا» .

    وقد اعتذر فتى موسى عليه السلام حين قال: ( قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا) [الكهف:٦٣].

    وفي اعتذار موسى عليه السلام للخضر عليه السلام في قوله: ( قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا) [الكهف:٧٣].

    وقد شرع الله تعالى لنا ما يمكن أن نستدرك به ما فاتنا بسبب النسيان.

    قال تعالى: ( وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا 23 إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدً ) [الكهف:٢٣-٢٤].

    قال السعدي: « الأمر بذكر الله عند النسيان، فإنه يزيله، ويذكر العبد ما سها عنه، وكذلك يؤمر الساهي الناسي لذكر الله، أن يذكر ربه، ولا يكونن من الغافلين » .

    المعونة من الله لنسيان المصائب التى تحل بالإنسان.
    قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة:١٥٥]

    لا بد أن يبتلى المؤمن في شيء من ماله أو نفسه أو ولده أو أهله، ويبتلى المؤمن على قدر دينه، إن كان في دينه صلابة زيد في البلاء، يقول تعالى للمؤمنين عند مقدمهم المدينة قبل وقعة بدر، مسليًا لهم عما نالهم من الأذى من أهل الكتاب والمشركين، وآمرًا لهم بالصبر والصفح والعفو حتى يفرج الله عليهم، فقال تعالى: ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [آل عمران:١٨٦].

    فلو لم ينس الإنسان هذه المصائب لكانت الحياة مظلمة بكل أبعادها وتفاصيلها، وسيجد صعوبة بالغة في استمراريتها حياته بسبب عدم نسيانها.

    التنكر للجميل وترك الإحسان المطلوب.
    قال تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) [البقرة:٢٣٧].

    قال الطاهر بن عاشور: «قوله: لزيادة الترغيب في العفو بما فيه من التفضل الدنيوي، وفي الطباع السليمة حب الفضل، فأمروا في هاته الآية بأن يتعاهدوا الفضل، ولا ينسوه؛ لأن نسيانه يباعد بينهم وبينه، فيضمحل منهم، وموشك أن يحتاج إلى عفو غيره عنه في واقعة أخرى، ففي تعاهده عون كبير على الإلف والتحابب، وذلك سبيل واضحة إلى الاتحاد والمؤاخاة والانتفاع بهذا الوصف عند حلول التجربة».

    وقرأ عليٌّ رضي الله عنه: (ولا تناسوا
    قال ابن عطية: «وهي قراءة متمكنةٌ في المعنى، لأنه موضع تناسٍ لا نسيانٍ، إلا على التشبيه » .

    وقال أبو البقاء: على باب المفاعلة، وهي بمعنى المتاركة لا بمعنى السهو.

    النسيان المتعمد.

    هو في موضع الذم والوعيد؛ لأن الإنسان إذا تركه متعمدًا كان عليه العقوبة واللعن، لذا يجب عليه الأخذ به والامتثال له، كما في قوله تعالى: (فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ لَعَنَّٰهُمۡ وَجَعَلۡنَا قُلُوبَهُمۡ قَٰسِيَةٗۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٖ مِّنۡهُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱصۡفَحۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ) [المائدة:١٣].

    قال الطاهر بن عاشور: «والنسيان مراد به الإهمال المفضي إلى النسيان غالبًا، وقد جمعت الآية من الدلائل على قلة اكتراثهم بالدين ورقة اتباعهم ».

    الانشغال بالمحرمات والمباحات، حتى يهمل الإنسان الواجبات.
    قال تعالى: ( فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّىٰ أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) [المؤمنون:١١٠].

    قال السعدي: «وهذا الذي أوجب لهم نسيان الذكر، اشتغالهم بالاستهزاء بهم، كما أن نسيانهم للذكر يحثهم على الاستهزاء، فكل من الأمرين يمد الآخر، فهل فوق هذه الجراءة جراءة»54.

    وقال تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَٰؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ 17 قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَٰكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا) [الفرقان:١٧-١٨].

    قال السعدي: «حتى نسوا الذكر اشتغالا بلذات الدنيا وإكبابا على شهواتها، فحافظوا على دنياهم وضيعوا دينهم، وكانوا قومًا بورًا، أي: بائرين لا خير فيهم ولا يصلحون لصالح، لا يصلحون إلا للهلاك والبوار، فذكروا المانع من اتباعهم الهدى وهو التمتع في الدنيا الذي صرفهم عن الهدى، وعدم المقتضي للهدى».

    ومثله قوله تعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) [ص:٢٦].

    قال الطاهر بن عاشور:« أي بسبب نسيانهم يوم الحساب،
    والنسيان: مستعار للإعراض الشديد؛ لأنه يشبه نسيان المعرض عنه... وفي جعل الضلال عن سبيل الله ونسيان يوم الحساب سببين لاستحقاق العذاب الشديد تنبيه على تلازمهما؛ فإن الضلال عن سبيل الله يفضي إلى الإعراض عن مراقبة الجزاء»
    ----------------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا
    التالي :: - ثانيًا: نسبة النسيان إلى الأنبياء عليهم السلام:

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5370
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود ثانيًا: نسبة النسيان إلى الأنبياء عليهم السلام:

    مُساهمة من طرف صادق النور الثلاثاء أغسطس 08, 2023 10:13 am


    ما قبله
    ثانيًا: نسبة النسيان إلى الأنبياء عليهم السلام:

    دَلَّ القرآن على نسيان الأنبياء في مواضع كثيرة من القرآن الكريم. يقول الله تبارك وتعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام:٦٨].

    وقال عز وجل: ( إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا) [الكهف:٢٤].

    والأنبياء معصومون فيما يبلغونه عن الله تعالى، وهذا لا ينافي نسيانهم في بعض الأمور الدنيوية أو الأمور التي فيها حكمة التشريع.

    قال ابن تيمية: « فإنهم متفقون على أن الأنبياء معصومون فيما يبلغونه عن الله تعالى،
    وهذا هو مقصود الرسالة، فإن الرسول هو الذي يبلغ عن الله أمره ونهيه وخبره، وهم معصومون في تبليغ الرسالة باتفاق المسلمين، بحيث لا يجوز أن يستقر في ذلك شيء من الخطأ » .

    وذكر القرآن الكريم مواقف نسيان لبعض الأنبياء، وهذا يدلل على بشريتهم، منهم:

    نسيان النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
    قال تعالى: ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام:٦٨].

    وقف كثير من المفسرين عند هذه الآية وتساءلوا عن جواز النسيان على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جواز تأثره بالشيطان.
    والآية صريحة بجواز النسيان عليه، وعلى غيره من الأنبياء. وفي القرآن آيات عديدة أخرى تؤيد ذلك. مثل هذه الآية التي يخاطب بها النبي صلى الله عليه وسلم: ( إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا) [الكهف:٢٤].

    وسبب نزول هذه الآية أن قريشًا أرسلت وفدًا إلى علماء أهل الكتاب (اليهود) في المدينة كي يطلبوا منهم بعض الأسئلة ليمتحنوا بها صدق محمد صلى الله عليه وسلم. فقال لهم اليهود اسألوه عن (أصحاب الكهف) وعن (ذي القرنين).

    فعادوا بهذه الأسئلة إلى مكة وطرحوها على النبي صلى الله عليه وسلم فأجابهم قائلًا (سأخبركم عنها غدًا) ولم يستثن بقوله: (إن شاء الله) فلم ينزل الوحي في اليوم التالي، وتأخر نزول الوحي فترة من الزمن، وقد أصاب النبي صلى الله عليه وسلم الحزن لهذه الفترة في الوحي.

    وبعد أن نزل الوحي وبَيَّنَ الإجابة عن أسئلتهم علم الله تعالى في بداية الآيات نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم أن لا يجزم بقول أو فعل شيء في المستقبل دون إيكال ذلك إلى مشيئة الله تعالى وإرادته.

    قال تعالى: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا 23 إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا) [الكهف:٢٣-٢٤].

    ذكر الله تعالى أن النسيان أمرًا طبيعيًّا بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لذا أمره أن يذكر ربه إذا نسي، وهو منبثق من طبيعة الأنبياء البشرية.

    وهناك أحاديث عديدة عن نسيان النبي صلى الله عليه وسلم منها حديث عن عبدالله: (صلى النبي صلى الله عليه وسلم -
    قال إبراهيم: لا أدري زاد أو نقص- فلما سلم قيل له: يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيءٌ؟ قال: (وما ذاك)، قالوا: صليت كذا وكذا، فثنى رجليه، واستقبل القبلة، وسجد سجدتين، ثم سلم، فلما أقبل علينا بوجهه، قال: (إنه لو حدث في الصلاة شيءٌ لنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشرٌ مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته، فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين).

    قال ابن حجر: «قوله: قال: وما ذاك. فيه إشعار بأنه لم يكن عنده شعور مما وقع منه من الزيادة، وفيه دليل على جواز وقوع السهو من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الأفعال، قال ابن دقيق العيد: وهو قول عامة العلماء والنظار، وشذت طائفة فقالوا: لا يجوز على النبي السهو، وهذا الحديث يرد عليهم لقوله صلى الله عليه وسلم فيه: (أنسى كما تنسون) ولقوله: (فإذا نسيت فذكروني)، أي: بالتسبيح .

    وجواز السهو والنسيان على النبي صلى الله عليه وسلم إنما يحتمل في الشؤون البشرية والدنيوية. أما الشؤون الدينية والتبليغ عن الله تعالى فالمتفق عليه عند الجمهور أنه معصوم عنهما وهو الحق.

    وأما قوله تعالى: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَىٰ ) [الأعلى:٦].

    أراد بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا نزل عليه جبريل بالقرآن يبادره فيقرأ معه أن يفرغ جبريل مما يريده من التلاوة ومخافة الانفلات أو النسيان فنهاه الله تعالى عن ذلك فقال تعالى: ( فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۗ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ) [طه:١١٤].

    أي: ولا تعجل بقراءته من قبل أن يقضى إليك وحيه، أي: من قبل أن يفرغ جبريل من الإبلاغ، وقيل: معناه لا تقرئه لأصحابك ولا تمله عليهم حتى يتبين لك معناه.

    نسيان آدم عليه السلام.

    قال تعالى: ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا )[طه:١١٥].

    أي: أوحينا إليه أن لا يأكل من الشجرة، يقال في أوامر الملوك ووصاياهم: تقدم الملك إلى فلان وأوصى إليه، وعزم عليه، وعهد إليه، واللام في (ﭑ) لام القسم، والمعنى: وأقسم قسمًا لقد أمرنا أباهم آدم ووصيناه أن لا يقرب الشجرة من قبل وجودهم، فخالف إلى ما ننهى عنه فنسي العهد، أي: النهي، والأنبياء عليهم السلام يؤاخذون بالنسيان الذي لو تكلفوا لحفظوه.

    ونسي هنا من السهو والنسيان، وإنما أخذ الإنسان منه؛ لأنه عهد إليه فنسي، وقيل: نسي ما عهد الله إليه في ذلك، ولو كان له عزم ما أطاع عدوه إبليس، وكان في ذلك الوقت مأخوذًا بالنسيان، وإن كان النسيان مرفوعًا عنا اليوم، وهذا القول لا يحتمل منه أن يكون آدم مرفوعًا عنه النسيان، أي: من قبل أن يأكل من الشجرة لأنه نهي عنها.

    فقال ابن عباس وقتادة: لم نجد له صبرًا عن أكل الشجرة ومواظبة على التزام الأمر.

    نسيان يوسف عليه السلام.

    فنبي الله يوسف الذي أنساه الشيطان ذكر ربه حيث يقول سبحانه عنه (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) [يوسف:٤٢].

    أمره بأن يذكره عند سيده، ويصفه بما شاهده منه من جودة التعبير والاطلاع على شيءٍ من علم الغيب، وكانت هذه المقالة منه عليه السلام صادرةً عن ذهولٍ ونسيانٍ عن ذكر الله بسبب الشيطان، فيكون ضمير المفعول في أنساه عائدًا إلى يوسف، هكذا قال بعض المفسرين، ويكون المراد بربه في قوله: هو الله سبحانه، أي: إنساء الشيطان يوسف ذكر الله تعالى في تلك الحال
    يذكره عند سيده ليكون ذلك سببًا لانتباهه على ما أوقعه من الظلم البين عليه بسجنه بعد أن رأى من الآيات ما يدل على براءته64.

    وذلك أن إلهام يوسف أن يسأل الله إلهام الملك تذكر شأنه كان من إلقاء الشيطان في على أمنيته، وكان ذلك سببًا إلهيًّا في نسيان الساقي تذكير الملك، وكان ذلك عتابًا إلهيًّا ليوسف على اشتغاله بعون العباد دون استعانة ربه على خلاصه .

    وفي ذلك يقول الشوكاني: «وذهب كثير من المفسرين إلى أن الذي أنساه الشيطان ذكر ربه هو الذي نجا من الغلامين وهو الشرابي... ويكون المعنى: فأنساه الشيطان ذكر إخباره بما أمره به يوسف مع خلوصه من السجن، ورجوعه إلى ما كان عليه من القيام بسقي الملك، وقد رجح البعض على هذا كون الشيطان لا سبيل له على الأنبياء:

    ويجيب الشوكاني على من قال: إن الشيطان لا سبيل له على الأنبياء. وأجيب بأن النسيان وقع من يوسف، ونسبته إلى الشيطان على طريق المجاز، والأنبياء غير معصومين عن النسيان إلا فيما يخبرون به عن الله سبحانه، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني) .

    ورجح أيضا بأن النسيان ليس بذنب، فلو كان الذي أنساه الشيطان ذكر ربه هو يوسف لم يستحق العقوبة على ذلك بلبثه في السجن بضع سنين. وأجيب بأن النسيان هنا بمعنى الترك، وأنه عوقب بسبب استعانته بغير الله سبحانه في تفريج كربه .

    نسيان موسى عليه السلام.

    ذكر الله لموسى أن عبدًا من عباد الله بمجمع البحرين عنده من العلم ما لم يحط به موسى فأحب الرحيل إليه، فقال لفتاه (وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا)[الكهف:٦٠].

    أي: لا أزال سائرًا هذا المكان الذي فيه مجمع البحرين، فلما بلغا مجمع البحرين ناما هنالك وكان فتاه يحمل حوتًا مملوحًا، فاستيقظ يوشع وقد أصاب الحوت رشاش الماء فاضطرب، وكان في مكتل مع يوشع بن نون، فسقط الحوت في البحر فجعل يسير في الماء، والماء له مثل الطاق لا يلتئم بعده، ولهذا قال: أي: مثل السرب في الأرض.
    وقال العوفي عن ابن عباس: جعل الحوت لا يمس شيئًا من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة .

    ويصور الله تبارك وتعالى هذه الحادثة بقوله: ()وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا 60 فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا 61 فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا 62 قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا [الكهف:٦٠-٦٣].

    وقد نسب النسيان إليهما وإن كان يوشع هو الذي نسيه، والمعنى: فلما ذهبا عن المكان الذي نسياه فيه بمرحله قال موسى

    ولما قفز الحوت من المكتل رآه وكان موسى عليه السلام نائمًا فلما استيقظ نسي أن يخبره بما حدث من الحوت من شدة النصب، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما فلما أخبره فتاه بالحادثة قال: ( قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا)[الكهف:٦٤].

    أي: رجعا يقصان أثرهما حتى انتهيا إلى الصخرة التي كانا قد أويا إليها، فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه، فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام؟! فقال: أنا موسى بن إسرائيل قد أتيتك لتعلمني مما علمت منه رشدا .

    قال الطبري: الحوت كان مع يوشع، وهو الذي نسيه، فأضيف النسيان إليهما،
    وإنما جاز عندي أن يقال: (نسيا) لأنهما كانا جميعًا تزوداه لسفرهما، فكان حمل أحدهما ذلك مضافًا إلى أنه حمل منهما،
    كما يقال: خرج القوم من موضع كذا، وحملوا معهم كذا من الزاد، وإنما حمله أحدهما ولكنه لما كان ذلك عن رأيهم وأمرهم أضيف ذلك إلى جميعهم، فكذلك إذا نسيه حامله في موضع قيل: نسي القوم زادهم، فأضيف ذلك إلى الجميع بنسيان حامله ذلك، فيجرى الكلام على الجميع، والفعل من واحد، لأن الله عز ذكره خاطب العرب بلغتها، وما يتعارفونه بينهم من الكلام».

    قال القرطبي: «وقيل إن النسيان كان منهما لقوله تعالى: فنسب النسيان إليهما وذلك أن بدو حمل الحوت كان من موسى؛ لأنه هو الذي أمر به، فلما مضيا كان فتاه هو الحامل حتى أويا إلى الصخرة » .

    ثم قال تعالى حكاية عن الخضر عليه السلام: (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا 72 قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ) [الكهف:٧٢-٧٣].

    فالنسيان الأول كان عقاب من الله تعالى على الهفوة التي وقع فيها موسى عليه السلام؛ لأن قصة الخروج في طلب علم الرجل الصالح كلها منطوية على ذلك، ومما يدل على ذلك قوله: (فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه) .

    والنسيان الثاني الذي وقع من موسى عليه السلام عندما صحب الخضر أنه حرم علمًا كثيرًا وحكمة؛ لأنه لو صبر مع الخضر لحصل له علم كثير، ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما).

    مما سبق يتضح أن النسيان الطبيعي هو صفة من صفات بني آدم لم يسلم منه حتى الأنبياء وهو دليل على بشريتهم إذ الكمال كله لله تعالى.

    أقسام النسيان

    للإنسان دور واضح في إيجاد النسيان من خلال عدم اهتمامه وسطحية تعامله مع مفردات الحياة وتفاصيلها، فالذين لم يستعدوا لليوم الآخر بالعمل الجاد الصالح، ونسوا ذلك اليوم وأغرتهم الدنيا بمتاعها وجمالها، فتركوا العمل والعدة، فسيتركون في النار وسيجزون من جنس عملهم.

    وهناك نوع آخر من النسيان خارج عن إرادة الإنسان لأسباب وظروف موضوعية خاصة به، وهو مظهر من مظاهر رحمة الله تعالى على الإنسان في حالة إصابته بالمصائب والأوجاع والشدائد.

    أولًا: النسيان المؤاخذ عليه ودوافعه:

    النسيان المتعمد من الصفات المذمومة، وجاء في آيات القرآن الكريم مقترنًا بصفات أخرى لها علاقة بهذا المرض ولها ارتباط وثيق به، ورد ذكرها في القرآن على سبيل الذم، فقد جاء مقترنًا: بالكفر، والتكذيب، وعدم الإيمان، والتكبر، والجحود، والإعراض، والضلال، والظلم، ونسيان ذكر الله تعالى، ونسيان اليوم الآخر وما يكون فيه من الحساب، واللهو، واللعب، والتفريط، وحب الحياة الدنيا، وغير ذلك من مهلكات الأمور.

    وأغلب هذه المواطن التي ذم الله تعالى فيها الناسين إنما وردت في سياق الحديث عن الكفار والمنافقين، ولم ترد في سياق وصف المؤمنين، مما يدل على أن المؤمن لا ينبغي له أن يتصف بصفات الكفار والمنافقين.

    ومن النسيان المؤاخذ عليه:

    1 - نسيان الله تعالى.
    نسيان المخلوق لخالقه من أقبح صور النسيان وأشنعها، حيث إنه يعد نسيانًا للمنعم وجحدًا للنعمة وتنكرًا من العبد لربه ومولاه الذي خلقه في أحسن تقويم، فالذي ينسى الله يهيم في هذه الحياة بلا رابطة تشده إلى أفق أعلى، وبلا هدف يردعه عن السائمة التي ترعى، وفي هذا نسيان لإنسانيته.

    وفي ذلك يقول سبحانه: ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [التوبة:٦٧].

    فنسيان الله تعالى من صفات المنافقين الذين هم على خلاف صفات المؤمنين، فالمؤمن دائم الذكر لله والمنافق ينسى ذكر الله سبحانه.

    قال القرطبي في تفسير هذا النسيان: «والنسيان الترك هنا، أي تركوا ما أمرهم الله به فتركهم في الشك، وقيل: إنهم تركوا أمره حتى صار كالمنسي فصيرهم بمنزلة المنسي من ثوابه، وقال قتادة: نسيهم، أي: من الخير، فأما من الشر فلم ينسهم» .

    فالمنافقون الذين هذه صفتهم من طينة واحدة وطبيعة واحدة، المنافقون في كل زمان وفي كل مكان تختلف أفعالهم وأقوالهم، ولكنها ترجع إلى طبع واحد، وتنبع من معين واحد، سوء الطوية ولؤم السريرة، والضعف عن المواجهة والجبن عن المصارحة؛ لأنهم لا يجرؤون على الجهر إلا حين يأمنون، إنهم نسوا الله فلا يحسبون إلا حساب الناس وحساب المصلحة، ولا يخشون إلا الأقوياء من الناس يذلونهم ويدارونهم.

    ونظرًا لشناعة هذه الصفة وقبحها يحذر الله المؤمنين من أن يقعوا فيما وقع فيه المنافقون فيخاطبهم سبحانه قائلًا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ 18 وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [الحشر:١٨-١٩].

    أي: تركوا أمره أو ما قدروه حق قدره أو لم يخافوه، أو جميع ذلك.

    ويقول ابن عاشور في تفسير هذه الآية: «بعد أن أمر المؤمنين بتقوى الله وإعداد العدة للآخرة أعقبه بهذا النهي؛ تحذيرًا عن الإعراض عن الدين والتغافل عن التقوى، وذلك يفضي إلى الفسوق، وجيء في النهي بنهيهم عن حالة قوم تحققت فيهم هذه الصلة؛ ليكون النهي عن إضاعة التقوى مصورًا في صورة محسوسة، هي صورة قوم تحققت فيهم تلك الصلة، وهم الذين أعرضوا عن التقوى، وهذا الإعراض مراتب قد تنتهي إلى الكفر الذي تلبس به اليهود، وإلى النفاق الذي تلبس به فريق ممن أظهروا الإسلام في أول سني الهجرة، وظاهر الموصول أنه لطائفة معهودة فيحتمل أن يراد بالذين نسوا الله المنافقين؛ لأنهم كانوا مشركين ولم يهتدوا للتوحيد بهدى الإسلام فعبر عن النفاق بنسيان الله؛ لأنه جهل بصفات الله من التوحيد والكمال؛ لذلك عبر عنهم بالفاسقين في قوله: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [الحشر:١٩].

    فتكون هذه الآية ناظرة إلى تلك، ويحتمل أن يكون المراد بهم اليهود؛ لأنهم كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأضاعوا دينهم، ولم يقبلوا رسالة عيسى، فالمعنى نسوا دين الله وميثاقه الذي واثقهم به... وقد أطلق نسيانهم على الترك والإعراض، فالكلام بتقدير عن عمد، أي: فنسوا دلائل توحيد الله ودلائل صفاته، ودلائل صدق رسوله وفهم كتابه، فالكلام بتقدير: حذف مضاف أو مضافين» .

    فمن خلال استعراض أقوال المفسرين نجد أن معنى نسيان الله تعالى، هو ترك أوامره، ونسيان ذكره، وأصحاب هذه الصفة لا يحسبون حسابًا لله بل يحسبون حساب الناس وحساب المصلحة، ولا يخشون إلا الأقوياء من الناس، يذلون لهم ويدارونهم، فنسيهم الله، فلا وزن لهم ولا اعتبار.

    والله تبارك وتعالى نسيهم من رحمته، فلا يوفقهم لخير، ولا يدخلهم الجنة، بل يتركهم في الدرك الأسفل من النار خالدين فيها مخلدين.

    2 - نسيان آيات الله.

    فآيات الله تعالى ظاهرة للأعين البصيرة، واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، لا تزيد صاحب الفطرة السليمة والعقل المجرد إلا يقينًا بالله تبارك وتعالى، واذعانًا لأوامره جل جلاله.

    وجاء في القرآن العظيم آيات كثيرة منها الكونية، ومنها التشريعية، فمن القبح نسيان آيات الله سبحانه وتعالى، وقد ذكر الله تعالى هذا النوع من النسيان في كتابه العزيز فقال تعالى: ( قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ) [طه:١٢٦].

    أي: أتتك آياتنا واضحة مستنيرة فلم تنظر إليها بعين المعتبر ولم تتبصر، وتركتها وعميت عنها، فكذلك اليوم نتركك على عماك ولا نزيل غطاءه عن عينيك.

    يقول الخازن: «يعني: كما أتتك آياتنا فنسيتها فطردتها وأعرضت عنها كذلك اليوم تنسى يعني: تترك في النار، وقيل: نسوا من الخير والرحمة ولم ينسوا من العذاب» .

    فالله تعالى علل ذلك العمى بأن المكلف نسي آيات الله ودلائل وجوده في هذه الحياة الدنيا، فلو كان العمى الحاصل في الآخرة بين ذلك النسيان لم يكن للمكلف بسبب ذلك ضرر،
    كما أنه ما كان له في الدنيا بسبب ذلك ضرر، فالمراد من حشره أعمى أنه لا يهتدي يوم القيامة إلى طريق ينال منه خيرًا، بل يبقى واقفًا متحيرًا كالأعمى الذي لا يهتدي إلى شيء، وقد أنزل الله به هذا العمى جزاء على تركه اتباع الهوى والإعراض عنه، فمقابل نسيانه لآيات الله في الدنيا ينسى في الآخرة ويعمى ولا يهتدي إلى خير.

    ويقول ابن عاشور: «كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وعميت عنها فكذلك اليوم تنسى وتحشر أعمى، والنسيان في الموضعين مستعمل كناية أو استعارة في الحرمان من حظوظ الرحمة» .

    من الملاحظ أن المفسرين اتفقوا على أن نسيان آيات الله بمعنى الإعراض عنها، وعدم اتباع الهدى الذي يترتب عليه نسيان صاحبه من الخير والرحمة وعدم هدايته إلى طرق الخير وأبوابه، بالإضافة إلى أنه لا ينسى من عقاب الآخرة فيحشر أعمى ويكون له من عذاب الله ما يستحق يوم القيامة.

    3 - نسيان ذكر الله.
    نسيان ذكر الله يؤدي إلى فتح أبواب الشر على مصراعيها على الإنسان الذي نسي، حيث تلتبس عليه مفاهيم الحق والباطل ليجد نفسه متلبسًا بالمنكر، وعندما يواجه لحظة الحسم بنزول عذاب الله عليه في الدنيا أو عندما يسلم الروح إلى بارئها يقف عاجزًا عن تبرير نسيانه.

    قال تعالى: ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ) [الأنعام:٤٤].

    فالله سبحانه طلب من عباده أن يكثروا من ذكره، حيث قال تعالى: ({يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا }) [الأحزاب:٤١-٤٢].

    وعبادة الذكر من العبادات التي يحبها ربنا جل في علاه، وقد ذم الله الذين نسوا الذكر ووصفهم بالفساد حيث يقول: (قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَٰكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا) [الفرقان:١٨].

    حيث جعل نسيانهم الذكر غاية للتمتيع؛ للإيماء إلى أن ذلك التمتيع أفضى إلى الكفران، والنسيان مستعمل في الإعراض عن عمد على وجه الاستعارة؛ لأنه إعراض يشبه النسيان في كونه عن غير تأمل ولا بصيرة .

    ويقول سيد قطب: «فهذا المتاع الطويل الموروث على غير معرفة بواهب النعمة، ولا توجه، ولا شكر، قد ألهاهم وأنساهم ذكر المنعم، فانتهت قلوبهم إلى الجدب والبوار كالأرض البور لا حياة فيها ولا زرع ولا ثمار، والبوار الهلاك ولكن اللفظ يوحي كذلك بالجدب والخواء، جدب القلوب وخواء الحياة » .

    ومن الآيات التي ذمت نسيان ذكر الله تعالى قوله تعالى: (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّىٰ أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) [المؤمنون:١١٠].

    أي: اتخذتموهم هزؤًا وتشاغلتم بهم ساخرين حتى أنسوكم بتشاغلكم بهم على تلك الصفة ذكري، فتركتم أن تذكروني فتخافوني في أوليائي .

    قال مقاتل: «إن رؤساء قريش مثل أبي جهل وعتبة وأبي بن خلف كانوا يستهزئون بأصحاب رسول الله ويضحكون بالفقراء منهم مثل: بلال وخباب وعمار وصهيب، والمعنى اتخذتموهم هزؤًا حتى أنسوكم بتشاغلكم بهم ذكري» .

    ومن الآيات التي ذكرت هذا النوع من النسيان أيضًا قوله تعالى: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المجادلة:١٩].

    « أي: استحوذ على قلوبهم الشيطان حتى أنساهم أن يذكروا الله وكذلك يصنع بمن استحوذ عليه » .

    قال القرطبي: « أي: غلب واستعلى، أي: بوسوسته في الدنيا، وقيل: قوي عليهم أو أحاط بهم أو جمعهم وضمهم.

    يقال: أحوذ الشيء، أي: جمعه وضم بعضه إلى بعض، وإذا جمعهم فقد غلبهم وقوي عليهم وأحاط بهم فأنساهم ذكر الله».

    فمن خلال ما تقدم يتبين أن السبب الرئيس وراء نسيان ذكر الله تعالى هو الانهماك في المعاصي، واتباع خطوات الشيطان، مما يهيئ الأجواء للشيطان لأن يستحوذ على العصاة، ويستخدمهم لتنفيذ غواياته ويشغلهم بمعصية الله وإيذاء عباده من ذكره سبحانه.

    إن الإنابة إلى الله تعالى بذكره واستغفاره كفيلة بأن تمحو عن المؤمن كل سيئة.

    قال تعالى: ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران:١٣٥].

    وفي الآية تسلية لمن فعل الفواحش أو صدر منه تقصير بحق الله تعالى عليه بأن يسارع إلى ذكره واستغفاره؛ ليجب عنه ما سبق من إثم أو تقصير.

    4 - نسيان لقاء الله[/size].
    نسيان لقاء الخالق جل جلاله نوع من النسيان، كما في قوله تعالى: ( الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ) [الأعراف:٥١].

    بمعنى أن الله تعالى يتركهم يوم القيامة في العذاب المبين جياعًا عطاشًا بغير طعام ولا شراب كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا، ورفضوا الاستعداد له بإتعاب أبدانهم في طاعة الله .

    قال ابن عباس رضي الله عنهما: نسيهم من الخير ولم ينسهم من الشر، وقيل: معناه نعاملهم معاملة من نسي فنتركهم في النار كما تركوا العمل وأعرضوا عن الإيمان إعراض الناسي، سمي الله تعالى جزاء نسيانهم بالنسيان على المجاز؛ لأن الله لا ينسى، فيكون المراد من هذا النسيان أن الله تعالى لا يجيب دعاءهم، ولا يرحم ضعفهم وزلتهم، بل يتركهم في النار كما تركوا الإيمان والعمل.

    «والنسيان في الموضعين مستعمل مجازًا في الإهمال والترك؛ لأنه من لوازم النسيان فإنهم لم يكونوا في الدنيا ناسين لقاء يوم القيامة، فقد كانوا يذكرونه ويتحدثون عنه حديث من لا يصدق بوقوعه وتعليق الظرف بفعل ننساهم؛ لإظهار أن حرمانهم من الرحمه كان في أشد أوقات احتياجهم إليها، فكان لذكر اليوم أثر في إثارة تحسرهم وندامتهم وذلك عذاب نفساني ودل معنى كاف التشبيه على أن حرمانهم من رحمة الله كان مماثلًا لإهمالهم التصديق باللقاء وهي مماثلة جزاء العمل للعمل».

    ومن الآيات كذلك التي تصور نسيان لقاء الله قوله تعالى: (فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ ۖ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [السجدة:١٤].

    «فجعل ذوق العذاب نتيجة فعلهم من نسيان العاقبة، وقلة الفكر فيها، وترك الاستعداد لها، والمراد بالنسيان خلاف التذكر، يعني: أن الانهماك في الشهوات أذهلكم وألهاكم عن تذكر العاقبة وسلط عليكم نسيانها، ثم قال: إنا نسيناكم على المقابلة، أي جازيناكم جزاء نسيانكم،
    وقيل: هو بمعنى الترك، أي: تركتم الفكر في العاقبة فتركناكم من الرحمة،وبناء الفعل على إن واسمها تشديد في الانتقام منهم، والمعنى فذوقوا هذا، أي: ما أنتم فيه من نكس الرؤوس والخزي والغم؛ بسبب نسيان اللقاء وذوقوا العذاب المخلد في جهنم؛ بسبب ما عملتم من المعاصي والكبائر الموبقة .

    من خلال ما تقدم يتبين أن نسيان لقاء الله من أقبح أنواع النسيان، وتركهم المذموم يقابله الله بالخزي والغم والهم في الدنيا من باب أن الجزاء من جنس العمل، وعقوبة هؤلاء الناسين بتركهم في نار جهنم خالدين فيها أبدا.


    5 -[size=24] نسيان النفس
    .
    نسيان المرء لنفسه، يجعله يضيع نفسه في عاجلها وآجلها، يضيع الدنيا فتلفه المشكلات من كل صوب، ويضيع الآخرة بخسران النجاة والفوز بالجنة، وعلى مقدار النسيان والتضييع لأمر الله تعالى سيكون التضييع للنفس والدنيا والآخرة.

    قال تعالى: ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [الحشر:١٩].

    وأي عقوبة أعظم من عقوبة من أهمل نفسه وضيعها، ونسي مصالحها، وداءها ودواءها، وأسباب سعادتها وفلاحها وصلاحها وحياتها الأبدية في النعيم المقيم.

    قال تعالى: ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [البقرة:٤٤].

    وأشد ما قرع الله في هذا الموضع من يأمر بالخير ولا يفعله من العلماء الذين هم غير عاملين بالعلم، فاستنكر عليهم أولا أمرهم للناس بالبر مع نسيان أنفسهم في ذلك الأمر الذي قاموا به في المجامع ونادوا به في المجالس؛ إيهامًا للناس بأنهم مبلغون عن الله ما تحملوه من حججه، ومبينون لعباده ما أمرهم ببيانه، وموصلون إلى خلقه ما استودعهم وائتمنهم عليه، وهم أترك الناس لذلك وأبعدهم من نفعه وأزهدهم فيه، ثم ربط هذه الجملة بجملة أخرى جعلها مبينة لحالهم وكاشفة لعوارهم وهاتكة لأستارهم، وهي أنهم فعلوا هذه الفعلة الشنيعة والخصلة الفظيعة على علم منهم ومعرفة بالكتاب الذي أنزل عليهم وملازمة لتلاوته، ثم انتقل معهم من تقريع إلى تقريع، ومن توبيخ إلى توبيخ فقال: إنكم لو لم تكونوا من أهل العلم وحملة الحجة وأهل الدراسة لكتب الله، لكان مجرد كونكم ممن يعقل حائلا بينكم وبين ذلك، زاجرًا لكم منه، فكيف أهملتم ما يقتضيه العقل بعد إهمالكم لما يوجبه العلم؟! .

    قال الطبري: « أتأمرون الناس بطاعة الله وتتركون أنفسكم تعصيه؟ فهلا تأمرونها بما تأمرون به الناس من طاعة ربكم؟ معيرهم بذلك، ومقبحًا إليهم ما أتوا به ».

    وقال القرطبي: « اعلم وفقك الله تعالى أن التوبيخ في الآية بسبب ترك فعل البر، لا بسبب الأمر بالبر؛ ولهذا ذم تعالى في كتابه قومًا كانوا يأمرون بأعمال البر ولا يعملون بها، ووبخهم الله توبيخًا يتلى على طول الدهر إلى يوم القيامة»
    ------------------------------------------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا - تابعونا - جزاكم الله خيرا

    التالي :: - وأما دوافع النسيان، فمنها:

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5370
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود وأما دوافع النسيان، فمنها:

    مُساهمة من طرف صادق النور الثلاثاء أغسطس 08, 2023 11:05 am


    ما قبله :
    وأما دوافع النسيان، فمنها:
    1 - الشيطان.
    المنحرفين عن سنن الإسلام إما بفساد في العقيدة، أو انحراف في السلوك نجد تعليلًا لذلك، يتمثل في تسلط الشيطان عليهم، وسيطرته على نفوسهم، فأنساهم خالقهم وبذلك تم لهم الانغماس في ضلالهم، يقول تعالى: ( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المجادلة:١٩].

    والشيطان لا يقصر جهده على الأشرار فهم جنوده، وقد فرغ منهم، ولكنه يبحث في السائرين على طريق الرشاد يحاول جذبهم إليه.

    ذكر القرآن الكريم أن الشيطان يتسبب في النسيان في خمسة مواطن، وأغلب هذه المواطن خاصة ببعض الأنبياء، لذا يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم يذكره بمحاولات الشيطان جذبه إليه في مجالس هؤلاء الضالين، ويحذره من الجلوس معهم أكثر من فترة التذكير والتوجيه.

    قال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام:٦٨].

    قال الطبري: « إن أنساك الشيطان نهينا إياك عن الجلوس معهم والإعراض عنهم في حال خوضهم في آياتنا، ثم ذكرت ذلك، فقم عنهم، ولا تقعد بعد ذكرك ذلك مع القوم الظالمين الذين خاضوا في غير الذي لهم الخوض فيه بما خاضوا به فيه. وذلك هو معنى «ظلمهم» في هذا الموضع » .

    وعلى كل فرد من آحاد الأمة أن لا يجلس مع المكذبين الذين يحرفون آيات الله، ويضعونها على غير موضعها؛ ويشمل الخائضين بالباطل، وكل متكلم بمحرم، أو فاعل لـمحرم، فإنه يحرم الجلوس والحضور عند حضور المنكر الذي لا يقدر على إزالته .

    وقد بسط الله سبحانه القول في الشيطان في آيات كثيرة، وأوضح طرائق إضلاله وإغوائه في بيان جلي أقام به الحجة على الخلق، وأزال به كل عذر لمعتذر.

    2 - الغرور.
    الغرور هو أن يسيء الإنسان فهم نفسه، بأن ينسى الأصل الذي منه نشأ، أو ينسى أن الأيام تدول، وأن النعم تزول، وأن النعمة قد تصير شقاء، والجاه قد يتحول إلى بلاء، وسوء الفهم الذي يوجد الغرور هو الذي ينسي الإنسان هذه الحقائق الثابتة من سنن الله في الحياة.

    فأبي بن خلف عندما وقف موقف التحدي، منكرًا في تهكم عقيدة البعث، ويأتي بعظام بالية ويفتتها بيده ويقول: يا محمد أترى الله يحيي هذا بعدما قد رم؟، فأبي في موقفه تبدو منه حماقة البغي، وشراسة الجحود، والكبر والغرور، لم يدر بخلده الماء المهين الذي خلقه الله منه، ولو تذكره لرجع إلى نفسه قبل أن يقول ما قال: وهذه هي الحقيقة التي يسجلها القرآن الكريم: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ 78 قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) [يس:٧٨-٧٩].

    فالغرور أنساه إحدى بديهيات الوجود حتى تورط فيما تورط فيه من كفران وجحود.

    وقصة صاحب الجنتين نموذجًا للكبر والغرور، فالكافر الغني أخذ يتعالى على صاحبه الفقير: (وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا) [الكهف:٣٤].

    ثم يخطو بصاحبه إلى إحدى الجنتين، وملء نفسه البطر، وملء جنبه الغرور وقد نسي الله، ونسي أن يشكره على ما أعطاه وظن أن هذه الجنان المثمرة لن تبيد أبدًا، أنكر قيام الساعة أصلًا، وهبها قامت فسيجد هنالك الرعاية والإيثار! أليس من أصحاب الجنان في الدنيا فلا بد أن يكون جنابه ملحوظًا في الآخرة! ( وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا 35 وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا) [الكهف:٣٥-٣٦].

    فالغرور يخيل لذوي الجاه والسلطان والمتاع والثراء، أن القيم التي يعاملهم بها أهل هذه الدنيا الفانية تظل محفوظة لهم حتى في الملأ الأعلى! فما داموا يستطيلون على أهل هذه الأرض فلا بد أن يكون لهم عند السماء مكان ملحوظ! فأما صاحبه الفقير الذي لا مال له ولا نفر ولا جنة عنده ولا ثمر فإنه معتز بما هو أبقى وأعلى، معتز بعقيدته وإيمانه، معتز بالله تعالى .

    إن الإنسان المغرور يفزع إلى ربه في الضراء، وينسى ضراعته في السراء، (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۚ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا ۖ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) [الزمر:٨].

    فغرور الإنسان أنساه صاحب الحق، فضل السبيل إليه وأشرك، وعندما ينسى ما كان فيه من عسر وما صار إليه من يسر يؤدي غرور الإنعام بالإنسان إلى مهاوي الكفران.

    3 - التسلط.
    من دوافع النسيان شهوة التسلط عندما يشعلها إمعان الأتباع في الخضوع. فقد يجد المغرور من يستخزي لكبريائه، وينصاع لغلوائه، ويستذل لبغيه، فيغريه ذلك بمزيد من الطغيان، ويسمع كلمات الثناء وعبارات التمجيد من أفواه العبيد، فيتصور أنه كبير، وينسى أن فوقه الكبير المتعال. فعندما وجد فرعون من يستذلهم؛ أنساه ذل العبيد أنه عبد مثلهم، وصدق رب العالمين إذ يقول: (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا ۗ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا ) [الفرقان:٢١].

    المجتمع الإسلامي يجب أن يكون صلبًا في الحق، وحساسًا تجاه الاعتداء عليه وعلى القائمين على الدين أن يؤدوا أمانتهم التي استحفظوا عليها، فيقفوا في وجه الشر والفساد والطغيان والاعتداء، ولا يخافوا لومة لائم، سواء جاء هذا الشر من الحكام المتسلطين بالحكم أو الأغنياء المتسلطين بالمال أو الأشرار المتسلطين بالأذى أو الجماهير المتسلطة بالهوى، فمنهج الله هو منهج الله، والخارجون عليه علوا أم سفلوا سواء .

    ثانيًا: النسيان المعفو عنه ودوافعه:

    هناك نسيان من البشر محمود، وهو نسيان الرذائل، نسيان الصالحين والصالحات للمعاصي وما يوصل إليها، بمعنى تركهم لها وإعراضهم عنها، والتنزه عن مجالسها.

    وهو في الحقيقة تناسي، فهم يتناسون المعاصي والمنهيات بمعنى يتركونها ويعرضون عنها مع ذكرهم لها، كي يحصل لهم عظيم الأجر بكمال الامتثال، فالترك للمنهي عنه مأجور عليه إذا ترك ابتغاء الأجر والثواب، كما قال تعالى: ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) [النساء:٣١].

    في المسند من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليعجب من الشاب ليست له صبوة).

    قال المناوي: (ليست له صبوة) أي: ميل إلى الهوى بحسن اعتياده للخير، وقوة عزيمته في البعد عن الشر،
    «يعيش فيها المسلم العفيف في صفاء ونقاء، وعفة وطهر، أخلاقه سامية، وأفعاله نبيلة.

    ويشير القرآن ضمن حديثه عن المؤمنين المفلحين الذين نعتهم الله بالفلاح في (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ 1 الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ 2 وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) [المؤمنون:١-٣].

    ثم ذكر من صفاتهم فقال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ).

    قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: « أي: عن الباطل، وهو يشمل الشرك كما قاله بعضهم،والمعاصي كما قاله آخرون ،وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال كما قال تعالى: ( وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) [الفرقان:٧٢]» .

    وقال تعالى: (﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (44) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (45) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (46) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ ) [ص:٤٥-٤٧].

    أي: أولي القوة في الطاعة والبصيرة في الدين فأشرف ما يصدر عنها طاعة لله، إشارة إلى القوة العالمة، فأشرف ما يصدر عنها معرفة الله وما سوى هذين القسمين باطل.

    وقرأ ابن كثير (عبدنا) على التوحيد أي: إنا جعلناهم خالصين لنا بسبب خصلة خالصة، وهي استغراقهم في ذكر الدار الآخرة حتى نسوا الدنيا، وقرأ نافع وهشام بإضافة خالصة، أي: إنا اختصصناهم بإخلاصهم ذكر الآخرة وتناسيهم عند ذكر الدنيا، وقد جاء المصدر على فاعلة كالعاقبة أي: لمن المختارين من أبناء جنسهم المستعلين عليهم في الخير .

    وهناك تناسي إيجابي مثل سلوك العالم مع الجاهل وسلوك الحليم مع الغاضب، حيث لا يلتفت لكلام وسلوك الجاهل معه ويتناسى الموضوع؛ ولهذا أشار القرآن الكريم ( وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ) [الفرقان:٦٣].

    من صفات عباد الرحمن أنهم إذا خاطبهم الجاهلون قالوا: سلامًا.

    قال تعالى: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا )

    قال ابن كثير: أي: «إذا سفه عليهم الجهال بالسيئ، لم يقابلوهم عليه بمثله، بل يعفون ويصفحون، ولا يقولون إلا خيرًا، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا،
    وكما قال تعالى: ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ) [القصص:٥٥]» .

    قال الحسن البصري:: حلماء لا يجهلون، وإن جهلوا عليهم حلموا، يصاحبون عباد الله نهارهم بما تسمعون، ثم ذكر أن ليلهم خير ليل 109.

    سب رجل رجلًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فجعل الرجل المسبوب يقول: عليك السلام، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما إن ملكا بينكما يذب عنك، كلما شتمك هذا قال له: بل أنت أحق به، وإذا قال له: عليك السلام، قال: لا، بل عليك، وأنت أحق به).

    أنعم على من به خلق كريم بأن يرد المسلم على الجاهل السفيه الذي لم يتأدب بأدب الإسلام بهذه اللفظة الجميلة، التي تحمل السلام والسلامة، وتحمل أدب الإسلام الراقي المنضبط إنها سلام إما بلفظها أو بكلام يدل على السلام والسلامة، ويدل على الصفح والهجر الجميل.

    وعن أنس رضي الله عنه قال: (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه بردٌ نجرانيٌ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيٌ، فجبذه بردائه جبذة شديدةً، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه، فضحك، ثم أمر له بعطاءٍ). فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يوبخه ولم يضربه ولم يعبس بل ضحك صلى الله عليه وسلم ومع هذا أمر له بعطاء.

    «وسئل معاوية رضي الله عنه بم سست الناس؟ وذلك لأن معاوية معروف بالسياسة والحكمة، فقال: أجعل بيني وبين الناس شعرة، إن جذبوها تبعتهم، وإن جذبتها تبعوني لكن لا تنقطع».

    معنى كلامه أنه سهل الانقياد؛ لأن الشعرة إذا جعلتها بينك وبين صاحبك إذا جذبها أدنى جذب انقطعت، لكن من حسن سياسته رضي الله عنه أنه كان يسوس الناس بهذه السياسية؛ إذا رآهم مقبلين استقبلهم، وإذا رآهم مدبرين تبعهم حتى يتمكن منهم.

    وقال تعالى: ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف: ١٩٩].

    قال الإمام القرطبي: هذه الآية من ثلاث كلمات، تضمنت قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات
    دخل فيه صلة القاطعين، والعفو عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين، ودخل في قول: صلة الأرحام، وتقوى الله في الحلال والحرام، وغض الأبصار، والاستعداد لدار القرار، وفي قوله: الحض على التعلق بالعلم، والإعراض عن أهل الظلم، والتنزه عن منازعة السفهاء، ومساواة الجهلة، الأغبياء، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة والأفعال الرشيدة .

    قال أيضًا:: إذا أقمت عليهم الحجة وأمرتهم بالمعروف فجهلوا عليك فأعرض عنهم؛ صيانة له عليهم ورفعًا لقدره عن مجاوبتهم، وهذا وإن كان خطابًا لنبيه عليه السلام فهو تأديب لجميع خلقه.

    والإعراض عن الجاهلين ونسيانهم فيه خير كثير، فعن الإمام الشافعي قال: « اللبيب العاقل هو الفطن المتغافل».

    وعن محمد بن عبد الله الخزاعي قال سمعت عثمان بن زائدة يقول: (العافية عشرة أجزاء تسعة منها في التغافل قال: فحدثت به أحمد بن حنبل فقال العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل) .

    والإعراض يكون بالترك والإهمال والنسيان، والتهوين من شأن ما يجهلون به من التصرفات والأقوال، والمرور بها مر الكرام، وعدم الدخول معهم في جدال لا ينتهي إلى شيء إلا الشد والجذب، وإضاعة الوقت والجهد وقد ينتهي السكوت عنهم، والإعراض عن جهالتهم إلى تذليل نفوسهم وترويضها، بدلًا من الفحش في الرد واللجاج في العناد .

    ما يترتب على النسيان

    من الآثار المترتبة على النسيان في الدنيا والآخرة: المعيشة الشاقة والمعاناة والضيق والضنك، والعمى والصم والبكم، وفي الآخرة ينتظره العذاب الأليم، وكل هذه الآثار مذكورة في قول الله تعالى: ( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ 123 وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ 124 قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا 125 قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ 126 وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ ۚ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ) [طه:١٢٣-١٢٧].

    أولًا: ما يترتب على النسيان في الدنيا:

    1 - قساوة القلوب وموتها.
    يترتب على النسيان الطبع والختم على القلوب بالإضافة إلى جعل الأكنة، وقسوة القلب، وهو وصف من أخطر الأوصاف؛ لأن القلب القاسي هو الميت الذي ليس فيه حياة، وهو الجامد الذي ليس فيه خير البتة، وهذا الوصف في القرآن الكريم خاص بقلوب الكفار دون غيرهم، ولم يشترك المنافقون معهم فيه. قال تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [المائدة:١٣].

    فبسبب أنهم نسوا ذكر الله تعالى فنقضوا عهده لهم وبدلوا كلام الله، وهذا من أعظم الخيانة، أصابهم الله تعالى بقسوة القلب وموته.

    قال أبو حيان « من قسوة قلوبهم وسوء فعلهم بأنفسهم، حيث ذكروا بشيء فنسوه وتركوه، وهذا الحظ من الميثاق المأخوذ عليهم » 119.

    والقلب الميت يكون صاحبه أحط من البهائم ويكون مآله إلى جهنم.

    قال تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [الأعراف:١٧٩].

    فيصبح هذا القلب مطموسًا منكوسًا مختومًا عليه لا ينتفع به صاحبه بسبب أنه أعرض عن الحق ورضي بالباطل فصار الباطل غذاءه، والضلال طريقه والجحيم مصيره.

    2 - الوقوع في المعصية والحرمان من الخير.
    ترتب على النسيان وعدم الصبر على العهد والمحافظة عليه والتمسك به الوقوع في المعصية.

    قال تعالى: (فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ) [طه:١٢١].

    ثم إخراج آدم وحواء من الجنة واستخلافهما مع أبنائهما في الأرض وابتلائهم بالخير والشر.

    قال تعالى: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ) [البقرة:٣٦].

    أي: قرار وأرزاق وآجال أي: إلى وقت مؤقت ومقدار معين، ثم تقوم القيامة.

    3 - السجن.
    يترتب على النسيان المكوث في السجن لبضع سنوات كما وقع مع نبي الله يوسف عليه السلام، وهو مكوث نبي الله يوسف عليه السلام في السجن بضع سنين.

    قال تعالى: (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) [يوسف:٤٢].

    4 - المشقة والتعب والحرمان من العلم.
    يترتب على النسيان المشقة والتعب، فقد قطع موسى وفتاه مسافة ليست بالقصيرة، وكان بالإمكان أن يجدا الرجل الصالح قبل مجاوزة مجمع البحرين، ولكن نظرًا لنسيان يوشع وعدم انتباهه سار موسى مسافة أخرى، أحس فيها بالتعب والنصب، ولما أراد أن يأخذ راحة ويأكل، تفاجأ بعملية النسيان التي ترتب عليها كل هذا النصب، وزاد الأمر مشقة وتعبًا أن عليهما أن يرجعا هذه المسافة ويقطعاها مرة أخرى ليجدا الرجل الصالح؛ ولذلك قال تعالى: (قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا ) [الكهف:٦٤].

    ثم قال تعالى حكاية عن الخضر عليه السلام: ( قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا 72 قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا) [الكهف:٧٢-٧٣].

    فالنسيان الأول كان عقاب من الله تعالى على النسيان الذي وقع فيه موسى عليه السلام؛ لأن قصة الخروج في طلب علم الرجل الصالح كلها منطوية على ذلك، ومما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه)
    والنسيان الثاني الذي وقع من موسى عليه السلام عندما صحب الخضر أنه حرم علمًا كثيرًا وحكمة؛ لأنه لو صبر مع الخضر لحصل له علم كثير، يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: (وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما).

    والناسي يعفى من العقوبة أو المسؤولية الجنائية، ولكن هذا لا يعفيه من الحقوق، الأموال والدماء المعصومة، ويرى بعض الفقهاء أن النسيان الغير مقصود يعذر صاحبة في الآخرة، وأما أحكام الدنيا فالأفعال المتعلقة بحق الله عز وجل يعفى منها، والأفعال المتعلقة بحقوق الأفراد فلا يعفى منها .

    فالنسيان إن كان عذرًا في العبادات لكن في الجنايات لا يعذر، إذ أن المجرم لكي يعفى من العقاب عليه أن يثبت للقضاء أنه ارتكب الجريمة ناسيًا بالدليل والبرهان والحجة، وكيف لشخص ناسٍ أن يثبت للقضاء أنه ارتكب الجريمة ناسيًا، فمن المكن أن يتصور أن الإنسان نسي في العبادات فلا إثم عليه، ويقضيها متى تذكرها ولا تحتاج إلى إثبات، أما الجريمة فلا يمكن أن تثبت أمام القضاء ويدعي أنها ارتكبت عن طريق النسيان.

    5- ضياع النفس.
    يترتب على النسيان نسيان هؤلاء لأنفسهم، وهي عقوبة دنيوية يعاقب بها الله الذين ينسون أوامره وذكره وينسون بأن لهذا الكون رقيبًا لا يغفل ولا ينام، ويحذر الله عباده المؤمنين من أن يقعوا فيما وقع فيه المنافقون فيقول لهم: ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [الحشر:١٩].

    « أي: تركوا أمره، أو ما قدروه حق قدره، أولم يخافوه أو جميع ذلك، فأنساهم أنفسهم أي: جعلهم ناسين لها بسبب نسيانهم له، فلم يشتغلوا بالأعمال التي تنجيهم من العذاب ولم يكفوا عن المعاصي التي توقعهم فيه، ففي الكلام مضاف محذوف أي: أنساهم حظوظ أنفسهم، وقيل: نسوا الله في الرخاء فأنساهم أنفسهم في الشدائد.

    «فالذي ينسى الله يهيم في هذه الحياة، فلا رابطة تشد إلى أفق أعلى، وبلا هدف لهذه الحياة يرفعه عن السائمة التي ترعى، وفي هذا نسيان لإنسانيته، وهذه الحقيقة تضاف إليها أو تنشأ عنها حقيقة أخرى، وهي نسيان هذا المخلوق لنفسه فلا يدخر لها زادًا للحياة الطويلة الباقية، ولا ينظر فيما قدم لها في الغداة من رصيد» .

    فمن خلال ما تقدم يتبين أن النسيان عقوبة دنيوية يعاقب بها الله عباده الذين ينسوه، حيث ينسيهم ربهم حظوظهم من الإيمان والأعمال الصالحة، فتمضي بهم الحياة دون أن يأخذوا منها نصيبهم من زاد ينفعهم في آخرتهم، ويمنعهم النسيان من أن يفكروا في غدهم، كما ينسوا أنفسهم في الشدائد، كما نسوا ربهم في الرخاء، فيكونوا بذلك مخذولين لا معين لهم ولا نصير.
    -----------------------------------------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا - تابعونا جزاكم الله خيرا

    التالي :: -
    ثانيًا: ما يترتب على النسيان في الآخرة:

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5370
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود رد: النسيان . :: . محمود ومذموم

    مُساهمة من طرف صادق النور الثلاثاء أغسطس 08, 2023 11:23 am


    ما قبله ::-
    ثانيًا: ما يترتب على النسيان في الآخرة:

    ذكر القرآن الكريم في بعض الآيات أن الكفار والمنافقين نسوا الله تعالى، ونسوا ذكر الله تعالى، وذكر الله تعالى عام شامل لكل أنواع العبادات، وذكر الله كتبه وعهوده التي أرسل بها رسله إلى الناس، وقد نجم عن ذلك النسيان والترك لذكر الله تعالى آثار خطيرة وعواقب وخيمة، تتمثل في ترك الله لهم من رحمته وحلول اللعنة بهم، وتركه لهم في العذاب المقيم، ومن ثم الخسران المبين.

    بل ترتب على ذلك أن أنساهم الله أنفسهم من أن يعملوا لخلاصها من العذاب المقيم، وفي الدنيا أغرى بينهم العداوة والبغضاء وألبسهم شيعًا وأذاق بعضهم بأس بعض، وقد صورت الآيات القرآنية هذه الآثار والعواقب في مشاهد حية، وصور موحية، بأساليب متنوعة فيها تحذير ووعيد شديد، ومحتوية على ترغيب وترهيب.

    قال تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ 67 وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ هِيَ حَسْبُهُمْ ۚ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ) [التوبة:٦٧-٦٨].

    1 - نسيان الله لهم في الآخرة.
    نسيان الله تعالى لهم، والله تعالى لا ينسى، ولكنه سبحانه تركهم في العذاب عن عمد، والتعبير عنه بالنسيان للمشاكلة

    نسيان الله تعالى لهم عقوبة أخروية وردت في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم:

    قال تعالى: ( الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) [الأعراف:٥١].

    وقد ورد في تفسير هذا النسيان قولان:

    القول الأول: أن معنى النسيان هو الترك، والمعنى نتركهم في عذابهم بما تركوا العمل بلقاء يومهم هذا، وهذا قول الحسن ومجاهد والسدي والأكثرين.

    والقول الثاني: أن معنى ننساهم أي: يعاملهم معاملة من نسي، ونتركهم في النار في الآخرة ولا يجيب دعاءهم ولا يرحمهم.

    ويقول الإمام النسفي: كما نسوا لقاء يومهم هذا، فاليوم ننساهم ونتركهم في العذاب، أي: كنسيانهم وجحودهم.

    وقال تعالى: (قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا 125 قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ) [طه:١٢٥-١٢٦]. أي: تترك في العذاب في جهنم.

    وقال تعالى: (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ) [الجاثية:٣٤]. أي: نترككم في النار.

    أي: مسكنكم ومستقركم، وتبقى جهنم دار خلد لهم فيها مسكنهم ومستقرهم أي: تركتم العمل له .

    2 - العذاب الأليم.
    حلول العذاب الأليم، والطرد من رحمة الله تعالى، وذلك في قوله: ( وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ هِيَ حَسْبُهُمْ ۚ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ) [التوبة:٦٨].

    أي: « على هذا الصنيع الذي ذكره عنهم، ماكثين فيها مخلدين، هم والكفاركفايتهم في العذاب أي: طردهم وأبعدهم

    فمن العذابات الأخروية التي يعاقب بها الله أهل النسيان شدة العذاب الأخروي، وذلك بتركهم وبقائهم في النار والعذاب الشديد، وفي ذلك يقول تعالى: ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) [ص:٢٦].

    قال الزمخشري: «ويوم الحساب متعلق بنسوا، أي: بنسيانهم يوم الحساب، أي: لهم عذاب يوم القيامة بسبب نسيانهم وهو ضلالهم عن سبيل الله » .

    ويقول سيد قطب أما عقب الآية المصور لعاقبة الضلال فهو حكم عام مطلق على نتائج الضلال عن سبيل الله، وهو نسيان الله والتعرض للعذاب الشديد يوم الحساب».

    3 - أظلم الناس في الآخرة.
    الإعراض عن ذكر الله تعالى مثل نسيانه، بل هو أسوأ منه؛ لأنه ينطوي -مع الترك المتعمد- على المحادة والمجادلة بغير الحق والتمادي في الظلم والإصرار عليه، وفيه كذلك الذهول والغفلة عن هذه الأفعال المنكرة وعدم المبالاة بالعواقب؛ ولذلك جاء وصف ظلمه بعبارة (ومن أظلم) وهو ما جعل الآثار المترتبة عليه أكثر وأخطر.

    قال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ) [الكهف:٥٧].

    النسيان والترك مرحلة أولية، أما الإعراض ففيه معنى الترك على سبيل المحادة، وهو لم يكتف به بل تجاوزه
    ثم تأتي الآثار السلبية التي ترتبت على ذلك كله، وهي آثار بعضها في الدنيا وبعضها في الآخرة، لأنه تعالى ذكرهم ورغبهم ورهبهم فلم ينفع ذلك، وتظهر المحادة والإصرار على الذنب

    قال السعدي: «يخبر تعالى أنه لا أعظم ظلمًا، ولا أكبر جرمًا، من عبد ذكر بآيات الله وبين له الحق من الباطل، والهدى من الضلال، وخوف ورهب ورغب، فأعرض عنها، فلم يتذكر بما ذكر به، ولم يرجع عما كان عليه، ونسي ما قدمت يداه من الذنوب، ولم يراقب علام الغيوب، فهذا أعظم ظلمًا من المعرض الذي لم تأته آيات الله ولم يذكر بها، وإن كان ظالما، فإنه أخف ظلمًا من هذا؛ لكون العاصي على بصيرة وعلم، أعظم ممن ليس كذلك، ولكن الله تعالى عاقبه بسبب إعراضه عن آياته، ونسيانه لذنوبه، ورضاه لنفسه، حالة الشر مع علمه بها، أن سد عليه أبواب الهداية بأن جعل على قلبه أكنة، أي: أغطية محكمة تمنعه أن يفقه الآيات، وإن سمعتها فليس في إمكانها الفقه الذي يصل إلى القلب»
    -------------------------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا
    وللموضوع بقيه إن كان في العمر بقيه
    لا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 01, 2024 12:18 am