بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم عبده ورسوله
والصلاة والسلام علي سيد ألأنام سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم .
فخر لك أيها المسلم أن يكون نبيُّك محمد صلى الله عليه وسلم، أفضل الأنبياء، وسيد الأولين والآخرين، خير الخلق، وخير مَن تنفَّس الهواء، وخير مَن وَطيء الحصى، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: "أنا سيدُ ولدِ آدمَ يوم القيامة، وأول مَن ينشقُّ عنه القبرُ، وأول شافع وأول مُشفَّع"
وفي رواية عند الإمام أحمد والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدمُ فمَن سواه إلا تحت لوائي: وأنا أول شافع، وأول مُشفَّع ولا فخر"؛ .
ولما كان ذكر مناقب النفس إنما يذكر افتخارًا في الغالب؛ أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع وَهْمَ مَن توَهَّم أنه يذكر ذلك افتخارًا، فقال صلى الله عليه وسلم: "ولا فخر".
◄ عند ذكر صفات القيادة نجد أن هذه الصفات تختلف من قائد لآخر قوةً في بعض الجوانب وضعفاً في جوانب أخرى وهذه طبيعة الإنسانية، فلو بحثنا نموذج للقائد فلن نجد قائداً قد اجتمعت فيه صفات القيادة إلا في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد اجتمعت فيه صلوات ربي وسلامة عليه جميع الصفات لذلك فهو المثل الكامل والقدوة المثلى
قال تعالى : (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب : 21).
قال تعالى: ( وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً ) - النساء : 113 -
وقال تعالى: ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات ) البقرة : 253 .
التفضيل الأول صريح في المفاضلة ، والثاني في تضعيف المفاضلة بدرجات
وقد فضل الله تعالى نبينا صلى الله عليه وسلم من وجوه. ومن هذه الخصائص خصيصة عجيبة وهي :
1- أن الله عز وجل أخذ الميثاق على جميع الأنبياء والمرسلين من آدم عليه السلام إلى عيسى عليه السلام أنه إذا ظهر النبي محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم في عهده وبعث أن يؤمن به ويتبعه ولا تمنعه نبوته أن يتابع نبينا محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم . وكل نبي أخذ العهد والميثاق على أمته أنه لو بعث محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى اله وسلم أن يتابعوه ولا يتابعوا نبيهم .
والدليل قال الله تعالى ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما ءاتيتكم من كتاب وحكمة ثم جآءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ء أقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ) - آل عمران : 81-
2- أنه ساد الكل ، قال صلى الله عليه وسلم(( أنا سيد ولد آدم ولا فخر )) رواه ابن حبان - والسيّدُ من اتصف بالصفات العليّة ، والأخلاق السنيّة . وهذا مشعرّ بأنه أفضل منهم في الدارين ،
أمّا في الدنيا فلما اتصف به من الأخلاق العظيمة . وأمّا في الآخرة فلأن الجزاء مرتبُ على الأخلاق والأوصاف ،
فإذا كان أفضلهم في الدنيا في المناقب والصفات ، كان أفضلهم في الآخرة في المراتب والدرجات .
وإنما قال صلى الله عليه وسلم (( أنا سيد ولد آدم ولا فخر )) ليخبر أمتُه عن منزلته من ربه عزّ وجل ، ولّما كان ذكر مناقب النفس إنما تذكر افتخاراً في الغالب ، أراد صلى الله عليه وسلم أن يقطع وهم من توهم من الجهلة أن يذكر ذلك افتخاراً قال : (( ولا فخر )).
3- ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : (( وبيدي لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر )) .
4- ومنها أن الله تعالى أخبره بأنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
قال الله تعالى (إنا فتحنا لك فتحا مبينا (1) ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) الفتح : 1،2- . ولم ينقل أنه أخبر أحداً من الأنبياء بمثل ذلك ، بل الظاهر أنه لم يخبرهم ، لأن كل واحد منهم إذا طُلبَتْ منهم الشفاعة في الموقف ذكر خطيئته التي أصابها وقال : (( نفسي نفسي )) ولو علم كل واحد منهم بغفران خطيئته لم يُوْجل منها في ذلك المقام ،
وإذا استشفعت الخلائق بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام قال: (( أنا لها )) .
5- ومنها إيثاره صلى الله عليه وسلم على نفسه ، إذ جعل لكل نبي دعوة مستجابة ، فكل منهم تعجل دعوته في الدنيا ، واختبأ هو صلى الله عليه وسلم دعوته شفاعة لأمته.
6- ومنها أن الله تعالى أقسم بحياته صلى الله عليه وسلم فقال (( لعمرك إنهم في سكرتهم يعمهون )) الحجر : 72 - . والإقسام بحياة المقسم بحياته يدل على شرف حياته وعزتها عند المقُسم بها -
وأن حياته صلى الله عليه وسلم لجديرة أن يقسم بها من البركة العامة والخاصة ، ولم يثبت هذا لغيره صلى الله عليه وسلم .
7- ومنها أن الله تعالى وقره ففي ندائه ، فناداه بأحب أسمائه واسني أوصافه فقال: (( يا أيها النبي )) الأنفال : 64 ، 65 ، 70 ومواضع أخرى- ، (( يا أيها الرسول )) المائدة : 41 ، 67- وهذه الخصيصة لم تثبت لغيره ، بل ثبت أن كلاً منهم نودي باسمه ،
فقال تعالي: (( يا آدم اسكن )) البقرة : 35- ، (( يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك )) - المائدة : 110 - ، (( يا موسى إني أنا الله )) القصص : 30 -، ((يا نوح اهبط بسلام )) هود : 48 - ، (( يا داود إنا جعلناك خليفة ً في الأرض )) ص : 29 (( يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا )) الصافات : 105- ، (( يا لوط أنا رُ سُلُ ربك )) هود : 81 ، (( يا زكريا إنا نبشرك )) مريم : 7- ، (( يا يحيى خذ الكتاب )) مريم : 12
ولا يخفى على أحد أن السيد إذا دَعى أحد عبيده بأفضل ما وجد يهم من الأوصاف العليّة والأخلاق السنيّة ، ودعا الآخرين بأسمائهم الأعلام لا يُشعر بوصف من الأوصاف ، ولا بخلق من الأخلاق ، أن منزلة من دعاه بأفضل الأسماء والأوصاف أعز عليه وأقرب إليه ممن دعاه باسمه العلم. وهذا معلومٌ بالعرف أن من دُعي بأفضل أوصافه وأخلاقه كل ذلك مبالغة في تعظيمه واحترامه .
8- ومنها أن معجزة كل نبي تصرمت وانقرضت ، ومعجزة سيد الأولين والآخرين وهي القرآن العظيم باقية إلى يوم الدين.
9- ومنها تسليم الحجر عليه وحنين الجذع إليه ولم يثبت لواحد من الأنبياء مثل ذلك .
10- ومنها أنه وجد في معجزاته ما هو أظهر ففي الإعجاز من معجزات غيره ، كتفجير الماء من بين أصابعه فإنه أبلغ في خرق العادة من تفجيره من الحجر ، لأن جنس الأحجار مما يتفجر منه الماء ، وكانت معجزته بانفجار الماء من بين أصابعه أبلغ من انفجار الحجر لموسى عليه السلام.
11 - ومنها أن الله تعالى يكتب لكل نبي من الأنبياء من الأجر بقدر أعمال أمته وأحوالها وأقوالها ، وأمتُه شطر أهل الجنة ،
وقد أخبر الله تعالى أن أمته خير أمة أخرجت للناس وإنما كانوا خير الأمم لما اتصفوا به من المعارف.
12- ومنها أن الله أرسل كل نبي إلى قومه خاصة وأرسل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الجن والإنس ولكل نبي من الأنبياء ثواب تبليغه إلى أمته ، ولنبينا صلى الله عليه وسلم ثواب التبليغ إلى كل من أرسل إليه ،
تارة لمباشرة الإبلاغ ، وتارة بالنسبة إليه ولذلك تمنن عليه بقوله تعالى: (( ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً )) الفرقان : 51 ،
ووجه التمنن : أنه لو بعث في كل قرية نذيراً لما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أجر إنذاره لأهل قريته .
13- ومنها أن الله تعالى كلم موسى عليه السلام بالطور، وبالوادي المقدس ، وكلم نبينا صلى الله عليه وسلم عند سدرة المنتهى .
14- ومنها أنه قال : (( نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة ، المقضي لهم قبل الخلائق ، ونحن أول من يدخل الجنة )) أخرجه مسلم .
15- ومنها أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنه يرغب إليه الخلق كلهم يوم القيامة ، حتى إبراهيم .
16- ومنها أنه قال : (( الوسيلة منزلة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله تعالى ، وارجوا أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة )) أخرجه مسلم .
17- ومنها أنه يدخل من أمته إلى الجنة سبعون ألفا بغير حساب ولم يثبت ذلك لغيره صلى الله عليه وسلم .
18- ومنها : الكوثر الذي أعطيه ففي الجنة ، والحوض الذي أعطيه في الموقف .
19- ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : (( نحن الآخرون السابقون)) الآخرون زماناً ، السابقون بالمناقب والفضائل.
20- ومنها أنه أحلت له الغنائم ولم تحل لأحد قبله. وجعلت صفوف أمته كصفوف الملائكة ، وجعلت له الأرض مسجداً ، وترابها طهوراً . وهذه الخصائص تدل على علو مرتبته ، والرفق بأمته.
21- ومنها أن الله تعالى أثنى على خلقه فقال : (( وإنك لعلى خلق عظيم ))القلم : 4 ، واستعظام العظماء للشيء يدل على إيغاله في العظمة ، فما الظن باستعظام أعظم العظماء ؟ .
22- ومنها أن الله تعالى كلمه بأنواع الوحي وهي ثلاثة أحدها: الرؤيا الصادقة. والثاني : الكلام من غير واسطة . والثالث : مع جبريل صلى الله عليه وسلم . وزاد الألباني النفث في الروع .
23- ومنها أن كتابة صلى الله عليه وسلم مشتمل على ما اشتمل عليه التوراة والإنجيل والزبور ، وفضل بالمفصل.
24- ومنها أن أمته أقل عملاً ممن قبلهم ، وأكثر أجراً كما جاء في الحديث الصحيح
25- ومنها أن الله عز وجل عرض عليه مفاتيح كنوز الأرض وخيرة أن يكون ملكاً أو نياً عبداً ، فاستشار جبريل عليه السلام . فأشار إليه أن تواضع .
26- ومنها أن الله تعالى أرسله ( رحمة ً للعالمين ) ، فأمهل عصاه أمته ولم يعاجلهم إبقاء عليهم ، بخلاف من تقدمه من الأنبياء إنهم لما كذبوا عُوجل مكذبهم.
,وأما أخلاقه صلى الله عليه وسلم في حلمه وعفوه وصفحه وصبره وشكره ولينه في الله ، وانه لم يغضب لنفسه ، وأنه جاء بإتمام مكارم الأخلاق ، وما نقل من خشوعه وخضوعه وتبتله وتواضعه ففي مأكله ، وملبسة ، ومشربه ، ومسكنه ن وجميل عشرته ، وكريم خليقته ، وحسن سجيته ، ونصحه لأمته وحرصه على إيمان عشيرته ، وقيامه بأعباء رسالته في نصرة دين الله ،
وإعلاء كلمته ، وما لقيه من أذى قومه وغيرهم في وطنه وغربته بعض هذه المناقب موجودة في كتاب الله وكتب شمائله .
ومنها كتاب الشمائل للترمذي .
27- أما لينه ففي قوله تعالى: (( فبما رحمة من الله لنت لهم )) آل عمران : 159 .
28- وأما شدته على الكافرين ، ورحمته على المؤمنين ففي قوله تعالى (( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم )) الفتح : 29 .
29- وأما حرصه على إيمان أمته ، ورأفته بالمؤمنين ، وشفقته على الكافة ففي قوله تعالى : (( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عندتم حريص عليكم )) التوبة : 128 أني يُشق عليه ما يشق عليكم ، ( حريص عليكم ) ، أي إيمانكم ( بالمؤمنين رؤوف رحيم )) .
30- وأما نصحه في أداء رسالته ففي قوله تعالى (( فتول عنهم فما أنت بملوم )) الذاريات : 54 - أي فما أنت بملوم لأنك بلغتهم فأبرأت ذمتك.
31- ومنها أن الله تعالى أمته منزل العدول من الحكام ، فإن الله تعالى إذا حكم بين العباد فجحدت الأمم بتبليغ الرسالة أحضر أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون على الناس بأن رسلهم أبلغتهم وهذه الخصيصة لم تثبت لأحد من الأنبياء.
32- ومثلها عصمة أمته بأنها لا تجتمع على ضلالة في فرع ولا في أصل .
33- ومثلها حفظ كتابه ، قل لو اجتمع والآخرون على أن يزيدوا فيه كلمة ، أو ينقصوا منه لعجزوا عن ذلك ، ولا يخفى ما وقع من التبديل في التوراة والإنجيل .
34- ومنها أنه بعث بجوامع الكلم ، واختصر له الحديث اختصاراً وفاق العرب في فصاحته وبلاغته.
كما قال عليه الصلاة والسلام ( أعطيت فواتح الكلم ، وجوامعه وخواتمه ) في الصحيحين .
ونبينا صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء تبعًا:
فقد أخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عُرِضت عليَّ الأُمم، فأخذ النبي يمرُّ معه الأُمة، والنبي يمرُّ ومعه النفر، والنبي يمرُّ معه العشرة، والنبي يمرُّ معه الخمسة، والنبي يمرُّ وحده، فنظرت فـإذا سـواد كثـير، قلت: يا جبريل، هؤلاء أُمَّتِي؟ قال: لا، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد كثير، قال: هؤلاء أُمَّتك، وهؤلاء سبعون ألفًا قدامهم، لا حساب عليهم ولا عذاب، قلت: ولم؟ قال: كانوا لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيَّرون، وعلى ربهم يتوكَّلون".
ونبينا صلى الله عليه وسلم حوضه أكثر الأحواض ورودًا:
فقد أخرج الترمذي عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن لكل نبيٍّ حوضًا، وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردة، وإني أرجو أن أكون أكثرهم واردة".
اللهم اسقنا من حوضه شربة لا نظمأ بعدها أبدًا.
ونبينا صلى الله عليه وسلم أول مَن سيستفتح أبواب الجَنَّة، فلا يفتح لأحد قبله صلى الله عليه وسلم؛ فقد أخرج الإمام مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آتي باب الجَنَّة يوم القيامة فأَسْتفْتِحُ، فيقول الخازن: مَن أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرتُ لا أفتح لأحد قبلك".
ونبينا صلى الله عليه وسلم صاحب الشفاعة العظمى:
وهي شفاعة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره من الأنبياء والمرسلين عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم،
ففي أرض المحشر عندما يشتدُّ البلاء بالخلق حيث طال بهم الوقوف واشتد الحر، وبلغ العرق مداه، وتأخَّر الحساب،
وركبهم من الغم والكرب ما لا يطيقون وما لا يحتملون، فيبحثون عن أصحاب المنازل العالية ليشفعوا لهم عند رب البرية، حتى يقضي بين العباد، فيذهبون إلى آدم عليكم السلام، فيحليهم إلى نوح، ونوح يحليهم إلى إبراهيم، وإبراهيم إلى موسى، وموسى إلى عيسى، والكل يقول: لست لها، لست لها...
حتى يأتون النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: أنا لها، أنا لها، فيقوم الرسول مقامًا يحمده عليه الأولون والآخرون، وتظهر فيه منزلته العظيمة ودرجته العالية الرفيعة،
وهذا هو المقام المحمود الذي وعده الله إياه؛ حيث قال: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ﴾ [الإسراء:79].
فيستأذن النبي صلى الله عليه وسلم على ربه فيأذن له، فيقوم بين يديه ويخر ساجدًا، ويحمده ويثني عليه، ثم يقال له: "يا محمد، ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تُشَفَّع"، فيشفع في الناس ليقام فيهم الحساب، وينصرفون من أرض المحشر،
والحديث أخرجه البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجمع الله الناس يوم القيــامة، فيهتمون لذلك -
وفي رواية: فيُلْهَمون ذلك - فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا، حتى يريحنا من مكاننا هذا؟
قال: فيأتون آدم، أنت آدم أبو الخلق، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيقول: لست هناكم، فيذكر خطيئته التي أصاب، فيستحيي ربه منها، ولكن ائتوا نوحًا، أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض،
فيأتون نوحًا، فيقول: لست هناكم، فيذكر خطيئته التي أصاب، فيستحي ربَّه منها، لكن ائتوا إبراهيم الذي اتَّخذه الله خليلًا،
فيأتون إبراهيم، فيقول: لست هناكم، وذكر خطيئته التي أصاب، فيستحي ربَّه منها، لكن ائتوا موسى الذي كلمه الله وأعطاه التوراة،
فيأتون موسى، فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته التي أصاب، فيستحيي ربَّه منها، لكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته،
فيأتون عيسى، فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمدًا، عبدٌ غَفَرَ الله له ما تَقَدَّم من ذنبه وما تأخَّر،
قال النبي صلى الله عليه وسلم: فيأتونني، فأقول: أنا لها، فأستأذنُ على ربي، فيؤذن لي، فأقوم بين يديه، فأحمده بمحامد لا أقدر عليها إلا أن يلهمنيها، ثم أخرُّ له ساجدًا،
فيقول: يا محمد ارفع رأسك، وقل يُسْمَع، وسَل تُعطَه، واشْفَع تُشَفَّع، فيشفع في الخلق، ثم أقول: يا رب أُمَّتِي أُمَّتِي،
فيقال لي: انطلق، فمَن كان في قلبه مثقال حبةٍ من خردلٍ من إيمان، فأخرجه منها، فأنطلق فأفعل،
ثم أعود إلى ربي أحمده بتلك المحامد، ثم أخرُّ له ساجدًا، فيقال لي: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يُسْمَع، وسَل تُعطَه، واشْفَع تُشَفَّع، فأقول: يا رب أُمَّتِي أُمَّتِي،
فيقال لي: انطلق، فمَن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبةٍ من خردلٍ من إيمان، فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل،
قال: ثم أرجع إلى ربِّي في الرابعة، فأحمده بتلك المحامد، ثم أخرُّ له ساجدًا، فيقال لي: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يُسْمَع، وسَل تُعطَه، واشْفَع تُشَفَّع، فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله، قال: فليس ذلك لك - أو قال: ليس ذلك إليك، ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي، لأُخْرِجنَّ منها مَن قال: لا إله إلا الله".
وفي رواية عند البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في دعوة، فرفع إليه الذراع - وكانت تعجبه - فنهس منها نهسه،
وقال: أنا سيد الناس يوم القيامة، هل تدرون: ممَّ ذاك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحدٍ، فيبصرهم الناظر، ويسمعهم الداعي، وتدنو منهم الشمس، فيبلغ الناس من الغمِّ والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون،
فيقول الناس: ألا ترون إلى ما أنتم فيه، إلى ما بلغكم، ألا تنظرون مَن يشفع لكم إلى ربكم؟
فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم، فيأتونه، فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه،
وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجَنَّة، ألا تشفع لنا إلى ربك؟، ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟
فقال: إن ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحًا، فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وقد سمَّاك الله عبدًا شكورًا، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا عند ربك؟ فيقول: إن ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كان لي دعوة دعوت بها على قومي، نفسي، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري،
اذهبوا إلى إبراهيم. فيأتون إبراهيم، فيقولون: أنت نبي الله، وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربك، أما ترى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إن ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني كنت كذبت ثلاث كذبات... فذكرها، نفسي، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري،
اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى، فيقولون: أنت رسول الله، فضَّلك الله برسالاته وبكلامه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، أما ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفسًا لم أومر بقتلها، نفسي، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري،
اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى، فيقولون: أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وروحٌ منه، وكلَّمتَ الناس في المهد، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ فيقول عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر ذنبًا، نفسي، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري،
اذهبوا إلى محمد، فيأتون محمدًا صلى الله عليه وسلم، فيقولون: يا محمد، أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، قد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فأنطلقُ، فآتي تحت العرش، فأقع ساجدًا لربي..."؛ الحديث.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لكل نبي دعوة دعا بها في أمته، وخبأتُ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة"،
وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته كثيرة ومتعددة؛ منها:
1- شفاعته صلى الله عليه وسلم في أقوام تساوت حسناتهم وسيئاتهم.
2- شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر، كما جاء في الحديث الذى أخرجه الترمذي وأبو داود عن أنس رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فإنِّي أخَّرتُ شفاعتي لأَهلِ الْكبائرِ من أمَّتي يومَ القيامةِ ".
3- شفاعته صلى الله عليه وسلم في أقوام أن يدخلوا الجنة بغير حساب، كما في حديث الشفاعة الطويل الذي أخرجه البخاري ومسلم: فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدًا لربي عز وجل، ثم يفتح الله عليَّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئًا لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب، أمتي يا رب، أمتي يا رب، فيقال: يا محمد أُدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب.
4- شفاعته صلى الله عليه وسلم لأقوام من أمته دخلوا النار بمعاصيهم فيخرجهم منها.
5- شفاعته صلى الله عليه وسلم في استفتاح باب الجنة.
--
وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين .
وما زلنا أحبابنا - تابعونا جزاكم الله خيرا
اليوم في 12:53 pm من طرف صادق النور
» إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن الشرك سيظهر في هذه الأمة بعد إخفائه واندحاره
أمس في 2:19 pm من طرف عبدالله الآحد
» فضل توحيد الله سبحانه
الجمعة نوفمبر 22, 2024 3:20 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب الدعوة إلى توحيد الله سبحانه
الخميس نوفمبر 21, 2024 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد