يتبع ما قبله :
الأسفار المقدسة عند اليهود:
الأول: تعريف هذه الأسفار:
إن الكتب المقدسة عند اليهود تنقسم على وجه الإجمال إلى قسمين هما:
الأول:
التوراة وما يتبعها من أسفار الأنبياء المقدسة عند اليهود، وهذا القسم يسميه اليهود بعدة أسماء، منها:
1- أهمها وأشهرها (التناخ) ويكتبونها بالعبرية (ت، ن، ك) وهي حروف اختصار من الألفاظ (توراة)، نبوئيم (الأنبياء)، كتوبيم (الكتب) وهي الأجزاء الثلاثة الكبيرة التي يتألف منها العهد القديم، كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
2- (المقرا) ومعناه: النص المقروء؛ لأنهم مطالبون بقراءته في عباداتهم والرجوع إلى الأحكام الشرعية فيها التي تنظم حياتهم.
3- (المِسُورَه) أو (المِسُورِتْ) وهو عندهم صفة علمية خاصة، يعنون بذلك النص المقدس المروي عن الأسلاف رواية متواترة - على حد زعمهم - ارتضتها أجيال العلماء ورفضت ما عداها.
الثاني:
التلمود: الذي يعتبره اليهود مصدراً من مصادر التشريع اليهودي ومن أسفارهم المقدسة لديهم، ويتكون من جزئين: أحدهما يسمى المِشْنا أو المشْنَة، والثاني الجمارا أو الجمارة.
وهناك أسفار أخرى كثيرة عند اليهود لم تدخل ضمن الأسفار القانونية التي يتكوّن منها كتاب اليهود المقدس، وإن كانوا يحيطون تلك الأسفار الغير معترف بها- ويسمونها بـ(الكتب غير القانونية) أو (الأبوكريفا) - بكثير من العناية والاهتمام، ويجعلونها استمراراً لتاريخهم.
وسوف نبدأ الحديث - إن شاء الله تعالى - بشيء من التفصيل عن القسم الأول عرضاً ونقداً، ثم نتلوه بالقسم الثاني.
فأما القسم الأول:
فإنه يندرج تحت ما يسمّى بـ (الكتاب المقدس) The Bible الذي يبذل النصارى جهوداً جبارة وخبيثة في سبيل ترجمته بمختلف اللغات واللهجات ونشره وتوزيعه في جميع أنحاء العالم.
وهذا الكتاب المزعوم بأنه مقدس ينقسم إلى قسمين رئيسين هما:
الأول:
يسمى (العهد القديم أو العتيق) Old Testament ويحتوي على الأسفار المنسوبة إلى موسى والأنبياء من بعده الذين كانوا قبل عيسى عليهم الصلاة والسلام.
الثاني:
يسمى (العهد الجديد) New Testament ويحتوي على الأناجيل وما يتبعها من الأسفار المنسوبة إلى الحواريين وتلامذتهم.
وهذا التقسيم والتسمية من النصارى الذين يقدسون العهد القديم والجديد، ومجموعهما هو الكتاب المقدس عندهم، ويعتقدونه وحياً كُتب بإلهام من الروح القدس لمؤلفيها.
العهد:
هو الميثاق، ومعنى ذلك أن هذه الأسفار تعتبر ميثاقاً أخذه الله على الناس؛ ليؤمنوا ويعملوا به، وأخذ هذا المعنى من (سفر الخروج في التوراة) ( 24/8 ) وفيه (وأخذ موسى الدم ورشَّه على الشعب، وقال - هو ذا دم العهد الذي قطعه الرب معكم على جميع هذه الأقوال).
أما اليهود فإنهم لا يقدسون إلا العهد القديم فقط، وهو الكتاب المقدس عندهم، ولا يعترفون بالعهد الجديد ويكفرون به لكفرهم بالمسيح عليه الصلاة والسلام وقولهم بأنهم قتلوه وصلبوه، لذلك سوف تتركز دراستنا في هذا البحث على العهد القديم أو ما يسميه اليهود بـ(التناخ، أو المقرا، أو المسورت) ويشتمل على ستة وثلاثين سفراً، يقسمه اليهود باعتبار محتوياته إلى ثلاثة أقسام رئيسة.
ومما يجدر التنبيه إليه أن اليهود والنصارى قد وضعوا مصطلحات خاصة بكتبهم المقدسة لديهم؛ ليسهل عليهم الوقوف والرجوع إلى نصوصها، ومن تلك المصطلحات:
السفر:
ويعني (الكتاب أو الباب)، وجمعه أسفار، وله عنوان أو مسمى،
فيقال مثلاً - سفر التكوين، سفر أرميا ونحوه.
الإصحاح:
ويعني (الفَصْل)، حيث إن السفر يشتمل على عدّة إصحاحات، ولكل إصحاح رقم،
فيقال مثلاً - الإصحاح الأول، الإصحاح الثاني، وهكذا. وقد يرمز للإصحاح بالرمز (صح).
الفقرة:
وتعني (العبارة أو النص)، فالإصحاح الواحد يحتوي على عدة فقرات أو نصوص مرقّمة.
كما تختصر تلك المصطلحات في عدة رموز، مثاله:
(تك 7/21-35)، ومعناه (سفر التكوين)، الإصحاح السابع، الفقرات من الفقرة الحادية والعشرين إلى الفقرة الخامسة والثلاثين.
تقسيم اليهود لأسفارهم المقدسة (العهد القديم) بحسب محتوياته
(1) التوراة
ويشتمل على خمسة أسفار هي:
1- سفر التكوين (50 إصحاحاً)
2- سفر الخروج (40 إصحاحاً)
3- سفر اللاويين (27 إصحاحاً)
4- العدد (36 إصحاحاً)
5- التثنية (34 إصحاحاً)
(2) أسفار الأنبياء
أسفار الأنبياء الأول (المتقدمين) وهي:
1- سفر يشوع (يوشع بن نون) (24 إصحاحاً)
2- سفر القضاة (21 إصحاحاً)
3- سفر صموئيل الأول (31 إصحاحاً)
سفر صموئيل الثاني (24 إصحاحاً)
4- سفر الملوك الأول (22 إصحاحاً)
سفر الملوك الثاني (25 إصحاحاً)
3- أسفار الأنبياء الأُخر (المتأخرون) وهي:
1- سفر أشعيا (66 إصحاحاً)
2- سفر أرميا (52 إصحاحاً)
3- سفر حزقيال (48 إصحاحاً)
4- أسفار الأنبياء الصغار أو الاثني عشر نبياً وهي:
1/ سفر هوشع (14إصحاحاً)
2/سفر يوئيل (3 إصحاحات)
3/ سفر عاموس (9إصحاحات)
4/ سفر عوبديا (إصحاح واحد)
5/ سفر يونان (4 إصحاحات)
6/ سفر ميخا (7 إصحاحات)
7/ سفر ناحوم (3 إصحاحات)
8/ سفر حبقوق (3 إصحاحات)
9/ سفر صفنيا (3 إصحاحات)
10/ سفر حجاي (إصحاحان)
11/سفر زكريا (14 إصحاحاً)
12/ سفر ملاخي (4 إصحاحات)
(3) الكتب (كتب الحكمة)
وتشتمل على الأسفار الآتية:
1- مزامير داود (150 مزموراً)
2- أمثال سليمان (31 إصحاحاً)
3- سفر أيوب (42 إصحاحاً)
4- نشيد الأناشيد (8 إصحاحات)
5- سفر روث (راعوث) (4 إصحاحات)
6- مراثي أرميا (5 إصحاحات)
7- سفر الجامعة (12 إصحاحاً)
8- سفر إستير (10 إصحاحات)
9- سفر دانيال (12 إصحاحاً)
10- سفر عزرا (10 إصحاحات)
11- سفر نحميا (13 إصحاحاً)
12- سفر أخبار الأيام، وينقسم إلى قسمين:
أخبار الأيام الأول (29 إصحاحاً)، أخبار الأيام الثاني (36 إصحاحاً)
الثاني: نقد التوراة المحرفة وما يتبعها من الأسفار:
لقد ذكرنا فيما سبق بعض آيات القرآن الكريم الصريحة في أن اليهود قد حرَّفوا التوراة وغيرها من كتب الله المنزلة على أنبيائه من بني إسرائيل، ولقد انطلق علماؤنا المسلمون من تلك الآيات وغيرها من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في نقدهم للتوراة وما يتبعها من الأسفار المقدسة عند اليهود، واستخرجوا منها الأدلة والشواهد على تحقيق ما ذكره الله عزَّ وجلَّ في القرآن الكريم من وقوع التحريف والتبديل والكذب في كتبهم، ونستطيع أن نقرر بكل ثقة أن الأسبقية في نقد التوراة والأناجيل والكتب الأخرى المحرفة كان لعلمائنا المسلمين بهدي من القرآن الكريم الذي وضع أصول ذلك النقد الهادف إلى إظهار الحق وإزهاق الباطل، وقد تأثر أحبار اليهود والنصارى ومفكريهم بالمسلمين في دراساتهم النقدية للتوراة والأناجيل،
ومن ثم تجرؤوا على المشاركة في تلك الدراسات النقدية لكتبهم المقدسة بعد أن تخلصوا من طغيان الكنيسة وسيطرتها،
واستطاعوا إعلان نتائج دراساتهم التي سبقهم إلى كثير منها علماؤنا المسلمون بقرون عديدة.
وفي هذه الدراسة الموجزة جدًّا سنحاول أن نبين الخطوط العريضة والعناوين الرئيسة في نقد أسفار العهد القديم وخاصة التوراة،
وستتركز على ناحيتين:
الأولى:
نقد سند كتبهم المقدسة، وعدم صحة نسبتها إلى أنبيائهم، الثانية: نقد المتن، وبيان ما فيه من مواطن التحريف والتبديل والخطأ.
الناحية الأولى: نقد السند:
لقد أرشدنا القرآن الكريم إلى طريقة المجادلة، والرد على دعاوى اليهود والنصارى، وبيان بطلانها، وهي مطالبتهم بالحجة والدليل على مزاعمهم، قال تعالى( وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِين ) [ البقرة: 111]
وبما أن اليهود وكذلك النصارى يزعمون أن التوراة الحالية كتبها موسى بيده وأن أسفارهم الأخرى كتبها أنبياؤهم أو أشخاص أوحي إليهم بها، فإنا نطالبهم بالأدلة والبراهين التي تثبت صحة نسبة التوراة المحرفة إلى موسى عليه الصلاة والسلام، وكذلك سائر أسفارهم المنسوبة إلى أنبيائهم ( قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) ![ البقرة:111]
ومن الأدلة التي نطالبهم بها:
- النسخة الأصلية للتوراة التي كتبها موسى عليه الصلاة والسلام، أو أملاها على غيره، وكذلك النسخ الأصلية لأسفارهم الأخرى.
- السند المتصل المتواتر بنقل الثقات العدول الذي يثبت سلامة النص الحالي لأسفارهم من التحريف والتبديل.
وتأتي الإجابة لطلبنا من أحبار اليهود والنصارى وباحثيهم بأنهم لا يملكون النسخ الأصلية للتوراة أو غيرها من الأسفار،
وأن أقدم مخطوطة لديهم لأسفارهم تعود إلى القرن الرابع الميلادي، علما بأن موسى عليه الصلاة والسلام قد عاش في القرن الرابع عشر قبل الميلاد على الأرجح، وآخر نبي من أنبيائهم في العهد القديم عاش في القرن الرابع قبل الميلاد.
يقول مؤلفو (قاموس الكتاب المقدس) - ولكن لا توجد لدينا الآن هذه المخطوطات الأصلية (للعهد القديم والجديد) التي دوَّنها كتبة الأسفار المقدسة.
ويعلل اليهود والنصارى فقدان النسخ والسند لكتبهم المقدسة بكثرة حوادث الاضطهاد والنكبات التي نزلت بهم خلال تاريخهم الطويل. ومن تلك الحوادث: الغزو الآشوري عليهم في سنة (722)ق. م، ثم الغزو البابلي الشهير سنة (586) ق. م ونتج عنه تدمير الهيكل وأخذ بني إسرائيل سبياً إلى بابل، ثم الاضطهاد اليوناني ومن بعده الاضطهاد الروماني الذي استمر لعدة قرون، وقد نتج عن هذه الاضطهادات إحراق أسفارهم وإتلافها ومنع قراءتها وقتل أحبارهم وعلمائهم.
ونضيف سبباً آخر مهمًّا لضياع أسفارهم، وانقطاع أسانيدهم، هو كثرة حوادث الردة والشرك في بني إسرائيل، وكفرهم بالله عزَّ وجلَّ، وإهمالهم للتوراة وغيرها، وهي مذكورة في أسفارهم المقدسة لديهم، ومنها ما ورد في (سفر القضاة) 2/11-15 (وفعل بنو إسرائيل الشر في عيني الرب وعبدوا البعليم، وتركوا الرب إله آبائهم الذي أخرجهم من أرض مصر، وساروا وراء آلهة أخرى من آلهة الشعوب الذين حولهم، وسجدوا لها وأغاظوا الرب، تركوا الرب وعبدوا البعل وعشتاروت، فحمي الرب على إسرائيل فدفعهم بأيدي ناهبين نهبوهم وباعهم بيد أعدائهم، ولم يقدروا بعد على الوقوف أمام أعدائهم، حيثما خرجوا كانت يد الرب عليهم للشر، كما تكلم الرب وكما أقسم الرب لهم).
وقد تكررت الردة والشرك بالله من بني إسرائيل مرات عديدة في عهد القضاة.
ثم تكرر ذلك منهم في عهد الملوك، فقد ورد في (سفر الملوك) (12/28-33) (أن يربعام استشار الملك وعمل عجلي ذهب، وقال لهم - كثير عليكم أن تصعدوا إلى أورشليم، هو ذا آلهتكم يا إسرائيل الذين أصعدوك من أرض مصر. ووضع واحداً في بيت إيل، وجعل الآخر في دان، وكان هذا الأمر خطية، وكان الشعب يذهبون إلى أمام أحدهما حتى إلى دان...).
وما ذكرناه مما يجعل كل عاقل منصف منهم يرتاب ويشك في صحة نسبة التوراة الحالية إلى موسى وسلامتها من التحريف والتبديل!!!
وكانت تلك الأسباب وغيرها قد دفعت بالكثيرين من محققي اليهود والنصارى إلى الاعتراف بأن أسفار العهد القديم مشكوك في أمر مؤلفيها، وإليك مختصرا لما يقوله محررو طبعة سنة (1971) م الإنجليزية من كتابهم المقدس لديهم، وهي آخر طبعة معدَّلة من كتابهم وآخر طبعة حتى الآن، يقول المحررون :
- سفر التكوين، والخروج، واللاويين، والعدد، والتثنية - مؤلفه موسى على الأغلب.
- سفر يشوع: معظمه منسوب إلى يشوع.
وتكرر منهم الشرك والردَّة عن دين الله الحق مرات عديدة في عهد الملوك.
- انظر (سفر الملوك الأول)، (الإصحاحات: 19، 22)، و(سفر الملوك الثاني)، (الإصحاحات: 1/13، 14، 15، 16، 17، 21، 22، 23، 24).
بل وصل بهم الكفر إلى حد وصف نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام بالكفر وعبادة غير الله، والعياذ بالله.
- انظر (سفر الملوك الأول)، (الإصحاح:11).
نقلاً من كتاب (التحريف في التوراة)، (ص3) د. محمد الخولي، ووجدت أيضاً تلك الاعترافات بجهالة مؤلفي أسفارهم في مقدمة الكتاب المقدس (المدخل) طبع المطبعة الكاثوليكية سنة (1988) م بلبنان، وفي كتاب (رسالة في اللاهوت والسياسة)- تأليف الفيلسوف اليهودي باروخ سبينوزا،
وكتاب (السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم)، و(قاموس الكتاب المقدس) في التعليق على تلك الأسفار.
- سفر القضاة: مؤلفه صموئيل على الاحتمال.
- سفر راعوث: مؤلفه غير محدد، ولكن ربما يكون صموئيل.
- سفر صموئيل الأول: المؤلف مجهول.
- سفر صموئيل الثاني: المؤلف مجهول.
- سفر الملوك الأول: المؤلف مجهول.
- سفر الملوك الثاني: المؤلف مجهول
- سفر أخبار الأيام الأول: المؤلف مجهول، ولكن ربما جمعه وحرره عزرا.
- سفر أخبار الأيام الثاني، المؤلف مجهول، ولكن ربما جمعه وحرره عزرا.
- سفر عزرا: من المحتمل أن عزرا كتبه أو حرره.
- سفر أستير: المؤلف مجهول.
- سفر المزامير: المؤلف الرئيسي داود، لكن معه آخرون وبعضهم مجهولون.
- سفر الأمثال والجامعة ونشيد الأناشيد: المؤلف مجهول، ولكنها عادة تنسب إلى سليمان.
- سفر إشعياء: ينسب معظمه إلى أشعيا، ولكن من المحتمل أن بعضه قد كتبه آخرون.
- سفر يونان: المؤلف مجهول.
- سفر حبقون: لا يعرف شيء عن مكان أو زمان ولادته.
وبعد هذا الاعتراف منهم فإن الأمر لا يحتاج إلى زيادة تعليق منا.
ومن الأدلة أيضاً على عدم الوثوق بالتوراة الحالية ما ورد في (سفر الملوك الثاني) ( 22/8-13) في عهد الملك يوشيا من ملوك مملكة يهوذا، أن التوراة قد فقدت وضاعت من بني إسرائيل سنوات عديدة، ثم ادعاء العثور عليها على يد الكاهن في الهيكل، ولا نسلم لهم بأن التوراة التي عثر عليها هي توراة موسى؛ إذ إن اتهام الكاهن بالتزوير قائم في مسايرته لرغبة الملك في العودة إلى التوحيد بعد ارتداد وكفر من سبقه من آبائه، إضافة إلى أن هذه النسخة من التوراة قد فقدت أيضاً في الغزو البابلي وحوادث الحروب الأخرى.
ومن الأدلة القاطعة على عدم صحة نسبة التوراة الحالية إلى موسى عليه الصلاة والسلام نصوص التوراة نفسها، وإليك بعض الشواهد:
- خاتمة التوراة في (سفر التثنية) (34/1-12) وفيه (فمات هناك موسى عبد الرب في أرض مؤاب حسب قول الرب ودفنه في الجواء... ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم، وكان موسى ابن مائة وعشرين سنة حين مات ولم تكل عينه ولا ذهبت نضارته، فبكى بنو إسرائيل موسى في عربات موآب ثلاثين يوماً، فكملت أيام بكاء مناحة موسى، ويشوع بن نون كان قد امتلأ روح حكمة، إذ وضع موسى عليه يديه فسمع له بنو إسرائيل وعملوا كما أوصى الرب موسى، ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجهاً لوجه...) وبذلك ينتهي كتاب التوراة.
ولا أعتقد أن عاقلاً يجرؤ على القول أن كاتب هذا الكـلام هو موسى عليه الصلاة والسلام!!!
- إن بعض نصوص التوراة تتحدث عن موسى بضمير الغائب، وبصيغة لا يمكن التصديق بأن كاتبها هو موسى، ومن تلك النصوص: (تحدث الله مع موسى) (وكان الله مع موسى وجهاً لوجه) (وكان موسى رجلاً حليماً جدًّا أكثر من جميع الناس) (فسخط موسى على وكلاء الجيش) (موسى رجل الله) ونحو ذلك، فلو كان موسى كاتب تلك النصوص لقال مثلاً: كلمني الرب، تحدثت مع الله. ونحوه.
-إن ملاحظة اللغات والأساليب التي كتبت بها التوراة وما تشتمل عليها من موضوعات وتشريعات وبيئات اجتماعية وسياسية وجغرافية تنعكس فيها، تظهر أنها قد ألفت في عصور لاحقة لعصر موسى، مما يثبت أن هذه الأسفار قد كتبت بأقلام اليهود التي تعكس أفكارهم ونظمهم المتعددة في مختلف أدوار تاريخهم الطويل، مثال ذلك :
ورد في التوراة في (سفر التكوين) (14/14) أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام تتبع أعداءه إلى (دان). وهي اسم مدينة لم تُسَمَّ بهذا الاسم إلا بعد موت يوشع بعد دخول بني إسرائيل فلسطين واستقرارهم بها، فقد ورد في (سفر القضاة) (18/29) (وسمّوا المدينة دان) باسم أبيهم الذي ولد لإسرائيل، وكان اسم المدينة قبل ذلك )لاييش) فكيف يذكر موسى - وهو يقص قصة إبراهيم- اسم مدينة لم تسمَّ بهذا الاسم إلا من بعده بزمن طويل جدًّا ؟!!
تلك بعض الملاحظات التي جعلت الفيلسوف اليهودي باروخ سبنوزا (ت1677م) يعلن صراحة قوله (من هذه الملاحظات كلها يظهر واضحاً وضوح النهار أن موسى لم يكتب الأسفار الخمسة، بل كتبها شخص آخر عاش بعد موسى بقرون عديدة). ا.هـ
أضف إلى ذلك أيضاً اختلاف فرق اليهود في قبول ورفض بعض أسفار العهد القديم، فطائفة السامرة من اليهود لا تعترف إلا بالتوراة الخمسة الأسفار، وتنكر ما عداها من الأسفار، وتقبل منها سفري يوشع والقضاة باعتبارهما أسفارا تاريخية فقط. ويخالفها جمهور اليهود الذين يقبلون أسفار العهد القديم المذكورة. ويختلف مع اليهود أيضاً طائفة الكاثوليك من النصارى في قبول ورفض بعض أسفار العهد القديم.
الناحية الثانية: نقد المتن:
قال الله عز وجل( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ) [ النساء: 82]
وقال تعالى( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون )[النحل: 90]
وقال تبارك وتعالى( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا )[النساء: 58]
في ضوء هذه الآيات الكريمة- التي وضحت بعض خصائص الوحي الإلهي المنزل على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام -
نبين بعض مواطن الاختلاف والتناقض والباطل الذي يدل على وقوع التحريف والتزوير في أسفار اليهود، وقد أشرنا إلى بعض ذلك فيما تقدم، ويمكننا تلخيص أبرز الانتقادات الموجهة إلى متن الأسفار في العناوين الرئيسة الآتية، وتندرج تحتها عشرات الأمثلة والشواهد، وسنكتفي بذكر بعضها:
(1) الاختلاف بين نسخ التوراة المختلفة:
إن التوراة الحالية ليست نسخة واحدة مجمعاً عليها من اليهود والنصارى، وإنما هي ثلاث نسخ مختلفة:
التوراة العبرية، التوراة السامرية، التوراة اليونانية.
فالتوراة السامرية تؤمن بها فرقة السامرة من اليهود،
والتوراة العبرية يعترف بها جمهور اليهود وفرقة البروتستانت من النصارى،
والتوراة اليونانية تعترف بها فرقة الكاثوليك من النصارى، وكل فرقة لا تعترف بالنسخة الأخرى.
وتوجد اختلافات جوهرية وتناقضات صريحة بين النسخ الثلاث مثال ذلك:
- أن قبلة اليهود ومكان بناء مذبح الرب في التوراة العبرية واليونانية (تثنية 27/4( جبل عيبال بأورشليم (بيت المقدس)، وفي التوراة السامرية (تثنية 27/4) أن القبلة جبل جريزيم بمدينة نابلس. -
ورد أن مجموع الأعمار (الفترة الزمنية) من عهد آدم إلى إبراهيم عليهما الصلاة والسلام في التوراة العبرية يبلغ (2023) سنة، وفي التوراة السامرية يبلغ مجموع الأعمار (2324) سنة، وفي التوراة اليونانية يبلغ (2200) سنة !!
وهناك اختلافات أخرى كثيرة من حيث الألفاظ والإملاء والقواعد النحوية وغيرها.
(2) الاختلاف بين أسفار التوراة بعضها ببعض وبين الأسفار الأخرى مثال ذلك -
ورد في (سفر التكوين) ( 6/3 ) أن الله غضب على البشر؛ لطغيانهم في عصر نوح عليه الصلاة والسلام فقضى بأن عمر الإنسان لا يتجاوز (120) عاماً،
وهذا النص يختلف مع ما ورد في التوراة أيضا في (سفر التكوين) ( 11/10-32) من أن سام بن نوح عاش (600) سنة، وابنه أرفكشاد عاش (438) سنة، وشالح عاش (433) سنة، وعابر عاش (464) سنة وغيرهم كثير ممن تجاوزت أعمارهم (120) سنة !!
- ورد في (سفر التكوين) (7/12) (أن طوفان نوح عليه الصلاة والسلام استمر مدة أربعين يوماً وليلة)،
ولكن ينقضه ما ورد في نفس (السفر والإصحاح: 7/24) (أن الطوفان استمر مدة مائة وخمسين يوماً !!)
- ورد في (سفر التكوين) ( 8/4-5 ) (واستقر الفلك في الشهر السابع في اليوم السابع عشر من الشهر على جبال أراراط، وكانت المياه تنقص نقصاً متوالياً إلى الشهر العاشر، وفي الشهر العاشر في أول الشهر ظهرت رؤوس الجبال).
وفي هذا اختلاف واضح؛ لأنه إذا ظهرت رؤوس الجبال في الشهر العاشر فكيف تكون سفينة نوح قد استقرت على جبال أراراط (أرمينيا) في الشهر السابع، أي: قبل شهرين ونصف من ظهور رؤوس الجبال ؟!!
- ورد في (سفر الخروج) (20/5 ) و(سفر التثنية) (5/9 ) (أن الأبناء يؤاخذون بذنب الآباء حتى الجيل الثالث والرابع)،
ولكن ورد في (سفر حزقيال) ( 18/20 ) وفي (سفر أرميا) ( 31/30 ) (أن الأبناء لا يعاقبون بذنب الآباء). وفي هذا تناقض؛ لأن اليهود لا يقولون بنسخ أحكام التوراة.
- ورد في (سفر التكوين) ( 46/21 ) (أن أبناء بنيامين بن يعقوب عددهم عشرة أبناء)، ولكن ورد في (سفر أخبار الأيام الأول) (7/6 ) (أن أبناء بنيامين ثلاثة)،
وفي نفس السفر( 8/1-2 ) (أن أبناء بنيامين خمسة فقط) !!!
- ورد في (سفر صموئيل الثاني) ( 24/13) (فأتى جاد داود وأخبره وقال له : أتأتي عليك سبع سنين جوعاً في أرضك أم تهرب أمام أعدائك ثلاثة أشهر وهم في أثرك)
ويناقضه ما ورد في (سفر أخبار الأيام الأول) ( 21/11) (فأتى جاد داود وقال له: كذا قال الرب تخير إما ثلاث سنين جوعاً ، وإما ثلاثة أشهر تهرب فيها أمام أعدائك، وسيف أعدائك يدركك) فهل هي سبع سنوات جوعاً أم ثلاث سنوات ؟ ؟!!!
-ورد في (سفر صموئيل الثاني) ( 8/4) (فأخذ داود منه ألفاً وسبعمائة فارس وعشرين ألف راجل) ولكن تكرر الخبر في (سفر أخبار الأيام الأول) ( 18/4 ) كالآتي (فأخذ داود منه ألف مركبة وسبعة آلاف فارس وعشرين ألف راجل).
- ورد في (سفر الملوك الأول) ( 4/26 ) (وكان لسليمان أربعون ألف مذود لخيل مركباته واثنا عشر ألف فارس)
ولكن تكرر الخبر في (سفر أخبار الأيام الثاني) ( 9/25 ) كالآتي: (وكان لسليمان أربعة آلاف مذود خيل ومركبات واثنا عشر ألف فارس).
- ورد في (سفر الملوك الثاني) (كان أخزيا ابن اثنتين وعشرين سنة حين مَلَكَ، ومَلَكَ سنة واحدة في أورشليم)، وتكرر الخبر في (سفر أخبار الأيام الثاني) ( 22/2 ) بصورة مختلفة (كان أخزيا ابن اثنتين وأربعين سنة حين مَلَكَ، ومَلَكَ سنة واحدة في أورشليم!!)
والأعجب من ذلك ما ورد في (أخبار الأيام الثاني) نفسه (21/5 ) (أن يهورام - والد أخزيا- كان ابن اثنين وثلاثين سنة حين مَلَكَ، ومَلَكَ ثمان سنين في أورشليم) فكيف يكون الابن أكبر سنا من أبيه ؟!!
- ورد في (سفر الملوك الثاني) ( 24/8 ) (كان يهوياكين ابن ثماني عشرة سنة حين ملك، وملك ثلاثة أشهر في أورشليم )، وتكرر الخبر باختلاف في (سفر الأيام الثاني) ( 36/9) ( كان يهوياكين ابن ثماني سنين حين ملك، وملك ثلاثة أشهر وعشرة أيام في أورشليم).
(3) الاختلاف مع الحقائق العلمية والتاريخية، مثال ذلك:-
- ورد في (سفر التكوين)(1/6-8 )وقال الله : ليكن جلد في وسط المياه، وليكن فاصل بين مياه ومياه، فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد، ودعا الله الجلد سماء، وكان مساء وكان صباح اليوم الثاني).
يقول موريس بوكاي: أسطورة المياه هنا تستمر بانفصالها إلى طبقتين بواسطة الجلد الذي سيجعل الطبقة العليا عند الطوفان تنفذ من خلاله لتنصب على الأرض، إن صورة انقسام المياه هذه إلى كتلتين غير مقبولة علميًّا. ا.هـ.
- ورد في (سفر التكوين) ( 15/13) أن مدة إقامة بني إسرائيل في مصر ستكون (400 سنة)
ولكن ورد في (الخروج) (12/40) أن مدة إقامة بني إسرائيل في مصر كانت (430) سنة، وكلا التاريخين يختلفان مع الحقيقة التاريخية التي اعترف بها أحبارهم ومفسرو أسفارهم من أن مدة إقامة بني إسرائيل في مصر لا تزيد عن (215) سنة، بدليل حساب عمر إسرائيل (يعقوب) عليه الصلاة والسلام عند دخوله مع بنيه أرض مصر، ثم أعمار الأجيال إلى زمن خروج بني إسرائيل من مصر مع موسى عليه الصلاة والسلام.
(4) وجود الأقوال القبيحة والتهم الشنيعة والأوامر الباطلة والتعاليم الفاسدة والقصص البذيئة - في أسفارهم- التي تستحيل أن تكون وحياً من عند الله عز وجل، مثال ذلك:-
- ورد في (سفر التكوين) ( 2/1-3 ) أن الله - سبحانه وتعالى- لما خلق الخلق في ستة أيام فإنه تعب واستراح في اليوم السابع.
- ورد في (سفر التكوين) ( 9/20-27 ) وصف نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام بأنه شرب الخمر حتى سكر وتعرّى في خبائه، وأبصر ابنه الأصغر حام عورته.
- ورد في (سفر التكوين) (19/30- 39 ) قذف نبي الله لوط عليه الصلاة والسلام بالزنا، حيث زعموا - لعنهم الله - أن ابنتيه سقتاه خمراً وضاجعتاه حتى أولد منهما نسلاً -والعياذ بالله- من هذا الكفر.
- ورد في (سفر التكوين) ( 27/1-30 ) وصف يعقوب عليه الصلاة والسلام بأنه خدع أباه إسحاق عليه السلام واحتال وكذب عليه حتى ينال دعوته وبركته قبل أخيه عيسو.
- ورد في (سفر الخروج) (الإصحاح:32) وصف هارون عليه الصلاة والسلام بأنه صنع العجل لبني إسرائيل وأمرهم بعبادته.
- ورد في (سفر يشوع) (6/17، 21) أن الله أمر يوشع عليه السلام عند استيلائه على مدينة أريحا أن يقتل في المدينة كل رجل وامرأة وطفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف، وقد فعل يشوع ذلك حسب زعمهم، والله عزَّ وجلَّ منزه عن ذلك؛ لأنه تعالى يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن البغي.
- ورد في (سفر صموئيل) (الإصحاح:2) وصف داود عليه الصلاة والسلام بأنه زنا بزوجة قائده واحتال في قتله؛ لكي يتزوج بزوجته من بعده.
- ورد في (سفر الملوك الأول) (11/1-6) وصف سليمان عليه الصلاة والسلام بأنه تزوج نساءً وثنيات، وبأن نساءه أضللنه حتى أشرك بالله، وعبد أصنام نسائه الوثنيات في شيخوخته.
- ورد في (سفر حزقيال) (الإصحاح:33) قصة زنا أهولة وأهوليبة وفجورهما بأسلوب جنسي فاضح قبيح بذيء.
- ورد في (سفر نشيد الأناشيد) المنسوب إلى سليمان عليه الصلاة والسلام شعر جنسي وغزل فاحش وكلام بذيء، يستحى من ذكره وتسطيره.
- ورد في (سفر هوشع) (1/2-9 ) أن الله - سبحانه وتعالى- أمر نبيه هوشع أن يأخذ لنفسه امرأة زانية، وينجب منها أولاد زنى. تعالى الله عزَّ وجلَّ عما يقول الكافرون علوًّا كبيراً، وتَنَـزَّه الله عزَّ وجلَّ عن هذا الكفر، فإن الله يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي.
ونكتفي بهذا القدر اليسير جدًّا من فضائح كتبهم الكثيرة، فلا عجب أن يكون حال محققيهم ومفكريهم كما وصفهم الله عز وجل بقوله( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ ) [هود: 110]
الثالث: ما تثبته النصارى بخلاف نص التوراة وتكذيبهم لنصوصها التي بأيدي اليهود:
وادعاء بعض علماء النصارى أنهم اعتمدوا في ذلك على التوراة التي ترجمها السبعون شيخا لبطليموس، لا على كتب عزراء الوراق، واليهود مؤمنون بكلتا النسختين، والخلاف عند النصارى موجود فيها.
قال أبو محمد: في توراة اليهود- التي لا اختلاف فيها بين الربانية والعانانية والعيسوية منهم- لما عاش آدم ثلاثين سنة ومائة سنة ولد له ولد كشبهه وجنسه وسماه شيث،
وعند النصارى- بلا اختلاف بين أحد منهم ولا من جميع فرقهم- لما أتى على آدم مائتان وثلاثون سنة ولد له شيث.
وفي التوراة التي عند اليهود: لما عاش شيث خمس سنين ومائة سنة ولد أنيوش.
وعند النصارى كلهم: لما عاش شيث مائتي سنة وخمس سنين ولد أنيوش.
وفي التوراة التي عند اليهود: أن أنيوش لما عاش تسعين سنة ولد قينان.
وعند النصارى كلهم: أن أنيوش لما عاش تسعين سنة ومائة سنة ولد قينان.
وفي التوراة التي عند اليهود كما ذكرنا: أن قينان لما عاش سبعين سنة ولد مهلال.
وفي التوراة التي عند اليهود كما ذكرنا: أن مهلال لما بلغ خمسا وستين سنة ولد يارد.
وعند النصارى كلهم: أن مهلال لما بلغ مائة سنة وخمسا وستين سنة ولد يارد،
واتفقت الطائفتان في عمر يارد إذ ولد له خنوخ.
وفي التوراة التي عند اليهود: أن خنوخ لما بلغ خمسا وستين سنة ولد متوشالخ، وأن جميع عمر خنوخ كان ثلاثمائة سنة وخمسا وستين سنة.
وعند النصارى كلهم: أن خنوخ لما بلغ مائة سنة وخمسا وستين سنة ولد متوشالخ، وأن جميع عمر خنوخ كان خمسمائة سنة وخمسا وستين سنة.
ففي هذا الفصل تكاذب بين الطائفتين في موضعين:
أحدهما: سن خنوخ إذ ولد له متوشالخ.
والثانية: كمية عمر خنوخ، واتفقت الطائفتان على عمر متوشالخ إذ ولد له لامخ، وعلى عمر لامخ إذ ولد له نوح، وعلى عمر نوح إذ ولد له سام وحام ويافث، وعلى عمر سام إذ ولد له أرفخشاذ.
وفي التوراة التي عند اليهود: أن أرفخشاذ لما بلغ خمسا وثلاثين سنة ولد له شالخ، وأن عمر أرفخشاذ كان أربعمائة سنة وخمسا وثلاثين سنة،
وعند النصارى كلهم: أن أرفخشاذ لما بلغ مائة سنة وخمسا وثلاثين سنة ولد له قينان، وأن عمر أرفخشاذ كان أربعمائة سنة وخمسا وستين سنة، وأن قينان لما بلغ مائة سنة وثلاثين سنة ولد له شالخ، فبين الطائفتين في هذا الفصل وحده اختلاف في ثلاثة مواضع:
أحدها: عمر أرفخشاذ جملة.
والثاني: سن أرفخشاذ إذ ولد له ولده.
والثالث: زيادة النصارى بين أرفخشاذ وشالخ قينان وإسقاط اليهود له.
وفي التوراة عند اليهود: أن شالخ لما بلغ ثلاثين سنة ولد له عابر وأن عمر شالخ كان أربعمائة سنة وثلاثين سنة. وعند النصارى كلهم: أن شالخ لما بلغ مائة وثلاثين سنة ولد له عابر، وأن عمر شالخ كله كان أربعمائة سنة وستين سنة.
ففي هذا الفصل تكاذب بين الطائفتين في موضعين:
أحدهما: سن شالخ إذ ولد له عابر.
والثاني: كمية عمر شالخ،
وعند اليهود في التوراة: أن فالغ إذ بلغ ثلاثين سنة ولد له راغو،
وعند النصارى كلهم: أن فالغ لما بلغ مائة سنة وثلاثين ولد له راغو،
وفي توراة اليهود: أن راغو لما بلغ اثنتين وثلاثين سنة ولد له شاروع،
وعند النصارى كلهم: أن راغو لما بلغ مائة سنة واثنتين وثلاثون ولد له شاروع.
وفي التوراة عند اليهود: أن شاروع إذ بلغ ثلاثين سنة ولد له ناحور، وكان عمر شاروع كله مائتي عام وثلاثين عاما،
وعند النصارى كلهم: أن شاروع إذ بلغ ثلاثين سنة ومائة سنة ولد له ناحور وأن عمر شاروع كله كان ثلاثمائة وثلاثين سنة.
ففي هذا الفصل بين الطائفتين تكاذب في موضعين:
أحدهما: عمر شاروع جملة.
والثاني: سن شاروع إذ ولد له ناحور،
وفي التوراة عند اليهود: أن ناحور لما بلغ تسعا وعشرين سنة ولد له نارخ، وأن عمر ناحور كله كان مائة سنة وثمانيا وأربعين سنة.
وعند النصارى كلهم: أن ناحور لما بلغ تسعا وسبعين سنة ولد له نارخ، وأن عمر ناحور كله كان مائتي عام وثمانية أعوام.
ففي هذا الفصل تكاذب بين الطائفتين في موضعين:
أحدهما: عمر ناحور كله.
والثاني: سن ناحور إذ ولد له نارخ، وفي التوراة عند اليهود- كما ذكرنا-: أن نارخ كان عمره كله مائتي عام وخمسة أعوام،
وعند النصارى كلهم: أن نارخ كان عمره كله مائتي عام وثمانية أعوام.
قال أبو محمد: فتولد من الاختلاف المذكور بين الطائفتين زيادة عن ألف عام وثلاثمائة عام وخمسين عاما عند النصارى في تاريخ الدنيا على ما هو عند اليهود في تاريخها،
وهي تسعة عشر موضعا كما أوردنا، فوضح اختلاف التوراة عندهم، ومثل هذا من التكاذب لا يجوز أن يكون من عند الله عزَّ و جلَّ أصلا، ولا من قول نبي البتة، ولا من قول صادق عالم من عرض الناس، فبطل بهذا بلا شك أن تكون التوراة وتلك الكتب منقولة نقلا يوجب صحة العلم، لكن نقلا فاسدا مدخولا مضطربا، ولا بد للنصارى ضرورة من أحد خمسة أوجه لا مخرج لهم عن أحدها:
إما أن يصدقوا نقل اليهود للتوراة، وأنها صحيحة عن موسى عن الله عز و جل، ولكتبهم، وهذه طريقتهم في الحجاج والمناظرة،
فإن فعلوا فقد أقروا على أنفسهم وعلى أسلافهم الذين نقلوا عنهم دينهم بالكذب؛ إذ خالفوا قول الله تعالى وقول موسى عليه السلام.
أو يكذبوا موسى عليه السلام فيما نقل عن الله عزَّ و جلَّ، وهم لا يفعلون هذا.
أو يكذبوا نقل اليهود للتوراة ولكتبهم، فيبطل تعلقهم بما في تلك الكتب مما يقولون إنه إنذار بالمسيح عليه السلام؛ إذ لا يجوز لأحد أن يحتج بما لا يصح نقله.
أو يقولوا- كما قال بعضهم-: أنهم إنما عوَّلوا فيما عندهم على ترجمة السبعين شيخا الذين ترجموا التوراة وكتب الأنبياء عليهم السلام لبطليموس،
فإن قالوا هذا فإنهم لا يخلون ضرورة من أحد وجهين: إما أن يكونوا صادقين في ذلك،
أو يكونوا كاذبين في ذلك، فإن كانوا كاذبين في ذلك فقد سقط أمرهم- والحمد لله رب العالمين- إذ لم يرجعوا إلا إلى المجاهرة بالكذب.
وإن كانوا صادقين في ذلك فقد حصلت توراتان متخالفتان متكاذبتان متعارضتان:
توراة السبعين شيخا، وتوراة عزرا،
ومن الباطل الممتنع كونهما جميعا حقًّا من عند الله، واليهود والنصارى كلهم مصدق مؤمن بهاتين التوراتين معا، سوى توراة السامرية، ولا بد ضرورة من أن تكون أحدهما حقًّا، والأخرى مكذوبة، فأيهما كانت المكذوبة فقد حصلت الطائفتان على الإيمان بالباطل ضرورة، ولا خير في أمة تؤمن بيقين الباطل، وإن كانت توراة السبعين شيخا هي المكذوبة فلقد كانوا شيوخ سوء كذابين ملعونين؛ إذ حرَّفوا كلام الله تعالى وبدَّلوه، ومن هذه صفته فلا يحلُّ أخذ الدين عنه ولا قبول نقله
وإن كانت توراة عزرا هي المكذوبة فقد كان كذَّابا؛ إذ حرَّف كلام الله تعالى، ولا يحلُّ أخذ شيء من الدين عن كذاب، ولا بد من أحد الأمرين.
أو يكون كلاهما كذبا، وهذا هو الحق اليقين الذي لا شك فيه؛ لما قدمنا مما فيها من الكذب الفاضح الموجب للقطع بأنها مبدلة محرفة، وسقطت الطائفتان معا، وبطل دينهم الذي إنما مرجعه إلى تلك الكتب المكذوبة،
ونعوذ بالله من الخذلان.
قال أبو محمد : فتأملوا هذا الفصل وحده ففيه كفاية في تيقن بطلان دين الطائفتين،
فكيف بسائر ما أوردنا إذا استضاف إليه، وفي التوراة عند اليهود وعند النصارى اختلاف آخر اكتفينا منه بهذا القدر،
والحمد لله رب العالمين على عظيم نعمته علينا بالإسلام، المنقول نقل الكواف إلى رسول الله المعصوم صلى الله عليه و سلم، البريء من كل كذب ومن كل محال، الذي تشهد له العقول بالصحة، والحمد لله رب العالمين
--------------------------------------------------------
وما زلنا أحبابنا --- تابعونا --- جزاكم الله خيرا
التالي :
صفات الله عزَّ وجلَّ في التوراة المحرفة:
أمس في 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد