آل راشد



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

آل راشد

آل راشد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
آل راشد

ثقافى-اجتماعى

*** - اللَّهُمَّ اَنَكَ عَفْوٍ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعِفُو عَنَّا - *** - اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك . *** - اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا تَوْبَةً نَصُوحًا قَبْلَ الْمَوْتِ وَ ارْزُقْنَا حُسْنَ الْخَاتِمَةِ . *** -

إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا شَابَتْ عَبِيدَهُمْ.. .. فِي رِقِّهِمْ عَتَقُوهُمْ عِتْقَ أَبْرَارٍ .. .. وَأَنْتَ يَا خَالِقِيُّ أوْلَى بِذَا كَرَمًا.. .. قَدْ شُبْتُ فِي الرِّقِّ فَأَعْتَقَنِي مِنَ النَّارِ .

المواضيع الأخيرة

» خطر الشرك والخوف من الوقوع فيه
ثانياً :: . البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس: .بشارات الأنبياء: .بشارة يعقوب Ooou110اليوم في 3:17 pm من طرف عبدالله الآحد

» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
ثانياً :: . البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس: .بشارات الأنبياء: .بشارة يعقوب Ooou110اليوم في 12:53 pm من طرف صادق النور

» إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن الشرك سيظهر في هذه الأمة بعد إخفائه واندحاره
ثانياً :: . البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس: .بشارات الأنبياء: .بشارة يعقوب Ooou110أمس في 2:19 pm من طرف عبدالله الآحد

» فضل توحيد الله سبحانه
ثانياً :: . البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس: .بشارات الأنبياء: .بشارة يعقوب Ooou110الجمعة نوفمبر 22, 2024 3:20 pm من طرف عبدالله الآحد

» وجوب الدعوة إلى توحيد الله سبحانه
ثانياً :: . البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس: .بشارات الأنبياء: .بشارة يعقوب Ooou110الخميس نوفمبر 21, 2024 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد

» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
ثانياً :: . البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس: .بشارات الأنبياء: .بشارة يعقوب Ooou110الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد

» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
ثانياً :: . البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس: .بشارات الأنبياء: .بشارة يعقوب Ooou110الأربعاء نوفمبر 20, 2024 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد

» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
ثانياً :: . البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس: .بشارات الأنبياء: .بشارة يعقوب Ooou110الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد

» العبادة وأركانها
ثانياً :: . البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس: .بشارات الأنبياء: .بشارة يعقوب Ooou110الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد

» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
ثانياً :: . البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس: .بشارات الأنبياء: .بشارة يعقوب Ooou110الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد

اهلا بكم

الثلاثاء نوفمبر 08, 2011 1:32 am من طرف mohamed yousef

ثانياً :: . البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس: .بشارات الأنبياء: .بشارة يعقوب Ooousu10

المتواجدون الآن ؟

ككل هناك 27 عُضو متصل حالياً :: 1 أعضاء, 0 عُضو مُختفي و 26 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحث

عبدالله الآحد


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الأربعاء سبتمبر 15, 2021 3:26 am

احصائيات

أعضاؤنا قدموا 10134 مساهمة في هذا المنتدى في 3409 موضوع

هذا المنتدى يتوفر على 315 عُضو.

آخر عُضو مُسجل هو زكية فمرحباً به.

دخول

لقد نسيت كلمة السر

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع


    ثانياً :: . البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس: .بشارات الأنبياء: .بشارة يعقوب

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5386
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ثانياً :: . البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس: .بشارات الأنبياء: .بشارة يعقوب Empty ثانياً :: . البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس: .بشارات الأنبياء: .بشارة يعقوب

    مُساهمة من طرف صادق النور الخميس أغسطس 24, 2023 3:52 pm


    الجزء الرابع :-
    يتبع ما قبله :
    البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس:

    لقد بشَّر المسيح عليه السلام بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [الصف:6]
    وقد جدَّ النصارى- ومن قبلهم اليهود- في حذف هذه البشارات من كتبهم أو صرفها عن وجهها، ويزعمون أنه لا يوجد في كتبهم إشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإن وجد شيء صرفه النصارى إلى عيسى ابن مريم، وصرفه اليهود إلى المسيح الذي ينتظرونه، وهي في الواقع لا تنطبق إلا على نبي هذه الأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأمته،
    وقد بقي من هذه البشارات الشيء الكثير مع تحريفهم لكتبهم، وقد ذكر منها الشيخ (رحمة الله الهندي) في كتابه (إظهار الحق) ثماني عشرة بشارة، منها إحدى عشرة بشارة في العهد القديم، وسبع بشارات في العهد الجديد، فنذكر بعضاً من تلك البشارات مما ورد في العهدين القديم، والجديد.

    البشارة الأولى:

    ورد في سفر التثنية (18/17): (قال لي الرب: قد أحسنوا فيما تكلموا أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه).
    هذا الكلام لا ينطبق إلا على النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأنه قال: (من وسط إخوتهم). وإخوتهم هم أبناء إسماعيل عليه السلام؛ لأنه أخو إسحاق الذي ينتسب إليه بنو إسرائيل حيث هما ابنا إبراهيم عليه السلام.
    وأيضاً قال (مثلك) ومعلوم أن اليهود يرون أنه لم يقم في بني إسرائيل نبي مثل موسى حيث قالوا في سفر التثنية (34/10): (ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى، الذي عرفه الرب وجهاً لوجه).
    وفي النسخة السامرية من التوراة هكذا (ولا يقوم أيضاً نبي في إسرائيل مثل موسى الذي ناجاه الله شفاها). واليهود يزعمون أن هذه البشارة لنبي لم يأت بعد، وإن زعم بعضهم أن المراد بها يوشع بن نون، فهذا غير صحيح؛ لأنه ليس مثل موسى،
    ويزعم النصارى أن المراد بها عيسى عليه السلام، وهي في الواقع لا تصدق عليه بأي وجه؛ لأنه:-
    أولاً: من بني إسرائيل وليس من إخوتهم.
    ثانياً: هو ليس مثل موسى عليه السلام، فإنه تابع له، كما أنه عند النصارى إله، وابن إله، فلو أقروا بأنه مثل موسى لهدموا ديانتهم وما هم عليه.
    أما النبي صلى الله عليه وسلم فتصدق عليه من جميع الوجوه، فإنه من إخوتهم، وهو مثل موسى عليه السلام نبي رسول، وأتى بشريعة جديدة، وحارب المشركين، كما فعل موسى عليه السلام.
    ثم إنه قال: (أجعل كلامي في فمه). فهذا كناية عن القرآن المحفوظ في الصدور، الذي تلقَّاه النبي محمد صلى الله عليه وسلم مشافهة من جبريل عليه السلام، وحفظه في قلبه، وتلاه بعد لأمته من فمه عليه الصلاة والسلام، حيث كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب عليه الصلاة والسلام.
    ثم إن الله جلَّ وعلا أتم وعده للنبي صلى الله عليه وسلم أن الذين لا يطيعونه فإن الله سيطالبهم، وقد طالبهم، فانتقم من أعدائه المشركين واليهود، ثم ممن عداهم من الأمم. وهذا لم يكن لنبي غيره،
    وعيسى عليه السلام لم ينتقم الله من أعدائه، بل كان أعداؤه في مكان المنتصر، فأرادوا قتله إلا أن الله جلَّ وعلا أنجاه منهم،
    وفي زعم النصارى أنهم قبضوا عليه وأهانوه وصلبوه.

    البشارة الثانية:

    جاء في سفر التثنية (33/1): (وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته فقال: جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبل فاران، وأتى من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم).
    فمجيء الرب من سيناء معناه إعطاء موسى عليه السلام التوراة، وقوله: (أشرق من سعير). التبشير بالمسيح عليه السلام؛ لأن ساعير جبل في أرض يهوذا في فلسطين، وقوله: (وتلألأ من جبل فاران).
    المراد به التبشير بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن فاران جبل من جبال مكة، وقد سموه بكتابهم بهذا الاسم،
    فقالوا عن إسماعيل عليه السلام في سفر التكوين (21/21): (سكن برية فاران وأخذت له أمه امرأة من أرض مصر) وإسماعيل عليه السلام لم يسكن إلا مكة.

    البشارة الثالثة:

    جاء في سفر (حجي) (2/7) - أن حجي وهو أحد أنبيائهم - أخبر بني إسرائيل بعد تدمير الهيكل وسبيهم إلى بابل وعودتهم مرة أخرى بما قال الله له معزياً لهم: (لأنه هكذا قال رب الجنود: هي مرة بعد قليل فأزلزل السموات، والأرض، والبحر، واليابسة، وأزلزل كل الأمم، ويأتي مشتهى كل الأمم، فأملأ هذا البيت مجداً، قال رب الجنود: ولي الذهب يقول رب الجنود: مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول، قال رب الجنود: وفي هذا المكان أعطي السلام يقول رب الجنود).
    فقوله هنا: (مشتهى كل الأمم). ترجمة بالمعنى لكلمة (حمدا) بالعبري، كما يقول البرفسور عبد الأحد داود والتي لازالت مكتوبة بالعبري بهذا اللفظ والتي تعني المشتهى، والشهية، والشائق، وأن هذه الكلمة (حمداً) بالعبري يوازيها بالعربي (أحمد) فتكون نصا صريحاً،
    وكذلك قوله بعد: (وفي هذا المكان أعطي السلام). والسلام والإسلام شيء واحد، وقد جاء السلام إلى بيت المقدس برحلة النبي عليه الصلاة والسلام إليه في الإسراء، ثم بفتحه في عهد عمر رضي الله عنه.
    ثم إن ما تعلق بعد ذلك من الأحداث بمجيء (حمدا) لا تنطبق إلا على نبي الإسلام محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، فبعد خراب بيت المقدس سنة (70) م لم يعد له مجد إلا على يد المسلمين، وهو مجد أعظم من مجده السابق،
    وما أحدثه الإسلام في الأرض بأن زلزل الدول، وأهلك الله جلَّ وعلا على يد المسلمين أهل الذهب القياصرة، وأهل الفضة الفرس، وصارت أموالهم تنفق في سبيل الله، كل هذا لم يفعله أحد من اليهود، ولم يفعله المسيح عليه السلام، ولم يتحقق إلا على يد نبي الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه رضوان الله عليهم وأتباعهم.

    البشارة الرابعة:

    ورد في إنجيل يوحنا (16/7): (لكني أقول لكم الحق أنه من الخير لكم أن أنطلق؛ لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم (المعزى) ولكن إن ذهبت أرسله لكم، ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية، وعلى بر، وعلى دينونة...

    ثم قال : (إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذاك روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق؛ لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية ذاك يمجدني؛ لأنه يأخذ مما لي ويخبركم).

    فقوله: (المعزى). المراد به الذي أجد به عزاء، وهذا لا ينطبق إلا على النبي صلى الله عليه وسلم حيث هو الذي يجد عيسى عليه السلام به العزاء؛ لأنه يبين الحق، ويظهر الله على يديه الدين الذي لم يتمكن المسيح عليه السلام من إظهاره.
    ثم إن الذي ذكر مكان هذا اللفظة- وهي (المعزى)- في الترجمات الأخرى عدا العربية هي لفظة (الفارقليط) اليونانية، وقد بدَّله المترجمون في النسخ العربية إلى (المعزى)؛ لأن معنى (الفارقليط) هو المعزى،

    ولكن الذي بيَّنه (الشيخ رحمة الله الهندي) وغيره أن (الفارقليط) هو تحريف لكلمة (بيرقليط) التي تعني محمد أو أحمد، ولحسد النصارى وبغيهم حرفوا هذه الكلمة التي هي نص في اسم النبي صلى الله عليه وسلم في لغة اليونان،

    مع العلم أن النص اليوناني لإنجيل يوحنا أقل ما يقال فيه: أنه ترجمة لما نطق به المسيح؛ لأن المسيح عليه السلام كان يتكلم الآرامية، وليس اليونانية، كما أن الواقع أن (المعزى) لا ينطبق إلا على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا معزى بعد المسيح إلا النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما أن كل بشارة بأحد وردت على لسان المسيح عليه السلام إنما تنصرف باللزوم إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ليس بينهما نبي، وليس بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي.
    بهذا يتضح أن الله عزَّ وجلَّ قد أقام الحجة على اليهود والنصارى بما بين أيديهم يقرؤونه ويرونه، لو كانوا يبصرون.

    بشارات الأنبياء:

    بشارة يعقوب عليه السلام بشيلون:

    وقد توالى الأنبياء وهم يبشرون بمقدم نبي آخر الزمان، ويذكرون صفاته وأحواله، والتي من أهمها أنه ليس من بني إسرائيل، كما أنه صاحب شريعة تدوم إلى الأبد، يسحق أعداءه، ودعوتُه تكون لخير جميع الأمم.
    وهذه الصفات لم تتوافر في أحد ادعى النبوة سواه، ولا يمكن للنصارى حمل تلك النبوءات التي يقرون في أنها نبوءات،
    لا يمكن لهم أن يحملوها على غيره صلى الله عليه وسلم؛ إذ موسى وعيسى كانا نبيين إلى بني إسرائيل فقط، وكان موسى صاحب شريعة انتصر أتباعه على أعدائهم،
    وأما عيسى فلم ينزل بشريعة مستقلة؛ إذ هو نزل بشريعة موسى وبتكميلها، فهو القائل: (لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل). (متى 5/17)، ولم يُقيَّض له أن ينتصر على أعدائه، بل تزعم النصارى أنهم تمكنوا منه وصلبوه. فكيف يقال بأنه المختار الذي يسحق أعداءه وتترقبه الأمم ؟

    وأقدم النبوءات الكتابية الصريحة التي تحدثت عن النبي الخاتم جاءت في وصية يعقوب لبنيه قبل وفاته،
    حين قال لهم: (ودعا يعقوب بنيه، وقال: اجتمعوا لأنبئكم بما يصيبكم في آخر الأيام، اجتمعوا واسمعوا يا بني يعقوب، واصغوا إلى إسرائيل أبيكم... لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون، وله يكون خضوع شعوب ). (التكوين 49/10)، فهو يخبرهم عن وقت زوال الملك والشريعة عنهم في آخر الأيام.

    وأما نسخة الرهبانية اليسوعية، فالنص فيها: (لا يزول الصولجان من يهوذا، ولا عصا القيادة من بين قدميه؛ إلا أن يأتي صاحبها وتطيعه الشعوب).
    والنص حسب (ترجوم يوناثان) أوضح، وفيه: (لا يتوقف الملوك والحكام من عائلة يهوذا، ولا يتوقف معلمو الشريعة من نسله حتى يجيء الملك المسيا أصغر أبنائه)
    وتختلف التراجم في ثلاث من كلمات النص، فقد أبدل البعض كلمة (قضيب) بالملك أو الصولجان، وكلها بمعنى واحد، وكذا أبدلت كلمة (مشترع) بالراسم والمدبر أو عصا القيادة، وهي متقاربة بمعنى صاحب الشريعة مدبر قومه.
    وأما الاختلاف الأهم فكان في كلمة (شيلون) التي أبقتها معظم الترجمات على حالها،
    وفي تراجم عبرانية أخرى قيل: ( إلى أن يأتي المسيح
    وقد فسر القس إبراهيم لوقا (شيلون) بالمسيح، واعتبرها ترجمة صحيحة لكلمة ( شيلوه ) العبرية، ففيه (שִׁילֹה
    وذكرت الطبعة الأمريكية للكتاب المقدس في هامشها أن كلمة ( شيلون ) تعني: الأمان، أو: الذي له.
    فما هو المعنى الدقيق للكلمة (شيلون) التي تدور حولها النبوءة ؟
    في الإجابة عن هذا السؤال يرى القس السابق والخبير في اللغات القديمة عبد الأحد داود أن كلمة ( شيلون ) لا تخرج في أصلها العبري عن معان، أهمها:-

    1- أن تكون من الكلمة السريانية مكونة من كلمتي (بشيتا) و (لوه)، ومعنى الأولى منهما: (هو) أو (الذي)، والثانية: (لوه) معناها: ( له
    ويصبح معنى النبوءة حسب ترجمته المفسرة: (إن الطابع الملكي المتنبئ لن ينقطع من يهوذا إلى أن يجيء الشخص الذي يخصه هذا الطابع، ويكون له خضوع الشعوب).

    2- أن تكون الكلمة محرفة من كلمة ( شيلواح ) ومعناها: ( رسول الله ) كما يعبر بالكلمة مجازاً عن الزوجة المطلقة؛ لأنها ترسل بعيداً، وتفسير الكلمة بالرسالة مال إليه القديس جيروم، فترجم العبارة ( ذلك الذي أرسل ).
    وأيًّا كان المعنى فإن النبوءة تتحدث عن شخص تدعوه: شيلون. وليس عن المكان المسمى (شيلون) كما ادَّعى بعض المفسرين، فمن هو شيلون ؟
    وليس المقصود بزوال الملك زواله حقيقة، بل زوال أحقيته وموجبه من قبل الله؛ لأن زوال الملك من اليهود لم يوافق ظهور نبي، أيًّا كان هذا النبي، فالمقصود زوال الاصطفاء والبركة.
    ولا يمكن القول بأن شيلون هو موسى؛ لأن ملوك يهوذا كانوا بعده بقرون، ولا يمكن القول بأنه سليمان؛ لأن الملك دام بعده في ذريته، ولم ترفع به الشريعة، كما لم ترفع بالمسيح الذي ما جاء لنقض الناموس، ولم تخضع له شعوب، بل ولا شعب اليهودية الذين بعث إليهم فقال: ( لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة ) (متى 15 / 24).

    والمسيح عليه الصلاة والسلام لم يملك على بني إسرائيل يوماً واحداً، بل هرب منهم لما أرادوا تمليكه عليهم ( لما علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً، انصرف أيضاً إلى الجبل وحده ) (يوحنا 6/15).
    ولما ادعى عليه اليهود عند بيلاطس أنه يقول عن نفسه بأنه ملك نفى ذلك، وتحدث عن مملكة روحية مجازية غير حقيقية
    فقال: ( مملكتي ليست من هذا العالم، لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلم إلى اليهود ) (يوحنا 18/36).
    ولا يمكن أن يكون هذا النبي من بني إسرائيل؛ لأن مبعثه يقطع صولجان وشريعة إسرائيل، كما يفهم من النص، فمن ذا يكون شيلون ؟
    إنه النبي الذي بشرت به هاجر وإبراهيم ( يده على كل واحد ) (التكوين 16/12)، والذي قال عنه النبي حزقيال: ( يأتي الذي له الحكم فأعطيه إياه ) (حزقيال 21/27).

    وقد قال المسيح مبشراً بالذي ينسخ الشرائع بشريعته: (لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل، فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل) (متى 5/17- 18). هذا (الذي له الكل)، هو ( الذي له الحكم ).
    وهو النبي الذي يسميه بولس بالكامل، ومجيئه فقط يبطل الشريعة وينسخها (وأما النبوات فستبطل، والألسنة فستنتهي، والعلم فسيبطل؛ لأننا نعلم بعض العلم، ونتنبأ بعض التنبؤ، ولكن متى جاء الكامل، فحينئذ يبطل ما هو بعض) (كورنثوس (1) 12/8-10).

    بشارة موسى عليه السلام
    :

    موسى عليه السلام يبشر بظهور نبي ورسول مثله:

    وينـزل موسى عليه السلام عن جبل الطور بعد ما كلمه ربه، فيقول مخاطباً بني إسرائيل:
    (قال لي الرب: قد أحسنوا في ما تكلموا، أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه، وأما النبي الذي يطغى، فيتكلم باسمي كلاماً لم أوصه أن يتكلم به، أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى، فيموت ذلك النبي.
    وإن قلت في قلبك: كيف نعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب ؟ فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصِر، فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب، بل بطغيان تكلم به النبي، فلا تخف منه
    ) (التثنية 18 / 17 - 22).
    والنص كما هو واضح يتحدث عن نبي عظيم يأتي بعد موسى عليه السلام، ويذكر صفات هذا النبي، والتي نستطيع من خلالها معرفة من يكون.
    ويزعم النصارى أن هذا النبي قد جاء، وهو عيسى عليه السلام، فقد قال بطرس في سياق حديثه عن المسيح ( فإن موسى قال للآباء: إن نبيًّا مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم، له تسمعون في كل ما يكلمكم به، ويكون أن كل نفس لا تسمع لذلك النبي تباد من الشعب، وجميع الأنبياء أيضاً من صموئيل فما بعده، جميع الذين تكلموا سبقوا وأنبؤوا بهذه الأيام ) (أعمال 3/22- 26)، فبطرس يرى نبوءة موسى متحققة في شخص المسيح.

    لكن النص دال على نبينا صلى الله عليه وسلم ؛ إذ لا دليل عند النصارى على تخصيصه بالمسيح، بينما يظهر في النص عند تحليله أدلة كُثر تشهد بأن المقصود به هو نبينا صلى الله عليه وسلم؛ إذ يذكر النص التوراتي أوصاف هذا المبعوث المبشر به:

    1- أنه نبي ( أقيم لهم نبيًّا )، والنصارى يدَّعون للمسيح الإلهية، بل يدَّعي الأرثوذكس أنه الله نفسه، فكيف يقول لهم: أقيم نبيًّا، ولا يقول: أقيم نفسي، أو أقيم إلهاً.

    2- أنه من غير بني إسرائيل، بل هو من بين إخوتهم أي: أبناء عمومتهم (من وسط إخوتهم)، وعمومة بني إسرائيل هم بنو عيسو بن إسحاق، وبنو إسماعيل بن إبراهيم.
    ومن المعهود في التوراة إطلاق لفظ ( ألأخ ) على ابن العم،
    ومن ذلك قول موسى لبني إسرائيل: ( أنتم مارون بتخم إخوتكم بني عيسو ) (التثنية 2/4)، وبنو عيسو بن إسحاق - كما سلف- هم أبناء عمومة لبني إسرائيل،
    وجاء نحوه في وصف أدوم، وهو من ذرية عيسو (وأرسل موسى رسلاً من قادش إلى ملك أدوم، هكذا يقول أخوك إسرائيل: قد عرفت كل المشقة التي أصابتنا) (العدد20/14)،
    وفي موضع آخر (لا تكره أدوميا لأنه أخوك) (التثنية 23/7). فسماه أخاً، وأراد أنه من أبناء عمومة إسرائيل.
    ومثله سمى (سفر الأيام) الملك صدقيا أخاً للملك يهوياكين، فقال: (أرسل الملك نبوخذ ناصر فأتى به )أي: الملك يهوياكين( إلى بابل مع آنية بيت الرب الثمينة، وملك صدقيا أخاه على يهوذا وأورشليم) (الأيام (2) 36/10)،
    وهو في الحقيقة عمه، كما نص عليه سفر الملوك، فقال: (ملّك ملك بابل متّنيا عمه عوضاً عنه، وغيّر اسمه إلى صدقيا) (الملوك (2) 24/ 17-18)،
    فاستخدم لفظ الأخ، ومراده العم، مما يؤكد صحة هذا الاستخدام في قوله: (إخوتهم)، ومراده أبناء عمومتهم.
    وعليه فهذا النبي يحتمل أن يكون من العرب تحقيقاً للبركة الموعودة في نسل إسماعيل، وقد يكون من بني عيسو بكر إسحاق. لكن أحداً من بني عيسو لم يدع أنه النبي المنتظر.

    3- هذا النبي من خصائصه أنه مثل موسى الذي لم يقم في بني إسرائيل نبيٌّ مثله (ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجها لوجه) (التثنية: 34/10)،
    وقد جاء في النسخة السامرية من التوراة ما تعريبه: (ولا يقوم أيضاً نبي في بني إسرائيل كموسى الذي ناجاه الله) (التثنية 34/10).
    وهذه الخصلة، أي: المثلية لموسى متحققة في نبينا صلى الله عليه وسلم، ممتنعة في أخيهما المسيح عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، حيث نرى الكثير من أمثلة التشابه بين موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، والتي لا نجدها في المسيح، من ذلك ميلادهما الطبيعي، وزواجهما، وكونهما صاحبا شريعة، وكل منهما بعث بالسيف على عدوه، وكلاهما قاد أمته، وملك عليها، وكلاهما بشر، بينما تزعم النصارى بأن المسيح إله، وهذا ينقض كل مثل لو كان.

    وقد وصف المسيحُ النبي القادم بمثلية موسى، صارفاً إياه عن نفسه فقال: ( لا تظنوا أني أشكوكم إلى الأب، يوجد الذي يشكوكم، وهو موسى الذي عليه رجاؤكم؛ لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني؛ لأنه هو كتب عني، فإن كنتم لستم تصدقون كتب ذاك فكيف تصدقون كلامي) (يوحنا 5/45-47)، فسماه موسى المرجو أو المنتظر؛ لمشابهته له.
    وعن هذا الذي يشكو بني إسرائيل يقول المسيح: ( أجاب يسوع: أنا ليس بي شيطان، لكني أكرم أبي وأنتم تهينونني، أنا لست أطلب مجدي، يوجد من يطلب ويدين) (يوحنا 8/49-50).

    4- من صفات هذا النبي أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، والوحي الذي يأتيه وحي شفاهي، يغاير ما جاء الأنبياء قبله من صحف مكتوبة ( وأجعل كلامي في فمه )، وقد كان المسيح عليه السلام قارئاً (انظر لوقا 4/16-18).

    5- أنه يتمكن من بلاغ كامل دينه، فهو ( يكلمهم بكل ما أوصيه به ).
    وهو وصف منطبق على محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان من أواخر ما نزل من القرآن عليه صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة: 3]
    وقد وصفه المسيح في نبوءة البارقليط، التي يأتي شرحها، فقال: ( وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الأب باسمي، فهو يعلّمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم) (يوحنا 14/26).
    ولا يمكن أن يكون المسيح عليه السلام هو ذلك النبي الذي يبلغ كل ما يوصيه به ربه، فقد رفع المسيح عليه السلام، ولديه الكثير مما يود أن يبلغه إلى تلاميذه، لكنه لم يتمكن من بلاغه، لكنه بشَّرهم بالقادم الذي سيخبرهم بكل الحق؛ لأنه النبي الذي تكمل رسالته،
    ولا يحول دون بلاغها قتله أو إيذاء قومه، يقول عليه السلام: ( إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق؛ لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به) (يوحنا 16/12-13).

    6- أن الذي لا يسمع لكلام هذا النبي فإن الله يعاقبه، (ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي، أنا أطالبه
    وقد فسرها بطرس، فقال: ( ويكون أن كل نفس لا تسمع لذلك النبي تباد من الشعب )، فهو نبي واجب السمع والطاعة على كل أحد. ومن لم يسمع له تعرض لعقوبة الله، وهو ما حاق بجميع أعداء النبي صلى الله عليه وسلم، حيث إنتقم الله من كل من كذَّبه من مشركي العرب والعجم،
    وقد قال المسيح عنه في نبوءة الكرامين - ويأتي شرحها-: (ومن سقط على هذا الحجر يترضض، ومن سقط هو عليه يسحقه ) (متى 21/44)، فهو الحجر الصلب الذي يفني أعداءه العصاة،
    والذي بشر بمقدمه النبي دانيال (وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبداً، ومَلِكها لا يُترك لشعب آخر، وتسحق وتفني كل هذه الممالك، وهي تثبت إلى الأبد، لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين، فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب) (دانيال 2/21 - 45).
    وأما المسيح عليه السلام فلم يكن له هذه القوة وتلك المنعة، ولم يتوعد حتى قاتليه، فكيف بأولئك الذين لم يسمعوا كلامه،
    فقد قال لوقا في سياق قصة الصلب: ( فقال يسوع: يا أبتاه اغفر لهم؛ لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون) (لوقا 23/34)،
    فأين هو من خبر ذاك ( الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه).

    7- من صفات هذا النبي أنه لا يقتل، بل يعصم الله دمه عن أن يتسلط عليه السفهاء بالقتل، فالنبي الكذاب عاقبته (يموت ذلك النبي)، أي: يقتل، فالقتل نوع منه، ولأن كل أحد يموت، وهنا يزعم النصارى بأن المسيح قتل، فلا يمكن أن يكون هو النبي الموعود.
    وبالرجوع إلى التراجم القديمة للنص نرى أن ثمة تحريفاً وقع في الترجمة، فقد جاء في طبعة (1844) م ( فليقتل ذلك النبي )، ولا يخفى سبب هذا التحريف.

    8- يتحدث عن الغيوب ويصدق الواقع كلامه، وهذا النوع من المعجزات يكثر في القرآن والسنة- مما يطول المقام بذكره - ويكفي هنا أن أورد نبوءة واحدة مما تنبأ به صلى الله عليه وسلم، فكان كما أخبر.
    ففي عام (617) م كادت دولة الفرس أن تزيل الإمبرطورية الرومانية من خارطة الدنيا، فقد وصلت جيوش كسرى أبرويز الثاني إلى وادي النيل، ودانت له أجزاء عظيمة من مملكة الرومان، ففي سنوات معدودة تمكن جيش الفرس من السيطرة على بلاد الشام وبعض مصر، واحتلت جيوشهم أنطاكيا شمالاً، مما يؤذن بنهاية وشيكة للإمبرطورية الرومانية، وأراد هرقل أن يهرب من القسطنطينية، لولا أن كبير أساقفة الروم أقنعه بالصمود وطلب الصلح الذليل من الفرس.
    ووسط هذه الأحداث، وخلافاً لكل التوقعات أعلن النبي صلى الله عليه وسلم أن الروم سينتصرون على الفرس في بضع سنين، أي: فيما لا يزيد عن تسع سنين،
    فقد نزل عليه قوله: غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ  [الروم: 2-5]
    وكان كما تنبأ ، ففي عام ( 623، 624، 625) م, استطاع هرقل أن يتخلص من لهوه ومجونه، وشنَّ ثلاث حملات ناجحة أخرجت الفرس من بلاد الشام، وفي عام (627) م, واصل الرومان زحفهم حتى وصلوا إلى ضفاف دجلة داخل حدود الدولة الفارسية، واضطر الفرس لطلب الصلح مع الرومان، وأعادوا لهم الصليب المقدس الذي كان قد وقع بأيديهم، فمن ذا الذي أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم بهذه النبوءة العظيمة ؟

    إنه النبي الذي تنبأ عنه موسى عليه السلام.يقول المؤرخ إدوار جِبن: (في ذلك الوقت، حين تنبأ القرآن بهذه النبوءة، لم تكن أية نبوءة أبعد منها وقوعاً؛ لأن السنين الاثنتي عشر الأولى من حكومة هرقل كانت تؤذن بانتهاء الإمبرطورية الرومانية).
    روى الترمذي عن ابن عباس في قول الله تعالى: غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [الروم:2-3]
    قال: ((كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم، لأنهم وإياهم أهل الأوثان، وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس؛ لأنهم أهل الكتاب، فذكروه لأبي بكر، فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أما أنهم سيغلبون.
    فذكره أبو بكر لهم، فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلاً، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجلاً خمس سنين، فلم يظهروا، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألا جعلته إلى دون العشر.
    قال أبو سعيد: والبضع ما دون العشر.قال: ثم ظهرت الروم بعد، قال: فذلك قوله تعالى: غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ[الروم:2-3] ))
    وهكذا ظهر لكل ناظر منصف أن النبي الذي تنبَّأ عنه موسى لم تتحقق أوصافه في المسيح العظيم عليه الصلاة والسلام، وتحققت في أخيه محمد صلى الله عليهما وسلم تسليماً كثيراً.
    ومما يؤكد ذلك أن هذه الصفات مجتمعة لم تتوافر في غيره من الأنبياء، فإن اليهود لا يقولون بمجيء هذا المسيح فيما سبق، بل ما زالوا ينتظرونه.
    إذ لما بعث يحيى عليه السلام ظنَّه اليهود النبي الموعود، وأقبلوا عليه يسألونه ( النبي أنت ؟ فأجابهم: لا ) (يوحنا 1/21)، أي: لست النبي الذي تنتظره اليهود.
    ثم أراد تلاميذ المسيح أن تتحقق النبوءة في المسيح، فذات مرة لما رأوا معجزاته ( قالوا: إن هذا بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم).
    وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً، انصرف أيضاً إلى الجبل وحده ( (يوحنا 6/14 - 15)،
    فقد أراد تلاميذ المسيح تنصيبه ملكاً ليحققوا النبوءة الموجودة لديهم عن النبي المنتظر الذي يملك ويحقق النصر لشعبه، فلما علم المسيح عليه السلام أنه ليس النبي الموعود هرب من بين أيديهم.
    ويرى النصارى أن ثمة إشكالاً في النص التوراتي (التثنية 18/17-22) يمنع قول المسلمين، فقد جاء في مقدمة سياق النص أن الله لما كلم موسى قال: ( يقيم لك الرب إلهك نبيًّا من وسطك من إخوتك مثلي... قد أحسنوا في ما تكلموا: أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مثلك ) (التثنية 18/15 - 18)،
    فقد وصفت النبي بأنه (من وسطك) أي: من بني إسرائيل، ولذا ينبغي حمل المقطع الثاني من النص على ما جاء في المقطع الأول، فالنبي ( من وسطك ) أو كما جاء في بعض التراجم (من بينك) أي: أنه إسرائيلي.
    لكن التحقيق يرد هذه الزيادة التي يراها المحققون تحريفاً، بدليل أن موسى لم يذكرها، وهو يعيد خبر النبي على مسامع بني إسرائيل، فقال: ( قال لي الرب قد أحسنوا فيما تكلموا، أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مثلك ) (التثنية 18/17-18)، ولو كانت من كلام الله لما صح أن يهملها.
    كما أن هذه الزيادة لم ترد في اقتباس بطرس واستفانوس للنص، كما جاء في أعمال الرسل قال بطرس: (فإن موسى قال للآباء: إن نبيًّا مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم، له تسمعون في كل ما يكلمكم به) (أعمال 3/22).
    وقال استفانوس: (هذا هو موسى الذي قال لبني إسرائيل: نبيًّا مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم، له تسمعون) (أعمال 7/37)، فلم يذكرا تلك الزيادة، ولو كانت أصلية لذكرت في سائر المواضع.

    نبوءة موسى عن البركة الموعودة في أرض فاران:

    وقبيل وفاة موسى عليه السلام ساق لبني إسرائيل خبراً مباركاً ، فقد جاء في سفر التثنية: (هذه البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته، فقال: جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبل فاران، وأتى من ربوات القدس، وعن يمينه نار شريعة، فأحب الشعب، جميع قديسيه في يدك، وهم جالسون عند قدمك، يتقبلون من أقوالك) (التثنية 33/1-3).
    وأكد هذه النبوءة النبي حبقوق، حيث ذكر خبراً أفزعه؛ لأنه يشير إلى انتقال النبوة بعيداً عن قومه بني إسرائيل،
    يقول: (يا رب قد سمعت خبرك، فجزعت، يا رب عملك في وسط السنين أحْيِه، في وسط السنين عرّف، في الغضب اذكر الرحمة، الله جاء من تيمان، والقدوس من جبل فاران. سلاه. جلاله غطى السماوات، والأرض امتلأت من تسبيحه، وكان لمعان كالنور. له من يده شعاع، وهناك استتار قدرته، قدامه ذهب الوبأ، وعند رجليه خرجت الحمى، وقف وقاس الأرض، نظر فرجف الأمم.... ) (حبقوق 3/3 - 6).
    وقبل أن نمضي في تحليل النص نتوقف مع الاختلاف الكبير الذي تعرض له هذا النص في الترجمات المختلفة.
    فقد جاء في الترجمة السبعينية: (واستعلن من جبل فاران، ومعه ربوة من أطهار الملائكة عن يمينه، فوهب لهم وأحبهم، ورحم شعبهم، وباركهم وبارك على أظهاره، وهم يدركون آثار رجليك، ويقبلون من كلماتك. أسلم لنا موسى مثله، وأعطاهم ميراثاً لجماعة يعقوب ).
    وفي ترجمة الآباء اليسوعيين: (وتجلى من جبل فاران، وأتى من رُبى القدس، وعن يمينه قبس شريعة لهم).
    وفي ترجمة (1622) م, العربية: ( شرف من جبل فاران، وجاء مع ربوات القدس، من يمينه الشريعة )، ومعنى ربوات القدس أي: ألوف القديسين الأطهار، كما في ترجمة (1841) م, ( واستعلن من جبل فاران، ومعه ألوف الأطهار، في يمينه سنة من نار ).
    واستخدام ربوات بمعنى ألوف أو الجماعات الكثيرة معهود في الكتاب المقدس (ألوف ألوف تخدمه، وربوات ربوات وقوف قدامه) (دانيال 7/10)، ومثله قوله: (كان يقول: ارجع يا رب إلى ربوات ألوف إسرائيل) (العدد 10/36)، فالربوات القادمين من فاران هم الجماعات الكثيرة من القديسين، الآتين مع قدوسهم الذي تلألأ في فاران.
    والنص التوراتي يتحدث عن ثلاثة أماكن تخرج منها البركة، أولها: جبل سيناء حيث كلم الله موسى. وثانيها: ساعير، وهو جبل يقع في أرض يهوذا. (انظر يشوع 15/10)، وثالثها: هو جبل فاران.
    وتنبئ المواضع التي ورد فيها ذكر ( فاران ) في الكتاب المقدس أنها تقع في صحراء فلسطين في جنوبها.
    لكن تذكر التوراة أيضاً أن إسماعيل قد نشأ في برية فاران. (انظر التكوين 21/21)، ومن المعلوم تاريخيًّا أنه نشأ في مكة المكرمة في الحجاز.
    ويرى المسلمون أن النص نبوءة عن ظهور عيسى عليه السلام في سعير في فلسطين، ثم محمد صلى الله عليه وسلم في جبل فاران، حيث يأتي ومعه الآلاف من الأطهار مؤيدين بالشريعة من الله عزَّ وجلَّ.
    وذلك متحقق في رسول الله لأمور:
    1- أن جبل فاران هو جبل مكة، حيث سكن إسماعيل، تقول التوراة عن إسماعيل: ( كان الله مع الغلام فكبر، وسكن في البرية، وكان ينمو رامي قوس، وسكن في برية فاران، وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر ) (التكوين 21/20-21).
    وقد انتشر أبناؤه في هذه المنطقة، فتقول التوراة: ( هؤلاء هم بنو إسماعيل... وسكنوا من حويلة إلى شور ) (التكوين 25/16 - 18)، وحويلة كما جاء في (قاموس الكتاب المقدس) منطقة في شمال أرض اليمن، بينما شور في جنوب فلسطين.
    وعليه فإن إسماعيل وأبناءه سكنوا هذه البلاد الممتدة جنوب الحجاز وشماله، وهو يشمل أرض فاران التي سكنها إسماعيل.كما وقد قامت الأدلة التاريخية على أن فاران هي الحجاز، حيث بنى إسماعيل وأبوه الكعبة، وحيث تفجر زمزم تحت قدميه، وهو ما اعترف به عدد من المؤرخين كما نقل عنهم المؤرخ الهندي مولانا عبد الحق فدرياتي في كتابه ( محمد في الأسفار الدينية العالمية) ومن هؤلاء المؤرخين المؤرخ جيروم واللاهوتي يوسبيوس فقالا بأن فاران هي مكة وجاء في قاموس Strong's Hebrew Bible Dictionary  أن فاران في صحراء العرب، حيث يقول: ( Paran, a desert of Arabia).

    2- أن وجود منطقة اسمها فاران في جنوب سيناء لا يمنع من وجود فاران أخرى، هي تلك التي سكنها إسماعيل، فقد ورد مثلاً إطلاق اسم سعير على المنطقة التي تقع في أرض أدوم والتي هي حالياً في الأردن، وتكرر ذلك الإطلاق في مواضع عديدة في الكتاب، ولم تمنع كثرتها أن يطلق ذات الاسم على جبل في وسط فلسطين غربي القدس في أرض سبط يهوذا. (انظر يشوع 15/10).
    ولنا أن نسأل أولئك الذين يصرون على أن فاران هي فاران سيناء: من هو القدوس الذي تلألأ من ذلكم الجبل الذي لا يرتبط بأدنى علاقة بأي من أحداث الإنسانية المهمة، فمن الذي تلألأ عليه ؟

    3- لا يقبل قول القائل بأن النص يحكي عن أمر ماضٍ؛ إذ التعبير عن الأمور المستقبلة بصيغة الماضي معهود في لغة الكتاب المقدس. يقول اسبينوزا: ( أقدم الكتاب استعملوا الزمن المستقبل للدلالة على الحاضر، وعلى الماضي بلا تمييز، كما استعملوا الماضي للدلالة على المستقبل... فنتج عن ذلك كثير من المتشابهات).

    4- ونقول: لم خص جبل فاران بالذكر دون سائر الجبال، لو كان الأمر مجرد إشارة إلى انتشار مجد الله كما زعم بعض كتاب اليهود، فإن مجد الله لم يتوقف عند حدود فاران أو جبل سعير.

    5- ومما يؤكد أن الأمر متعلق بنبوءة الحديث عن آلاف القديسين، والذين تسميهم بعض التراجم ( أطهار الملائكة ) أي: أطهار الأتباع، إذ يطلق هذا اللفظ ويراد به: الأتباع، كما جاء في سفر الرؤيا أن ( ميخائيل وملائكته حاربوا التنين، وحارب التنينُ وملائكتُه...) (الرؤيا 12/7).
    فمتى شهدت فاران مثل هذه الألوف من الأطهار إلا عند ظهور محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ؟

    6- وما جاء في سفر حبقوق يؤيد قول المسلمين حيث يقول: ( الله جاء من تيمان، والقدوس من جبل فاران. سلاه. جلاله غطى السماوات، والأرض امتلأت من تسبيحه، وكان لمعان كالنور. له من يده شعاع، وهناك استتار قدرته، قدامه ذهب الوبأ، وعند رجليه خرجت الحمى، وقف وقاس الأرض، نظر فرجف الأمم...) (حبقوق 3/3 - 6).
    فالنص شاهد على أنه ثمة نبوة قاهرة تلمع كالنور، ويملأ الآفاق دوي أذان هذا النبي بالتسبيح.
    وتيمان كما يذكر محررو الكتاب المقدس هي كلمة عبرية معناها: ( الجنوب
    لذا يقول النص الكاثوليكي للتوراة: (الله يأتي من الجنوب، والقدوس من جبل فاران
    ولما كان المخاطبون في فلسطين فإن الوحي المبشر به يأتي من جهة الجنوب أي من جزيرة العرب، فالقدوس سيبعث في جبل فاران.
    ومن هذا كله فالقدوس المتلألئ في جبال فاران هو نبي الإسلام، فكل الصفات المذكورة لنبي فاران متحققة فيه، ولا تتحقق في سواه من الأنبياء الكرام.

    المزامير تبشر بصفات نبي آخر الزمان:

    وها هي المزامير تبشر بالنبي الخاتم، ويصفه أحد مزاميرها، فيقول مخاطباً إياه باسم الملك: (فاض قلبي بكلام صالح، متكلم أنا بإنشائي للملك، لساني قلم كاتب ماهر: أنت أبرع جمالاً من بني البشر، انسكبت النعمة على شفتيك، لذلك باركك الله إلى الأبد.
    تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار جلالك وبهاءك، وبجلالك اقتحم. اركب من أجل الحق والدعة والبر، فتريك يمينك مخاوف، نُبُلُك المسنونة في قلب أعداء الملك، شعوبٌ تحتك يسقطون. كرسيك يا الله إلى دهر الدهور، قضيب استقامة قضيب ملكك. أحببت البر وأبغضت الإثم.
    من أجل ذلك مسحك إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك... بنات ملوك بين حظياتك، جعلت الملكة عن يمينك بذهب أوفير.
    اسمعي يا بنت وانظري، وأميلي أذنك، انسي شعبك وبيت أبيك، فيشتهي الملك حسنك، لأنه هو سيدك فاسجدي له... عوضاً عن آبائك يكون بنوك، تقيمهم رؤساء في كل الأرض، أذكر اسمك في كل دور فدور. من أجل ذلك تحمدك الشعوب إلى الدهر والأبد
    ) (المزمور 45/1 - 17).
    ويسلم النصارى بأن النص نبوءة بالنبي الآتي، ويزعمون أنه عيسى عليه السلام، فيما يرى المسلمون أن الصفات التي رمزت في النص إنما تعود إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وتمنع أن يكون المعني به عيسى أو غيره من الأنبياء الكرام، ففي النص تسع أوصاف لهذا النبي، وهي:

    1-  كونه صاحب حسن لا يعدل في البشر ( بهي في الحسن أفضل من بني البشر )، ولا يجوز للنصارى القول بأنه المسيح، وهم الذين يقولون: تحققت في المسيح نبوة إشعيا،
    وفيها أن المتنبئ به (لا صورة له ولا جمال فننظر إليه، ولا منظر فنشتهيه ) (إشعيا 52/2)،
    وهذا المعنى الذي لا نوافقهم عليه أكده علماؤهم، فقال كليمندوس الإسكندراني: ( إن جماله كان في روحه وفي أعماله، وأما منظره فكان حقيراً )
    وقال ترتليان: ( أما شكله فكان عديم الحسن الجسماني، وبالحري كان بعيداً عن أي مجد جسدي ) ومثله قال مارتير وأوريجانوس وغيرهما.
    فمن كان هذا قوله بالمسيح لا يحق له أن يقول بأنه أيضاً: ( أبرع جمالاً من بني البشر ).
    وقد جاءت الآثار تتحدث عن حسن نبينا وفيض جماله بعد أن كساه الله بلباس النبوة، فلم ير أجمل منه.
    ففي الأثر الصحيح يقول البراء بن مالك: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً، وأحسنه خَلْقاً، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير)

    2- أن النبوة وكلامها يخرج من شفتيه (انسكبت النعمة على شفتيك)، فقد كان أميًّا، ووحيه غير مكتوب، فيما كانت لإبراهيم وموسى صحفاً، كما كان عيسى قارئاً. (انظر لوقا 4/16).
    وقد جاءت نصوص كتابية عدة تؤكد أمية النبي القادم منها ما سبق في سفر التثنية ( أجعل كلامي في فمه ) (التثنية 18/18)،
    وما جاء في إشعيا ( أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف القراءة، فيقال له: اقرأ، فيقول: لا أعرف الكتابة ) (إشعيا 29/12).وفي غير الترجمة العربية المتداولة ( لا أعرف القراءة ) وهي تماثل - كما سبق - قول النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء: ((ما أنا بقارئ))

    3- كونه مبارك إلى الأبد، صاحب رسالة خالدة ( باركك الله إلى الأبد... كرسيك يا الله إلى دهر الدهور).

    4- كونه صاحب سيف يقهر به أعداءه لإقامة الحق والعدل ( تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار... بجلالك اقتحم. من أجل الحق والدعة والبر، فتريك يمينك مخاوف. نُبُلك المسنونة في قلب أعداء الملك، شعوب تحتك يسقطون ).
    والمسيح عليه السلام لم يحمل سيفاً ولا أسقط أعداءه، ولا صوَّب نبله في قلوب أعدائه لنشر دعوة الحق، كما لم يكن ملكاً في قومه.
    5- وهذا النبي محب للخير، مبغض للإثم كحال جميع الأنبياء، لكن الله فضله عليهم.
    ( مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك ).
    6- يؤتى لهذا النبي بالهدايا لعزه، وبنات الملوك يكن في خدمته أو في نسائه ( بنات ملوك بين حظياتك.. بنت صور أغنى الشعوب تترضى وجهك بهدية... ).
    وقد تزوج النبي بصفية بنت حيي بن أخطب سيد قومه، كما أهديت إليه مارية القبطية، وكانت شهربانو بنت يزدجر ملك فارس تحت ابنه الحسين رضي الله عنه.
    7- تدين له الأمم بالخضوع، وتدخل الأمم في دينه بفرح وابتهاج ( بملابس مطرزة وتحضر إلى الملك، في إثرها عذارى صاحباتها، مقدمات إليك، يحضرن بفرح وابتهاج يدخلن إلى قصر الملك).
    8- يستبدل قومه بالعز بعد الذل ( عوضاً عن آبائك يكون بنوك، تقيمهم رؤساء في كل الأرض).
    9- يكتب له الذكر الحميد سائر الدهر ( أذكر اسمك دور فدور، من أجل ذلك تحمدك الشعوب إلى الدهر والأبد ) فهو أحمد ومحمد صلى الله عليه وسلم.

    -------------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا         تابعونا        جزاكم الله خيرا
    التالي  :
    داود عليه السلام يبشر بنبي من غير ذريته


    عدل سابقا من قبل صادق النور في السبت أغسطس 26, 2023 5:51 am عدل 1 مرات

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5386
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ثانياً :: . البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس: .بشارات الأنبياء: .بشارة يعقوب Empty رد: ثانياً :: . البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس: .بشارات الأنبياء: .بشارة يعقوب

    مُساهمة من طرف صادق النور الخميس أغسطس 24, 2023 5:17 pm



    - داود عليه السلام يبشر بنبي من غير ذريته:
    ويتحدث داود عن النبي القادم فيقول: ( قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك، يرسل الرب قضيب عزك من صهيون، تسلط في وسط أعدائك شعبك، فتدب في يوم قوتك في زينة مقدسة.. أقسم الرب ولن يندم: أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق. الرب عن يمينك، يحطم في يوم رجزه ملوكاً يدين بين الأمم، ملأ جثثاً، أرضاً واسعة سحق رؤوسها..) (المزمور 110/1-6).
    ويرى اليهود والنصارى في النص نبوءة بالمسيح القادم من ذرية داود من اليهود.
    وقد أبطل المسيح لليهود قولهم، وأفهمهم أن القادم لن يكون من ذرية داود، ففي متى: ( كان الفريسيون مجتمعين، سألهم يسوع: ماذا تظنون في المسيح ؟ ابن من هو ؟ قالو له: ابن داود. قال لهم: فكيف يدعوه داود بالروح ربا قائلاً: قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك، فإن كان داود يدعوه رباً فكيف يكون ابنه ؟ فلم يستطع أحد أن يجيب بكلمة ) (متى 22/41 - 46) وفي مرقص ( فداود نفسه يدعوه ربا. فمن أين هو ابنه ) (مرقص 12/37) و(انظر لوقا 20/41 – 44).
    وتسمية عيسى عليه السلام للنبي بالمسيح سبق التنبيه عليها.
    فلقب (المسيح المنتظر) يتعلق بمسيح يملك ويسحق أعداءه، وهو ما رأينا تنكر المسيح عليه السلام له في مواطن عديدة، منها أنه قال لبيلاطس : مملكتي ليست في هذا العالم ) (يوحنا 18/36)، أي: أنها مملكة روحية.
    وهي غير المملكة التي يبشر بها داود في مزاميره، حيث قال: أضع أعداءك موطئاً لقدميك، يرسل الرب قضيب عزك من صهيون، تسلط في وسط أعدائك شعبَك.. يحطم في يوم رجزه ملوكاً يدين بين الأمم، ملأ جثثاً، أرضاً واسعة سحق رؤوسها..).
    وهو الذي قال عنه يعقوب: ( له خضوع شعوب ) (التكوين 49/10).
    وينقل القس الدكتور فهيم عزيز عميد كلية اللاهوت للبروتستانت في مصر عن علماء الغرب إنكارهم ( أن يسوع كان يتصرف ويتكلم كمسيح لليهود أو المسيا الذي كان ينتظره العهد القديم).
    وقد تنبأ وبشَّر سليمان أيضاً في المزامير بالنبي الملك صلى الله عليه وسلم، فقال: ( ويملك من البحر إلى البحر، ومن النهر إلى أقاصي الأرض، أمامه تجثو أهل البرية، وأعداؤه يلحسون التراب، ملوك ترشيش والجزائر يرسلون تقدمة، ملوك شبا وسبإ يقدمون هدية، ويسجد له كل الملوك، كل الأمم تتعبد له؛ لأنه ينجي الفقير المستغيث والمسكين؛ إذ لا معين له، يشفق على المسكين والبائس ويخلص أنفس الفقراء، من الظلم والخطف يفدي أنفسهم، ويكرم دمهم في عينيه، ويعيش ويعطيه من ذهب شبا، ويصلّي لأجله دائماً، اليوم كله يباركه، تكون حفنة بر في الأرض في رؤوس الجبال، تتمايل مثل لبنان ثمرتها ويزهرون من المدينة مثل عشب الأرض.
    يكون اسمه إلى الدهر، قدام الشمس يمتد اسمه، ويتباركون به، كل أمم الأرض يطوّبونه، مبارك الرب الله إله إسرائيل الصانع العجائب وحده، ومبارك اسم مجده إلى الدهر، ولتمتلئ الأرض كلها من مجده، آمين ثم آمين
    ). (المزمور 72/8-19)،
    فمن هو الذي سجدت وأذعنت وذلَّت له الملوك، ومجدَّه الله في كل الدهور ؟
    لا ريب أنه محمد صلى الله عليه وسلم، الذي دانت لسلطانه أعظم ممالك عصره: الروم والفرس.

    البشارة بالملكوت:

    ومن الألقاب التي أعطيت للدين الجديد وأتباعه في (الكتاب المقدس) ( الملكوت ) أو (ملكوت السماوات)، الذي أنبأ المسيح عن انتقاله عن أمة اليهود إلى أمة أخرى، فقال: ( إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره ) (متى 21/43).
    هذا الملكوت تقاطرت الأنبياء على البشارة به ( كان الناموس والأنبياء إلى يوحنا، ومن ذلك الوقت يبشر بملكوت الله، وكل واحد يغتصب نفسه إليه ) (لوقا 16/16-17).
    والملكوت قد بشر باقتراب عصره النبي يوحنا المعمدان، يقول متى : جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية قائلاً: توبوا؛ لأنه قد اقترب ملكوت السماوات ) (متى 3/1 - 2)
    .وتحدث المعمدان عن الملكوت القادم فقال لليهود متوعداً: ( يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي... والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر، فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار، أنا أعمدكم بماء التوبة، ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني، الذي لست أهلاً أن أحمل حذاءه، هو سيعمدكم بالروح القدس ونار، الذي رفشه في يده، وسينقي بيدره ويجمع قمحه إلى المخزن، وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ. حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليتعمد منه....)(متى 3/1 - 13)
    ولنتوقف سريعاً مع الصفات التي ذكرها يوحنا المعمدان لصاحب الملكوت.
    فأولها: أنه يأتي بعده، فلا يمكن أن يكون هذا الآتي بعده هو المسيح الذي أتى في أيام يوحنا المعمدان.
    وثانيها: أنه قوي، وقوته تفوق قوة يوحنا المعمدان، ومثل هذا الوصف لا ينطبق على المسيح الذي يزعم النصارى مصرعه على الصليب قريباً مما جرى ليوحنا المعمدان،
    وأنَّى هذا من غلبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على سائر أعدائه  ؟ ثم بلغ من القوة أنه طهَّر الأرض من رجس الوثنية بالروح والنار أي: بدعوته العظيمة وقوته القاهرة، وكل ما تقدَّم لا ينطبق على أحد سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وبعد وفاة يوحنا المعمدان جدَّد يسوع البشارة باقتراب الملكوت، ( ابتدأ يسوع يكرز ويقول: توبوا؛ لأنه قد اقترب ملكوت السماوات ) (متى 4/17)، ( وكان يسوع يطوف كل الجليل يعلم في مجامعهم، ويكرز ببشارة الملكوت ) (متى 4/23)، ( كان يسير في مدينة وقرية يكرز ويبشر بملكوت الله، ومعه الاثنا عشر) (لوقا 8/1).
    وقد اعتبر المسيح عليه السلام البشارة بالملكوت مهمته الأولى، بل الوحيدة، فقال: ( فقال لهم: إنه ينبغي لي أن أبشر المدن الأخر أيضاً بملكوت الله؛ لأني لهذا قد أرسلت) (لوقا 4/34).
    وأمر تلاميذه بأن يبشروا باقتراب الملكوت فقال: ( اكرزوا قائلين: إنه قد اقترب ملكوت السماوات ) (متى 10/7).
    ثم علم المسيح تلاميذه أن يقولوا في صلاتهم تلك العبارة التي ما يزال النصارى يرددونها إلى اليوم ( أبانا الذي في السماوات.. ليأت ملكوتك ) (لوقا 10/2).
    ومن خلال هذا كله نستطيع أن نقول بأن رسالة عيسى كانت بشارة بالملكوت الذي بشَّر به يوحنا المعمدان، ووصفا بعض ما يكتنفه، وهذا الملكوت هو بعد المسيح في أمة تعمل أثماره، ولا تضيعه كما أضاعه اليهود.
    فما هو هذا الملكوت ؟
    يجيب النصارى بأن الملكوت (شيوع الملة المسيحية في جميع العالم وإحاطتها كل الدنيا بعد نزول المسيح)،
    وفسَّره آخرون بأنه انتصار الكنيسة على الملحدين، وفسَّره آخرون بأنه البشارة بالخلاص بدم المسيح،
    يقول القمص تادرس يعقوب ملطي في تفسيره لإنجيل متى: (فإن الملكوت الذي أعلنه السيد المسيح هو )بشارة الملكوت( أو )إنجيل الملكوت(... تعبر عن أخبار الخلاص المفرحة التي قدَّمها لنا الله في ابنه يسوع).
    ويعجب المسلمون لانصراف النصارى عن معنى الملكوت، وتعلقهم بما لا طائل وراءه، فلقد انتصرت الكنيسة، وحكمت أوربا قروناً عدة، ولم نر ما يستحق أن يكون أمراً يبشر به المعمدان والمسيح والتلاميذ.
    وكذلك فإن أخبار الخلاص المزعوم لا يمكن أن تكون هي البشارة التي كان المسيح يطوف مبشِّراً بها في المدن والقرى،
    فأقرب تلاميذه لم يفهموا هذا المعنى، ومنهم التلميذان المنطلقان لعمواس بعد حادثة الصلب، فقد كانا يبكيان لفوات الخلاص بموت المسيح ( فقال لهما: ما هذا الكلام الذي تتطارحان به وأنتما ماشيان عابسين... كيف أسلمه رؤساء الكهنة وحكامنا لقضاء الموت وصلبوه، ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل، ولكن مع هذا كله اليوم له ثلاثة أيام منذ حدث ذلك) ( لوقا 24/17-21). لقد جهل التلميذان موضوع الخلاص بموت المسيح، فهما يبحثان عن خلاص آخر، وهو الخلاص الدنيوي الذي ينتظره بنو إسرائيل.
    وأيضاً جهلت الجموع المؤمنة التي شهدت الصلب أن الصلب هو البشارة المفرحة التي كان يبشر بها المسيح فرجعوا وهم يبكون وينوحون ( وكل الجموع الذين كانوا مجتمعين لهذا المنظر لما أبصروا ما كان، رجعوا وهم يقرعون صدورهم )( لوقا 23/48- 49).
    ولا يمكن أن يكون الملكوت الموعود هو الخلاص بدم المسيح؛ لأن  النصوص ذكرت أموراً تحدث قبل مجيء الملكوت، فهي علامات تتحقق قبل حلول الملكوت، ومن بينها قيام أمة جديدة ومملكة جديدة، وهو ما لم يتحقق قبل انتشار المسيحية في العالم، ولا حين صلب المسيح ،
    يقول متى: (فسألوه قائلين: يا معلّم متى يكون هذا ؟ وما هي العلامة عندما يصير هذا ؟
    فقال: انظروا لا تضلوا، فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين: إني أنا هو. والزمان قد قرب، فلا تذهبوا وراءهم، فإذا سمعتم بحروب وقلاقل فلا تجزعوا؛ لأنه لا بد أن يكون هذا أولاً، ولكن لا يكون المنتهى سريعاً.
    ثم قال لهم: تقوم أمة على أمة، ومملكة على مملكة، وتكون زلازل عظيمة في أماكن ومجاعات وأوبئة، وتكون مخاوف وعلامات عظيمة من السماء.
    وقال لهم مثلاً: انظروا إلى شجرة التين وكل الأشجار، متى أفرخت تنظرون وتعلمون من أنفسكم أن الصيف قد قرب، هكذا أنتم أيضاً، متى رأيتم هذه الأشياء صائرة، فاعلموا أن ملكوت الله قريب.
    الحق أقول لكم: إنه لا يمضي هذا الجيل حتى يكون الكل، السماء والأرض تزولان، ولكن كلامي لا يزول، فاحترزوا لأنفسكم؛ لئلا تثقل قلوبكم في خمار وسكر وهموم الحياة، فيصادفكم ذلك اليوم بغتة؛ لأنه كالفخ يأتي على جميع الجالسين على وجه كل الأرض، اسهروا إذاً وتضرَّعوا في كل حين، لكي تحسبوا أهلاً للنجاة من جميع هذا المزمع أن يكون، وتقفوا قدام ابن الإنسان
    ) (لوقا 21/6-36).
    وفي قوله :وتقفوا قدام ابن الإنسان) ما يربط الملكوت بشخص ابن الإنسان القادم، فهو لا يتحدث عن انتشار المسيحية، بل يتحدث عن ظهور النبي الخاتم ابن الإنسان ويدعوهم للاستعداد للقائه.
    فالملكوت هو أمة تعمل وفق إرادة ورضاء صاحب الملكوت جلَّ جلاله.

    يقول (وليم باركلي) في تفسيره لسفر الأعمال: (الملكوت هو مجتمع على الأرض، تُنفَّذُ فيه إرادة الله تماماً كما في السماء).
    وفي أحد تشبيهات المسيح للملكوت أبان لتلاميذه عن سبب انتقاله عن بني إسرائيل فقال: (اسمعوا مثلاً آخر، كان إنسان رب بيت، غرس كرماً، وأحاطه بسياج، وحفر فيه معصرة وبنى برجاً، وسلمه إلى كرامين وسافر.
    ولما قرب وقت الإثمار أرسل عبيده إلى الكرامين؛ ليأخذ أثماره، فأخذ الكرامون عبيده، وجلدوا بعضاً وقتلوا بعضاً ورجموا بعضاً، ثم أرسل إليهم أيضاً عبيداً آخرين أكثر من الأولين، ففعلوا بهم كذلك.
    فأخيراً أرسل إليهم ابنه قائلاً: يهابون ابني، وأما الكرامون فلما رأوا الابن قالوا فيما بينهم: هذا هو الوارث، هلموا نقتله ونأخذ ميراثه. فأخذوه وأخرجوه خارج الكرم، وقتلوه.
    فمتى جاء صاحب الكرم ماذا يفعل بأولئك الكرامين ؟ قالوا له: أولئك الأردياء يهلكهم هلاكاً رديًّا، ويسلم الكرم إلى كرامين آخرين يعطون الأثمار في أوقاتها.
    قال لهم يسوع: أما قرأتم قط في الكتب: الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية، من قبل الرب كان هذا، وهو عجيب في أعيننا، لذلك أقول لكم: إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره، ومن سقط على هذا الحجر يترضض، ومن سقط هو عليه يسحقه.
    ولما سمع رؤساء الكهنة والفريسيون أمثاله عرفوا أنه تكلم عليهم
    ) (متى 21/33 - 45)، (وانظر لوقا 20/9 - 19)،
    فمن تراه تكون الأمة العظيمة التي إذا غزت أمة سحقتها، وإذا أرادتها أمة نكصت على عقبيها ؟ لا ريب أنها الأمة التي هزمت أعظم دولتين في عصرها: الروم والفرس، وانساحت في الأرض، وملكت خلال قرن واحد ما بين الصين وفرنسا، إنها أمة الإسلام.
    ونبوءة متَّى السالفة تحيل على نبوءة في كتب الأنبياء،
    وهي ما جاء في مزامير داود عن الآتي باسم الرب (أحمدك؛ لأنك استجبت لي، وصرت لي خلاصاً، الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية، من قبل الرب كان هذا، وهو عجيب في أعيننا، هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، نبتهج ونفرح فيه، آه يا رب خلّص، آه يا رب أنقذ، مبارك الآتي باسم الرب) (المزمور 118/21-25).

    وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل ابتنى بيوتاً، فأحسنها وأجملها وأكملها إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها، فجعل الناس يطوفون ويعجبهم البنيان فيقولون: ألا وضعت هاهنا لبِنة، فيتم بنيانك  ؟، فقال صلى الله عليه وسلم: فكنت أنا اللبِنة)) إنه الحجر الذي تمت به النبوات.
    وقبل أن ننتقل إلى شرح النبوءة يحسن بنا أن ننوه إلى الخطأ الذي وقع فيه بطرس حين زعم أن المسيح هو الحجر الذي رفضه البناؤون، فقال: (يسوع الناصري الذي صلبتموه أنتم... هذا هو الحجر الذي احتقرتموه أيها البناؤون، الذي صار رأس الزاوية، وليس بأحد غيره الخلاص؛ لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص) (أعمال 4/10-12)، مع أن الحجر الذي أخبر عنه داود ثم المسيح نبوة غالبة، وأمة ظافرة، وهذه النبوة ليست في بني إسرائيل، كما شهد المسيح عليه السلام.
    ولبطرس عذر في خطئه، فهو إنسان عامي عديم العلم، كما شهد له أولئك الذين استمعوا لحديثه وتعجَّبوا من المعجزات التي صنعها، فقد قال في ذات السياق: ( فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا، ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعاميان، تعجبوا ) ( أعمال 4/13 ).
    وهذا المثل العجيب من المسيح (مثل الكرامين) يحكي تنكر اليهود لنعم الله واصطفائه لهم، بقتلهم أنبياءه وهجر شريعته، ويحكي انتقال الملكوت إلى أمة تقوم بأمر الله تعالى، وتقوى على أعدائها وتسحقهم.
    وهذه الأمة مرذولة محتقرة (الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية)، لكن الله اختارها رغم عجب اليهود من تحول الملكوت إلى هذه الأمة المرذولة، لكنه قدر الله العظيم (من قبل الرب كان هذا، وهو عجيب في أعيننا)..
    فمن تكون هذه الأمة المرذولة ؟ إنها أمة العرب، أبناء الجارية هاجر، التي يزدريها (الكتاب المقدس)، فقد قالت سارة: (اطرد هذه الجارية وابنها؛ لأن ابن الجارية لا يرث مع ابني إسحاق) (التكوين 21/10).

    وقال بولس مفتخراً على العرب محتقراً لهم: ( ماذا يقول الكتاب ؟ اطرد الجارية وابنها؛ لأنه لا يرث ابن الجارية مع ابن الحرة، إذاً أيها الإخوة: لسنا أولاد جارية، بل أولاد الحرة) (غلاطية 4/30 - 31).
    وقد ضرب المسيح المزيد من الأمثال للملكوت القادم، فبيَّن في مثل آخر أنه ليس في بني إسرائيل الأمة التي لم تستحق اصطفاء الله لها، يقول متى: (جعل يسوع يكلمهم أيضاً بأمثال قائلاً: يشبه ملكوت السموات إنساناً ملكاً صنع عرساً لابنه، وأرسل عبيده ليدعوا المدعوين إلى العرس، فلم يريدوا أن يأتوا، فأرسل أيضاً عبيداً آخرين قائلاً: قولوا للمدعوين: هو ذا غذائي أعددته، ثيراني ومسمناتي قد ذبحت، وكل شيء معدٌّ، تعالوا إلى العرس.
    ولكنهم تهاونوا ومضوا، واحد إلى حقله، وآخر إلى تجارته، والباقون أمسكوا عبيده وشتموهم وقتلوهم.
    فلما سمع الملك غضب وأرسل جنوده، وأهلك أولئك القاتلين وأحرق مدينتهم، ثم قال لعبيده: أما العرس فمستعد، وأما المدعوون فلم يكونوا مستحقين، فاذهبوا إلى مفارق الطرق، وكل من وجدتموه فادعوه إلى العرس.
    فخرج أولئك العبيد إلى الطرق، وجمعوا كل الذين وجدوهم أشراراً وصالحين، فامتلأ العرس من المتكئين، فلما دخل الملك لينظر المتكئين رأى هناك إنساناً لم يكن لابساً لباس العرس، فقال له: يا صاحب، كيف دخلت إلى هنا وليس عليك لباس العرس ؟ فسكت، حينئذ قال الملك للخدام: اربطوا رجليه ويديه وخذوه، واطرحوه في الظلمة الخارجية، هناك يكون البكاء وصرير الأسنان؛ لأن كثيرين يدعون، وقليلين ينتخبون
    ) (متى 22/1-14).
    وفي مثل آخر بين لهم أنواع الناس في قبول الملكوت والإذعان له، ودعاهم لقبوله والإذعان له،
    فقال: (فكلمهم كثيراً بأمثال قائلاً: هو ذا الزارع قد خرج ليزرع، وفيما هو يزرع سقط بعض على الطريق، فجاءت الطيور وأكلته.
    وسقط آخر على الأماكن المحجرة، حيث لم تكن له تربة كثيرة، فنبت حالاً؛ إذ لم يكن له عمق أرض، ولكن لما أشرقت الشمس احترق، وإذ لم يكن له أصل جف.
    وسقط آخر على الشوك فطلع الشوك وخنقه.
    وسقط آخر على الأرض الجيدة، فأعطى ثمراً، بعض مائة، وآخر ستين، وآخر ثلاثين، من له أذنان للسمع فليسمع...
    فاسمعوا أنتم مثل الزارع، كل من يسمع كلمة الملكوت ولا يفهم، فيأتي الشرير ويخطف ما قد زرع في قلبه، هذا هو المزروع على الطريق.
    والمزروع على الأماكن المحجرة هو الذي يسمع الكلمة وحالاً يقبلها بفرح، ولكن ليس له أصل في ذاته بل هو إلى حين، فإذا حدث ضيق أو اضطهاد من أجل الكلمة فحالاً يعثر.
    والمزروع بين الشوك هو الذي يسمع الكلمة، وهم هذا العالم وغرور الغنى يخنقان الكلمة، فيصير بلا ثمر.
    وأما المزروع على الأرض الجيدة فهو الذي يسمع الكلمة ويفهم، وهو الذي يأتي بثمر فيصنع بعض مائة وآخر ستين وآخر ثلاثين
    ) (متى 13/1-23).

    ويتطابق هذا المثل الإنجيلي مع المثل الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لأحوال الناس مع دعوته، حيث قال: ((مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا، وزرعوا وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به))
    وحدَّث المسيح تلاميذه عن انتشار الملكوت الذي هو أصغر البذور، لكنه أعظمها انتشاراً، يقول متَّى: (قدم لهم مثلاً آخر قائلاً: يشبه ملكوت السموات حبة خردل، أخذها إنسان، وزرعها في حقله، وهي أصغر جميع البذور، لكن متى نمت فهي أكبر البقول، وتصير شجرة، حتى إن طيور السماء تأتي وتتآوى في أغصانها.
    قال لهم مثلاً آخر: يشبه ملكوت السموات خميرة أخذتها امرأة وخبَّأتها في ثلاثة أكيال دقيق حتى اختمر الجميع، هذا كله كلم به يسوع الجموع بأمثال، وبدون مثل لم يكن يكلمهم
    ) (متى 13/31-34). (انظر مرقس 4/30-32).

    يقول الأنبا أثناسيوس في تفسيره لإنجيل متى: (وتكاد الأمثلة في هذا الإصحاح أن تصف الملكوت على الأرض من بدايته إلى نهاية العالم، ففي المثل الأول يزرع الملكوت في القلوب، وفي الثاني يحاربه الشيطان فيزرع فيه زواناً، ولكن لابد أن ينمو الملكوت منتشراً في العالم ويصير شجرة ضخمة (حبة الخردل)، على أن روح أبناء الملكوت لابد أن تكون هي الاندماج في العالم لتخليصه من الداخل كالخميرة)
    وفي نص آخر يتحدث عن هيمنة الشريعة الجديدة على سائر الشرائع السابقة ونسخها لها، فيقول: ( أيضاً يشبه ملكوت السموات كنزاً مخفيًّا في حقل وجده إنسان، فأخفاه، ومن فرحه مضى وباع كل ما كان له، واشترى ذلك الحقل.
    أيضاً يشبه ملكوت السموات إنساناً تاجراً يطلب لآلئ حسنة، فلما وجد لؤلؤة واحدة كثيرة الثمن، مضى وباع كل ما كان له، واشتراها
    ) (متى 13/44-46).
    وقد قال المسيح مبشراً بالقادم الذي ينسخ الشرائع بشريعته: (لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل، فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل) (متى 5/17- 18)،

    فمن هو هذا الذي له الكل، إنه ذات النبي الذي يسميه بولس بالكامل، ومجيئه فقط يبطل الشريعة وينسخها (وأما النبوات فستبطل، والألسنة فستنتهي، والعلم فسيبطل؛ لأننا نعلم بعض العلم، ونتنبأ بعض التنبؤ، ولكن متى جاء الكامل فحينئذ يبطل ما هو بعض) (كورنثوس (1) 12/8-10).
    وكما تحدث المسيح عن هذا النبي تحدث عن تأخر زمان ظهوره عن النبوات السابقة، لكن ذلك لن يمنع عظيم الأجر والثواب لأمته، فضرب هذا المثل وقال: ( فإن ملكوت السماوات يشبه رجلاً رب بيت خرج مع الصبح؛ ليستأجر فَعَلة لكرمه، فاتفق مع الفعلة على دينار في اليوم وأرسلهم إلى كرمه، ثم خرج نحو الساعة الثالثة، ورأى آخرين قياماً في السوق بطالين، فقال لهم: اذهبوا أنتم أيضاً إلى الكرم فأعطيكم ما يحق لكم، فمضوا.
    وخرج أيضاً نحو الساعة السادسة والتاسعة وفعل ذلك.
    ثم نحو الساعة الحادية عشرة خرج ووجد آخرين قياماً بطالين، فقال لهم: لماذا وقفتم ههنا، كلَّ النهار بطالين ؟
    قالوا له: لأنه لم يستأجرنا أحد. قال لهم: اذهبوا أنتم أيضاً إلى الكرم فتأخذوا ما يحق لكم.
    فلما كان المساء قال صاحب الكرم لوكيله: ادع الفعلة وأعطهم الأجرة مبتدئاً من الآخرين إلى الأولين.
    فجاء أصحاب الساعة الحادية عشرة وأخذوا ديناراً ديناراً، فلما جاء الأولون ظنوا أنهم يأخذون أكثر، فأخذوا هم أيضاً ديناراً ديناراً، وفيما هم يأخذون تذمَّروا على رب البيت قائلين: هؤلاء الآخرون عملوا ساعة واحدة، وقد ساويتهم بنا نحن الذين احتملنا ثقل النهار والحر.
    فأجاب وقال لواحد منهم: يا صاحب، ما ظلمتك، أما اتفقت معي على دينار ؟ فخذ الذي لك واذهب، فإني أريد أن أعطي هذا الأخير مثلك. أو ما يحل لي أن أفعل ما أريد بمالي أم عينك شريرة لأني أنا صالح!
    هكذا يكون الآخرون أولين، والأولون آخرين؛ لأن كثيرين يُدعَون، وقليلون ينتخبون
    ) (متى 20/1- 16).

    وهكذا فاز الآخرون بالأجر والثواب.فالآخرون هم الأولون السابقون، كما قال المسيح، وأكده رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((نحن الآخرون السابقون)) وقوله: ((مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجراء فقال: من يعمل لي غدوة إلى نصف النهار على قيراط ؟ فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط، فعملت النصارى، ثم قال من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين ؟ فأنتم هم. فغضبت اليهود والنصارى فقالوا: مالنا أكثر عملاً وأقل عطاءً ؟ قال: هل نقصتكم من حقكم ؟ قالوا: لا. قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء))

    النبي دانيال يتنبأ بزمان الملكوت:

    وقد نقل الكتاب المقدس بعض نبوءات الأنبياء عن زمن ظهور هذا الملكوت، ومن ذلك أن بختنصر رأى رؤيا أفزعته ولم يعرف العرافون ولا المنجمون تعبيرها،
    ففسَّرها له النبي دانيال فقال: (أنت أيها الملك كنت تنظر وإذا بتمثال عظيم، هذا التمثال العظيم البهي جدًّا وقف قبالتك، ومنظره هائل، رأس هذا التمثال من ذهب جيد، وصدره وذراعاه من فضة، بطنه وفخذاه من نحاس، ساقاه من حديد، قدماه بعضها من حديد، والبعض من خزف. كنت تنظر إليه إلى أن قطع حجرا بغير يدين، فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما، فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معاً، وصارت كعصافة البيدر في الصيف، فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان. أنت أيها الملك ملك ملوك؛ لأن إله السماوات أعطاك مملكة واقتداراً وسلطاناً وفخراً، وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السماء... فأنت هذا الرأس من ذهب.
    وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك، ومملكة ثالثة أخرى من نحاس فتتسلط على كل الأرض، وتكون مملكة رابعة صلبة كالحديد؛ لأن الحديد يسحق كل شيء، وكالحديد الذي يكسر تسحق وتكسر كل هؤلاء، وبما رأيت القدمين والأصابع بعضها من خزف والبعض من حديد، فبعض المملكة يكون قويًّا والبعض قصماً، وبما رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين، فإنهم يختلطون بنسل الناس.....
    وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبداً، ومَلِكها لا يُترك لشعب آخر، وتسحق وتفنى كل هذه الممالك، وهي تثبت إلى الأبد؛ لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين، فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب. الله العظيم قد عرف الملك ما سيأتي بعد هذا. الحلم حق وتعبيره يقين
    ) (دانيال 2/21 - 45).
    يقول (هودجكن) في كتابه (المسيح في كل الكتب): (وأما الحجر الذي قطع بغير يدين ويسحق التمثال العظيم فكناية عن مملكة (المسيا): أي: المسيح المنتظر).وفي التفسير التطبيقي: (وأما الحجر المقطوع من الجبل فيشير إلى ملكوت الله الذي يحكمه المسِيَّا ملك الملوك إلى الأبد ).
    فالرؤيا كما يظهر هي عن الممالك التي ستقوم بين يدي بني الملكوت، فأولها مملكة بابل التي يرأسها بختنصر، والتي يرمز لها في الحلم بالرأس الذهبي.
    ثم مملكة فارس التي قامت أقامها خسرو، وتسلط ملكها قورش على بابل سنة (593 ق. م)، ورمز لها في المنام بالصدر والذراعين من فضة.
    ثم تلتها مملكة مقدونية والتي قضت على مملكة الفرس، وأسَّسها الإسكندر المقدوني (336 ) ق. م، ويرمز لها في المنام بالبطن والفخذين من النحاس.ثم تلتها إمبراطورية الرومان، والتي أسَّسها الإمبرطور بوفبيوس (63 ) ق. م، ورمز لها في المنام بساقين من حديد وقدمين: إحداهما من خزف، وأخرى من حديد، ولعله أراد دولتي فارس والروم أو انقسام الإمبراطورية الرومانية

    (وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبداً )، فقد جاء الحجر الذي رذله البناؤون وقد قطع بغير يدين، إذ جاء من السماء ليقضي على الفرس والروم، وأقام الملكوت الموعود في الدنيا قروناً طويلة، ولم ينقطع بأس هذه الأمة إلا في هذا القرن الأخير.
    ولعل في هذه النبوءة ما يبشِّر بكون هذا الكسوف عرضاً زائلاً ما يلبث أن يزول، فتشرق شمس أمة الإسلام من جديد.
    وقريباً من رؤيا بختنصر رأى دانيال رؤيا الحيوانات الأربع قال : كنت أرى في رؤياي ليلاً، وإذا بأربع رياح السماء هجمت على البحر الكبير، وصعد من البحر أربعة حيوانات عظيمة هذا مخالف ذاك، الأول كالأسد... وإذا بحيوان آخر ثان شبيه بالدب... وإذا بآخر مثل النمر... وإذا بحيوان رابع هائل وقوي وشديد جدًّا، وله أسنان من حديد كبيرة، أكل وسحق وداس الباقي برجليه، وكان مخالفاً لكل الحيوانات الذين قبله وله عشرة قرون...
    كنت أرى في رؤى الليل، وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى، وجاء إلى القديم الأيام، فقرَّبوه قدامه، فأعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً؛ لتتعبَّد له كل الشعوب والأمم والألسنة، سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول، وملكوته ما لا ينقرض
    ) (دانيال 7/3-18).
    ويوافق النصارى على أن الممالك الأربعة هي البابلية ثم الفارسية ثم اليونانية ثم الرومانية، ويرون الملكوت متحققاً في ظهور دين المسيح، وتأسيس الكنيسة في يوم الخمسين عندما نزل الروح القدس على التلاميذ المجتمعين في أورشليم.
    لكن المملكة الروحية التي أسَّسها الحواريون لا يمكن أن تكون الملكوت الموعود؛ لأن دانيال يتحدث عن أربع ممالك حقيقية، سحق آخرَها ملكٌ حقيقي، لا روحي ( وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبداً، وملكها لا يترك لشعب آخر، وتسحق وتفني كل هذه الممالك) (دانيال 2/44).
    وقال عن المملكة ونبيها: ( لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة ) (دانيال 7/14).
    وقد فهم التلاميذ من المسيح أن هذه المملكة القادمة زمنية لا روحية، فسألوه وهم يظنون أنها تقوم على يديه، لذلك تساءلوا بعد حادثة الصلب: ( هل في هذا الوقت ترد الملك إلى إسرائيل ؟ ) (أعمال 1/6)،
    وقد اجتهد المسيح في إفهامهم أن مملكته روحية، بينما المملكة القادمة مملكة حقيقية.
    ثم إن مملكة التلاميذ لم تقهر الدولة الرومانية، بل إن الرومان قهروا المسيحية بعد حين، حين أدخلوا وثنياتهم فيها.
    وكيف للنصارى أن يقولوا بقهر الرومان، وهم يزعمون أن المسيح مات على أعواد صليب روماني.
    أما المسلمون فهم الذين قضوا على الدولة الرومانية، واقتلعوها من أرض فلسطين، ثم بقية بلاد الشام ومصر، ثم أضحت عاصمتها القسطنطينية عاصمة للإسلام دين الملكوت..

    البشارة بـ(محماد) مشتهى الأمم:

    وبعد عودة بني إسرائيل من السبي، وتخفيفاً لأحزانهم، ساق لهم النبي حجي بشارة من الله فيها: (لا تخافوا؛ لأنه هكذا قال رب الجنود، هي مرة بعد قليل، فأزلزل السماوات والأرض والبحر واليابسة، وأنزل كل الأمم، ويأتي مشتهى كل الأمم، فأملأ هذا البيت مجداً قال رب الجنود.... مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول، قال رب الجنود، وفي هذا المكان أعطي السلام يقول رب الجنود) (حجي 2/6 - 9).
    وهذه النبوءة لا ريب تتحدث عن القادم الذي وعد به إبراهيم، وبشَّر به يعقوب وموسى ثم داود عليهم الصلاة والسلام.
    وقبل أن نلج في تحديد شخصية هذا المشتهى من كل الأمم نتوقف مع القس السابق عبد الأحد داود، وهو الخبير باللغات القديمة،
    إذ يسوق لنا النص بالعبرانية: ( لسوف أزلزل كل الأرض، وسوف يأتي (محماد) لكل الأمم... وفي هذا المكان أعطي السلام
    فقد جاء في العبرية لفظة (محماد ) أو ( حمدت ) كما في قراءة أخرى حديثة، ولفظة ( محِمْادْ ) في العبرانية تستعمل عادة لتعني: ( الأمنية الكبيرة ) أو (المشتهى)، والنص حسب الترجمة العبرانية المتداولة: (فباؤا حمدات كول هاجوييم).

    لكن لو أبقينا الاسم على حاله دون ترجمة، كما ينبغي أن يكون في الأسماء ، فإنا واجدون لفظة ( محماد ) هي الصيغة العبرية لاسم أحمد، والذي أضاعها المترجمون عندما ترجموا الأسماء أيضاً.يقول المؤرخ (ول ديورانت): ( ولفظ محمد مشتق من الحمد، وهو مبالغة فيه، كأنه حمد مرة بعد مرة، ويمكن أن تنطبق عليه بعض فقرات في التوراة تبشِّر به)
    وجاء في تمام النبوءة الحديث عن البيت الأخير لله، والذي هو أعظم مجداً من البيت الأول، ثم يقول: ( في هذا المكان أعطي السلام )، وقد استخدمت الترجمة العبرية لفظة (شالوم ) والتي من الممكن أن تعني الإسلام، فالسلام والإسلام مشتقان من لفظة واحدة
    وقوله: ( في هذا المكان أعطي السلام

    قد تتحدث عن عقد الأمان الذي عم تلك الأرض والذي أعطاه عمر بن الخطاب لأهل القدس عندما فتحها، فتكون النبوءة عن إعطاء السلام، ولم تنسبه إلى المشتهى، ذلك أن الأمر تمَّ بعد وفاته في أتباعه وأصحابه الكرام.
    ولا ريب أن النبوءة لا تتحدَّث عن المسيح؛ إذ لا تقارب بين ألفاظ النبوءة واسمه، أو بين معانيه وما عهد عنه عليه السلام؛ إذ لم يستتب الأمن في القدس حال بعثته، بل بشر اليهود بخراب هيكلهم بعد حين، كما كان رسولاً إلى بني إسرائيل فحسب، وليس لكل الأمم، والقادم هو مشتهى الأمم جميعاً، وليس خاصًّا ببيت يعقوب، كما جاء في وصف المسيح مراراً.
    وهذا الاستعمال لكلمة ( السلام ) بمعنى ( الإسلام ) يراه عبد الأحد داود لازماً في موضع آخر من (الكتاب المقدس)، فقد جاء في (إنجيل لوقا) أن الملائكة ترنموا عند ميلاد المسيح قائلين: (المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة ) (لوقا 2/14).
    ويتساءل القس السابق عبد الأحد داود أي سلام حلَّ على الأرض بعد ميلاد المسيح، فقد تتابع القتل، والحروب ما تزال تطحن، وإلى قيام الساعة، ولذلك فإن الترجمة الصحيحة لكلمة (إيرينا ) اليونانية في العبرانية: ( شالوم )، وهي في العربية ( الإسلام ) كما ( السلام ).
    وإن أصرَّ النصارى على تفسير كلمة ( إيرينا ) بالسلام، فقد جعلوا من عيسى مناقضاً لنفسه،
    إذ قال: ( جئت لألقي ناراً على الأرض... أتظنون أني جئت لأعطي سلاماً على الأرض. كلا أقول لكم، بل انقساماً... ) (لوقا 12/49 - 51)، وفي متى: ( لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً، بل سيفاً ) (متى 10/34).
    وتبعاً لهذا يرى عبد الأحد داود أن صانعي السلام هم المسلمون، وذلك في قول المسيح: (طوبى لصانعي السلام؛ لأنهم يدعون أبناء الله ). (متى 5/9) فيرى أن الترجمة الدقيقة هي (طوبى للمسلمين )، وليس صانعي السلام الخيالي، الذي لم ولن يوجد على الأرض.
    كما لا يستطيع أحد ينتمي إلى فرق النصارى المختلفة والمتباغضة طوال تاريخ النصرانية، لا يستطيع أن يقول بأن السلام قد تحقق في نفوس المؤمنين؛ إذ الأحقاد المتطاولة بينهم تكذب ذلك كله.
    وجاء في تمام الأنشودة المزعومة للملائكة: ( وبالناس المسرة )، واستخدم النص اليوناني كلمة (يودوكيا ) وهي كلمة مشتقة من الفعل اليوناني ( دوكيو )، ومعناها كما في القاموس الإغريقي: (لطيف، محسن، دمث... ) ومن معانيها أيضاً السرور - المحبة - الرضا - الرغبة، الشهرة...
    فكل هذه الإطلاقات تصح في ترجمة كلمة ( يودوكيا ) التي يصح أيضاً أن تترجم في العبرانية إلى (محماد، ما حامود) المشتقة من الفعل ( حمد ) ومعناه: المرغوب فيه جدًّا، أو البهيج، أو الرائع أو المحبوب أو اللطيف، وهذا كله يتفق مع المعاني التي تفيدها كلمة (محمد وأحمد)، واللتان تقاربان في الاشتقاق كلمتي (حمدا ومحماد) العبرانيتين، ومثل هذا التقارب يدل على أن لهما أساسا واحدا مشتركا، كما هو الحال في كثير من كلمات اللغات السامية.
    وينبِّه الأب السابق عبد الأحد داود إلى وجود هذا النص في (إنجيل) لوقا اليوناني، في الوقت الذي كانت فيه العبارات سريانية حين مقالها، ولا يمكن- حتى مع بذل الجهد وفرض الأمانة في الترجمة- أن تترجم كلمة ما من لغة إلى أخرى، وتفيد نفس المعاني الأصلية للكلمة، ومع ضياع الأصول لا يمكن التحقق من دقة هذه الترجمة.والترجمة الصحيحة للترنيمة- كما يرى عبد الأحد داود- هي: ( الحمد لله في الأعالي، وعلى الأرض إسلام، وللناس أحمد ).
    ---------------------------------------------------
    ومازلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا

    التالي :
    البشارة بإيلياء:

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5386
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ثانياً :: . البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس: .بشارات الأنبياء: .بشارة يعقوب Empty البشارة بإيلياء:

    مُساهمة من طرف صادق النور الخميس أغسطس 24, 2023 5:49 pm


    يتبع ما قبله :

    البشارة بإيلياء:
    ومن الأسماء التي رمز الكتاب المقدس بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( إيلياء ) وهي وفق حساب الجمّل اليهودي تساوي (53) (((أ=1، ي=10، ل=30)، وهو ما تساويه كلمة أحمد (أ=1، ح=8، م=40، د=4)).
    وهو أيضاً اسم لنبي عظيم أرسله الله عزَّ وجلَّ إلى بني إسرائيل، وكان ذلك في القرن التاسع قبل الميلاد،
    وهو الذي يسميه القرآن إلياس.
    وفي آخر أسفار التوراة العبرانية يتحدث النبي ملاخي في سفره القصير عن عصيان بني إسرائيل وعن إيليا أو إيلياء القادم الجديد، وهو غير إلياس الذي كان قد توفي منذ سبعة قرون، فيقول ملاخي بأن الله يقول: ( هأنذا أرسل ملاكي، فيهيئ الطريق أمامي، ويأتي بغتة إلى هيكله السيدُ الذي تطلبونه، وملاك العهد الذي تسرون به، هو ذا يأتي، قال رب الجنود.
    من يحتمل يوم مجيئه، ومن يثبت عند ظهوره؛ لأنه مثل نار الممحص، ومثل أشنان القصار..
    . (ملاخي 3/1- 2).

    فالنص في سفر النبي ملاخي يتحدث عن اثنين:
    أحدهما: الذي يهيئ الطريق أمام القادم من عند الرب.
    والثاني: هو الذي يأتي بغتة إلى الهيكل، ويسميه: السيد، وملاك العهد. وهو الذي يطلبه بنو إسرائيل وينتظرونه.
    وفي آخر سفره يقول ملاخي، وحديثه مازال متصلاً عن هذا القادم، وعن تبديل بني إسرائيل وكفرهم،
    فيقول: ( اذكروا شريعة موسى عبدي التي أمرته بها في حوريب على كل إسرائيل الفرائض والأحكام. هأنذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم والمخوف، فيرد قلب الآباء على الأبناء، وقلب الأبناء على آبائهم، لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن ) (ملاخي 4/4 - 5).
    فقد سمى ملاخي النبي القادم إيليا بعد أن ذكرهم بوصية موسى على جبل حوريب، والتي ذكر فيها موسى النبي القادم مثله من بين إخوة بني إسرائيل، قال المفسر صاحب (تحفة الجيل): ( إن إيلياء الرسول المذكور في آخر سفر ملاخي هو ملغوز، وهذا هو حبر العالم الذي يأتي في آخر الزمان )
    ويرى النصارى أن النبي الذي يمهِّد الطريق هو يوحنا المعمدان المسمى بإيليا في النص يقول مرقص: ( كما هو مكتوب في الأنبياء ها أنا أرسل ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك.. كان يوحنا المعمدان يعمد في البرية... وكان يكرز قائلاً: يأتي بعدي من أقوى مني، الذي لست أهلاً أن أنحني وأحل سيور حذائه، أنا عمدتكم بالماء، وأما هو فسيعمدكم بالروح القدس، وفي تلك الأيام جاء يسوع.. ) (مرقص 1/2 - 9)،
    وهو ما نقله لوقا عن لسان المسيح: ( بل ماذا خرجتم لتنظروا، أنبيًّا ؟ نعم أقول لكم: وأفضل من نبي، هذا هو الذي كتب عنه: ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك؛ لأني أقول لكم: إنه بين المولودين من النساء ليس نبي أعظم من يوحنا المعمدان، ولكن الأصغر في ملكوت الله أعظم منه) (لوقا 7/26).
    فالممهِد للطريق- حسب رأي النصارى- هو يوحنا المعمدان، والممهد له المنتظر هو عيسى عليه السلام.
    ويعتبرون الأول إيليا؛ لقول متى على لسان المسيح في سياق حديثه عن يوحنا المعمدان: (ماذا خرجتم لتنظروا. أنبياً ؟ نعم أقول لكم وأفضل من نبي، فإن هذا هو الذي كتب عنه: ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك. الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان، ولكن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه... لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبئوا. وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي، من له أذنان للسمع فليسمع ) (متى 11/9 - 15).
    ويذكر متى أيضاً بأن المسيح قال: ( إن إيليا يأتي أولاً ويرد كل شيء، ولكني أقول لكم: إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه... حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان ) (متى 17/10 - 13).
    وهكذا يرى النصارى أن المبشِّر الممهد للطريق هو يوحنا (إيليا)، والمبشَّر به هو المسيح. والصحيح أن إيليا رمز للنبي القادم، وليس للنبي الممهد لطريقه.
    وقبل أن نلج لفهم حقيقة هذه النبوءة نرى لزاما أن ننبه ببعض ما تعرضت له هذه النصوص من تحريف،
    ففي ملاخي ( ملاك العهد )، وهو في الترجمات القديمة: (رسول الختان)، وفي الترجمة الحديثة يقول: (أرسل ملاكي)، وفي القديمة: ( أرسل رسولي )، وفي بعض الطبعات: (يأتي السيد ) وفي بعضها: ( الولي )، وفي أخرى: ( إيليا ).
    وفي نصوص الأناجيل تحريف للاقتباس من ملاخي الذي استعمل ضمير المتكلم ( الطريق أمامي)، وفي الأناجيل أصبح الضمير راجعاً على المسيح ( يهيئ طريقك قدامك ).
    كما نرى يد التحريف قد طالت كلام المسيح والمعمدان حين زعم الإنجيليون أن المسيح اعتبر المعمدان هو الممهد لدعوته (هذا هو الذي كتب عنه: ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك ) (لوقا 7/26)،
    وأنه سماه إيليا المنتظر (ولكني أقول لكم: إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه... حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان ) (متى 17/12 - 13).
    ومن التحريف قولهم: إن المعمدان أخبر أن القوي الذي بشر بقدومه بعده هو المسيح (ولكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه، هو الذي يأتي بعدي الذي صار قدامي، الذي لست بمستحق أن أحل سيور حذائه.. وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلاً إليه فقال: هو ذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم، هذا هو الذي قلت عنه: يأتي بعدي رجل صار قدامي؛ لأنه كان قبلي) (يوحنا 1/26-40).
    ودعوانا التحريف ليس مردها عدم اتفاق هذه النصوص مع المسألة التي نحن بصدد إثباتها، بل مرده أن يوحنا المعمدان أنكر أن يكون هو النبي إيليا الممهد بين يدي السيد القادم، فقد نفى هو ذلك عن نفسه لما جاءه رسل اليهود من الكهنة واللاويين ( ليسألوه من أنت ؟ فاعترف ولم ينكر، وأقر: إني لست أنا المسيح. فسألوه إذاً ماذا ؟ إيليا أنت ؟ فقال: لست أنا. النبي أنت ؟ فأجاب: لا ) (يوحنا 1/19 - 21)،
    فهذا نص صريح ينكر فيه يوحنا أنه إيليا الممهد للطريق، كما هو ليس المسيح المنتظر أو النبي القادم.
    ويلزم من قول المعمدان تكذيب المسيح في قوله بأن إيليا قد جاء، أو أن يكون المعمدان كاذباً حين أنكر أنه إيليا، أو يلزم القول بأن التلاميذ لم يفهموا كلام المسيح، وهذا الأخير هو الأولى، فقد أخطأ متى حين قال :حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان
    لقد ظنوا أنهم فهموا، بينما الحقيقة أنهم لم يفهموا، لقد كان يحدثهم عن نفسه، فهو النبي القادم الذي يهيئ الطريق للقادم المنتظر ( هأنذا أرسل ملاكي، فيهيئ الطريق أمامي، ويأتي بغتة إلى هيكله السيدُ الذي تطلبونه، وملاك العهد الذي تسرون به، هو ذا يأتي، قال رب الجنود).
    ثم إن صفات إيليا لا تنطبق على المعمدان؛ لأنه يأتي بعد المسيح، فقد قال المسيح عنه: ( إيليا المزمع أن يأتي) والمسيح والمعمدان متعاصران.
    وعندما يأتي إيليا فإنه ( يرد كل شيء )، ( فيرد قلب الآباء على الأبناء، وقلب الأبناء على آبائهم
    ومثل هذا لم ينقل عن المعمدان الذي عاش في الصحراء، طعامه الجراد والعسل، ولباسه وبر الإبل، وغاية ما صنعه تعميد من جاءه تائباً. (انظر متى 3/1 - 5).
    ولا يمكن التسليم بأن المعمدان كان تمهيداً للمسيح؛ إذ كيف يقال ذلك، والمعمدان قبيل مقتله - حسب الأناجيل- لا يعرف حقيقة المسيح، ويرسل تلاميذه ليسألوا المسيح ( أنت هو الآتي أم ننتظر غيرك ؟ ) (متى 11/3).
    فكيف يقال بأنه أرسل بين يديه، وهو لم يعرف حقيقته ؟ ثم ماذا صنع يوحنا بين يدي مقدم المسيح ؟ هل صنع شيئاً يتعلق بالمهمة التي تزعمها الأناجيل له ؟
    لم يرد عنه سوى البشارة بالملكوت كما بشر به المسيح بعده. (انظر متى 3/1) كما كان يعمد الذين يأتونه معترفين بخطاياهم. (انظر متى 3/6)، وهذا الذي صنعه المسيح أيضاً، وهو ما يؤكد أن دعوتهما واحدة،

    ألا وهي البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم نبي الملكوت، كما قال: فقال لهم: إنه ينبغي لي أن أبشر المدن الأخر أيضاً بملكوت الله؛ لأني لهذا قد أرسلت) (لوقا 4/34)، فقد أرسل للبشارة بالملكوت القادم، فهو ممهد ومبشر بين يديه.
    والحق أن المعمدان وعيسى صاحبا دعوة واحدة، أي: كلاهما بعث مبشراً بالنبي الخاتم، فهما المبشِّران بالنبي الخاتم، والذي أسماه متَّى بملكوت السماوات، فقد بشر باقتراب عصره النبي يوحنا المعمدان، ( جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية قائلاً: توبوا؛ لأنه قد اقترب ملكوت السماوات ) (متى 3/1 - 2).
    وبعد وفاة يوحنا المعمدان جدَّد يسوع البشارة بالملكوت، ( ابتدأ يسوع يكرز ويقول: توبوا؛ لأنه قد اقترب ملكوت السماوات ) (متى 4/17)، ( وكان يسوع يطوف كل الجليل يعلم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت ) (متى 4/23).
    وأمر تلاميذه بأن يبشروا باقتراب الملكوت فقال : اكرزوا قائلين: إنه قد اقترب ملكوت السماوات ) (متى 10/7)، لقد كانت دعوتهما واحدة، وهي البشارة والتمهيد للنبي القادم.
    وكما لم يتحقق في المعمدان صفات الممهد للنبي القادم، فإن الصفات التي ذكرها يوحنا المعمدان للآتي بعده لم تتحقق في المسيح،
    فقد قال المعمدان: ( أنا أعمدكم بماء التوبة، ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني، الذي لست أهلاً أن أحمل حذاءه، هو سيعمدكم بالروح القدس ونار، الذي رفشه في يده، وسينقي بيدره، ويجمع قمحه إلى المخزن، وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ، حينئذٍ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه ) (متى 3/11 - 13).
    فالقادم المبشَّر به سيعمد بالروح القدس والنار، أما المسيح عليه السلام فلم يعمد أحداً طوال حياته، وإن كان شاع بين الناس أنه يعمد، لكنه لم يفعل ذلك حقيقة، وإن صنعه تلاميذه باسمه (فلما علم الرب أن الفريسيين سمعوا أن يسوع يصيّر ويعمد تلاميذ أكثر من يوحنا، مع أن يسوع نفسه لم يكن يعمد بل تلاميذه) (يوحنا 4/1-2).
    وذكر المعمدان أن الآتي بعده يعمد بالروح والنار، أي: يملك سلطان الدين والدنيا؛ لتغيير المنكر والحفز على التوبة، فهو لا يتوقف عن حدود الطهارة الظاهرية للجسد بالاغتسال بالماء، بل يهتم بطهارة الباطن، ووسيلته ما يأتي به روح القدس (جبريل) من وحي وبلاغ وبيان، كما قام بتطهير كثير من الأرض من الوثنية بالنار.
    ومثل هذه المعمودية لم يفعلها المسيح الذي عمد تلاميذه بالماء، وكانت بشارته استمراراً لمعمودية المعمدان، وهي البشارة بالتوبة ومغفرة الخطايا، فإن المسيح دعا - بعد حادثة الصلب والقيامة - كل واحد من تلاميذه (أن يُكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا) (لوقا 24/47)،  فلم تختلف معموديته عليه السلام عن معمودية المعمدان في شيء. (انظر يوحنا 3/22 – 23).
    واستمر تلاميذه بعده يعمدون بالماء كما كان المعمدان يعمد، ولما جاء بولس إلى أفسس إذ وجد تلاميذ قال لهم: هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم  ؟. قالوا له: ولا سمعنا أنه يوجد الروح القدس. فقال لهم: فبماذا اعتمدتم ؟ فقالوا: بمعمودية يوحنا.
    فقال بولس: إن يوحنا عمد بمعمودية التوبة قائلاً للشعب أن يؤمنوا بالذي يأتي بعده، أي: بالمسيح يسوع، فلما سمعوا اعتمدوا باسم الرب يسوع
    ) (أعمال 19/1-5)، ولو كان للمسيح عليه السلام تعميد يخالف ما عليه تعميد المعمدان عليه السلام لعرف بين التلاميذ وشاع.
    كما وصف المعمدان النبي القادم بعده بأنه ( أقوى مني)، وليس في دعوة المسيح أو حياته الشخصية ما يشير إلى هذه القوة، فكلاهما لم يبعث بشرع جديد، كما لم يملك على قومه، ولم يكن لأي منهما نفوذ أو سلطان، بل تزعم النصارى- باطلاً- أن كلًّا منهما مات مقتولاً! فأين القوة التي ذكرها المعمدان ؟
    كما لم يحقق المسيح قول المعمدان عن النبي الآتي :رفشه في يده، وسينقي بيدره، ويجمع قمحه إلى المخزن، وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ )
    وهذه كناية يفسرها الدكتور وليم أديب بقوله في :كناية عن نهاية العمل كله، ويمكن أن يكون القصد من هذا التشبيه: الإشارة إلى تأديب الله للناس، وقصاصه لهم في هذه الحياة). بل هو كناية أبعد من ذلك، إذ تبين سلطانه الذي ينقي الأصل الذي أنـزله الله على أنبيائه مما علق فيه، فيحذف الترهات الدخيلة ويزيفها.

    وعليه فالآتي المبشَّر به هو محمد صلى الله عليه وسلم، وهو فقط الذي أتى إلى أرض القدس والهيكل بغتة يوم أسري به إلى بيت المقدس، بينما نشأ المسيح ويوحنا في ربوع الهيكل.
    وهو النبي الذي سمَّته بعض الترجمات برسول الختان؛ إذ كان قد دعا إليه ونبَّه إلى أنه من سنن الهدى، والتزمه المسلمون بعده.

    الأصغر في ملكوت الله:

    وثمة بشارة أخرى جاءت على لسان المسيح تبشِّر بالمسيح المنتظر صلى الله عليه وسلم، وتؤكِّد أنه أعظم الأنبياء، وأنه النبي المسمى إيليا، وأنه الذي تقاطرت النبوات على البشارة به،
    يقول المسيحالحق الحق أقول لكم لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان، ولكن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه.. لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبؤوا، وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي، من له أذنان للسمع فليسمع ) (متى 11/11 - 15)،
    فالأصغر في ملكوت السماوات هو إيلياء المزمع أن يأتي، الذي تنبأ به الأنبياء، نبيًّا تلو نبي، وكان آخرهم يوحنا المعمدان.
    فمن هو إيليا، الأصغر في ملكوت السماوات ؟
    إنه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي صغر بتأخره في الزمان عن سائر الأنبياء، لكنه فاقهم جميعاً باكتمال رسالته ورضا الله بدينه ديناً خاتماً إلى قيام الساعة، فإن لم يكن محمداً صلى الله عليه وسلم فمن ذا يكون ؟

    ولا يمكن لنصراني أن يدَّعي بأن عيسى هو آخر الرسل والأنبياء لإيمانهم برسالة تلاميذه، بل وغيرهم كبولس، كما لم تكمل رسالته عليه السلام بدليل التعديل والنسخ الذي أجراه الحواريون عليها في المجمع الأورشليمي الأول بزعم التيسير على المتنصرين، فأبطلوا الختان، وأحلُّوا بعض محرمات التوراة.
    وعليه فلا تصدق على المسيح عليه السلام كلمة ( الأصغر )؛ لأنه ليس آخر الأنبياء، كما أنه لم يصرح ولا يفهم أنه كان يتحدَّثعن نفسه حين قال (ولكن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه.. لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبؤوا، وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليّا المزمع أن يأتي، من له أذنان للسمع فليسمع ) (متى 11/11 - 15).
    وهذا الأصغر إنما يأتي في ملكوت السماوات التي لم تكن قد قامت يومذاك، وهو مزمع أن يأتي ولما يأت بعد، إنه محمد صلى الله عليه وسلم.

    المسيح يبشر بالبارقليط:

    لكن أعظم بشارات العهد الجديد بالنبي الخاتم هي نبوءات المسيح عليه السلام عن مجيء البارقليط إلى هذا العالم.
    وينفرد يوحنا في إنجيله بذكر هذه البشارات المتوالية من المسيح بهذا النبي المنتظر، حيث يقول المسيح موصياً تلاميذهإن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر، ليمكث معكم إلى الأبد، روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله، لأنه لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم، ويكون فيكم... إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي وإليه نأتي، وعنده نصنع منـزلاً.
    الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي، والكلام الذي تسمعونه ليس لي، بل للآب الذي أرسلني، بهذا كلمتكم وأنا عندكم، وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء، ويذكركم بكل ما قلته لكم …. قلت لكم الآن قبل أن يكون، حتى متى كان تؤمنون، لا أتكلم أيضاً معكم كثيراً؛ لأن رئيس هذا العالم يأتي، وليس له فيَّ شيء
    ) (يوحنا 14/15 – 30).

    وفي الإصحاح الذي يليه يعظ المسيح عليه السلام تلاميذه طالباً منهم حفظ وصاياه،ثم يقول ؛متى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق الذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي، وتشهدون أنتم أيضاً؛ لأنكم معي في الابتداء.
    قد كلَّمتكم بهذا لكي لا تعثروا، سيخرجونكم من المجامع، بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله... قد ملأ الحزن قلوبكم، لكني أقول لكم الحق: إنه خير لكم أن أنطلق؛ لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم.
    ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة، أما على خطية: فلأنهم لا يؤمنون بي، وأما على بر: فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني أيضاً، وأما على دينونة: فلأن رئيس هذا العالم قد دين.
    إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق؛ لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية، ذاك يمجدني؛ لأنه يأخذ مما لي ويخبركم
    ) (يوحنا 15/26 - 16/14).
    --------------------------------------------------------------------
    تابعونا جزاكم الله خيرا

    التالي :

    تحريفات النصارى ومزاعمهم


    عدل سابقا من قبل صادق النور في الخميس أغسطس 24, 2023 7:58 pm عدل 2 مرات

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5386
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ثانياً :: . البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس: .بشارات الأنبياء: .بشارة يعقوب Empty تحريفات النصارى ومزاعمهم:

    مُساهمة من طرف صادق النور الخميس أغسطس 24, 2023 7:42 pm


    يتبع ما قبله :

    تحريفات النصارى ومزاعمهم:

    العوامل التي أدت إلى تحريف رسالة المسيح عليه السلام:


    أولاً :
    الاضطهادات:

    إن مما لاشك فيه أن الدعوات خاصة الدينية والإصلاحية تنمو وتزدهر في السلام والأمن، وتنكمش وتتقوقع في الخوف والاضطهاد، وقد يؤدي الاضطهاد المركز إلى القضاء عليها، وخاصة إذا واكب نشأتها قبل أن تنغرس جذورها في الأرض وتثبت قدمها فيها.
    وإن الدارس لتاريخ المسيح عليه السلام وأتباعه ودعوته يجد أن الاضطهاد واكب نشأتها، واستمر قروناً عدة يشتد حيناً، ويفتر حيناً آخر.
    فقد كان المسيح عليه السلام مطارداً من اليهود، بل سعوا جادين إلى قتله، إلا أن الله عزَّ وجلَّ أنجاه منهم ورفعه إليه، ثم إن النصارى حسب كلامهم وقع عليهم اضطهاد شديد من بعده، أولاً من قبل اليهود، فقد قُتل أحد كبار النصارى ويسمى (إستفانوس) رجماً، وقُطع بعده رأس (يعقوب)  مما جعل بقية الأتباع يتفرقون في البلدان، وينتشرون في أرض الله خوفاً من اضطهاد بني جنسهم اليهود لهم، ثم وقعت على من بقي منهم في فلسطين نكبتان مدمرتان:

    أولاهما عام (70) م، وهي: فتك الوالي الروماني (تيطس) باليهود وتدميره لبيت المقدس بسبب عصيانهم وتمردهم.
    والأخرى وهي أكبر من أختها: عام (135) م, في عهد الإمبراطور (هادريان) الذي قضى على اليهود في فلسطين، ولم يبق بعده فيها إلا أقلية نصرانية واهنة مبعثرة.
    ثم استمر اضطهاد أباطرة الرومان للنصارى قرنين آخرين، ذاق خلالهما النصارى ألواناً شتى من الذل والاضطهاد، حتى أصبح اتهام أي رجل بالنصرانية في بعض الأحيان مبرراً قويًّا لإلقائه للوحوش المفترسة والحكم عليه بالموت، ولم يتوقف هذا الاضطهاد إلا بتولي قسطنطين الإمبراطورية الرومانية، وإصداره مرسوم ميلان سنة(313) م، والقاضي بإعطاء النصارى الحرية الدينية وحرية الأديان عموماً.
    فكان هذا الاضطهاد من العوامل المهمة في تحريف دعوة المسيح عليه السلام؛ لأن تثبيت العقيدة والدعوة إليها والعمل بها، يحتاج إلى وضع آمن، بل يحتاج إلى قوة داعمة ومناصرة لترسخ العقيدة في النفوس، ويتمكن الدعاة من نشرها بين الناس،
    وإلا فإن عقائد الناس وعباداتهم القديمة تطغى على الدعوة الجديدة، وقد تصبغها بصبغتها، وكذلك أعداء الأديان من أصحاب الأهواء والنفعيين فإنهم يجدون أرضية مناسبة لبث آرائهم وأهوائهم في الأديان، كما أن الجهل بالدين الصحيح في كثير من الأحيان مع النية الصالحة في العمل قد تدفع الإنسان إلى استحسان أمور وادعاء أمور أنها من الدين وهي ليست منه.
    فهذه الأمور وغيرها تطفو على السطح وتظهر في حالة الاضطهاد وعدم الأمن، وإذا نظرنا إلى تاريخ النصرانية نجد أنه في فترة الاضطهاد شاع بينهم ما يسمونه بـ (الهرطقة) وهي التعاليم المخالفة لما عليه النصارى،
    كما كثرت الكتب والرسائل المنسوبة إلى دعاة النصارى الأوائل.
    واستمر وجود تلك البدع والكتب إلى أن جاء قسطنطين وسعى إلى توحيد النصارى بدعوته إلى مجمع نيقية سنة (325) م،
    إلا أنه وحدَّهم على إحدى تلك البدع، وهي بدعة بولس، فمما لا شك فيه أن ذلك كله كان عاملاً من العوامل التي تسببت في انحراف النصرانية عن الدين الحق الذي جاء به المسيح عيسى عليه السلام.

    ثانياً :
    ضياع الإنجيل وانقطاع السند:

    تقدم الكلام على الأناجيل، وأن الأناجيل الموجودة ليس منها شيء منسوب إلى عيسى عليه السلام، ولا يُعرَف أثر لإنجيل عيسى عليه السلام، كما أن النصارى لم يعتنوا بالتدوين مباشرة بعد رفع المسيح، وإنما تأخروا في التدوين مما جعل كثيراً من الأناجيل تظهر، ولا يعرف على اليقين كاتبها، ولا من أين أخذ معلوماته.
    وهذا انحراف بدعوة المسيح عليه السلام عن وجهها الصحيح؛ لأن أصحاب تلك الأناجيل ليسوا معصومين، فوقعوا في أخطاء كثيرة، وسوء فهم، وغير ذلك من العوارض التي تعرض للبشر، مما جعل الديانة المعتمدة على مثل تلك الكتب المليئة بالأخطاء تبدو ديانة مرتبكة مختلة التركيب، كما هو حال النصرانية.

    ثالثاً :

    بولس (شاؤول اليهودي):

    هو شاؤول اليهودي أحد ألد أعداء المسيح عليه السلام، وأحد اليهود المتعصبين لليهودية،
    ولد وتربى في طرسوس التي كانت مركزاً من مراكز الفلسفة وتنوع الثقافات الوثنية في ذلك الوقت.
    وانتقل بولس إلى أورشليم، وتعلم الشريعة اليهودية، وكان من أشد الناس تعصباً لها، ثم لما بعث المسيح عليه السلام كان من أشد الناس على ديانته وعلى أتباعها.
    فهو يقول عن نفسهسمعتم بسيرتي قبلاً في الديانة اليهودية إني كنت اضطهد كنيسة الله بإفراط وأتلفها، وكنت أتقدم في الديانة اليهودية على كثيرين من أترابي في جنسي؛ إذ كنت أوفر غيرة في تقليدات آبائي).
    ثم إن هذا الرجل زعم أنه دخل في دين المسيح، وفي هذا يقول لوقا في أعمال الرسل (9/1): ( أما شاؤول فكان لم يزل ينفث تهدداً وقتلاً على تلاميذ الرب، فتقدم إلى رئيس الكهنة، وطلب منه رسائل إلى دمشق إلى الجماعات حتى إذا وجد أناساً من الطريق رجالاً أو نساء يسوقهم موثقين إلى أورشليم، وفي ذهابه حدث أنه اقترب إلى دمشق فبغتة أبرق حوله نور من السماء، فسقط على الأرض وسمع صوتاً قائلاً له: شاؤول شاؤول. لماذا تضطهدني ؟ فقال: من أنت يا سيد ؟ فقال الرب: أنا يسوع الذي أنت تضطهده، صعب عليك أن تَرْفُسَ مَنَاخِس، فقال وهو مرتعد ومتحير: يا رب ماذا تريد أن أفعل ؟ فقال له الرب: قم وادخل المدينة، فيقال لك: ماذا ينبغي أن تفعل....... وكان شاؤول مع التلاميذ الذين في دمشق أياماً وللوقت جعل يكرز في المجامع بالمسيح أن هذا هو ابن الله).
    وبهذه القصة التي لا دليل عليها ولا شاهد إلا دعواه، زعم أنه دخل في دين المسيح، وحين قدَّم نفسه للحواريين لم يقبله الحواريون أولاً لمعرفتهم بعداوته وبطشه بهم، ولكن ( برنابا) توسط له عندهم فقبلوه، فنشط بعد قبولهم له، وصار رأساً في النصرانية، يبني الكنائس، ويطوف البلاد شرقاً وغرباً يدعو، ويرسل الكتب والرسائل يبين فيها ديناً وأمراً غريباً عن الحواريين وعن شريعة عيسى عليه السلام.
    وبالنظر الفاحص فيما خلَّف بولس من رسائل يتضح للناظر فيها ملاحظات عديدة، نقتصر منها على ذكر أهم مخالفاته لدعوة المسيح عليه السلام:
    أولاً : ادعاؤه أن المسيح ابن الله:

    من الدعاوى التي أطلقها بولس هي ادعاؤه أن المسيح عليه السلام ابن الله- تعالى الله عن ذلك - فمن ذلك ما ورد في سفر أعمال الرسل عن بداية دعوة بولس (9/20) قال : وللوقت جعل- يعني بولس- يكرز في المجامع أن هذا هو ابن الله).
    ويقول بولس في رسالته إلى غلاطية (4/4) (ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس ).
    فهذه الدعوى ظهرت أولاً في كلام بولس ودعوته، ثم ظهرت قوية في المجامع النصرانية، وقامت عليها الديانة كلها،
    وهذا كله خلاف ما صرَّح المسيح عليه السلام به مراراً من أنه رسول لبني إسرائيل، وأنه إنسان، وابن إنسان، وابن داود، وغيرها من الألقاب التي تؤكد أنه بشر ابن بشر، ومن ذلك قول (إنجيل متى) (8/20)( فقال له يسوع: للثعالب أوجرة ولطيور السماء أو كار، وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه ؟).
    وفي (إنجيل يوحنا) يقول :8/40) (وأنا إنسان علمكم بالحق الذي سمعه من الله)
    فهذه النصوص قد أكَّد بها المسيح بشريته إلا أن بولس بعدُ، قد أضفى على المسيح صفة (ابن الله) وأعطاها ذلك المضمون الذي أخذت به النصرانية من اعتقادهم أن المسيح إله، ابن إله، تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيراً.

    ثانياً :
    ادعاؤه أن الغاية من مجيء المسيح عليه السلام هو الصلب وتكفير الخطايا:

    وفي هذا يقول بولس في رومية (3/23)( : إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدَّمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة).
    ويقول في رومية أيضاً في (5/6) (لأن المسيح إذ كنا بعد ضعفاء مات في الوقت المعين لأجل الفجار... ولكن الله بيَّن محبته لنا؛ لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا).
    وفي رسالته الثانية إلى كورنثوس (5/21) يقول (لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا؛ لنصير نحن بر الله فيه).
    فهذه الدعوى التي علَّل بها بولس حياة المسيح وموته هي التي قامت عليها النصرانية بعد، ولم يكن لها في الحقيقة شيء من الصدى في حياة المسيح ولا كلامه، بل ورد عن المسيح عليه السلام التصريح بأنه جاء ليدعو إلى التوبة والإنابة.
    وفي هذا ورد في إنجيل متى (9/13) قوله ؛لأني لم آت لأدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة).
    وفي (إنجيل مرقص) (1/12) يقول ،وبعد ما أُسْلِم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله، ويقول: قد كمل الزمان، واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل).
    فهذا ظاهر منه أن المسيح عليه السلام قد صرَّح بأن الهدف من رسالته هو الدعوة إلى التوبة، إلا أن بولس اخترع من عند نفسه هدفاً آخر للمسيح لم يصرح به المسيح ولم يقله، وهو أنه إنما جاء ليصلب تكفيراً للخطايا.

    ثالثاً :
    ادعـاؤه أن دعوة المسيح عليه السلام كانت عامة لجميع بني البشـر:

    ادَّّعى بولس أن المسيح عليه السلام رسول لجميع الأمم ثم زعم لنفسه بأنه مرسل إلى جميع البشر،
    وفي هذا يقول في رومية (11/13): (فإني أقول لكم أيها الأمم، بما أني أنا رسول للأمم أمجد خدمتي).
    وفي غلاطية (1/15)يقول : ولكن لما سر الله الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته أن يعلن ابنه في لأبشر به بين الأمم).
    وفي أفسس 3/8(أعطيت هذه النعمة أن أبشر بين الأمم).
    وهذه الدعوى منه تخالف ما ذكره المسيح عن نفسه وما وصَّى أيضا به تلاميذه، حيث يقول عن نفسه في (إنجيل متى) (15/24): (لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة). ووصَّى تلاميذه بقوله في (إنجيل متى) (10/5): ( إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة).

    رابعاً :
    إلغاؤه لشريعة موسى عليه السلام، ودعواه أن الإنسان ينجو بالإيمان المجرَّد بدون عمل

    ألغى بولس شريعة موسى عليه السلام، وفي هذا يقول في رسالته إلى رومية 2/16إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس، بل بإيمان يسوع المسيح آمنا نحن أيضاً بيسوع المسيح لنتبرر بإيمان يسوع لا بأعمال الناموس؛ لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما..... فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله الذي أحبَّني وأسلم نفسه لأجلي، لست أبطل نعمة الله؛ لأنه إن كان بالناموس بر فالمسيح إذاً مات بلا سبب).
    ومما يجدر ذكره أن بولس لما وسع نطاق دعوة المسيح عليه السلام لتشمل جميع الناس واجه عقبة كؤود، وهي عدم قبول الوثنيين للشرائع الموسوية، وتصوَّر أنه لا يمكن أن تنجح الدعوة بينهم مع وجود الشريعة، فقرَّر إلغاءها، ويذكر سفر أعمال الرسل أن هذا أولاً تمَّ بمطالبة من بولس ودعوة منه، ثم قبله بعد ووافق عليه سائر التلاميذ، وقرروا أن لا يلزم الناس بشيء من الأمور الواجبة عند بني إسرائيل سوى الامتناع عن الذبح للأصنام، وعن أكل الدم، والمخنوق، والامتناع عن الزنا.

    وإلغاء بولس للعمل بشريعة موسى عليه السلام خلاف ما أكَّده المسيح عليه السلام ودعا إليه، فقد ورد في (إنجيل متى) 5/17أنه قال: لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإن الحقَّ أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة من الناموس حتى يكون الكلُّ، فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى، وعلم الناس هكذا يدعى أصغر في ملكوت السموات، وأما من عمل وعلم، فهذا يُدعَى عظيماً في ملكوت السموات. فإني أقول لكم: إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات).
    فهذه تأكيدات واضحة من المسيح على التزام شريعة موسى عليه السلام وتحريم الخروج عليها. فإلغاء العمل بشريعة موسى هو في الحقيقة هدم لديانة المسيح تماماً؛ لأن مما هو ظاهر من دعوة المسيح عليه السلام أنه لم يأت بتعاليم جديدة تذكر، وإنما ركَّز تركيزاً خاصًّا على التوبة والتخلص من الخطايا.
    وهذا لا شك مع التزام الشريعة السابقة، فإذا ألغيت الشريعة بقيت دعوة المسيح عليه السلام دعوة عامة للتوبة والصلاح بدون أعمال يتوصل الإنسان من خلالها إلى تهذيب نفسه وتزكيتها، وهذا ما آل إليه أمر ديانة المسيح عليه السلام بسبب دعوة بولس الذي نشط بعد ذلك في بيان بطلان شريعة موسى عليه السلام وَوَجْهِ إلغائها، وتكرَّر هذا الأمر في أغلب رسائله، وهو من أهمِّ ما يميز دعوته، مع أنه لا يملك دليلاً واحداً يبيح له مثل هذا العمل، الذي يعتبر كفراً بالديانة ونقضاً لها من أساسها.
    كما يُعتبر بكل المعايير فشلاً في الدعوة، وليس نجاحاً كما يظن النصارى؛ لأن النجاح في الدعوة هو أن تنجح في الدعوة إلى كامل المنهج الذي تدعو إليه بأصوله وفروعه، أما تغييره أو الاكتفاء بجزء شكلي منه، فلاشك أن ذلك فشل كبير.

    خامساً :
    إلغاؤه للختان:

    اختتن المسيح عليه السلام والتزم به؛ لأنه من شريعة موسى، فقد ذكر اليهود في كتابهم أن الله تعالى قال لإبراهيم عليه السلام كما في التكوين (17/11): (يختن منكم كل ذكر فَتُخْتَنون في لحم غرلتكم، فيكون علامة عهد بيني وبينكم... وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها إنه قد نكث عهدي).
    ومع هذا التأكيد على الختان، فقد ألغـاه بولس من ضمن ما ألغى من شريعة موسى عليه السلام، وفي هذا يقول في رومية (2/28 )( لأن اليهودي في الظاهر ليس هو يهوديًّا، ولا الختان الذي في الظاهر في اللحم ختانـاً، بل اليهودي في الخفاء هو اليهودي، وختان القلب بالروح لا بالكتاب هو الختان).
    هذه بعض الأمور التي يلاحظها الإنسان الذي يطَّلع اطلاعة سريعة على رسائل بولس التي تكونت بعدُ منها النصرانية، وقامت عليها وغطت تعاليمه على تعاليم المسيح عليه السلام، بل ألغتها وحلَّت محلَّها، كما سبق ذكره،
    ومن الجدير بالذكر أن أتباع المسيح الأوائل لم يقبلوا تلك الدعاوى من بولس، بل ردوها،
    وفي هذا يقول في رسالته الثانية إلى تيموثاوس 1/15إن جميع الذين في آسيا ارتدوا عني).
    وهذا هو المتوقع من الحواريين والذين عرفوا الحق ورأوا المسيح عليه السلام وتتلمذوا عليه.
    إلا أن تلك الدعاوى وجدت رواجاً لدى الرومان واليونان، وخاصة في غرب أوربا حيث كان الغالبية وثنيين، فناسبتهم هذه المبادئ فأخذوا بها، ثم طبعها بطابع الشمول والإلزام مجمع نيقية سنة (325) م, حيث قرروا فيه ألوهية المسيح عليه السلام، وأنه نزل ليصلب تكفيراً لخطايا البشر كما تقدَّم، فأصبحت الديانة النصرانية مدينة في الواقع لبولس، وليس للمسيح منها إلا الاسم فقط.

    سادساً :
    التأثر بالوثنيات والفلسفات الوثنية:

    لقد نادى المسيح عليه السلام بأنه لم يرسل إلا إلى خراف إسرائيل الضالة، بل نهى أتباعه عن الذهاب إلى قرى غير اليهودية،
    إلا أن أتباعه فيما بعد خالفوا ذلك، وتوجهوا إلى الوثنيين من الرومان واليونان والفرس وغيرهم في المناطق المجاورة، والأماكن التي أمكنهم الوصول إليها،
    ولما كانت الديانة المسيحية تفتقر للمقومات التي تكفل لها التأثير في تلك المجتمعات، حيث كانت دعوة لبني إسرائيل خاصة،
    وليس لها الصبغة العالمية التي يمكن أن تتغلب بها على تلك الأديان والفلسفات.
    لذا فقد غُلبت وأمكن للديانات الوثنية أن تصبغها بصبغتها، بل ألغتها تماماً، واحتلت مكانها، وأخذت مسمَّاها، هذا أمر يتضح لكل ناظر في الديانة النصرانية المحرَّفة، وقد أكَّد علماء الأديان والتاريخ ذلك، وأن الديانة النصرانية قد اصطبغت بالصبغة الوثنية، وأنها أخذت عقيدتها وعبادتها من تلك الوثنيات فضمتها إليها ووضعت عليها اسمها.

    ومن الأمثلة على أن النصارى قد ردَّدوا عقائد الوثنيين الذين كانوا قبلهم ما يلى:

    1- أن التثليث موجود عند الهنادكة والبوذيين قبل النصارى، وفي هذا يقول (فابر) في كتابه (أصل الوثنية): (وكما نجد عند الهنود ثالوثاً مؤلفاً من برهمة وفشنو وسيفا، هكذا نجد عند البوذيين فإنهم يقولون: إن بوذا إله ويقولون بأقانيمه الثلاثة...).
    كما كان يوجد ذلك أيضاً لدى المصريين والفرس واليونان والرومان والأشوريين والفينيقيين والاسكندنافيين والتتر والمكسيكيين والكنديين.
    وكذلك المصريين القدماء كانوا يعتقدون أن الآلهة ثلاثة وهم: (أتوم وشو وتفنوت) أو أوزيريس وأيزيس وهورس.

    2- إن الصلب - فداءً للبشر- عقيدة وثنية كانت موجودة لدى الهنادكة، وفي هذا يقول (هوك) في كتابه (رحلة هوك): (ويعتقد الهنود بتجسد أحد الآلهة وتقديم نفسه ذبيحة فداء عن الناس من الخطيئة).
    وقال (دوان) في كتابه (خرافات التوراة والإنجيل) ما نصه: (ويعتقد الهنود بأن كرشنا المولود البكر الذي هو نفس الإله فشنو والذي لا ابتداء ولا انتهاء له على رأيهم، تحرَّك حنوا كي يخلص الأرض من ثقل حملها، فأتاها وخلَّص الإنسان بتقديم نفسه ذبيحة عنه).

    وقالت (مسز جمسون) في كتابها (تاريخ سيدنا من الآثار): (كان الميليتيون يمثلون الإله إنساناً مصلوباً مقيد اليدين والرجلين بحبل خشبة وتحت رجليه صورة حمل، والسوريون يقولون: إن تموز الإله المولود البكر من عذراء تألَّم من أجل الناس، ويدعونه المخلِّص، والفادي، والمصلوب).

    3-الاعتقاد بأن إلهاً تجسَّد ووُلد من عذراء هو كذلك من عقائد الوثنيين، ففي هذا يقول (دوان) في كتابه السابق: (والهنود يقولون: إن كرشنة هو ابن العذراء النقية الطاهرة ديفاكي، ويدعونها والدة الإله.

    ويقول المصريون: إن هورس (حورس) المخلِّص وُلد من العذراء إيسيس (ايزيس)، وأنه المنبثق الثاني من عامون، ويقولون: الابن المولود. ويصورونه إما على يدي أمه أو على حضنها).

    فهذه أمثلة واضحة على تأثر الديانة النصرانية بالأديان الوثنية قبلها، بل إن الأديان الوثنية تغلَّبت على ديانة المسيح عليه السلام وصبغتها بصبغتها، وقد صرَّح المؤرخ (هـ. فيشر) بذلك التشابه حيث قال؛(غير أنه ليس ثمة شك أن اتخاذ المسيحية- فيما بعد- ديانة رسمية للبلاد - يعني الإمبراطورية الرومانية - ساعد على ازدياد صفوف المسيحيين زيادة سريعة، سيما أن التحول عن الوثنية إلى المسيحية لم يكن انتقالاً إلى جو غريب تمام الغرابة، أو شعوراً بانقلاب باغت مفاجئ، بل بدا الولوج في المسيحية عملية رفيقة في كثير من التدرج الشعوري العاطفي، إذ شابهت طقوس الديانة المسيحية وأسرارها المقدسة ما للديانة القديمة من طقوس وأسرار، كما اشتملت تعاليمها على تعاليم الأفلاطونية الحديثة، يضاف إلى ذلك أن القول بوجود واسطة بين الله والناس أمر مألوف عند الفرس وأهل الأفلاطونية الحديثة سواء).

    وفي نفس الموضوع يقولشارل جنيبر : رئيس قسم تاريخ الأديان في جامعة باريس:أن المسيحية لم تكن تستطيع مدافعة أمام هذه النزعات والشعائر السائدة، وإذا كانت- أي: النصرانية- قد انتصرت في القرن الثالث على سائر ألوان (التأليف) الديني الوثني، فذلك لأنها كانت قد تطورت هي الأخرى إلى تأليف ديني تجتمع فيه سائر العقائد الخصبة والشعائر الجوهرية النابعة من العاطفة الدينية الوثنية، قامت هي- أي: النصرانية- بترتيبها، وتركيبها، وأضفت عليها الإنسجام الذي تفتقر إليه، بحيث استطاعت أن تقف مفردها أمام أشتات المعتقدات والشعائر التي يؤمن بها أعداؤها دون أن تظهر ضعفاً أو نقصاً عليها في أي من المجالات الهامة.
    وتمت ظاهرة التشرب هذه- وهي من الظواهر الأساسية في تاريخ المسيحية - في بطء بطيء معتمدة على الاتصال الدائب بتطور الإيمان بين جميع طبقات المجتمع الوثني، ذلك المجتمع الذي اختلفت فيه صور الإيمان باختلاف بيئاته، وباختلاف العهود التي مرَّ بها،... وإنها لظاهرة تفسر لنا كيف جاء العصر الذي استطاعت فيه المسيحية أن تكسب عطفاً نشيطاً بين رحاب العالم اليوناني الروماني
    ).
    فهذا يكفي للدلالة على تشرب الديانة النصرانية للأديان الوثنية التي توجَّهت إليها، وهذا في عرف الدين الحق انحلال وكفر بالدين الإلهي، الذي يجب أن يكون صحيح النسبة إلى الله تعالى، في أصوله وفروعه، نقيًّا في عقائده وتشريعاته من خرافات البشر، وإملاءات الشياطين.

    ولكن كيف تشرَّبت الديانة النصرانية الأديان الوثنية ؟
    إن الناظر في كبار الدعاة إلى النصرانية في العصور الأولى، والذين يُشار إليهم بأنهم من أعظم الناس أثراً وتأثيراً في الديانة النصرانية، هم فلاسفة متعمقون في الفلسفات الوثنية، وبعد تنصرهم نقلوا تلك الفلسفات معهم إلى الدين الجديد، وحاولوا أن يسدوا الثغرات التي يجدوها في الديانة النصرانية- وما أكثرها- بمزيج من الفلسفات التي كانوا عليها من قبل،

    ومن هؤلاء الذين كان لهم دور في ذلك:
    بولس(شاؤول اليهودي) وسبق الحديث عنه.
    (يوستينيوس) الذي وُلد سنة ( 100أو 105) م, فقد وُلد من أبوين وثنيين، وتربَّى على الديانة الوثنية وتعلَّم الفلسفة الرواقية، ثم درس فلسفة الأكاديميين والفيثاغوريين.
    قال عنه القس حنا الخضري: (مما لاشك فيه أن الدراسات الفلسفية الكثيرة التي درسها يوستينوس قبل تجديده تركت في تعاليمه بعض الآثار الوثنية)
    ( تاتيان السوري) المولود عام (110) م, من عائلة وثنية، درس الفلسفة في بلاد اليونان، ثم ذهب إلى روما ودرس دياناتهم وفلسفاتهم، ثم تتلمذ على يوستينوس.
    (أثينا غورس الأثيني): كان معاصراً (لتاتيان السوري) كان يحب الفلسفة، وكتاباته مليئة بالاقتباسات الشعرية والفلسفية.
    (ثيوفيلوس الأنطاكي): ولد من أبوين وثنيين، وكانت ثقافته يونانية وثنية، وهو أول من استعمل كلمة الثالوث في تاريخ العقيدة النصرانية.
    (إكلميندوس الإسكندري) ولد على ما يحتمل سنة (150) م, في أثينا من أبوين وثنيين، وكان محبًّا للعلم شغوفاً به مولعاً بالبحث عنه أينما وجد، ورحل في ذلك رحلات عديدة، إلى أن حطت به الرحال في الإسكندرية ملتقى الثقافات المتنوعة، وصار بعد أن دخل النصرانية مديراً لمدرسة التعليم المسيحي في الإسكندرية والتي أسسها باثنيوس الذي كان قبل دخوله النصرانية وثنيًّا رواقيا.

    وكان إكلميندوس الإسكندري متأثراً جدًّا بـ يوستنيوس وفلسفته، فأدخل هذه الأمور في تعاليمه عن المسيح، وفي هذا يقول القس حنا الخضري: (مما لا شك فيه أن العلوم والفلسفات الوثنية الكثيرة التي درسها والبيئة التي نشأ فيها إكلميندس، تركت فيه أثراً عميقاً لم يكن من السهل محوه محواً تامًّا).

    (أغسطينوس) ولد سنة (354) م, في مدينة سقسطة في الجزائر، وتوفي سنة (430) م، الذي تميَّزت سنوات شبابه بالصراع العقلي والأدبي، فقد جذبتـه الفلسفة الثنائية لجماعة المانويين، وصار تابعاً أميناً للعقيدة المانوية وفلسفتها، ثم ضاق بالمانوية وصار اهتمامه بالأفلاطونية الحديثة، والتي من خلالها صار يعتبر نفسه مسيحيًّا، ثم خلع عنه فيما بعد حياة المجون والفساد، واستقبل الحياة النصرانية، وبرز فيها إلى أن صار أسقفًّا لهيبو في منطقة تونس، إلى أن توفي سنة (430) م، وصار من أعظم قادة الكنيسة بعد بولس، إلا أن أفكار الأفلاطونية الحديثة أثَّرت على تعاليمه، يقول جون لوريمر: ( كانت معالجة أغسطينوس للأوجه الرسمية الخاصة بالفكر اللاهوتي متأثرة بخلفيته عن الأفلاطونية الحديثة).

    ولا نريد أن نطيل في عرض هذا الموضوع، إنما المراد الإشارة إلى أن العقائد الأجنبية التي اصطبغت بها النصرانية دخلتها عن طريق هؤلاء وأمثالهم الذين كانوا رواداً للديانة في بداية انطلاقها إلى البلدان الوثنية، فقد عبرت إلى الوثنيين عن طريق هؤلاء المتشبعين بالفلسفات والوثنيات، حيث صبغوها بفهومهم ومعارفهم وعقائدهم السابقة، وقدَّموها للناس - شارحين ومدافعين - ديانة مخلوطة بالفلسفة الوثنية في ثوب ديانة توحيدية سماوية.
    سابعاً :
    تدخل الإمبراطور قسطنطين:

    الإمبراطور قسطنطين إمبراطور الدولة الرومانية هو الذي رفع الاضطهاد عن النصارى بعد أن دام ما يقارب (300) سنة من قبل اليهود والرومان، فقرَّب هذا الإمبراطور النصارى إليه، ورفع الاضطهاد عنهم، فانحازوا هم إليه وقبلوا منه ذلك، ثم إنه لما رأى اختلافهم وتباين أقوالهم دعاهم إلى مجمع نيقية سنة (325) م، فاجتمعوا في ذلك المجمع، ولما كان هو وثنيًّا ولا علم عنده أيضاً بالمسيحية انحاز إلى ما يوافق هواه ورغبته، فنصر قول القائلين بألوهية المسيح، وأمر بلعن وطرد من خالفهم وملاحقته. وبالفعل تم ذلك وترتب عليه القضاء على التوحيد، واندراس معالمه بعد ذلك،
    كما أدَّى ذلك إلى انتشار النصرانية المثلثة بقوة السلطان، وأولهم( قسطنطين) الذي لم يدخل في الديانة النصرانية إلا وهو على فراش الموت.
    ثامناً :
    المجامع النصرانية:

    تبين أن تلك المجامع هي التي كوَّنت الديانة النصرانية، ووضعت أهم أسسها، وهي التي حاربت التوحيد عن طريق قراراتها، فأصبحت الديانة النصرانية تدين في الواقع لهذه المجامع في تكوينها وفي دعوتها لمحاربة وتكفير كل من يخالف قراراتها.
    -------------------------------------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا       تابعونا   جزاكم الله خيرا

    التالي :
    الرد على شبهات النصارى في ادعائهم الإيمان، وأن القرآن قد أثنى على دينهم، وحكم لهم بالنجاة يوم القيامة:

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5386
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ثانياً :: . البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس: .بشارات الأنبياء: .بشارة يعقوب Empty الرد على شبهات النصارى في ادعائهم الإيمان، وأن القرآن قد أثنى على دينهم، وحكم لهم بالنجاة يوم القيامة:

    مُساهمة من طرف صادق النور السبت أغسطس 26, 2023 6:57 am


    يتبع ما قبله :
    الرد على شبهات النصارى في ادعائهم الإيمان، وأن القرآن قد أثنى على دينهم، وحكم لهم بالنجاة يوم القيامة:

    هذه الشبهات متتالية، كل شبهة تعقبها الإجابة عنهــا:-
    1- فمنها: أنهم قالوا: إن محمدا- صلى الله عليه وسلم- لم يبعث إلينا، فلا يجب علينا اتباعه، وإنما قلنا: إنه لم يرسل إلينا؛ لقوله تعالى في الكتاب العزيز:إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا [يوسف: 2]  
    ولقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ  [إبراهيم:4]  ولقوله تعالى:بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ [الجمعة:2]
    ولقوله تعالى:لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون [القصص:46]  
    ولقوله تعالى: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين [الشعراء:214]  ولا يلزمنا إلا من جاءنا بلساننا، وأتانا بالتوراة والإنجيل بلغاتنا.

    فالجواب من وجوه:
    أحدها: أن الحكمة في أن الله تعالى إنما يبعث رسله بألسنة قومهم، ليكون ذلك أبلغ في الفهم عنه ومنه، وهو أيضا يكون أقرب لفهمه عنهم جميع مقاصدهم في الموافقة والمخالفة، وإزاحة الأعذار والعلل، والأجوبة عن الشبهات المعارضة، وإيضاح البراهين القاطعة، فإن مقصود الرسالة في أول وهلة إنما هو البيان والإرشاد، وهو مع اتحاد اللغة أقرب، فإذا تقررت نبوة النبي في قومه قامت الحجة على غيرهم، إذا سلموا ووافقوا، فغيرهم أولى أن يسلم ويوافق، فهذه هي الحكمة في إرسال الرسول بلسان قومه، ومن قومه.
    وفرق بين قول الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ  [إبراهيم:4 ] وبين قوله: وما أرسلنا من رسول إلا لقومه.
    فالقول الثاني هو المفيد لاختصاص الرسالة بهم، لا الأول.
    بل لا فرق بين قوله: وما أرسلنا من رسول إلا لقومه. وبين قوله: وما أرسلنا من رسول إلا مكلفا بهداية قومه.
    فكما أن الثاني لا إشعار له بأنه لم يكلف بهداية غيرهم، فكذلك الأول، فمن لم يكن له معرفة بدلالة الألفاظ، ومواقع المخاطبات سوَّى بين المختلفات، وفرَّق بين المؤتلفات.
    وثانيها: أن التوراة نزلت باللسان العبراني والإنجيل بالرومي، فلو صحَّ ما قالوه لكانت النصارى كلهم مخطئين في اتباع أحكام التوراة، فإن جميع فرقهم لا يعلمون هذا اللسان إلا كما يعلم الروم اللسان العربي بطريق التعليم، وأن تكون القبط كلهم والحبشة مخطئين في اتباعهم التوراة والإنجيل؛ لأن الفريقين غير العبراني والرومي، ولو لم ينقل هذان الكتابان بلسان القبط، وترجما بالعربي لم يفهم قبطي، ولا حبشي، ولا رومي شيئا من التوراة، ولا قبطي ولا حبشي شيئا من الإنجيل إلا أن يتعلموا ذلك اللسان، كما يتعلمون العربي.
    وثالثها: أنه إذا سلم أنه عليه السلام رسول لقومه، ورسل الله تعالى خاصة خلقه وخيرة عباده معصومون عن الزلل، مبرؤون من الخطل، وهو عليه السلام قد قاتل اليهود، وبعث إلى الروم ينذرهم........ وكتب إلى المقوقس بمصر لإنذار القبط ولكسرى بفارس، وهو الصادق البر، كما سلم أنه رسول لقومه، فيكون رسولا للجميع،
    ولأن في جملة ما نزل عليه صلى الله عليه وسلم وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاس [سبأ:28]  فصرَّح بالتعميم، واندفعت شبهة من يدَّعي التخصيص، فإن كانت النصارى لا يعتقدون أصل الرسالة، لا لقومه، ولا لغيره،
    فيقولون: أوضحوا لنا صدق دعواكم. ولا يقولون كتابكم يقتضي تخصص الرسالة، وإن كانوا يعتقدون أصل الرسالة لكنها مخصوصة لزمهم التعميم لما تقدم،
    وكذلك قوله تعالى:بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ [الجمعة:2]  لا يقتضي أنه لم يبعثه لغيرهم، فإن الملك العظيم إذا قال: بعثت إلى مصر رسولا من أهلها لا يدل ذلك على أنه ليس على يده رسالة أخرى لغيرهم،
    ولا أنه لا يأمر قوما آخرين بغير تلك الرسالة،
    وكذلك قوله تعالى: لِتُنذِرَ قَوْمًا ما أنذِرَ آبَاؤُهُمْ  [يس:6]  ليس فيه أنه لا ينذر غيرهم، بل لما كان الذي يتلقى الوحي أولا هم العرب كان التنبيه عليه بالمنة عليهم بالهداية أولى من غيرهم،
    وإذا قال السيد لعبده : بعثتك لتشتري ثوبا. لا ينافي أنه أمره بشراء الطعام، بل تخصيص الثوب بالذكر لمعنى اقتضاه، ويسكت عن الطعام؛ لأن المقصد الآن لا يتعلق به، وما زالت العقلاء في مخاطباتهم يتكلمون فيما يوجد سببه، ويسكتون عما لم يتعين سببه.
    وإن كان المذكور والمسكوت عنه حقين واقعين، فكذلك الرسالة عامة،
    ولما كان أيضا المقصود تنبيه بني إسرائيل، وإرشادهم خصوا بالذكر، وخصصت كل فرقة من اليهود والنصارى بالذكر، ولم يذكر معها غيرها في القرآن في تلك الآيات المتعلقة بهم، وهذا هو شأن الخطاب أبدا، فلا يغتر جاهل بأن ذكر زيد بالحكم يقتضي نفيه عن عمرو،
    وكذلك قوله تعالى: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين [الشعراء:214]  ليس فيه دليل على أنه لا ينذر غيرهم، كما أنه إذا قال القائل لغيره: أدِّب ولدك. لا يدل على أنه أراد أنه لا يؤدب غلامه، بل ذلك يدل على أنه مراد المتكلم في هذا المقام تأديب الولد؛ لأن المقصود مختص به، ولعله إذا فرغ من الوصية على الولد يقول له: وغلامك أيضا أدبه؛ وإنما بدأت بالولد لاهتمامي به.
    ولا يقول عاقل: إن كلامه الثاني مناقض للأول. وكذلك قرابته عليه السلام هم أولى الناس ببره عليه السلام وإحسانه، وإنقاذهم من المهلكات، فخصَّهم بالذكر لذلك، لا أن غيرهم غير مراد، كما ذكرنا في صورة الولد والعبد.
    وبالجملة فهذه الألفاظ ألفاظ لغتنا، ونحن أعلم بها، وإذا كان عليه السلام هو المتكلم بها، ولم يفهم
    تخصيص الرسالة، ولا إرادته، بل أنذر الروم والفرس وسائر الأمم، والعرب لم تفهم ذلك وأعداؤه من أهل زمانه لم يدَّعوا ذلك، ولا فهموه، ولو فهموه لأقاموا به الحجة عليه، ونحن أيضا لم نفهم ذلك.

    2- ومنها أنهم قالوا : إن القرآن الكريم ورد بتعظيم عيسى عليه السلام، وبتعظيم أمه مريم رضي الله عنها، وهذا هو رأينا واعتقادنا فيهما، فالدينان واحد، فلا ينكر المسلمون علينا.
    والجواب من وجوه:
    أحدها: تعظيمهما لا نزاع فيه، ولم يكفر النصارى بالتعظيم، إنما كفروا بنسبة أمور أخرى إليها لا يليق بجلال الربوبية، ولا بدناءة البشرية من الأبوة والبنوة والحلول، والإلحاد، واتخاذ الصاحبة والأولاد، تعالى الله عما يقول الكافرون علوًّا كبيرا، فهذه مغالطة في قوله : (موافق لاعتقادنا
    ليس هذا هو الاعتقاد المتنازع فيه، نعم لو ورد القرآن الكريم بهذه الأمور الفاسدة المتقدم ذكرها- وحاشاه-  كان موافقا لاعتقادهم، فأين أحد البابين من الآخر؟
    وثانيها: أنه اعترف بأن القرآن الكريم ورد بما يعتقد أنه حق، فإن الباطل لا يؤكد الحق، بل المؤكد للحق حق جزما، فيكون القرآن الكريم حقا قطعا، وهذا هو سبب إسلام كثير من أحبار اليهود ورهبان النصارى، وهو أنهم اختبروا ما جاء به عليه السلام، فوجدوه موافقا لما كانوا يعتقدونه من الحق، فجزموا بأنه حق وأسلموا واتبعوه، وما زال العقلاء على ذلك يعتبرون كلام المتكلم، فإن وجدوه على وفق ما يعتقدونه من الحق اتبعوه، وإلا رفضوه.

    وثالثهــا: أن هذا برهان قاطع على رجحان الإسلام على سائر الملل والأديان، فإنه مشتمل على تعظيم جملة الرسل وجميع الكتب المنزلة، فالمسلم على أمان من جميع الأنبياء عليهم السلام على كل تقدير، أما النصراني فليس على أمان من تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم،  فتعين رجحان الإسلام على غيره، ولو سلمنا تحرير صحة ما يقوله النصراني من النبوة وغيرها يكون المسلم قد اعترف لعيسى عليه السلام، ولأمه رضي الله عنها بالفضل العظيم والشرف المنيف، وجهل بعض أحوالهما، على تقدير تسليم صحة ما ادَّعاه النصارى والجهل ببعض فضائل من وجب تعظيمه لا يوجب ذلك خطرا،
    أما النصراني فهو منكر لأصل تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، بل ينسبه للكذب والرذائل والجراءة على سفك الدماء بغير إذن من الله، ولا خفاء في أن هذا خطر عظيم، وكفر كبير، فيظهر من هذا القطع بنجاة المسلم قطعا، ويتعين غيره للغرر والخطر قطعا، فليبادر كل عاقل حينئذ إلى الإسلام، فيدخل الجنة بسلام.

    3- ومنها أنهم قالوا: إن القرآن الكريم ورد بأن عيسى عليه السلام روح الله تعالى وكلمته، وهو اعتقادنا.
    والجواب من وجوه:
    أحدها: أن من المحال أن يكون المراد الروح والكلمة على ما تدعيه النصارى، وكيف يليق بأدنى العقلاء أن يصف عيسى عليه السلام بصفة، وينادي بها على رؤوس الأشهاد، ويطبق بها الآفاق، ثم يكفر من اعتقد تلك الصفة في عيسى عليه السلام، ويأمر بقتالهم وقتلهم، وسفك دمائهم، وسبي ذراريهم، وسلب أموالهم  ؟،
    بل هو بالكفر أولى؛ لأنه يعتقد ذلك مضافا إلى تكفير غيره، والسعي في وجوه ضرره، وقد اتفقت الملل كلها مؤمنها وكافرها على أنه عليه السلام من أكمل الناس في الصفات البشرية خَلقا وخُلقا وعقلا ورأيا، فإنها أمور محسومة، إنما النزاع في الرسالة الربانية، فكيف يليق به عليه السلام أن يأتي بكلام هذا معناه، ثم يقاتل معتقده ويكفره ؟، وكذلك أصحابه رضي الله عنهم والفضلاء من الخلفاء من بعده، وهذا برهان قاطع على أن المراد على غير ما فهمه النصارى.
    ثانيها: أن الروح اسم الريح الذي بين الخافقين يقال لها : ريح وروح، لغتان، وكذلك في الجمع رياح وأرواح، واسم لجبريل عليه السلام وهو المسمى بروح القدس، والروح اسم للنفس المقومة للجسم الحيواني.
    والكلمة اسم للفظة المفيدة من الأصوات، وتطلق الكلمة على الحروف الدالة على اللفظة من الأصوات،
    ولهذا يقال: هذه الكلمة خط حسن ومكتوبة بالحبر. وإذا كانت الروح والكلمة لهما معان عديدة، فعلى أيهما يحمل هذا اللفظ  ؟
    وحمل النصراني اللفظ على معتقده، تحكُّمٌ بمجرد الهوى المحض.
    وثالثهما: وهو الجواب بحسب الاعتقاد لا بحسب الإلزام، أن معنى الروح المذكور في القرآن الكريم في حق عيسى عليه السلام هو الروح الذي بمعنى النفس المقوم لبدن الإنسان، ومعنى نفخ الله تعالى في عيسى عليه السلام من روحه أنه خلق روحا نفخها فيه، فإن جميع أرواح الناس يصدق أنها روح الله، وروح كل حيوان هي روح الله تعالى، فإن الإضافة في لسان العرب تصدق حقيقة بأدنى الملابسة،
    كقول أحد حاملي الخشبة لآخر: شل طرفك. يريد طرف الخشبة، فجعله طرفا للحامل، ويقول: طلع كوكب زيد. إذا كان نجم عند طلوعه يسري بالليل، ونسبة الكوكب إليه نسبة المقارنة فقط، فكيف لا يضاف كل روح إلى الله تعالى، وهو خالقها ومدبرها في جميع أحوالها  ؟
    وكذلك يقول بعض الفضلاء لما سئل عن هذه الآية فقال: نفخ الله تعالى في عيسى عليه السلام روحا من أرواحه، أي: جميع أرواح الحيوان أرواحه، وأما تخصيص عيسى عليه السلام، وعلو منزلته بذكر الإضافة إليه، يقال: كما قال تعالى:وَما أنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [الأنفال:41] ، إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [الحجر:42]  مع أن الجميع عبيده، وإنما التخصيص لبيان منزلة المخصص،
    وأما الكلمة فمعناها أن الله تعالى إذا أراد شيئا يقول له : كن فيكون. فما من موجود إلا وهو منسوب إلى كلمة كن،
    فلما أوجد الله تعالى عيسى عليه السلام قال له : كن في بطن أمك. فكان، وتخصيصه بذلك للشرف، كما تقدم، فهذا معنى معقول متصور ليس فيه شيء كما يعتقده النصارى من أن صفة من صفات الله حلَّت في ناسوت المسيح عليه السلام،
    وكيف يمكن في العقل أن تفارق الصفة الموصوف،
    بل لو قيل لأحدنا : إن علمك أو حياتك انتقلت لزيد. لأنكر ذلك كل عاقل، بل الذي يمكن أن يوجد في الغير مثل الصفة، وأما أنها هي في نفسها تتحرك من محل إلى محل فمحال؛ لأن الحركات من صفات الأجسام، والصفة ليست جسما، فإن كانت النصارى تعتقد أن الأجسام صفات، والصفات أجسام، وأن أحكام المختلفات وإن تباينت شيء واحد سقطت مكالمتهم، وذلك هو الظن بهم؛ بل يقطع بأنهم أبعد من ذلك عن موارد العقل ومدارك النظر،
    وبالجملة فهذه كلمات عربية في كتاب عربي، فمن كان يعرف لسان العرب حق معرفته في إضافاته وتعريفاته وتخصيصاته، وتعميماته، وإطلاقاته وتقييداته، وسائر أنواع استعمالاته فليتحدث فيه ويستدل له، ومن ليس كذلك فليقلد أهله العلماء به، ويترك الخوض فيما لا يعنيه ولا يعرفه.

    4- ومنها: أنهم قالوا: إنه في الكتاب العزيز: وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [آل عمران:55]
    والجواب: أنَّ الذين اتبعوه ليسوا النصارى الذين اعتقدوا أنه ابن الله، وسلكوا مسلك هؤلاء الجهلة، فإن اتباع الإنسان موافقته فيما جاء به، وكون هؤلاء المتأخرين اتبعوه، محل النزاع، بل متبعوه هم الحواريون، ومن تابعهم قبل ظهور القول بالتثليث، أولئك هم الذين رفعهم الله في الدنيا والآخرة، ونحن إنما نطالب هؤلاء بالرجوع إلى ما كان أولئك عليه، فإنهم قدَّس الله أرواحهم آمنوا بعيسى وبجملة النبيين صلوات الله عليهم أجمعين،
    وكان عيسى عليه السلام بشَّرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم فكانوا ينتظرون ظهوره ليؤمنوا به عليه السلام، وكذلك لما ظهر عليه السلام جاءه أربعون راهبا من نجران، فتأملوه فوجدوه هو الموعود به في ساعة واحدة بمجرد النظر والتأمل لعلاماته، فهؤلاء هم الذين اتبعوه فهم المرفوعون المعظمون،
    وأما هؤلاء النصارى فهم الذين كفروا به مع من كفر، وجعلوه سببا لانتهاك حرمة الربوبية بنسبة واجب الوجود المقدس عن صفات البشر إلى الصاحبة والولد الذي ينفر منها أقل رهبانهم، حتى أنه قد ورد أن الله تعالى إذا قال لعيسى عليه السلام يوم القيامة: أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ   ؟ [المائدة:116] ..........،

    5- ومنها: أنهم قالوا : إن القرآن الكريم شهد بتقديم بيع النصارى وكنائسهم على مساجد المسلمين بقوله تعالى: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا [ الحـج:40] فقد جعل الصوامع والبيع مقدمات على المساجد، وجعل فيها ذكر الله كثيرا، وذلك يدل على أن النصارى- في زعمهم- على الحق، فلا ينبغي لهم العدول عما هم عليه؛ لأن العدول عن الحق إنما يكون للباطل.
    والجواب: من وجوه:
    أحدها: أنَّ المراد بهذه الآية أن الله تعالى يدفع المكاره عن الأشرار بوجود الأخيار، فيكون وجود الأخيار سببا لسلامة الأشرار من الفتن والمحن، فزمان موسى عليه السلام يسلم فيه أهل الأرض من بلاء يعمهم بسبب من فيه من أهل الاستقامة على الشريعة الموسوية،
    وزمان عيسى عليه السلام يسلم فيه أهل الاستقامة على الشريعة العيسوية، وزمان محمد صلى الله عليه وسلم يسلم فيه أهل الأرض بسبب من فيه من أهل الاستقامة على الشريعة المحمدية، وكذلك سائر الأزمان الكائنة بعد الأنبياء عليهم السلام، كل من كان مستقيما على الشريعة الماضية هو سبب لسلامة البقية، فلولا أهل الاستقامة في زمن موسى عليه السلام لم يبق صوامع يعبد الله تعالى فيها على الدين الصحيح؛ لعموم الهلاك، فينقطع الخير بالكلية، وكذلك في سائر الأزمان، فلولا أهل الخير في زماننا لم يبق مسجد يعبد الله فيه على الدين الصحيح، ولغضب الله تعالى على أهل الأرض.
    والصوامع أمكنة الرهبان في زمن الاستقامة حيث يعبد الله تعالى فيها على دين صحيح،
    وكذلك البيعة والصلاة والمسجد، وليس المراد هذه المواطن إذا كُفِرَ بالله تعالى فيها وبدلت شرائعه، وكانت محل العصيان والطغيان لا محل التوحيد والإيمان،
    وهذه المواطن في أزمنة الاستقامة لا نزاع فيها، وإنما النزاع لما تغيرت أحوالها، وذهب التوحيد وجاء التثليث وكذبت الرسل والأنبياء عليهم السلام، وصار ذلك يتلى في الصباح والمساء، حينئذ هي أقبح بقعة على وجه الأرض وألعن مكان يوجد، فلا تجعل هذه الآية دليلا على تفضيلها.
    وثانيها: أن الله تعالى قال: صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ  [ الحـج:40] بالتنكير، والجمع المنكر لا يدل عند العرب على أكثر من ثلاثة من ذلك المجموع بالاتفاق،
    ونحن نقول: إنه قد وقع في الدنيا ثلاث من البيع، وثلاث من الصوامع كانت أفضل مواضع العبادات بالنسبة إلى ثلاثة مساجد،..........،
    وثالثها: أن هذه الآية تقتضي أن المساجد أفضل بيت عند الله تعالى على عكس ما قاله هؤلاء الجهال بلغة العرب، وتقريره أن الصنف القليل المنزلة عند الله تعالى أقرب للهلاك من العظيم المنزلة،
    والقاعدة العربية أن الترقي في الخطاب إلى الأعلى فالأعلى أبدا في المدح والذم والتفخيم، والامتنان ؛
    فتقول في المدح: الشجاع البطل، ولا تقول: البطل الشجاع؛ لأنك تعد راجعا عن الأول،
    وفي الذم: العاصي الفاسق، ولا تقول: الفاسق العاصي، وفي التفخيم: فلان يغلب المائة والألف، وفي الامتنان لا أبخل عليك بالدرهم ولا بالدينار، ولا يقول بالدينار والدرهم، والسر في الجميع أنك تعد راجعا عن الأول كقهقرتك عما كنت فيه إلى ما هو أدنى منه،
    إذا تقرر ذلك ظهرت فضيلة المساجد ومزيد شرفها على غيرها، وأن هدمها أعظم من تجاوز ما يقتضي هدم غيرها،
    كما نقول: لولا السلطان لهلك الصبيان والرجال والأمراء. فترتقي أبدا للأعلى فالأعلى؛ لتفخيم أمر عزم السلطان، وأن وجوده سبب عصمة هذه الطوائف، أما لو قلت: لولا السلطان لهلك الأبطال والصبيان. لعد كلاما متهافتا.

    ورابعها: أن الآية تدل على أن المساجد أفضل بيت وضع على وجه الأرض للعابدين من وجه آخر، وذلك أن القاعدة العربية أن الضمائر إنما يحكم بعودها على أقرب مذكور، فإذا قلت: جاء زيد، وخالد، وأكرمته فالإكرام خاص بخالد؛ لأنه الأقرب، فقوله تعالى:يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا  [الحج:40]  يختص بالأخير الذي هو المساجد، فقد اختصت بكثرة ذكر الله تعالى، وهو يقتضي أن غيرها لم يساوها في كثرة الذكر، فتكون أفضل، وهو المطلوب.

    فائدة: الصومعة موضع الرهبان، وسمِّيت بذلك لحدة أعلاها ودقته،
    ومنه قول العرب: أصمعت الثريدة. إذا رفعت أعلاها، ومنه قولهم: رجل أصمع القلب. إذا كان حاد الفطنة.
    والصلاة: اسم لمتعبد اليهود، وأصلها بالعبراني صلوتا فعربت،
    والبيع اسم لمتعبد النصارى، اسم مرتجل غير مشتق، والمسجد اسم لمكان السجود، فإن مفعلا في لسان العرب، اسم للمكان، واسم للزمان الذي يقع فيه الفعل نحو: المضرب لمكان الضرب ورماته.
    6- ومنها: أنهم قالوا: القرآن دل على تعظيم الحواريين والإنجيل، وأنه غير مبدل
    بقوله تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ  [المائدة:48]  وإذا صدَّقها لا تكون مبدلة، ولا يطرأ التغيير عليها بعد ذلك؛ لشهرتها في الأعصار والأمصار، فيتعذر تغيرها،
    ولقوله تعالى في القرآن: الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ [البقرة:1-2]
    والكتاب هو الإنجيل؛ لقوله تعالى: فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ [آل عمران:184]  والكتاب ها هنا هو الإنجيل، ولأنه تعالى لو أراد القرآن لم يقل ذلك؛ بل قال هذا،
    ولقوله تعالى: آمَنتُ بِما أنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ [الشورى:15]
    والجواب: أن تعظيم الحواريين لا نزاع فيه، وأنهم من خواص عباد الله الذين اتبعوا عيسى عليه السلام، ولم يبدلوا، وكانوا معتقدين لظهور نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان، على ما دلَّت عليه كتبهم، وإنما كفر وخالف الحادثون بعدهم،
    وأما تصديق القرآن لما بين يديه فمعناه: أن الكتب المتقدمة عند نزولها قبل تغييرها وتخبيطها كانت حقا موافقة للقرآن، والقرآن موافق لها، وليس المراد الكتب الموجودة اليوم، فإن لفظ التوراة والإنجيل إنما ينصرفان إلى المنزلين.
    وأما قوله تعالى:  ذَلِكَ الْكِتَابُ  [البقرة:2] ، وأنه المراد به الإنجيل: فمن الافتراء العجيب والتخيل الغريب، بل أجمع المسلمون قاطبة على أن المراد به القرآن ليس إلا،
    وإذا أخبر الناطق بذا اللفظ، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المراد هذا الكتاب، كيف يليق أن يحمل على غيره  ؟،
    فإن كل أحد مصدق فيما يدعيه في قول نفسه إنما ينازع في تفسير قول غيره، إن أمكنت منازعته، وأما الإشارة بذلك التي اغتر بها هذا السائل .
    فاعلم أن للإشارة ثلاثة أحوال: ذا للقريب، وذاك للمتوسط، وذلك للبعيد، لكن البعد والقرب يكون تارة بالزمان وتارة بالمكان، وتارة بالشرف، وتارة بالاستحالة، ولذلك قالت زليخا في حق يوسف عليه السلام بالحضرة، وقد قطعن أيديهن من الدهش بحسنه: فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ [يوسف:32]  إشارة لبعده عليه السلام في شرف الحسن،
    وكذلك القرآن الكريم لما عظمت رتبته في الشرف أشير إليه بذلك، وقد أشير إليه بذلك؛ لبعد مكانه؛ لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ، وقيل: لبعد زمانه؛ لأنه وعد به في الكتب المنزلة قديما،
    وأما قوله تعالى: جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ [آل عمران:184]

    فاعلم: أن اللام في لسان العرب تكون لاستغراق الجنس نحو حرم الله الخنزير والظلم،
    وللعهد نحو قولك لمن رآك أهنت رجلا: أكرمت الرجل بعد إهانته. ولها محامل كثيرة ليس هذا موضعها، فتحمل في كل مكان على ما يليق بها، فهي في قوله تعالى: ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ [البقرة:2]  للعهد؛ لأنه موعود به مذكور على ألسنة الأنبياء عليهم السلام، فصار معلوما فأشير إليه بلام العهد،
    وهي في قوله تعالى: بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ  [آل عمران:184]  للجنس، إشارة إلى جميع الكتب المنزلة المتقدمة، ولا يمكن أن يفهم القرآن الكريم إلا من فهم لسان العرب فهما متقنا،
    وقوله تعالى لنبيه عليه السلام، فهو أمر له بأن يقول: آمَنتُ بِما أنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ [الشورى:15]   فالمراد الكتب المنزلة لا المبدلة، وهذا لا يمتري فيه عاقل، ونحن ننازعهم في أن ما بأيديهم منزلة، بل هي مبدلة مغيرة في غاية الوهن والضعف، وسقم الحفظ، والرواية والسند بحيث لا يوثق بشيء منها.

    7- ومنها: أنهم قالوا: القرآن الكريم أثنى على أهل الكتاب بقوله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُون وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ إلى قوله تعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين [الكافرون:1-6]
    وبقوله تعالى: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ  [العنكبوت:46]  والظالمون إنما هم اليهود عبدة العجل، وقتلة الأنبياء،
    وبقوله تعالى:وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون [العنكبوت:46]  ولم يقل: كونوا به مسلمين،
    وبقوله تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُون [المائدة:82]  فذكر حميد صفاتنا وجميل نياتنا، ونفا عنا الشرك
    بقوله: والذين أشركوا ، ومدحنا بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:62]
    والجواب: أما قوله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1-6 ]إلى آخرها، فمعناها: أن قريشا قالت له عليه السلام: اعبد آلهتنا عاما، ونعبد إلهك عاما. فأمره الله تعالى أن يقول لهم ذلك، فليس المراد النصارى، ولو كان المراد النصارى لم ينتفعوا بذلك؛
    لأن قوله تعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين [الكافرون:6]  معناه الموادعة والمتاركة،
    فإن الله تعالى أول ما بعث نبيه عليه السلام أمره أولا بالإرشاد بالبيان ليهتدي من قصده الاهتداء، فلما قويت شوكة الإسلام أمره بالقتال بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِير [التوبة:73]
    قال العلماء: نسخت هذه الآية نيفا وعشرين آية منها: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين [الكافرون:6] , لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105] ، لسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِر [الغاشية:22]  وغير ذلك، وليس في المتاركة والاقتصار على الموعظة دليل على صحة الدين المتروك.

    وقوله تعالى: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت:46]  دليل على أنهم على الباطل، فإنهم لو كانوا على الحق ما احتجنا للجدال معهم، فهي تدل على عكس ما قالوا،
    وقوله تعالى: إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ  [العنكبوت:46]  المراد من طغى، فإنا نعدل معه عن الدليل والبرهان إلى السيف والسنان، وأمره تعالى لنا بأن نؤمن بما أنزل على أهل الكتاب صحيح، ولكن أين ذلك المنزل  ؟
    والله إن وجوده أعز من عنقاء مغرب!
    وأما مدح النصارى بأنهم أقرب مودة، وأنهم متواضعون فمسلم، لكن هذا لا يمنع أن يكونوا كفرة مخلدين في النار؛ لأن السجايا الجليلة والآداب الكسبية تجمع مع الكفر والإيمان، كالأمانة والشجاعة، والظرف واللطف، وجودة العقل، فليس فيه دليل على صحة دينهم.
    وأما نفي الشرك عنهم فالمراد الشرك بعبادة الأصنام، لا الشرك بعبادة الولد، واعتقاد التثليث،
    وسببه أنهم مع التثليث يقولون: الثلاثة واحد. فأشاروا إلى التوحيد بزعمهم بوجه من الوجوه، ويقولون: نحن لا نعبد إلا الله تعالى، لكن الله تعالى هو المسيح، ونعبد المسيح، والمسيح هو الله. تعالى الله عن قولهم، فهذا وجه التوحيد من حيث الجملة،
    ثم يعكسون ذلك فيقولون: الله ثالث ثلاثة. وأما عبدة الأوثان فيصرحون بتعدد الآلهة من كل وجه، ولا يقول أحد منهم: إن الصنم هو الله تعالى، وكانوا باسم الشرك أولى من النصارى، وكان النصارى باسم الكفر أولى، حيث جعلوا الله تعالى بعض مخلوقاته، وعبدوا الله تعالى، وذلك المخلوق، فصاروا عبدة الأوثان في عبادة غير الله تعالى، وزادوا بالاتحاد والصاحبة والأولاد، فلا يفيدهم كون الله تعالى خصَّص كل طائفة من الكفار باسم هو أولى بها في اللغة مدحا ولا تصويبا لما هم عليه.

    8- ومنها: أنهم قالوا : مدح الله قرباننا وتوعدنا إن أهملنا ما متعنا .
    بقوله تعالى: إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ إلى قوله تعالى: قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِين[المائدة:112-115]  فالمائدة هي القربان الذي يتقربون به في كل قداس.
    والجواب: إن من العجائب أن يدعي النصارى أن المائدة التي نزلت من السماء هي القربان الذي يتقربون به مع الذين يتقربون به من مصنوعات الأرض، وأين المائدة من القربان  ؟
    نعوذ بالله تعالى من الخذلان، بل معنى الآية أن الله تعالى طرد عادته وأجرى سنته أنه متى بعث للعباد أمرا قاهرا للإيمان لا يمكن العبد معه الشك، فمن لم يؤمن به عجل له العذاب؛ لقوة ظهور الحجة،
    كما أن قوم صالح لما أخرج الله تعالى لهم الناقة من الحجر فلم يؤمنوا عجَّل لهم العذاب، وكانت هذه المائدة جسما عليه خبز وسمك نزل من السماء يقوت القليل من الخلق العظيم العدد، فأمرهم أن يأكلوا، ولا يدَّخروا، فخالفوا وادَّخروا، فمسخهم الله تعالى،
    ونزول مثل هذا من السماء كخروج الناقة من الصخرة الصماء، فأخبر الله تعالى أن من لم يؤمن بعد نزول المائدة عجِّلت له العقوبة، ولا تعلُّق للمائدة بقربانهم البتة؛ بل المائدة معجزة عظيمة خارقة، والقربان أمر معتاد ليس فيه شيء من الإعجاز البتة، فأين أحد البابين من الآخر لولا العمى والضلال  ؟.
    9- ومنها: أنهم قالوا : إن الله تعالى أخبر خبرا جازما أنا نؤمن بعيسى عليه السلام بقوله تعالى: وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [النساء:159]  فكيف نتبع من أخبر الله تعالى عنه أنه شاك في أمره
    بقوله تعالى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ [سبأ:14]  وأمره في سورة الفاتحة أن يسأل الهداية إلى صراط مستقيم صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]  والمنعم عليهم هم النصارى، والمغضوب عليهم اليهود، والضالون عبدة الأصنام.

    والجواب: أن النصارى لما لعبوا في كتابهم بالتحريف، والتخليط صار ذلك لهم سجية، وأصبح الضلال والإضلال لهم طوية، فسهل عليهم تحريف القرآن، وتغيير معانيه لأغراضهم الفاسدة، والقرآن الكريم بريء من ذلك،
    وكيف تخطر لهم هذه التحكمات بغير دليل ولا برهان؛ بل بمجرد الأوهام والوسواس  ؟، وأما قوله تعالى: وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [النساء:159]  ففيه تفسيران:
    أحدهما: أن كل كافر إذا عاين الملائكة عند قبض روحه ساعة الموت ظهر له منهم الإنكار عليه بسبب ما كان عليه من الكفر، فيقطع حينئذ بفساد ما كان عليه، ويؤمن بالحق على ما هو عليه فإن الدار الآخرة لا يبقى فيها تشكك ولا ضلال، بل يموت الناس كلهم مؤمنين موحدين على قدم الصدق ومنهاج الحق،
    وكذلك يوم القيامة بعد الموت، لكنه إيمان لا ينفع ولا يعتد به، وإنما يقبل الإيمان من العبد حيث يكون متمكنا من الكفر، فإذا عدل عنه وآمن بالحق كان إيمانه من كسبه وسعيه، فيؤجر عليه، أما إذا اضطر إليه، فليس فيه أجر، فما من أحد من أهل الكتاب إلا يؤمن بنبوة عيسى عليه السلام وعبوديته لله تعالى قبل موته، لكن قهرا لا ينفعه في الخلوص من النيران وغضب الديان.

    التفسير الثاني: أن عيسى عليه السلام ينزل في آخر الزمان عند ظهور المهدي بعد أن يفتح المسلمون القسطنطينية من الفرنج ، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ولا يبقى على الأرض إلا المسلمون، ويستأصل اليهود بالقتل، ويصرِّح بأنه عبد الله ونبيه، فتضطر النصارى إلى تصديقه حينئذ لإخباره لهم بذلك، وعلى التفسيرين ليس فيه دلالة على أن النصارى الآن على خير.
    وأما قوله تعالى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ [سبأ:14]  فهو من محاسن القرآن الكريم، لأنه من تلطف الخطاب وحسن الإرشاد، فإنك إذا قلت لغيرك: أنت كافر فآمن. ربما أدركته الأنفة فاشتد إعراضه عن الحق، فإذا قلت له: أحدنا كافر ينبغي أن يسعى في خلاص نفسه من عذاب الله تعالى، فهلم بنا نبحث عن الكافر منا فنخلصه.
    فإن ذلك أوفر لداعيته في الرجوع إلى الحق، والفحص عن الصواب، فإذا نظر فوجد نفسه هو الكافر فرَّ من الكفر من غير منافرة منك عنده، ويفرح بالسلامة، ويُسرُّ منك بالنصيحة،
    هكذا هذه الآية سهَّلت الخطاب على الكفار؛ ليكون ذلك أقرب لهدايتهم، ومنه قول صاحب فرعون المؤمن لموسى عليه السلام:
    ( وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا [غافر:28-29]  فخصَّهم أولا بالملك والظهور؛ لتنبسط نفوسهم مع علمه بأنه وبال عليهم، وسبب طغيانهم، ولم يجزم في ظاهر اللفظ بصدق موسى عليه السلام مع قطعه بصدقه، بل جعله معلقا على شرط؛ لئلا ينفِّرهم فيحتجبوا عن الصواب، فكل من صحَّ قصده في هداية الخلق سلك معهم ما هو أقرب لهدايتهم،
    وكذلك قوله تعالى لموسى وهارون في حق فرعون( فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44]  وقوله لمحمد صلوات الله عليهم أجمعين( وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159]
    وقوله ( وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت:46]  فهذا كله من محاسن الخطاب، لا من موجبات الشك والارتياب.
    وأما أمره تعالى لمحمد عليه السلام ولأمته بالدعاء بالهداية إلى الصراط المستقيم، فلا يدلُّ على عدم حصول الهداية في الحال؛
    لأن القاعدة اللغوية أن الأمر والنهي والدعاء والوعد والوعيد والشرط وجزاءه إنما يتعلق بالمستقبل من الزمان دون الماضي والحاضر، فلا يطلب إلا المستقبل؛ لأن ما عداه قد تعيَّن وقوعه، أو عدم وقوعه، فلا معنى لطلبه، والإنسان باعتبار المستقبل لا يدري ماذا قضي عليه، فيسأل الهداية في المستقبل؛ ليأمن من سوء الخاتمة،
    كما أن النصراني إذا قال : اللهم أمتني على ديني. لا يدل على أنه غير نصراني وقت الدعاء، ولا أنه غير مصمم على صحة دينه، وكذلك سائر الأدعية، وأجمع المسلمون والمفسرون على أن المغضوب عليهم اليهود، وأن الضالين النصارى، فتبديل ذلك مصادمة ومكابرة ومغالطة وتحريف وتبديل، فلا يُسمع من مدعيه.

    10- ومنها: أنهم قالوا: ليس من عدل الله تعالى أن يطالبنا باتباع رسول لم يرسله إلينا، ولا وقفنا على كتابه بلساننا.
    والجواب: أنه عليه السلام لو لم يرسل إليهم فليت شعري من كتب إلى قيصر هرقل ملك الروم  ؟، وإلى المقوقس أمير القبط يدعوهم إلى الإسلام  ؟!
    وليـس يصـح في الأذهــان شيء إذا احتـاج النهـار إلى دليـل

    11- ومنها: أنهم قالوا: إن قال المسلمون: لم أطلقتم لفظ الابن والزوج الأقانيم، مع أن ذلك يوهم أنكم تعتقدون تعدد الآلهة، وأن الآلهة ثلاثة أشخاص مركبة، وأنكم تعتقدون ببنوة المباضعة  ؟
    قلنا للمسلمين: هذا كإطلاق المتشابه عندكم من لفظ اليد، والعين، ونحوها، فإنه يوهم التجسيم، وأنتم لا تعتقدونه.
    والجواب: أن آيات وأحاديث صفات الله ليست من المتشابه عند أهل السنة؛ بل هي معلومة المعنى، نثبتها لله كما أثبتها لنفسه دون تشبيه أو تعطيل، أو تأويل.
    وأما ما كان من المتشابهات التي بيَّنها العلماء والواردة في قوله تعالى: وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7]  فإنما يطلق المسلمون المتشابه بعد ثبوته نقلا متواترا نقطع به عن الله تعالى أنه أمر بتلاوته امتحانا لعباده ليضل من يشاء، ويهدي من يشاء، وليعظم ثواب المهتدين حيث حصلت الهداية بعد التعب في وجوه النظر، ويعظم عذاب الضالين حيث قطعوا لا في موضع القطع، ولم ينقلوا ذلك عن أمره كما اتفق ذلك في الإنجيل؛ بل ما اقتصر المسلمون على الجمع القليل، بل ما اعتمدوا على العدد الذي يستحيل عليهم الكذب، فلما تحققوا أن الله أمرهم بذلك نقلوه، وأما النصارى فأطلقوا بعض ذلك من قبل أنفسهم، كالأقانيم والجوهر، وبعضها نقلوه نقلا لا تقوم به حجة في أقل الأحكام،
    فضلا عن أحوال الربوبية، فهم عصاة لله تعالى حيث أطلقوا عليه ما لم يثبت عندهم بالنقل، بل لو طولبوا بالرواية لإنجيلهم لعجزوا عن الرواية ، فضلا عن النقل القطعي، فلا تجد أحدا له رواية في الإنجيل يرويه واحد عن واحد إلى عيسى عليه السلام، وأقل الكتب عند المسلمين من الارتياب وغيرها يروونها عن قائلها، فتأمَّل الفرق بين الاثنين، والبون الذي بين الدينين؛ هؤلاء المسلمون ضبطوا كل شيء، والنصارى أهملوا كل شيء، ومع ذلك يعتقدون أنهم على شيء.

    12- ومنها: أنهم قالوا: الله له عدل وفضل، وهو سبحانه وتعالى يتصرف بهما، فأرسل موسى عليه السلام بشريعة العدل لما فيها من التشديد، فلما استقرت في نفوسهم وقد بقي الكمال الذي لا يصنعه إلا أكمل الكملاء ،
    وهو الله تعالى، ولما كان جوادا تعيَّن أن يجود بأفضل الموجودات، وليس في الموجودات أجود من كلمته يعني نطقه، فجاد بها واتحدت بأفضل المحسوسات، وهو الإنسان، لتظهر قدرته، فحصل غاية الكمال، ولم يبق بعد الكمال إلا النقص؛ فتفضل بالنصرانية.
    والجواب: أما شريعة موسى عليه السلام، فكانت عدلا وفضلا، وقل أن يقع في العالم عدل مجرد، وإنما وقع ذلك لأهل الجنة.
    وتقرير هذا الباب: أن كل جود وإحسان فهو فضل من الله تعالى، وهو جود لا يجب عليه عري عن الخير والإحسان البتة، فهو العدل المحض؛ لأن الملك ملكه، والتصرف في الملك المملوك كيف كان عدل ليس بظلم.
    فإن وقع الخير المحض فهو التفضيل المحض، وهذا هو شأن أهل الجنة.
    إذا تقرَّر هذا، فشريعة موسى عليه السلام كان فيها من الإحسان أنواع كثيرة، فتلك كلها فضل، كتحريم القتل والغصب والزنا والقذف والمسكر من الخمور المغيبة للعقول، وإنما أباح فيها اليسير الذي لا يصل إلى حد السكر، وكإباحة الفواكه واللحوم والزواج وغير ذلك، وهذه كلها أنواع من الفضل،
    ثم إن عيسى عليه السلام جاء مقررا لها وعاملا بمقتضاها، ومستعملا لأحكامها، ولم يزد شيئا من الأحكام، إنما زاد المواعظ والأمر بالتواضع والرقة والرأفة، فلم يأت عيسى عليه السلام بشريعة أخرى حتى يقال: إنها الفضل. بل مقتضى ما قاله أن تكون شريعة الفضل هي شريعتنا؛ لأنها هي الشريعة المستقلة التي ليست تابعة لغيرها، ولا مقلدة لسواها، وهذا هو اللائق لمنصب الكمال أن يكون متبوعا لا تابعا، فهذه الحجة عليه لا له.
    ثم قولهم: لا يصنع الأكمل إلا هو سبحانه. فهو باطل؛ لأنه لا حجر عليه سبحانه في ملكه، فيأمر بعض خلقه بوضع الأكمل، ويرسل للناس بأوامر وشرائع هي في غاية جلب المصالح  ودرء المفاسد، كما هي شريعتنا المعظمة.
    ثم قولهم: الله تعالى جواد، فجاد بأعظم الموجودات وهو كلمته، فجعله متحدا بأفضل المحسوسات وهو الإنسان، باطل لوجوه:
    أحدها: أن الجود بالشيء فرع إمكانه، فإن الكرم بالمستحيل محال، فينبغي أن يبين أولا تصور انتقال الكلام من ذات الله تعالى إلى مريم رضي الله عنها، ثم يقيم الدليل على وقوع هذا الممكن بعد إثبات إمكانه، وقد تقدم بيان استحالة ذلك.
    وثانيها: سلمنا أنه ممكن، لكن لم قلتم: إن الكلام هو أفضل الموجودات  ؟. ولم لا يكون العلم أفضل منه، لأن الكلام تابع للعلم  ؟
    وثالثها: أن الذات الواجبة الوجود التي الصفات قائمة بها أفضل من الصفات؛ لأن الصفات تفتقرللذات في قيامها، والذات لا تفتقر لمحل بخلاف الصفة.
    ورابعها: أنها صفة من الصفات، والصفات بجملتها مع الذات أفضل من الكلام وحده، ولم يقل أحد باتحاد هذا، فالأفضل لم يحصل حينئذ، ولما كان كلام النصارى نوعا من الوسواس اتسع الخرق عليهم.
    ------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا
    :
    التالي :
    نفي الألوهية عن عيسى عليه السلام من خلال القرآن والأناجيل

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5386
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ثانياً :: . البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس: .بشارات الأنبياء: .بشارة يعقوب Empty نفي الألوهية عن عيسى عليه السلام من خلال القرآن والأناجيل

    مُساهمة من طرف صادق النور السبت أغسطس 26, 2023 12:14 pm


    يتبع ما قبله :
    نفي الألوهية عن عيسى عليه السلام من خلال القرآن والأناجيل

    إن الآيات التي تبين وحدانية الله سبحانه وتعالى من خلال القرآن هي نفسها نافية بمفاهيمها ولوازمها لألوهية المسيح عليه السلام، وبعضها بمنطوقها، وكذا ما جاء في التوراة والأناجيل حول وحدانية الله. إلا أن النصارى كثيراً ما يجادلون بالباطل ويتعسفون الأدلة ويؤولونها وفق أهوائهم، ولذا سندحض افتراء أن القرآن دال على ألوهية المسيح من خلال طريق آخر سوى ما سبق، ألا وهو آيات من القرآن ناطقة بنفي الألوهية عن عيسى نطقاً صريحاً، وكذا من خلال الأناجيل لإلزام النصارى والمنصرين من خلال مسلماتهم وما يؤمنون به إن كانوا يعقلون، وذلك كما يأتي:
    أ- نفي الألوهية عن عيسى من خلال القرآن:
    جاءت في القرآن آياتٌ محكمات متعددة تنفي الألوهية عن المسيح عليه السلام، منها:

    1- قوله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ... [المائدة:17] والأية: [72]
    2- وقوله تعالى: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة: 116] فهذا عبد الله ورسوله إلى بني إسرائيل يكذِّب النصارى في دعوى تأليههم له وينزِّه الله سبحانه وتعالى عن أن يقول قولاً لا ينبغي له أن يقوله، وهو أنه دعا النصارى إلى تأليهه.

    3- وقوله: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31]

    4- وقوله: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المائدة: 73] وانظر [النساء:171] فالله واحدٌ أحدٌ ليس معه إله غيره، وهذا تهديد وتحذير من الله للنصارى عن القول بالتثليث وتأليه أحدٍ معه، ومن أول ذلك تأليه المسيح عليه السلام؛ لأن الخطاب للنصارى.

    5- وقوله تعالى: ...وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التوبه: 30] فقد شابهوا من كان يقول: إن للآلهة أبناء. من وثنيي اليونان والرومان وغيرهم من الوثنيين.
    6- وقوله تعالى: ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [مريم: 34-35]
    وقوله: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المائدة: 75]
    يقول ابن تيمية رحمه الله في تفسير قوله تعالى( كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ)وهذا من أظهر الصفات النافية للإلهية؛ لحاجة الآكل إلى ما يدخل في جوفه ولما يخرج منه مع ذلك من الفضلات).

    ب- نفي الألوهية عن عيسى عليه السلام من خلال الأناجيل:

    يقوم هذا الموضوع على ما نسب لعيسى عليه السلام من أقوال يثبت فيها صفاتٍ وأسماء لله نفاها هو عن نفسه عليه السلام، فإضافة إلى كل عوارض البشرية التي طرأت على المسيح وتطرأ عليه- مما سوف يمر- والدالة على الحدوث والتغير من حالٍ إلى حالٍ، وأنه لا يختلف في شيء عن غيره من الرسل إلا ما اختصه الله به. إضافة إلى ذلك جاء في الأناجيل:

    1- قوله( فقال ( أي: عيسى) لها ( لأم ابني زبدي ) ماذا تريدين ؟ قالت له: قل، أن يجلس ابناي هذان واحداً عن يمينك والآخر عن اليسار في ملكوتك. فأجاب يسوع وقال: لستما تعلمان ما تطلبان، أما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلا للذين أعدِّ لهم من أبي)
    قوله( فأجاب يسوع وقال لهم: الحق أقول لكم، لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الأب يعمل).
    وقال(ليس كل من يقول: يا رب. يدخل ملكوت السموات، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات).
    ففي النصوص السابقة نفى عيسى عليه السلام القدرة على إدخال من شاء ملكوت الله، وأبان أنه لا يدخل ملكوت الله إلا من أراد الله وحده له ذلك، وليس ذلك للمسيح؛ لأن مشيئة المسيح تحت مشيئة الله، وقدرته تحت قدرة الله كما في النص- الآنف الذكر- حيث يقول( لا يقدر الابن (المسيح) أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الأب (الله) يعمل) فالله وحده - سبحانه - هو القادر على كل شيء قدرة تليق بجلاله وعظمته. وقد جاء في نص آخر( لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله).
    وكذا القول المنسوب إلى المسيح عليه السلام نفسه (عند الناس غير مستطاع، ولكن ليس عند الله؛ لأن كل شيء مستطاع عند الله).
    أما قدرة المسيح فهي قدرة محدودة تناسب مقامه، وليس له إلا ما أقدره الله عليه. ومشيئة المسيح تحت مشيئة الله وبإذن الله،
    كما قال المسيح، فيما نسب إليه( يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس، ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت). نسب إلى عيسى في الإنجيل قوله( لا يقدر أحد أن يُقبل إلي إن لم يجتذبه الأب الذي أرسلني). فهنا الاجتذاب أو الهداية هداية توفيق خاصة بالله سبحانه وتعالى، وليس للمسيح أن يهدي أحداً إلا أن يشاء الله له الهداية على يد المسيح أو غيره.

    2- نسب إلى عيسى قوله (وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الأب).
    وفي نصٍ آخر عن الموضوع نفسه (إلا أبي وحده)، وهذه النصوص في سياق إخباره لبني إسرائيل عن تهدم الهيكل. فعيسى هنا يخبر النصارى بأمر مستقبلي- وإن صح النقل عنه فهو بإعلام الله له-
    وعلى الرغم من هذا حينما سُئل عن وقت التهدم نفى علمه بوقت ذلك، وأخبر أنه لا أحد يعلم ذلك لا الملائكة ولا هو عليه السلام، وإنما الذي يعلم ذلك هو علام الغيوب وحده، وهو الله سبحانه وتعالى، وليس للمسيح من علم الغيب شيء إلا ما أطلعه الله عليه.

    وجاء في نص آخر (وفي الغد لما خرجوا من بيت عينا جاع فنظر شجرة تينٍ من بعيد عليها ورق، وجاء لعله يجد فيها شيئاً، فلما جاء إليها لم يجد شيئاً إلا ورقاً؛ لأنه لم يكن وقت التين). فسبحان الله هذا النص ظاهر جلي في بشرية عيسى عليه السلام ونفي لألوهيته من وجوه منها:
    أنه لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، فلو كان إلهاً- تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيراً- لما كلف نفسه مشقة الذهاب إلى الشجرة الخالية من إثمار التين.
    - ثم لو كان إلهاً لعلم أن هذا ليس وقت إثمار أشجار التين، فهل يجهل الإله أمراً كهذا ؟
    - ثم لو كان إلهاً لأمر الشجرة أن تنبت تيناً فأنبتت.
    - ثم هل الإله يجوع ؟ إن هذا نقص في إلههم المزعوم، أما الله الإله الحق فهو الغني جلَّ وعلا.

    3- ينسب إلى عيسى قوله (لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون؛ لأنني قلت: أمضي إلى الأب؛ لأن أبي أعظم مني).
    فعيسى يصرح أن الآب (الله) أعظم منه، فهناك فارق كبير عبر عنه بأفعل التفضيل بينه وبين ربه وخالقه سبحانه وتعالى، وإذا كان عيسى قد نطق بأن الله أعظم منه، فإن هذا وفق مفهوم المخالفة يعني أن عيسى أقل من الله، وهو ما يوضح أنه ليس هو الله، ولا ابن الله كما تزعم النصارى حيث يقولون : إنه ابن الله الذي هو : (الله في المسيح). تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيراً.

    4- ينسب إلى عيسى قوله (وإن سمع أحد كلامي ولم يؤمن فأنا لا أدينه (أحاكمه وأحاسبه) لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم، من رذلني فله من يدينه).
    إذاً يوضح عيسى أن مالك الحساب والجزاء إنما هو غيره، فعيسى لا يملك هذا، وإنما الذي يملكه هو الله سبحانه وتعالى وحده، كما يوضحه السياق بعده، وكما يوضحه قوله السابق (أبي أعظم مني). وهذا أيضاً نفي لألوهية عيسى عليه السلام.

    5- قال عيسى (اذهبي إلى إخوتي، وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم). فيُسمِّي المؤمنين به (إخوتي) ثم يقول (أبي وأبيكم وإلهي والهكم).
    فمثله مثل المؤمنين به، ربه الله، وإلهه الله - سبحانه وتعالى - وهذا اعتراف بألوهية الله، وفي الوقت نفسه نفي قوي على لسانه لألوهيته المفتراة على الله- سبحانه وتعالى- ثم عليه، ثم كيف يكون هو إله نفسه ؟

    6- جاء في الإنجيل أن (الله لم يره أحد قط)
    وقول المسيح عن الله سبحانه وتعالى (لم تسمعوا صوته قط ولا أبصرتم هيئته). بينما أبصروا المسيح وسمعوا صوته، وكلمهم وكلموه، بل وأكل وشرب معهم وتفل على التراب، فعجن الطين وطلى به أعين عُمْيٍ، إلى غير ذلك مما سوف يمرُّ من دلائل بشريته، وهذا كله ينفي الألوهية عن المسيح عليه السلام.

    7- كثرت النصوص الإنجيلية التي توضح أن عيسى كان يدعو الله - سبحانه وتعالى - ويسجد له، ويخضع له، ويصوم له، حتى بلغ صيامه أربعين نهاراً وأربعين ليلة. وأنه يفعل ما يرضي الله سبحانه ويحفظ أقواله.
    فلمن يتوجه عيسى عليه السلام بهذه العبادات ؟ أ يعبد عيسى نفسه ؟ أم هل يدعو نفسه ؟ أم هل يصوم لنفسه ؟
    هل العابد هو عين المعبود ؟ إن هذا محال عقلي، مثبت لعدم ألوهية عيسى عليه الصلاة والسلام، وأن الإله هو غير عيسى،
    وهو الذي يتوجَّه له عيسى بأنواع العبادات، إنه الله سبحانه وتعالى وحده.

    بشرية عيسى- عليه السلام- وعبوديته من خلال القرآن والأناجيل:

    ينقسم هذا الموضوع إلى الفقرتين التاليتين:
    أ- بشرية عيسى عليه السلام وعبوديته من خلال القرآن:
    أخبر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم أن عيسى عليه السلام عبد من عبيد الله،
    كما قال تعالى: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ [النساء: 172]
    وكما قال تعالى: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً [مريم: 30]
    يقول ابن كثير (أول شيء تكلَّم به أن نزَّه جناب ربه تعالى وبرَّأه عن الولد، وأثبت لنفسه العبودية لربه).
    وقد جاء في آيات أخرى قوله : أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ [المائدة: 117]
    وقوله تعالى: وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [مريم: 36]
    فهو إنسان مخلوق خلقه الله سبحانه وتعالى كما خلق آدم من تراب،
    قال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:59]
    وكما قال تعالى على لسان مريم: قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران: 47] فعيسى - عليه السلام - ولد لمريم، خلقه الله ووهبه لها،
    كما قال تعالى: لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً [مريم:19] فهو ولد لمريم مخلوق، وليس بإله ولا ابن إله، فنسبه بشري عائد إلى أمه،
    فهو في القرآن الكريم: المسيح عيسى ابن مريم بنت عمران من بني إسرائيل، ومن ذرية إبراهيم، ومن ذرية نوح، وقد حملت به والدته كما أراد الرحمن - سبحانه وتعالى - من أم بلا أب، ووضعته بعد مخاض (،فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا [مريم: 27] ، وكان يأكل الطعام هو وأمه كما قال تعالى: كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ [المائدة: 75] بكل ما يعنيه ذلك من حاجة للطعام ولإخراجه والنمو والتحول من حال إلى حال، وهو كما خلق من تراب بعد أن لم يكن شيئاً، وولد بعد أن كان جنيناً، واكتهل بعد أن كان صبيًّا، فسوف يموت بعد نزوله في آخر الزمان، ثم يبعث حيًّا،
    كما قال تعالى على لسان عيسى: وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً [مريم:33] فهو إنسان يطرأ عليه ما يطرأ على أمثاله من البشر من عوارض. وهو عبد من عباد الله. خلقه الله سبحانه وتعالى من أم بلا أب آية للعالمين، ومثلاً لبني إسرائيل.
    كما قال تعالى: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إلى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ [المؤمنون:50]
    وكما قال تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائيلَ [الزخرف:59] كما أوصاه الله سبحانه بعبادته مادام حيًّا، كما قال تعالى على لسان عيسى: وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً [مريم:31]
    فمن حكم القرآن يدل على أن عيسى عليه الصلاة والسلام إنسان مخلوق، خلقه الله سبحانه وتعالى كما شاء واقتضته حكمته،
    وهو عبد من عباد الله الذين أنعم الله عليهم، ولن يستنكفوا عن عبادته سبحانه وتعالى.

    ب- بشرية عيسى- عليه السلام- وعبوديته من خلال الأناجيل:
    تدلُّ الأناجيل الحالية على بشرية عيسى- عليه السلام - وعبوديته دلالة بينة حيث جاء في بعضها فيما ينسب إلى عيسى عليه السلام قوله (ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني، وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله).
    فعيسى - عليه السلام - وضع نفسه في الموضع اللائق به، وهو أنه إنسان رسول يدعوهم، ويبلغهم بما أوحاه الله إليه،
    وكفى بذلك دليلاً على بشريته وعبوديته، وأنه ليس بإله حيث أثبت بشريته، وأثبت لنفسه العبودية والخضوع لمن أرسله وهو الله - سبحانه وتعالى - إلهه وإله بني إسرائيل والخلق أجمعين،
    كما جاء فيما نسب إليه قوله (إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم).
    وقوله (إذهب يا شيطان؛ لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد).

    وفي الأناجيل ما يدل على عبادة عيسى- عليه السلام- وطاعته لله سبحانه وتعالى حيث صام و(خرَّ على وجهه،
    وكان يصلي قائلاً : يا أبتاه، إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس، ولكن ليس كما أريد أنا، بل كما تريد أنت).
    كما أنه (خرج إلى الجبل ليصلي، وقضى الليل كله في الصلاة لله). وسبحان الله قضى الليل كله يصلي لخالقه، وإلهه، وربه، فأنَّى يكون إلها، أو يكون هو الله ؟ تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيراً.
    أنَّى يكون العابد هو عين المعبود ؟ ولاسيما أنه كان (يصلي بأشد لجاجة) لله سبحانه وتعالى. بل جاء - فيما نسب إليه-
    في الأناجيل أنه قال (لم يتركني الآب وحدي؛ لأني في كل حين أفعل ما يرضيه). فهو مجتهد في عبادة ربه سبحانه وتعالى، خاضع له ومطيع له في كل وقت وحين. ثم إن نظرة معاصري عيسى- عليه السلام-
    له لم تكن إلا على أنه إنسان، وليس بإله. من ذلك قوله (أجاب الخدام : لم يتكلم قط إنسان هكذا مثل هذا الإنسان. فأجابه الفريسيون : ألعلكم أنتم أيضاً قد ضللتم ؟. ألعل ناموسنا يدين إنساناً لم يسمع منه أولاً ؟).
    وفي نص آخر(فقالوا له: كيف انفتحت عيناك (لرجل أعمى أبصر بإذن الله على يد عيسى) ؟ أجاب ذاك وقال: إنسان يقال له: يسوع).
    كما أن نسب عيسى عليه السلام وفق الأناجيل أنه : المسيح عيسى ابن مريم، من نسل داود ومن ذرية إبراهيم - عليهم الصلاة والسلام - خلقه الله من أم بلا أب بقدرته، كما خاطب جبريل مريم - عليهما السلام - حيث قال لها (لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله).
    حينما تعجبت واستفهمت من جبريل (. كيف يكون هذا (أي: الحمل بعيسى وولادته) وأنا لست أعرف رجلاً). فأمه مريم، وتزعم الأناجيل أن له إخوة وأخوات ممن ادعت أنه زوج أمه، وهو يوسف النجار، ونسيبة أمه - كما جاء في الأناجيل- هي أليصابات أم يحيى عليه السلام، وهي من بنات هارون، وبذلك يحيى وزكريا من قرابة عيسى.
    كذلك من أدلة بشرية - عيسى عليه السلام - كما جاء في الأناجيل: أن أمه حملت به عدة الحمل كاملة، ثم ولدته بعد أن لم يكن شيئاً، وختن بعد أن كان أغلف، واكتهل بعد أن كان صبيًّا، وتعلم القراءة والكتابة. وكتب بإصبعه على الأرض، وجاع، وطعم،
    بل أكل الفصح مع حواريه، كما شرب الماء، ومشى فتعب وتصبب عرقاً حتى بلغ عرقه الأرض، ثم جلس من التعب،
    وامتطى الجحش، وتفل على الأرض، وصنع من التفل طيناً، وطلى بالطين عيني الأعمى، وحزن واكتأب ثم بكى، وكان يجثو على ركبتيه، ويخرُّ على وجهه إلى الأرض ساجداً لله سبحانه وتعالى، إلى غير ذلك مما جاء في الأناجيل.

    كما أن من الأمور التي تجلي عبودية عيسى- عليه السلام- وبشريته سوى ما ذكر هنا ما أثبته عيسى- عليه السلام- من أسماء وصفات لله وحده، نافياً إياها عن نفسه عليه السلام، مثل: أن الله هو القادر وحده، وأنه هو الهادي وحده، وأنه هو علام الغيوب، وأنه العظيم ومالك يوم الدين، وأنه لا يُرى في الدنيا إلى آخر ما مرَّ.
    لذا ولغيره ذكر أبو الوليد الباجي - ردًّا على راهب من فرنسا- أن عيسى عليه السلام (بشر مخلوق وعبد مربوب لا يعدو عن دلائل الحدوث والتغير من حال إلى حال، وأكل الطعام والموت الذي كتب على جميع الأنام.
    ولو جوزنا كونه - صلى الله عليه وسلم - مع هذه الصفات والأحوال المحدثات إلهاً قديماً لنفينا أن يكون العالم أو شيء مما فيه محدثاً مخلوقاً؛ لأنه ليس في شيء مما ذكرنا من البشر والعالم وما فيه من الحيوان والجماد من دلائل الحدوث غير ما في عيسى عليه السلام
    ).
    إن ما سبق مثبت لبشرية عيسى عليه السلام وعبوديته فماذا عن نبوة عيسى عليه السلام ورسالته ؟

    نبوة عيسى عليه السلام ورسالته من خلال القرآن والأناجيل:

    ينقسم هذا الموضوع إلى فقرتين:

    أ- نبوته ورسالته عليه السلام من خلال القرآن:
    يوضح القرآن أن المسيح عيسى عليه السلام نبي رسول، وهو من أولي العزم من الرسل، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
    وهذه بعض الآيات الدالة على رسالة عيسى ونبوته:
    يقول تعالى: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [المائدة: 75]
    ويقول تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ [النساء: 171]
    ويقول تعالى على لسان عيسى : وَرَسُولاً إلى بَنِي إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران: 49]
    كما يقول تعالى: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ... [الصف: 6]
    ويقول تعالى: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً [مريم: 30]
    فعيسى نبي رسول من رسل الله وظيفته طاعة الله، وإبلاغ رسالة ربه - سبحانه وتعالى- التي أرسله بها، وأمره بإبلاغها، وحثَّ بني إسرائيل على عبادة الله،
    كما قال تعالى عن عيسى : مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المائدة: 117]
    وكما قال تعالى عن عيسى: إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [آل عمران:51]

    - نبوته ورسالته عليه السلام من خلال الأناجيل:
    كذلك تدلُّ الأناجيل الموجودة اليوم على نبوة عيسى ورسالته، فقد جاء في الأناجيل نصوص عدة منها:
    1- (أما يسوع فقال لهم : ليس نبي بلا كرامة إلا في وطنه وفي بيته) فهذا مما ينسب إليه من أقوال يشير بها إلى نفسه.
    2- ومما يوضح نظرة بعض المدعويين من بني إسرائيل له وأنه نبي قوله (ولما سمع رؤساء الكهنة والفريسيون أمثاله عرفوا أنه تكلم عليهم، وإذ كانوا يطلبون أن يمسكوه خافوا من الجموع؛ لأنه كان عندهم مثل نبي).

    3- وقوله (ولما دخل أورشليم ارتجت المدينة كلها قائلة: من هذا ؟ فقالت الجموع: هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل).
    4- مرَّ بنا قول عيسى عليه السلام (وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع الذي أرسلته).
    5- وقوله (فنادى يسوع وهو يعلم في الهيكل قائلاً: تعرفونني وتعرفون من أين أنا، ومن نفسي لم آت، بل الذي أرسلني هو حق الذي أنتم لستم تعرفونه أنا أعرفه؛ لأني منه وهو أرسلني).
    فهذا من أقواله التي يوضح فيها أنه رسول من رسل الله.

    إن ما سبق من نصوص تدل على نبوة عيسى عليه السلام ورسالته من خلال الأناجيل، على أن هناك نصوصاً أخرى تضيف إلى ما سبق بيان مهمة عيسى عليه السلام ووظيفته التي أرسله الله من أجلها، ألا وهي الدعوة إلى الله وإلى عبادته وطاعته وإبلاغ ما أمره الله أن يبلغه لبني إسرائيل من دين الله الذي أنزل على يديه آنذاك، وهو النصرانية الصحيحة الموحدة التي نسخها الله بالإسلام، ولذا يسمَّى عيسى في الأناجيل معلم، وهي وظيفة الرسل حيث يعلمون الناس الخير، ويبلغونهم دين الله سبحانه وتعالى.

    وإن النصوص الدالة على ذلك:
    1- قول الإنجيل (وبعدما أسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز (يدعو) ببشارة ملكوت الله ويقول : قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل).
    فها هو عيسى يدعو بني إسرائيل إلى التوبة والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى والإيمان بالإنجيل، كتاب الله الذي أنزله عليه.

    2- قوله (فقال لهم : إنه ينبغي لي أن أبشِّر المدن الأخر أيضاً بملكوت الله؛ لأني لهذا قد أرسلت. فكان يكرز في مجامع الجليل).

    3- قوله (فقال لهم : لنذهب إلى القرى المجاورة لأكرز هناك أيضاً؛ لأني لهذا خرجت).

    4- وجاء في الإنجيل قوله (كان يسوع يطوف كل الجليل يعلِّم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت).

    5- كما جاء قوله (حينئذٍ ابتدأ يوبخ المدن التي صنعت فيها أكثر قواته (المعجزات التي أظهرها الله على يديه) لأنها لم تتب: ويلٌ لك يا كورزين، ويل لك يا بيت صيدا. وأنت يا كفرناحوم).
    6- جاء قوله (ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني مادام نهار، يأتي ليل حين لا يستطيع أحد أن يعمل).

    7- قوله (لأني لم أتكلم من نفسي لكن الآب الذي أرسلني هو أعطاني وصية ماذا أقول وبماذا أتكلم، وأنا أعلم أن وصيته هي حياة أبدية، فما أتكلم أنا به فكما قال لي الآب هكذا أتكلم).
    يصدق هذا ما جاء في القرآن على لسان عيسى مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ [المائدة:117]

    فعيسى عليه الصلاة والسلام- كما تدلُّ عليه الأناجيل- نبي رسول جاء لإبلاغ بني إسرائيل رسالة ربه؛ ليتوبوا من معاصيهم وآثامهم، ويتبعوا كتاب الله الذي أنزله الله عليهم آنذاك على يد عيسى وهو الإنجيل.
    -------------------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا

    التالي :

    نماذج من انحرافاتهم في القرآن والسنة، وتحذير المسلمين من ذلك:

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5386
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ثانياً :: . البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس: .بشارات الأنبياء: .بشارة يعقوب Empty نماذج من انحرافاتهم في القرآن والسنة، وتحذير المسلمين من ذلك

    مُساهمة من طرف صادق النور السبت أغسطس 26, 2023 1:43 pm


    يتبع ما قبله
    نماذج من انحرافاتهم في القرآن والسنة، وتحذير المسلمين من ذلك

    تظاهرت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية في بيان ما وقع به النصارى من انحراف خلقي وعقدي، وما ذلك البيان إلا لحكمة عظيمة، وهي أن يبتعد المسلمون عن سلوك سبيلهم، وألا يتشبهوا بهم.
    ومن تلك الانحرافات التي ذكرت في القرآن والسنة:

    نماذج من انحرافات النصارى، من القرآن الكريم:

    1- الحسد
    قال تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ [البقرة:109]
    2- كتمان العلم:
    قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ [آل عمران:187]
    3- معرفة الحق بالرجال:
    وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِما أنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ [البقرة:91]
    4- الغلو: قال تعالى:
    يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ [النساء:171]
    5- الرهبانية:
    وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا [الحديد:27]
    6- جعل حق التشريع لغير الله:
    اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ [التوبة:31]
    7- حكم الأغلبية:
    قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً [الكهف:21]
    8- احتقار ما عند الخصم:
    وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتْ النَّصَارَى لَيْسَتْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ [البقرة:113]
    9- الاختلاف بسبب البغي:
    فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُم [الجاثية:17]
    10- التفرق:
    وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ [آل عمران:105]
    11- البعد عن سبيل المؤمنين:
    وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً [النساء: 115]
    12- اتباع الهوى:
    وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ [المائدة:49]
    13- قسوة القلوب:
    أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16]

    نماذج من انحرافات النصارى، من السنة:

    1- الفتنة بالنساء:
    قال صلى الله عليه وسلم: ((فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء))
    2- كثرة السؤال، والاختلاف على الأنبياء:
    كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: ((ذروني ماتركتكم؛ فإنما أهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم؛ فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه))
    3- التشدد:
    قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تشدِّدوا على أنفسكم فيُشَدَّد عليكم؛ فإن قوماً شدَّدوا على أنفسهم؛ فشدَّد الله عليهم, فتلك بقاياهم في الصوامع والديار))
    4- التفرقة العنصرية:
    كما جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، ((أن قريشاً أهمهم شأنُ المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: ومن يكلم رسول الله ؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حبُّ رسول الله ؟. فكلَّمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشفع في حد من حدود الله ؟. ثم قام فاختطب، ثم قال: إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها))
    5- اتخاذ القبور مساجد:
    كما في حديث جندب بن عبدالله البجلي في صحيح مسلم: ((ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك))
    ومع ذلك البيان الجلي والنهي الشديد عن التشبه بهم، فقد وقعت طوائف كثيرة من هذه الأمة فيما وقع به أهل الكتاب والله المستعان.

    علاقة النصارى باليهود وعداؤهم للإسلام:

    أرسل الله سبحانه وتعالى المسيح عيسى عليه السلام إلى بني إسرائيل متمماً رسالة موسى عليه السلام، ومصححاً ما حرفه اليهود فيها، إلا أن اليهود ناصبوه العداء، وكذبوه، وأَغْروا به الحكام, وحاولوا قتله.
    بل ادعوا قتله وصلبه عليه السلام.
    ومنذ ذلك الحين والعداوة بين اليهود والنصارى على أَشُدِّها, وقد بلغ ذلك العداء قمته قديماً عندما اعتنقت الدولة البيزنطية العقيدة النصرانية، فعملت بعد ذلك على قتل اليهود، وتشريدهم، وملاحقتهم.وبالرغم من تلك العداوة والاختلاف، وقيام بعضهم بتكفير بعض، إلا أن ذلك يزول ويختفي أثره، بل يَحُلُّ محلَّه الوئامُ إذا كان عدو الطرفين الإسلام أو المسلمين

    وهذا مصداق لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51]
    وليس في تاريخ العداوات عداوة تماثل شراستها وأبديتها ذلك النوع الذي تواجه به طوائفُ اليهودِ والنصارى الأمةَ الإسلاميةَولم يكن الرضا عن اليهود متفقاً عليه من قبل جميع النصارى، بل إن هناك من النصارى المتعصبين من يقف ضد اليهود؛ فقد طردوا من إنجلترا عام (1290) م، ومن فرنسا عام (1390) م، ومن النمسا سنة(1420) م، ومن إسبانيا سنة (1692) م وذلك من قبل محاكم التفتيش التي أقيمت ضد المسيحيين واليهود على السواء، ثم أخرجوا من ألمانيا عام (1719) م، ومن روسيا سنة (1727) م، ثم جاء هتلر فقتل منهم من قتل
    وإزاء هذه العداوة العنيفة، وهذا الاضطهاد العظيم- خصوصاً وأنهم يزعمون أنهم شعب الله المختار- فكروا جديًّا بالتخلص من تلك العداوة التي تقف أمام كثير من مخططاتهم.
    خصوصاً وأن أوربا كانت تعاني من الخواء الروحي، والطغيان الكنيسي بكافة ألوانه؛
    فسلكوا في هذا الموضوع خطوات عديدة منها:
    1- تظاهرُ كثيرٍ من حاخاماتهم وعلمائهم بالدخول في النصرانية.
    2- إنشاء المنظمات السرية كالصهيونية، والماسونية وغيرها التي كانت ترفع شعارات الحرية والإخاء والمساواة.
    3- إحداث الثورات ضد الكنيسة أو استغلالها إذا قام بها غيرهم، ومن ذلك ما قام به مارتن لوثر ضد الكنيسة الغربية الكاثوليكية في مطلع القرن السادس عشر الميلادي، وكذلك الثورة الفرنسية التي قام بها نابليون عام (1789) م, والتي كانت تنادي بنفس شعارات الماسونية: الحرية والإخاء والمساواة.
    4- السعي للسيطرة الاقتصادية على الدول الأوربية
    وقد حصل اليهود على نتائج مهمة، واستغلوا الفرصة التي أتاحها لهم نفور الأوربيين من دينهم.

    ومن تلك النتائج التي حقَّقها اليهود من وراء مخططاتهم ما يلي:
    1-علمنة الحياة في أوربا، حيث أُقصي الدين المسيحي عن الحياة تماماً.
    2- تمكن اليهود من تَبَوُّء مناصب ومواقع رفيعة في الحكومات الغربية لم يكونوا يحلمون بها في عصور الاضطهاد.
    3- السيطرة التامة على الاقتصاد الغربي وثرواته، بل وعلى اقتصاد وثروات العالم.
    4- كسر حدة العداء لليهود عند الأوربيين.
    5- تمكن اليهود من إحياء التحالف اليهودي النصراني مرة أخرى ضد الإسلام
    يقول الشيخ الدكتور سفر الحوالي - حفظه الله -: ومنذ أن أحكمت اليهودية العالمية أنشوصتها على العالم الغربي الذي أوقعته أسيراً في شباكها الأخطبوطية اتخذت العداوة مساراً واحداً تحفزه الروح الصليبية، وتوجهه الأفعى اليهودية؛ فقد تشابكت، وتداخلت مصالح الطرفين.وكان الغرب الصليبي مستعدًّا للتخلي عن كل حقد وعداوة إلا عداوته للإسلام في حين كانت الخطط التلمودية تروم تسخير العالم الصليبي بعد أن شلَّت قواه، وركبت رأسه للقضاء على عدوها الأكبر الإسلام

    ويقول الشيخ - حفظه الله -: وتجدر الإشارة إلى أن خطة العمل الموحد المشترك بين الصليبية واليهودية أصبحت لزاماً وواجباً على كلا الطرفين بعد الموقف الصلب الذي واجه به السلطان عبد الحميد هرتزل؛ إذ تعين بعدها أن القضاء على الخلافة الإسلامية ضروري لمصلحة الفريقين: النصارى الذين كانت لهم دولهم الاستعمارية تتحين الفرصة للأخذ بثأر الحروب الصليبية، واليهود الذين أيقنوا أن فشلهم مع السلطان يستوجب التركيز على العالم الصليبي، وتسخيره لمآربهم التلمودية.وبلغت الخطة ذروة التوحد بعد قرار المجمع الماسوني الذي ينص على تبرئة اليهود من دم المسيح عليه السلام، والذي كان يهدف إلى محو كل أثر عدائي مسيحي لليهود، وبالتالي إيجاد كتلة يهودية نصرانية واحدة لمجابهة الإسلام
    وهكذا نجد أن اليهود والنصارى متعادون متناحرون لا يجمعهم سوى مصالحهم، وأعظم مصلحة يجتمعون عليها هي عداء الإسلام والمسلمين.
    وما نراه اليوم من تحالف بين أمريكا وإسرائيل, وما وعد بلفور المشؤوم إلا نموذج لذلك التحالف.
    وقد تبنَّى بعض النصارى في أمريكا وأوربا فكرة وجود إسرائيل الحديثة على أنها تحقيق لنبوآت الكتاب المقدس، وعلامةٌ على قرب عودة المسيح إلى الأرض ثانية؛ حيث إنهم يعتقدون أن المسيح سينزل في آخر الزمان، وهم متفقون مع المسلمين في هذه القضية إلا أن اليهود - بخبثهم ومكرهم وبغباء النصارى- حوَّلوا هذه القضية لصالحهم؛ فاليهود يعتقدون بمجيء مُنْتَظر؛ لأنهم يعتقدون أن عيسى عليه السلام كذَّاب دجال.
    أما المنتظر الذي ينتظرونه فهو - ملك السلام - كما يزعمون، وفي الحقيقة هو المسيح الدجال.

    ومن هنا غرَّروا بالنصارى، وقالوا : لابد أن نعمل بما اتفقنا عليه، وهو أن المسيح سينزل, أما من هو المسيح الذي سينزل فسنتركه جانباً؛ فاليهود يعتقدون بأن النصارى سينتهون إذا جاء منتظرهم، والنصارى بعكسهم، حيث يعتقدون بأن المسيح إذا نزل سيقتل كل من لم يدخل في المسيحية.
    ومن المؤتمرات التي عقدت بهذا الصدد المؤتمر المسيحي الصهيوني الدولي الذي عقد في إبريل عام (1988) م, في إسرائيل، وألقى فيه إسحاق شامير رئيس الوزراء بنفسه كلمة الافتتاح.
    وفي كلمته التي اتسمت بالعاطفة والحماسة أكد شامير - وبكل وضوح - استمراره في تثبيت أركان الدولة الصهيونية، ومقاومة الفلسطينيين بكل الوسائل.وفي نهاية كلمته وقف كل المستمعين لتحيته، وذلك حينما دعاهم لأن يدعوا كل مسيحيي العالم لتعضيد دولة إسرائيل وفي هذا المؤتمر قال أحد القساوسة المشاركين فيه، وهو (فان درهوفيه) قال : إن الكنيسة التي لا تتبع هذا الطريق - تأييد إسرائيل - سوف تنتهي مثل الدخان
    ولعلنا نجد من ثمار ذلك ما تقوم به الدول الغربية من حماية لمصالح اليهود، والحرص على هجرتهم، وتشجيعها، وتسهيل ذلك، أو محاولة تخفيف عداء المسلمين لليهود.
    وبالرغم من هذا التحالف إلا أننا نجد بين الفينة والأخرى من يعارضه من النصارى، ويعده أضحوكة يهودية؛ لكي يستغلوا النصارى في تنفيذ مخططاتهم التلمودية.
    ومن هؤلاء الكتاب الذين كتبوا عن هذا الموضوع قس مصري اسمه إكرام لمعي، وينتمي للكنيسة الإنجيلية، وله كتاب اسمه (الاختراق الصهيوني للمسيحية).حيث بيَّن فيه مدى الاستغلال الصهيوني اليهودي للدين المسيحي؛ لتحقيق الأطماع والأحلام

    ومن خلال ما مضى يمكن إجمال علاقة النصارى مع اليهود بما يلي:
    1- أنهم أهل كتاب كما سمَّاهم الله تعالى وكتابهم الذي يجمعهم هو الكتاب المقدس إلا أن اليهود لا يؤمنون بالأناجيل في آخره.
    2- أنهم متعادون فيما بينهم عداء شديداً، وأهم ما يجمعهم عداء المسلمين؛ حسداً من عند أنفسهم.
    3- أنهم متفقون مع اليهود في عقيدة المسيح المنتظر الذي سينزل في آخر الزمان، وأن مكان نزوله في فلسطين.
    ولكنهم يختلفون في ماهية هذا المنتظر؛ فاليهود يزعمون أنه ملك السلام الذي سيحكم الأرض، ويقتل كل من سوى اليهود.
    والنصارى يعتقدون أنه المسيح عليه السلام، وأنه سيدخل جميع الناس في النصرانية ومن رفض قتله.
    والحقيقة أنهم ينتظرون المسيح الدجال، والنصارى ينتظرون مسيحاً وهميًّا لا حقيقة له.
    والمسلمون ينتظرون المسيح عليه السلام؛ ليحكم بشرع محمد ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً
    وقد حققوا من جراء هذا التحالف الشيء الكثير، كالإطاحة بالخلافة الإسلامية، وباحتلال اليهود لفلسطين.

    عداوة النصارى للمسلمين، وموقفهم منهم:

    أ- في القديم:
    منذ أن ظهر دين الإسلام وأهل الكتاب يكيدون لهذا الدين ولنبيه، ويتربصون بالمؤمنين الدوائر.
    وقد أخبر الله -سبحانه وتعالى- عن عداوتهم للمسلمين، وأنها من سننه الكونية،
    قال الله تعالى: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217]
    وقال: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ [البقرة:109]
    وقال: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:105]
    وأخبر تعالى أنهم لا يقنعون بشيء حتى نتبعهم في دينهم, قال عزَّ وجلَّ: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم [البقرة:120]
    ولقد وقف النصارى من المسلمين موقف المعادي المبغض الشانئ, وحاولوا بكل ما أوتوا من قوة على مرِّ العصور أن يردوا هذه الأمة عن دينها, وسلكوا في هذا السبيل طرائق شتى، وخططاً مختلفة ملائمة لكل زمان ومكان.
    ففي الماضي قاموا بحرب المسلمين وغزوهم في بلادهم، مع أنهم كانوا ينعمون في ظل عدالة الدولة الإسلامية أكثر مما يلقونه تحت حكم النصارى أنفسهم.
    وما الحروب الصليبية عنا ببعيد، تلك الحروب التي استمرت قرنين من الزمان (490هـ -690)هـ، والتي قامت بين المسلمين في المشرق العربي وبين الصليبيين القادمين من أوربا؛ لاحتلال بيت المقدس وبلاد الشام ومصر، والقضاء على الإسلام، وَوَقْفِ انتشاره في أوربا.
    وهي حروب دينية شنَّتها أوربا النصرانية الحاقدة بدعوى تحرير القدس من المسلمين، والحقيقة أنها قامت لإذلال المسلمين، ورغبة في القضاء على الإسلام.
    ويذكر المؤرخون أن لتلك الحرب أسباباً كثيرة، ولعل أهمها وأجلاها وأوضحها ما يلي:
    1- الحقد الصليبي، والعداء للإسلام.
    2- ما أثاره الرهبان والبابوات في نفوس النصارى في أوربا, ومن تلك الإثارات ما قام به القديس بطرس؛ حيث أخذ يجوب أوربا على حماره، ويحرض الأوباش والعوام على تحرير القدس, والاستعداد لنزول المسيح.
    3- رغبة النصارى في التوسع.
    4- رغبة البابا أوربان الثاني في توحيد الكنيستين الشرقية والغربية, ومحاولته جمع النصارى تحت هدف مشترك، وهو قتال المسلمين, وغزوهم في بلادهم، وذلك عندما دعا البابا أوربان الثاني إلى مؤتمر (كليرمونت)، وألقى فيه كلمة مشهورة ملأها بالهجوم على المسلمين، وإثارة الأحقاد في نفوس النصارى, ثم أخرج في نهاية الخطبة صليباً، وعلَّقه على صدره, ودعا الحاضرين إلى تعليقه والدفاع عنه.
    وبعد ذلك بدأت أول حملة عام (490)هـ, بقيادة (جود فري دريموند)، واستولى على كثير من بلاد الشام، ثم تتابعت الحملات، واستولوا على كثير من بلاد المسلمين، وأهمها بيت المقدس عام (492)هـ, وما كانوا ليستطيعوا فعل ذلك لولا أن المسلمين متناحرون متفككون يشتغل بعضهم ببعض.
    عندئذ قام النصارى بتلك الحروب، وقتلوا المسلمين شرَّ قتلة في كثير من الأماكن، وخصوصاً في بيت المقدس؛ حيث مثَّلوا في القتلى، فلم يوقروا كبيراً، ولم يرحموا صغيراً, حتى النساء لم تسلم منهم، بل إن الزهاد والعباد الذين انقطعوا للعبادة في بيت المقدس لم يسلموا منهم, حتى إن الخيل غاصت إلى الركب من جثث القتلى؛ حيث قتل الآلاف من أهل تلك البلاد.
    ومهما يكن من شيء فإن المسلمين آنذاك كانوا يعرفون الداء والدواء؛ فالداء يكمن في بعدهم عن دينهم وعقيدتهم, والدواء بالرجوع إلى ذلك, فهم يعرفون سبيل العزة.
    ولماَّ كانت تلك الجذوة تتحرك في قلوبهم؛ ولما كانوا يتَّهمون أنفسهم ويلقون باللائمة عليها، كان ذلك بداية طريق العزة.
    ومن هنا تعالت صيحات الجهاد، وارتفعت الدعوات مطالبة باستعادة الأراضي، وطرد عُبَّاد الصليب, ولذلك سادت الروح الجهادية في ذلك العصر,
    وهكذا نجد أن روح الجهاد سرت في ذلك العصر, ثم قيَّض الله -سبحانه وتعالى- رجالاً مؤمنين مخلصين مجاهدين، كأمثال عماد الدين زنكي, ونور الدين محمود، وصلاح الدين - رحمهم الله أجمعين - فاستعاد المسلمون بعد ذلك ما أخذه الصليبيون، واستردوا بيت المقدس, ولا ينسى الصليبيون موقف صلاح الدين منهم عندما عفا عنهم بعد أن قدر عليهم.
    وإن ينسَ المسلمون شيئاً فلن ينسوا ما فعله النصارى في الأندلس, تقول الدكتورة سينجريد هونكه: في (2) يناير (1492) م, رفع الكاردينال (دبيدر) الصليب على الحمراء القلعة الملكية للأسرة الناصرية؛ فكان ذلك إعلاناً بانتهاء حكم المسلمين على إسبانيا, وبانتهاء هذا الحكم ضاعت تلك الحضارة العظيمة التي بسطت سلطانها على أوربا طوال القرون الوسطى.
    وقد احترمت المسيحية المنتصرة اتفاقاتها مع المسلمين لفترة وجيزة، ثم باشرت عملية القضاء على المسلمين وحضاراتهم وثقافتهم.
    لقد حُرِّم الإسلام على المسلمين، وفرض عليهم تركه، كما حرِّم عليهم استخدام اللغة العربية والأسماء العربية، وارتداء اللباس العربي, ومن يخالف ذلك كان يحرق حيًّا بعد أن يُعذَّب أشد العذاب
    وهكذا قوِّضت أطناب الدولة الإسلامية في الأندلس، وانتهى الإسلام من تلك الربوع التي رفرفت فيها رايته ثمانية قرون، فلم يبقَ مسلم واحد في إسبانيا يظهر دينه.
    وغير خافٍ ما قامت به محاكم التفتيش من التفنن في أساليب القتل والوحشية في المخالفين لها من المسيحيين، فضلاً عن المسلمين.
    فمن ذلك أنهم وضعوا غرفاً فيها آلات رهيبة للتعذيب،
    منها: آلات لتكسير العظام، وسحق الجسم البشري, وكانوا يبدؤون بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجيًّا حتى يهشم الجسم كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة من العظام المسحوقة، والدماء الممزوجة باللحم المفروم.
    ومن ذلك أن هناك آلة للتعذيب على شكل تابوت تثبت فيه سكاكين حادة يلقى بها المعَّذب، ثم يطبقون بابه وخناجره, فإذا أغلق مَزَّق جسم المعذب المسكين وقطَّعة إرباً إرباً
    .وهناك آلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب ثم تشد ليخرج منها اللسان
    ثم بعد ذلك كان هناك تفكير ذكي اتعظ بالهزائم العسكرية المتلاحقة التي مني بها الغرب، ونقَّب عن السر العظيم لصلابة المسلمين، وانتفاضتهم المفاجئة، ووجد السر فعلاً؛ أنه الإسلام نفسه ولا شيء سواه.
    ولقد فكَّر الغرب في تحطيم تلك القوة وذلك الرصيد في نفوس المسلمين، ووضع خطته الخبيثة بناء على النتيجة, خطة لا تقوم على إبادة المسلمين، ولا على احتلال أراضيهم، وإنما تقوم على إبادة الإسلام نفسه، واقتلاعه من نفوس أبنائه وضمائرهم، أو تقليص دائرته، وعزله عن واقع الحياة
    وبدؤوا بالسير حثيثاً في سبيل ذلك الأمر، وأخذوا بوصية لويس التاسع الذي أُسِر بالمنصورة في إحدى الحروب الصليبية،
    وعندما خرج أوصى قومه بأن يعملوا على إذابة الإسلام من نفوس أهله، وإطفاء تلك الجذوة التي ما تفتأ تعود بقوة بعد أن يُظنَّ أن المسلمين قد انتهوا تماماً، ألا وهي العقيدة.
    فطالما أن جذوة العقيدة تتقد في قلوب المسلمين فإنهم لن يهزموا، وإن هزموا فسيعودون مرة أخرى.
    فما الحل إذاً، وكيف تهزم هذه الأمة ؟
    أخذ الغرب يبحث عن الحل فارتأى أن الحلَّ هو حرب العقيدة نفسها.
    وقد سلكوا في هذا السبيل وسائل عديدة امتازت بالدقة والتنظيم،
    وتتلَّخص جهودهم في عدة وجوه وهي:
    1- الاستشراق.
    2- الاحتلال العسكري.
    3- التنصير (التبشير).
    ----------------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا

    التالي :

    النصارى في التاريخ الإسلامي:

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5386
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    ثانياً :: . البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس: .بشارات الأنبياء: .بشارة يعقوب Empty النصارى في التاريخ الإسلامي:

    مُساهمة من طرف صادق النور السبت أغسطس 26, 2023 1:57 pm


    يتبع ما قبله

    النصارى في التاريخ الإسلامي

    لما ظهر الإسلام وتوسعت الفتوحات في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين كان النصارى قسمين:
    الأول:
    الغالبية منهم دخلت الإسلام:
    طوعا أو كرها، وهم نصارى الجزيرة العربية والعراق والشام وفلسطين، ومصر وأفريقية، وكذلك النصارى من أهل فارس وما حولها من بلاد الشرق، وكان النصارى أكثر قبولا للإسلام من اليهود والمجوس والوثنيين.
    الثاني:
    البقية الذين لم يدخلوا الإسلام وهم على حالين:
    أ- نصارى لم تصلهم الفتوحات الإسلامية، وهم نصارى أوروبا (عدا الأندلس وشرق أوروبا)، وهؤلاء مركزهم روما، ومنهم انطلقت الهجمات النصرانية على المسلمين في الشام ومصر وأفريقية أيام الحروب الصليبية وما قبلها وما بعدها إلى عهد ما يسمى بـ (الاستعمار الحديث) بل وحتى اليوم.
    ب- النصارى الذين بقوا على نصرانيتهم داخل الدولة الإسلامية (أهل الذمة) أو تحت الرق، وكان لهؤلاء دور كبير في الكيد للإسلام والمسلمين، وكثيرا ما يتضامنون مع اليهود سرا في ذلك، كما حصل في مقتل عمر رضي الله عنه والفتن التي تلت ذلك، كما أن هؤلاء قاموا بجهد كبير في بثِّ المعتقدات والشبهات والفلسفات الدخيلة على العقيدة الإسلامية، والتي أسفرت عنها الفرق الكلامية كالقدرية، والجهمية، والمعتزلة، والفرق الباطنية: كالرافضة، والإسماعيلية، والحلولية، والاتحادية والاتجاهات الفلسفية، والطرق الصوفية، وكل هذه الفرق والمذاهب أثر النصرانية فيها جلي واضح.
    وللنصارى في العصر الحديث أثر كبير في غزو المسلمين عسكريا وسياسيا، وفكريا، وأخلاقيا، واقتصاديا.

    الانتشار ومواقع النفوذ:

    - تنتشر النصرانية اليوم في معظم بقاع العالم، وقد أعانها على ذلك الاستعمار والتنصير الذي تدعمه مؤسسات ضخمة عالمية ذات إمكانات هائلة.
    يتضح مما سبق:
    - لم تكن عقيدة التثليث معروفة في عصر الحواريين (العصر الرسولي)
    تقول دائرة المعارف الفرنسية (وإن تلاميذ المسيح الأوّلين الذين عرفوا شخصه وسمعوا قوله كانوا أبعد الناس عن اعتقاد أنه أحد الأركان الثلاثة المكوِّنة لذات الخالق، وما كان بطرس حواريه يعتبره أكثر من رجل يوحى إليه من عند الله).
    وتستشهد على ذلك بأقوال قدماء المؤرخين مثل جوستن ماراستر من القرن الثاني الميلادي، حيث يصرِّح بأنه كان في زمنه في الكنيسة مؤمنون يعتقدون أن عيسى هو المسيح، ويعتبرونه إنساناً بحتاً، وأنه كان أرقى من غيره من الناس،
    وحدث بعد ذلك أنه كلما تنصَّر عدد من الوثنيين ظهرت عقائد جديدة لم تكن من قبل.
    - لضياع النصوص الأصلية من الأناجيل نتيجة للاضطهاد من جانب، وللاحتكاك والتأثر بالفلسفات والحضارات الشرقية والوثنية من جانب آخر، حملت الديانة النصرانية المحرفة عوامل اختلافها وتناقض نصوصها، الذي ظهر بشكل واضح من خلال المجامع المختلفة التي عقدت لوضع أصول الدين وتشريعاته بشكل لم يَرِد عن المسيح عليه السلام ولا عن حوارييه.

    - سيطرت عقائد وأفكار بولس على النصرانية؛ يقول دبليو ريد (إن بولس قد غيَّر النصرانية لدرجة أنه أمسى مؤسسها الثاني، إنه في الواقع مؤسس المسيحية الكنسية).
    ويؤيده لوني دنيله، وستون استيورت، جيمبرلين في أن بولس أضفى على المسيحية بتمزيقها إطاراً غير اليهودية، ولذلك بات خالق الكنائس التي أسست باسم اليسوع. ويقول لوني نيك (لو لم يكن بولس لعادت المسيحية فرقة من الديانة اليهودية، ولما كانت ديانة كونية).

    - كل ما ذكر عن برنابا وبطرس في رسائل بولس فإنما هي قبل الافتراق، حيث كان لتلاميذ بولس من أمثال لوقا ويوحنا دورٌ كبير في إخفاء تاريخهما بعد الخلاف بينهما،
    وهذا ما أيدته دائرة المعارف البريطانية من أن قوة نفوذ وأتباع بولس أخفت تاريخ كل من يعارض بولس مثل برنابا وبطرس.
    - هناك رسالتان تُنسبان لبطرس يوافق فيهما أفكار بولس، أثبتت دائرة المعارف البريطانية أنهما ليستا له، وأنهما مزوَّرتان عليه حيث تتعلَّق بتاريخ ما بعد موته، ولم تقبلهما كنيسة روما إلا في سنة(264) م، بينما اعترفت بهما الإسكندرية في القرن الثالث،
    وكذلك بالنسبة للرسالة المنسوبة ليعقوب، يؤكد العلماء عدم صحة نسبتها إليه أيضاً حيث أوصى يعقوب بولس بأداء الكفارة لخلافه شريعة التوراة، وألزمه بالعمل بها.

    - لم تُعرف الأناجيل الأربعة المتفق عليها عند النصارى اليوم المعرفة الكاملة قبل مجمع نيقية (335) م, حيث تمَّ اختيارها من بين عشرات الأناجيل، وأما الرسائل السبع فلم يعترف المجمع المذكور بالكثير منها، وإنما تمَّ الاعتراف بها فيما بعد.

    - إن تلاميذ المسيح عليه السلام ليسوا بكتَّاب هذه الأناجيل فهي مقطوعة الإسناد، والنصوص الأصلية المترجَم عنها مفقودة، بل ونصوص الإنجيل الواحد متناقضة مع بعضها فضلاً عن تناقضها مع غيرها من نصوص الأناجيل الأخرى، مما يبطل دعوى أنها كُتبت بإلهام من الله تعالى.
    - بعد الدراسة المتأنية لنصوص الإنجيل نجد فضلاً عن التناقضات، لا بين نصوص الإنجيل الواحد أو الأناجيل المختلفة فقط، وإنما بين نصوص الأناجيل ورسائل الرسل المزعومة، وأيضاً بينها وبين نصوص العهد القديم ما يدلِّل ويؤكد التحريف، سواء كان بقصد أو بغير قصد.
    - هناك مئات النصوص في الأناجيل الأربعة تدل على أن عيسى إنسان وليس إلهاً، وأنه ابن الإنسان، وليس ابن الله، وأنه جاء رسولاً إلى بني إسرائيل فقط، مكملاً لشريعة موسى وليس ناقضاً لها.
    - وهناك نصوص أخرى تدل على أن عيسى لم يُصلب، وإنما أنجاه الله ورفعه إلى السماء، وتدحض كذلك عقيدة الغفران،
    وتبين أن الغفران يُنال بالتوبة وصلاح الأعمال. وهناك نصوص إنجيلية تؤكد بشارة عيسى بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
    - بل إن هناك نصوصاً عديدة في الرسائل تثبت زيف زعم بولس بأنه يوحى إليه، وتبين كذلك تناقضه مع نفسه ومع عيسى عليه السلام.
    - رأينا كيف تدخَّلت السياسة والحكام في تقرير عقائد الكنيسة وتبديلها من خلال المجامع المختلفة، وأن الأصل في الخلاف بين الكنيستين الشرقية والغربية نشأ لا عن موقف عقدي بقدر ما هو محاولة إثبات الوجود والسيطرة.

    - لقد ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن في آيات عديدة إفكَ النصارى وقولهم في مريم، واعتقادهم في المسيح على اختلاف مذاهبهم، مبيِّناً انحرافهم، ومصحِّحاً عقائدهم، وداعياً إياهم إلى عدم الغلو في الدين، وأن لا يقولوا على الله إلا الحق.

    - وعموماً فإن النصارى يُعتبرون بالنسبة للمسلمين أهل كتاب مثل اليهود، وحكمهم في الإسلام سواء، فقد كذَّبوا برسول الله وآياته، وأشركوا بالله، فهم بذلك كفار لهم نار جهنم خالدين فيها. يقول تعالى: إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية [البينة: 6]
    لكنهم مع ذلك يُعاملون بما أمر الله تعالى به من الإحسان والبر والقسط إليهم، وأكل طعامهم والتزوج من نسائهم، طالما أنهم لم يقاتلونا في الدين، ولم يخرجونا من ديارنا، فهم أهل ذمة إذا عاشوا في ديار المسلمين، ما لم ينقضوا عهدهم، فإن نكثوا عهدهم وتجرؤوا على الإسلام والمسلمين؛ بأن حاولوا الدعوة إلى باطلهم وكفرهم بين أبناء المسلمين، أو طعنوا في الدين مثلاً، فلابد من قتالهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله.
    --------------------------------------------------------------------
    وما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا

    التالي :

    فرق النصارى: : أهم الفرق القديمة

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع


      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد نوفمبر 24, 2024 3:17 pm