آل راشد



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

آل راشد

آل راشد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
آل راشد

ثقافى-اجتماعى

*** - اللَّهُمَّ اَنَكَ عَفْوٍ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعِفُو عَنَّا - *** - اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك . *** - اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا تَوْبَةً نَصُوحًا قَبْلَ الْمَوْتِ وَ ارْزُقْنَا حُسْنَ الْخَاتِمَةِ . *** -

إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا شَابَتْ عَبِيدَهُمْ.. .. فِي رِقِّهِمْ عَتَقُوهُمْ عِتْقَ أَبْرَارٍ .. .. وَأَنْتَ يَا خَالِقِيُّ أوْلَى بِذَا كَرَمًا.. .. قَدْ شُبْتُ فِي الرِّقِّ فَأَعْتَقَنِي مِنَ النَّارِ .

المواضيع الأخيرة

» فضل توحيد الله سبحانه
تحويل القبله و الحوادث الفارقة في تميُّز الصفِّ المسلم Ooou110أمس في 3:20 pm من طرف عبدالله الآحد

» وجوب الدعوة إلى توحيد الله سبحانه
تحويل القبله و الحوادث الفارقة في تميُّز الصفِّ المسلم Ooou110الخميس نوفمبر 21, 2024 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد

» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
تحويل القبله و الحوادث الفارقة في تميُّز الصفِّ المسلم Ooou110الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد

» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
تحويل القبله و الحوادث الفارقة في تميُّز الصفِّ المسلم Ooou110الأربعاء نوفمبر 20, 2024 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد

» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
تحويل القبله و الحوادث الفارقة في تميُّز الصفِّ المسلم Ooou110الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد

» العبادة وأركانها
تحويل القبله و الحوادث الفارقة في تميُّز الصفِّ المسلم Ooou110الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد

» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
تحويل القبله و الحوادث الفارقة في تميُّز الصفِّ المسلم Ooou110الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد

» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
تحويل القبله و الحوادث الفارقة في تميُّز الصفِّ المسلم Ooou110الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور

» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
تحويل القبله و الحوادث الفارقة في تميُّز الصفِّ المسلم Ooou110الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد

» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
تحويل القبله و الحوادث الفارقة في تميُّز الصفِّ المسلم Ooou110السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد

اهلا بكم

الثلاثاء نوفمبر 08, 2011 2:32 am من طرف mohamed yousef

تحويل القبله و الحوادث الفارقة في تميُّز الصفِّ المسلم Ooousu10

المتواجدون الآن ؟

ككل هناك 57 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 57 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الأربعاء سبتمبر 15, 2021 4:26 am

احصائيات

أعضاؤنا قدموا 10131 مساهمة في هذا المنتدى في 3407 موضوع

هذا المنتدى يتوفر على 311 عُضو.

آخر عُضو مُسجل هو Pathways فمرحباً به.

دخول

لقد نسيت كلمة السر

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع


    تحويل القبله و الحوادث الفارقة في تميُّز الصفِّ المسلم

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود تحويل القبله و الحوادث الفارقة في تميُّز الصفِّ المسلم

    مُساهمة من طرف صادق النور السبت مارس 04, 2023 7:14 am


    بسم الله الرحمن الرحيم
    والصلاة والسلام علي سيد المرسلين سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم

    تحويل القبله و الحوادث الفارقة في تميُّز الصفِّ المسلم

    وقعت في سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- حوادث فارقة في توجيه مسيرة الأمة المسلمة، وحادثة تحويل القبلة من الحوادث الفارقة في تميُّز الصفِّ المسلم، وهتْكِ سرائر الحاقدين والمرجفين، وهكذا يظلُّ تحويل القبلة حدثًا فارقًا في تاريخ الدَّعوة الإسلاميَّة، ومسيرةِ بناء الدولة المسلِمة.

    عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- (إِنَّ الْيَهُود قَوْمٌ حُسَّدٌ وَإِنَّهُمْ لَا يَحْسُدُونَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَا عَلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّتِي هَدَانَا اللهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هَدَانَا اللهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإمَامِ: آمِينَ، وَعَلَى السَّلَامِ)

    ظل المسلمون طيلة العهد المكّي يتوجّهون في صلاتهم إلى المسجد الأقصى امتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى، الذي أمر باستقباله وجعله قبلةً للصلاة. وفي تلك الأثناء كان رسول الله صل الله عليه وسلم ، يمتثل للحكم الإلهي وفي فؤاده أمنية كبيرة طالما راودته،
    وتتمثّل في التوجّه إلى الكعبة بدلاً من المسجد الأقصى، ذلك لأنها قبلة أبيه النبي إبراهيم وهو أولى الناس به، وأوّل بيتٍ وضع للناس، ولحرصه على أن تتميّز الأمة الإسلامية في عبادتها عن غيرها من الأمم التي حرّفت وبدّلت.
    ويدلّ على ذلك قول البراء بن عازب: «وكان يحب أن يوجّه إلى الكعبة». رواه البخاري.
    وما كان لرسول الله أن يخالف أمر ربّه، بيد أنه استطاع الجمع بين رغبته في التوجّه إلى الكعبة وعدم مخالفة الأمر بالتوجّه إلى المسجد الأقصى بأن يصلّي أمام الكعبة ولكن متّجها إلى الشمال، كما يدلّ عليه الحديث الذي رواه ابن عباس حيث قال:
    « كان رسول الله يصلي وهو بمكة نحو المسجد الاقصى والكعبة بين يديه.» رواه أحمد.
    ثم أذن الله بالهجرة، ووصل المسلمون إلى المدينة، وبُنيت المساجد، وشرع الأذان، والنبي لم ينس حبّه للكعبة ويحزنه ألا يستطيع استقبال القبلتين معا كما كان يفعل في مكّة، وكان شأنه بين أن يخفض رأسه خضوعاً لأمر الله وأن يرفعه أملاً في إجابة دعوته. ويصف القرآن الكريم حال النبي بقوله: «قد نرى تقلب وجهك في السماء» (البقرة: 144)

    متى وقع تحويل القبلة؟

    عندما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدينة كان يستقبل بيت المقدس، وبقي على ذلك ستة - أو سبعة - عشر شهراً، كما ثبت في الصحيحين من حديث البَرَاءِ بن عازب -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَلَّى إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ. . . الحديث.

    ثم بعد ذلك أمره الله تعالى باستقبال الكعبة ( البيت الحرام ) وذلك في قوله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144]

    فأمر الله تعالى نبيَّه في هذه الآية باستقبال الكعبة، ومن ذلك الوقت صارت الكعبة قبلته -صلى الله عليه وسلم-، وقبلة أمته مِن بعده.

    الحكمة من تحويل القبلة

    إنَّ لله تعالى في جعل القبلة إلى بيت المقدس، ثم تحويلها إلى الكعبة، حِكَما عظيمة، منها:

    أ- محنة وابتلاء ليتميز الصف

    الفارق بين مَن يعبد الله ومَن يعبد هواه، سرعة الاستجابة والامتثال لأوامر الشرع ولو تعارضتْ مع أهواء النفس، وتصادمت مع آراء الناس،
    قال ابن القيم: كان لله في جعل القبلة إلى بيت المقدس ثم تحويلها إلى الكعبة حكمٌ عظيمة، ومحنة للمسلمين والمشركين واليهود والمنافقين.

    فأما المسلمون فقالوا: سمعنا وأطعنا وقالوا: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] وهم الذين هدى الله، ولم تكن كبيرةً عليهم.

    وأما المشركون فقالوا: كما رجع إلى قبلتنا، يوشك أن يرجع إلى ديننا، وما رجع إليها إلا أنه الحق.

    وأما اليهود فقالوا: خالف قبلةَ الأنبياء قبله، ولو كان نبيا لكان يصلي إلى قبلة الأنبياء.

    وأما المنافقون فقالوا: ما يدري محمد أين يتوجه، إن كانت الأولى حقا فقد تركها، وإن كانت الثانية هي الحق فقد كان على باطل، وكثرت أقاويل السفهاء من الناس،
    وكانت كما قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البقرة: 143] وكانت محنة من الله امتحن بها عباده ليرى من يتبع الرسول منهم ممن ينقلب على عقبيه.

    - فعندما تُبتلى النفوس يتبين مَنْ يعبد الله ممنْ يعبد هواه، عن سعيد بن جبير قال: لقيني راهبٌ فقال: يا سعيد، في الفتنة يتبين من يعبد الله ممن يعبد الطاغوت.

    - وعندما تُبتلى النفوس يظهر مَن يعبد الله على حرفٍ ممن رسخت أقدامه في الإيمان،
    قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج: 11]

    - وعندما تُبتلى النفوس يتبين مَن يعبد الله رجاءَ ما عند الله، ممن لا يريد إلا الدنيا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ المَدِينَةَ، فَإِنْ وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلاَمًا، وَنُتِجَتْ خَيْلُهُ، قَالَ: هَذَا دِينٌ صَالِحٌ، وَإِنْ لَمْ تَلِدِ امْرَأَتُهُ وَلَمْ تُنْتَجْ خَيْلُهُ، قَالَ: هَذَا دِينُ سُوءٍ؟.

    ب- لتحويل القبلة أبعادٌ كثيرة

    إن لتحويل القبلة أبعادًا كثيرة، منها: السياسي، والعسكري، والديني البحت، والتاريخي.

    فبُعْدها السياسي: أنها جعلت الجزيرة العربية محور الأحداث

    وبُعدها التاريخي: أنها ربطت هذا العالم بالإرث العربي لإبراهيم عليه الصلاة والسلام وبُعدها العسكري: أنها مهدت لفتح مكة وإنهاء دولة الشرك فيها

    وبعدها الديني: أنّها ربطت القلوب بالحنيفية، وميزت الأمة الإسلامية عن غيرها. .
    ومن ثَمَّ كان تحويل القبلة نعمةً من نعم الله علينا، كما قال الله تعالى: { وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [البقرة: 150].

    ج- كما أن تحويل القبلة فيه إشارة إلى انتقال القيادة والإمامة في الدين من بني إسرائيل الذين كانت الشام وبيت المقدس موطنهم إلى العرب الذين كانت الحجاز مستقرهم، قال تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]

    دروس ووقفات مع هذا الحديث العظيم

    لقد كانت حادثة تحويل القبلة، حادثة عظيمة، فيها من الدروس والعبر الكثير، والتي ينبغي الوقوف معها والاستفادة منها، ومن ذلك:

    الوقفة الأولى: مع نبي الإسلام

    - بيان عظيم مكانة النبي -صلى الله عليه وسلم- عند الله
    استجاب الله دعاء نبيه -صلى الله عليه وسلم- وحقق الله رجاءه، وما ذلك إلا لعظيم مكانته عند ربه،
    قال الله تعالى: { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: 144]

    قال ابن القيم: فهو -صلى الله عليه وسلم- الذي شرح الله له صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره، وجعل الذلة والصغار على مَن خالف أمره، وأقسم بحياته في كتابه المبين، وقرن اسمَه باسمه فإذا ذُكِرَ ذُكِرَ معه كما في الخطب والتشهد والتأذين، وافترض على العباد طاعته ومحبته والقيام بحقوقه، وسدَّ الطرق كلها إليه وإلى جنته فلم يفتح لأحد إلا من طريقه؛ فهو الميزان الراجح الذي على أخلاقه وأقواله وأعماله توزن الأخلاق والأقوال والأعمال، والفرقان المبين الذي باتباعه يميز أهل الهدى من أهل الضلال.

    - على قدر الهمة في الدين يكون المدد من رب العالمين

    ظلَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يقلِّبُ وجهه في السماء سائلا ربه مستعطفا راجيا، إلى أن حقق الله مطلوبه وأعطاه منهاه،
    وهكذا تُنال المطالب وتُقضى الحاجات، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:
    (غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ،. . . . فَدَنَا مِنَ القَرْيَةِ صَلاَةَ العَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ: إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا، فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ).

    قال ابن القيم: المعونةُ من الله تنزل على الْعباد على قدر هممهم وثباتهم ورغبتهم ورهبتهم، والخذلان ينزل عَلَيْهِم على حسب ذَلِك، فَالله سُبْحَانَهُ أحكم الْحَاكِمين وَأعلم الْعَالمين يضع التَّوْفِيق فِي موَاضعه اللائقة بِهِ والخذلان فِي موَاضعه اللائقة بِهِ هُوَ الْعَلِيم الْحَكِيم.

    - إثبات نبوة النبي -صلى الله عليه وسلم-

    فقد أخبر الله تبارك وتعالى بما سيقوله اليهود عند تحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، قبل وقوع الأمر بالتحويل، ولهذا دلالته، فهو يدل على صدق نبوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ هو أمر غيبي، فأخبر عنه -صلى الله عليه وسلم- بآيات قرآنية قبل وقوعه ثم وقع، وفي ذلك يقول الله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 142]

    الوقفة الثانية: مع الصحابة

    - نتعلم من الصحابة كمال التسليم والانقياد لأوامر الله

    فالمسلم عبدٌ لله تعالى، يسلِّم لأحكامه وينقاد لأوامره بكل حب ورضا، ويستجيب لذلك، ويسارع للامتثال بكل ما أوتي من قوة وجهد، فأصل الإسلام التسليم، وخلاصة الإيمان الانقياد، وأساس المحبة الطاعة، لذا كان عنوان صدق المسلم وقوة إيمانه هو فعل ما أمر الله والاستجابة لحكمه، والامتثال لأمره في جميع الأحوال، لا يوقفه عن الامتثال والطاعة معرفة الحكمة واقتناعه بها،
    لأنه يعلم علم اليقين، أنه ما أمره الله تعالى بأمر ولا نهاه عن شيء، إلا كان في مصلحته سواء علم ذلك أو لم يعلمه،
    كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } [الأحزاب: 36]

    هذه الطاعة، وذلك التسليم، الذي أقسم الله تعالى بنفسه على نفي الإيمان عمن لا يملكه في قوله تعالى: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]

    والصحابة -رضي الله عنهم- ضربوا أروع الأمثال في سرعة امتثالهم لأوامر الشرع، فلما أُمِروا بالتوجه إلى المسجد الحرام سارعوا وامتثلوا، بل إن بعضهم لما علم بتحويل القبلة وهم في صلاتهم تحولوا وتوجهوا إلى القبلة الجديدة في نفس الصلاة،
    عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ، إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الكَعْبَةِ.

    وعَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلاَةٍ صَلَّاهَا صَلاَةَ العَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ البَيْتِ.

    - مِن مواقف الانقياد والتسليم عند الصحابة -رضي الله عنهم-:

    - إراقة الخمور بمجرد التحريم

    - سرعة استجابة النساء في ارتداء الحجاب

    - والأعجب من ذلك: خلع النعال أثناء الصلاة متابعةً للنبي -صلى الله عليه وسلم- الذي خلعه لنجاسة فيه!. والنماذج في هذا المعنى كثيرة من واقع الصحابة، ولكنها إشارة للعاقل.

    - والسؤال: أين هذا مِن حال مَن يجادلون في آيات الله بغير علم؟! وممن يطعنون في أصول الدين لأنها لا تتوافق مع أهوائهم المنحرفة وعقولهم الخرِبة؟

    - نتعلم من الصحابة: درسًا في معنى الأخوة

    أظهر تحويل القبلة حرص المؤمن على أخيه وحب الخير له، فحينما نزلت الآيات التي تأمر المؤمنين بتحويل القبلة إلى الكعبة، تساءل المؤمنون عن مصير عبادة إخوانهم الذين ماتوا وقد صلوا نحو بيت المقدس، فأخبر الله عز وجل أن صلاتهم مقبولة،
    عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، قَالَ: لَمَّا تَوَجَّهَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْكَعْبَةِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَكَيْفَ الَّذِينَ مَاتُوا، وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}[البقرة:143]

    - وهكذا الأخوة الصادقة لا تنقطع بالموت، بل لا تنقطع في أحلك الظروف في عرصات القيامة،
    فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر شفاعة بعض المؤمنين لإخوانهم، فقال: (فيقولون: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا، كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ).

    لذلك قال الحسن البصري: استكثروا من الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعة يوم القيامة.

    - الأخوة الصادقة تعني: أن نفرح لفرح إخواننا ونحزن لحزنهم؛
    دخل عمر -رضي الله عنه- على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وهما يبكيان،
    فقال: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ؟ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا.

    الوقفة الثالثة: مكانة الأمة الإسلامية وفضلها

    - إنها الأمة الوسط: قال تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]

    يقول ابن كثير: إنما حوَّلناكم إلى قبلةِ إبراهيم، عليه السلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم، لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم؛ لأن الجميع معترفون لكم بالفضل.

    فهذه الأمة هي الأمة الوسط في التصور والاعتقاد، وفي التفكير والشعور في التنظيم والتنسيق، في الارتباطات والعلاقات، وحتى في المكان في سُرَّةِ الأرض وأوسط بقاعها.

    - إنها أعظم الأمم وأسبقها فضلاً

    قال الله تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } [آل عمران: 110]

    عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-
    يَقُولُ (أَنْتُمْ تُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ). (21)

    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ).

    - لذلك لا ينبغي الإعجاب بالأمم الكافرة والاقتداء بهم في ضلالهم

    عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ). قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: (فَمَنْ).

    - الوقفة الرابعة: قبلتنا تذكرنا دائما بـــ

    - توحدنا وتوحيدنا
    من كل اتجاه، في أنحاء الأرض جميعًا، قبلة واحدة تجمع هذه الأمة وتوحِّد بينها على اختلاف مواطنها، واختلاف مواقعها من هذه القبلة، واختلاف أجناسها وألسنتها وألوانها، قبلة واحدة، تتجه إليها الأمة الواحدة في مشارق الأرض ومغاربها، فتشعر أنها جسم واحد، وكيان واحد، تتجه إلى هدف واحد، وتسعى لتحقيق منهج واحد، منهج ينبثق من كونها جميعًا تعبد إلهًا واحدًا، وتؤمن برسول واحد، وتتجه إلى قبلة واحدة.
    فالمسلمون يتعلمون من وحدة القبلة، وحدة الأمة في الهدف والغاية، وأن الوحدة والاتحاد ضرورة في كل شئون حياتهم الدينية والدنيوية، قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]

    - قبلتنا تذكرنا: بضرورة تميز المسلمين عن غيرهم

    - لم يكن بُدّ من تمييز المكان الذي يتجه إليه المسلم في الصلاة والعبادة وتخصيصه؛ كي يتميز المسلم وينفرد بتصوره ومنهجه واتجاهه، فهذا التميز تلبية للشعور بالامتياز والتفرد؛ كما أنه بدوره ينشئ شعورًا بالامتياز والتفرد.

    - ومن هنا كذلك كان النهي عن التشبه بغير المسلمين في خصائصهم، التي هي تعبير ظاهر عن مشاعر باطنة،
    عن شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ، وَلَا خِفَافِهِمْ).

    وعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (خَالِفُوا المُشْرِكِينَ: وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ).

    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ).

    ولقد أدرك اليهود مدى حِرْص الرسول -صلى الله عليه وسلم- على هُوية الأمة وتميزها، والإمعان في مخالفتهم حتى قال قائلهم: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ.

    - قبلتنا تذكرنا بتخليص القلوب من نعرات الجاهلية

    - كان العرب يعظمون البيت الحرام في جاهليتهم، ولما كان الإسلام يريد استخلاص القلوب لله وتجريدها من التعلق بغيره، وتخليصها من كل نعرةٍ، وكل عصبيةٍ لغير منهج الله تعالى، فقد انتزعهم من الاتجاه إلى البيت الحرام، وشاء لهم الاتجاه إلى المسجد الأقصى لفترةٍ ليست بالقصيرة، وما ذاك إلا ليخلِّص نفوسهم من رواسب الجاهلية.

    ثم لمَّا خلصت النفوس وجَّهها الله تعالى إلى قبلةٍ خاصةٍ تخالف قبلة أهل الديانات السماوية الأخرى.

    وقد وصف الله تعالى هذه القدرة على تخليص النفوس بأنها "كبيرة": { وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البقرة: 143]

    - قبلتنا تذكرنا بحقيقة الصراع بيننا وبين أهل الكتاب

    قال تعالى في معرض حديث الآيات عن القبلة { وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ } [البقرة: 145]

    من دروس حادثة تحويل القبلة المهمة،

    أنها وضَّحتْ للمسلمين طبيعة الكفار- من يهود ونصارى وغيرهم- وأنهم لن يرضوا أبدا عن المسلمين إلا أن يتبعوهم ويكونوا مثلهم، قال الله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120]

    وهنا ندرك أصالة عدوان هؤلاء للإسلام والمسلمين، فقد شنوا حربًا إعلامية ضارية في أعقاب حدث تحويل القبلة،
    ولقد فُتن ضعاف الإيمان كما فُتن إخوانهم في حادث الإسراء والمعراج، وإن المتأمل لآيات تحويل القبلة - وهي تردُّ شبهات اليهود - يتبين له مدى ضراوة الحرب الإعلامية والفكرية التي شنَّها اليهود، وما زالوا إلى اليوم يسيطرون على القنوات والأبواق الإعلامية المسموعة والمرئية، وكلُّ همهم هو تشويه صورة المسلمين وتشتيت شملهم، وحالهم
    كما قال الله تعالى { وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا } [المائدة: 64]

    قبلتنا تذكرنا: أن مَن عاش على القبلة مات عليها

    عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي، قال: اشتدَّ وجعُ سعيد بن المسيب، فدخل عليه نافع بن جبير يعوده، فأُغمي عليه، فقال نافع: وجهوه إلى القبلة. ففعلوا، فأفاق، فقال: مَن أمركم أن تُحوِّلوا فراشي إلى القبلة، أنافعٌ؟ قال: نعم. قال له سعيد: لئن لم أكن على القبلة والملة والله لا ينفعني توجيهُكم فراشي.
    -----------------------------------------
    ما زلنا أحبابنا تابعونا جزاكم الله خيرا
    ولا تنسونا من صالح دعائكم
    --
    التالي ::
    أبعاد الحكمة في "تحويل القبلة"

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع

    صادق النور
    صادق النور
    مدير عام


    عدد المساهمات : 5385
    تاريخ التسجيل : 02/02/2010

    محمد عبد الموجود أبعاد الحكمة في "تحويل القبلة"

    مُساهمة من طرف صادق النور السبت مارس 04, 2023 7:47 am


    ما قبله :
    أبعاد الحكمة في "تحويل القبلة

    الشيخ الغزالي رحمه الله يوضح أبعاد الحكمة في "تحويل القبلة"

    مازالت أحداث الإسلام قادرة على أن تمدنا بالكثير من الدروس والعبر في حياتنا المعاصرة؛ حتى نستهدي بهداها، ونستضيء بنورها.. و(تحويل القبلة) هو أحد هذه الأحداث الكبرى في تاريخ الإسلام، التي ينبغي أن نتوقف عندها بالتأمل والإفادة..

    وفي مقاله (لماذا كانت قِبلةُ العالم في أرضنا؟) الذي نشره الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله رحمة واسعة، ضمن كتابه المهم (مائة سؤال عن الإسلام)، يوضح الغزالي أبعاد الحكمة الإلهية في (تحويل القبلة)، وفي جَعْل قبلة العالم في أرض الإسلام.. مبينًا أن ذلك يتصل بأن أمة الإسلام هي الأمة الشاهدة على الأمم، وهي حاملة الرسالة الخاتمة..

    ويؤكد الغزالي أن الكمال البشريَّ لا يَصنعه استقبالُ مكانٍ هنا أو مكان هناك! وإنما الكمال المَنشود هو عملٌ حقيقيٌّ داخل النفس الإنسانية تَزْكو به وتسمو.
    فالعظمة الإنسانية هي اليَقين الراسخ والاستمساك بالله وإنْ هاجت العواصف، وبَذْلُ المعروف وإجابةُ الملهوف ومُساندةُ الضعفاء وإيتاء المَحرومين وهي الثبات على المبدأ وإنْ كثُرتْ المُغرِيات، والمُضيُّ في الجهاد وإنْ فَدَحَت المَغارم!.. فإلى المقال:

    قبل بضعة أسابيع مِن معركة بَدْرٍ وقَعَ حدَثٌ دلالته العميقة في صلة المسلمين بأهل الكتاب؛ فقد كان بيت المَقدس القبلةَ التي يتَّجه إليها أصحاب الأديان السماوية جميعًا، ثم صدر الأمر إلى المسلمين أن يتحوَّلوا مِن بيت المقدس إلى مكة المكرمة.

    ما سِرُّ هذا التحوُّل؟

    الواقع أن أهل الكتاب ما كانوا سُعداء بالدين الجديد! ولا فَهِمُوا مِن وَحْدةِ القِبْلة أن قَرابةً مُشتركة تَرْبطهم بأتْبَاعِه!

    الذي حدث أنهم ضَاقوا أشدَّ الضِّيق بالنبيِّ العربيِّ، وعَدُّوهُ مُنافسًا مَحْذورًا، كأن الأمر صراع على مَغْنَمٍ عاجلٍ أو مَأْرَب قريب!

    الكمال البشري لا يصنعه استقبال مكان ماوإنما هو عمل حقيقي داخل النفس الإنسانية تَزْكو به وتسمو

    ولو كان أهل الكتاب مُخلِصين لأديانهم لكان لهم موقف آخر، فإن العرب كانوا عُبَّادَ أصنام حتى عرَّفهم محمدٌ بالإله الواحد، وكانوا يعيشون ليَوْمهم حتى أقنعهم بالعمل لليوم الآخِر، وكانوا لا يَدْرُون شيئًا عن نُبوَّةٍ سبقت حتى حدَّثهم عن موسى وعيسى وغيرهما مِن المُرسلين!
    فلِمَ الضيق بهذه الرسالة ومُخاصمة صاحبها؟

    بيد أن الأمر تَجاوَزَ الخُصومةَ المُحتمَلةَ إلى ضرْبٍ مِن اللَّدَدِ يُثير الاشمئزاز، تَدَبَّرْ قوله تعالى: (وَدَّ كثيرٌ مِن أَهْلِ الكتابِ لوْ يَرُدُّونَكُمْ مِن بَعْدِ إيمانِكمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِن عنْدِ أنْفُسِهِمْ مِن بعدِ ما تَبَيَّنَ لهم الحقُّ فاعْفُوا واصْفَحُوا حتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) (سورة البقرة: 109)

    الأرض لا تُقدِّس أحدًا.. والمرء يتزكَّى بالهدى والتقى والعفاف والعدالة‍

    وإذا كانت للمُسلمين مساجدُ تَنْبعث مِن مَنائرها صَيْحات التوحيد وتَستقبل ساحاتُها الرُّكَّعَ السجودَ، فإن أهل الكتاب تَوَاصَوْا بصَرْف الناس عن هذه المساجد وتآمَروا على تهْدِيمها (ومَن أَظْلَمُ مِمَّن مَنَعَ مَساجدَ اللهِ أنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وسَعَى فِي خَرَابِهَا) (البقرة: 114)

    فلمْ يَبْقَ بعدئذٍ مَسَاغٌ لمُشاركة هؤلاء الحاقدينَ قِبْلَتَهُمْ، وانْبعثَتْ في نفس الرسول الكريم الرغبةُ في الاتجاه إلى القبلة الأولى، إلى الكعبة التي بناها جدُّه الأكبر إبراهيم الخليل، ولكنَّه لا يستطيع ذلك إلا بإذْن من الله، فلْيَنتظرْ ولْيُؤَمِّلْ!

    ثم جاء على تَلَهُّفٍ وشوْقٍ الأمرُ الإلهيُّ (قد نرَى تَقلُّبَ وَجْهِكَ في السماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسجدِ الحَرامِ) (البقرة: 144) فاتَّجه المسلمون إلى الكعبة المُشرَّفة بعد قُرابة سبعة عشر شهرًا من الصلاة إلى بيت المقدس .
    العرب منذ حملوا رسالة الإسلام وجب عليهم أن يَسْتنيروا بها
    ويُعالجوا علل العالم بدوائها.. فمسئوليتهم مضاعفة

    كانت هذه المُدة كافيةً لفَضْح ضغائن اليهود، وأَثَرَتِهِمْ المُفرِطة، وظنِّهم أن الدِّين مُؤسسة احتكارية يُديرها حُكماءُ صهيون كمَصلحة جنْسٍ مِن الأجناس إنهم لا يَفهمون ولا يُريدون أن يفهموا أن الدين علاقةٌ سَمْحة رَحْبة بين الناس وربِّ الناس .

    وقد بَدَا لي مِن تجاربَ كثيرةٍ أن المُتاجرين بالحقِّ قد يَكونون شَرًّا مِن المَخْدُوعينَ بالباطلِ، وأنّ العرب الأُمِّيِّينَ كانوا بنَقاء سرائرهم أصْلحَ للحياة والأحياء مِن أهل الكتاب المُستكبِرين الشَّرِهِين.

    كان أولئك العرب يَعْتَزُّونَ بكَعْبتهم ويَرغبون طول عُمرهم في استقبالها، وهم لم يَنْسَوا أن اللهَ حمَاها عندما أراد نصارى الحبشة هَدْمَها! وأن قُوَى السماء هي التي تَصدَّت للمُغِيرِين لمَّا عجَز أهل الأرض عن الدفاع،
    فإذا الجيش المُعتدِي يَلْقَى (طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بحِجَارَةٍ مِن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) مع ما كان للمسجد الحرام مِن هذه المَكانة الوطِيدة، فإن الصحابة قبِلُوا عن طِيبِ خاطرٍ تَرْكَ استقباله لمَّا هاجروا، ولبُّوا أَمْرَ الله باستقبال بيت المَقدس!
    كان امتحانًا صعْبًا غير أنهم نَجَحُوا فيه (ومَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ التِي كُنْتَ علَيْهَا إلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنْقَلِبُ على عَقِبَيْهِ وإن كانَتْ لَكَبِيرَةً إلَّا علَى الذِينَ هَدَى اللهُ) (البقرة: 143)

    وعندما يَحْتدمُ النِّقاش حول القِبْلة التي يتَّجه الناس إليها يَذكر الإسلام حقائقَ رفيعةً، يُلْقيها في مَسامع كل مَن يَنتسبون إلى دين!
    حقائقُ لا يُقرِّرها إلا الإسلام وحْده! إنه يتساءل: ما هذا اللَّغَطُ حول الاتجاه إلى شمالٍ أو جنوب؟

    إن الكمال البشريَّ لا يَصنعه استقبالُ مكانٍ هنا أو مكان هناك! الكمال المَنشود عملٌ حقيقيٌّ داخل النفس الإنسانية تَزْكو به وتسمو.

    العظمة الإنسانية هي اليَقين الراسخ والاستمساك بالله وإنْ هاجت العواصف، وبَذْلُ المعروف وإجابةُ الملهوف ومُساندةُ الضعفاء وإيتاء المَحرومين وهي الثبات على المبدأ وإنْ كثُرتْ المُغرِيات، والمُضيُّ في الجهاد وإنْ فَدَحَت المَغارم!

    العرب بهذا الدين أضحى لهم تاريخ جديد وافتتحوا به صفحة مجد باذخ

    إن اتجاه المسلمين إلى المسجد الحرام في صلواتهم حقٌّ لا ريب فيه، وهي قضية تنظيمية سنَشرح بعد قليلٍ أبعادَها، بَيْدَ أن ذلك لا يعني نِسيان الحقيقة في الوصول إلى الكمال الإنسانيِّ والرضوان الإلهي.

    وتَدبَّرْ قولَه تبارَك اسمُه: (ليسَ البِرَّ أنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ والمَغربِ ولكنَّ البِرَّ مَن آمَنَ باللهِ واليومِ الآخِرِ والمَلائكةِ والكتابِ والنَّبِيِّينَ وآتَى المَالَ علَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى واليَتَامَى والمَساكِينَ وابنَ السَّبِيلِ والسَّائِلِينَ وفي الرقابِ وأقامَ الصلاةَ وآتَى الزكاةَ والمُوفُونَ بعَهْدِهِمْ إذَا عَاهَدُوا والصَّابِرِينَ في البَأْسَاءِ والضَّرَّاءِ وحِينَ البَأْسِ أُولئكَ الذينَ صَدَقُوا وأُولئكَ همُ المُتَّقُونَ) (البقرة: 177).

    إن اليهود يَلْتمِسون الشرَّف مِن الانتساب إلى نبيِّ الله يعقوب! والأبُ العظيم لا يرفع شأن بَنِيهِ إذا كانت أعمالُهم هابطةً، وهم يَرتبطون بالقُدس والأرض المُقدسة، والأرض لا تُقدِّس أحدًا، إنَّما يَتَزَكَّى المرءُ بالهُدى والتُّقَى والعَفاف والعَدالة‍.

    والخلاف بين الناس باقٍ إلى قيام الساعة، إنه جُزء مِن طبيعة الحياة، وهو بعض الحِكمة في خلْق الناس! لكن الخلاف مهما اتَّسعت شُقَّته لا يجوز أن يكون مَثَارَ عُدوان وتظالُم، ولا يجوز أن يَجعَلَ الحَيْفَ حَقًّا،
    ومِن ثَم قال الله لنبيِّه: (ولَئِنْ أَتَيْتَ الذينَ أُوتُوا الكِتابَ بِكُلِّ آيةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ومَا أنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ومَا بَعضُهمْ بتَابعٍ قِبْلَةَ بَعضٍ ولَئِنِ اتَّبَعْتَ أهْواءَهُمْ مِن بعدِ مَا جاءَكَ مِن العلْمِ إنَّكَ إذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (البقرة: 145)

    والجملة الأخيرة في الآية الكريمة تُشير إلى خصائص أمَّتنا وإلى الرسالة التي كُلِّفَتْ بحَمْلِهَا إلى آخر الدهْر؛ إن العرب عندما يَحملون للناس حضارةً فهذه تنفرد بأنها مَوصولة بالسماء، تَعرِف الله وتلتزم هُداه، وتَرفض الفلسفات المادية والرغبات المَجنونة في عبادة الحياة ونِسيان ما بعده.

    وقد شاء الله أن يَذكر للعرب وظِيفتهم الدولية عندما جعَل قبلةَ العالَمِينَ في أرضهم، وعندما طالَبَ البشرَ مِن كل مكان أن يُوَلُّوا وُجُوهَهم شَطْرَ المسجد الحرام.

    فما معنى ذلك؟

    إذا قيل: إنَّ موسكو قبلةَ الشيوعيين في العالَم فليس معنى ذلك اتجاهَ اليساريِّين إلى جدارٍ في "الكرملين"؛ بل المعنى أنهم يَسْتَقُون أفكارَهم ويَتلقون توجيهاتهم مِن هناك.

    والواقع أن القرآن الكريم في سياق تحديده للقِبْلة قال للعرب في جلاء: (وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ على النَّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عليكمْ شَهِيدًا) (البقرة: 143)
    والآية تُوضح الوظيفة التي اختارها القدَر لأُمتنا، فإن الله اختار محمدًا صل الله عليه وسلم ليَحمل أماناتِ الوحي وليكون بسِيرته وسُنته أُسوةً حسنة، وقد تلقَّى العرب ذلك منه ليُعلِّموا الناس كما تعلَّموا وليَهدُوهم كما اهتَدَوا، أو ليَكونوا أساتذةً للعالم كما كان محمدٌ صل الله عليه وسلمأستاذًا لهم! تلك وَظِيفَتُهم التي رفعهم الله إليها والتي لابدَّ مِن حسابهم عليها.

    والشهادة على الناس مَنزلة فوق التبليغ العاديّ، قد يكون المرءُ شاهدًا في قضيةٍ لا علاقةَ له بوَقائعها، كل دوره فيها أنه يَقول الحق، فهل هذا دور الأمة العربية في تاريخ البشرية؟ كلَّا ربما تَحوَّل الشاهد إلى مُتَّهَمٍ إذا تبيَّن مِن التحقيق أن له أصابعَ في وُقوع الجريمة!

    والعرب منذُ حَمَلُوا رسالةَ الإسلام وجَبَ عليهم أن يَسْتنيروا بها، وأن يَرفعوا مَنَارها، وأن يَسْتَطِبُّوا بأَدْوِيَتِها، ويُعالِجوا عِلَلَ العالَم بدوائها، فمسئوليتهم مُضاعفة؛ الرسول أمام الله يَشهد بأنه علَّمهم مِن جَهالة وأقامَهم مِن عِوَجٍ، وهم أمام الله كذلك مُطالَبون بالشهادة على سُكان الأرض أنهم بَلَّغُوهم الوحْيَ الأعلَى، وقدَّموا من أنفسهم نماذجَ عمليةً للتقوى والإصلاح والإنصاف!

    تُرَى هل قام العرب بهذه الأمانات؟

    إن رباط العُروبة بالإسلام وَثِيقٌ، وهذا الرباط وحده هو الذي يَجعل العرب أُمَّةً قائدةً رائدة، فإذا وَهَتْ صِلَتُها به فهي تَخُون أساسَ وُجودها، وهي ستتحوَّل حتْمًا مِن رأسٍ إلى ذَنَبٍ! أو مِن أمة تَدفَع غيرَها نحو الخير إلى أمة يُدحرِجها الآخرون إلى الشَّرِّ أو إلى الهاوية!

    وقد تأكَّد هذا المعنى مرة أخرى في سِياق تحويل القبلة مِن المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام،
    وذلك في قوله تعالى: (ومِن حيثُ خرَجتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسجدِ الحَرامِ وحَيْثُ مَا كُنتمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكونَ للناسِ عليكمْ حُجَّةٌ) (البقرة: 150) أيْ: حتى تنقطع حُجج العرب الحُرَّاصُ على كعبتهم، الضائقين بالاتجاه السابق إلى بيت المقدس!

    أما أهل العِناد والمُتشبِّثون بالجاهلية الأولى فلا تَخافوهم؛ فأمرهم إلى إدْبارٍ ونارُهم إلى رَمادٍ (إلَّا الذينَ ظَلَمُوا مِنهُمْ فلَا تَخْشَوْهُمْ واخْشَوْنِ ولِأُتِمَّ نِعْمَتِي عليكمْ ولعلَّكمْ تَهْتَدُونَ) (البقرة: 150)
    أيْ أن الله باختياره المسجدَ الحرامَ قِبلةً لكل مُصلٍّ في الدنيا يُضاعِف على العرَب مِنَّتَهُ ويُتِمُّ عليهم نعمته وقد بدَأ الإنعام عليهم بانبعاث الرسول منهم (كمَا أرْسَلْنَا فيكمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عليْكُمْ آيَاتِنَا ويُعَلِّمُكُمُ الكتابَ والحِكْمَةَ ويُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعلمون) (البقرة: 151)

    والمعنى أن العرب بهذا الدين أضحَى لهم تاريخٌ جديد، وافتَتحوا به صفحة مجْدٍ باذخٍ ما كان لهم به عهْدٌ من قبلُ، ذلك أنهم يَتلُون آيات الحق، ويُمَهِّدُون طريق التربية الفاضلة، ويَخُطُّون مَعْلَمَ الحِكْمة والرشد،
    فلْيَعرفوا لله حقَّه وَلْيَقدُروه قَدْرَه (فاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ واشْكُرُوا لِي ولا تَكْفُرُونِ) (البقرة: 152).

    وهكذا يُخاطب الله العرب ويشرح لهم ما أَسْدَى إليهم من جميلٍ! فهل نَذْكُرُ ونَشْكُرُ!
    = - = - = - ==

    قال الدكتور محمد داود، المفكر الإسلامي والأستاذ بجامعة قناة السويس، إن الله اختار من تاريخ الدعوة ومن حياة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مواقف وأحداثًا أنزل فيها قرآنًا يُتلى إلى يوم القيامة، وهذا لتظل العبرة والموعظة باقية دائمة، وليتعلم المسلمون الدرس إذا ما تعرضوا لمثل هذه المواقف.

    الصلاة نحو الكعبة

    وأضاف "داود"، في تصريح له، أن الله- سبحانه وتعالى- أمر المسلمين بالتوجه إلى بيت المقدس ليخلصهم من بقايا تعلقهم بالبيت الحرام، حيث كان فيه وقتئذ أصنام: (هُبل فوق الكعبة، وإساف ونائلة على الصفا والمروة، وأصنام حول الكعبة).

    مدة الصلاة نحو الأقصى
    وأوضح المفكر الإسلامي أن المسلمين ظلوا قرابة سبعة عشر شهرًا يتوجهون فى صلاتهم إلى بيت المقدس، وخلال هذه الفترة لم تنقطع حملة التشكيك وصناعة الزيف عن المسلمين، قائلين: كيف تتبعون قِبلتنا ولا تتبعون مِلتنا؟.

    وتابع إنه كان ذلك يعز على سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم-؛ فكان يلح فى الدعاء لربه أن يجعل قبلة المسلمين متميزة عن اليهود ويتمنى النبى - صلى الله عليه وسلم- أن تكون قبلة المسلمين إلى الكعبة البهية قبلة أبى الأنبياء إبراهيم عليه السلام.

    دروس وعبر من تحويل القبلة

    أن قُبيل تحويل القبلة أنزل الله على سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله: "سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (البقرة: 142).
    وذلك ليهيِّئ نفوس المسلمين إلى معركة فكرية قادمة إذا ما استجاب الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم- وتم تحويل القبلة، وليكشف عن طبائع اليهود التى لا تنقطع عن السفسطة والجِدال بالباطل.
    أن الله - عز وجل- لقن النبى والمسلمين حجتهم التى تعتمد الدليل العقلى، قال -تعالى- : "قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (البقرة: 142).
    و أن المسلمين لا يعظمون الأشياء ولا الجهات ولا الأماكن لذاتها وإنما التعظيم لأمر الله تعالى، الله أمرنا أن نتوجه إلى بيت المقدس فتوجهنا - ثم أمرنا أن نتوجه إلى البيت الحرام فتوجهنا؛ فالمؤمن يُعظم أمر الله تعالى.
    ونوه بأن الله - تبارك وتعالى-امتن باستجابة دعاء النبى -صلى الله عليه وسلم- بتحويل القبلة، قال- عز وجل- "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا" (البقرة: 144).

    اليهود وتحويل القبلة

    وأشار إلى أنه تمضى بنا الآيات لتكشف حملة اليهود لما تحولت القبلة، حيث قالوا: «إن عبادتكم إلى بيت المقدس أصبحت باطلة بإلغاء قِبلة بيت المقدس وكان البيان الربانى بالحجة البالغة، بأن المسلمين كانوا يتعبدون لله وليس لبيت المقدس،
    ﴿ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (البقرة: 143).
    وأفاد بأن الآيات الكريمة تمضي بنا أيضًا لتكشف للمسلمين خاصة وللبشرية عامة عن حِكم ربانية من وراء تحويل القبلة،

    ويمكن إجمالها فيما يأتى:

    1- تحقيق رجاء سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، وإلى ذلك تشير الآية : {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }، [البقرة: 144]

    2- الدلالة على صدق نبوة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم-؛ حيث أخبر الله عن قول السفهاء قبل أن يقولوه ، وكان بوسعهم أن لا يقولوه؛ لكنهم قالوه ، وصدق الله ، وصدق القرآن ،
    وصدقت نبوة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وإلى ذلك تشير الآية : {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }، [البقرة: 142].

    3- تمييز المنافق من المؤمن ، وإلى ذلك تشير الآية : {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ }، [البقرة: 143].

    4- كشف الدافع وراء إنكار اليهود للنبى - صلى الله عليه وسلم- وعدم الإيمان به هو الحسد ؛ وإلى ذلك تشير الآية الكريمة : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ }، [البقرة: 90].

    5- انقطاع حجة اليهود والمشككين فى نبوة النبى صلى الله عليه وسلم ، وإلى ذلك تشير الآية: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ }، [البقرة: 150]؛ ولأن أهل الكتاب كانوا يعرفون من كتبهم أن النبى الخاتم من ولد اسماعيل و يكون على قبلته وقبلة أبيه إبراهيم فلما كان تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة الشريفة تأكد لهم بكل سبيل أنه النبى الخاتم ، وانقطعت حجتهم فى التشكيك فى صدق نبوة النبى محمد صلى الله عليه وسلم .

    6- تمام النعمة باستقلال القبلة للمسلمين ، وإلى ذلك تشير الآية : {وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ }، [البقرة: 150]؛ أى تمت النعمة عليكم باستقلال قبلتكم فى بيت ربكم الذى بناه جدكم إبراهيم وبلسان عربى للنبى ولد اسماعيل .

    7- الثبات على الحق، وإلى ذلك تشير الآية : {وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }، [البقرة: 150]؛
    أى إلى الثبات على الحق والمداومة عليه لتكونوا قدوة وإمامًا للناس أجمعين.
    هدانا وهداكم لطاعه الله ورزقنا ولإياكم حلاوة ألإيمان
    جزاكم الله خيرا
    ولا تنسونا من صالح دعائكم

    صادق النور يعجبه هذا الموضوع


      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 23, 2024 1:45 pm