وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (21) سورة الروم.
m
الحمْدُ لله في الأُوْلى والآخِرَة، الحَمْدُ لله الَّذِي لا يَنْسَى منْ ذَكرَهُ، والحَمْدُ لله الَّذِي لا يَخِيْبُ منْ دَعَاهُ، ولا يَقْطَعُ رَجَاءَ منْ رَجَاهُ.
الحمْدُ لله عدَدَ ما خَلَق، الحمْدُ لله مِلْء ما خَلَق، الحمْدُ لله عَدد ما فِي السَّمَواتِ وما فِي الأَرْضِ، الحمْدُ لله عَدد ما أحْصَى كِتـَابُهُ , والصلاة والسلام على نجم أنبيائه وأحبابه , محمد بن عبد الله , وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه .
وبعد ... ،
فإن صلاح الأسرة هو الطريق الأمثل إلى صلاح المجتمع ، بل إلى صلاح الأمة كلها .
وهيهات أن يصلح مجتمع وَهَنتْ فيه حبال الأسرة ، فالأسرة المؤمنة تربى الأجيال، وتخرج القادة والمصلحين, وتكون سبباً من أهم أسباب الرقي الإنساني .
ولقد امتنَّ اللّه سبحانه وتعالى بهذه النعمة؛ نعمة اجتماع الأسرة وتآلفها وترابطها . فقال عز من قائل: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مّنَ الطّيّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ)(سورة: النحل : الآية: 72)
إن الزوجين وما بينهما من وطيد العلاقة يمثلّان حاضر أمة ومستقبلها، ومن ثم فإن الشيطان حين يفلح في فَكِّ روابط أسرة فهو لا يهدم بيتًا واحدًا، ولا يحدث شرا محدودًا، وإنما يوقع الأمة جمعاء في أذى مُسْتعر وشرٍّ مستطير.
ولا يقوم بناء السعادةِ الزوجية إلا على ركنين أساسيين:
أحدُهما:جلبُ أسباب المودة، واستدامتُها.
والثاني: دفعُ أسباب الخلاف، ورفعُها.
وجلب أسباب المودة والسعادة لها سُبل كثيرة منها :
1ـ الاحترام والتقدير المتبادل بين الزوجين.
2- المودة والرحمة بين الزوجين .
3- الصراحة والوضوح بين الزوجين.
4-معرفة كل من الزوجين ما له وما عليه.
5- الاشتغال بعظائم الأمور والترفع عن سفاسفها.
6- الاحتكام إلى شرع الله عند الخلاف.
7- تلبية رغبات أحدهما للآخر على قدر المستطاع.
8- الحوارالهادئ والبناء.
9- التشاور فيما يخصهما من أمور.
10- طاعة الزوجة لزوجها وحسنمعاشرة الزوج لزوجته.
11- قوامةالرجل وحنان المرأة.
وأما دفعُ أسباب الخلاف، ورفعُها. فإنه يحتاج ابتداء إلى معرفة أسباب الخلاف , ثم إلى البدء في وضع الحلول المناسبة لكل سبب .
وأسباب الخلافات الزوجية كثيرة ومتشعبة فمنها ما يرجع إلى البيئة والتنشئة الأولى , والاختلاف في نمط الشخصية , والخلل في أسلوب التعامل .ومنها ما يرجع إلى التدخلات الخارجية من بعض الأهل أو الأصدقاء أو الجيران .ومنها ما يرجع إلى الضغوط الاجتماعية والمادية من يسر وإقتار , وإسراف وإمساك.
وهذا البحث يتناول أسباب الخلافات والمشاكل الزوجية والحلول التي وضعها الإسلام لهذه الخلافات .
وقد حصرت هذه الخلافات في اثني عشر مبحثا :
الأول : عدم تحديد الهدف من الزواج .
الثاني : سوء الاختيار وانعدام الكفاءة .
الثالث : عدم وجود آلية للتفاهم بين الزوجين.
الرابع : الكذب والخيانة .
الخامس : التدخلات الخارجية .
السادس : نشر أسرار الحياة الزوجية.
السابع : البخل وعدم الإنفاق.
الثامن : الغيرة القاتلة .
التاسع : مشكلة الإنجاب.
العاشر : عدم العدل بين الزوجات .
الحادي عشر : الصراع في تربية الأبناء .
الثاني عشر : الإهمال في العلاقة الجنسية .
فكل مبحث من هذه المباحث يتحدث عن سبب من أسباب الخلاف الذي يمكن أن يحدث بين الزوجين , وقد تكون هناك أسباب أخرى تركتها للاختصار وعدم التطويل , فاقتصرت على البارز والمهم منها .
والله اسأل أن يجنبنا الزلل في القول والعمل .
المبحث الأول: عدم تحديدالهدف من الزواج
هناك كثير من الشباب المُقبل على الزواج إذا سألته عن الهدف والغاية المرجوّه من الزواج فإنك قد لا تجد لديه إجابة واضحة عن سؤالك , أو قد تجده يفهم الزواج فهما خاطئا أو قاصرا.
- فمنهم من يرى أن الزواج متعة وشهوة جسدية فحسب.
- ومنهم من يرى أنه سبيل للإنجاب والتفاخر بكثرة الأولاد.
- ومنهم من يرى أنه فرصة للسيطرة والقيادة وبسط النفوذ.
- ومنهم من يرى أنه فرصة لإعفاف النفس وتكثير سواد المؤمنين.
- ومنهم من يرى أنه عادة توارثها الأبناء عن الآباء.
وقليل منهم من يرى أنه رسالة ومسئولية عظمى، وتعاون مستمر، وتضحية دائمة في سبيل إسعاد البشرية وتوجيهها إلى الطريق السليم.
: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (سورة الحجرات : 13)
و: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (سورة الروم : 21)
فالزواج في الإسلام له حِكَمٌ وفوائد عديدة منها ما يلي:
(1) أنه أعظم رباط إنساني يجمع بين شخصين:ولهذا سماه القرآن الكريم ميثاقاً غليظاً، وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً)(سورة النساء: 21)
والإسلام يعتبر الزواج شِرعة دينية وسنة اجتماعية وسنة كونية .
(2) أنه سكن وأمان:قال الله تعالىوَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) (سورة : الأعراف:189)
(3) تكثير نسل الأمة:عن معقل بن يسار أن النبي قال :" تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم "(سنن أبي داوود وسنن النسائي)
(4) فيه غض للبصر وإحصان للفرج:عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي قال:" يا معشر الشباب ! من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه غض للبصر و حصن للفرج و من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء "(متفق عليه )
(5) امتثال أمر الله تعالى ورسوله في الحث على النكاح :لقوله تعالىوَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً)(الرعد: 38)
وقالوَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ)(النور: 32 )
وقال ـ عزّ وجل : (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) (النساء: 3 )
ولقول النبي :" من استطاع منكم الباءة فليتزوج " ((متفق عليه)) .
(6) المرأة الصالحة خير متاع الدنيا :عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي قال :"الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة "(( رواه مسلم ))
وحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي قال :"أربع من السعادة: المرأة الصالحة و المسكن الواسع والجار الصالح و المركب الهنيء و أربع من الشقاء: المرأة السوء و الجار السوء و المركب السوء و المسكن الضيق " (ابن حبان في صحيحه برقم (4032) وهو صحيح)
والرجل والمرأة اللذان لا يعرفان ولا يحددان الهدف من الزواج ؛ فإنهما كذلك لن يعرفا حق كل منهما على الآخر.
فعلى الرجل أن له حقوقاً على زوجته والتي منها :
(1) طاعة الزوج في غير معصية .
(2) حفظ غيبة الزوج في نفسها وماله .
(3) أن ترعى ماله وولده وتحافظ عليهما .
(4) أن تتزين له وأن تبتسم في وجهه ولا تعبس في وجهه .
(5) أن لا تصوم تطوعاً إلا بإذنه .
(6) أن ترضى باليسير وأن تقنع بالموجود وأن لا تكلفه من النفقة ما لا يطيق .
(7) ألا تمنع نفسها منه متى طلبها للفراش .
( و أن لا تسأل الطلاق من غير بأس .
(9) أن تلزم بيته فلا تخرج منه إلا بإذنه ولو إلى المسجد .
(10) ومن حق الرجل على المرأة أن لا تأذن في بيته إلا بإذنه .
(11) أن لا تنفق شيئاً من بيتها إلا بإذنه.
(12) وجوب خدمة المرأة لزوجها.
كما أن على المرأة أن تعرف أن لها حقوقاً على زوجها والتي منها:
(1) المعاشرة بالمعروف وحسن الخلق .
(2) المهر والنفقة والسكنى.
(3) القوامة عليها .
(4) حق المبيت والمعاشرة وقضاء الوطر.
(5) التأدب في معاملتها وعدم التعرض للوجه بالضرب أو التقبيح.
(6) عدم الهجر في غير البيت.
(7) مداراتها وملاطفتها.
( أن يصبر عليها ويتحمل الأذى منها وأن يعفو عن زلاتها .
(9) النهي عن التماس عثرات النساء.
(10) أن يعين الزوجة في أمور الدنيا والآخرة.
(11) أن يحفظها ويصونها عن كل ما يخدش دينها وشرفها .
(12) ألا يُفْشِي سِرَها وألا يذكر عيبها .
ولا بد أن تكون هناك واقعية في المطالبة بالحقوق وأداء الواجبات , فليس من حسن العشرة أن يُكلّف الزوج امرأته شططاً، وينهكها في تحقيق حقوقه تعباً، بل عليه أن يسلك هدياً قاصداً، ويتغاضى عن بعض حقوقه في سبيل تحقيق المهم منها، إحساناً للعشرة، وتخفيفاً على الزوجة.
وكذا حال المرأة مع زوجها لتستديم محبته، وتكسب ثقته ومودته.
والواقعية في هذا قد نبه عليها الشاعر بقوله:
فسـامح ولا تسـتوف حـقك كلـه* * * وأبـق فلــم يســـتوف قـط كـريم
ولا تغل في شـيء من الأمر واقتصد* * * كــلا طـرفي قصــد الأمـور ذميـم
وانظر إلى السلف الصالح كيف كانوا يحسمون أمورهم ويحددون أهدافهم من أول ليلة في زواجهم , فيضعون النقاط على الحروف , ويبينون لزوجاتهم ما يحبون وما يكرهون .ومثال ذلك ما رواه شريح القاضي , فقال : خطبتُ امرأة من بني تميم، فلما كان يوم بنائي بها أقبلت نساؤها يهدينها حتى دخلت علي، فقلت: إن من السنة إذا دخلت المرأة على زوجها أن يقوم ويصلي ركعتين، ويسأل الله تعالى من خيرها ويتعوذ من شرها، فتوضأْتُ فإذا هي تتوضأ بوضوئي، وصليت فإذا هي تصلي بصلاتي، فلما خلا البيت دنوت منها فمددت يدي إلى ناحيتها، فقالت: على رسلك يا أبا أمية، ثم قالت: الحمد لله أحمده وأستعينه وأصلي على محمد وآله وصحبه، أما بعد.. فإني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك، فبين لي ما تحب فآتيه، وما تكره فأجتنبه، فإنه قد كان لك مَنكح في قومك ولي في قومي مثل ذلك، ولكنْ إذا قضى الله أمراً كان مفعولاً، وقد ملكت فاصنع ما أمرك الله تعالى به (إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)فقلت الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي وأسلم على محمد وآله وصحبه، أما بعد.. فإنك قد قلت كلاماً إن ثبتِّ عليه يكنْ ذلك حظاً لي، وإنْ تدعيه يكن حجةً عليك، أحب كذا وأكره كذا، وما رأيت من حسنة فبثيها، وما رأيت من سيئة فاستريها، فقالت: كيف محبتك لزيارة الأهل؟ قلت: ما أحب أن يملني أصهاري، قالت: من تحب مِن جيرانك أن يدخل دارك آذن له، ومَن تكره أكرهه؟ قلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء، قال: فبت معها بأنعم ليلة، ومكثت معي حولاً، لا أرى منها إلا ما أحب، فلما كان رأس الحول جئت من مجلس القضاء، وإذا أنا بعجوز تأمر وتنهى فقلت: مَن هذه؟ قالوا: فلانة أم حليلتك، قلت: مرحبا وأهلا وسهلا، فلما جلسْتُ أقبلت العجوز، فقالت: السلام عليك يا أبا أمية، فقلت: وعليك السلام ومرحبا بك وأهلاً، قالت: كيف رأيت زوجتك؟ قلت: خيرُ زوجة وأوفق قرينة، لقد أدبتِ فأحسنت الأدب، وريضتِ فأحسنت الرياضة، فجزاك الله خيراً، فقالت: يا أبا أمية، إن المرأة لا يُرى أسوأ حالاً منها في حالتين: إذا ولدت غلاماً أو حظيت عند زوجها، فإن رابك مريب فعليك بالسوط، فوالله ما حاز الرجال في بيوتهم أشرّ من الروعاء المد.
قالت: كيف تحب أن يزورك أصهارك؟ قلت: ما شاءوا، فكانت تأتيني في رأس كل حول فتوصيني بتلك الوصية، فمكثَت معي عشرين سنة لم أعب عليها شيء، وكان لي جارٌ يفزع امرأته ويضربها فقلت في ذلك:
رأيت رجالاً يضربون نساءهم * * * فشلّت يميني يوم تضرب زينب
أأضربها من غير ذنب ٍأتت به ِ * * * فما العدل ُمني ضرب من ليس يذنبِ
فزينب شمس ٍوالنساء َكواكب * * * إذا طلعت لم يبد َمنهنّ كوكب (انظر:عشرة النساء للنسائي ج 1 / العقد الفريد 6/92).
فلا بد أن تحدد هدفك من الزواج ولا تجعل التوافه تغلبك عن تحقيق هذا الهدف.
المبحث الثانى: سوءالاختياروانعدام الكفاءة
حث الإسلام على حسن الاختيار والكفاءة في الزواج وعنى بذلك الكفاءة في الدين والخلق ، كما قال الله عز وجلإِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)(الحجرات:13)
وقول الله عز وجلالزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ )(النور:3)
وكما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ" (البخاري (5090) ومسلم (أخرجه 1466))
وفي حديث أبي هريرة، رضي الله عنهن أن النبي ، قال:"إذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَه ودِينَهُ فَزَوِّجُوهُ"(أخرجه ابن ماجه (1967) والترمذي (1084))
قال رسول الله :"تخيروا لنطفكم ، فانكحوا الأكفاء،وأنكحوا إليهم "(( رواه الألباني في صحيحه برقم 1067))
قال ابن حجر:" واعتبار الكفاءة في الدين متفق عليه فلا تحل المسلمة لكافر أصلاً"(( فتح الباري 9/1329))
وقال ابن القيم:" والذي يقتضيه الحكم اعتبار الدين في الكفاءة أصلاً وكمالاً فلا تزوج عفيفة لفاجر ولم يعتد القرآن والسنة في الكفاءة أمراً وراء ذلك "(( زاد الميعاد 5/159).) .
فهذه هي الكفاءة الحقيقية ، أما ما عدا ذلك من أمر الصناعة أو النسب، أو الحرية، أو الغنى، فهذا كله لا اعتبار له بميزان الله سبحانه وتعالى، ورسوله .
وحينما حث الإسلام على الاختيار على أساس الدين والخلق وطيب الأصل والمنبت , فلأن صاحب الدين والأصل الطيب أعون على استدامة الحياة الزوجية و أقرب إلى طيب العشرة فلا يصدر منه إلا العشرة الكريمة و الحياة الطيبة و إذا أحب أكرم و إذا أبغض لا يظلم .
قال رجل للحسن البصري:إن لي بنتا وإنها تُخطب ،فممن أزوجها ؟ فقال زوجها ممن يتقي الله فان أحبها أكرمها وان ابغضها لم يظلمها(الغزالي : إحياء علوم الدين 2/14).).
ولما أراد نوح بن مريم أن يزوج ابنته واستشار جاراً له مجوسياً،فقال المجوسي سبحان الله ! الناس يستفتونك وأنت تستفتيني ، قال لا بد أن تشير علي ، فقال : إن رئيس الفرس {كسرى } كان يختار المال ، ورئيس الروم { قيصر } كان يختار الجمال ،ورئيس العرب كان يختار الحسب ، ورئيسكم محمد كان يختار الدين ، فانظر لنفسك بمن تقتدي(الزمخشري : ربيع الأبرار1/469).)
ومثال ذلك ما قالته العاقلة الرزان الحصان ، أم سليم ( الرميصاء بنت ملحان ) حينما خطبها أبو طلحة الأنصاري ؟ فقالت له : إن مثلك يا أبا طلحة لا يُرَدُّ ، لكنني لن أتزوجك وأنت رجل كافر ، أيْ أنت من حيث الصفات ممتاز ، شهم ، شجاع ، فارس ، لك مكانة علية في قومك هذا كله كلام طيب .. إن مثلك لا يُرد ، ولكنني لن أتزوجك وأنت رجل كافر ، فظن أبو طلحة أن أم سليم تتعلل عليه بذلك ، وأنها قد آثرت عليه رجلاً آخر أكثر منه مالاً أو أعز ونفراً ، فقدْ أساء ظنًّا حين اعتقد أنّ خاطبًا أغنى منه قد سبقه إلى أم سليم ، فتعللت بموضوع الكفر كي تنسحب منه ، وتتزوج ذلك الأغنى .فقال : والله ، ما هذا الذي يمنعك مني يا أم سليم قالت ما الذي يمنعني إذاً ؟ قال : الأصفر والأبيض ، الذهب والفضة ، هذا سوء ظن محض .قالت : الذهب والفضة !!.قال : نعم .قالت : بل إني أشهدك يا أبا طلحة ، وأشهد الله ورسوله أنك إن أسلمتَ رضيتُ بك زوجاً من غير ذهب ولا فضة ، وجعلتُ إسلامك لي مهراً .. فما دمتَ تقول : إنني آثرتُ عليك رجلاً أغنى منك ، فأنا أشهِد الله ، وأشهِدك أنك إذا أسلمتَ فلن آخذ منك شيئًا ، مهري هو إسلامك ، هكذا كان الصحابة .أنا أقول لكم هذه الكلمات : لو أن الإسلام الذي نحن عليه هو الذي كان على عهد النبي، واللِه الذي لا إله إلا هو ما خرج الإسلام من مكة المكرمة إلى المدينة ، ولمَا وصل إلى مشارق الأرض ومغاربها إلا بعدما أظهر الصحابة الكرام من المواقف البطولية ما يعجز عن إدراكه البشر .قالت : له أشهد الله ، وأشهدك يا أبا طلحة ، أنك إن أسلمت لا آخذ منك شيئاً لا أصفر ولا أبيض ، وأن مهري هو إسلامك .وما إن سمع أبو طلحة كلام أم سُليم حتى صرف ذهنه إلى صنمه الذي اتخذه من نفيس الخشب وخص به نفسه كما يفعل السادة من قومه .. عنده صنم من خشب محفور مرتب هو إلهه ، لكن أم سليم أرادت أن تطرق الحديد وهو ما زال حامياً ، فقالت له : ألست تعلم يا أبا طلحة أن إلهك الذي تعبده من دون الله قد نبت من الأرض ..قال : بلى ، قالت : أفلا تشعر بالخجل ، وأنت تعبد جذع شجرة جعلت بعضه لك إلهاً ، بينما جعل غيرك بعضه الآخر وقوداً به يصطلي ، فأنت جعلته صنماً تعبده من دون الله ، وغيرك جعله حطباً يصطلي به في الشتاء إنك إن أسلمت يا أبا طلحة رضيت بك زوجاً ولا أريد منك صداقاً غير الإسلام .قال لها : ومن لي بالإسلام ؟ قالت : أنا لك به ، قال وكيف ؟ قالت : تنطق بكلمة الحق ، فتشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ، ثم تمضي إلى بيتك ، وتحطم صنمك ، فانطلقتْ أسارير أبي طلحة ، وقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله .. ثم تزوج مِن أمّ سليم ، فكان المسلمون يقولون : ما سمعنا بمهر قط كان أكرمَ من مهر أم سليم ، فقد جعلت صداقها الإسلام (( انظر القصة في : النسائي في سننه ج 6/ ص 114 حديث رقم: 3341 صحيح أحكام الجنائز للألباني( 24 - 26 ).)
لكن لكل من الزوجين وأولياء الزوجة الحق باختيار من يناسبها ويساويها وتحسن معه العشرة وتتحقق معه دواعي الاستقرار والانسجام في الأسرة وتجنب دواعي الشِقاق والضرر والتنغيص لكنها إن تنازلت عمّن يناسبها من حيث الحسب والصنعة والسن والتعليم والمال ونحو ذلك فزواجها صحيح لا شيء فيه .
وان كان من الأفضل والأولى أن يكون هناك تقارب بين الزوجين في الحسب والسن والثقافة حتى لا تكون هناك فجوة بينهما , قد تكون سبباً في النزاع والشقاق .
فمما يندى له الجبين أن نجد ولي المرأة يحملها على الزواج من رجلٍ طاعنٍ في السن وليس بينها وبينه أي تكافؤ من أي ناحية فكأنما يذبحها بغير سكين ، أو يبيعها في أسواق النخاسة.
وبعضهم يزوجها لم يدفع أكثر , حتى لو كان هذا الزوج سكيراً عربيدً .
فلا ينبغي للمسلم أن يُزوج موليته الصالحة من رجل فاسق فقد قال تعالي الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ )(النور/ 26)
وليختر كل من الزوجين كفؤه وما يشاكله , ومن هنا فقد قال النبي لجابر بن عبد الله الأنصاري وقد نكح ثيبا" هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك "(متفق عليه).
وعنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللهِ :"لاَ تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ لِحُسْنِهِنَّ ، فَعَسَى حُسْنُهُنَّ أَنْ يُرْدِيَهُنَّ ، وَلاَ تَزَوَّجًوهُنَّ لأَمْوَالِهِنَّ ، فَعَسَى أَمْوَالُهُنَّ أَنْ تُطْغِيَهُنَّ ، وَلَكِنْ تَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى الدِّينِ ، وَلأَمَةٌ خَرْمَاءُ سَوْدَاءُ ذَاتُ دِينٍ ، أَفْضَلُ"(أخرجه عبد بن حُميد (328)و أخرجه ابن ماجه (1/597 ، رقم 1859))
فانعدام الكفاءة يؤدي إلى الجفاء والغلظة وقد يتعالى أحدهما على الآخر بماله أو حسبه أو بسنه أو بمستوى تعليمه ؛ مما يؤدي إلى التنافر والتباعد .
فيا أيها المقبل على الزواج أحسن الاختيار ابتداء تحصل على الراحة والسعادة انتهاء .
اليوم في 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
أمس في 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
أمس في 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد