قصة دولة المماليك .. الدولة التي قامت على أكتاف الرقيق، ولكنهم بإخلاصهم وشجاعتهم أقاموا للإسلام دولة استطاعت رد جحافل التتار والقضاء النهائي على الصليبيين، مع بيان فنون الحضارة والسياسة داخلها
من هم المماليك...
المماليك هم سلالة من الجنود حكمت مصر والشام والعراق وأجزاء من الجزيرة العربية أكثر من قرنين ونصف القرن وبالتحديد من 1250 إلى 1517 م.تعود أصولهم إلى آسيا الوسطى.قبل أن يستقروا بمصر و التي أسسوا بها دولتين متعاقبتين كانت عاصمتها هي القاهرة: الأولى دولة المماليك البحرية، ومن أبرز سلاطينها عز الدين أيبك وقطز والظاهر بيبرس والمنصور قلاوون والناصر محمد بن قلاوون والأشرف صلاح الدين خليل الذي استعاد عكا وآخر معاقل الصليبيين في بلاد الشام، ثم تلتها مباشرة دولة المماليك البرجية بانقلاب عسكري قام به السلطان الشركسي برقوق الذي تصدى فيما بعد لتيمورلنك واستعاد ما احتله التتار في بلاد الشام والعراق ومنها بغداد. فبدأت دولة المماليك البرجية الذين عرف في عهدهم أقصى اتساع لدولة المماليك في القرن التاسع الهجري الخامس عشر الميلادي. وكان من أبرز سلاطينهم برقوق وابنه فرج وإينال والأشرف سيف الدين برسباي فاتح قبرص وقانصوه الغوري وطومان باي.
كان هؤلاء المماليك عبيدا استقدمهم الأيوبيون، زاد نفوذهم حتى تمكنوا من الاستيلاء على السلطة سنة 1250 م. كان خطة هؤلاء القادة تقوم استقدام المماليك من بلدان غير إسلامية، وكانوا في الأغلب أطفالاً يتم تربيتهم وفق قواعد صارمة في ثكنات عسكرية معزولة عن العالم الخارجي، حتى يتم ضمان ولاؤهم التام للحاكم. بفضل هذا النظام تمتعت دولة المماليك بنوع من الاستقرار كان نادرا آنذاك.
قام المماليك في أول عهد دولتهم بصد الغزو المغولي على بلاد الشام ومصر وكانت قمة التصدي في موقعة عين جالوت. بعدها وفي عهد السلطان بيبرس (1260-1277 م) والسلاطين من بعده، ركز المماليك جهودهم على الإمارات الصليبية في الشام. قضوا سنة 1290 م على آخر معاقل الصليبيين في بلاد الشام (عكا).
أصبحت القاهرة مركزا رئيسا للتبادل التجاري بين الشرق والغرب، وازدهرت التجارة ومعها اقتصاد الدولة. قام السلطان برقوق (1382-1399 م) بقيادة حملات ناجحة ضد تيمورلنك وأعاد تنظيم الدولة من جديد. حاول السلطان برسباي (1422-1438 م) أن يسيطر على المعاملات التجارية في مملكته، كان للعملية تأثير سيء على حركة هذه النشاطات. قام برسباي بعدها بشن حملات بحرية ناجحة نحو قبرص.
منذ العام 1450 م بدأت دولة المماليك تفقد سيطرتها على النشاطات التجارية. أخذت الحالة الاقتصادية للدولة تتدهور. ثم زاد الأمر سوءا التقدم الذي أحرزته الدول الأخرى على حسابهم في مجال تصنيع الآلات الحربية.
سنة 1517 م يتمكن السلطان العثماني سليم الأول من القضاء على دولتهم. ضمت مصر، الشام والحجاز إلى أراض الدولة العثمانية.
تمتع المماليك خلال دولتهم بشرعية دينية في العالم الإسلامي وهذا لسبيبن، تمكلهم لأراضي الحجاز والحرمين، ثم استضافتهم للخلفاء العباسيين في القاهرة منذ 1260 م.
أصل المماليك
كانت تسمية المماليك تشير إلى العبيد البيض الذين كانوا فرسانا وجنودا محاربين يؤسرون في الحروب أو أطفالا صغارا يخطفون في غارات لصوصية أو كسبايا في حروب يتم عرضهم على مندوبي الدول والحكومات في أماكن خاصة حيث يتم إفتداؤهم بمبالغ مالية تدفع للمسؤلين عنهم ، ويتم جلبهم إلى الدولة المعنية وهي هنا الدولة الأيوبية ومن قبلها الدولة العباسية ليتم تعليمهم وتدريبهم في مدارس عسكرية خاصة ليتخرجوا منها قادة وفرسانا وجنودا مؤهلين يرفدون الجيش ويمدوه بدماء وخبرات وقدرات جديدة تزيد في قوة الجيش ومنعة الدولة، وقد استولوا على الحكم في مصر في نهاية حكم الدولة الأيوبية بمصر وضعف وعدم أهلية ملوكها وسلاطينها. قد كانت فكرة الاستعانة بالمماليك في الشرق الأدنى منذ أيام العباسيين.
وأول من إستخدمهم كان الخليفة المأمون. ولكن استقدم الخليفة العباسي المعتصم بالله جنود تركمان ووضعهم في الجيش كي يعزز مكانته بعد ما فقد الثقة في العرب والفرس التي قامت عليهم الدولة العباسية، ولقد شجع ذلك الخلفاء والحكام الآخرين في جلب المماليك.
واستخدم حكام مصر من الطولونيين والأخشيديين والفاطميين والأيوبيين المماليك. أحمد بن طولون (835-884م) كان يشترى مماليك الديلم، ولقد كانوا من جنوب بحر قزوين، ووصل عددهم إلي 24 ألف تركى وألف أسود و 7 آلاف مرتزق حر.جلب الأسرى من القفقاس وآسيا الصغرى إلى مصر من قبل السلطان الصالح أيوب
لذا يكون أصل المماليك من الأتراك والروم والأوروبيين والشراكسة, إفتداهم مندوبي السلاطين ووكلاءهم وتم جلبهم إلى الدولة بعد ذلك ليستعينوا بهم في تقوية الجيش وزيادة قدراته وأعداده. و كان كل حاكم يتخذ منهم قوة تسانده، ودعم الأمن والاستقرار في إمارته أو مملكته. وممن عمل على جلبهم الأيوبيون. كما كان المماليك يبايعون الملوك والأمراء، ثم يدربون تدريبا عسكريا راقيا ويتلقون علوما شرعية وعلوما عامة ويربّون على الطاعة والإخلاص والولاء.
مماليك الدولة الإخشيدية والفاطمية
عندما قامت الدولة الإخشيدية، محمد بن طغج الإخشيد أتي بتركمان من الديلم، وكان عددهم كبير 400 ألف ومنهم حرسه الشخصي ويقدر عددهم بثمانية آلاف مملوك.
لقد إحتاج الفاطميون إلي جيش كبير يساعدهم علي الحروب ويعينهم علي التوسع في الشرق. كان جيشهم الأول من المغاربة وعرب المغرب وإفريقية وذلك عند دخولهم مصر وزودوا عليه عسكر من الترك والديلم والسودانيين والبربر. توسع السلطان الأيوبي الصالح نجم الدين أيوب في شراء المماليك واستعان بهم ضد منافسيه الأيوبيين في الشام واسكنهم معه في جزيرة الروضة الواقعة في نيل القاهرة واسماهم " المماليك البحرية " نسبة إلى سكنتهم وسط بحر النيل أو لقدومهم من وراء البحر
وفي تلك الأثناء كان المماليك رجال معتادين علي خوض الحروب وحمل السيف والرمح، ومعظمهم التحق بذلك النظام العسكري الصارم كوسيلة من وسائل طلب الرزق تماما كالسعي للوظائف العسكرية أو المدنية في العصر الحاضر والتي تستهلك معظم أو كل عمر الإنسان في خدمة مهام وظيفته ومسؤوليه وموظفيه ، مقابل تقاضيه أجوره ورواتبه الشهرية . ولكن في ظل الدولة الأيوبية عامة وفي عهد السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب خاصة تغير ذلك النظام وأصبح ذو طابع خاص.
مماليك الصالح نجم الدين أيوب
عندما أصبحت السلطة في يد الأيوبيين أخدوا يشترون المماليك بكميات عظيمة وذلك لخوض حروبهم مع الصليبيين تارة ومع أنفسهم تارة أخرى ؛ وذلك لعدم رغبة الأيوبيون في محاربة المسلمين بعضهم البعض فكانوا يشترون المماليك لذلك الهدف في بادئ الأمر. ولكن عندما تسلطن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب أخذ في شراء الغلمان الصغار وذلك ليدربهم علي امتشاق الحسام والرمح وليجعل في نفوسهم الطاعة له فكان لهم بمثابة الأب وبنى لهم معسكرات وبراج في جزيرة الروضة في القاهرة وأسكنهم اياها وكذلك جعل منهم فرقة لقلعة الجبل. وعمل لهم نظام تدريب خاص ومعيشة خاصة، فأصبح له ولائهم وحبهم وإخلاصهم.
والذي أوعز إلي السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بهذا الأمر هو تمرد عسكره الأيبوبيين عليه في المعارك، وكذلك كثرة نفقات العسكر الخوارزمية المرتزقة الذين غالوا في نفقاتهم وأجورهم.
أخذ السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب في بناء قلعة الروضة ووضع بها المماليك الخاصة التي سميت باسم المماليك البحرية.وانتسب المماليك البحرية بالسلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب فكانوا يلقبون باسم "المماليك الصالحيه النجميه".
تربية المماليك
كان الصالح أيوب -ومن تبعه من الأمراء- لا يتعاملون مع المماليك كرقيق.. بل على العكس من ذلك تماماً.. فقد كانوا يقربونهم جداً منهم لدرجة تكاد تقترب من درجة أبنائهم.. ولم تكن الرابطة التي تربط بين المالك والمملوك هي رابطة السيد والعبد أبداً، بل رابطة المعلم والتلميذ، أو رابطة الأب والابن، أو رابطة كبير العائلة وأبناء عائلته.. وهذه كلها روابط تعتمد على الحب في الأساس، لا على القهر أو المادة.. حتى إنهم كانوا يطلقون على السيد الذي يفتديهم لقب "الأستاذ" وليس لقب "السيد"..
ويشرح لنا المقريزي كيف كان يتربى المملوك الصغير الذي يُشترى وهو ما زال في طفولته المبكرة، فيقول: "إن أول المراحل في حياة المملوك هي أن يتعلم اللغة العربية قراءة وكتابة، ثم بعد ذلك يُدفع إلي من يعلمه القرآن الكريم، ثم يبدأ في تعلم مبادئ الفقه الإسلامي، وآداب الشريعة الإسلامية.. ويُهتم جداً بتدريبه على الصلاة، وكذلك على الأذكار النبوية، ويُراقب المملوك مراقبة شديدة من مؤدبيه ومعلميه، فإذا ارتكب خطأً يمس الآداب الإسلامية نُبه إلى ذلك، ثم عوقب"..
لهذه التربية المتميزة كان أطفال المماليك ينشأون عادة وهم يعظمون أمر الدين الإسلامي جدًا، وتتكون لديهم خلفية واسعة جداً عن الفقه الإسلامي، وتظل مكانة العلم والعلماء عالية جداً جداً عند المماليك طيلة حياتهم، وهذا ما يفسر النهضة العلمية الراقية التي حدثت في زمان المماليك، وكيف كانوا يقدرون العلماء حتى ولو خالفوهم في الرأي.. ولذلك ظهر في زمان دولة المماليك الكثير من علماء المسلمين الأفذاذ من أمثال العز بن عبد السلام والنووي وابن تيمية وابن القيم الجوزية وابن حجر العسقلاني وابن كثير والمقريزي وابن جماعة وابن قدامة المقدسي رحمهم الله جميعاً، وظهر وترعرع أيضاً في عهدهم ودولتهم أعداد هائلة من العلماء يصعب حصرهم..
ثم إذا وصل المملوك بعد ذلك إلى سن البلوغ جاء معلمو الفروسية ومدربو القتال فيعلمونهم فنون الحرب والقتال وركوب الخيل والرمي بالسهام والضرب بالسيوف، حتى يصلوا إلى مستويات عالية جداً في المهارة القتالية، والقوة البدنية، والقدرة على تحمل المشاق والصعاب..
ثم يتدربون بعد ذلك على أمور القيادة والإدارة ووضع الخطط الحربية، وحل المشكلات العسكرية، والتصرف في الأمور الصعبة، فينشأ المملوك وهو متفوق تماماً في المجال العسكري والإداري، وذلك بالإضافة إلى حمية دينية كبيرة، وغيرة إسلامية واضحة.. وهذا كله - بلا شك - كان يثبت أقدام المماليك تماماً في أرض القتال..
وكل ما سبق يشير إلى دور من أعظم أدوار المربين والآباء والدعاة، وهو الاهتمام الدقيق بالنشء الصغير، فهو عادة ما يكون سهل التشكيل، ليس في عقله أفكار منحرفة، ولا عقائد فاسدة، كما أنه يتمتع بالحمية والقوة والنشاط، وكل ذلك يؤهله لتأدية الواجبات الصعبة والمهام الضخمة على أفضل ما يكون الأداء..
وفي كل هذه المراحل من التربية كان السيد الذي افتداهم يتابع كل هذه الخطوات بدقة، بل أحياناً كان السلطان الصالح أيوب - - يطمإن بنفسه على طعامهم وشرابهم وراحتهم، وكان كثيراً ما يجلس للأكل معهم، ويكثر من التبسط إليهم، وكان المماليك يحبونه حباً كبيراً حقيقياً، ويدينون له بالولاء التام..
وهكذا دائماً.. إذا كان القائد يخالط شعبه، ويشعر بهم، ويفرح لفرحهم، ويحزن لحزنهم، ويتألم لألمهم، فإنهم -ولاشك- يحبونه ويعظمونه، ولا شك أيضاً أنهم يثقون به، وإذا أمرهم بجهاد استجابوا سريعاً، وإذا كلفهم أمراً تسابقوا لتنفيذه، وبذلوا أرواحهم لتحقيقه.. أما إذا كان القائد في حالة انفصال عن شعبه، وكان يعيش حياته المترفة بعيداً عن رعيته.. يتمتع بكل ملذات الحياة وهم في كدحهم يعانون ويتألمون، فإنهم لا يشعرون ناحيته بأي انتماء.. بل إنهم قد يفقدون الانتماء إلى أوطانهم نفسها.. ويصبح الإصلاح والبناء في هذه الحالة ضرباً من المستحيل..
وكان المملوك إذا أظهر نبوغاً عسكرياً ودينياً فإنه يترقى في المناصب من رتبة إلى رتبة، فيصبح هو قائداً لغيره من المماليك، ثم إذا نبغ أكثر أعطي بعض الإقطاعات في الدولة فيمتلكها، فتدر عليه أرباحاً وفيرة، وقد يُعطى إقطاعات كبيرة، بل قد يصل إلى درجة أمير، وهم أمراء الأقاليم المختلفة، وأمراء الفرق في الجيش وهكذا..
وكان المماليك في الاسم ينتسبون عادة إلى السيد الذي افتداهم بماله.. فالمماليك الذين افتداهم الملك الصالح يعرفون بالصالحية، والذين افتداهم الملك الكامل يعرفون بالكاملية وهكذا..
وقد زاد عدد المماليك الصالحية، وقوي نفوذهم وشأنهم في عهد الملك الصالح أيوب، حتى بنى لنفسه قصراً على النيل، وبنى للمماليك قلعة إلى جواره تماماً.. وكان القصر والقلعة في منطقة الروضة بالقاهرة، وكان النيل يعرف بالبحر، ولذلك اشتهرت تسمية المماليك الصالحية "بالمماليك البحرية" (لأنهم يسكنون بجوار البحر).
وهكذا وطد الملك الصالح أيوب ملكه بالاستعانة بالمماليك الذين وصلوا إلى أرقى المناصب في جيشه وفي دولته، وتولى قيادة الجيش في عهده أحد المماليك البارزين اسمه "فارس الدين أقطاي"، وكان الذي يليه في الدرجة هو ركن الدين بيبرس، فهما بذلك من المماليك البحرية..
فكرة الاستعانة بالمماليك في الشرق الأدنى بدت من أيام العباسيين. وأول واحد إستخدمهم كان الخليفة المأمون. ثم جاء الخليفة المعتصم فأتى بالتركمان واستخدمهم في الجيش لكي يعزز مكانته بعد ما فقد الثقة في العرب وفي الفرس الذين قامت عليهم الدولة العباسية، وكانت تلك بداية جديده شجعت الخلفاء والحكام من بعده لفعل ذات الشيء. فولاة مصر من الطولونيين الأخشيديين والفاطميين استخدموا المماليك، منهم أحمد بن طولون (835-884م) كان يشترى مماليك الديلم، وهم من جنوب بحر قزوين، وقد وصل عددهم 24 ألف تركى وألف أسود و 7 آلاف مرتزق حر.
وكذلك فعل الأيوبيون فجلبوا المماليك إليهم، ثم ازداد نفوذهم في فترة إزدادت فيها إخفاقات الأيوبيين ونشبت صراعات فيما بينهم، حتى تمكنوا من الاستيلاء على السلطة سنة 1250 م. كانت خطة الأيوبيون تقوم على استقدام المماليك من بلدان غير إسلامية، وكانوا في الأغلب أطفالاً يتم تربيتهم وفق قواعد صارمة في ثكنات عسكرية معزولة عن العالم الخارجي، حتى يتم ضمان ولائهم.
مماليك الدولة الإخشيدية والفاطمية
عندما قامت الدولة الإخشيدية، أتى محمد بن طغج الإخشيدي بأتراك الديلم، ووصل عددهم إلى 400 ألف ومنهم حراسه الشخصيين الذين قاربوا 8 آلاف مملوك. أما الفاطميين فقد كانوا محتاجين لجيش كبير ليستقوا به أنفسهم في مصر ويعينهم على التوسع شرقا. فقد كان جيشهم في الأول كان من المغاربة لكن عند دخولهم مصر أضافوا إليه عساكر ترك وديلم وسودانيين وبربر.
مماليك الصالح نجم الدين أيوب
كان بعض المماليك فرسانا وجنودا معتادون على الحروب وفنون القتال، و قدانضم أكثرهم من تلقاءنفسه إلى النظام ، بالإضافة لأسرى الحروب والأطفال المختطفين من قبل العصابات أو المسبيين نتيجة الحروب. وعندما جاء السلطان الصالح نجم الدين أيوب في أواخر العصر الأيوبي غير النظام وجعل له شكل آخر. فقد كان الأيوبيون منذ زمن صلاح الدين الأيوبى يجلبوا عسكر مماليك متدربين على الحروب، حتى زمن الصالح أيوب في قمة صراعاته مع أيوبيي الشام تخلى عنه مماليكه وعسكره من الخوارزمية الذين كانوا يعملون لديه بالأجرة. فاضطر إلى التركيز على جلب لأطفال الصغار ليربيهم عنده ويدربهم ويصبح ولائهم خالصا إليه بدلا من الجنود والفرسان الكبار السن ، الذين يمكن أن تتبدل ولاءاتهم حسب الظروف. وبدأ بشراء مماليك صغار السن وبنى لهم معسكرا وأبراج في جزيرة الروضة واسكنهم هناك فسموا بالمماليك البحرية. وجعل لهم نظام معيشة وتدريب معين، وقد كان شديد العطف عليهم حتى أحبوه وأخلصوا له وقدمهم على الكرد والعرب. وقد انتسبت تلك المماليك إليه وتلقبوا بلقبه، فكان يقال عنهم "المماليك الصالحية النجمية"، ويضاف لأسمائهم لقب "الصالحى النجمى"، مثل عز الدين أيبك الصالحى النجمى، والظاهر بيبرس الصالحى النجمى، وقلاوون الصالحى النجمى، وغيرهم.
دولة المماليك
عتبر فترة حكم المماليك من الفترات التاريخية المجهولة عند كثير من المسلمين، وذلك قد يكون راجعاً لعدة عوامل.. لعل من أهمها أن الأمة الإسلامية في ذلك الوقت كانت قد تفرقت تفرقاً كبيراً، حتى كثرت الإمارات والدويلات، وصغر حجمها إلى الدرجة التي كانت فيها بعض الإمارات لا تتعدى مدينة واحدة فقط .. وبالتالي فدراسة هذه الفترة تحتاج إلى مجهود ضخم لمتابعة الأحوال في العديد من الأقطار الإسلامية.
من العوامل التي أدت إلى جهل المسلمين بهذه الفترة أيضاً: كثرة الولاة والسلاطين في دولة المماليك ذاتها، ويكفي أن نشير إلى أن دولة المماليك الأولى - والمعروفة باسم دولة المماليك البحرية (وسنأتي إلى تعريف ذلك الاسم لاحقاً)- حكمت حوالي 144 سنة، وفي خلال هذه الفترة حكم 29 سلطانًا.. وذلك يعني أن متوسط حكم السلطان لم يكن يتعدى خمس سنوات.. وإن كان بعضهم قد حكم فترات طويلة، فإن الكثير منهم قد حكم عاماً أو عامين فقط! و كانت القوة والسلاح غالبا هي وسيلة التغيير الرئيسية للسلاطين في دولة المماليك البحرية هذه، حيث سارت البلاد على القاعدة التي وضعها أحد سلاطين الدولة الأيوبية (الذين سبقوا المماليك مباشرة) وهو السلطان "العادل الأيوبي"، والتي تقول: "الحكم لمن غلب".
ولعل من أهم أسباب عدم معرفة كثيرين بدولة المماليك هو تزوير التاريخ الإسلامي، والذي تولى كبره المسلمين المفتونين بهم والمتتلمذين عليهم, والذين شوهوا تاريخ المماليك لإنجازاتهم المشرّفة والهامة؛ والتي كان منها: وقوفهم سداً منيعاً لصد هجمات التتار والصليبيون. حيث كان للمماليك جهاد طويل على مدى تاريخهم ضد هاتين القوتين ، وهكذا ظلت دولة المماليك تحمل راية الإسلام والخلافة الإسلامية في الأرض قرابة ثلاثة قرون، إلى أن تسلمت الخلافة العثمانية راية المسلمين
تأسيس الدولة المملوكية
عند وفاة الملك الصالح أيوب في المنصورة، وكانت الحرب قائمة ضد الفرنج الصليبيون ويقودهم لويس التاسع ملك فرنسا عند غزوهم دمياط وكانوا متجهين إلى القاهرة، فجلب المماليك إبنه توران شاه من حصن كيفا كي يقود الحرب ويستلم الحكم، وبعد انتهاء معركة المنصورة وأسر لويس التاسع سنة 1250، أساء السلطان الجديد التصرف مع المماليك فاغتالوه عند فارسكور بعد ذلك تسلطنت شجر الدر أرملة الصالح أيوب على عرش مصر بمساندة وتأييد المماليك البحرية وبذلك فقد الأيوبيون سيطرتهم على مصر.
لم يرض كلا من الأيوبيين في الشام في دمشق والخليفة العباسى المستعصم بالله في بغداد بانتزاع عرش الأيوبيين في مصر وتنصيب شجر الدر ورفضا الاعتراف بسلطانها فقام الأمراء الأيوبيون بتسليم الكرك للملك المغيث عمر ودمشق للملك الناصر صلاح الدين يوسف الذي قبض على عدة من أمراء مصر في دمشق فرد المماليك بتجديد حلفهم لشجر الدر ونصبوا عز الدين أيبك أتابكا وقبضوا على الأمراء الميالون للناصر يوسف في القاهرة. وبعث المستعصم إلى الأمراء في مصر كتابا يقول: "ان كانت الرجال قد عدمت عندكم, فأعلمونا حتى نسير إليكم رجالا " .
عدم اعتراف كلا من الخليفة العباسى وكذلك الأيوبيين في دمشق بسلطنة شجر الدر قد أربك المماليك في مصر وأقلقهم فراحوا يفكرون في وسائل توفيقية ترضى الأيوبيين والخليفة العباسي وتمنحهم شرعية لحكم البلاد فقرر المماليك تزويج شجر الدر من أيبك ثم تتنازل له عن العرش فيرضى الخليفة العباسي بجلوس رجل على تخت السلطنة ثم البحث عن رمز أيوبي يشارك أيبك الحكم اسميا فيهدأ خاطر الأيوبيين ويرضوا عن الوضع الجديد.
تزوجت شجر الدر من أيبك وتنازلت له عن العرش بعد أن حكمت مصر ثمانين يوما بإرادة صلبة وحذق متناهي في ظروف عسكرية وسياسية غاية في التعقيد والخطورة بسبب غزو العدو الصليبي للأراضي المصرية وموت زوجها سلطان البلاد الصالح أيوب بينما الحرب ضد الصليبيين دائرة على الأرض الواقعة بين دمياط والمنصورة. نصب أيبك سلطانا وأتخذ لقب الملك المعز. وفي محاولة لإرضاء الأيوبيين والخليفة العباسي قام المماليك باحضار طفلا أيوبيا في السادسة من عمره, وقيل في نحو العاشرة من عمره , وسلطنوه باسم "الملك الأشرف مظفر الدين موسى" وأعلن أيبك أنه ليس سوى نائبا للخليفة العباسي وأن مصر لا تزال تابعا للخلافة العباسية كما كانت من قبل
نظام الدولة المملوكية
بدأ نظام الحكم المملوكى بالملكة شجرة الدر وقد كان هذا الأمر بدعة في تاريخ مصر لم تحدث سوي مرات قليلة منها.
عهد الملكة حتشبسوت، والتي حكمت مصر في العصر الفرعونى ومن ابرز ما أنشأته معبد الدير البحرى.
الملكة تى والتي هي مشهورة في التاريخ باسم نفرت تى أو الملكة نفرتيتى والذي يعنى بالفرعونية الملكة تى الجميلة.
عهد الملكة كليوباترا السابعة التي ماتت سنة 30 قبل الميلاد. ومن ناحيه أخرى أحدث النظام المملوكى تطوير كبير في نظم الحكم على مستوى العالم حيث ان النظام لم يكن قائم على التوريث لكن على اختيار الحاكم ووتلك كانت شيء جديد في تاريخ مصر ليست فقط علي مستوي مصر والشرق الأوسط لكن على مستوى العالم في العصور الوسطى.
الدولة المملوكية كات منظمة من الناحية الإدارية. وأدخل المماليك أساليب جديدة للإدارة ومصطلحات لم تكن موجوده في مصر. على قمة هرم السلطة كان السلطان يرأس الدولة الذي تربع على العرش بتفويض من الخليفة العباسى في القاهرة. وعندما حاصر التتار بغداد وإحتلوها وقتلوا الخليفة المستعصم، ولي الظاهر بيبرس خليفة بدلا منه في القاهرة لكي يعطي المماليك الشرعية في الحكم. وبتفويض من الخليفة أصبح السلطان في يده كل شيء ومعه كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. لكن كان السلطان يعتمد في ذلك الأمر على قوة مماليكه وولائهم له وقدرتهم على كبح جماح مماليك الأمراء الآخرين. لذلك تاريخ الدولة المملوكية كان ممتلئ بسلاطين نصبوا نفسهم بعدما تمكنوا من السلطة الفعلية وجعلوا السلطان مجرد لعبة في أيديهم إلي أن يقدروا أن يخلعوه، إما بنفيه أو بقتله لو لم يسالم ويتنحي، ويتولي أميرهم بدلا منه. مثلما حدث للسلطان السعيد بركة ابن الظاهر بيبرس الذي عزله السلطان قلاوون وولي بدلا منه أخيه الأصغر العادل بدر الدين سلامش، إلي أن تمكن هو وممالكيه وعزلوه، وتربع قلاوون على العرش. ومثلما حدث لإبنه السلطان الناصر محمد من كتبغا وبيبرس الجاشنكير. وتلك أمور كانت تحدث في العصر المملوكي وكل دول العالم. لم تكن السلطنة في العصر المملوكي بالتوريث. ومن المؤكد وجود أبناء للسلاطين يورثوا الحكم كالسلطان السعيد بركة وسًلامش أنجال الظاهر بيبرس، ومن بعده أولاد وأحفاد السلطان قلاوون، ولكن العادة كانت تحتم أن يجلس أولاد السلاطين إلي أن تهدأ الأمور، وبعد ذلك يتخلعوا ويجلس بدلا منهم أمير قوى، الذي قد كان نائب السلطان والحاكم الحقيقى. الجلوس علي عرش السلطنة لم يكن بالتوريث ولا بالتفويض الشعبي بل كان بالتنافس علي القوة وكثرة المماليك والسلاح والإقطاعيات، لكن كان عادة بتفويض الأمراء الذين كانوا يجتمعون ويتفقون على تنصيب السلطان، وبطبيعة الحال الأمير الذين كانوا يختاروه كان اقواهم وله اتباع أكثر، أو اضعفهم فيجلسوه على العرش وينظموا بمفردهم شئون البلاد.
الحرس السلطانى (المماليك السلطانية) أو الخاصكية كانوا أهم المماليك بالنسبة للدولة السلطانية. ووهؤلاء كان السلطان يهتم بهم وينفذ لهم كل ما يريدون، وكان يغدق عليهم بالكثير من الهدايا والهبات، لإن سلطنته وحياته نفسها كات متوقفه عليهم. وكان رئيس الحرس السلطانى يعتبر حاكم مطلق وله مماليكه وقواده وكانوا طبعا يعينوا في مراكز مهمة في السلطنة كوظيفة الدوادار، وهو المسئول عن نقل الرسائل بين أنحاء ومدائن السلطنة، وكان يشرف على مراكز البريد والحمام الزاجل (البريد الجوي) وكان معاه ختم السلطان الذي يختم بهجميع على الرسائل والمستندات السلطانية، وكان يحكم مصر في وقت غياب السلطان. والمؤرخ الكبير بيبرس الدوادار كان واحد منهم. وكان من المحتمل أن يكون رئيس الحرس السلطاني داوادار السلطنة. الدوادار كان تابع ديوان "أمير القلم" وده كان قسم في "ديوان الإنشا" المسئول عن علاقات مصر بالبلاد الأخرى، ووكتابة رسائل السلطان لملوك وسلاطين البلدان الأخرى، وكان لكل جواب صيغة متعارف بها بين السلطان وبقية السلاطين وفي حالة ما تكون الرسائل بصيغة أخرى كان السلطان يعرف أنها مغشوشة أو مزورة. وقد كان المؤرخ محيي الدين بن عبد الظاهر أحد رؤساء ديوان الإنشا، واخترع صيغ كتابة لم تكن تستعمل من قبل لتعارف العامة والطامعين علي الصيغ الأخرى.
وإن لم يتولي رئيس الحرس السلطانة مهمة الدوادار كان يتولي قيادة الجيش ويطلق عليه أتابك العسكر أو الأمير الأكبر. وكان للقصر رئيس يشرف عليه اسمه "الأستادار" وكان المشرف على مخازن السلاح يعرف بالسلحدار ورئيس الإسطبلات كان بيلقب بأمير آخور.
كان لكل طبقة من المماليك لباس معين مصنوع من أقمشة باهظة الثمن ومطرزة بالذهب والفضة، ووعندما يخرجوا مع السلطان في المواكب الفخمة كان لكل جماعة أميرها والناس تزاحم لكي تشاهد موكب السلطان.
في العصر المملوكى كات مصر مقسمة على عشرين قسم كل قسم يتولاه والى أو أمير. وكان الوالى عبارة عن سلطان للمنطقة التي كان يحكمها. وأهم والى كان والى القاهرة وهذا كان أكبر أمير يحكم القاهرة وضواحيها وكان اسمه والى الشرطة ووالى الحرب. بعد حوادث الإسكندرية سنة (1365) أصبح في مدينة الإسكندرية والي عظيم الشأن وكان يحل محل السلطان في حالة غيابة عن البلاد هو ورئيس الحرس. ووقد كان قلعة الجبل والي، مقر الحكم وقصر السلطان، وكان يشرف علي باب المدرج وهو أكبر أبواب القلعة وكان فيه والى باب القله.
وعندما توسعت الدولة المملوكية خارج مصر كان يرسل لها ولاة ينوبون عنه في حكم الشام والحجاز واليمن وأفريقية والعراقين وكانوا يسمون علي سبيل المثال نائب السلطان في ولاية الشام. وكانوا يختلفون عن نائب السلطان المباشر في القاهرة الملقب بكافل الممالك الشريفة، وكان مركزهم أقل منه ولم يملكوا صلاحياته التي كانت تقريبا نفس صلاحيات السلطان وكان من حقه أن يختم على مستندات الدولة وأن يحرك الجيش بدون غير أمر السلطان.
كانت الدولة المملوكية في مصر من سنة 1250 إلي سنة 1517، المماليك البحرية، وكان معظمهم من أصل تركى (turkic) (ليسوااتراك من تركيا) حكموا إلي عام 1382، والمماليك البرجية وكان معظمهم من أصل شركسى حكموا من أيام السلطان برقوق إلي عام 1517. طومان باى كان أخر سلاطين الدولة المملوكية عندما فتحت الدولة العثمانية مصر وبدأ عصر الأتراك العثمانيين (اتراك من تركيا) وأصبحت مصر ولاية عثمانية. وعندما انتهي عصر المماليك في مصر كتب المؤرخ ابن إياس قصيدة شعر بدايتها تقول: " نوحوا على مصر لأمر قد جرى.. من حادث عمت مصيبته الورى".
------------------------------------------------------
ما زلنا مع المماليك أقوا معنا ولا تنسونا من صالح دعائكم
أمس في 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد
» العبادة وأركانها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الراجح من أقوال العلماء أن جلسة الاستراحة سنة في الصلاة
الإثنين نوفمبر 18, 2024 2:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 17, 2024 10:15 pm من طرف صادق النور
» لا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له
الأحد نوفمبر 17, 2024 3:12 pm من طرف عبدالله الآحد
» تابع زبدة التوحيد لنعمان بن عبد الكريم الوتر
السبت نوفمبر 16, 2024 2:15 pm من طرف عبدالله الآحد
» هيئات السجود المسنونة
الخميس نوفمبر 14, 2024 3:24 pm من طرف عبدالله الآحد