الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله .اللهم اعنا على الصام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان بادىء ذي بدء فانني اقول ان صيام شهر رمضان ركن من اركان الاسلام. فاذا كنا آمنا بان الله ربنا والاسلام ديننا وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله رسولنا وجب علينا الطاعة فيما امرنا به سواء علمنا فائدة ذلك ام لم نعلم.اننا نؤمن حق اليقين ، ان الله الذي خلقنا ، والذي وسع علمه كل شيء ، هو اخبر بما هو صالح لعباده . الا يعلم من خلق وهو السميع البصير.
ان هذا الايمان وهذه الطاعة هي ما التزم بها المسلمون الاولون . لم يكن لديهم من العلم والمعرفة ما توصلنا اليه في هذه الايام والتي بفضلها تمكنا من تأويل وتفسير كثير من الايات والاوامر الدينية التي اكتشفنا انها جميعا لصالح البشر ، ولا عجب في ذلك ، لان الله الذي خلقنا ورزقنا ورعانا والذي هو اخبر بنا من انفسنا ، هدانا ورسم لنا افضل السبل لتنظيم حياتنا على هذا الكوكب ، بدأ من الامور الشخصية جدا مثل تنظيف الاسنان والنظافة والتطهر من البول والبراز وطرق الاكل والجماع ... الخ وصولا الى العلاقات الاجتماعية وتكوين الدولة والجيش .الخ. من ناحية اخرى ، فاننا نؤمن حق الايمان ان الله لا تنفعه طاعتنا ولا تضره معصيتنا ، ولكن الله يرضى بان يرى عباده طائعين عابدين له شاكرين وحامدين على نعمه الكثيرة التي اعطاهم اياها. ويعدهم مقابل ذلك جنة عرضها جنة عرضها السموات والارض.قال تعالى : ( وما خلقت الانس والجنة الا ليعبدون ) . ومما جاء في حديث قدسي : ( يا عبادي لو ان اولكم وآخركم وانسكم وجنكم كانوا على اتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا. ولو ا ناولكم واخركم وانسكم وجنكم كانوا على اشقى قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا . ولو ا ناولكم وآخركم وانسكم وجنكم جاءوا على صعيد واحد واعطيت كل مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئا الا كما ينقص المخيط اذا دخل البحر ).
شهر رمضان شهر الله
عطفا الى تبيان اهمها لمن اراد ان يتذكر او اراد شكورا . ان شهر رمضان هو شهر الله . ولا عجب في ذلك . فان لله خواص في الاماكن والازمان والاشخاص فافضل مكان على الارض المسجد الحرام ، وافضل الخلق طرا سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم . وافضل الشهور شهر رمضان ، فيه انزل القرآن وهو شهر التوبة والغفران ، تضاعف فيه الحسنات الى مقدار لا يعلمه الا الله فمن صلى فيه فريضة او تلا فيه تلاوة من القرآن كان له اجر سبعين فريضة فيمن سواه ومن صلى فيه نافلة كان كمن صلى فريضة فيمن سواه. وكذلك الصدقات واعمال البر والخير. من افطر فيه صائما ولو بشق تمرة كان له مثل اجره دون ان ينقص ذلك من اجر الصائم شيء. يأتي الصيام والقرآن فيشفعان لصاحبهما يوم الحساب . يقول الصوم : يا رب ، حرمته طعامه وشرابه طول يومه فشفعني فيه . ويقول القرآن : حرمته نومه بالليل فشفعني فيه . يدخل الصائمون الجنة من باب خاص يسمى باب الريان . فيه تصفد الشياطين وتغلق ابواب النار . وهو شهر اوله رحمه واوسطه مغفرة وآخره عتق من النار وهو شهر الصبر يصبر فيه الصائم على ترك طعامه وشرابه وجماعه وعلى الابتعاد عن المعاصي وعلى قيام وعلى قيام الليل.. الخ .قال تعالى : ( انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب ) .
ثواب الصيام لا يحصى
قال تعالى في الحديث القدسي : ( كل عمل ابن آدم له ، الا الصوم فانه لي وانا اجزي به ) . ان هذا لوعد قاطع من رب العزة بان يجزي الصائم بلا حدود .اي يجزيه بفضله وكرمه وجوده واحسانه ومننه .
فابشروا ايها الصائمون بجنة عرضها السموات والارض . هذا وان للصائم فرحتان . فرحة عند افطاره وفرحة عند لقاء ربه وله دعوة مستجابة عند افطاره .قال رسول الله صلى الله عليه وآله :" لو تعلم امتي ما في رمضان من خير لتمنت ان تكون السنة كلها رمضان ". ومن ناحية اخرى فان من يفطر عامدا متعمدا دون عذر فقد حرم نفسه من كل ما سبق.
فوائد الصيام الصحية البدنية
ليس هذا فحسب ، بل قد يكون قد ارتكب خطأ واثما كبيرا . واذا جاهر بافطاره فيكون اداه لتشجيع الآخرين على الافطار. فيضاف اليه اثم من يقلده في ذلك.ويكون كمن يتحدى رب العالمين يبارزه بالمعاصي . فليتأهب ، وليأخذ سلاحه معه ليوم الحساب لعله يفوز بالمباراة في ذلك اليوم . اما الذي ينكر وجوب الصيام ويستهزىء بالصائمين فانه وباجماع علماء الامة ، قد دخل في دائرة الكفر. لا تقل لي ان امتناع الصائم عن الاكل والشرب يؤثر على صحة الصائم او يضعفه ، فرغم ان كثيرا من الصائمون يكتفون بوجبة واحدة يوميا ، فان وزنهم يزداد عند نهاية شهر رمضان . وذلك يعود لراحة الجهاز الهضمي وتحسن القدرة على امتصاص الغذاء من الامعاء .في بقية شهور السنة يخالف جميع المسلمين وتحت ضغط ما لذ وطاب من المأكولات ، تعاليم رسول الله صلى الله عليه وآله في المأكل والمشرب. فالاضافة الى الوجبات الثلاث التقليدية والتي يتناولها الناس دون الشعور بالجوع في اغلب الاحيان ، يقوم معظم الناس بالاكل بينها ، قطعة حلوى من هنا وفاكهة من هناك ..الخ.
يبقى الجهاز الهضمي مشغولا طول النهار ونكلفه ما لا يطيق. فيرمي بمعظم هذه المأكولات الى الخارج دون الاستفادة منها ، وبناء عليه ، يعاني كثير من الناس من امراض ومشاكل هذاالجهاز. اما كيف علمنا رسول الله تنظيم مأكلنا ومشربنا حتى لا نصاب بما سبق ؟ فقد ورد ذلك في اكثر من عشرة احاديث ، سأروي منها حديثين فقط للتوضيح ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " نحن قوم لا نأكل حتى نجوع ، واذا اكلنا فلا نشبع ". وقال : ( ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه ، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فان كان لا بد فاعلا ، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلثه لنفسه".
ويأتي شهر رمضان ، فيضبط تصرفاتنا ويقوي ارادتنا ، نرى الاكل والمشرب والنساء ، فنحجم عن ذلك ابتغاء مرضاة وتنفيذا لاوامره ، فيرتاح جهازنا الهضمي وتخف الآم الامعاء والمعدة ولكني اعود فاقول ان كثيرا من المسلمين لا يحصلون على هذه الفائدة نتيجة عدم تقيدهم بتعاليم رسول الله صلى الله عليه وآله. فما ان يضرب مدفع الافطار حتى يهجمون هجوم الغضنفر على المأكل والمشرب الى ان يقومون وقد انتفخت بطونهم وضعفت حركتهم وانحلت عزائمهم فيتمددون دون حراك على اقرب اريكة يصلون اليها . ولا عجب مما اصابهم لان تلك المعدة المسكينة الفارغة طول النهار تتلقى فجأة قصفا عشوائيا بتلك الكميات الكبيرة من المأكل والمشرب فيصيبها ما يصيبها من اعياء وتعب . ان رسول الله صلى الله عليه وآله علمنا كيف نتفادى ذلك . فقد كان يشرب الماء ويـأكل تمرة ثم يصلي المغرب والنافلة وبعدها يبدأ بتناول طعامه فلا يعاني من تلك المشاكل السابقة ويبقى نشيط الجسم ومرتاح المعدة. اما بالنسبة للاغنياء والمترفين الذين ما تعودوا الا الاسراف في المأكل والمشرب ، فان شعورهم بالجوع قد يحرك بهم العطف والانفاق على الذين يعانون من الجوع كل ايام السنة.
فوائد الصيام النفسية الروحية
ليس الصيام الامتناع عن الطعام والشراب فقط . قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " من لم يدع قول الزور والعمل به فلا حاجة لله ان يدع طعامه وشرابه". وقال :" كم من صائم ليس له من صيامه الا الجوع والعطش ". وقال :" الصوم جنة ، فاذا كان صيام احدكم فلا يرفث ولا يفسق فان شاده احد او خاصمه قليقل اني صائم". وبلغ رسول الله ان اثنين من النساء تصومان صيام تطوع ولكنهما تغتابان الآخرين ، فقال : ( لقد صامتا عن الحلال وافترطا على الحرام ".
ان الصوم الحقيقي هو صوم جميع الجوارح عن ما حرم الله ومراقبة رب العالمين في جميع اقوالنا وافعالنا ، فاللسان ينشغل بذكر الله وكل طيب من القول ويمتنع عن الغيبة والنميمة وفواحش الكلام وقذف المحصنات الغافلات .
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا او يصمت ". وقال لاحد اصحابه " امسك عليك هذا " مشيرا الى لسانه . فقال الصحابي : او نحن محاسبون بما نقول يا رسول الله . قال :" ثكلتك امك ، وهل يكب الناس على وجوههم الا حصائد السنتهم ". وقال :" من يضمن لي ما بين شفتيه وما بين فخذيه اضمن له الجنة". اما النظر ، فهو اول سهم من سهام الشيطان ، خاصة بايامنا هذه ، حيث كثيرا من النساء كاسيات عاريات متبرجات تثير شهوة الرجال . فصوم العين هو عدم النظر الى ما حرم الله . قال تعالى : ( قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم ، وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ويحفظن فروجهن ).
اما السمع فاحرص على الاستماع الى القرآن الكريم بدل الاغاني ولهو الكلام ، واحرص على حضور حلقات الذكر وحلقات تدريس الدين . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله :" ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون القرآن ويتدارسونه بينهم الا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده ". كما اسلفت في مقالي ، فان الله وعد بالاجر العظيم ، كل من قام بعبادة او طاعة او عمل صالح في شهر رمضان ، لذلك فانه من تمام الصوم القيام باعمال الخير وصلة الرحم وتفقد الجيران ومساعدة الآخرين والانفاق في سبيل الله والعفو والصفح عن الاخرين مع القدرة على مواساتهم وتفقد المساجد والذهاب اليها واطعام الفقراء والمساكين واستخدام جميع النعم التي منحك اياها الله في طاعته والابتعاد عن معصيته ، وهكذا ، يتبين لكم ان شهر رمضان هو المدرسة التي من خلالها يقوي العبد صلته بربه وهو المدرسة التي نصقل المؤمن من جديد فتزيده ايمانا وعملا صالحا وخلقا رفيعا وتجعل منه انسانا بناء" يهتم بالمجتمع الذي يعيش فيه.
فوائد الصيام الاقتصادية
اما زكاة الفطر ، فهي رمز التعاون بين الاغنياء والفقراء والتي هي من حق الفقراء وليست صدقة عليهم ولا يقبل الصيام الا بعد اخراجها . وهذه الزكاة مع صدقات التطوع في رمضان تغسل قلوب الفقراء من الحقد والحسد على الاغنياء فيدعون لهم بازدياد نعم الله عليهم. المفروض ان قلب المؤمن يكون خاليا من هذه الصفات الذميمة ويكون راضيا قانعا بما قسم الله له. ويأتي الصيام فيزيل تلك الصفات ويملىء القلب رضا ومحبة وتمنيا للخير لجميع خلق الله وخاصة للمؤمنين والمؤمنات.
فوائد الصيام البدنية
بقي علينا في الناحية الصحية ما اكتشفه العلماء في عصرنا الحديث . ان اخذ الطعام بشكل دائم اكثر من حاجة الجسم يؤدي الى تخزين الفائض في الكبد والانسجة والعضلات والشرايين والاوردة ولا يخفى على الناس مقدار الضرر من جراء هذا التخزين ، وما قد ينتج عنه تصلب في الشرايين وضعف العضلات وغير ذلك ، ولكن بالصيام وخاصة صيام التطوع ( يومي الاثنين والخميس وثلاثة ايام بمنتصف الشهر ) تسحب تلك الترسبات الدهنية وتستخدم لتأمين الطاقة للجسم مما يجنب الناس كثيرا من الامراص والالام.
فوائد الصيام على نوائب الدهر
الامر الآخر في الناحية الصحية هو تدريب الاعضاء الداخلية على القيام بعملها بشكل افضل.وقبل ان افصل ذلك ، فانني الفت النظر الى انه عند حدوث زلازل او انهيار مباني ، فان الذين يمارسون الصيام يعيشون عدة ايام اكثر من غيرهم .اما السبب في ذلك هو انه لكل عضو داخلي وظيفتان .
ولنوضح ذلك اضرب مثلا بالكبد ، فمن وظائفه تخزين الاكل الزائد عن الحاجة، فاذا لم يستطع الانسان تناول الطعام ، اخذ من المخزون لاستخدامه في حاجة الجسم ، وكذلك الامر بالنسبة للكليتين ، فاذا اخذت كمية كبيرة من السوائل اكثر من حاجة الجسم فانها تتخلص من الزائد سريعا . اما اذا انقطع الماء عن الانسان فانها توقف التخلص من الماء حتى لا يصاب الجسد بالجفاف.
ان الذين لا يمارسون الصيام لم تتعود اعضائهم الا على الاخذ ، لذلك تجد تلك الاعضاء صعوبة في التكيف مع الاوضاع الطارئة فيهكلون اسرع من الصائمين . وهكذا فان الصائم يكون داخليا بصحة افضل واقدر على مواجهة الصعاب والحالات الطارئة . وهذا مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وآله :" صوموا تصحوا ".
كتبت مقالي هذا على عجل واعلم انه غيض من فيض مما يجب ان يقال ولكني آمل ان اكون نبهت القارىء الى بعض المزايا والفوائد والحسنات لهذا الشهر الكريم. داعيا الله ان يتقبل منا ومنكم صيامه وقيامه وان ينلنا شفاعته يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم.
عناد اعداء الاسلام
ملاحظة هامة: يدعي بعض اعداء الاسلام ان الصوم يضر الصحة وانه تعذيب للنفس البشرية بغير فائدة. لله ابوهم كيف يلقون الكلام على عواهنه ؟ وما قصدوا من ذلك الا التشويش بتلك المغالطات ، ولو كان كلامهم صحيحا لرأيت الصائمون يعانون من الامراض الجسدية والنفسية ، ولكن وبما انهم لم يصوموا ، فانهم لم يشعروا بصفاء الذهن وتحسن القدرة على التفكير والانتاج وعلى الشعور بالنشاط والقوة وعلى الشعور بالراحة عامة والجهاز الهضمي خاصة ، كما يشعر الصائم .
انهم يتمسكون بنظريات دون دليل ولا منطق ولا برهان ولا اساس لها من الصحة ، افترضها بعض الهراتقة ، واثبتت فشلها في بلدان منشئها . ورغم ذلك فانهم يطالبوننا دائما باعطائهم الادلة والبراهين على صحة هذا الدين وفوائده ورغم اننا نقوم بذلك على افضل وجه ، فانهم يصرون على عنادهم واستكبارهم وانكارهم وتعصبهم لتلك المبادىء . ولا يستطيعون اطلاقا مقارعة الحجة بالحجة والدليل بالدليل والمنطق بالمنطق ولا يبقى لهم في هذه الحالة ان يلقوا الكلام جزافا في محاولة لتشويش بالمغالطات بتقليل من مكانة هذا الدين العظيم.
عزتنا وكرامتنا ورفعتنا بالاسلام وتعاليمه
فبعضهم يقول هذا دين قديم ومبادئه بالية ولا تصلح لعصرنا الحديث وهو سبب تأخر الناس عن ركب الحضارة .. الخ ، مما يفتري به على هذا الدين الحنيف ، في اجابتي على ما يدعون ، فانني لن ادخل في تفاصيل الامور لضيق المجال، ولكني اكتفي بان اقو لان العرب كانوا في جاهلية جهلاء وليسوا باكثر من رعاة للغنم فلما جاء الاسلام اصبحوا سادة للامم ، ولما ترك المسلمون دينهم رجعوا متخلفين اذلاء تتقاسمهم وتتحكم بهم جميع الامم.
يا قوم ، نحن قوم اعزنا الله بالاسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره اذلنا الله ، ولكن المعاندين المستكبرين ينكرون ذلك .
لكن قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد
وينكر الفم طعم الماء من سقم
منقول ....
ان هذا الايمان وهذه الطاعة هي ما التزم بها المسلمون الاولون . لم يكن لديهم من العلم والمعرفة ما توصلنا اليه في هذه الايام والتي بفضلها تمكنا من تأويل وتفسير كثير من الايات والاوامر الدينية التي اكتشفنا انها جميعا لصالح البشر ، ولا عجب في ذلك ، لان الله الذي خلقنا ورزقنا ورعانا والذي هو اخبر بنا من انفسنا ، هدانا ورسم لنا افضل السبل لتنظيم حياتنا على هذا الكوكب ، بدأ من الامور الشخصية جدا مثل تنظيف الاسنان والنظافة والتطهر من البول والبراز وطرق الاكل والجماع ... الخ وصولا الى العلاقات الاجتماعية وتكوين الدولة والجيش .الخ. من ناحية اخرى ، فاننا نؤمن حق الايمان ان الله لا تنفعه طاعتنا ولا تضره معصيتنا ، ولكن الله يرضى بان يرى عباده طائعين عابدين له شاكرين وحامدين على نعمه الكثيرة التي اعطاهم اياها. ويعدهم مقابل ذلك جنة عرضها جنة عرضها السموات والارض.قال تعالى : ( وما خلقت الانس والجنة الا ليعبدون ) . ومما جاء في حديث قدسي : ( يا عبادي لو ان اولكم وآخركم وانسكم وجنكم كانوا على اتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا. ولو ا ناولكم واخركم وانسكم وجنكم كانوا على اشقى قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا . ولو ا ناولكم وآخركم وانسكم وجنكم جاءوا على صعيد واحد واعطيت كل مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئا الا كما ينقص المخيط اذا دخل البحر ).
شهر رمضان شهر الله
عطفا الى تبيان اهمها لمن اراد ان يتذكر او اراد شكورا . ان شهر رمضان هو شهر الله . ولا عجب في ذلك . فان لله خواص في الاماكن والازمان والاشخاص فافضل مكان على الارض المسجد الحرام ، وافضل الخلق طرا سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم . وافضل الشهور شهر رمضان ، فيه انزل القرآن وهو شهر التوبة والغفران ، تضاعف فيه الحسنات الى مقدار لا يعلمه الا الله فمن صلى فيه فريضة او تلا فيه تلاوة من القرآن كان له اجر سبعين فريضة فيمن سواه ومن صلى فيه نافلة كان كمن صلى فريضة فيمن سواه. وكذلك الصدقات واعمال البر والخير. من افطر فيه صائما ولو بشق تمرة كان له مثل اجره دون ان ينقص ذلك من اجر الصائم شيء. يأتي الصيام والقرآن فيشفعان لصاحبهما يوم الحساب . يقول الصوم : يا رب ، حرمته طعامه وشرابه طول يومه فشفعني فيه . ويقول القرآن : حرمته نومه بالليل فشفعني فيه . يدخل الصائمون الجنة من باب خاص يسمى باب الريان . فيه تصفد الشياطين وتغلق ابواب النار . وهو شهر اوله رحمه واوسطه مغفرة وآخره عتق من النار وهو شهر الصبر يصبر فيه الصائم على ترك طعامه وشرابه وجماعه وعلى الابتعاد عن المعاصي وعلى قيام وعلى قيام الليل.. الخ .قال تعالى : ( انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب ) .
ثواب الصيام لا يحصى
قال تعالى في الحديث القدسي : ( كل عمل ابن آدم له ، الا الصوم فانه لي وانا اجزي به ) . ان هذا لوعد قاطع من رب العزة بان يجزي الصائم بلا حدود .اي يجزيه بفضله وكرمه وجوده واحسانه ومننه .
فابشروا ايها الصائمون بجنة عرضها السموات والارض . هذا وان للصائم فرحتان . فرحة عند افطاره وفرحة عند لقاء ربه وله دعوة مستجابة عند افطاره .قال رسول الله صلى الله عليه وآله :" لو تعلم امتي ما في رمضان من خير لتمنت ان تكون السنة كلها رمضان ". ومن ناحية اخرى فان من يفطر عامدا متعمدا دون عذر فقد حرم نفسه من كل ما سبق.
فوائد الصيام الصحية البدنية
ليس هذا فحسب ، بل قد يكون قد ارتكب خطأ واثما كبيرا . واذا جاهر بافطاره فيكون اداه لتشجيع الآخرين على الافطار. فيضاف اليه اثم من يقلده في ذلك.ويكون كمن يتحدى رب العالمين يبارزه بالمعاصي . فليتأهب ، وليأخذ سلاحه معه ليوم الحساب لعله يفوز بالمباراة في ذلك اليوم . اما الذي ينكر وجوب الصيام ويستهزىء بالصائمين فانه وباجماع علماء الامة ، قد دخل في دائرة الكفر. لا تقل لي ان امتناع الصائم عن الاكل والشرب يؤثر على صحة الصائم او يضعفه ، فرغم ان كثيرا من الصائمون يكتفون بوجبة واحدة يوميا ، فان وزنهم يزداد عند نهاية شهر رمضان . وذلك يعود لراحة الجهاز الهضمي وتحسن القدرة على امتصاص الغذاء من الامعاء .في بقية شهور السنة يخالف جميع المسلمين وتحت ضغط ما لذ وطاب من المأكولات ، تعاليم رسول الله صلى الله عليه وآله في المأكل والمشرب. فالاضافة الى الوجبات الثلاث التقليدية والتي يتناولها الناس دون الشعور بالجوع في اغلب الاحيان ، يقوم معظم الناس بالاكل بينها ، قطعة حلوى من هنا وفاكهة من هناك ..الخ.
يبقى الجهاز الهضمي مشغولا طول النهار ونكلفه ما لا يطيق. فيرمي بمعظم هذه المأكولات الى الخارج دون الاستفادة منها ، وبناء عليه ، يعاني كثير من الناس من امراض ومشاكل هذاالجهاز. اما كيف علمنا رسول الله تنظيم مأكلنا ومشربنا حتى لا نصاب بما سبق ؟ فقد ورد ذلك في اكثر من عشرة احاديث ، سأروي منها حديثين فقط للتوضيح ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " نحن قوم لا نأكل حتى نجوع ، واذا اكلنا فلا نشبع ". وقال : ( ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه ، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فان كان لا بد فاعلا ، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلثه لنفسه".
ويأتي شهر رمضان ، فيضبط تصرفاتنا ويقوي ارادتنا ، نرى الاكل والمشرب والنساء ، فنحجم عن ذلك ابتغاء مرضاة وتنفيذا لاوامره ، فيرتاح جهازنا الهضمي وتخف الآم الامعاء والمعدة ولكني اعود فاقول ان كثيرا من المسلمين لا يحصلون على هذه الفائدة نتيجة عدم تقيدهم بتعاليم رسول الله صلى الله عليه وآله. فما ان يضرب مدفع الافطار حتى يهجمون هجوم الغضنفر على المأكل والمشرب الى ان يقومون وقد انتفخت بطونهم وضعفت حركتهم وانحلت عزائمهم فيتمددون دون حراك على اقرب اريكة يصلون اليها . ولا عجب مما اصابهم لان تلك المعدة المسكينة الفارغة طول النهار تتلقى فجأة قصفا عشوائيا بتلك الكميات الكبيرة من المأكل والمشرب فيصيبها ما يصيبها من اعياء وتعب . ان رسول الله صلى الله عليه وآله علمنا كيف نتفادى ذلك . فقد كان يشرب الماء ويـأكل تمرة ثم يصلي المغرب والنافلة وبعدها يبدأ بتناول طعامه فلا يعاني من تلك المشاكل السابقة ويبقى نشيط الجسم ومرتاح المعدة. اما بالنسبة للاغنياء والمترفين الذين ما تعودوا الا الاسراف في المأكل والمشرب ، فان شعورهم بالجوع قد يحرك بهم العطف والانفاق على الذين يعانون من الجوع كل ايام السنة.
فوائد الصيام النفسية الروحية
ليس الصيام الامتناع عن الطعام والشراب فقط . قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " من لم يدع قول الزور والعمل به فلا حاجة لله ان يدع طعامه وشرابه". وقال :" كم من صائم ليس له من صيامه الا الجوع والعطش ". وقال :" الصوم جنة ، فاذا كان صيام احدكم فلا يرفث ولا يفسق فان شاده احد او خاصمه قليقل اني صائم". وبلغ رسول الله ان اثنين من النساء تصومان صيام تطوع ولكنهما تغتابان الآخرين ، فقال : ( لقد صامتا عن الحلال وافترطا على الحرام ".
ان الصوم الحقيقي هو صوم جميع الجوارح عن ما حرم الله ومراقبة رب العالمين في جميع اقوالنا وافعالنا ، فاللسان ينشغل بذكر الله وكل طيب من القول ويمتنع عن الغيبة والنميمة وفواحش الكلام وقذف المحصنات الغافلات .
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا او يصمت ". وقال لاحد اصحابه " امسك عليك هذا " مشيرا الى لسانه . فقال الصحابي : او نحن محاسبون بما نقول يا رسول الله . قال :" ثكلتك امك ، وهل يكب الناس على وجوههم الا حصائد السنتهم ". وقال :" من يضمن لي ما بين شفتيه وما بين فخذيه اضمن له الجنة". اما النظر ، فهو اول سهم من سهام الشيطان ، خاصة بايامنا هذه ، حيث كثيرا من النساء كاسيات عاريات متبرجات تثير شهوة الرجال . فصوم العين هو عدم النظر الى ما حرم الله . قال تعالى : ( قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم ، وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ويحفظن فروجهن ).
اما السمع فاحرص على الاستماع الى القرآن الكريم بدل الاغاني ولهو الكلام ، واحرص على حضور حلقات الذكر وحلقات تدريس الدين . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله :" ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون القرآن ويتدارسونه بينهم الا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده ". كما اسلفت في مقالي ، فان الله وعد بالاجر العظيم ، كل من قام بعبادة او طاعة او عمل صالح في شهر رمضان ، لذلك فانه من تمام الصوم القيام باعمال الخير وصلة الرحم وتفقد الجيران ومساعدة الآخرين والانفاق في سبيل الله والعفو والصفح عن الاخرين مع القدرة على مواساتهم وتفقد المساجد والذهاب اليها واطعام الفقراء والمساكين واستخدام جميع النعم التي منحك اياها الله في طاعته والابتعاد عن معصيته ، وهكذا ، يتبين لكم ان شهر رمضان هو المدرسة التي من خلالها يقوي العبد صلته بربه وهو المدرسة التي نصقل المؤمن من جديد فتزيده ايمانا وعملا صالحا وخلقا رفيعا وتجعل منه انسانا بناء" يهتم بالمجتمع الذي يعيش فيه.
فوائد الصيام الاقتصادية
اما زكاة الفطر ، فهي رمز التعاون بين الاغنياء والفقراء والتي هي من حق الفقراء وليست صدقة عليهم ولا يقبل الصيام الا بعد اخراجها . وهذه الزكاة مع صدقات التطوع في رمضان تغسل قلوب الفقراء من الحقد والحسد على الاغنياء فيدعون لهم بازدياد نعم الله عليهم. المفروض ان قلب المؤمن يكون خاليا من هذه الصفات الذميمة ويكون راضيا قانعا بما قسم الله له. ويأتي الصيام فيزيل تلك الصفات ويملىء القلب رضا ومحبة وتمنيا للخير لجميع خلق الله وخاصة للمؤمنين والمؤمنات.
فوائد الصيام البدنية
بقي علينا في الناحية الصحية ما اكتشفه العلماء في عصرنا الحديث . ان اخذ الطعام بشكل دائم اكثر من حاجة الجسم يؤدي الى تخزين الفائض في الكبد والانسجة والعضلات والشرايين والاوردة ولا يخفى على الناس مقدار الضرر من جراء هذا التخزين ، وما قد ينتج عنه تصلب في الشرايين وضعف العضلات وغير ذلك ، ولكن بالصيام وخاصة صيام التطوع ( يومي الاثنين والخميس وثلاثة ايام بمنتصف الشهر ) تسحب تلك الترسبات الدهنية وتستخدم لتأمين الطاقة للجسم مما يجنب الناس كثيرا من الامراص والالام.
فوائد الصيام على نوائب الدهر
الامر الآخر في الناحية الصحية هو تدريب الاعضاء الداخلية على القيام بعملها بشكل افضل.وقبل ان افصل ذلك ، فانني الفت النظر الى انه عند حدوث زلازل او انهيار مباني ، فان الذين يمارسون الصيام يعيشون عدة ايام اكثر من غيرهم .اما السبب في ذلك هو انه لكل عضو داخلي وظيفتان .
ولنوضح ذلك اضرب مثلا بالكبد ، فمن وظائفه تخزين الاكل الزائد عن الحاجة، فاذا لم يستطع الانسان تناول الطعام ، اخذ من المخزون لاستخدامه في حاجة الجسم ، وكذلك الامر بالنسبة للكليتين ، فاذا اخذت كمية كبيرة من السوائل اكثر من حاجة الجسم فانها تتخلص من الزائد سريعا . اما اذا انقطع الماء عن الانسان فانها توقف التخلص من الماء حتى لا يصاب الجسد بالجفاف.
ان الذين لا يمارسون الصيام لم تتعود اعضائهم الا على الاخذ ، لذلك تجد تلك الاعضاء صعوبة في التكيف مع الاوضاع الطارئة فيهكلون اسرع من الصائمين . وهكذا فان الصائم يكون داخليا بصحة افضل واقدر على مواجهة الصعاب والحالات الطارئة . وهذا مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وآله :" صوموا تصحوا ".
كتبت مقالي هذا على عجل واعلم انه غيض من فيض مما يجب ان يقال ولكني آمل ان اكون نبهت القارىء الى بعض المزايا والفوائد والحسنات لهذا الشهر الكريم. داعيا الله ان يتقبل منا ومنكم صيامه وقيامه وان ينلنا شفاعته يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم.
عناد اعداء الاسلام
ملاحظة هامة: يدعي بعض اعداء الاسلام ان الصوم يضر الصحة وانه تعذيب للنفس البشرية بغير فائدة. لله ابوهم كيف يلقون الكلام على عواهنه ؟ وما قصدوا من ذلك الا التشويش بتلك المغالطات ، ولو كان كلامهم صحيحا لرأيت الصائمون يعانون من الامراض الجسدية والنفسية ، ولكن وبما انهم لم يصوموا ، فانهم لم يشعروا بصفاء الذهن وتحسن القدرة على التفكير والانتاج وعلى الشعور بالنشاط والقوة وعلى الشعور بالراحة عامة والجهاز الهضمي خاصة ، كما يشعر الصائم .
انهم يتمسكون بنظريات دون دليل ولا منطق ولا برهان ولا اساس لها من الصحة ، افترضها بعض الهراتقة ، واثبتت فشلها في بلدان منشئها . ورغم ذلك فانهم يطالبوننا دائما باعطائهم الادلة والبراهين على صحة هذا الدين وفوائده ورغم اننا نقوم بذلك على افضل وجه ، فانهم يصرون على عنادهم واستكبارهم وانكارهم وتعصبهم لتلك المبادىء . ولا يستطيعون اطلاقا مقارعة الحجة بالحجة والدليل بالدليل والمنطق بالمنطق ولا يبقى لهم في هذه الحالة ان يلقوا الكلام جزافا في محاولة لتشويش بالمغالطات بتقليل من مكانة هذا الدين العظيم.
عزتنا وكرامتنا ورفعتنا بالاسلام وتعاليمه
فبعضهم يقول هذا دين قديم ومبادئه بالية ولا تصلح لعصرنا الحديث وهو سبب تأخر الناس عن ركب الحضارة .. الخ ، مما يفتري به على هذا الدين الحنيف ، في اجابتي على ما يدعون ، فانني لن ادخل في تفاصيل الامور لضيق المجال، ولكني اكتفي بان اقو لان العرب كانوا في جاهلية جهلاء وليسوا باكثر من رعاة للغنم فلما جاء الاسلام اصبحوا سادة للامم ، ولما ترك المسلمون دينهم رجعوا متخلفين اذلاء تتقاسمهم وتتحكم بهم جميع الامم.
يا قوم ، نحن قوم اعزنا الله بالاسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره اذلنا الله ، ولكن المعاندين المستكبرين ينكرون ذلك .
لكن قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد
وينكر الفم طعم الماء من سقم
منقول ....
أمس في 3:16 pm من طرف عبدالله الآحد
» ما جاء في أن دعاء غير الله والإستعاذة بغيره سبحانه شرك أكبر
الإثنين نوفمبر 25, 2024 2:14 pm من طرف عبدالله الآحد
» خطر الشرك والخوف من الوقوع فيه
الأحد نوفمبر 24, 2024 3:17 pm من طرف عبدالله الآحد
» -(( 3 -))- خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم
الأحد نوفمبر 24, 2024 12:53 pm من طرف صادق النور
» إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن الشرك سيظهر في هذه الأمة بعد إخفائه واندحاره
السبت نوفمبر 23, 2024 2:19 pm من طرف عبدالله الآحد
» فضل توحيد الله سبحانه
الجمعة نوفمبر 22, 2024 3:20 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب الدعوة إلى توحيد الله سبحانه
الخميس نوفمبر 21, 2024 3:00 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:31 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب التوكل على الله وخده لا شريك له
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 3:26 pm من طرف عبدالله الآحد
» أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 5:24 pm من طرف عبدالله الآحد