السؤال
من هم علماء أهل السنة من المتقدمين الذي قالوا : إنّ كلام الله عز وجل هو عبارة عن صوت وحرف ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
دلت الآيات والأحاديث على أن كلام الله عز وجل بحرف وصوت ، كما قال سبحانه لموسى عليه السلام : ( فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ) وكان يكلمه من وراء حجاب ، لا ترجمان بينهما ، واستماع البشر في الحقيقة لا يقع إلا للصوت .
وقال الله تعالى : ( وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى ) وقال تعالى : ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً ) وقال جل جلاله : ( فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) والنداء عند العرب لا يكون إلا بصوت ، ولم يرد عن الله تعالى ولا عن رسوله عليه السلام أنه من الله بغير صوت .
وقال تعالى ( وناديناه من جانب الطور الأيمن وقرَّبناه نجياً ) مريم/52 ، والنداء والمناجاة لا تكون إلا بصوت .
وعن عبد الله بن أنيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُرَاةً حُفَاةً بُهْمًا فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مِنْ بُعْدٍ كَمَا يَسْمَعُهُ مِنْ قُرْبٍ : أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ) أخرجه أحمد ، وصححه الألباني في " الصحيحة " ( 7/757 ) .
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يَقُولُ اللَّهُ: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَيُنَادَى بِصَوْتٍ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ...) أخرجه البخاري (4741) .
ثانيا :
يجب أن يُعلم أن الله تعالى إذا وصف نفسه بصفة معقولة عند العرب ، ولم يبين سبحانه أنها بخلاف ما يعقلونه ، ولا فسرها النبي صلى الله عليه وسلم حين أخبر بها ، بتفسير يخالف ظاهرها : فهي على ما يعقلونه ويعرفونه .
وهذ التقرير يقتضي أن يكون كلامه سبحانه وتعالى حرفاً وصوتاً ، بإقرار جميع الأئمة ، الذين سمعوا هذه الآيات والأحاديث ، ولم يحرفوا معناها أو يتأولوها على غير ظاهرها .
ومن زعم خلاف ذلك ، فهو المطالب بأن يثبت أن السلف تأولوها على غير ظاهرها.
قال الإمام أبو نصر السجزي رحمه الله : " ينبغي أن ينظر في كتب من درج ، وأخبار السلف : هل قال أحد منهم : إن الحروف المتسقة التي يتأتى سماعها وفهمها ، ليست بكلام الله سبحانه على الحقيقة ؟ وأن الكلام غيرها ومخالف لها ، وأنه معنى لا يدرى ما هو ، غير محتمل شرحاً وتفسيراً ؟ فإن جاء ذلك عن أحد من الأوائل والسلف ، وأهل النحل قبل مخالفينا الكلابية والأشعرية عذروا في موافقتهم إياه .
وإن لم يرد ذلك عمن سلف من القرون والأمم ، ولا نطق به كتاب منزل ، ولا فاه به نبي مرسل ، ولا اقتضاه عقل عُلم جهل مخالفينا وإبداعهم ، ولن يقدر أحد في علمي على إيراد ذلك عن الأوائل ، ولا اتخاذه إياه دينا ، في أثر ولا عقل " .
انتهى من " رسالة السجزي إلى أهل زبيد " (ص215) .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
" هاتوا أخبرونا من قال قبلكم : إن هذا القرآن عبارة وحكاية ، وأن حقيقة القرآن معنى قائم في النفس.. أخبرونا هل وجدتم هذه الضلالة ، وقبيح المقالة ، عند أحد من المتقدمين سوى قائدكم " [ يعني أبا الحسن الأشعري ] "
. انتهى من " رسالة في القرآن وكلام الله " (ص52) .
ثالثا :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وليس في الأئمة والسلف من قال : إن الله لا يتكلم بصوت ، بل قد ثبت عن غير واحد من السلف والأئمة : أن الله يتكلم بصوت ، وجاء ذلك في آثار مشهورة عن السلف والأئمة ، وكان السلف والأئمة يذكرون الآثار التي فيها ذكر تكلم الله بالصوت ولا ينكرها منهم أحد ، حتى قال عبد الله بن أحمد : قلت لأبي : إن قوما يقولون : إن الله لا يتكلم بصوت ؟ فقال : يا بني هؤلاء جهمية إنما يدورون على التعطيل . ثم ذكر بعض الآثار المروية في ذلك .
وكلام " البخاري " في " كتاب خلق الأفعال " صريح في أن الله يتكلم بصوت ، وفرّق بين صوت الله وأصوات العباد ، وذكر في ذلك عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك ترجم في كتاب الصحيح باب في قوله تعالى: ( حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير ) وذكر ما دل على أن الله يتكلم بصوت " انتهى من " مجموع الفتاوى " (6/527) .
وقال السجزي رحمه الله :
" فقول خصومنا : إن أحداً لم يقل إن القرآن كلام الله حرف وصوت ؛ كذب وزور ، بل السلف كلهم كانوا قائلين بذلك ، وإذا أوردنا فيه المسند ، وقول الصحابة من غير مخالفة وقعت بينهم في ذلك : صار كالإجماع .
ولم أجد أحداً يعتد به ، ولا يعرف ببدعة : من نفر من ذكر الصوت إلا البويطي ، إن صح عنه ذلك . فإن عند أهل مصر رسالة يزعمون أنها عنه ، وفيها : لا أقول إن كلاَم الله حرف وصوت ، ولا أقول إنه ليس بحرف وصوت . وهذا إن صح عنه فليس فيه أكثر من إعلامنا أنه لم يتبين هذه المسألة ، ولم يقف على الصواب فيها .
وأما غيره ممن نفى الحرف والصوت : فمبتدع ظاهر البدعة ، أو مقروف بها مهجور على ما جرى منه. والله الموفق للصواب " انتهى من " رسالته إلى أهل زبيد " (ص260) .
ومن أراد الاستزادة فليراجع هذه الرسالة ، فهي رسالة قيمة ، وقد خصصها أبو نصر رحمه الله ، للرد على من أنكر الحرف والصوت ، وكذلك رسالة " التسعينية " لشيخ الإسلام ابن تيمية ، فقد رد فيها على الأشاعرة من تسعين وجها ، جعل منها ثمانية وسبعين وجها للرد على بدعتهم في كلام الله سبحانه وتعالى .
وللفائدة ينظر جواب السؤال : (100585) .
والله أعلم .
منقول اسلام سؤال
فإن أهل السنة الذين تمسكوا بمذهب السلف، وأثبتوا الحرف والصوت، لم يذكر واحد منهم -تصريحًا أو تلميحًا- أن هذا الصوت، وذاك الحرف، معناه أن كيفية تكلم الله تعالى، تشبه تكلم المخلوقين! بل على العكس، فهم يثبتون لله تعالى صفة الكلام، وينصون على أنه لا يشبه كلام المخلوقين، ولا يحتاج لجوف، وفم، ولسان، وشفتين، ونحو ذلك من أدوات الكلام عند المخلوق، والعجيب أنهم يستدلون لذلك ببعض ما ذكره السائل، كقوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ {فصلت:11}، فكما أن كلام السماء والأرض، لا يعني أن لها مثل هذه الأدوات، فالله تبارك وتعالى وتقدس، أولى بالغنى عن مثل ذلك.
قال الإمام المبجل أحمد بن حنبل في رده على الجهمية والزنادقة: أما قولهم: إن الكلام لا يكون إلا من جوف، وفم، وشفتين، ولسان، وأدوات، أليس الله قال للسماوات والأرض: {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:11]، تراها أنها قالت بجوف، وفم، وشفتين، ولسان، وأدوات؟! وقال: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ} [الأنبياء: 79]، أتراها سبحت بجوف، وفم، ولسان، وشفتين؟! والجوارح إذ شهدت على الكفار، فقالوا: {لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: 21]، أتراها أنها نطقت بجوف، وفم، ولسان؟! ولكن الله أنطقها كيف شاء، وكذلك الله تكلم كيف شاء، من غير أن يقول بجوف، ولا فم، ولا شفتين، ولا لسان. اهـ.
وقال الإمام السجزي في رسالته إلى أهل زبيد، في الرد على من أنكر الحرف والصوت: وهذه القضية توجب أن يكون كلامه حرفًا وصوتًا، وكذلك كلام المحدث، إلا أن كلامه معجز، ولا انتهاء له، وأزلي، وكلام المحدث غير معجز، وهو متناه، وعرض لم يكن في وقت، ولا يكون في وقت، وكلامه سبحانه بلا أداة، ولا آلة، ولا جارحة، وكلام المحدث لا يوجد إلا عن أداة، وآلة، وجارحة في المعتاد، وقول الأشعري: "لما كان سمعه بلا انخراق، وجب أن يكون كلامه بلا حرف، ولا صوت"، مغالطة، وبناؤه لا يقتضي ما قاله، وإنما يقتضي: أن سمعه لما كان بلا انخراق، وجب أن يكون كلامه من غير لسان، وشفتين، وحنك، ولو قال ذلك لاستمر، ولم يقع فيه خلاف، وإنما موَّه وغالط، ويمر ذلك على من قصر علمه. اهـ.
وقال في موضع آخر: وأما الصوت: فقد زعموا أنه لا يخرج إلا من هواء بين جرمين، وذلك لا يجوز وجوده من ذات الله تعالى، والذي قالوه باطل من وجوه: ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر سلام الحجر عليه، وعلم تسليم الحصا في يده، وتسبيح الطعام بين يديه، وحنين الجذع عند مفارقته إياه، وما (جاء) لشيء من ذلك هواء منخرق بين جرمين؟ وقد أقر الأشعري: أن السماوات والأرض {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} حقيقة لا مجازًا. اهـ.
وقال الإمام المقدسي في (الاقتصاد في الاعتقاد) في إثبات أن كلام الله بحرف وصوت: وروى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تكلم الله بالوحي، سمع صوته أهل السماء، كجر السلسلة على الصفوان، فيخرون سجدًا". وذكر الحديث. وقول القائل: بأن الحرف والصوت لا يكون إلا من مخارج، باطل ومحال، قال الله عز وجل: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}، وكذلك قال عز وجل إخبارًا عن السماء والأرض أنهما {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}، فحصل القول من غير مخارج، ولا أدوات. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كلمه الذراع المسمومة. وصح أنه سلم عليه الحجر. اهـ.
وقال الدكتور أحمد بن عطية الغامدي في رسالته للدكتوراه (البيهقي وموقفه من الإلهيات) في بيان شبهة من نفى الحرف والصوت: يرى أن إثبات ذلك يقتضي تشبيه الله بخلقه، في أن يكون له مخارج الحروف والأصوات، فيكون كلامه يشبه كلام خلقه؛ لأن الحرف والصوت من صفات كلام المخلوقين. اهـ.
ثم قال: منشأ الخطأ في هذه المسألة هو عدم التفريق والمباينة بين الخالق وصفاته والمخلوق وصفاته، وإلاّ فإن السلف متفقون على التمييز بين صوت الربّ، وصوت العبد، ومتفقون على أن الله تكلم بالقرآن الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم حروفه ومعانيه، وأنه ينادي عباده بصوته. وليس للبيهقي ومن حذا حذوه في نفي الحرف والصوت سوى الشبهة التي سبق ذكرها.
أما السلف فإنهم استدلوا على مذهبهم القائل بأن الله يتكلم بصوت بحديث أبي سعيد الخدري الذي رواه البخاري: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار…". وأمثاله من الأحاديث ...
وقصارى القول: إن السلف يرون أن الله تعالى يتكلم بصوت يسمع، كما دلت على ذلك الأدلة القاطعة من الكتاب والسنة، وأن صوته لا يشبه أصوات خلقه، كما أن ذاته لا تشبه ذواتهم، وأن سائر كلام الله تعالى ليس هو الحروف فقط، ولا المعاني.
وفي بيان أن كلام الله تعالى هو مجموع الأمرين، يقول شيخ الاسلام ابن تيمية موضحًا المذهب الصحيح في ذلك: والصواب الذي عليه سلف الأمة - كالإمام أحمد، والبخاري صاحب الصحيح في كتاب خلق أفعال العباد، وغيره، وسائر الأئمة قبلهم وبعدهم أتباع النصوص الثابتة، وإجماع الأمة، وهو: أن القرآن جميعه كلام الله -حروفه، ومعانيه-، ليس شيء من ذلك كلامًا لغيره، ولكن أنزله على رسوله، وليس القرآن اسمًا لمجرد المعنى، ولا لمجرد الحروف، بل لمجموعهما، وكذلك سائر الكلام ليس هو الحروف فقط، ولا المعاني فقط، كما أن الإنسان المتكلم الناطق ليس هو مجرد الروح، ولا مجرد الجسد، بل مجموعهما، وأن الله تعالى يتكلم بصوت، كما جاءت به الأحاديث الصحاح، وليس ذلك كأصوات العباد، لا صوت القارئ، ولا غيره، وأن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فكما لا يشبه علمه وقدرته وحياته، علم المخلوق وقدرته وحياته، فكذلك لا يشبه كلامه كلام المخلوق، ولا معانيه تشبه معانيه، ولا حروفه تشبه حروفه، ولا صوت الربّ يشبه صوت العبد. اهـ.
فهذا هو مذهب السلف الحق، وهو الرأي السديد لاتفاقه مع ما جاء به الوحي الإلهي، الذي يجب أن يكون هو الفيصل عند الاختلاف والحكم عند التنازع، بعيدًا عن الأقيسة الباطلة. اهـ.
وإذا تقرر ذلك؛ عرف أن إثبات الحرف والصوت في كلام الله تعالى، لا يعني مشابهة كلام المخلوق، ولا يعني كذلك الخوض في كيفية اتصاف الله تعالى بصفاته، وإنما هو لبيان معنى كون الله تعالى متكلمًا بما شاء، وقتما شاء سبحانه، مع الجزم بكمال الله المطلق، وأن صفاته لا تماثل صفات المخلوق.
منقول اسلام ويب
من هم علماء أهل السنة من المتقدمين الذي قالوا : إنّ كلام الله عز وجل هو عبارة عن صوت وحرف ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
دلت الآيات والأحاديث على أن كلام الله عز وجل بحرف وصوت ، كما قال سبحانه لموسى عليه السلام : ( فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ) وكان يكلمه من وراء حجاب ، لا ترجمان بينهما ، واستماع البشر في الحقيقة لا يقع إلا للصوت .
وقال الله تعالى : ( وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى ) وقال تعالى : ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً ) وقال جل جلاله : ( فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) والنداء عند العرب لا يكون إلا بصوت ، ولم يرد عن الله تعالى ولا عن رسوله عليه السلام أنه من الله بغير صوت .
وقال تعالى ( وناديناه من جانب الطور الأيمن وقرَّبناه نجياً ) مريم/52 ، والنداء والمناجاة لا تكون إلا بصوت .
وعن عبد الله بن أنيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُرَاةً حُفَاةً بُهْمًا فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مِنْ بُعْدٍ كَمَا يَسْمَعُهُ مِنْ قُرْبٍ : أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ) أخرجه أحمد ، وصححه الألباني في " الصحيحة " ( 7/757 ) .
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يَقُولُ اللَّهُ: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَيُنَادَى بِصَوْتٍ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ...) أخرجه البخاري (4741) .
ثانيا :
يجب أن يُعلم أن الله تعالى إذا وصف نفسه بصفة معقولة عند العرب ، ولم يبين سبحانه أنها بخلاف ما يعقلونه ، ولا فسرها النبي صلى الله عليه وسلم حين أخبر بها ، بتفسير يخالف ظاهرها : فهي على ما يعقلونه ويعرفونه .
وهذ التقرير يقتضي أن يكون كلامه سبحانه وتعالى حرفاً وصوتاً ، بإقرار جميع الأئمة ، الذين سمعوا هذه الآيات والأحاديث ، ولم يحرفوا معناها أو يتأولوها على غير ظاهرها .
ومن زعم خلاف ذلك ، فهو المطالب بأن يثبت أن السلف تأولوها على غير ظاهرها.
قال الإمام أبو نصر السجزي رحمه الله : " ينبغي أن ينظر في كتب من درج ، وأخبار السلف : هل قال أحد منهم : إن الحروف المتسقة التي يتأتى سماعها وفهمها ، ليست بكلام الله سبحانه على الحقيقة ؟ وأن الكلام غيرها ومخالف لها ، وأنه معنى لا يدرى ما هو ، غير محتمل شرحاً وتفسيراً ؟ فإن جاء ذلك عن أحد من الأوائل والسلف ، وأهل النحل قبل مخالفينا الكلابية والأشعرية عذروا في موافقتهم إياه .
وإن لم يرد ذلك عمن سلف من القرون والأمم ، ولا نطق به كتاب منزل ، ولا فاه به نبي مرسل ، ولا اقتضاه عقل عُلم جهل مخالفينا وإبداعهم ، ولن يقدر أحد في علمي على إيراد ذلك عن الأوائل ، ولا اتخاذه إياه دينا ، في أثر ولا عقل " .
انتهى من " رسالة السجزي إلى أهل زبيد " (ص215) .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
" هاتوا أخبرونا من قال قبلكم : إن هذا القرآن عبارة وحكاية ، وأن حقيقة القرآن معنى قائم في النفس.. أخبرونا هل وجدتم هذه الضلالة ، وقبيح المقالة ، عند أحد من المتقدمين سوى قائدكم " [ يعني أبا الحسن الأشعري ] "
. انتهى من " رسالة في القرآن وكلام الله " (ص52) .
ثالثا :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وليس في الأئمة والسلف من قال : إن الله لا يتكلم بصوت ، بل قد ثبت عن غير واحد من السلف والأئمة : أن الله يتكلم بصوت ، وجاء ذلك في آثار مشهورة عن السلف والأئمة ، وكان السلف والأئمة يذكرون الآثار التي فيها ذكر تكلم الله بالصوت ولا ينكرها منهم أحد ، حتى قال عبد الله بن أحمد : قلت لأبي : إن قوما يقولون : إن الله لا يتكلم بصوت ؟ فقال : يا بني هؤلاء جهمية إنما يدورون على التعطيل . ثم ذكر بعض الآثار المروية في ذلك .
وكلام " البخاري " في " كتاب خلق الأفعال " صريح في أن الله يتكلم بصوت ، وفرّق بين صوت الله وأصوات العباد ، وذكر في ذلك عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك ترجم في كتاب الصحيح باب في قوله تعالى: ( حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير ) وذكر ما دل على أن الله يتكلم بصوت " انتهى من " مجموع الفتاوى " (6/527) .
وقال السجزي رحمه الله :
" فقول خصومنا : إن أحداً لم يقل إن القرآن كلام الله حرف وصوت ؛ كذب وزور ، بل السلف كلهم كانوا قائلين بذلك ، وإذا أوردنا فيه المسند ، وقول الصحابة من غير مخالفة وقعت بينهم في ذلك : صار كالإجماع .
ولم أجد أحداً يعتد به ، ولا يعرف ببدعة : من نفر من ذكر الصوت إلا البويطي ، إن صح عنه ذلك . فإن عند أهل مصر رسالة يزعمون أنها عنه ، وفيها : لا أقول إن كلاَم الله حرف وصوت ، ولا أقول إنه ليس بحرف وصوت . وهذا إن صح عنه فليس فيه أكثر من إعلامنا أنه لم يتبين هذه المسألة ، ولم يقف على الصواب فيها .
وأما غيره ممن نفى الحرف والصوت : فمبتدع ظاهر البدعة ، أو مقروف بها مهجور على ما جرى منه. والله الموفق للصواب " انتهى من " رسالته إلى أهل زبيد " (ص260) .
ومن أراد الاستزادة فليراجع هذه الرسالة ، فهي رسالة قيمة ، وقد خصصها أبو نصر رحمه الله ، للرد على من أنكر الحرف والصوت ، وكذلك رسالة " التسعينية " لشيخ الإسلام ابن تيمية ، فقد رد فيها على الأشاعرة من تسعين وجها ، جعل منها ثمانية وسبعين وجها للرد على بدعتهم في كلام الله سبحانه وتعالى .
وللفائدة ينظر جواب السؤال : (100585) .
والله أعلم .
منقول اسلام سؤال
فإن أهل السنة الذين تمسكوا بمذهب السلف، وأثبتوا الحرف والصوت، لم يذكر واحد منهم -تصريحًا أو تلميحًا- أن هذا الصوت، وذاك الحرف، معناه أن كيفية تكلم الله تعالى، تشبه تكلم المخلوقين! بل على العكس، فهم يثبتون لله تعالى صفة الكلام، وينصون على أنه لا يشبه كلام المخلوقين، ولا يحتاج لجوف، وفم، ولسان، وشفتين، ونحو ذلك من أدوات الكلام عند المخلوق، والعجيب أنهم يستدلون لذلك ببعض ما ذكره السائل، كقوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ {فصلت:11}، فكما أن كلام السماء والأرض، لا يعني أن لها مثل هذه الأدوات، فالله تبارك وتعالى وتقدس، أولى بالغنى عن مثل ذلك.
قال الإمام المبجل أحمد بن حنبل في رده على الجهمية والزنادقة: أما قولهم: إن الكلام لا يكون إلا من جوف، وفم، وشفتين، ولسان، وأدوات، أليس الله قال للسماوات والأرض: {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:11]، تراها أنها قالت بجوف، وفم، وشفتين، ولسان، وأدوات؟! وقال: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ} [الأنبياء: 79]، أتراها سبحت بجوف، وفم، ولسان، وشفتين؟! والجوارح إذ شهدت على الكفار، فقالوا: {لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: 21]، أتراها أنها نطقت بجوف، وفم، ولسان؟! ولكن الله أنطقها كيف شاء، وكذلك الله تكلم كيف شاء، من غير أن يقول بجوف، ولا فم، ولا شفتين، ولا لسان. اهـ.
وقال الإمام السجزي في رسالته إلى أهل زبيد، في الرد على من أنكر الحرف والصوت: وهذه القضية توجب أن يكون كلامه حرفًا وصوتًا، وكذلك كلام المحدث، إلا أن كلامه معجز، ولا انتهاء له، وأزلي، وكلام المحدث غير معجز، وهو متناه، وعرض لم يكن في وقت، ولا يكون في وقت، وكلامه سبحانه بلا أداة، ولا آلة، ولا جارحة، وكلام المحدث لا يوجد إلا عن أداة، وآلة، وجارحة في المعتاد، وقول الأشعري: "لما كان سمعه بلا انخراق، وجب أن يكون كلامه بلا حرف، ولا صوت"، مغالطة، وبناؤه لا يقتضي ما قاله، وإنما يقتضي: أن سمعه لما كان بلا انخراق، وجب أن يكون كلامه من غير لسان، وشفتين، وحنك، ولو قال ذلك لاستمر، ولم يقع فيه خلاف، وإنما موَّه وغالط، ويمر ذلك على من قصر علمه. اهـ.
وقال في موضع آخر: وأما الصوت: فقد زعموا أنه لا يخرج إلا من هواء بين جرمين، وذلك لا يجوز وجوده من ذات الله تعالى، والذي قالوه باطل من وجوه: ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر سلام الحجر عليه، وعلم تسليم الحصا في يده، وتسبيح الطعام بين يديه، وحنين الجذع عند مفارقته إياه، وما (جاء) لشيء من ذلك هواء منخرق بين جرمين؟ وقد أقر الأشعري: أن السماوات والأرض {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} حقيقة لا مجازًا. اهـ.
وقال الإمام المقدسي في (الاقتصاد في الاعتقاد) في إثبات أن كلام الله بحرف وصوت: وروى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تكلم الله بالوحي، سمع صوته أهل السماء، كجر السلسلة على الصفوان، فيخرون سجدًا". وذكر الحديث. وقول القائل: بأن الحرف والصوت لا يكون إلا من مخارج، باطل ومحال، قال الله عز وجل: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}، وكذلك قال عز وجل إخبارًا عن السماء والأرض أنهما {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}، فحصل القول من غير مخارج، ولا أدوات. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كلمه الذراع المسمومة. وصح أنه سلم عليه الحجر. اهـ.
وقال الدكتور أحمد بن عطية الغامدي في رسالته للدكتوراه (البيهقي وموقفه من الإلهيات) في بيان شبهة من نفى الحرف والصوت: يرى أن إثبات ذلك يقتضي تشبيه الله بخلقه، في أن يكون له مخارج الحروف والأصوات، فيكون كلامه يشبه كلام خلقه؛ لأن الحرف والصوت من صفات كلام المخلوقين. اهـ.
ثم قال: منشأ الخطأ في هذه المسألة هو عدم التفريق والمباينة بين الخالق وصفاته والمخلوق وصفاته، وإلاّ فإن السلف متفقون على التمييز بين صوت الربّ، وصوت العبد، ومتفقون على أن الله تكلم بالقرآن الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم حروفه ومعانيه، وأنه ينادي عباده بصوته. وليس للبيهقي ومن حذا حذوه في نفي الحرف والصوت سوى الشبهة التي سبق ذكرها.
أما السلف فإنهم استدلوا على مذهبهم القائل بأن الله يتكلم بصوت بحديث أبي سعيد الخدري الذي رواه البخاري: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار…". وأمثاله من الأحاديث ...
وقصارى القول: إن السلف يرون أن الله تعالى يتكلم بصوت يسمع، كما دلت على ذلك الأدلة القاطعة من الكتاب والسنة، وأن صوته لا يشبه أصوات خلقه، كما أن ذاته لا تشبه ذواتهم، وأن سائر كلام الله تعالى ليس هو الحروف فقط، ولا المعاني.
وفي بيان أن كلام الله تعالى هو مجموع الأمرين، يقول شيخ الاسلام ابن تيمية موضحًا المذهب الصحيح في ذلك: والصواب الذي عليه سلف الأمة - كالإمام أحمد، والبخاري صاحب الصحيح في كتاب خلق أفعال العباد، وغيره، وسائر الأئمة قبلهم وبعدهم أتباع النصوص الثابتة، وإجماع الأمة، وهو: أن القرآن جميعه كلام الله -حروفه، ومعانيه-، ليس شيء من ذلك كلامًا لغيره، ولكن أنزله على رسوله، وليس القرآن اسمًا لمجرد المعنى، ولا لمجرد الحروف، بل لمجموعهما، وكذلك سائر الكلام ليس هو الحروف فقط، ولا المعاني فقط، كما أن الإنسان المتكلم الناطق ليس هو مجرد الروح، ولا مجرد الجسد، بل مجموعهما، وأن الله تعالى يتكلم بصوت، كما جاءت به الأحاديث الصحاح، وليس ذلك كأصوات العباد، لا صوت القارئ، ولا غيره، وأن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فكما لا يشبه علمه وقدرته وحياته، علم المخلوق وقدرته وحياته، فكذلك لا يشبه كلامه كلام المخلوق، ولا معانيه تشبه معانيه، ولا حروفه تشبه حروفه، ولا صوت الربّ يشبه صوت العبد. اهـ.
فهذا هو مذهب السلف الحق، وهو الرأي السديد لاتفاقه مع ما جاء به الوحي الإلهي، الذي يجب أن يكون هو الفيصل عند الاختلاف والحكم عند التنازع، بعيدًا عن الأقيسة الباطلة. اهـ.
وإذا تقرر ذلك؛ عرف أن إثبات الحرف والصوت في كلام الله تعالى، لا يعني مشابهة كلام المخلوق، ولا يعني كذلك الخوض في كيفية اتصاف الله تعالى بصفاته، وإنما هو لبيان معنى كون الله تعالى متكلمًا بما شاء، وقتما شاء سبحانه، مع الجزم بكمال الله المطلق، وأن صفاته لا تماثل صفات المخلوق.
منقول اسلام ويب
أمس في 2:58 pm من طرف عبدالله الآحد
» كتاب شرح السنة للبربهاري
الأربعاء نوفمبر 06, 2024 8:08 pm من طرف عبدالله الآحد
» حكم تقسيم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة
الأربعاء نوفمبر 06, 2024 7:22 pm من طرف عبدالله الآحد
» ((- 1 - )) خصوصيات الرسول صلى الله عليه وسلم
الأربعاء نوفمبر 06, 2024 7:16 pm من طرف صادق النور
» ملخص أحكام قضاء الحاجة وسنن الفطرة
الأربعاء نوفمبر 06, 2024 3:21 pm من طرف عبدالله الآحد
» الأفضل في سنن الفطرة أن تكون تقعل يوم الجمعة
الثلاثاء نوفمبر 05, 2024 2:55 pm من طرف عبدالله الآحد
» الخشوع مهم جدا في الصلاة وقراءة القرآن وسائر الأذكار
الإثنين نوفمبر 04, 2024 3:35 pm من طرف عبدالله الآحد
» احذروا مكروهات ومبطلات الصلاة يرحمكم الله
الأحد نوفمبر 03, 2024 2:33 pm من طرف عبدالله الآحد
» وجوب الإعراض عن اللغو
السبت نوفمبر 02, 2024 3:06 pm من طرف عبدالله الآحد
» التعليق على بعض الأبيات من منظومة السفاريني في العقيدة
الأربعاء أكتوبر 30, 2024 8:59 pm من طرف عبدالله الآحد